Uploaded by mahmoud007ns

Kotobati - دين المؤتفكات - عمرو عبد العزيز

advertisement
‫املقدمة‬
‫بسم اهلل القادر القاهر‪،‬‬
‫لوال إمياني بربي العادل‪ ،‬املستعلي على العباد‪ ،‬املُنكِّلُّ بأمم اجملرمني‪ ،‬ألطبق اإلياس‬
‫على نفسي‪ ،‬فما نشهده مؤذن باهللكة اليت ال يضطلع بأفداحها إنس وال جان!‬
‫هلكة مُضي البشرية إىل أشأم فتنة وأنكد بالء!‬
‫هلكة توشك أن تربو يف فُحشها آثام جاحدي األنبياء جمتمعني!‬
‫حنن ماضون إىل زمن ينبعث فيها املُجَّان والفساق أرساال ملالحقة املتطهرين‬
‫وإيذائهم؛ بل طالبهم إزهاق روح املؤمنني!‬
‫وأمثالنا من سيؤدبون‪ ،‬ويف أضيافنا وأوالدنا سيطمعون! وسيُهدد األُباة بشواظ من نار‪،‬‬
‫ُيحرَّق بها يف األخاديد كل جمرتئ ُمنازع دا ٍع إىل الصراط املستقيم!‬
‫وما ذلك اإلجرام كله‪ ،‬إال إلمياننا خبلق اهلل اإلنسان يف أحسن تقويم‪ ،‬وإميان‬
‫امللعونني بأنهم خالقوه النشأة األُخرى‪ ،‬وأن خلق اإلنسان لإلنسان هو أحسن تقويم!‬
‫خ ْل ِقهِ‪ ،‬ومل يزرع أولئك إال اللوطية ومناقضة الفِطَر‬
‫وقد زرع اهلل الفِطَر يف صلصال َ‬
‫يف إنسانهم املشؤوم!‬
‫وقد خلق اهلل اجلنسني الذكر واألنثى‪ ،‬ومل خيلق أولئك إال (النوع ‪ /‬اجلندر)؛ فال‬
‫ذكر وال أنثى!‬
‫ويف دين زمن الفُحشِ والبهتان‪ ،‬واستطالة شؤم الغرب األثيم‪ ،‬مل نر آفك من مسخ‬
‫خلق اهلل إىل ما لُعن بأمر اهلل والنبيني والصديقني يف كل منزل ومقال‪ ،‬وال أشأم‬
‫ُس‬
‫من هدم بنيان اجملتمع املُشيَّد فوق أُسِّ الفِطَر‪ ،‬ومأسسة الفوضى املُشيَّدة فوق أ ِّ‬
‫الرذائل!‬
‫أقد أظل الصاحلني زمن اإلخراج‪ ،‬وأطل عليهم زمن احلريق؟!‬
‫رمبا!‬
‫‪1‬‬
‫أال تُبصر الغيم األمحر يف األفق حيتشد؟ ذاك اهلول القادم! ذاك قطر الدم املسفوك‬
‫ال لقيلة ال إله إال اهلل وحدها‪ ،‬بل لقيلة الفطرة ذاتها‪ ،‬اليت مل خيتلف عليها إنسان‬
‫قبل ذاك الزمان‪ :‬أنا خلقنا الزوجني الذكر واألنثى!‬
‫ذاك عصر رجاله بفروج نساء‪ ،‬ونساؤه بلحىً!‬
‫ذاك عصر تُلقى فيه باجلب إن امشأز قلبك من اللوطيني أو قلت هلم أف!‬
‫ال تقل هلم أف! إياك!‬
‫والنه ُر املوت! النهرُ املوت!‬
‫أنشهد نهاية العامل الذي ثقِفناه؟ أنشهد بداية خملوقات اإلنسانوية الشوهاء؟!‬
‫أيكون عزاؤنا أن طالِعنا خريٌ من طالع خالئفنا؟!‬
‫وأي عزاء يف شقاء األبناء؟!‬
‫***‬
‫مل تثب فكرة كتاب عن اللوطية يف عقلي قبل عام ‪ ،2006‬بعدما أمتمت الثانية‬
‫والعشرين‪ ،‬وكنت حينما أتابع املادة اإلعالمية الغربية أحلظ أن أولئك يُمهدون‬
‫جلليل؛ فجلست أخطط الفصول‪ ،‬وأفكر يف مسلك البحث املناسب؛ ثم نسيت األمر ‪-‬‬
‫وإن احتفظت باألوراق إىل اآلن‪ -‬فتزوجت وانشغلت باحلياة واألفكار‪ ،‬وعشت سنوات‬
‫الثورة وانشغاالت السياسة ولطمة درك وجوب تطوير الذات والفكر واللغة والعلوم؛‬
‫ثم هوى صرح اآلمال يف هاوية الغُمة‪ ،‬وأولِجنا بئرا بال قرار‪ ،‬وبدا كما لو أن‬
‫اجملرمني قد تنادوا فكادوا لإلنسانية كلها يف ذلك العقد الذميم‪ ،‬فلم تُتلى علينا إال‬
‫أنباء ال يُهوِّن شؤم سالفها إال ثِقل وطأة مستحدثها!‬
‫وصاحلو املسلمني أين؟ بني أسري وشريد وقاعد مذهول!‬
‫‪2‬‬
‫وها حنن يف مطلع العقد الثالث من القرن اجلديد! عقد مُلوَّن بصِبغيت العار والشنار‪،‬‬
‫صبغة العنصرية وصبغة اللوطية‪ ،‬تتناطحان‪ ،‬ويذيع الغرب يف العامل أنهما نقيضان‪،‬‬
‫وأن اإلنسان إما يكون مع ميني اجملرمني أو مشال الفاحشني‪ ،‬وال ثالث!‬
‫ي الشهر‬
‫هنا جلست مقعد املهمومني‪ ،‬وشرعت يف كتابة هذا السفر‪ ،‬متثاقال‪ ،‬مير عل َّ‬
‫تلو اآلخر‪ ،‬والسنة تلو السنة! فمنذ ثالثة ال يصدُّ رغبيت إنهاء الكتاب‪ ،‬إال مناورة‬
‫نفسي إياي‪ ،‬ومعاناة أناملي احلُبسة!‬
‫أمشمئزة كانت؟ أم يقتلها فضول معرفة قعر الغيهب؟!‬
‫وأنا لنفسي عاذر‪ ،‬فالعجائب تتلو الغرائب‪ ،‬وأنا أرقب كل هذا يف دهشٍ من جرأة‬
‫القوم‪ ،‬وسرعة تطور أفكارهم‪ ،‬ومقدار اتساع حيلهم!‬
‫أبصرت لشهور حتوُّل ما ُوصِمت لقيلي إياه قدميا باهلوس واملُبالغة واإلغراب = إىل‬
‫حقائق اليوم ووقائع العصر‪ ،‬وجممع الرأي الذي ال جيرؤ على مسِّه إال املنتحرين!‬
‫لكنين مضيت‪ ،‬ووفقين اهلل قدر استطاعيت‪ ،‬وأنهيت هذا الكتاب عسى أن يكون إعالما‬
‫خللفائنا بأ َّنا مل نكن كالنائحات نرتثَّى ماضينا دون فِعال‪ ،‬بل كنا رجاال نزود عن‬
‫حياض هذا الدين بأقالمنا وألسنتنا‪ ،‬إىل أن يأذن اهلل بلفظة زُهري!‬
‫وأرجو القارئ أن يغفر لي النقائص‪ ،‬وأن يتجاوز عن اهلنات‪ ،‬إذ يعلم ربي أني مل‬
‫أتعمدها‪ ،‬وبذلت ما مسح به وقيت ومعرفيت وعلمي لقراءة كل ما خيدم فكرة هذا‬
‫الكتاب‪ ،‬ويُجلي جانبا من جوانب تلك الداهية احلالكة! وأشكر كل من ساهم يف‬
‫خروج هذا الكتاب إىل النور‪ ،‬خاصة من بعثوا لي األخبار ترتى أثناء كتابيت عنها يف‬
‫مواقع التواصل خالل األعوام الثالثة األخرية‪ ،‬فجزاهم اهلل كل خري‪.‬‬
‫وأسأل ربي أن يُبقي هذا الكتاب يف الناس‪ ،‬إن نفعهم‪ ،‬وال يستويف لي أجر كتابته إال‬
‫يف اآلخرة‪ ،‬باملغفرة والرمحة والتجاوز عين والضمِّ للصاحلني‪ ،‬وأسأل ربي أن يذهبه‬
‫جفاءً‪ ،‬إن آذاهم‪ ،‬ويغفر لي زللي‪ ،‬فهو العامل بأني ما اجتهدت فيه إال استنقاذا‬
‫للمسلمني‪ ،‬وشفقةً باملؤمنني‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫عارضٌ مُمطِرٌ‬
‫‪4‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تكوُّن دين اللوطية‬
‫لن يسلُس حبثُنا‪ ،‬ويستنري فهمنا لذاك الكثيب املظلم من آثار اللوطيَّة‪ ،‬إال مبدخل‬
‫نستعرض فيه معا جذور بناء الظاهرة اللوطيَّة‪ ،‬الناشبة يف املئني من دقائق الفكر‬
‫الغربي‪.‬‬
‫وانتخال غابات ذاك الفكر‪ ،‬ثم انتخاب ما يظنُّه الباحث أسسا كربى لتكوُّن اللوطيَّة‬
‫دينا علمانيا‪ ،‬إقدامٌ ومغامرة = فال جيسر جادٌّ على ادعاء مشول االطالع‪ ،‬أو الفهم‬
‫الدقيق لكافة جوانب ذاك البحر الفكري والفلسفي اخلضم‪ ،‬إذ أن القصور الثقايف‬
‫حتميٌّ إال هلواة املزاعم الشقيَّة!‬
‫وقد استفرغت جهدي وطاقيت للفهم ثم االنتخاب‪ ،‬وال يُكلِّف اهلل نفسا إال وسعها‪،‬‬
‫سائال املغفرة على التقصري إن استبانت للقارئ بعد ذلك أسس أقوى وأظهر مما‬
‫عرضته‪.‬‬
‫وقد كان االختصار هو املبدأ الناظم لبنية هذا الفصل‪ :‬فإجياز واقتضاب ملا نوقِش‬
‫ط نسيب ملا أعياني الوقوف على نظريٍ عربي‬
‫بصورة متكررة يف الثقافة العربيَّة‪ ،‬وبس ٌ‬
‫له‪ ،‬ومل أصادف منه إال النتف واملقاطع اليت ال حيدث بها الغناء؛ فكان من األول‪ :‬األس‬
‫النسوي‪ ،‬والنسبوي‪ ،‬والتطوري ‪ -‬ومن الثاني‪ :‬األس الثوري‪ ،‬والليربالي الفرداني‪.‬‬
‫كما أضفت بعض العوامل العَرَضيَّة‪ ،‬اليت أحسبها ساهمت يف تنامي اللوطيَّة‪ ،‬وزدت‬
‫يف اإلجياز إجيازا عندها‪ ،‬لظين أن سهمها مل يكُن قاصِدا السفك‪ ،‬ومل يكُن إال أثرا‬
‫لألسس الكربى‪.‬‬
‫ولن يفوت جامع تلك األسس‪ ،‬مالحظة أنها‪ ،‬حتى النسبويَّة منها‪ ،‬قد نظَّرت لنوع من‬
‫أنواع الطوبيا األرضية‪ ،‬حتى حسِب كل مؤمن بإحدى تلك الفلسفات‪ ،‬أنه ينظُر‬
‫ص وقد فغمته رياحني جنة امليعاد‪ ،‬اليت شيَّدها بعقله وحده‪ .‬فأين وصلنا؟‬
‫اخلال َ‬
‫وتركت بعض األفكار يف فصول تالية‪ ،‬هي بها أليق‪ ،‬ونسبتها إليها أوفق‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫أوال‪ :‬األسس الكربى لظهور دين اللوطية‪.‬‬
‫التطور الشامل‪.‬‬
‫األس األول‪:‬‬
‫ُّ‬
‫َفقَارُ األسس القادمة‪ ،‬هي فلسفة التطور اجملتمعي الشامل‪ ،‬خاصة يف صورتها‬
‫احلتميَّة‪ .‬ومُلخَّص التعريف بها‪ ،‬أنها نظريَّة تؤمن بسري التاريخ اإلنساني يف خط‬
‫تقدمي مستمر‪ ،‬أحادي االجتاه عند األغلبية‪ ،‬يقوم على قدر كبري من جتاوز املاضي‬
‫ونفي مُنتجاته‪ ،‬والنظر إىل كل مرحلة حديثة على أنها أرقى من سابقتها (‪ .)1‬وقد‬
‫خيتلف منظرو تلك النظرية حول احلتميَّة‪ ،‬أو اجتاه التقدُّم = إال أنهم جيتمعون‬
‫على اإلميان بأن للتطور اجملتمعي حزمة من القوانني والقواعد اليت ميكن‬
‫استخالصها من تاريخ تطور اجملتمعات اإلنسانية‪ .‬ومُقابل أولئك توجد جمموعة‬
‫أخرى من االجتماعيني الذين يرفضون االنشغال بالبحث عن (فلسفة تارخيية) وال‬
‫يعرتفون بالبحث عن القوانني‪ ،‬إمنا ينهمكون فقط بالبحث عن األحداث التارخيية‬
‫وحتقيقها )‪.(2‬‬
‫ونظرية التطور اجملتمعي من بنات عصر التنوير األوروبي‪ ،‬فقد ظهرت‪ ،‬على سبيل‬
‫املثال‪ ،‬فكرة التقسيم الثالثي للتاريخ (بدائي ثم وسيط ثم حديث) يف كتابات‬
‫جتْ خالل القرن الثامن عشر‪ ،‬ثم انتشرت أثناء القرن‬
‫جيامبتيستا فيكو‪ ،‬وآن تِرْ ُ‬
‫التاسع عشر‪ ،‬قرن األيدولوجيات‪ ،‬وخاصَّةً بعدما سادت فكرة أوجست كونت‪ ،‬الذي‬
‫قسَّم التاريخ إىل ثالث مراحل‪ :‬الهوتيَّة بدائية‪ ،‬ثم ميتافيزقيَّة وسيطة‪ ،‬ثم أخريا‪،‬‬
‫وضعيَّة‪ ،‬وفيها يسود العلم ويطَّ ِرحُ اجلهل واخلرافات واإلميان بالغيب )‪ ،(2‬ويصحب‬
‫تلك السيادة تطور مستمر شامل من الناحيتني الفكرية واجملتمعيَّة‪ .‬ولعل نظريَّة‬
‫‪6‬‬
‫التطور البيولوجي مل تكن يف حقيقتها إال تربيرا علمويا للنظريَّة الفكرية‬
‫واالجتماعية اليت سادت القرون األخرية يف أوروبا‪.‬‬
‫وقد شُيِّدت أكرب أيدوجليات القرن املاضي والعامل احلالي فوق تلك النظريَّة‪،‬‬
‫كالليرباليَّة واملاركسيَّة‪ ،‬وعوملت ألحقاب متطاولة كمسلمة مفروغ منها يف‬
‫احلقل العلمي قبل الفكري‪ ،‬كما نرى عند عمالقة علماء االجتماع التارخييني‪ ،‬مثل‬
‫دوركاييم)‪ (3‬وسبنسر)‪. (4‬‬
‫وإننا‪ ،‬املسلمني‪ ،‬وإن كنا نؤمن بأن العلم يُطوِّر اجملتمع اإلنساني واملعريف من جهة ‪-‬‬
‫وإال ما كان اهلل سبحانه وتعاىل قد حثنا على الغوص فيه والتعلُّم والبحث املستمر‪-‬‬
‫إال أننا ال نُرفِق ذاك بشيئني‪ :‬أال وهما احلتميَّة‪ ،‬والتجاوز األخالقي واملعريف‬
‫والتشريعي واجملتمعي الكامل مع نفي املاضي‪.‬‬
‫ومثَّت حاجة للتفصيل ها هنا‪:‬‬
‫إن احلتميَّة اليت تؤمن بها مجهرة منظري التطور اجملتمعي‪ ،‬تقتضي ضرورة‬
‫اإلميان بأن اإلنسان يف تطور خطي مستمر على كافة املستويات‪ ،‬وأن تقدمه واجب‬
‫= إذ أن معيار قياس التقدُّم يذيِّلُ اجملتمع ويضعُ العلم والتقنية يف الصدارة؛ فما دام‬
‫اجملتمع يتقدَّم علمويًّا فهو حتما يتقدَّمُ يف كل شيء آخر!‬
‫وكما يف العلم‪ ،‬الذي جتبُّ النظريات اجلديدة فيه كل عتيق = كذلك اجملتمع‬
‫جيب احلديث منها القديم!‬
‫ومنظومته وأفكاره وتشريعاته‪ُّ ،‬‬
‫وكما يف العلم‪ ،‬الذي يذمُّ احلديثُ منه الرجعيَّ املتمسك بنظريات جاوزها الزمان =‬
‫كذلك اجملتمع ومنظومته‪ ،‬يذمُّ احلداثي فيه األصولي التقليدي املتمسك بنظريات‬
‫وتشريعات وأفكار أسالف كانت معارفهم وأدواتهم البحثية والعلمية أكثر ختلفا‪،‬‬
‫يف أعصُر بدائيات مظلمات!‬
‫‪7‬‬
‫فاحلتميَّة ال تعين فقط لزوم اإلميان بدميومة املُضيِّ إىل األمام؛ إمنا توجِب اإلميان‬
‫حبتميَّة رِفعة احلديث وضِعة القديم‪ ،‬وحتميَّة البحث الدائم عن اللحظة املُثلى‪ ،‬إن‬
‫كان هناك شيء كذلك! لذا كانت نظريات التطور اجملتمعي‪ ،‬يف عصر سيادتها‬
‫الذي وصل ذروة تركيبه يف منتصف القرن العشرين مع الوظيفية والبنيوية‬
‫عامةً لألديان‪ ،‬إذ اعتربتها ظاهرة جمتمعية تارخيية‬
‫ومدارس احلداثة = مُعادية َّ‬
‫انقضى عصرها‪ ،‬وعائقا خطريا لزعمها أنها أم احلق املُطلق للتاريخ والتشريع‬
‫والتنظيم اجملتمي! والواجب‪ ،‬أن يظل اإلنسان مؤمنا بكون ما أقره من تشريعات أو‬
‫تنظيمات جمتمعية‪ ،‬ميكن أن يصل إىل ما هو أعلى مع التحديث والتطور‪ ،‬ذاك‬
‫جوهر اإلميان التطوري‪.‬‬
‫أما اإلسالم فيستقلُّ هنا مبا ال يشاكل ذلك البتة‪ ،‬إذ يؤكِّد أن ثمَّ مصدر رباني‬
‫مُنزَّلٌ منذ مخسة عشر قرنا‪ ،‬يشتمل على أفضل تشريع وأعظم دستور أخالق وأنسب‬
‫تنظيم جمتمعي ميكن أن يطمح البشر إليه؛ وما على اإلنسان بعد ذلك إال ضبط‬
‫حياته كي توافق ذاك التشريع القانوني واألخالقي = فاملِثالُ موجود‪ ،‬والواقع مُراعىً‪.‬‬
‫والتقدُّم العلمي واجملتمعي ال يكون إال داخل اإلطار املُنزَّل‪ ،‬فهو ال مُتجاوِزٌ وال نافٍ‪،‬‬
‫إمنا مُطوِّر مُقدِّسٌ ملا أنزله اهلل مُطلقا يف كل زمان ومكان‪ ،‬مُحرتِمٌ لعمل السلف ال‬
‫يُعدِّل عليهم إال يف أضيق احلدود‪ ،‬وفيما يسمح النصُّ املُقدَّس بالتعديل عليه‪.‬‬
‫ثم أن العلم التجرييب احملض ليس قيِّما على التطور اجملتمعي؛ ففضيلة اجملتمع‬
‫األوىل هي اتباعه القرآن والعمل به‪ ،‬والتطور العلمي جزء من هذا العمل‪ ،‬وال يستمد‬
‫حافزه إال من تلك الفضيلة؛ فإن حافظت أمة اإلسالم على صورة اجملتمع األخالقي‬
‫والتشريعي وتدنت مكانتها العلميَّة = اعتُربت أمة فُضلى ممدوحة اآلخرة والعمل‬
‫الروحي وإن نقصها املزيد من االنضباط والعمل الدنيوي؛ أما إذا حدث العكس‪ ،‬بأن‬
‫حافظت األمة على العلم وتدنت أخالقيا وتشريعيا = فهي أمة مذمومة اآلخرة‬
‫‪8‬‬
‫والعمل الروحي‪ ،‬ممدوحة يف وجه واحد فقط أال وهو حيازة أسباب مُلكِ الدنيا‪،‬‬
‫العلوم‪.‬‬
‫وسنرى قريبا‪ ،‬أن تلك النظريَّة أُخذِت كمُسلَّمة‪ ،‬بُين فوقها البحث عن النموذج‬
‫املثالي‪ ،‬واحتقار النماذج السالفة‪ ،‬تارة يف النسويَّة‪ ،‬وتارة يف فكر ثورة حضارة البهجة‪،‬‬
‫وتارات يف الليرباليَّة واالشرتاكية‪ ،‬وهذا طبيعي‪ ،‬إذ أن تلك الفلسفات وُجِدت يف‬
‫عصر تسيُّد فلسفة التطور حقول العلوم اإلنسانية‪ ،‬أي حتى الستينيات تقريبا‪ ،‬قبل‬
‫تفككه مع حرية احلداثة وارتباك مفاهيم التنمية واضطراب الفرضية العلمانية‬
‫‪1‬‬
‫يف احلقل السياسي منذ الثورة اإليرانية‪ ،‬وظهور عوامل عديدة مفاجئة يف كل‬
‫اجملتمعات واحلقول العلمية‪ ،‬ما خفض يف النهاية من اليقني بالتطور اجملتمعي أو‬
‫حتميته على األقل‪ ،‬على املستوى األكادميي بصورة خاصة‪ .‬أما على املستوى‬
‫األيدولوجي‪ ،‬فقد استمر فكر التطور وإن كان قد تأثر بالنسبوية وما بعد احلداثة‪،‬‬
‫كما سنرى يف األس األخري‪.‬‬
‫األس الثاني‪ :‬النسوية‪.‬‬
‫أول األسس اخلاصة‪ ،‬اليت ساهمت يف إظهار اللوطيَّة مباشرةً‪ ،‬هي النسويَّة‪ ،‬وهي‬
‫مسمى عام لعقيدة‪ ،‬وحركة أيدولوجيَّة‪ ،‬واجتماعيَّة‪ ،‬ميكن تلخيص أبرز اجتاهاتها‬
‫يف املعاني اآلتية )‪:(5‬‬
‫• فهي نظرية عامة عن طبيعة اضطهاد الرجال للنساء‪.‬‬
‫• وهي نظرية سياسية تهدف لتحرير النساء من استغالل الرجال‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫الفرضية العلمانية‪ :‬أن الدين يتجه كلما تقدم العالم نحو االختفاء من المشهد السياسي‪ ،‬راجع (‪.)354‬‬
‫‪9‬‬
‫• وهي حركة اجتماعيَّة حداثية لتغيري ما يتعلق بأحوال النساء كافةً‪ :‬القانونية‬
‫واالجتماعية واالقتصادية والسياسية والثقافية‪.‬‬
‫• وهي أيدولوجيا معارضة لكافة األشكال الفكريَّة والسلوكيَّة الضطهاد النساء‬
‫ومعاداتهن (امليزوجينيَّة)‪.‬‬
‫وللنسويَّة مدرستان كبريتان‪ ،‬وعدة مدارس فرعيَّة‪ ،‬األوىل هي النسوية الليرباليَّة‪،‬‬
‫والثانية هي النسويَّة الراديكاليَّة‪ .‬والليرباليَّة منهما هي األقدم‪ ،‬إذ ترجع إىل نهايات‬
‫القرن الثامن عشر‪ ،‬وقت البدايات األوىل‪ ،‬وكانت باجململ جزءا من حركة‬
‫االستنارة الليرباليَّة‪ ،‬وقد ظلت قضاياها الرئيسية هي حتقيق املساواة القانونية‬
‫والسياسية مع الرجال)‪. (6‬‬
‫أما الثانية‪ ،‬الراديكاليَّة‪ ،‬فقد اشتعلت أوارها يف الستينيات‪ ،‬فيما يعرف باملوجة‬
‫النسويَّة الثانية )‪ ،(7‬وهي جزء من الثورة اجلنسيَّة اليت غمرت الغرب يف ذلك الوقت‪،‬‬
‫وعليه كانت أفكارها أكثر ثوريَّة وغضبا وتعصبا ضد الرجال (‪ .)8‬وال يُمكن القول‬
‫بأن الفكر النسوي املعاصر ينتمي إىل األوىل القدمية‪ ،‬أكثر من الثانية الراديكاليَّة‬
‫املتعصبة‪.‬‬
‫ومأثم النسويَّة ووزرها األكرب يف قضية اللوطية‪ ،‬هو تفكيكها ارتباط اهلوية‬
‫العضوية اجلنسية‪ ،‬باهلويَّة اجملتمعية‪ ،‬زاعمةً أن التالزم بني هذه وتلك مصنوع‬
‫مُخرتع ونتاج للبطريركية)‪ (9‬الذكورية = إذ ال يلزم من وجود األعضاء األنثوية‬
‫‪10‬‬
‫عند إنسان‪ ،‬أن يكون امرأة وسيِّدة‪ ،‬مبا حيمله معنى (امرأة) من أفكار مسبقة‬
‫مُركَّبة عن وظيفتها ودورها االجتماعي!‬
‫أنصِت للنسويَّة أورسوال شوي‪ ،‬وتدبَّر قوهلا‪ ،‬حني تصرُخ بعبارتها الشهرية‪( :‬حنن ال‬
‫نولد إناثًا‪ ،‬إمنا نُجعَل كذلك) (‪!)10‬‬
‫إذن ما الذي يصنع اهلويَّة؟‬
‫سيفتقر فهمنا حينئذٍ إىل رحلة يف أغَوار التاريخ كي نفهم مرادهن ومقصدهن‪ ،‬وإن‬
‫كانت هناك صعوبة يف مجع كافة الرؤى النسويَّة لشكُّل التاريخ والواقع‪ ،‬خاص ًة‬
‫مع االختالف بني النسوية الليرباليَّة اليت تعزف عن التحليل التارخيي لكيفية‬
‫حدوث القمع‪ ،‬والنسويَّة الراديكالية املولعة بذلك (‪ ،)8‬فالنسوية يف احلقيقة‬
‫(نسويات) كثرية ومتضاربة ومتناقضة‪ ،‬والنسويات يتعاورن كثريا‪ ،‬وقد شهدنا‬
‫بعض من تضع جبوار صورتهن يف املعاجم مصطلح (نسوية) راضي الضمري‪ ،‬تكتب‬
‫هي نفسها نقدا حارا ملتهبا للنسوية‪ ،‬ويطري به كل من ندَّ عنه نور الفهم‪ ،‬غري‬
‫ُمدرك أن ما تنقده تلك النسوية إمنا هو طراز آخر من النسوية! كأن تنقد نسوية‬
‫إسالموليربالية النسوية الراديكالية‪ ،‬أو النسوية البيضاء! إنها ال تنظر لنسويتها‬
‫باعتبارها (نسوية)‪ ،‬بل باعتبارها حقيقة مطلقة يستحيل وصمها باألدجلة‬
‫ويستحيل قولبتها يف مسمىً وإطار! وتلك لعمري أزمة كربى ال نفقهها يف واقعنا‬
‫الفكري والثقايف‪ ،‬أن هناك نقدا علمانيا للعملنة! ونقدا ليرباليا للتعددية! ونقدا‬
‫نسويا للنسوية! فليس كل من نقد العلمانية أو النسوية معادٍ هلما‪ ،‬إمنا قد يكون‬
‫مُبشِّرًا بشكل أعقد‪ ،‬ومنط أخفى!‬
‫‪11‬‬
‫إال أنين سأحاول عرض ما جيمع أشتات رؤى مجهرة النسويَّات األقحاح للتاريخ‪،‬‬
‫ومنه نفهم تصورهن للواقع وللحلول املطلوبة‪ ،‬وأخريا نصل إىل معرفة كيف‬
‫ساهمت الفلسفة النسويَّة يف صناعة اللوطيَّة‪.‬‬
‫فال ترى النسويَّات اجملتمع والتاريخ إال يف إطار األس األول‪ ،‬وهو التطور اجملتمعي‬
‫الشامل‪ ،‬على الصورة اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬اجملتمع مصنع هوياتنا‪ ،‬وهو مُشبَّع بأفكار ممتدة منذ بُدَّاء البشرية والوجود‬
‫اإلنساني‪ ،‬إىل حاضِرنا‪ :‬ففي األعصر األوىل لفجر حتول اإلنسان من حيوان أعجمي‬
‫إىل عاقل‪ ،‬كانت القوة البدنية هي معيار تنسيق الرتاتبية االجتماعية‪ ،‬وملا كان‬
‫األقوى واألقدر على الصيد هو الرجل‪ ،‬فقد نضَّد نسقا اجتماعيا يسوِّده وجيعله آمرا‬
‫للكائن األضعف‪ ،‬املرأة‪ ،‬اليت شغلها برعاية األطفال‪ ،‬وأفسد طموحها بقصرها على‬
‫األعمال الداخلية كتجهيز مكان مبيته‪ ،‬وتلبية شهواته‪.‬‬
‫وكرهًا رضخت املرأة‪ ،‬ﻷن الظروف البدائية القاسية مل تسمح هلا مبناوءة الرجل‬
‫ومقارعة تلك اهليمنة خللع نري الرق‪.‬‬
‫فالرجل منذ مُفتتح التاريخ وفجر اإلنسانية مل يكن إال مستبدا غشوما جائرا‪،‬‬
‫يستخدم توحشه وقوته العضليَّة لقمع املرأة املسكينة وقتل طموحها بتحقيق‬
‫كينونة وهوية متميزة عنه ومستغنية‪.‬‬
‫‪ -2‬لكن ذلك مل يكن أقبح فعال الرجل‪ ،‬بل ما أتى بعد ذلك أفحش‪:‬‬
‫فقد عمم الذكور ذاك التنظيم اجملتمعي وجعلوه الطبيعي األوحد‪ ،‬ثم ورَّثوه للنشء‬
‫من بعدهم‪ ،‬حيث ال تكون األنثى فيه إال مسرتقَّة مُهانة ذليلة‪ ،‬ومن هنا أصبحت‬
‫هوية الذكور من األطفال هي (رجال)‪ ،‬وأصبحت هوية اإلناث (نساء)‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫فالرجل مثال هو صناعة جمتمعية متوارثة‪ ،‬يتدرب عليها الصغار منذ التنشئة‬
‫االجتماعية واألسرية األوىل‪ ،‬فيُدرَّب الصبيان على القتال والصيد وقهر املرأة‬
‫والتسلط عليها واإلميان بالتفوق الذكري حبق الطبيعة! أما املرأة هي األخرى‬
‫فليست إال صناعة جمتمعية متوارثة‪ ،‬تتدرب عليها اإلناث منذ الوالدة‪ ،‬وتُغسل‬
‫أدمغتهن ويتلقنَّ أن وظيفتهن هي اخلضوع لسيادة الرجل وتسلُّطه وإنفاذ أوامره‬
‫وقبول هذا البغي والرتحيب بالدور اجملتمعي الذي تؤديه كل امرأة من تنظيف‬
‫منزل إىل إعداد طعام وتربية أطفال‪.‬‬
‫‪ -3‬ثم جاءت تارخييا بعد ذلك املرحلة الثالثة‪ ،‬القرار وخلع القداسة على النظام‬
‫البطريركي الباغي‪:‬‬
‫فبالتأطري الديين‪ ،‬أدخل الرجل مفاهيمه يف األديان اليت اخرتعها أو صاغها‪ ،‬وزعم أن‬
‫(اإلله) هو اآلمر بتلك الرتاتبية والصورة اجملتمعية واألدوار املسبقة = فتقدَّس هذا‬
‫التنظيم اجملتمعي الفاجر‪ ،‬وترسخ إميان النساء به‪ ،‬وتهينب خمالفته حتى اتهمن هن‬
‫أنفسهن كل من ال تضبط دورها االجتماعي املرسوم بالشذوذ والنشوز!‬
‫أي أن املرأة أصبحت أول أعداء األنثى؛ مبكر الرجل التارخيي السرمدي‪ ،‬والذي مل‬
‫يتوقف حلظة‪.‬‬
‫‪ -4‬ثم تطورت اجملتمعات وتقدَّم التاريخ‪ ،‬وأظلنا عصر كسر أغالل األديان‬
‫واخلرافات وكل ما اخرتعه الرجل وجمتمعه الذكوري البطركي‪ !2‬جاء زمان‬
‫طلب املساواة الكاملة بني اجلنسني‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫النظام البطريركي‪ :‬نظام يمثل فيه الرجل دور القائد صاحب الحق في السيادة‪ ،‬لذكوريته‪ ،‬مثل األب في منزله‪ ،‬والبابا في الدين‪،‬‬
‫والملك في السلطة ‪ /‬راجع مادة نظام سلطة األب في (‪.)333‬‬
‫‪13‬‬
‫لقد حتولت النسوية يف تلك املرحلة سريعا‪ ،‬وخالل عقود قليلة فقط‪ ،‬من ثقافة‬
‫مضادة‪ ،‬معادية للمجتمع وقيمه ومعايريه‪ ،‬إىل ثقافة فرعية‪ ،‬يتسامح معها البعض‬
‫ويعرتف بها وإن مل يتبناها‪ ،‬ثم إىل ثقافة سائدة‪ ،‬تضع هي القيم واملعايري‪ ،‬وتتبَّع‬
‫املخالفني وتعاقب املارقني!‬
‫‪ -5‬لكن املساواة احلقيقية لن تكون إال باجتثاث اهليأة األوىل من اجلذور‪ ،‬إنهاء ربط‬
‫الرجل بالذكر‪ ،‬واملرأة باألنثى = فال يُشكَّلُ الطفل بناءً على تصنيفه اجلنسي (ذكر‬
‫أو أنثى)‪ ،‬إمنا يُشكِّل هو ذاته‪ ،‬وتُعزز فيه قيم احلرية‪ ،‬وأن ال فارق بني اجلنسني؛ فإن‬
‫أرادت األنثى أن تعيش يف الدور االجتماعي الذي اعتاد الناس على تسميته من أدوار‬
‫الذكور ‪-‬هُلل هلا‪ ،‬فهي ثائرة على التخلف واألفكار الرجعية البدائية املتوارثة‪ ،‬وإذا‬
‫أراد الذكر أن ميارس أدوارا اجتماعية ارتبطت باألنثى؛ فحيهال!‬
‫إذن العالقة بني اجلنسني صراعية أبدا وهي حقيقة بيولوجية ال مناص عنها وال‬
‫حميص إال إليها)‪ ، (11‬ويف ذلك الصراع يستعمل الرجل حيله العقلية للسيطرة على‬
‫األنثى‪ ،‬وتوريث ثقافة السيطرة تلك إىل األجيال الالحقة )‪!(12‬‬
‫هذا مُجمَل مجهرة التصورات النسويَّة عن التاريخ واجملتمع واهلويَّة‪ ،‬وهو خيتلف‬
‫حدةً يف التفاصيل بني نسويَّة وأخرى‪ ،‬وخيتلف كذلك يف اتهام الرجل ذاته ومن ث َّم‬
‫قصده بالعداء امللتهب لطبيعته النتنة‪ ،‬كما يظهر يف النسويَّة الراديكاليَّة‪ ،‬أو اتهام‬
‫اجملتمع وتنظيمه واعتبار فِعال الرجل مل تكن إال مرياثا ناجتا عن عدم فهم للوضع‬
‫املتخلف‪ ،‬كما يظهر يف النسويَّة الليرباليَّة‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫لكننا خنلُص مبا يلزمنا يف ذلك املبحث‪ ،‬باملبدأ األول الذي يدور عليه حديثنا‪ :‬وهو‬
‫فلسفة (النوع ‪ /‬اجلندر) اليت أفرزها هذا اخلطل؛ فالنسويات يتحلقن حول فكرة‬
‫مركزية كربى‪ ،‬وهي اإلميان مبفهوم اجلندر‪ ،‬واالنشغال بتتبع وجذوره وآثاره‬
‫)‪.(13‬‬
‫إن اجلندر‪ 3‬هو النوع االجتماعي‪ ،‬منط مصنوع‪ .‬والرجل واملرأة هما تعريفان‬
‫جندريَّان‪ ،‬أما التعريفات اجلنسية البيولوجية الثابتة فهي (الذكر واألنثى) = وهذا‬
‫منفكٌّ عن ذاك‪ ،‬ووظيفة الثورة النسوية التحررية تغيري الرؤى اجملتمعية عن النوع‬
‫(اجلندر)‪ ،‬وتطويرها حتى الوصول للمساواة الكاملة‪ ،‬فتأتي يوتوبيا (املساواة النوعية‬
‫‪ )Gender Equality‬الكاملة!‬
‫إن اجملتمع هو العدو‪ ،‬وهو موطن العمل الرئيس للنسويَّة؛ فهو خالق األنواع وزاعم‬
‫ثبات األمناط‪ ،‬توهما منه أن النوع يساوي اجلنس البيولوجي للمولود = أما احلقيقة‬
‫فعلى خالف ذلك‪ ،‬إذ أن جنس املولود ال داللة له ضرورةً‪ ،‬وال تُحشد دالالت اجلنس‬
‫البيولوجي باألفكار املسبقة املصنوعة‪ ،‬إال ببقايا أعصر األديان والتخلف من ثقافات‬
‫ذكوريَّة قمعيَّة‪.‬‬
‫من هنا نرتك النسويَّة لندخل يف مرحلة جديدة بدأت من حيث انتهت النسويَّة‪:‬‬
‫مرحلة فلسفة اجلندر!‬
‫‪3‬‬
‫فيقسم النوع إلى صنفين‪ ،‬ذكر وأنثى‪ ،‬لكن المعنى االجتماعي له‬
‫ُيستخدم الجندر مرادفا للجنس البيولوجي في االستعمال العام‪ُ ،‬‬
‫مختلف‪ ،‬وٌيفرق بوضوح بينه وبين الجنس البيولوجي لإلنسان‪ ،‬فهو مجموعة من الخصائص االجتماعية المرتبطة ثقافيا بأحد‬
‫النوعين )‪– (5‬والفلسفة الجندرية قائمة على فكرة الجندر بالمعنى الثاني ال األول‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫‪ -1‬قيل‪ ،‬ما دام اجملتمع هو صانع املرأة والرجل‪ ،‬وأن جنس املولود ال داللة له‪ ،‬وأن على‬
‫كل إنسان أن خيتار الدور االجتماعي الذي حيبه = فما الذي مينع أن يلعب الذكر‬
‫الدور االجتماعي لألنثى كامال‪ ،‬بعالقاته اجلنسية ‪-‬فيكون لوطيا؟ وما الذي مينع‬
‫األنثى أن تفعل نفس الشيء فتلوط بالنساء؟ بل ما الذي مينع ظهور أشكال متعددة‬
‫ال حصر هلا‪ :‬كرجل يريد أن يكون أنثى فيزرع ثديا ويعيش امرأةً؟ حتى لو كان‬
‫حيب النساء وال يلوط‪ ،‬فاملفاهيم منفكة! وكذا أنثى تزيل ثدييها وتطلب العيش‬
‫كرجل حتى إن كانت حتب الرجال؟ فظهر مفهوم اخلِناث واملرتجالت‬
‫(الرتانسجندر)‪.‬‬
‫‪ -2‬وجاءت كذلك موجة أخرى نسويَّة األصول‪ ،‬تطالب بتمكني املبادئ السالفة على‬
‫مستوى أكرب‪ ،‬بتعديل التنشئة األسرية واجملتمعية لتصبح أحرص على استبعاد‬
‫كل عامل يف التنشئة يوجه لنوع معني = فظهرت أفكار اجلنس املوحد ‪ Unisex‬يف‬
‫املالبس‪ ،‬وتوحيد األلعاب بني اجلنسني‪ ،‬وتعليم األطفال أنهم ال ينتمون لنوع معني‪،‬‬
‫وأن وجود الذكر أو املهبل‪ ،‬ليس له داللة‪ ،‬وأنهم طُلقاءٌ يف اختيار ما يرتاحون إليه‬
‫من أنواع‪.‬‬
‫‪ -3‬وارتبط التطور التارخيي واجملتمعي‪ ،‬كما عند النسويَّة‪ ،‬باخلالص من األفكار‬
‫املسبقة القدمية واملتخلفة عن نوع اإلنسان‪ ،‬وختليق دالالت جديدة حتقق املساواة‬
‫الكاملة بني كل البشر!‬
‫وما واجبنا اإلنساني جتاه ذلك التطور؟‬
‫‪16‬‬
‫علينا معرفة أن عداوة اللوطي أو اللوطية‪ ،‬مل تنبع إال من أفكار نتنة عتيقة ترسخت‬
‫لدينا من أزمان التوحش والبداءة‪ ،‬أزمان كانت تربط اجلنس بالنوع االجتماعي‪،‬‬
‫أزمان كان كل اختالف وتنوع يُصنَّف كشذوذ مستحق للعالج أو العقاب!‬
‫علينا معرفة أن اإلنسانية مل ولن ترتقي إال إذا أدركنا أن اللوطيني واخلِناث هم‬
‫أفراد شجعان مل يستسلموا ألفكار جمتمعاتهم وتصنيفاته املتوارثة من عصور‬
‫الظالم‪ ،‬ومل يرضخوا لربط جنسهم بنوعهم‪ ،‬فثاروا على كل ذلك وحرروا جندرهم‪،‬‬
‫بل خلقوه من جديد‪ ،‬وعلى كل إنسان أن يدعم ثورتهم‪ ،‬كما دعم حترير املرأة يف‬
‫القرن املاضي‪ ،‬من أجل الوصول إىل جمتمع املساواة املنشودة‪ ،‬جمتمع ألوان الطيف‬
‫البهيج املتنوع!‬
‫وملا كانت الثقافة النسوية املضادة‪ ،‬قد حتولت إىل ثقافة سائدة‪ ،‬وملا كانت اللوطية‬
‫ثقافة فرعية بداخلها = فقد حتولت اللوطية إىل ثقافة فرعية للمجتمع كله‪،‬‬
‫وأصبح هناك (جمتمع لوطي ‪ )LGBT Community‬له هوية مميزة جيب‬
‫احلفاظ عليها! وهي حاليا تنتقل من كونها ثقافة فرعية‪ ،‬إىل كونها ثقافة سائدة‪،‬‬
‫وال حول وال قوة إال باهلل!‬
‫ذاك كان مسار الوصول من النسوية إىل اللوطية‪ ،‬اليت هي يف حقيقتها وريثة األوىل‬
‫ومؤدَّاها والزمها‪ ،‬واليت كانت أفكارها الكربى بنات الفلسفة النسوية‪ ،‬واليت تقصد‬
‫ذات اهلدف‪ :‬وهو حترير النوع االجتماعي من مفاهيم الظالم‪ ،‬وحتميله مفاهيم‬
‫األنوار واحلرية‪ .‬مع إضافة وجوب فتحه للتنوع بعدما ظل مغلقا طوال التاريخ على‬
‫نوعني فقط‪ ،‬تبعا لوهم حتمية ارتباطه باجلنس‪.‬‬
‫هذا هو جممل أثر الفلسفة النسوية‪ ،‬ويلزمه نقاش خنوضه قبل االنتقال لألس‬
‫التالي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬لقد بُنيت تلك الفلسفة كُلها على حتميَّة التطور اجملتمعي واإلنساني عامةً‪،‬‬
‫وأن كافة التشريعات والتنظيمات اجملتمعيَّة القدمية معيبة‪ ،‬بنات دهر السيادة‬
‫‪17‬‬
‫الذكوريَّة = وعليه ال تتسق الفلسفة النسويَّة وتكمُل سوى باإلحلاد‪ ،‬وإال لو وُجِد إله‬
‫فهو ظامل مُحابٍ للرجال على حساب النساء‪ ،‬إذ مل تُقر أي شريعة‪ ،‬خاصة‬
‫اإلبراهيمية‪ ،‬بفكرة تقاسم السيادة واملساواة املطلقة بني اجلنسني؛ فظل تسويد‬
‫الرجل على األنثى هو األصل‪ ،‬ولو يف جانب واحد من جوانب احلياة‪.‬‬
‫ماذا يُقدِّم اإلحلاد إذن؟ إنه يُقدِّم الصورة الوحيدة اليت تنظم كل التفسري النسوي‬
‫للسيادة املوروثة‪ ،‬فكيف تؤثِّم كافة التشريعات والتنظيمات اجملتمعية يف التاريخ‪،‬‬
‫بينما غالبها آتٍ من نصوص أديان واضحة االنتساب إلله خالق؟ إن إميانك باإلله‬
‫يُلزِمك أن تقول بتنزيله أحسن التشريعات‪ ،‬حتى إن عبث بها البشر بعد ذلك‪.‬‬
‫ويُلزِمك أن تؤكِّد على وضوح حتيُّز النصوص الرئيسية للتنظيم اجملتمعي‬
‫والتشريعي لسيادة الذكور والتحفظ على األنثى باسم الصيانة‪ ،‬وأن تؤمن بصحة‬
‫تلك نصوص املطلقة زمانا ومكانا = وهذا مستحيل عند النسويَّة‪ ،‬اليت تؤكِّد على أن‬
‫كل تشريع وكل جمتمع سبق مل يكن إال ذكوريا ملعونا! لذا ال تستقيم النسويَّة‬
‫أبدا واإلميان بوجود إله خالق‪ ،‬وال ختلو مؤمنة بدين إهلي‪ ،‬مع النسويَّة‪ ،‬من تناقضات‬
‫فادحة تهزها وتزلزل طرحها إن تعمقت فيه ولزمت لوازمه = فاإلحلاد حتمي‬
‫الستقامة النظم وانعقاد اللوازم‪.‬‬
‫لكن مشكلة اإلحلاد الكربى‪ ،‬أال وهي غياب املعايري‪ ،‬تطلُّ فاحشةً حينئذٍ‪ :‬فما دام ال‬
‫معيار إال املادة‪ ،‬إذن يلزمنا أن نرتد إىل حالة البدائية األوىل اليت يزعمنها‪ ،‬حيث مادة‬
‫القوة اجلسمانية عند الرجل أكرب‪ ،‬وبالتالي يكون هو األقدر على إخضاع املرأة‬
‫األضعف أبدا‪ ،‬فعالم التشكِّي؟ البقاء لألقوى! والدنيا صراع!‬
‫ثانيا‪ :‬مل ختلُ كافة الرؤى اليت أسلمت النسويَّة من تلك التناقضات الفاحشة‪ ،‬بل‬
‫زِدن عليها‪ ،‬مهما حاولن التخفف من الراديكاليَّة‪ ،‬ومهما حاولن االكتفاء بالنوازع‬
‫الليرباليَّة اليت تتحدث عن ظلم املرأة وتسويد الرجل عليها بالقوامة؛ فاإلسالم‬
‫مناقض للتطور الشامل‪ ،‬وال يتحدث عن أصل حيواني لإلنسان واجملتمعات كان‬
‫‪18‬‬
‫مصدر تبين اجملتمع البشري مفهوم إعطاء السيادة لألقوى فقط! وال يُقبَل من مسلم‬
‫أن يزعم جور تشريعات اهلل ألي أمة من أهل الكتاب‪ ،‬كبين إسرائيل‪ ،‬بل خيرج من‬
‫امللة من ادعى أن شرائع اإلسالم مجلةً كانت وقتيَّة متخلفة ابنة جمتمعها‪ ،‬أو ظاملة‬
‫كافةً‪ ،‬مناقضة متاما للرؤى النسويَّة للتاريخ‬
‫حبق فئة من الفئات = هذه املبادئ‪َّ ،‬‬
‫وللتطور اليت ذكرناها‪ ،‬وتلفيق كل ذلك مع بعضه البعض يزيد النسوية املؤسلمة‬
‫اضطرابا فوق اضطراب النسويَّة األصلية‪ ،‬وقد ناقشت ذلك بصورة أكرب يف فصل‬
‫التنسون‪ ،‬من كتاب اإلسالموطوبيا‪ ،‬فارجع إليه‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬هل حتررت األنثى‪ ،‬أم ضاعت وسط حبر اللوطية والتنوع؟ إن هذا أول ما جيول‬
‫بذهنك عندما تبصر مآل اخلطاب النسوي بكافة أطيافه‪ ،‬بعدما تصدرت نتائجه ‪-‬أي‬
‫قضايا توسُّع اجلندر وحترير اللوطية‪ -‬عناوين الفكر اجملتمعي بدال من قضايا‬
‫حترير املرأة‪.‬‬
‫بالنسبة لكل كافر بالنسويَّة‪ ،‬فقد حققت الراديكاليَّة منها جناحات ضخمة يف إعادة‬
‫تشكيل التنظيمات اجملتمعية بالغرب والعامل ‪-‬حتى لو بصورة غري مباشرة‪ -‬عن‬
‫طريق دفع اهليئات املقاومة هلا بالتحالف مع النسويَّة الليرباليَّة املخففة وتلبية‬
‫أوامرها‪ ،‬ونقاش ذلك يطول جدا = لكن مع ذلك‪ ،‬ال توجد ال نسويَّة راديكاليَّة‪ ،‬وال‬
‫ليربالية‪ ،‬إال وجتأر بالشكوى من استمرار التحيز اجملتمعي الذكوري‪ ،‬واستمرار‬
‫تأبُّه املتزوجات خاصةً عليهن وجتافيهن عن القضية واالستسالم للرجال يف‬
‫املعركة‪ ،4‬وبالتالي يُشكِّل تراجع االهتمام املهووس بالنسويَّة ومتكني املرأة‪ ،‬إىل‬
‫املقاعد اخللفية‪ ،‬مقابل خلب اللوطيَّة أللباب احلقوقيني = نكسة للقضية النسويَّة‪،‬‬
‫فضال عن االرتكاس الذي حدث لصورة املرأة القويَّة‪ ،‬مبا صنعه اللوطيون واخلِناث‬
‫‪4‬‬
‫النسوية من نظريات الصراع‪ ،‬مثل الماركسية‪ ،‬حيث تؤمن بحتمية الصراع األبدي بين النوعين‪ ،‬الذكر واألنثى‪ ،‬ونظرية الصراع‬
‫‪ conflict theory‬هو ُمصطلح يطلق على كل نظرية تنطلق من فرضية قيام المجتمع على صراع حتمي بين طرفين أو أكثر‬
‫)‪.(5‬‬
‫‪19‬‬
‫من تشبه بالنموذج األنثوي املدلل العابد للرجال‪ ،‬والذي عاد للواجهة مرة أخرى على‬
‫أيديهم!‬
‫رابعا‪ :‬أهلب االنتقال من النوع الطبيعي الفطري املساوي للجنس‪ ،‬إىل النوع املصنوع‬
‫الوهمي‪ُ ،‬أوارَ فوضى النوع‪ :‬فلم يعد يوجد رجال حبق‪ ،‬وال نساء حبق‪ ،‬وسالت امليول‬
‫اجلنسية مع اهلوية اجملتمعية مع اهلوية اجلنسية‪ ،‬لتصنع شبكة ضخمة من األنواع‬
‫املستحدثة املُنكرة! وصارت املرأة أحد أضالع تلك الشبكة‪ ،‬حيث ال يوجد (جنس نساء)‬
‫حقيقي كامل‪ ،‬بل هناك نساء يُعرِّفن أنفسهن بأنهن ذكور مرتجالت‪ ،‬وال يرتضني‬
‫باملمارسة النسويَّة بل حياولن حيازة السلطات الذكورية تشبها بالنموذج الذكوري‬
‫اخلشن الشهواني الفظ الذي رمسه اإلعالم النسوي! وهناك نسوة لوطيات يردن لعب‬
‫دور (املرأة) التقليدي‪ ،‬مع (فحلتهن) اللوطيَّة؛ وال تشغل نفسها باهلوس النسوي‬
‫الرافض ألي دور مستكني أو خاضع تؤديه املرأة! وهناك نساء لوطيَّات يعشقن‬
‫النسويَّة الراديكاليَّة ويرين فيها النظرية املعربة عنهن‪ ،‬كما جاء يف العبارة الشهرية‬
‫ليت جراس أتكينسون‪ ،‬النسوية الراديكالية ذائعة الصيت‪( :‬إن كانت النسوية هي‬
‫النظرية‪ ،‬فاللوطية النسوية هي التطبيق)‪ !5‬ولوطيات أخريات ينظرن إىل النسويَّة‬
‫باعتبارها شيء كئيب يرفضنه ألنهن يردن اللواطة بامرأة تتدلل معهن وختضع‬
‫هلن‪ ..‬إخل!‬
‫وما عند النساء‪ ،‬أضعافه يف املماثلة عند الرجال!‬
‫فأين القضية النسويَّة وسط هذا الزخم اجملنون؟ إن اهليسرتيا اليت كانت تُسعِّر‬
‫حرب اإلعالم والرأي العام يف القرن املاضي ضد أي حملة (ميزوجينيَّة) ‪/‬حتقريية‬
‫للمرأة‪ ،‬واحلساسية املفرطة يف ذلك الشأن‪ ،‬ورِثتها اللوطيَّة‪ ،‬بل زادت عليها‪ ،‬حتى أنه‬
‫‪5‬‬
‫‪Feminism is the theory; lesbianism is the practice‬‬
‫‪20‬‬
‫ميكن وصف اللوطيَّة بنظرية ما بعد نسويَّة‪ .‬وال أمثل من حالة اقتحام اخلِناث‬
‫اللوطيني للرياضات النسوية‪ ،‬واجلدل املُثار حول ذلك‪ ،‬دليال على ذلك‪.‬‬
‫فمؤخرا‪ ،‬حينما وصفت العبة التنس السابقة مارتينا نافارا‪ ،‬اللوطية النسوية‬
‫الناشطة يف جمال نشر ودعم اللواط منذ عقود‪ ،‬اقتحام اخلِناث للرياضات النسوية‪،‬‬
‫باجلنون واخلداع‪ ،‬وأن الواجب وقف ذلك = هاج الغرب وماج‪ ،‬واتهِمت مبعاداة‬
‫اللوطيني اخلِناث واملرتجالت (‪ )Transphobic‬وطُرِدت من حتالف حقوقي‬
‫للدفاع عن اللوطيني وغريهم يف اجملال الرياضي)‪ ! (14‬وقد احتجت مارتينا بعدما‬
‫حقق بعض اخلِناث أفضلية على النساء يف الرياضات النسوية‪ ،‬تلك اليت كانت دوما‬
‫إحدى أهم آليات احلركة النسوية يف االحتجاج على عامل الرجال‪ ،‬بصنع عامل‬
‫نسائي خالص يسعى إىل الريادة يوما‪ ،‬وهو ما مل يتحقق وظلت الرياضة النسائية‬
‫دائما يف الظل إال النادر اهلامشي؛ لكن هذا العامل يتم اقتحامه من الذكور اخلِناث‬
‫حاليا! كأمنا ال يكفي احلركات النسوية ما هم فيه من فشل رياضي‪ ،‬إذ بالرجال‬
‫يقتحمون فخرهم! هذا هو ما أزعج مارتينا‪ ،‬النسوية اللوطية اليت قضت عمرها‬
‫تدافع عن اللوطية والنسوية‪ ،‬فخرجت من صلب قضيتها الديدان اليت أكلت‬
‫مسعتها‪ ،‬وجعلتها مثار هجوم اللوطيني يف العامل اليوم! هذا واملؤسسات الغربية بشكل‬
‫عام يف اضطراب حاليا‪ :‬إذ أن عدم معاملة اخلِناث اللوطيني على أنهم إناث‪ ،‬يهددهم‬
‫بالعداء ضد اللوطية وتهم الكراهية‪ ،‬فكيف يكون احلل؟ البد من املوافقة شيئا فشيئا‬
‫على اخرتاق أولئك الذكور عامل اإلناث الرياضي! ال مفر! بل املعرتض على ذلك‬
‫سيتهم تصرحيا بالعداء للوطية أو اخلناثة! فإذا كانت إحدى رائدات اللوطية يف‬
‫صنِع معها ما صُنع‪ ،‬فماذا لو كان املعرتض طبيعيا؟!‬
‫العامل قد ُ‬
‫‪21‬‬
‫ومن أمثلة حاالت االقتحام اجلنونية‪ ،‬حالة خنث لوطي مسى نفسه هانّاه مونسي‪،‬‬
‫كان العبا لكرة اليد يف منتخب اسرتاليا للرجال‪ ،‬ثم أعلن أنه يريد أن يكون خنثا‬
‫لوطيا ولعب يف املنتخب االسرتالي للنساء‪ ،‬ثم بعد ذلك قرر أن يلعب يف الرجيب‬
‫النسائي)‪! (15‬‬
‫ملعرفة حجم تداعيات هذا املوقف الذي أقرته اهليئات التشريعية األمريكية‪ ،‬بالسماح‬
‫للخناث واملرتجالت بااللتحاق بالفرق اليت يُنمون أنفسهم إليها (نوعيا) ال حبسب‬
‫جنس الوالدة = جيب أن تعلم أن من حقائق الرياضات العامة نشدان ذي القوة‬
‫البدنية األعلى‪ ،‬وال جمامالت يف املعايري واملقاسات الكمية!‬
‫س ِمح بالعب برازيلي لوطي خنث مع منتخب النساء‪ ،‬وهو ما حدث يف الكرة‬
‫إن ُ‬
‫الطائرة بالفعل‪ ،‬أو العب أسرتالي خنث لوطي مع منتخب سيدات أسرتاليا‪ ،‬وهو ما‬
‫حدث أيضا بالفعل‪ ،‬فما الذي سيوقف االجتياح الذكري املتخنث اللوطي لكافة‬
‫الرياضات مستقبال؟ إنهم أفضل وأقوى بدنيا ومهاريا! هذا يهدد بتحول الرياضة‬
‫النسائية إىل رياضة (املخنثني) من الرجال‪ ،‬وانتهاء العنصر النسائي احلقيقي من‬
‫التواجد الرياضي لألبد! ألن الرياضات الرجالية ككرة القدم وغريها لن تقبل‬
‫النساء املرتجالت اللوطيات لضعفهن املُركَّب‪ ،‬وحتى لو حدث فسيكون حاالت نادرة‬
‫جدا! وكل وجود خلنِث يف فريق‪ ،‬سيزيد من قوته وسيدعم من حظوظه‪ ،‬ما سيُلجئ‬
‫اآلخرين للرد باستجالب اخلِناث كذلك!‬
‫هل اتضحت حجم املشكلة اليت فجَّرت ثورة مارتينا؟ إن ذلك قد يكون بداية النهاية‬
‫للتواجد النسوي يف الرياضة! ومن يدري‪ ،‬رمبا تتحول االنتخابات وكافة مظاهر‬
‫احلياة اليت كن حياربن من أجل (املساواة) فيها إىل مباراة بني الذكور الرجال‪،‬‬
‫والذكور اخلناث! األولون يلعبون دور الرجال‪ ،‬واآلخرون يلعبون دور النساء يف‬
‫تقسيمة املساواة اجلندرية اجملتمعية!‬
‫‪22‬‬
‫ثم ما يزيد اجلنون جنونا‪ :‬أنهم ال يشرتطون أن يكون اخلنث اللوطي ممارسا للواط!‬
‫بل ميكن أن يتخنث ويرتدي كالنساء ويتعامل كالنساء‪ ،‬ويعلن كذلك أنه حمب‬
‫للنساء ‪-‬لوطية نسوية! وهو ما قد يفتح بابا واسعا لالحتيال!‬
‫ولنختم نقاش تلك النقطة باحلديث عن (زوبي ‪ ،)Zuby‬مغين الراب الربيطاني‬
‫الذي نشر يف مارس من هذا العام فيديو على صفحته يُعلن فيه أنه كسر الرقم‬
‫القياسي العاملي لرفع النساء لألثقال (‪ 238‬كجم)‪ ،‬إذ أنه قد أعلن نفسه أنه خنِث‬
‫أنثى أثناء كسره ذلك الرقم‪ ،‬وقال ساخرًا جلمهوره‪ :‬إياكم واالعرتاض أيها‬
‫املتعصبون)‪ ! (16‬ثم كسر رقما آخر يف نفس اجمللس‪ ،‬وأعلن بعدها أنه سيعود رجال!‬
‫لقد قضى زوبي على كل شيء يف دقيقة! ومل حير أحد من السادة املتفلسفني جوابا‬
‫على املتسائلني جبدية‪ :‬أهذا ممكن؟! هذا فعل مستهجن لكنه أليق مبنطقكم‪ ،‬وأوفق‬
‫ملبدأكم‪ ،‬فعالم اإلنكار؟!‬
‫لقد أجنبت النسوية طاعونا ضد النساء أنفسهن‪ ،‬ومل تُزدنا األيام واحلوداث إال يقينا‬
‫بكونها املثال التارخيي األكرب على شيوع طيش النساء‪ ،‬ال عقلهن كما ادعني‪ ،‬وما‬
‫من عاقلة إال وعلمت هذه احلقيقة منذ زمن!‬
‫النسوي ودوره‪ ،‬وننتقل إىل األس التالي‪.‬‬
‫َّ‬
‫بذلك ننتهي من النقاش األس‬
‫األس الثالث‪ :‬الفردانيَّة‪.‬‬
‫اللوطية احلديثة نشءٌ ليربالي‪ ،‬ولن يكتمل تصورنا هلا إال باستعراض آثار الليربالية‬
‫كدين علماني عليها‪ .‬وسأتعرض ألبرز أساس ليربالي أحسبه يُلزِم بتقديم‬
‫‪23‬‬
‫اللوطيَّة‪ ،‬حتى إن مل يكُن حني وضعه الواضعون يُتصوَّر إمكان وصول اللزوم به لذاك‬
‫املضيق‪ ،‬وهو الفردانية!‬
‫تُعرَّف الفردانية بأنها عقيدة سياسية ليربالية‪ ،‬حتضُّ على استقالل األفراد الذاتي‬
‫وحريتهم يف جمتمعهم‪ ،‬وهي عِماد الرأمسالية‪ ،‬وتكوِّن جزءا ال يتجزَّأ من احلضارة‬
‫الغربية احلديثة )‪ .(17‬وهي كعبة الفكر الليربالي منذ النشأة‪ ،‬واليت مل خيفَ على‬
‫متدبرها ارتباطها الوثيق بالفكر الربوتستانيت‪ ،‬الذي كان ثورة على الكنيسة‬
‫ومبادئها‪ ،‬حتى قيل إن الربوتستانتية ليست إال منوذجا دينيا للفردانيَّة )‪ .(7‬ويف ذاك‬
‫املعتقد ال يكون كل إنسان مميَّزا فحسب‪ ،‬بل متفرِّدا ذا أولوية على اجملتمع كله‪،‬‬
‫حتى عتا مجعٌ من الليرباليني فأنكر وجود (اجملتمع) ذاته‪ ،‬قالوا‪ :‬ما اجملتمع إال‬
‫جمموعة من األفراد املكتفني بذواتهم (‪!)18‬‬
‫إن الفردانية مل تكن منذ اليفاع إال منظورًا معاديًا للجماعيَّة اليت كرستها‬
‫الكاثوليكية‪ ،‬اليت يتعزى فيها املرء اآلثم بتقوى مجاعته كلها )‪ ،(5‬وحيرص على‬
‫اخلضوع للنخب وملنظومة القيم االجتماعيّة اليت نشأ فيها‪ ،‬ويتمسك بتوريث تلك‬
‫املنظومة ألبنائه من بعده‪ ،‬فيبقى اجملتمع ساكنا‪ ،‬ويبقى كل امرئ رهني مجاعته‪،‬‬
‫فابن القِن قن‪ ،‬وابن السيد سيد‪ ،‬وال فرد‪ ،‬إمنا جمتمع‪ ،‬واخلالص مجاعي ال فردي =‬
‫هنا جاءت الفردانية من الربوتستانتية والرأمسالية معا‪ ،‬فاألوىل بثورتها على‬
‫الكاثوليكية أكدت مسؤولية الفرد عن نفسه وخالصه هو وحده‪ ،‬واستغنائه عن‬
‫خنبة من الكهان وامللوك واألمراء تكون وسيطا بينه وبني ربه‪ ،‬والثانية بثورتها على‬
‫‪24‬‬
‫النظام اإلقطاعي (الفيودالي) الذي تعامل مع الشرائح والطبقات االجتماعية‬
‫بتصلب‪ ،‬وروَّج ملفاهيم وشعارات عامة عن الطبقات واألعراق ال يفر منها املرء‪ ،‬وال‬
‫حييص إال إليها! فاألسود عبد بليد‪ ،‬والفقري حاقد سارق‪ ،‬والثري ابن السراة‪ ،‬يسبغ‬
‫حسبه عليه أحسن املكارم والصفات‪ ،‬واألمراء وامللوك سادة بالفطرة ال يطمح من‬
‫دونهم إىل اقتباس حملة من شعاع حصافتهم ورزانتهم!‬
‫تلك املفاهيم اليت قولبت كل إنسان وحكمت عليه حبياة طبقته اليت ال تتغري أسكنت‬
‫اجملتمعات بني شِعاب التخلُّف = فكان ال بد من الثورة عليها حينما صعدت‬
‫الرأمسالية بالربجوازيات الصغرية الطاحمة يف خلخلة بنيان النخب متوارثة‬
‫السيادة‪ ،‬سوا ًء الدينية أو السياسية‪.‬‬
‫ثمَّ أطلت الفردانية كأساس لتلك الثورة احلتمية‪ ،‬حيث (اكتشف) الغربيون فكرة‬
‫التمايزات الفردية وفكرة (ال تزر وازرة وزر أخرى) وفكرة (كلهم آتيه يوم القيامة‬
‫فردا) و(إنك لست خبري من أمحر وال أسود؛ إال أن تفضله بتقوى أو عمل( !‬
‫لكن ملا جاءت تلك االكتشافات خليط دين علماني = مل تنضبط بضابط مماثل‬
‫لضبط اإلسالم حرية الفرد‪ ،‬فخاطت الليرباليَّة ثوب الفردانية حريرا يصول فيه‬
‫السوس! ال حيتفي ببهرجه إال اجلاهل‪ ،‬وال يغيب عن الثقِف اهرتاء نسجه وفساد‬
‫حشوه‪.‬‬
‫فقد عاب فردانيَّة الليربالية املصنوعة يف الفكر األوروبي حتديدا مزاعمها‬
‫الرومانسية حول (تفرُّد) كل شخص )‪ (17‬وأولويته على اجملتمع (‪ )18‬وضرورة‬
‫محايته يف وجه النظام السياسي واجملتمعي والديين‪ ،‬والذي صُوِّر خِصما للحريَّة =‬
‫‪25‬‬
‫فكانت الفردنة انتزاعا لإلنسان من روابطه التقليدية مع عائلته وجمتمعه‪ ،‬وحتفيزا‬
‫على اختيار شخصيته وهويته الذاتية مبعزل عن مؤثرات بيئته )‪.(7‬‬
‫ولن يتمكَّن الفرد من تطوير ذاته اخلاصة احلقيقية دون أي مؤثِّر خارجي إال‬
‫بتحرير ذاتي كامل من كافة القيود اجملتمعية أو الدينية أو السياسية اليت حتاول‬
‫قولبته؛ فاحلرية هي احلالة الوحيدة اليت ميكن لألفراد تنمية مهاراتهم وحتقيق‬
‫ذواتهم فيها (‪ )18‬وتلك احلرية مضمونة طاملا مل يقم املرء بإيذاء اآلخرين‪.‬‬
‫لذا خاضت الليرباليَّة الوغى من أجل تقوية اإلميان باإلنسان ذاته وبأن األصل فيه‬
‫ويف عالقاته باآلخرين هو اخلري = فهي كنظرية رومانسيَّة ال ميكن أن تتالءم‬
‫طويال مع واقعية السلطويني أمثال هوبز ودي سبينوزا‪ ،‬ونظريات األصل الشرير‬
‫لإلنسان عامةً‪.‬‬
‫وبقدر ما أجلَّت الفردانيةُ احلريةَ‪ ،‬قدَّست العقالنيَّة العلمانية‪ ،‬حيث أوجبت على‬
‫العقل اإلنساني حماربة كافة التقاليد اليت نشَّأها اجملتمع األبوي ‪ /‬البطريركي‬
‫(‪ ،)18‬فهي األغالل واجبة الكسر‪ ،‬وعنى ذلك زوال كل حاكمية إال حاكمية هوى‬
‫الفرد نفسه!‬
‫فال سلطان وال حاكمية جملتمع‪ ،‬وال لدين‪ ،‬وال ألعراف وعادات؛ إمنا احلاكمية‬
‫للفرد الفذ‪ ،‬اإلنسان كل إنسان‪ ،‬ذاك املخلوق الذكي الذي ال يشبه واحدٌ منه اآلخر!‬
‫إن كل ذلك ال يُفهَم إال بإدراك السياق األوروبي القروسطي اإلقطاعي الكاثوليكي‬
‫الساكن الذي حتدثنا عنه‪ ،‬وبإدراك أن كل تلك الثورة األوروبية الطائشة املتمردة‬
‫ملا مل جتد هلا ركنا ركينًا من كتاب مساوي لديها؛ استندت إىل عقل األرض‪،‬‬
‫‪26‬‬
‫وأحسنت التنظري والكالم البالغي اإلنشائي اجلميل‪ .‬ثم ملا نزل كل ذاك إىل الواقع‬
‫كانت الكوراث‪ :‬فمن إمربيالية مسيحية إىل إمربيالية علمانية إىل إمربيالية‬
‫اقتصادية إىل إمربيالية مقنَّعة خفيَّة = مل تتوقف الدول الليربالية عن سحق باقي‬
‫العامل وفرض نظريتها على اجلميع‪ ،‬دون أن يقتنع املوجِبون أنفسهم بأن الليربالية‬
‫دين صاحل للسيادة واحلكم العاملي الواقعي حقيقة‪ ،‬وأفعاهلم خري شهيد! وقد‬
‫استفضت يف نقاش ذلك بكتاب هالل السيادة‪ ،‬فليُرجع إليه‪.‬‬
‫وقد زودت الفردانيَّة‪ ،‬وما أحاط بها من تقاليد ليربالية‪ ،‬اللوطيَّني باألسس اآلتية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن هوية اإلنسان حيددها هو لنفسه‪ ،‬فهو متفرِّد مُقدَّس االختيار ال خيضع ألي‬
‫معيار جمتمعي أو ديين‪ ،‬ألن كل تلك املعايري ليست إال مظاهر لألبوية‪ ،‬وحلاكمية‬
‫وتسلط (اآلخرين) عليه حماولةً لقولبته يف هوية وميول حمددة = وهذا أساس‬
‫انتشار عبارات معاصرة مثل (من أنت لتحكم عليّ؟) و(أنت لست اإلله لتحاكم‬
‫أفعالي!)‪ ،‬وقد قدَّس اللوطيون ميوهلم مع الوقت‪ ،‬حتى وإن شعروا باإلحراج منها يف‬
‫زمن ما‪ ،‬لكنهم وجدوا يف الليربالية متنفسًا‪ ،‬إذ تقول هلم أن اجملتمع عدوكم‪ ،‬وأنكم‬
‫أنتم من حتددون الصواب من اخلطأ والصاحل من الطاحل‪ ،‬ما دمتم ال تؤذون اآلخرين‬
‫جسديا‪ .‬فأنتم متفردون ال جيب أن ختضعوا لسلطان‪ ،‬كونوا رجاال أو نساءً إن شئتم‬
‫بال قيد إال هواكم‪ .‬وقد أسلفنا احلديث عن كيفية حتوهلم من ثقافة فرعية‬
‫بداخل ثقافة مضادة (النسوية) إىل ثقافة سائدة! ولعلك قد انتبهت ملسمى‬
‫مظاهراتهم وأعيادهم‪ :‬الفخر اللوطي ‪!Gay Pride‬‬
‫ثانيا‪ :‬ساهم ظهور علم النفس احلديث مؤسسا داخل جمتمعات تدين بالليربالية يف‬
‫فشوِّ تلك الظاهرة‪ ،‬فاستبطن العلم ذاته أسسها ومبادئها أثناء تفحصه للحاالت‬
‫وتفسريه هلا‪ :‬إذ كان يبحث الفرد ونفسه بتقديسه وافرتاض الصدق فيه مبناهج‬
‫مثل االستبطان‪ ،‬عِماد االستفتاءات واالستبيانات النفسية (‪ ،)19‬وينصت لتفسري‬
‫‪27‬‬
‫ميوله الشاذة وشهواته ال باعتبارها أكاذيب أو تربيرات نفس ختدع الذات قبل‬
‫اآلخرين‪ ،‬أو وسوسات شيطانية؛ بل باعتبارها حقائق = فما هو املعيار احلقيقي‪ ،‬حتى‬
‫يُعترب شذوذًا اعرتاف أحد الذكران أنه يعشق الذكور وحدهم؟ لقد ظلت اجملتمعات‬
‫الليربالية يف تناقض باعتبارها اللوطية مرضا حتى لزمت لوازمها وختلصت من تلك‬
‫احلاكمية املعيارية اجملتمعية‪ ،‬باألفكار النسبويَّة = فأبطلت كون اللواط مرضا أو‬
‫شذوذا! وعليه أنصت النفسيون كثريا وحللوا كافة األكاذيب وأهواء النفوس‬
‫وأباطيل احلديث اليت قاهلا اللوطيون ثم أخرجوا منها أطنان الدراسات املؤكِّدة لكون‬
‫األفراد إما يولدون مبيول لوطية طبيعية رغما عنهم‪ ،‬هذا عند مدرسة اجلبليَّة‪ ،‬وإما‬
‫يولدون بال ميول حمددة‪ ،‬إمنا يفرض اجملتمع عليهم حباكمية أفكاره شكال‬
‫حمددا من العالقات اجلنسية‪ ،‬ثم يتعذبون حياتهم من اخلضوع لذاك الشكل بينما‬
‫ميوهلم اليت تتشكل أثناء منوهم قد ختالف القطيع اجملتمعي‪ ،‬واملُتعارف عليه‪،‬‬
‫فيسوءها الرضوخ!‬
‫فال جرم‪ ،‬شكَّلت الفردانيَّة بأفكارها ولوازمها منظور كثري من علماء النفس عامةً‪،‬‬
‫واملؤسسني لفكر طبيعية اللوطيَّة خاصةً‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أسس اللوطيون دعايتهم الرئيسية وقت ظهورهم على فكرة متيُّز اللوطيني‬
‫كأفراد‪ ،‬وإظهار معاناتهم الشخصية من حاكمية جمتمعهم وساستهم‪.‬‬
‫وألضرب مثال بفيلم صدر عام ‪ 2014‬صوِّرت فيه قصة معاناة عامل الرياضيات الفذ‬
‫(آلن تُرينج) الذي كان لوطيًّا وعانى من جمتمعه وتشريعات بلده بريطانيا اليت‬
‫أغلظت عليه وأفسدت حياته مليوله اجلنسيَّة اليت ال ذنب له فيها‪ ،‬رغم إحسانه‪ ،‬إذ‬
‫كان من كبار عملية إنقاذ بريطانيا طوال احلرب العاملية الثانية)‪! (20‬‬
‫‪28‬‬
‫إن تلك الفكرة تظهر جلية يف مشهد جيلس فيه تُرينج أمام احملقق اإلجنليزي بعدما‬
‫انتهى من رواية بطوالته الكربى وإنقاذه لبلده بعقله األملعي‪ ،‬ثم إخباره مبيوله اليت‬
‫ال ذنب له فيها‪ ،‬سائال إياه يف اخلتام عن حكمه عليه كإنسان‪ :‬أهو بطل أم وحش؟‬
‫هنا يُلقِّنك الغرب باإلجابة على لسان احملقق‪ :‬الميكنين أن أحكم عليك!‬
‫إن الربوباجندا الليربالية الفردانية الرومانسية عن تفرُّد كل إنسان ومتيُّزه مل‬
‫تتوقف حلظة إعالميًّا‪ ،‬إمنا أجادت التخفّي يف صور عديدة‪ ،‬وقد استُخدِمت بكثافة‬
‫يف الدعاية للوطيّة‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬زرعت الفردانيَّة الليربالية ميال إلضفاء الثورية واختاذ صف الفرد ضد‬
‫األحكام والقيم اجملتمعية والدينية والسياسية‪.‬‬
‫وقد كانت العدوانية ضد كافة السلطات والقيود هي مطيَّة اللوطيني زمنا طويال‬
‫إىل نفوس الشباب بتأجيج محيَّتهم وشغفهم بالتمرد؛ فما اللوطية إال ثورة على‬
‫العامل القديم وحترير للمستقبل من ضيق األفق والقولبة اجلاهزة املتوارثة! وإن‬
‫كان هذا سيظهر بصورة أوضح يف األس الثوري القادم‪.‬‬
‫إن تلك هي اآلثار األوضح للفردانية‪ ،‬ولو دققت فيها وفصَّلت ما كفاني هذا السفر‪،‬‬
‫فلنكتفي بهذا موضحني يف اخلتام أن املاركسية ذاتها جزء من ثورة التنوير‬
‫العقالني يف أوروبا‪ ،‬فال يظنن ظانٌّ أن تلك األسس الليرباليَّة ال عالقة هلا‬
‫باالشرتاكيني‪ ،‬خاصةً احلقوقيني منهم‪ ،‬مبا جيتمعوا عليه من أفكار جمتمعية مع‬
‫اليسار الليربالي = إذ أن كونهم جيتنبون مفهوم الفردانيّة الصرحية مبسار أطول‪،‬‬
‫ال يعين أنهم وصوهلم إىل خالف ذات الفلسفة عن اإلنسان املتفرد املتميز ووجوب‬
‫مساندته واهلجوم على األنساق اجملتمعية والدينية املتوارثة‪ ،‬بصورة قد تفوق‬
‫الليرباليني أنفسهم! فاليسار احلقوقي بأطيافه (متلربل) فلسفيًّا وإن خنر الناخرون‬
‫وجزع البُلهاء!‬
‫‪29‬‬
‫وكشف دور تلك األسس يف إظهار دين اللوطيَّة هو فضح لليسار احلقوقي‬
‫االشرتاكي مثلما هو فضح لليربالية سواءً بسواء‪.‬‬
‫األس الرابع‪ :‬ثورة حضارة البهجة‪.‬‬
‫تعد فلسفة (حضارة البهجة) اليوتوبية من أعمدة التيار اللوطي يف الغرب منذ‬
‫منتصف القرن املاضي إىل اآلن؛ فإن كانت كافة األسس السابقة تبحث وتعِد‬
‫بفردوس أرضي ويوتوبيا ضمنًا؛ فهذا األساس حتديدا قائمٌ صراحةً على فكرة‬
‫اليوتوبيا وصناعة فردوس حضارة املباهج!‬
‫وسنبدأ حديثنا منذ حقبة الثورة اجلنسيَّة اليت بلغت يف نهاية الستينيات ذروتها‪،‬‬
‫ونبَّأت الوقائع املتكررة املتتالية يف أوروبا بقرب قيام حدث رمزي كبري جيسد علوها؛‬
‫حتى دهم الغرب حفل الوودستوك‪ ،‬نذير العصر املاجن اجلديد!‬
‫والوودستوك هو حفل شبابي ملوسيقى الروك أُعلِن عن التجهيز له يف مكان عام‬
‫بالواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬وهامجته مجهرة اجملتمع األمريكي األميل للمحافظة‬
‫حينها هجوما كاسحا!‬
‫فظهرت الصورة الكلية للمشهد كاآلتي‪:‬‬
‫مينيٌ حيتشد فيه اجملتمع التقليدي العجوز القديم‪ ،‬يَبهَر أنفاسه يأسا لكتم زئري‬
‫العاصفة الثورية الشبابية احلديثة!‬
‫ويسارٌ يُكوِّن الشباب فيه بؤرة املستقبل!‬
‫يف جهة‪ :‬اجملتمع احملافظ‪ ،‬الكئيب‪ ،‬املهووس بقتل الفيتناميني املساكني!‬
‫ويف األخرى‪ :‬جمتمع البهجة والشباب واملوسيقى وهجران احلرب لصاحل احلب!‬
‫‪30‬‬
‫وما إن بدأ احلفل يف والية نيويورك حتى فاق املشهد املهيب كل ما تصوره أحد‪ :‬فقد‬
‫ت‬
‫حضر ما يقارب النصف مليون شخص أكثرهم من املراهقني والشباب! والكل آ ٍ‬
‫بشعار واحد‪ ،‬رفع راية (املوسيقى واحلب)!‬
‫واستمروا بني عرايا وشبه عرايا يف اهلواء الطلق لثالثة أيام؛ ومورس احلب فيه بكافة‬
‫أشكاله وشذوذاته!‬
‫صور ملئات الفتيات عاريات الصدور أو األجساد دون أي سعي لتسرت أو حملة ارتباك!‬
‫صور لقبالت حارة وأجساد متعانقة متجاورة مرتاصة بال نهاية!‬
‫كانت هذه الصدمة فريدة لدرجة إطالق اسم هذا احلفل علما على اجليل كله‪،‬‬
‫فسُمِّي جبيل الوودستوك ‪ ،Woodstock Generation‬اجليل الذي مثَّل‬
‫طليعة نقل احلضارة العاملية إىل عصر ما بعد الثورة اجلنسية‪ ،‬حيث هُدِّمت كثري‬
‫من القيم‪ ،‬وانفك اجلنس عن القيم التقليدية الفطرية لإلنسان‪.‬‬
‫لكن ما عالقة ممارسة اجلنس وحترير الشهوات من كل ضابط‪ ،‬مبعاداة احلرب؟‬
‫وملاذا كانت الثورة اجلنسية ابتداءً؟‬
‫س ُيلزمنا الفهمُ العودة إىل اخللف بضع سنوات‪ ،‬إىل عهد ظهور الشعار الشهري‪ :‬مارس‬
‫احلب‪ ،‬ال احلرب!‬
‫ففي نهاية اخلمسينيات‪ ،‬نشر (هربرت ماركوزه) الفيلسوف النقدي األملاني‬
‫األمريكي املعروف‪ ،‬كتابه (اإليروس واحلضارة)‪ ،‬الذي قدم فيه منوذجا تفسرييا‬
‫للحضارة الغربية وكآبتها وأسس العنف فيها‪ ،‬مستخدما مزيجُ أفكارٍ فرويدية‬
‫وماركسية‪ ،‬ومطالبا بتغيري تلك الكآبة وتقويض احلضارة الصراعية الُمقبِضة‪،‬‬
‫لبناء حضارة تآلفية ودية مُبهِجة = وهو النموذج النظري الذي ينتمي إىل فرضية‬
‫عامة سيسميها ميشيل فوكو بعد ذلك بالفرضية القمعية ‪Repression‬‬
‫‪.hypothesis‬‬
‫‪31‬‬
‫ومنوذج ماركوزه يسري الفهم إن قرأته بهدوء‪ ،‬وإن علمت بعضا من فلسفة فرويد‬
‫وماركس لن يعتاص عليك دركه حلظة‪ ،‬وملخصه اآلتي )‪:(21‬‬
‫‪ -1‬أن احلضارة الغربية طافحة بالقهر؛ فاجملتمع مقموع بنظام اهليمنة الطبقية‬
‫الرأمسالية امللوَّث بالتصور الربوتستانيت الزاهد عن الشهوات = وقد فرض بهذا‬
‫النظام قيودا غري ضرورية على ممارسة اجلنس‪ ،‬ساهمت يف حتويل طاقة‬
‫(الليبيدو)‪ 6‬املقموعة إىل فائض إنتاج ينتفع به املهيمنون على تلكم اجملتمعات خاصة‬
‫يف القرون األخرية‪.‬‬
‫‪ -2‬وأن هذا القمع ال يُعظِّم فقط بؤس العمالة‪ ،‬بل يدفع ملزيد من العداوات واألحقاد‬
‫الطبقية = ما يغمر اجلميع‪ ،‬انتهاء‪ ،‬يف مستنقع عداوات وحروب أبدية داخليا‬
‫وخارجيا‪.‬‬
‫‪ -3‬وليس السبب املُهيِّج ألبدية احلروب يف النظام الرأمسالي إال هذا العامل يف املقام‬
‫األول = فالقمع اجملتمعي للملذات احلسية‪ ،‬وخاصة التوجهات والرغبات اجلنسية‪،‬‬
‫ينحرف بطاقة اإلنسان بعيدا عن رضاه الذاتي الذي ال يتم إال بإشباع شهواته‪ ،‬وتزيد‬
‫وترية القمع رجاء إنالة رأس املال‪ ،‬وخدم ًة للحرب مُستعقبا ومُستقبِال!‬
‫‪6‬‬
‫مصطلح فرويدي يعني به الطاقة النفسية للغريزة الجنسية في اإلنسان‪ ،‬بصورة خاصة‪ ،‬أو غريزة الحياة كلها بمعنى أعم‪ ،‬راجع‬
‫)‪.(347‬‬
‫‪32‬‬
‫‪ -4‬وعليه خنرج بقاعدة تارخيية اجتماعية ونفسية كربى‪ ،‬نبين عليها الكثري‪ :‬أن‬
‫القمع اجلنسي كلما تزايد حد ًة = زاد العنف شرا!‬
‫‪ -5‬أما اجملتمع االشرتاكي طبقا ملاركوزه‪ ،‬فهو الذي يستطيع أن يقضي متاما على‬
‫الزعم الرأمسالي بأن العنف العاملي داخليا وخارجيا إمنا هو قائم على الصدام بني‬
‫مبادئ الواقع وبني اإليروس (مبادئ املتعة) = فاحلقيقة أن العنف القائم هو بني‬
‫العمالة املقهورة وبني اإليروس؛ وسيكون اجملتمع االشرتاكي املطلوب هو آلة نيل‬
‫األماني ببناء حضارة قائمة ال على العمالة البائسة‪ ،‬إمنا على مبادئ املتعة‬
‫واإليروس‪.‬‬
‫‪ -6‬لكن ما الذي سيصنعه تفعيل مبادئ اإليروس؟ إنه سيخلق املباهج احلسية‬
‫(الشهوات) يف أشكال متعددة ‪ ،Polymorphous sensuality‬وتلك الشهوات‬
‫املتحررة من كل قيد ستبعد اإلنسان عن العنف وتنصر اإليروس وتكون دعامة لبناء‬
‫احلضارة الغربية املبهجة‪ ،‬بدال من احلضارة الغربية الرأمسالية البائسة اليت طال‬
‫قمعها لإليروس‪ ،‬مع مالحظة أن ماركوزه مل يقصد الشهوات اجلنسية فقط‪ ،‬بل‬
‫كافة املباهج احلسية عموما؛ لكن حترر الشهوات اجلنسية تبعا لفرويد كان العمود‬
‫الفقري لتحرير املُتع الذي يريده‪.‬‬
‫هذا ملخص التحليل واحلل الفلسفي الذي قدمه ماركوزه‪ ،‬وقد كان لتلك الفكرة‬
‫اليت نشرها يف كتابه (اإليروس واحلضارة) يف نهاية اخلمسينيات أثرا فادحا على‬
‫الثورة اجلنسية اليت زلزلت اجملتمعات الغربية يف الستينيات‪ ،‬فقد صار بطال شعبيًّا‬
‫‪33‬‬
‫لشباب الثورة اجلنسيَّة)‪ = (22‬ويؤكد البعض على أن هذا الكتاب الذي حاز شهرة‬
‫ضخمة يف أمريكا‪ ،‬كان أحد أهم املصادر الفكرية امللهمة للثورة اجلنسية املضادة‬
‫لثقافة الغرب امللتزمة جنسيا حينها‪ ،‬وعبارة (مارس احلب‪ ،‬ال احلرب) األشهر على‬
‫اإلطالق ميكن تتبع أصوهلا إىل هذا الكتاب وتلك النظرية )‪ ،(21‬مع االنتباه أن‬
‫(مارس احلب) تعين بصورة أساسية الغرق يف ممارسة اجلنس‪ ،‬لكن بعبارة تربط‬
‫بني اجلنس واحلب معا وختفف من وطأة املعنى الثقيل!‬
‫ولنناقش اآلن املمارسة العملية للحب‪ ،‬أي أفكار الثورة اجلنسية‪.‬‬
‫لقد رفضت الثورة اجلنسية املبادئ اجملتمعية التقليدية املتعلقة باجلنس‪ ،‬مثل ربط‬
‫ممارسة اجلنس بالزواج‪ ،‬وجعل اإلجناب هو الغرض من اجلماع = فاستهدفت ارتغاب‬
‫ممارسة اجلنس مطلقا دون أي بُعد آخر هلا‪ ،‬غاية يف ذاتها ال وسيلة لإلجناب‪ ،‬وال‬
‫واجبة التأطري بإطار شرعي اجتماعي أو ديين‪ ،‬فال يلزم أن متارس اجلنس مع حليلة‬
‫لك‪ ،‬وال يلزم أن تهدف من تلك املمارسة سوى التمتع والنشوة وإشباع ملذاتك‪.‬‬
‫كذلك رفضت صناعة مثال معياري للعالقة اجلنسية‪ ،‬مثل‪ :‬اجلنس األحادي (فرد‬
‫واحد مع فرد آخر فقط) واجلنس املستقيم (رجل مع أنثى فقط)؛ بل ميكن للفرد أن‬
‫ميارس اجلنس مع عدة أفراد يف نفس اللحظة‪ ،‬وكذلك ميكنه أن يلوط كما يشاء‪.‬‬
‫إن خالصة رؤية رواد الثورة من حتقيق تلك األفكار‪ :‬اإلميان بأن املباهج والشهوات‬
‫اجلنسية ال جيب أن يقمعها جمتمع صنع أفكاره بنفسه لنفسه‪ ،‬ويفرض استمرارها‬
‫كثقافة جمتمعية بأدوات الضبط اجملتمعي املستمرة رغما عنهم = بل جيب أن‬
‫يتطور اجملتمع ليزيل كآبته تلك ويقتلع جذور احلرب من أعماق اإلنسانية ليصل‬
‫‪34‬‬
‫إىل املستقبل اليوتوبي املنتظر‪ ،‬حيث حضارة البهجة والنشوة والغرق يف املباهج‬
‫واللذات‪.‬‬
‫بعبارة أخرى‪ :‬صناعة اجلنة يف الدنيا‪ ،‬ال انتظارها يف السماء أو من السماء!‬
‫تلك هي األسس اليت بُين عليها الربط يف عالقات توافقية أو تناقضية بني عدة‬
‫مفاهيم خمتلفة‪:‬‬
‫مثل الربط بني احلب واجلنس وجعلهما شبه مرتادفني‪ ،‬والربط بني الشهوات‬
‫اجلنسية وبني التقاليد اجملتمعية والدينية املستقيمة املستقرة عن اجلنس‪ ،‬وجعل‬
‫طلب األول يلزم منه العداء للثاني‪.‬‬
‫والربط بني احلالة الفطرية الطبيعية وبني احلضارة ومبادئ التنظيم اجملتمعي‪،‬‬
‫وجعل الوصول للحالة اإلنسانية الطبيعية األوىل ال يكون إال بالتحرر اجلنسي‪،‬‬
‫بينما ال تعين القيود والتنظيمات الدينية واجملتمعية إال عوامل الكبت والقمع‬
‫ومصادر الكآبة والغضب‪.‬‬
‫وكذلك الربط بني االحنالل اجلنسي والتطور والثورة؛ فال تكون الثورة التطورية‬
‫إال على اجملتمعات املهرتئة القدمية التقليدية‪ ،‬وال يكون التقدم إال باالحنالل‬
‫اجلنسي‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬الربط بني انفالت الشهوات وبني البهجة احلضارية!‬
‫إن نشوة اجلنس (احلر) هي ذاتها نشوة احلضارة (احلرة)!‬
‫لقد مُجِّد اجلنس كثقافة جمتمعيَّة موجهة لكافة األنشطة‪ ،‬وعلمت كافة‬
‫الصناعات‪ ،‬التجميلية واإلعالمية والتلفازية والسينمائية أن اجلنس مُربح دوما؛‬
‫فاملرء جيب أال يلبس إال ما هو مُثري جنسيا‪ ،‬وال يضع إال عطرا ذا جاذبية جنسيَّة‪،‬‬
‫وركَّزت الصناعات الدوائية على فرع التجميل وكل ما يزيد األنشطة اجلنسيَّة!‬
‫ونشأت ثقافة كاملة تتمحور حول اجلنس‪ ،‬وتُمجِّد العزوبة‪ ،‬اليت نُظِر إليها أنها‬
‫مرحلة املباهج والعالقات اجلنسية املتنوعة والكثرية! ومل يكن من الغريب‪ ،‬ظهور‬
‫أصوات نسائية يف منتصف الثمانينيات تشكو بأن ثورة التحرير اجلنسي تلك مل‬
‫‪35‬‬
‫حتررهن على اإلطالق = إذ أن معيار اجلاذبية اجلنسية‪ ،‬الذي صار هو معيار اجملتمع‬
‫األول‪ ،‬ألزمهُن خبيار واحد فقط‪ ،‬وهو استمرار االنغماس يف عالقات جنسية بال‬
‫توقف مع العديد من الناس‪ ،‬إلثبات قدرتهن التسويقية‪ ،‬وأنهن لسن بضاعة كاسدة‪،‬‬
‫واحلفاظ طوال الوقت على كل ما جيعلهن مُشتهيات ومرغوبات من ملبس ومسلك‬
‫)‪!(23‬‬
‫وصارت التقاليد اليت كانت مستقرة يف الثقافة اجملتمعية الغربية مرادفةً للرجعية‬
‫والتخلف والقمع اجملتمعي‪ ،‬وأصبح اهلدف صناعة ثقافة مضادة حتاول إسقاط‬
‫هذه املنظومة القيمية البالية املرتبطة بالدين واألعراف‪.‬‬
‫أما الدين؛ فألنه التهديد األول املعتاد = إذ ال يقوم فقط بتوريث مستمر للصورة‬
‫املتزمتة عن اجلنس وارتباطه بالزواج وإعمار األرض عرب األجيال‪ ،‬بل لكونه يُرسِّخ‬
‫تلك الصورة بإضفاء القداسة عليها وربطها برضى إله خالق ومبهمة مقدسة ال‬
‫جيوز تلويثها بلوحات العبث الوجودي يف تصورات اجلنس! كما أن األديان وإن‬
‫تفاوتت يف وضع القيود على املباهج احلسية‪ ،‬من متزمت مثل املسيحية‪ ،‬اليت ُتقصِر‬
‫اجلنس على عالقة أحادية طوال العمر‪ ،‬وتربط اجلنس باإلجناب وحده خاصةً يف‬
‫أغلب مذاهبها‪ ،‬إىل أقل تزمتا مثل اإلسالم‪ ،‬الذي يقصره على عدد معني وصور‬
‫معينة وال يسمح بالعالقات بني نفس اجلنس؛ مع عدم ربط اجلنس ضرور ًة‬
‫باإلجناب = إال أنه تفاوُت يف حجم القيود ومساحات احلرية اليت مين بها التشريع‪،‬‬
‫فهو تفاوت يف القمع ال تفاوت يف الفضل! فال فضل إال بالتحرر الشامل من كل قيد‬
‫وشغل كافة مساحات احلرية دون منٍّ من أحد وال جهة وال دين!‬
‫إن األديان حتت شعار (قمع انفالت الشهوات) تتفق على وجوب التقيد بصور‬
‫للجنس‪ ،‬وتضع هدفا مقدسا ساميا هو إعمار األرض‪ ،‬إضافة لتمجيد االعتدال وقتل‬
‫‪36‬‬
‫املتع احلسية املنطلقة بال حساب = فإذا سقط الدين تيسر تبديل األعراف وحتويلها‬
‫بأدوات التغيري اجملتمعي مثل التشريعات القانونية واإلعالم‪.‬‬
‫وقد حيدث أن تكون األعراف أكثر رسوخا يف اجملتمع من املفاهيم الدينية‪ ،‬مثلما‬
‫ترى يف بعض قبائل الصعيد املصري من تقديس للدين اإلسالمي وحبه والغرية‬
‫عليه‪ ،‬ثم هم مع ذلك ال يقبلون حكم اإلسالم يف عُرف الثأر اجلائر (قتل من ال ذنب‬
‫له ما دام ينتمي ألسرة القاتل)! فللعرف رسوخ ومكانة نفسية وجمتمعية تفوق‬
‫الشعائر واألحكام الدينية! كذلك فإن األعراف يف قبائل جند الغارقة يف النظريات‬
‫العنصرية املتطرفة العرقية والساللية واللونة‪ ،‬تأخذ يف بعض األحيان صورا‬
‫مناقضة لإلسالم متاما وإن حاولت االحتيال عليه‪ ،‬مثل رفض زواج البنات من أفراد‬
‫منتمني إىل قبيلة مغايرة‪ ،‬أو النظر البن القبيلة على أنه أمسى ممن ال ينتمي لقبيلة‬
‫كاملنتمي إىل عائلة متمدنة؛ هذا فوق النظر ألنفسهم كعرب باعتبارهم عرقا أعلى‬
‫من غريهم؛ فكل تلك أعراف تستحكم يف النفوس بصورة أكرب من استحكام اإلسالم‬
‫نفسه‪.‬‬
‫لكن األعراف رغم رسوخها الثقيل خاصة يف اجملتمعات املتخلفة‪ ،‬إال أنها تفتقد‬
‫لعامل مهم يف توطني ذاتها مبا ال يزعزعه تعاقب األجيال = وهو الشرعية الدينية!‬
‫لذا حاول بعض العلماء قدميا وحديثا ترسيخ النظرية العنصرية والعرقية وإلباسها‬
‫تارة لبوسا علميا لعلمانية دينهم كالنازية‪ ،‬وتارة اجتماعيا ثقافيا يتخذ صورة‬
‫العلمية مثلما فعل الشعوبيون الفرس‪ ،‬أو لبوسا دينيا بأدلة شرعية مثلما يفعل‬
‫أصحاب نظريات التفوق العرقي األبيض من النصارى‪ ،‬ومثلما فعل كثري من العرب‬
‫بدايةً من العهد األموي! فصمود العرف عرب األجيال وحتمله اهتزاز االنقالبات‬
‫والثورات اجليلية واجملتمعية ال يستمد قوته الكربى من ذاته ضرورةً‪ ،‬إمنا من‬
‫ارتباطه بشرعية دينية ولو باالحتيال‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫ومن هنا تتبدى خطورة دعاوى من حياولون مواجهة اللوطية حمتجني مبخالفتها‬
‫الثقافة اجملتمعية الشرقية! فتجد املعارض من أولئك يهتف‪ :‬هذه دعاوى ال تنتمي‬
‫لثقافتنا‪ ،‬وجيب احرتام خصوصيتنا الثقافية! كأمنا اإلشكال أن قبح اللوطية نسيب‬
‫متعلق بثقافتنا ال أكثر‪ ،‬ال إشكال قبح مطلق للفعل يف كل زمان ومكان!‬
‫نعم‪ ،‬ميكن أن تكون الثقافة اجملتمعية خاطئة ويلزم تغيريها‪ ،‬وكم من ثقافة‬
‫جمتمعية شرقية متجذرة يف بالدنا ليس بينها وبني اإلسالم صلة؛ بل كم من‬
‫ثقافة عرفية مناقضة لإلسالم تنتظر مؤمنا جيتثها عنوةً؛ فالدعوة الثقافية اليت‬
‫تستشهد باألعراف والتقاليد املستقرة يف ذاتها‪ ،‬دعوى متهافتة‪ ،‬ميكن دحضها من‬
‫قبل اللوطيني بكل يسر!‬
‫بل لعلك الحظت أن اللوطيني جيذبون دوما احلوار إىل تلك املساحة الثقافية‪ ،‬بدال‬
‫من املساحة الدينية اليت تستند يف شرعيتها إىل قوانني كونية إهلية ال ميكن‬
‫وصمها باخلطأ وال ميكن استبداهلا وال ميكن نقدها! إن اللوطي الذكي سيقبل‬
‫نقاشا تصفه فيه بالشاذ مقارنة بنقاش تصفه فيه حبفيد قوم لوط أو اللوطية! يف‬
‫األوىل هذا نقاش عريف ثقايف ظريف تارخياني نسبوي مرتبط بالبنية اجملتمعية‬
‫احلالية‪ ،‬ويف الثاني هذا نقاش ديين يف حكم ثابت مُنزَّل أبدي!‬
‫وإن كان بعض أذكيائهم ‪ -‬بل قل‪ :‬خبثائهم! ‪ -‬يلعب كاملعتاد بورقة (تفسري النص)‬
‫اليت يُتَّهم فيها كاملعتاد الفقهاء وكافة علماء األمة بتحريف تفسري النصوص‬
‫الشرعية املتواترة‪ ،‬وضرورة (فتح النص) الجتهادات جديدة تفككه وتشكك يف‬
‫حتريم احملرمات وتقلبه إىل النقيض متاما؛ مثل أولئك الذين يدَّعون أن قوم لوط‬
‫عُذِّبوا العتدائهم على األضياف ال على (الفعل) بذاته! فإن حتدثت عن (نص‬
‫الفاحشة) ذكر لك أنه ال يعرتف مبعناها اللغوي السائد؛ خمرتعا العديد من املعاني‬
‫مستعمال أدوات املدارس األدبية النقدية من تأويلية إىل تفكيكية‪ ،‬مستظال مبناهج‬
‫ما بعد احلداثة وقتل املؤلف! أما إن حتدثت عن السُّ َّنة فاجلواب أيسر من شربة املاء‪:‬‬
‫‪38‬‬
‫أنا ال أعرتف بالسُّنَّة هذه‪ ،‬البخاري دجال ومسلم مُحتال! وسرتى فيما بعد أنهم ما‬
‫قالوا هذا احلجاج من عقوهلم؛ إمنا نقشوه نقشا من لوطيي الربوتستانت!‬
‫إن التوجيه الدعائي واإلعالمي‪ ،‬واستغالل حب األجيال اجلديدة التمرد على األهالي‬
‫والتقاليد املوروثة‪ ،‬خاصة مع املظامل االجتماعية املستحكمة‪ ،‬وزيادة االنفصال‬
‫الفكري بني األجيال يوما تلو اآلخر لسرعة التطور التقين وتيسُّر سبل التواصل‬
‫الفكري = أثبتا املقدرة على تدمري األعراف اجملتمعية املستقرة‪ ،‬خاصة اليت ال يوجد‬
‫هلا أساس ديين أصيل!‬
‫وكذلك ابتداءً من الشعار الشهري (مارس احلب ال احلرب) املوثِّق بني احلب واجلنس‬
‫وحدهما شُيِّد منوذجٌ دعائيّ كامل يف تلك املراحل املبكرة‪ ،‬خيتزل معنى احلب بني‬
‫الطرفني فيهما وحدهما‪.‬‬
‫لنتوقف دقيقة شرحا ألبعاد وخماطر ذلك االختزال؛ فعالقة احلب يف اإلسالم‬
‫ثالثية األطراف‪ ،‬عالقة حب بني اهلل وبني العبدين‪ ،‬وبني العبدين كليهما؛ وعليه‬
‫ليس يف تأسيسه ارتباط حتمي باجلنس= فاملرء حيب اآلخر حبسب مواالته ومعاداته‬
‫لإلله احلق‪ ،‬ومعرفة احلق ال تكون إال باألداة احلق‪ ،‬اإلسالم‪ ،‬وعليه نشأت عقيدة‬
‫الوالء والرباء‪ ،‬فكلها تطبيق ملعاني احلب والبغضاء‪ .‬أما احلب احلسي‪ ،‬املؤسس على‬
‫اجلنس وحده؛ فله مكانه؛ لكنه ليس األصل‪ ،‬وعليه مل يُقبَل من املسلم أن يتزوج‬
‫مشركة وإن شغفت قلبه عشقا حلُسنِها وطبعها وأخالقها وقوامها‪ ،‬وليس له أن‬
‫ميسها إن بقيت على شركها ‪-‬ألن اهلل سبحانه موجود يف تلك العالقة‪ ،‬وله تشريع‬
‫جيب على املسلم الرضوخ إليه حبا لربه ومواالة للمسلمني‪.‬‬
‫وهذا كله مناقض لإلنسانوية اليت ربطت بني احلب واجلنس فقط‪ ،‬واختزلت‬
‫العالقة املعقدة املركبة الثالثية إىل عالقة ثنائية ال إله فيها إال منفيا؛ فبحذف‬
‫اإلنسانوية اإلله من املعادلة الثالثية وإحالل جوهر اإلنسان حمله‪ ،‬أنتجت لنا منوذج‬
‫‪39‬‬
‫دين اإلنسانوية‪/‬اهليومانية‪ ،7‬بوالئه وبرائه وطقوسه = ودليل هذا ما رأيناه من‬
‫اإلنسانويني املنتسبني لإلسالم الذين يرفضون إدخال كل من نفع اإلنسانية‪ ،‬مثل‬
‫ستيفن هوكنج وستيف جوبز وغريهما‪ ،‬يف زمرة أهل جهنم! إن اإلله‪ ،‬عند من يؤمن‬
‫من هؤالء بإله‪ ،‬ليس إال ظال لإلله احلقيقي‪ :‬اإلنسان ‪-‬وهو مُطالب وجوبا برمحة‬
‫كل من دان باإلنسانوية ورعى حقها‪ ،‬ملحدا به أو غري ملحد‪ ،‬كما أن عليه تعذيب‬
‫من كفر بها وحاربها‪ ،‬كاجلهاديني وغريهم!‬
‫فعلى التحقيق ال يوجد رب للعاملني مستعلٍ‪ ،‬اإلنسانوية هي عالقة ثنائية بني‬
‫اإلنسان واإلنسان اآلخر‪ ،‬ال توجد عالقة ثالثية‪ ،‬فال جمال للمعاداة على أسس دينية‬
‫أو غري دينية‪ ،‬بل الوالء للجوهر اإلنساني ذاته يف كال اجلانبني‪ ،‬وال معنى لرباء من‬
‫إنسان آخر إرضاء لعرش فارغ فوق السماوات! لقد صيَّر اإلنسان نفسه إهلا‪ ،‬وما دام‬
‫مل يعت ِد على اآلخرين اعتداءً صرحيا ظاملا مؤذيا ال تأويل فيه = فليصنع ما شاء‪ ،‬ال‬
‫يُسأل عما يُفعل واملؤمنون يُسألون!‬
‫ثم أن اإلميان باحلب بناءً على ذلك النموذج اإلنسانوي‪ ،‬يُلزم سؤاال إنكاريا‪ :‬فما وجه‬
‫نشر خطاب عدائي أو قمعي لتوجهات إنسانية قائمة على زيادة تلك العالقات متانة‪،‬‬
‫أي العالقات اجلنسية؟ ما هدف إصدار تشريعات مُلجمة وكاحبة؟‬
‫إن اجلنس هو أعظم وأمسى وسائل نشر احلب بني البشر؛ وال ميكن أن يُشارك يف‬
‫تقييده إال جهول ظالمي متطرف‪ ،‬إرضاءً إلله مُتوهَّم وجمتمع يئن من أعباء هذا‬
‫الوهم!‬
‫فاحلق اإلنسانوي األوحد هو أن احلب ينتصر دوما ‪!Love wins‬‬
‫‪7‬‬
‫لم يكن علمانيو مصر الشباب أكثر قربا من الحق يوما إال حينما رفعوا شعار (أدين بدين اإلنسانية)!‬
‫‪40‬‬
‫بذا تُقدِّم اإلنسانوية مزيدا من احلجج لدعم الفلسفة اللوطية‪ ،‬فهي‪ ،‬من وجه‪ ،‬إله‬
‫يرفع العقاب عن األفراد الذين ميارسون هذا النوع من اجلنس ويرفض إدانتهم‬
‫لتحقيقهم اهلدف األمسى‪ :‬وهو جنة احلب والسعادة وحضارة اإليروس‪.‬‬
‫وهي‪ ،‬من وجه آخر‪ ،‬ترفض وجود أي إله أو سلطان آخر غريها يُقيِّد عالقات حب‬
‫حتقق السعادة اإلنسانية بني األفراد = فكل ما يصنع السعادة اإلنسانية‪ ،‬وخاصة‬
‫اجلنس‪ ،‬مطلوب لذاته‪ ،‬وهو فكر مرتبط من ناحية أخرى باهلِدونيزم ومبدأ احلصول‬
‫على أكرب قدر من املتعة‪ ،‬لكن ذاك نقاش آخر يطول وله أبعاد يف السياسة واالقتصاد‬
‫وتاريخ األيدولوجيات والفلسفات الغربية منذ اإلغريق إىل اآلن‪ ،‬ال يسعه هذا الكتاب‪.‬‬
‫فإن تدبرت كل ما سبق‪ ،‬أدركت بسهولة سبب نشأة اجلدل الغربي املعاصر ‪-‬خاصة‬
‫يف أملانيا‪ -‬حول مسألة جتريم اجلنس بني احملارم‪ :‬فالعالقة بني االبن وأمه أو األخ‬
‫وأخته أو األب وابنته هي عالقة إنسانية ال حيق جملتمع مؤسس على تقاليد قدمية‬
‫أن يتدخل فيها ما دامت ال تؤذي أحدا‪ ،‬فما وجه منع الزواج واجلنس بني هؤالء؟‬
‫لنضرب مثال‪ :‬يف عام ‪ ،2014‬دعا اجمللس الوطين األملاني لألخالق إىل إلغاء القوانني‬
‫اليت حتظر زواج احملارم‪ ،‬بعدما نظر يف قضية أخ يعيش زوجا مع أخته‪ ،‬وله منها‬
‫أوالد = فقد أنكر اجمللس استمرار (التابوهات‪/‬احملرمات) اجملتمعية‪ ،‬واليت منها زواج‬
‫احملارم)‪. (24‬‬
‫ومل جيد املتمسكون بالتجريم‪ ،‬على أساس ال ديين علماني‪ ،‬إال حجة كون احلظر‬
‫يهدف إىل منع األذى عن اإلنسانية‪ ،‬ألن أطفال ذلك الزواج سيصابون بتشوهات‬
‫خلقية أو عقلية تؤذيهم!‬
‫‪41‬‬
‫وتلك حجة متهافتة على تأبيد التجريم = فما وجه التحجج بها إذا استأصلت األم أو‬
‫األخت رمحها؟! ما وجه التحجج بها إذا عقَّم األخ أو األب نفسه جراحيا مبا ال يؤذي‬
‫متعته؟ ما وجه التحجج بها إذا توصل علم األجنة إىل التدخل املبكر ومنع التشوهات؟‬
‫عليك أن (تهتم بشأنك) وأال (حتكم على اآلخرين)‪ ،‬فاحلكم حيتاج إىل معيار ثابت‪،‬‬
‫واملعيار الثابت حيتاج إىل إله‪ ،‬واإلله هنا إما معدوم = فاحلق نسيب وال معيار للحكم‪،‬‬
‫وإما موجود وهو اإلنسانوية = فال جمال لتجريم ما يعزز سعادة البشر‪ ،‬وأوله اجلنس‬
‫بكل أنواعه!‬
‫وال سبب لتكبيل األشكال اجلنسية املختلفة واملتنوعة‪ ،‬مثل اجلنس اجلماعي‪ ،‬وتبادل‬
‫الزوجات‪ ،‬واللوطية‪ ،‬واجلنس بني األقارب احملرمني = إذ ال معنى ملفهوم التحريم؛‬
‫فمن املُحرِّم؟ ال وجه للحكم على أحد؛ خاصةً إذا اخنرط يف عالقة غري مؤذية حتقق‬
‫أكرب قدر من املباهج والسعادة مثل اجلنس!‬
‫إن املفاهيم اجملتمعية التقليدية والدينية‪ ،‬تؤسس لفكرة أن (فطرة اإلنسان) هلا شكل‬
‫واحد للعالقة‪ :‬زواج الذكر واألنثى‪ .‬يف املسيحية ذكر وأنثى واحدة‪ ،‬ويف اإلسالم‬
‫ذكر وأربع إناث حبد أقصى مع فتح اجملال للمزيد من ا ُملتَع احلسيَّة‪ ،‬لكن عرب قيام‬
‫مؤسسة أخرى معادية لإلنسانوية وهي االسرتقاق‪ ،‬وال ختتلف اليهودية كثريا! إذن‬
‫جتتمع األديان اإلهلية على تثبيت صورة (طبيعية) للجنس أوال‪ ،‬ثم على تأطري هذا‬
‫اجلنس داخل إطار ال جيوز اخلروج عنه وهو العالقة اليت مسح بها اهلل زواجا أو متلُّكا‬
‫= وكل ما عدا ذلك ليس إال شذوذا شهوانيا مستحقا للعقاب‪.‬‬
‫يبين اخلطاب اإلنسانوي التحريري منارا للثورة على تلك املفاهيم التقليدية‪ ،‬اليت‬
‫هي من بقايا خرافات األديان = فالبد من حترير اجلنس سواء من سلطة اجملتمع أو‬
‫سلطة األديان‪ ،‬وبتحرره يتحرر اإلنسان ويصنع احلضارة املُبهجة‪ ،‬فاإلنسان مملوء‬
‫بالرغبة يف الشهوات املمتعة لكنها مكبلة مُضيَّقة‪ ،‬ما يُنشئ جوا من الكآبة واحلزن‬
‫والغضب العدواني‪ ،‬يولِّد احلرب والصراع األبدي! وكل ذلك قد ينقلب رأسا على‬
‫‪42‬‬
‫عقِب‪ ،‬فقط إذا ثار اإلنسان على تلك املفاهيم واملعايري والتقاليد وأطلق العنان‬
‫لشهواته كيفما شاء‪.‬‬
‫ظمُ أفكار احلرية‪ ،‬والبهجة‪ ،‬وإطالق الشهوات اجلنسية بال عنان‪،‬‬
‫من هنا ذاع ن ْ‬
‫والثورة على الدين والتقاليد واجملتمعات واألجيال القدمية املتخلفة يف نسق واحد‪:‬‬
‫الثورة التقدُّميَّة من أجل حضارة البهجة‪.‬‬
‫ودائما يضرب املؤمنون بذلك املثال بيوتوبيا قردة البونوبو!‬
‫فتلك القردة تعيش عاملا من احلب‪ ،‬وتستخدام اجلنس لتمتني العالقات االجتماعية‬
‫والرتاتبية‪ ،‬فهو ليس مُخصصا عندها لإلجناب فقط )‪ .(11‬وعامل احلب الذي ميثلونه‬
‫ال قيود فيه على األنواع واألشكال‪ ،‬إذ تلقى فيهم اللوطية الذكرية والنسوية‪،‬‬
‫والفُحش باحملارم‪ ،‬والتفحش اجلماعي؛ وتشهي األطفال! هذا هو جمتمع البونوبو‬
‫املسامل جدا الذي (ميارس احلب) أبدا بال توقف‪ ،‬والذي ميتدحه هذا القسم من‬
‫اإلنسانويني كنموذج حلياة البهجة اليت يطلبها اإلنسان‪ ،‬حياة اجلنس اجلماعي‬
‫واللوطي الذكوري والنسائي‪ ،‬واملُتبادِل‪ ،‬وكل شكل من أشكال إخراج الشهوات‬
‫واملباهج‪ ،‬فمجتمع قردة البونوبو هو احللم املنشود‪ ،‬الذي يدفع اإلباحيني للتساؤل‪:‬‬
‫متى تنجح اإلنسانية يف حماكاة (يوتوبيا البونوبو) املنشودة)‪ (25‬؟!‬
‫وال تلق باال حينئذ لرفض البحث العلمي ذاك التصور الساذج عن يوتوبيا البونوبو‬
‫املنشودة‪ :‬فالقيادة يف جمموعات البونوبو غالبا تكون ألم‪ ،‬داعمةً البنها يف وأد أي‬
‫تنافس)‪ ، (26‬واجلنس ليس بال قواعد مطلقا‪ ،‬بل يقمع اجملتمع عادةً اجلماع بني‬
‫‪43‬‬
‫األهل املقربني‪ ،‬وال تعين اللوطية دوما احلب‪ ،‬بل تستخدمها اإلناث يف اختبار الوافدات‬
‫اجلديدات على القطيع دون أدنى اهتمام )‪!(27‬‬
‫لكن متى شغلت تلك األيدولوجيات نفسها بالتوصيف العلمي الدقيق؟!‬
‫على أي حال‪ ،‬جوبهت نظرية ماركوزه بهجوم مضاد بعد عقود قليلة‪ ،‬من ميشيل‬
‫فوكو‪.‬‬
‫ويؤمن البعض أن رؤية ونظرية ماركوزه مل تفقد صالحيتها يف الغرب‪ ،‬إال بعد نقد‬
‫فوكو للرؤى املازجة بني املاركسية والفرويدية! بل إن ماركوزه نفسه أعلن هجره‬
‫أطروحته الساذجة تلك بعد انتكاس احلركات التحررية والشبابية أثناء عصر‬
‫احلرب الباردة! كما أن احلركات اللوطية نفسها ‪Homophile movement‬‬
‫مل تتوقف عن نفي أي جذور اشرتاكية راديكالية وشيوعية أثناء احلرب الباردة‪،‬‬
‫حرصًا منها على جتنب مواجهة الدولة والصدام معها أيدولوجيًّا = وكل هذا يدعم‬
‫وجهة نظر من يرى أن متثيل فكر ماركوزه لألساس الذي بُنيت عليه الدعاوي‬
‫واحلركات اللوطية ‪ Gay Liberation Movements‬مل يكن إال عرضيًّا‪ ،‬غري‬
‫مقصود بذاته‪ ،‬مستدال بأقوال له ترجح إمكان انزعاجه حني كتابته اإليروس‬
‫واحلضارة‪ ،‬إن علم أن كتابه سيكون من مؤسسي فكر احلركات اللوطية )‪!(28‬‬
‫أما ما يهمنا حنن ها هنا‪ ،‬هو معرفة السياق الذي ظهرت فيه تلك املفاهيم واألفكار‪،‬‬
‫حتى لو تراجع عنها صاحبها فيما بعد = فقد ترسخت كأسس يف احلركات اللوطية‬
‫إىل اآلن‪ ،‬ويصعب جدا جتاهل مركزية فكر (حضارة البهجة) اليوتوبي واملبين على‬
‫فكر التحرر اجلنسي واللواط‪ ،‬أو التقليل من شأن أثر ماركوزه يف غرس تلك‬
‫األيدولوجيا والبناء اجللي للربوباجندا والدعاية اللوطية عليها إىل اليوم‪ ،‬حتى إذا‬
‫‪44‬‬
‫كانت اجلوانب الفرويدية واملاركسية يف أطروحته قد هُجرت من أجل ابتالعها يف‬
‫أيدولوجيات ليربالية وما بعد حداثية أخرى ال تتوافق مع أفكار ماركوزه الشمولية‪.‬‬
‫شغِل الفرنسي ميشيل فوكو‪ ،‬الفيلسوف الفرنسي الشهري الذي أرَّخ للجنس‬
‫ولقد ُ‬
‫يف كتابه ذائع الصيت (تاريخ اجلنسانية)‪ ،‬بنقد ذاك املزيج من التحليل النفسي‬
‫واملاركسية الذي قدمه ماركوزه؛ لكن خمالفته تلك تبلورت يف منوذج معني‪ ،‬يلزم‬
‫أن نتعرض له‪ ،‬خاصة أن كتابه كان ثورة شهرية على الرؤية املاركوزية‪ ،‬مع‬
‫االنتباه حملدودية أثره مقارن ًة بأثر كتاب مركوزه!‬
‫أن أول ما هوجم عليه ماركوزه‪ ،‬كان فرضية القمع اليت تتحدث عن كبح‬
‫احلضارة الغربية منذ القرن السابع عشر للجنس‪ ،‬خاصة يف العصر الرأمسالي‬
‫امللوث بالربوتستانتية = فقد أثبت فوكو رواية أخرى ثرية باألدلة أن النقيض هو‬
‫ما جرى‪ ،‬موضِّحا تشجيع احلضارة الغربية لألوروبيني منذ هذا القرن حتديدا على‬
‫احلكي عن اجلنس بالتفصيل؛ ال العكس!‬
‫وقد كانت بداية هذا املسار يف تعديالت كنسية على شكل االعرتاف الذي كان‬
‫ُمجمال طوال تاريخ املسيحية؛ فاملُذنب كان ال يزيد حينما يأتي قِسًّا لالعرتاف عن‬
‫قوله قد زنيت‪ ،‬أو قد مارست اللواط؛ لكن بداية من ذلك القرن غُيِّر أسلوب االعرتاف‬
‫من اإلمجال إىل التفصيل = فأصبح املُذنب مُطالبا بسرد كافة ما جرى أثناء العملية‬
‫اجلنسية اآلمثة!‬
‫يقول فوكو‪ ،‬أن األدب اإلباحي اجلنسي لن يصل بك‪ ،‬إذا تتبعت جذوره‪ ،‬إال لغرفة‬
‫االعرتافات الكنسيَّة! ويسرد طوال الفصلني األول والثاني عديد احلوادث عن حتويل‬
‫الثقافة اجلنسية من حكايا مغلَّفة تُروى يف جمالس خاصة بال ضابط‪ ،‬إىل (ثقافة‬
‫عامة) ُتضبط جمتمعيا باللغة واملفردات ثم تُعمم يف مرحلة الحقة‪.‬‬
‫كذلك يشري فوكو إىل انتقال اجلنس‪ ،‬يف القرن التاسع عشر‪ ،‬من حقل األخالق‬
‫إىل حقل العلم‪ ،‬وقد كان هذا يعين التخلص ببطء من اخلطاب القيمي والديين‪،‬‬
‫‪45‬‬
‫خطاب احلالل واحلرام والصواب واخلطأ واهلدف السامي‪ ،‬والتحوُّل إىل خطاب‬
‫(متعقلن) يبحث يف النوازع ويهتم بتفاصيل األفعال الشاذة ويشجع على سرد‬
‫الشهوات املنفلتة الغريبة‪ ،‬سعيا للتصنيف العلمي لتلك األفعال وامليول = وهي‪،‬‬
‫بالطبع‪ ،‬تصنيفات ال تستند إىل منظومة قيمية أو أخالقية أو دينية؛ بل ختالفها قدر‬
‫اإلمكان‪ ،‬متيُّزا هلا بزعم احلياد العلمي (‪ .)29‬ويف كل هذا تعزيز للفردانية غري‬
‫منكور‪.‬‬
‫إن نقض فوكو لسردية ماركوزه ال يهدم فقط فرضية القمع؛ بل يهدم أداة‬
‫التحليل النفسي الفرويدي املاركسي ذاتها‪ ،‬ويقدم بديال هلا أداة التحليل االجتماعي‬
‫للظاهرة = فاللوطية كذلك ذات مقاربات اجتماعية ونفسية‪ ،‬وموطن اخلالف‬
‫املفصلي بني هذين النوعني من املقاربات هو‪ :‬على من تقع املسؤولية األكرب يف تشكُّل‬
‫الواقع؟ اجملتمع أم النفس اإلنسانية؟‬
‫ومن الواجبات فهم موقف فوكو نفسه من احلرية اجلنسية‪ ،‬فهو مل يعنِ بنقضه‬
‫لفرضية القمع تلك أن احلضارة الغربية تعيش يف بهجة جنسية من قديم‪ ،‬فهو من‬
‫مؤيدي املزيد من االنفتاح اجلنسي‪ ،‬إمنا كان خالفه مع ماركوزه يتمحور حول‬
‫ادعاء قمع الشهوات حتى القرن العشرين‪ ،‬وهو ينقضه بالتأكيد أنها كانت يف‬
‫سبيلها لالنفتاح وانفالت الشهوات وتسري بإصرار يف ذلك الطريق منذ القرن السابع‬
‫عشر‪.‬‬
‫وفوكو لوطي شهري‪ ،‬وكان عشيقا لرجل امسه دانيل ديفري حتى املوت‪ ،‬وورث ديفري‬
‫منزله كزوج‪ ،‬وقد كان ينظر إىل اللوطية باعتبارها مُعززة للصداقة!‬
‫إن ماركوزه وفوكو ال يفرتقان يف املسعى اخلتامي كثريا‪ ،‬بل كما قيل قدميا‪ :‬كل‬
‫الطرق تؤدي إىل روما! وسرتى يف فصل الحق‪ ،‬حينما نعرض نظرية الشذوذ‪ ،‬أنها‬
‫قامت على أسس فوكوية صرحية‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫أخريا‪ ،‬نعرض للمآخذ العامة امللحوظة منا كمسلمني على نظرية حضارة البهجة‬
‫كلها‪ ،‬مبختلف مقارباتها‪ ،‬سواء ما قاله ماركوزه أو قاله غريه‪ ،‬يف إجياز‪:‬‬
‫فمن تلك املآخذ‪ ،‬االختزال السخيف لعوامل حركة التاريخ وصعود وانهيار‬
‫احلضارات = فقد بُنيت النظرية أساسا على نظرية أخرى فاضحة االختزال وكبرية‬
‫االدعاءات‪ ،‬وهي املاركسيَّة‪ ،‬وكذلك على فلسفة فرويديَّة خالصة جتاوز علماء‬
‫النفس قبل غريهم مزاعم كونها حقا مطلقا = فمن املاركسية أخذ التحليل الطبقي‬
‫وحتليل التاريخ بالعامل املادي االقتصادي‪ ،‬ومن الفرويدية أخذ مركزية اجلنس‬
‫كعامل مفسِّر ألكرب املشاكل يف حياة البشر‪ ،‬فجاء الناتج كما رأينا!‬
‫واحلقل التحليلي السياسي أو النفسي قد فقه هذا االختزال منذ عقود عدة‪ ،‬وأضاف‬
‫عشرات العوامل األخرى اليت ُعلِم أنها مشاركة سواء يف حركة التاريخ وصناعة‬
‫الواقع‪ ،‬أو يف نفس اإلنسان وردود أفعاله؛ بالتالي مل يعُد هذا احلل املقدم من‬
‫ماركوزه‪ ،‬املؤسس على االختزال‪ ،‬صاحلا ملناقشة جديَّة يف عامل اليوم‪.‬‬
‫كذلك يُنبئ التاريخ غري املُستقى من الدين‪ ،‬أن فتح الباب املطلق للشهوات اجلنسية‬
‫بأنواعها مل يكن يعين التقدُّم والسعادة اجملتمعيَّة وإيقاف الصراع؛ فحضارة اليونان‬
‫كانت يف عموم مواطنها منفلتة‪ ،‬وكذا الرومانيَّة الوثنية املتأخرة‪ ،‬وكانت‬
‫ن‬
‫اجلواري يف أغلب التاريخ ميثِّلن بابا مفتوحا إلطالق الشهوات اجلنسية = ومل يع ِ‬
‫كل ذلك االرتباط بالسعادة اجملتمعيَّة العامة واخللو من احلروب واملشاكل!‬
‫فعوامل الصراعات اجملتمعية والدولية أكرب بكثري من أن يتم حصرها يف الكبت‬
‫اجلنسي‪ ،‬وقد امتألت أوروبا ذاتها بالصراعات الداخلية قبل ظهور املسيحية‪ ،‬حينما‬
‫كانت احلياة الوثنية أشد إباحيةً‪ ،‬ومل تكن هناك عالقة صرحية للتقوى والفضيلة‬
‫بكبت اجلنس كما جرى مع املسيحية = بل وأخرجت تلك احلضارة الصراعية اثنتني‬
‫من أكرب اإلمرباطوريات االستعمارية يف التاريخ القديم‪ :‬اهليللنية والرومانيَّة‪،‬‬
‫حيث صُرِع أغلب العامل املعروف وقتها بأيدي (حضارات البهجة) تلك! ومل تستطع‬
‫‪47‬‬
‫أوروبا املسيحية التقيَّة حماكاة تلك النزعة اإلمرباطوريَّة املهووسة باحلروب‬
‫والسيطرة‪ ،‬إال يف عصر اضمحالل السلطة الدينيَّة واكتشاف األمريكتني وظهور‬
‫القومية ثم اإلمربيالية!‬
‫وغاية ما ميكن أن نقوله‪ ،‬أن أوروبا االستعماريَّة الصراعية‪ ،‬حينما كان الرجال‬
‫يزنون ويلوطون بال رقيب = هي ذاتها أوروبا االستعماريَّة الصراعية حينما كان‬
‫الرجال ال يُمارسون اجلنس إال مع زوجة واحدة فقط! مل تصل أوروبا أبدا إىل‬
‫حضارة بهجة‪ ،‬بل ظلت تُصارع األمم وتصرعهم وتقتلهم وتقتات على جهودهم لبناء‬
‫الرفاهية والرخاء املنشودين‪.‬‬
‫كما أن الطرح يأكل نفسه؛ فأولئك الذين ال يُحارِبون ويُبشِّرون بوقف الصراعات‬
‫وإحالل اليوتوبيا والفردوس باجلنس وحده = حتوط بأركانهم أقوى جيوش‬
‫األرض وتُعزُّ أجنابهم! أمل يظهر اهليبيز وتندلع الثورة اجلنسية يف أقوى بالد‬
‫األرض‪ ،‬أمريكا‪ ،‬حيث ال يُمسُّ أولئك يف دعواهم رغم انفالتهم وسُكرِهم ونشوتهِم؟‬
‫أليس ذلك ألن صواريخ بلدهم النووية موجَّهة إىل كل عاصمة يف عاملهم؟!‬
‫وهذا يقودنا إىل نقطة أخرى متعلقة بنا‪ ،‬حنن املسلمني‪ ،‬فانتشار مثل ذاك الطرح إن‬
‫مل يتسبب بضرر كبري ألمريكا والغرب‪ ،‬فهذا لتمكنهم يف مقعد السيادة العامليَّة‪،‬‬
‫وانتشار االحنالل اجملتمعي ال يعين انتشاره فكريًّا بالطريقة النظريَّة اليت حتدث‬
‫عنها ماركوزه وأمثاله‪ ،‬بل يعي رجال الساسة هناك أن الدوافع الصراعية ال عالقة‬
‫هلا بذلك السفه والرتف الفكري‪ ،‬وأن حيازة القوة مطلب إنساني مستقل بذاته‪.‬‬
‫لكن ماذا عنا حنن؟ مسلمون مُهانون ومشرَّدون متطرهم الدنيا بنريان املدافع‬
‫والصواريخ‪ ،‬وال جيدون ملجأً من كل ذلك إال اهلل‪ ،‬ثم التفكُّر يف أمل أن يأتي يوم‬
‫يُحصِّلون فيه قوة تردع كل معتدٍ ومُغتصب‪ ،‬وتضع هلم قدما مرة أخرى يف مُركَّب‬
‫السيادة العاملية!‬
‫إن انتشار ذلك الفكر‪ ،‬يف أمة بهذه احلالة = يعين إحالهلم أنفسهم دار البوار!‬
‫‪48‬‬
‫ويزيد من خطورة ذلك الطرح على أمة املسلمني‪ ،‬أن دواعي الشغف متجذرة يف‬
‫حاضرها أكثر من غريها؛ فهو طرح طوبوي يعدُ مبُستقبل ال صراع فيه وبسحب‬
‫الشباب من الواقع الكئيب = واألمة تنقر لنفسها عن أي طرح يعد باخلالص من‬
‫الصراع‪ ،‬وشبابها أحوج لغمس أنفسهم فيما يُبعِدهم عن الواقع الكاحل!‬
‫وهو طرح يدعم االنفالت اجلنسي = واألمة مكبوتة بقيود تكبح حتى أدنى الشهوات‬
‫بدعاوى رفع سن الزواج نظريًّا ومنع األعراف الغالية له عمليا‪.‬‬
‫وهو طرح يُقدَّم من الغرب وينشره يف إعالمه = واألمة غالبها يعبد الغرب ويُقدِّس‬
‫إعالمه!‬
‫فكيف ال جيد هذا الطرح آذانا مصغية فينا؟ وكيف يكون حالنا إن انتشر ذلك الفكر‬
‫فقضى على البقية الباقية من صالح جمتمعاتنا!‬
‫سنكون أمة هيبيز بال حُماة اهليبيز!‬
‫األس الخامس‪ :‬النسبوية‪ ،‬وما بعد الحداثة‪.‬‬
‫النسبوية‪ ،‬وإن كانت فلسفة قائمة بذاتها‪ ،‬إال أنها أيضا عماد نظريات ما بعد‬
‫احلداثة‪ ،‬وأثرها عارمٌ يف مئات األفكار الغربية والعاملية‪ ،‬ويف اليسار الليربالي خاصة‪.‬‬
‫وسنتخيَّر احلديث عما يُوضِّحها لنا كموثِّر على املسار الفلسفي اللوطي‪ ،‬موضِّحني‬
‫كيف كانت تلك الفلسفة أحد أسس التكوين‪.‬‬
‫ترتكز الفلسفة النسبويَّة على فكرة أن احلق ال يُمكن أن ُيحصر يف فكر أو أيدولوجيا‬
‫ِل‬
‫أو دين؛ فاحلق نسيب‪ ،‬وما تراه اليوم حمرما‪ ،‬رمبا يصبح حِلًّا يف الغد‪ ،‬أو رمبا هو ح ٌّ‬
‫حاضر يف ثقافة أخرى)‪! (30‬‬
‫‪49‬‬
‫كما أنها حني متتزج مع الفلسفة التطوريَّة الباقية يف حقل األيدولوجيّات‪ ،‬تروج‬
‫لقدرة التطور اجملتمعي املستمر وتقدمه الذي ال ينتهي‪ ،‬على حتديد الصواب املناسب‬
‫لكل مرحلة تارخيية‪.‬‬
‫أما حتديدُ معيارٍ للصواب واخلطأ‪ ،‬تارخييٍّ أبدي‪ ،‬مصدره دين أو فكر = فخرافة‬
‫ودجل‪ ،‬فمن الذي يُحدِّد الشرائع واملعايري؟ أليس اإلنسان؟ لقد قال السوفسطائي‬
‫األغريقي بروتاغوراس‪ ،‬عميد النسبويَّة‪ ،‬أن اإلنسان هو مقياس كل شيء‪ :‬وقد كان‬
‫يعين بذلك‪ ،‬أن كل منظور ورأي لشخص‪ ،‬هو جيد وصحيح كأي منظور ورأي‬
‫لشخص آخر )‪ (30‬وقد عمِد بروتاغوراس يف ذلك إىل حتدي املعارف والقيم‬
‫املفروضة من مصدر خارجي غري إنساني‪ ،‬خاصة اإلله)‪. (31‬‬
‫ولقد مرَّت الفلسفة الغربية بثالث مراحل مع النسبويَّة‪ ،‬السوفسطائية األوىل‪ ،‬اليت‬
‫بدأت يف القرن اخلامس قبل امليالد‪ ،‬ثم الفكر النايف للنسبويَّة املُطلقة‪ ،‬وهو ميتد من‬
‫عصر الفلسفة األفالطونية واألرسطيَّة إىل القرن العشرين‪ ،‬أي خالل العصر‬
‫الفلسفي الوثين ثم الفلسفي املسيحي ثم الفلسفي اإلنسانوي احلداثي‪ ،‬وأخريا‬
‫اإلحياء بالفلسفة ما بعد احلداثية‪ ،‬اليت أعادت السوفسطائية ومزاعم نسبويتها‬
‫املعرفيَّة واألخالقيَّة إىل الوجود مرة أخرى‪ ،‬وفيه أُعطي اإلنسان حق حتديد كافة‬
‫املعارف من جديد‪ ،‬دون مصدر أعلى‪ ،‬ولو كان اجملتمع أو األيدولوجيات أو العلماء‬
‫أو املفكرين؛ ففلسفة ما بعد احلدثة يف حقيقتها هي سوفسطائية مُحدِثة‪.‬‬
‫وزعمُها‪ :‬أن اإلنسان هو ُمخرتع اآلهلة واألديان إلضفاء صفة القداسة واخللود على‬
‫مُخرتعاته الفكرية والثقافية‪ ،‬وقد كان يف اكتشاف التنوع الثقايف واملعريف بعلوم‬
‫األنثربولوجيا وغريها‪ ،‬توهنيٌ الدعاءات امتالك احلق املُطلق؛ فما هو خطأ يف ثقافة‪،‬‬
‫‪50‬‬
‫صواب يف أخرى‪ ،‬وال مزيَّة جملتمع دون آخر‪ ،‬تدفعنا لتصديقه واإلميان بامتالكه‬
‫وحده املعيار األصوب‪.‬‬
‫إن التنوع الثقايف والديين دليل على أن كل جمتمع بشري قد (اخرتع) ما يناسبه من‬
‫املعايري واملقدسات‪ ،‬واحرتام اإلنسان يفرض علينا تبجيل ذلك التنوع الثقايف‬
‫والفكري‪ ،‬واإلميان بأن ال فضل ملعيار على آخر‪ ،‬وال رفعة لثقافة على أخرى‪ ،‬وعدم‬
‫ظمِ املعيار‪ .‬واملؤمن بغري ذلك هو‬
‫ملكية أحد للحق املطلق‪ ،‬ال يف هيئة األفكار وال يف نَ ْ‬
‫األصولي الديين املتطرِّف‪ ،‬ذاك الرببري الكافر بالتعددية الدينية والثقافية‬
‫والنسبويَّة‪ ،‬واملعارض لإلنسانويَّة العلمانيَّة )‪.(32‬‬
‫أما فلسفة ما بعد احلداثة‪ ،‬فتُعرَّف بأنها رؤية تزعم استحالة وجود مقوالت‬
‫ونصوص عاملية مُطلَقة تتعلق بالقيم والتقدُّم والسببية التارخييَّة = واالستحالة‬
‫حادثة ألن كافة املعارف مُشكَّلة بتصور صاحبها ال أكثر؛ فكل معرفة تكونت لدينا‬
‫متأثِّرة بالظرف الذي تلقينا فيه احلدث وفسَّرناه‪ ،‬مثل الظرف الثقايف وغريه؛ وعليه‬
‫ال ميكن أن تكون املعرفة عامليَّة أو مُطلقة‪ ،‬إمنا كل معرفة ال تكون إال جزئية‬
‫متعلقة باملوقف واحلدث ال أكثر )‪.(33‬‬
‫وقد كان من آثار ذلك‪ ،‬التأكيد على أن دالالت األلفاظ ليست عامَّة‪ ،‬بل هي جمرد‬
‫موروث جمتمعي وثقايف ميكن تغيريه‪ ،‬وعليه كان احلضُّ على النظر إىل داللة‬
‫(الذكر) وداللة (األنثى) بصورة جديدة‪ ،‬بُنيت فوقها النسوية ومفهوم اجلندر =‬
‫فأصبح لفظ الذكر ال يرتبط يف داللته بالرجل حتما‪ ،‬وكذا األنثى‪ ،‬كيف‬
‫والدالالت ملك اإلنسان املُعرِّف لذاته وهويته ونوعه االجتماعي الذي يرغب يف‬
‫عيشه؟ وكما ال حيق ألحد ادعاء احتكار ملكية املعيار الوحيد للصواب واخلطأ؛‬
‫‪51‬‬
‫كذلك ال حيق ألحد أن يفرض مفهومه لأللفاظ والداللة اليت يتبناها‪ ،‬على شخص‬
‫آخر‪.‬‬
‫ماذا يعين ذلك يف حياتك اليومية؟ يعين أن اعتقادك كون الفعل (كذا) حالل أو‬
‫حرام‪ ،‬أو صواب أو خطأ = ناتج من ثقافتك وبيئك االجتماعية اليت نشأت فيها‪،‬‬
‫وواجبك أن تعرتف بهذا وحتتفظ باعتقادك ذلك لنفسك‪.‬‬
‫أما إن حاولت فرض معيارك هذا على غريك‪ ،‬أو حتى حماكمة أفعاله إىل ما تؤمن‬
‫به من قواعد وقوانني = فبغيٌ وافرتاءٌ وتعدٍّ على إنسانيته ومعتقداته‪ ،‬إذ أن هذا ليس‬
‫من حقك أوال‪ ،‬وليس إال غطرسة دوغمائية أصولية متطرفة منك ثانيا‪ ،‬لعدم‬
‫إميانك بنسبية احلق ورفض تسليمك بال معياريته‪.‬‬
‫واملثال العملي‪ ،‬هو يف حكمك على اخلنِث‪ ،‬فأنت تصرُّ على توصيفه مبعيار يُلزِم‬
‫االرتباط بني الذكورة والرجولة‪ ،‬وهذا هو معيارك أنت‪ ،‬وهو معيار متخلف قديم‬
‫من بقايا عصور ما قبل التاريخ‪ ،‬ال يؤمن بانفصال دالالت األلفاظ‪ ،‬وال يُسلم حبقِّ‬
‫اإلنسان أن يفسر اللفظ ويُحمِّله ما شاء من معنىً‪.‬‬
‫فاخلنِث يسمي نفسه امرأة ويريد من اجملتمع أن يعامله كامرأة وال يناديه إال‬
‫بأدوات التأنيث‪ ،‬واملرتجلة تسمي نفسها رجال وترفُض من اجملتمع خماطبتها بغري‬
‫أدوات التذكري‪ ،‬وهما أحرار فيما يريدان وعلينا احرتام حرية اختيارهما ووضع‬
‫معايرينا يف منازلنا‪ ،‬وعلينا اإلميان مبعايري جمتمع املستقبل‪ ،‬اليت تُعزز نسبوية احلق‬
‫ونسبوية املعاني واأللفاظ‪ ،‬وتفتح األبواب واسعةً للتعددية الثقافية والفكرية‬
‫واجلندرية‪ .‬هذا هو خمتصر أثر ما بعد احلداثة والنسبوية‪.‬‬
‫ويتبقى نقاشٌ أخري‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إن اإلميان بالنسبويَّة‪ ،‬هو وهم‪ ،‬مُتناقِض‪ ،‬نعاين أثره كل يوم‪ :‬فالذي يؤمن‬
‫بنسبويَّة احلق واألخالق والقيم واألديان‪ ،‬وبأن إميانك مبعيار ومنوذج حتاكم إليه‬
‫الناس هو خطأ وتعصُّبٌ وانغالق = يعتربك ضالًّا ُمضِلًّا‪ ،‬ألنك تُخالف (معياره) الذي‬
‫‪52‬‬
‫ال يوجد فيه حق مُطلق وال صواب مُطلَق وال مِعيارٌ أبدي للمعرفة! إذن هو نفسه‬
‫ميلك ِمعيارًا يقيس سلوكك وعقائدك عليه؛ فإن خالفته هامجك وآمن بأنك من‬
‫املفسدين! وهو نفسه يؤمن بوجوب النهي عن املُنكَر الذي تصنعه بسلوكك الناتج‬
‫عن عقيدتك وإميانك وأصوليتك املتطرفة‪ ،‬وأمرك باملعروف الذي هو الصواب‬
‫اإلنسانوي من وجهة نظره ومعياره‪ ،‬ودعوتك إىل اتباع مذهبه النسبوي‪ ،‬وعدم الرضا‬
‫عن مذهبك اليقيين الدوغمائي! ذاك التناقض الذي ال يرتفع هو أشهر ما يواجه‬
‫النسبية ويُذيبها يف حلظة‪ ،‬وال مفر منه‪ ،‬وقد حاول إشعيا برلني التنظري مبا حيفظ‬
‫لوازم النظرية من السقوط‪ ،‬فلم ينتج إال يوتوبيا ال معنى هلا وال يعتد بها أحد (‪!)18‬‬
‫فالنسبويَّة تضع هي ذاتها معيارا حتاكم إليه الناس! وإن شئت الصدق أكثر‪ ،‬قلت‬
‫إن النسبوية غري موجودة يف الواقع على التحقيق‪ ،‬وليست إال آلة فلسفيَّة موطِّئة‬
‫لتمكني فلسفة مضادة عن طريق تفكيك سابقتها = فال توجد نسبويَّة يف القوانني‬
‫مثال‪ ،‬بل التشريعات مُلزِمة‪ ،‬وال حيق ﻷحد أن يطلب اإلفالت من العقاب مثال يف‬
‫والية أمريكية جترم زواج القاصرات إن أقدم عليه‪ ،‬حتى إن كانت الوالية اليت‬
‫ينتمي إليها ال متنعه؛ فلكل والية تشريعاتها املُلزِمة واليت جيب على املقيم فيها‬
‫احرتامها وإن مل يؤمن بها‪ .‬وقد أحسن تشارلز بريد‪ ،‬املؤرخ األمريكي‪ ،‬حني قال‬
‫صراحةً يف عام ‪ 1933‬أن وظيفته كمؤرخ لألفكار هو هدم أفكار الفالسفة‪ ،‬فاملؤرخ‬
‫الفكري يضع الفيلسوف يف عالقة مع حركة األفكار واالهتمامات اليت يقف فيها‬
‫أو يطفو فوقها‪ ،‬بأن يُضفي على مشروعه ما يناسبه من النسبية (‪ ،)34‬وهي وظيفة‬
‫ملؤرخي األفكار قد ختفى عن البعض‪ ،‬فاملؤرخ قد يبدو بريئًا يف نسبته كل فكرة‬
‫‪53‬‬
‫وكل عقيدة وكل فلسفة إىل إطار ثقايف قبلي أو اجتماعي ظريف‪ ،‬ولكن الغرض‬
‫األمسى قد يكون خدمة مشروع تفكيك فكر معني‪ ،‬أو تفكيك كل فكر‪ ،‬لصاحل‬
‫النسبوية وعدم اليقني! هكذا ال تكون النسبوية وأدواتها مثل التأريخ الفكري‬
‫والتفكيك االجتماعي والثقايف سوى مشاريع هدم عقائد وأفكار‪ .‬ويزعم النسبويون‬
‫أنهم ال يريدون سوى اهلدم ال غري‪ ،‬كيما يعرف اإلنسان حقيقة معتقداته وأصوهلا‪،‬‬
‫وأنها غري حقيقية مطلقا‪ ،‬لكن ما من نسبوي إال وله إطار آخر جيذبك إليه‪ ،‬ويعتقده‬
‫بأنه فوق أن يكون معتقدا هو ذاته‪ ،‬كالليربالية أو التعددية أو غريها‪ ،‬فهو عنده‬
‫أمسى من أن يوضع جنبا إىل جنب جبوار املعتقدات األرضية القبيحة‪ ،‬وأرسخ‬
‫حقيق ًة من أن يُبحث له هو ذاته عن جذور فكرية وأسباب اجتماعية أو نفسية!‬
‫النسبوي هو شخص أشد دوغمائيةً من كافة من ينتقدهم‪ ،‬لكن أين العقل؟!‬
‫ ويُلزِم تطبيق النسبويَّة اللوطيني بتناقضات أشنع‪ ،‬عند تطبيقها يف كافة اجملاالت‪،‬‬‫وقد حدث هذا يف حاالت ننتقي منها ثالثة فقط‪ ،‬لندرك حجم سُخف ذلك الزعم‪:‬‬
‫ففي الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬عرف شخص أبيض يدعى ‪ Ja Du‬نفسه أنه عابر‬
‫للعرق (‪ ،)Trans Racial‬مؤكِّدًا أنه أعاد تعريف عرقه ليصبح فيلبينيًّا! وله‬
‫جمموعة مؤيِّدة مُشابِهة‪ ،‬تُنكِر العرق الذي ولدت به‪ ،‬وتؤكِّد أنها أعادت تعريف‬
‫عرقها وحتديد هويَّته ليصبح عِرقا آخر‪ ،‬وبناءً على أساس اهلوى احملض والراحة‬
‫الشخصية ال غري‪ ،‬فقد مسع (جا) عن األكل الفلبيين وعادات الفلبينيني‪ ،‬وقرر أنه‬
‫سيصبح من العرق الفلبيين بنا ًء على هذا)‪! (35‬‬
‫‪54‬‬
‫وقد سبق (جا) امرأة بيضاء‪ ،‬هي رتشيل دوليزال ‪ Rachel Dolezal‬اليت ظلت‬
‫لعشر سنوات تُعرِّف نفسها بأنها (امرأة سوداء) ال بيضاء‪ ،‬داعيةً اجملتمع إىل االعرتاف‬
‫بالرتانسراسيال‪ ،‬كما اعرتفوا بالرتانسجندر (اخلِناث))‪. (36‬‬
‫ولنتوقف حلظة عند حديث رِتشيل مع الصحفيني‪ ،‬إذ أنها الرئيسة السابقة إلحدى‬
‫املنظمات احلقوقية املساندة للسود؛ فهي أكثر متاسكا من عابر العرق (جا)‪ ،‬تقول‪:‬‬
‫إن اجلندر ليس ثنائيا (ذكر وأنثى)‪ ،‬بل ليس حتى بيولوجيا (بناءً على العضو‬
‫اجلنسي) = أما ما صدمين حقًا‪ ،‬هو أن العرق أيضا ليس بيولوجيًّا! إن ما أدعو إليه هو‬
‫أن يكون العرق سائال هو اآلخر ‪ ،Racial fluid‬بنفس الطريقة اليت سُمِح بها‬
‫للجندر بأن يكون سائال‪!8‬‬
‫ولرتشيل منطق‪ :‬فالعرق حقا مفهوم أكثر سيولة من الناحية البيولوجية من‬
‫اجلندر‪ ،‬وما دمنا قد أسلنا اجلندر وقبلنا بهذا فلم نرفض نفس األمر مع العرق؟‬
‫تقول رتشيل‪" :‬إن العرق كذبة‪ ،‬إذًا كيف نكذب حول كذبة؟!" )‪.(36‬‬
‫أما احلالة الثالثة‪ ،‬فهي إميل راتلباند‪ ،‬وهو رجل عجوز يف التاسعة والستني مفتون‬
‫بالتفكري اإلجيابي‪ ،‬رفع قضية لتخفيض عشرين عاما من عمره دُفع ًة واحدة!‬
‫‪ 8‬سيولة الجندر ‪ Gender Fluid‬هو مصطلح ُيطلق على الحالة التي تسعى إليها النظرية اللوطية في صناعة المجتمع‪ ،‬وفيها‬
‫يكون مسموحا لكل إنسان أن ُي ِّ‬
‫غير جندره ويعيد تعريفه‪ ،‬كأن يحول هويته من ذكر إلى أنثى والعكس‪ ،‬بغض النظر عن الحالة‬
‫الفسيولوجية‪ ،‬ويعرف كذلك بأنه حالة يعلن فيها المرء عدم انتمائه لجندر معين‪ ،‬أو لميل معين‪ ،‬فهو بين الكل‪ُ ،‬يجامع الرجال‬
‫والنساء والخناث وكل إنسان‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫يقول إميل‪" :‬إننا نعيش يف زمن ميكن فيه تغيري االسم واجلندر؛ فما الذي مينع تغيري‬
‫العمر أيضا؟")‪! (37‬‬
‫كافةً؟ إنه إنكار احملسوس املُشاهد‪ ،‬مبحض اهلوى‬
‫ما الذي جيمع تلك احلاالت َّ‬
‫واإلحساس الداخلي‪ ،‬متاما كما يفعل اخلِناث اللوطيون؛ فلم يُنكر الناس التزام‬
‫اللوازم؟ أليست النسبويَّة هي احلق؟ أليس اإلحساس الداخلي لإلنسان هو فقط‬
‫املُحدد ألول عناصر تكوين هويته يف تلك الدنيا وأوضحها‪ ،‬أال وهو العنصر اجلنسي؟‬
‫إذن ما معنى التعصب ضد النسبويَّة يف العمر والعرق كذلك؟ بل إن مفاهيم العمر‬
‫والعرق أقل وضوحا وأكثر نسبية من العنصر البيولوجي اجلنسي؛ وإن كان‬
‫اجلنس هو أكذوبة مُجتمعيَّة وتارخييَّة كربى؛ فما املانع من الزعم بأن العمر‬
‫والعرق مثله؟ إن هذا سيدعونا إىل آفاق جديدة من (التنوع)‪ :‬فلم ال تنفصل الدوال‬
‫يف تعريف اإلنسان ذاته‪ ،‬فيُعرِّف أحدهم نفسه بأنه مسكة أو طائر كناري؟ إن جلأنا‬
‫للعلم فالتشريح ال يعرتف بغري النوعني مع وجود حالة ثالثة مُركَّبة فيها خلل‬
‫وهي اخلنثى‪ ،‬فال ميكن التحجج بالعلم‪ ،‬ولن يبقى إال الفكر والنفس = وهنا ال يصبح‬
‫هناك معنى إلنكار تعريف أحدهم نفسه بأنه حيوان أو حشرة أو طري!‬
‫ذاك بعض العبث‪ ،‬وملريدي اللعب حببوحة يف هذا الفكر وذاك املعتقد! فاالحتماالت‬
‫ال نهاية هلا‪ ،‬وتنوع األلعاب منوط باتساع خيال كل إنسان على هذا الكوكب!‬
‫ثانيا‪ :‬العوامل العرضية يف صعود دين اللوطية‪.‬‬
‫بذا تنتهي األسس الفلسفيَّة اخلمس الكربى‪ ،‬ويتبقى فقط ذِكر موجز لبعض‬
‫العوامل اليت ساهمت بصورة عرضية‪ ،‬غري مباشرة غالبا‪ ،‬يف صعود احلركة‬
‫اللوطيَّة‪.‬‬
‫‪56‬‬
‫أوال‪ :‬التقدم الطبي‪.‬‬
‫هذا أحد العوامل القويَّة يف تنامي الظاهرة اللوطيَّة‪ ،‬من ثالث جهات‪:‬‬
‫اجلهة األوىل‪ ،‬تطور جراحات التجميل‪ ،‬ويُسرها واخنفاض تكاليفها مقارنةً باملاضي‪،‬‬
‫وذلك شجَّع على أمرين‪ ،‬األوَّل توحيد مقاييس عامة للجمال األنثوي والذكوري‬
‫يُمكِن الوصول إليها صناعيًّا‪ ،‬وكذلك اعتياد الناس تلك الصور الصناعيَّة ودخوهلا‬
‫ثقافتهم كأنها طبيعية‪ ،‬ومثال هذا ما نراه من توحيد مقياس مجال العرب يف مجع‬
‫من املغنيات الشاميات واللبنانيات‪ ،‬فيما وصفه البعض بصورة نانسي أو هيفاء‪ :‬األعني‬
‫الزرقاء‪ ،‬والشفاة الدقيقة املرسومة املنفوخة‪ ،‬واألنف األقنى‪ ،‬والذقن الرقيق‪ .‬وقد‬
‫جنح جراحو التجميل يف تثبيت هذه الصورة كمعيار للجمال يف أذهان الناس‪ ،‬حتى‬
‫طمح بعض اللوطيني واخلِناث العرب فيه‪ ،‬فأجروا جراحات جتميلية صاروا بعدها‬
‫يشبهون ذلك النموذج املعياري! واألمر نفسه يظهر بصورة أكثر تنوعًا يف الغرب‪،‬‬
‫حيث خيضع اللوطيون واخلِناث ملا يُسمى جبراحة تأنيث الوجه ‪Facial‬‬
‫‪ Feminization Surgery‬أو ‪ MTF‬وهي اختصار ملصطلح (من ذكر ألنثى) =‬
‫وفيها يقوم اجلرَّاح بإجراء تعديالت متفاوتة العُمق يف وجه الرجل ليصبح أنثويًّا‬
‫)‪ ،(38‬وهي جراحات بدأت منذ الثمانينيات ومستمرة إىل اآلن‪ .‬وكذا أصبح للوطيَّة‬
‫املرتجلة القدرة على حتويل وجهها لذكوري جبراحة أخرى تسمى جبراحة‬
‫تذكري الوجه ‪ Facial Masculinization Surgery‬أو ‪ ،FTM‬وقد بدأت منذ‬
‫عام ‪ 2015‬إىل اآلن‪.‬‬
‫يف الصورة التالية‪ ،‬خطوات تغيري شكل الوجه األنثوي ليصبح ذكوريا)‪: (39‬‬
‫‪57‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه شجَّع على عمليات التحوُّل املظهري للجنس آخر‪ ،‬وغلق باب العودة‪،‬‬
‫بصورة أكرب‪ ،‬لرخص األسعار يف بعض األماكن؛ فإن كانت جراحة تشكيل مِهبل‬
‫صناعي للوطي اخلنِث‪ ،‬تتكلف حوالي ‪ 12‬ألف دوالر‪ ،‬وجراحة زرع ثدي‪ ،‬تتكلف‬
‫حوالي ستة آالف دوالر‪ ،‬وجراحة كاملة لتأنيث الوجه أو تذكريه‪ ،‬تتكلف يف‬
‫أقصاها ما يقارب الواحد وعشرين آالف دوالر‪ ،‬وتُقدَّر قيمة اجلراحات الكليَّة ما بني‬
‫الواحد وأربعني ألف دوالر إىل مئة ألف دوالر‪ ،‬فإن تايالند توفِّر ذلك كله بسعر‬
‫عشرة آالف دوالر فقط)‪ . (40‬كما أن مثَّت دفعٌ دائم من اجملتمع احلقوقي الغربي‬
‫حنو الدولة كي تكفُل بالتأمني الصحي للمواطنني إجراءهم تلك اجلراحات جمانا‬
‫مبؤسسات طب التعديل اجلندري)‪ (41‬مثل مركز فيالدلفيا الطيب جلراحات‬
‫الرتانسجندر؛ وبذلك تتحمل الدولة تكاليف ختنيث مواطنيها وترجلهم! نِعم‬
‫الدولة!‬
‫‪58‬‬
‫واجلهة الثانية‪ ،‬جهة تطور جراحات (إعادة تشكيل اجلنس ‪Gender‬‬
‫‪ )Reassignment Surgery‬لألفراد؛ وهي فرع من اجلراحات التجميليَّة‪ ،‬لكنها‬
‫مُختصّة باألعضاء التناسلية حتديدا‪ ،‬وفيها يصنع األطباء مِهبال صناعيا للوطي‬
‫اخلنِث‪ ،‬أو يزرعون قضيبا صناعيا للوطيَّة املرتجلة‪ ،‬أو يُعالِجون حجم البظر ليشبه‬
‫القضيب‪ ،‬مع زرع أثداء للوطي وإزالة أثداء اللوطيَّة‪.‬‬
‫لنضرب مثال جبراحة ال ‪ ،Vaginoplasty‬وهو مصطلح عام لكل جراحة تُعدِّل‬
‫يف املِهبل‪ ،‬سواء بصناعة ممر له عند املواليد اإلناث اللواتي يُعانني تشوها يُغلق املِهبل‪،‬‬
‫أو النساء اللواتي تعرضن لتشوه مهبلي نتاج مرض أصنب به‪ ،‬وهو داخل فيما وصفه‬
‫الفقهاء املسلمون بالرَّتقِ والقَ َرنِ؛ ثم أنه كذلك دالٌّ على اجلراحة اليت تشقُّ مهبال‬
‫صناعيا للوطيّ‪ .‬وهلا عدة طرق سأختيَّر منها ما يُناسِب اإلجياز‪ ،‬وتكفي يف ذات الوقت‬
‫إلدراك حجم التقدُّم احلالي لتلك اجلراحات وخطورتها‪ ،‬وهي طريقة ال ‪Penile‬‬
‫‪ ،Inversion‬وخطواتها كاآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬يقطع اجلرَّاح القضيب واخلصيتني ويزيلهما‪ ،‬ويعيد توجيه اإلحليل ليكون‬
‫خمرجه فتحة صغرية أسفل املهبل الصناعي‪ ،‬مُماثلةً لعضو األنثى (وتلك اخلطوة‬
‫األوليَّة مشرتكة بني كافة طرق جراحة املهبل الصناعي)‪.‬‬
‫‪ -2‬يُزيل اجللد املُحيط بالذكر‪ ،‬ثم يقلبه كي يصنع منه أنبوبا داخليًّا‪ ،‬مماثل ًة‬
‫للقناة املهبليَّة‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫‪ -3‬ثم بعد صناعة القناة‪ ،‬تؤخذ القلفة‪ ،‬لصناعة بظر صناعي يوفر له استمرار‬
‫اإلمتاع مبداعبته‪ ،‬ويؤخذ كيس الصفن‪ ،‬لصناعة شفري املهبل‪.‬‬
‫بذلك تنتهي اجلراحة‪ ،‬مع احتمال االحتياج ألخرى‪ ،‬لعالج أحد املضاعفات الشهرية‬
‫هلا‪ ،‬املتمثلة يف حدوث فتحة بني املستقيم واملهبل الصناعي‪ ،‬وهي حالة‬
‫تسمى‪ ،Vaginal-Rectal Fistula‬جتعل الرباز خيرج من الفرج الصناعي‪،‬‬
‫وكذلك حيتاج اخلنِث اللوطي إىل دهان الزيوت واملزلِّقات دوما لتيسري عملية‬
‫املمارسة اجلنسية مع شريكه الذكر )‪.(42‬‬
‫يف الصورة التالية‪ ،‬خطوات جراحة إزالة القضيب‪ ،‬وصناعة مهبل صناعي )‪:(43‬‬
‫‪60‬‬
‫اجلهة الثالثة‪ ،‬تطوُّر العالج اهلرموني‪ ،‬الذي يُحفِّز إظهار الصفات الثانويَّة للخنِث‪،‬‬
‫مثل أن ينمو ثدييه إىل حجم مماثل لألنثى مبجرد أخذ اهلرمونات‪ ،‬دون جراحة‪،‬‬
‫وكذلك تغري منو الشعر وأماكن جتمع الدهون يف اجلسم‪ ،‬حتى يصبح اخلنِث‪،‬‬
‫خاصة إن تعرض للمعاجلة اهلرمونية يف سن مبكرة‪ ،‬شبه امرأة ال تكاد جتد فيه‬
‫اختالفا عن النساء يف النعومة البضة وتراكم الدهون يف الثديني واملؤخرة‪ ،‬وتصبح‬
‫املُرتجِّلة مماثلة للذكر‪ ،‬ينمو لديها الشعر الكثيف يف وجهها وباقي اجلسد‪.‬‬
‫إن تلك التطورات الطبية الضخمة‪ ،‬اليت تعِدُ مبزيد من الفتوحات والنجاحات يف‬
‫املستقبل‪ ،‬خاصة مع استمرار اخنفاض التكاليف = تلعب دورا هاما يف إشاعة اللوطيَّة‬
‫عن طريق تيسري التحوالت املُثرية للوطيني من الناحية اجلسدية‪ ،‬ما مينحهم‬
‫أفضليَّة على غريهم من اللوطيني العاديني يف القدرة على اجتذاب املزيد من الناس‬
‫ملمارسة اللواط معهم‪ ،‬حتى ثارت نقاشات حول ما إذا كان ميكن وصف الرجل الذي‬
‫يلوط يف خنِث هذه صورته بأنه لوطي حقا! فاللوطي عندهم ال ينجذب جلسد‬
‫النساء‪ ،‬بينما اخلنِث ميتلك جسد أنثى مثالية‪ ،‬وإذا صنع الفرج الصناعي لن متلك‬
‫تفريقه عن النساء إال بصعوبة = فكيف يوصف املنجذب ملثل ذلك بأنه لوطي)‪ (44‬؟‬
‫وكذا األمر يف املرتجلة اليت أجرت جراحات التذكري والعالج اهلرموني‪ ،‬إذ تصبح‬
‫ذكرا يف كل شيء إال العضو الذكري‪ ،‬وحتى هذا يعملون على عالجه كي تكون‬
‫املُرتجِّلة مالكة آلخر ما مينع حتوهلا لذكر صناعي بصورة أرخص تكلفةً من‬
‫املوجود حاليا‪ !9‬والشبكة العنكبوتية مألى بصور خميفة لعشرات اللوطيات‬
‫فكر وتتأمل‪ ،‬ماذا سيصنع ِّ‬
‫‪ 9‬ولك أن ُت ِّ‬
‫الخنث في مجتمع المسلمين عام ًة والعرب خاصةً‪ ،‬بجسده األنثوي ودأبه إشباع شهوته‬
‫بإيقاع الرجال والشباب‪ ،‬وضمان عدم الحمل وعدم الخوف من األهل أو المطالبة بزواج! إن األمر سيصبح أشد وطأ ًة من انفجار‬
‫نووي في المجتمع!‬
‫‪61‬‬
‫ى‬
‫املرتجالت بعدما أجرين اجلراحات الالزمة‪ ،‬وصار لديهن شعرا يف صدرهن وحل ً‬
‫طوال وعضالت منتفخة‪ ،‬ما يُحيل على العقل أن يتصور أن أولئك نساء أو كنَّ نسا ًء‬
‫ذات يوم! أما صور اخلِناث فحدِّث وال حرج!‬
‫ثانيا‪ :‬توقف الحروب في الغرب وشيوع التخنُّث‪ ،‬عصر الرفاه‪.‬‬
‫ذاك عامل من العوامل اليت حتتاج مين دراسة أوسع وأضخم وحتريرا أدق‪ ،‬ليس ها‬
‫هُنا حملَّه‪ ،‬كما أنه قد يُشكلُ عليه كذلك ببعض ما يطيل الرد‪ ،‬لكنين أذكره‬
‫خمتصرا‪.‬‬
‫خالصة هذا العامل‪ ،‬يف رأيي‪ :‬أن إيقاف احلروب وانتشار الرتف والرفاه يف األمة‪،‬‬
‫يُشجِّع على ظهور أجيال‪ ،‬رجالُها أكثر ابتعادا عما يشدُّ عودهم‪ ،‬ويقوي نفوسهم‪،‬‬
‫ونساؤها‪ ،‬أكثر تسلُّطًا على الرجال‪ ،‬وأكثر اعتقادا بأن ال فارق حقيقي بني‬
‫اجلنسني؛ فالكل يف الدّعة سواء = وهذا يؤدي بالتالي إىل انتشار قيم التخنُّث يف‬
‫اجملتمع‪ ،‬وكذا أفكار النسويَّة‪.‬‬
‫وإن صح هذا فلعله قد يُفسِّر سبب الشيوع الضخم احلالي ألفكار النسويَّة واللوطيَّة‪،‬‬
‫والذي إذا تتبعته وجدته يكاد يتمركز يف دول الرفاه‪ ،‬عامل الغرب اليت أوقف احلروب‬
‫فيما بني بعضه البعض بعد احلرب العاملية الثانية وظهور القنبلة النووية بشكل‬
‫خاص‪ ،‬وطوال ما يقارب القرن حاليا‪ ،‬وهو حدثٌ غري مسبوق بتلك الصورة يف تاريخ‬
‫اإلنسانيَّة عامًّة؛ فبحسب تلك الرؤية اليت تُنبِّه للربط بني وقف احلروب وشيوع قيم‬
‫الرتف والرفاه يف اجملتمع‪ ،‬وبني شيوع قيم التخنُّث والتنسون = يكون تفسري الصعود‬
‫غري املسبوق للوطيَّة والنسويَّة‪ ،‬هو الوقف غري املسبوق للحروب‪.‬‬
‫وإذا صح فسيكون أثره على العامل اإلسالمي‪ ،‬الواقع يف االحتالل الناعم‪ ،‬اخلفي‪،‬‬
‫احتالل الوكاالت = فادح الضرر! فإن كان الغرب قد أوقف احلروب وأشاع قيم‬
‫الرفاه اجملتمعي‪ ،‬إال أن هذا مل يتم إال بعد سيادته وحيازته كافة أسباب القوة‪ ،‬فما‬
‫‪62‬‬
‫بال الشرق املسلم يُشيع تلك القيم‪ ،‬بآلة العوملة خاصةً‪ ،‬بينما هو غارق يف التبعيَّة‬
‫والضعف!‬
‫وقد يرد على ذلك العامل إشكاالن‪ :‬األول‪ ،‬أن اللوطيَّة ذاعت يف جمتمعات مقاتلة‬
‫عسكرية صرفة مثل املماليك والساموراي‪ ،‬وكذا يف احلضارة اإلغريقية العسكرية‬
‫ثم الرومانية‪ ،‬حتى قيل بأن اإلسكندر املقدوني ذاته كان يلوط)‪ ، (45‬وقيل على‬
‫يوليوس قيصر أنه رجل كل امرأة‪ ،‬وامرأة كل رجل‪ ،‬واتُهم باللواطة مع ملك‬
‫نيقوميديا = ومع هذا كان من أقوى العسكريني يف التاريخ‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬قد يُقال إن الغرب بنسويَّته ولوطيته يزداد قوة وسيطرة‪ ،‬بينما الشرق املسلم‬
‫وتبعيةً؛ فلو حدث الربط يلزم من ذلك أن اللوطيَّة والنسويَّة صنعا‬
‫َّ‬
‫يزداد ضعفا‬
‫أكرب قوة عسكريَّة يف التاريخ‪.‬‬
‫ومثل تلك اإلشكاالت حتتاج‪ ،‬كما أوضحت‪ ،‬الستعراض وحبث طويل‪ ،‬لكنين ال‬
‫أتركها دون رد موجز عليها‪ ،‬فأقول‪ :‬أن االستشهاد بالساموراي وكافة النماذج اليت‬
‫مجعت بني اللوطيَّة والتخنُّث وبني القوة العسكريَّة‪ ،‬هو استشهاد مبا ندَّ وندُر يف‬
‫التاريخ اإلنساني على قاعدة عامة‪ ،‬كما أن اإلمرباطوريَّة الرومانيَّة ظلت حضارة‬
‫عسكريَّة تهتم بقيم األسرة حال صعودها وإن احندرت يف أعصرها املتأخرة مع‬
‫اضمحالل أخالقيات اجملتمع كله‪ ،‬وقد تنبه لذلك اإلمرباطور الروماني أُغسطُس‪،‬‬
‫وحاول إعادة احلياة االجتماعيَّة الرومانيَّة إىل صوابها بقوانينه الشهرية اليت بقيت‬
‫حتى بداية العصر املسيحي‪ ،‬وفيها حرَّم الزنا والفجور‪ ،‬ومسح لألب بقتل ابنته‬
‫الزانية‪ ،‬بل وقتل شريكها معها‪ ،‬وكذلك مسح للزوج بقتل زوجته وعشيقها‪ ،‬وشجَّع‬
‫على الزواج‪ ،‬بعدما كان مهجورًا يف الطبقات املرتفة العليا حتديدا‪ ،‬وأعطى مكافآت‬
‫ملن يتزوج)‪ = (46‬فالقول بأن احلضارة الرومانيَّة كانت حضارة خنا وفجور وزنا‬
‫‪63‬‬
‫ولوطيَّة‪ ،‬غري صحيح بذاك اإلطالق؛ فهي مل تكُن كذلك حال صعودها‪ ،‬وارتبط‬
‫انتشار ذلك ببدء االضمحالل وإن ظل لقرون‪ ،‬وقد انتبه أمثال أغسطس لوجوب‬
‫استعادة حلظة الصعود بإنهاء مظاهر الفجور اجملتمعي‪ ،‬وإن كانت أكثر إباحي ًة‬
‫من األعصر املسيحية بكل تأكيد‪ ،‬كما أسلفنا القول‪.‬‬
‫وهذا كله بفرض صحة زعم لوطية اإلسكندر‪ ،‬والذي يتجادل فيه املؤرخون )‪،(45‬‬
‫وصدق تهمة لوطية قيصر‪ ،‬الذي نقل تربؤه من اللواطة‪ ،‬نفس املؤرخ الذي نقل‬
‫إشاعة لوطيته)‪ ، (47‬ويُثبت املؤرخون أمله من تلك الفرية طوال حياته)‪ ! (48‬وقد‬
‫كانت تلك اإلشاعة سببا يف قلة احرتام األجناد له‪ ،‬فانظر كيف كانت اللوطية‬
‫مستهجنة!‬
‫أما اليابان‪ ،‬فقد شهدت صعودها األكرب يف عصر سادت فيه قيم الصالح اجملتمعي‪،‬‬
‫عصر ميجي‪ ،‬الربع األخري من القرن التاسع عشر والنصف األول من القرن‬
‫العشرين‪ ،‬وقد ظلت قيم األسرة والفضيلة هي السائدة دائما يف اجملتمع الياباني وإن‬
‫شوشها عدم حتريم اللواط والنظر إليه عند البعض باعتباره آلية لتوثيق الروابط‬
‫بني بعض الرجال‪ ،‬لكنها ظلت ممارسة نادرة جمتمعيا‪.‬‬
‫وهذا كله مع مالحظة أن الربط حقيقةً هو بني (آثار) وقف احلرب‪ ،‬و(شيوع) قيم‬
‫الفجور والزنا والنسويّة واللواط‪ ،‬ال بني العسكريَّة مُطلقا‪ ،‬وبني اللواط والزنا‪.‬‬
‫وعليه يكون القول بأن القيم املُجتمعيَّة الغربيَّة‪ ،‬مع انتشار اللوطيَّة والنسويَّة‪ ،‬هي‬
‫أقوى من القيم اجملتمعيَّة اإلسالميَّة املعاصرة = زعم فارِغ‪ ،‬ويطول الرد عليه‪ ،‬هذا‬
‫والشرق املُسلِم الضعيف املُنهار عسكريا‪ ،‬ال يُمثِّل إال القليل من قيم اإلسالم الكربى‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫كما أن القول بنسبة صعود احلضارة الغربيَّة إىل الريادة بالنسويَّة واللوطيَّة‪ ،‬هو‬
‫حمضُ خرف وجهل = فما صعدت احلضارة الغربيَّة إىل املقدمة وسحقت اجلميع‪،‬‬
‫إال يف القرون اخلمسة األخرية‪ ،‬ومل تسُد فيها قيم النسويَّة واللوطيَّة إال يف النصف‬
‫قرن األخري وحده‪ ،‬وهو يف احلقيقة عصر حفاظ على السيادة بإفقار العامل ومتكني‬
‫الغرب من رقابه؛ فكيف يُقال بأن لزوم ربط اضمحالل احلروب باللوطيَّة والنسويَّة‪،‬‬
‫يعين صِحَّة موقف الغرب؟! بل العكس هو الصحيح‪ ،‬إذ أن عصور ظهوره وصعوده‬
‫وسيادته ومتكُّنه كانت أعصر قيم األسرة وبقايا املسيحية من كراهية اللواط‬
‫وحترميه هو والزنا‪ ،‬قبل أن تنتصر قيم األديان العلمانيَّة وتُصبِح األقوى واألسوَد يف‬
‫مُركبات أديان الدول الغربيَّة‪ ،‬وهذا ما فطِن إليه اليمينيون‪.10‬‬
‫ش أوسع‪.‬‬
‫ش ذلك العامل بإجياز‪ ،‬ولعلي أعود إليه يوما لبحثٍ ونقا ٍ‬
‫ذلك هو نِقا ُ‬
‫اإلتخام من الجنس‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬انتشار‬
‫ِ‬
‫وذاك عامل آخر‪ ،‬نوقِش يف األدبيات اإلسالمية من قبل‪ ،‬وخالصته أن الغلو يف‬
‫االنفتاح اجلنسي يدفع للتخمة من اجلنس الطبيعي‪ ،‬ويوجِّه اإلنسان‪ ،‬بطبيعته‬
‫اإلنسانية الشرِهة‪ ،‬إىل أشكال خمتلفة للمتع اجلنسيَّة‪ ،‬وهنا تكون اللوطيَّة شكال من‬
‫أشكال االستزادة وحماولة إلشباع الشره الذي ال ينتهي‪.‬‬
‫وقد يُعزز تصحيح هذا العامل وقبوله‪ ،‬أن اللواط ارتبط انتشاره يف العصر اإلسالمي‬
‫حبركة االستزادة من الرقيق بصورة كبرية‪ ،‬وانتهاء املشكلة اجلنسيَّة الطبيعية‬
‫من اجملتمع سواء بتعدد الزوجات أو بالرق‪ ،‬وهذا كله‪ ،‬وإن مل يكُن هو العامل األوحد‬
‫لظهور اللواط يف اجملتمع حينها‪ ،‬إال أنه كان من األسباب واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫(مركب دين الدولة) ومفهوم األديان العلمانية واإللهية في كتاب هالل السيادة‪.‬‬
‫إن شاء هللا‪ ،‬سأناقش ُ‬
‫‪65‬‬
‫كذلك نلحظ أن الصعود اللوطيّ يف العصر احلديث مرتبطٌ بعصر الثورة اجلنسيَّة‪،‬‬
‫كما ذكرنا قبال‪ ،‬وقد انتشر اللواط بكثافة أكرب مع حالة الفوضى اجلنسية‬
‫(فوضى احلب) وإختام الناس باحملتوى اجلنسي الطبيعي‪ ،‬حتى أن أثر األفالم‬
‫اجلنسية‪ ،‬صناعة البورن‪ ،‬يف األشخاص الذين ال ميارسون اجلنس‪ ،‬صار صانعًا‬
‫للتخمة من الصور الطبيعية للجنس كذلك‪ ،‬فنجد حتى اإلنسان الذي مل يُمارس‬
‫اجلنس يف حياته‪ ،‬يتوجه لرؤية املزيد من األشكال غري الطبيعية والشاذة من اجلنس‪،‬‬
‫وهو ما رأينا مشاكله وآثاره بعد الزواج‪ ،‬إذ ال يكتفي وال يرضى‪.‬‬
‫فالتخمة من اجلنس‪ ،‬ألعن أثرا يف اجملتمع‪ ،‬وأقدر على نشر اللوطيَّة فيه‪ ،‬من الكبت‪،‬‬
‫الذي قد يدفع للوطيَّة من اجتاه آخر‪ ،‬حنو البحث اجلنسي عن العزيز املفقود‪ ،‬أي‬
‫اجلنس اآلخر‪ ،‬يف اجلنس املُتاح للمُخالطة‪ ،‬وهو ما سأناقشه يف العامل التالي =‬
‫وكالهما تطرُّفٌ وسوء‪.‬‬
‫وقد لوحظ يف البحوث النفسية االجتماعية‪ ،‬أن اجملتمع الغربي مثال‪ ،‬باعتياده رؤية‬
‫النساء عرايا‪ ،‬مل يعُد يبدي نفس االستجابة ذاته اليت كان يُبديها يف مطلع القرن‬
‫العشرين! ففي مطلع القرن كان يكفي إبداء املرأة أسفل ركبتيها كي يهتاج‬
‫الرجل العادي‪ ،‬ويف نهاية القرن مل يعد هذا هو نفس احلال )‪ !(49‬ويتحدث العاملون‬
‫يف املدن السياحية اإلباحية املصرية‪ ،‬كالغردقة وشرم الشيخ‪ ،‬عن قلة اكرتاثهم‬
‫جبسد اإلناث وأثدائهن العارية بعد أشهر قليلة من العمل هناك‪ ،‬ألن أكثر الغربيات‬
‫يتعرين من األعلى أمامهم طوال النهار‪ ،‬فيخفت الشغف األول‪ ،‬ويضمحل حتى يكاد‬
‫خيتفي‪ ،‬ويصبح تعريهن أقل إثارةً من لبسهن! بل وقد تصبح املصرية والعربية أشد‬
‫جذبا ملنازع الشهوة وإثارة هلا من مجيالت الغرب العرايا! وهذه من عجائب النفس‪،‬‬
‫املعلومة عندهم!‬
‫‪66‬‬
‫رابعا‪ :‬انتشار مؤسسات الجبر على أحادية النوع‪ ،‬ورفع سن الزواج‪.‬‬
‫من ملحوظات العصر احلديث‪ ،‬انتشار مؤسسات تُقصِر التواجد فيها على جنس واحد‬
‫لسنوات طويلة‪ ،‬بصورة قسرية‪.‬‬
‫فمن ذلك يف عاملنا العربي‪ ،‬مؤسسات التعليم‪ ،‬اليت يقضي فيها اإلنسان سنوات‬
‫مراهقته ومطلع شبابه‪ ،‬املزدحم بالشبق والغلمة‪ ،‬يف عُزلة عن اجلنس اآلخر‪ ،‬فال‬
‫جيد منفذا إلخراج شهواته إال مع املتاح أمامه‪ ،‬نفس جنسه‪ .‬وهذا العامل ال يكون‬
‫وحده‪ ،‬إمنا يرافقه ارتفاع سن الزواج إىل نهاية العشرينيات‪ ،‬أي أن الفرد يقضي‬
‫سنوات تعليمه كلها‪ ،‬اليت ال تنتهي إال بعد دخوله سن النضج‪ ،‬بني أفرد من ذات‬
‫جنسه! فيظل الشاب أو الفتاة حوالي عشر سنوات يف خضم النشاط اجلنسي‪،‬‬
‫والتحوالت النفسية والبدنية الكبرية‪ ،‬يف معزل عن جنس آخر يُفرِّغ فيه انفعاالته‬
‫النفسية واجلنسية = وعليه ينتشر اللواط والسحاق‪ ،‬خاصة يف الدول اليت جيتمع‬
‫فيها هذان العامالن‪ :‬الفصل احلاد بني اجلنسني‪ ،‬وارتفاع سن الزواج‪ .‬وهذا يساعد ال‬
‫على انتشار اللوطية فقط‪ ،‬إمنا على اضطراب هوية األفراد؛ إذ أن تورط بعضهم‬
‫لسنوات طويلة يف ممارسات لوطية‪ ،‬سواء باحلب أو املمارسة الفعلية = ُيعزز االعتقاد‬
‫بكون الفاعل جمبوال على ذلك‪ ،‬وأنه الط ليس للعوامل اخلارجية والبيئية‬
‫والرتبوية‪ ،‬إمنا مليول مركبة يف ذاته؛ فيصعب جدا عالجه‪ ،‬الذي يقتضي ابتدا ًء‬
‫إقناعه خبطأ تصوره الذي كونه عن ذاته طوال سنوات! كما أن من امللحوظات‬
‫السيكولوجية عند مجهرة من اللوطيات‪ ،‬أنهن يتهيجن يف سن مبكر عن الطبيعي‪،‬‬
‫لذا يعزو بعض أطباء النفس ذلك امليل الذي نشأن عليه‪ ،‬إىل حالة اهلياج املبكر‪ ،‬واليت‬
‫ال جتد منفذا هلا يف ذلك السن الصغري املضطرب إال الفتيات احمليطات بها يف‬
‫احلضانة أو املدرسة املبكرة‪ ،‬ما جيعلها تكرب ويف نفسها إميان بأنها لوطية‪ ،‬وأنها‬
‫تنجذب إىل النساء وحدهن‪ ،‬وقد تستقر تلك الشهوة يف النفس وتتمكن‪ ،‬وتُمتحن بها‬
‫املرأة وتُبتلى‪ ،‬وسنستفيض يف ذلك الحقا‪.‬‬
‫‪67‬‬
‫وإلثبات صحة ذلك العامل‪ ،‬أي تأثري مؤسسات اجلرب على أحادية النوع يف ذيوع‬
‫اللوطية‪ ،‬حبثت عن أقرب احلاالت املدروسة اجتماعيا هلذا النموذج؛ فلم أجد أفضل‬
‫من دراسة دافيد وارد وجني كاسبوم عن اللوطية يف سجن نساء أمريكي بستينيات‬
‫القرن املاضي‪ .‬فمن أوجه التشابه بني النموذجني‪ :‬أنها مؤسسة تُجرب على أحادية‬
‫النوع‪ ،‬ومنع الصور الطبيعية للجنس‪ ،‬وأخريا‪ ،‬سيادة القيم اجملتمعية اليت حترم‬
‫اللوطية يف هذا الزمن بأمريكا‪ ،‬ما جيعلها شبيهة باجملتمعات العربية املعاصرة‪ .‬مع‬
‫مراعاة أوجه االختالف اليت تتمثل يف نُضج النسوة‪ ،‬وميوهلن حنو اإلجرام‪ ،‬ويأسهن‬
‫من حتصيل الصور الطبيعية‪ ،‬والعداء مع اجملتمع‪.‬‬
‫يف تلك الدراسة‪ ،‬اليت أشارت أنه بالرغم من أن املسجل رمسيا من اللوطية يف سجن‬
‫النساء هو ‪ %19‬فقط؛ إال أن أغلب املشاركني يف االستفتاء (سجينات ومسؤولني) قد‬
‫قدَّر عدد النسوة السجينات اللواتي تورطن يف ممارسات لوطية بالنصف تقريبا‪،‬‬
‫وتوقع البعض وصول الرقم إىل ‪ ،%90‬وهي نسب ال تبتعد كثريا عن نسب اللوطية‬
‫يف سجون الرجال! وقد لوحظ وجود أصناف ثالثة من اللوطيات‪ ،‬األول هو اللواتي‬
‫يبحثن عن لعب دور امرأة‪ ،‬تعشق وحتب ويليب طرف آخر احتياجاتها اجلنسية‪ ،‬فال‬
‫جتد سوى النسوة‪ ،‬وأولئك أكثرهن يرجع إىل طبيعتهن ما إن يغادرن السجن‪،‬‬
‫ويرفضن اللواطة‪ ،‬والثاني هو اللواتي تلعنب دور املرأة املرتجلة‪ ،‬املتغزلة يف حماسن‬
‫النساء‪ ،‬والالهثة ورائهن‪ ،‬دون أن يكُنَّ كذلك قبل السجن‪ ،‬فقد لعِنب هذا الدور يف‬
‫السجن فقط‪ ،‬والصنف الثالث‪ ،‬وهو نادر جدا‪ ،‬هو النسوة املرتجالت اللواتي كن‬
‫لوطيات قبل السجن‪ ،‬وال يرتضني غريها)‪. (50‬‬
‫‪68‬‬
‫فانظر كيف دفع اجتماع هذين العاملني بالنسوة حنو اللوطية‪ ،‬بل وتغري اهلويات‬
‫وامليول‪ ،‬فانغمست إناث طبيعيات يف أدوار خمتلفة‪ ،‬وعشن بتلك الصورة لسنوات!‬
‫فهذا دال على خطورة اجتماع هذين العاملني معا‪ ،‬وأنهما من أبرز فواعل انتشار‬
‫اللوطية‪ ،‬خاصةً مع اهلشاشة النفسية للمراهقني واملراهقات‪ ،‬وانتشار أفكار اللوطية‬
‫يف زماننا‪ ،‬ما يُنذر بأن الظاهرة قد تكون أبشع يف اجملتمع املدرسي للمسلمني‪.‬‬
‫أما يف الغرب‪ ،‬فالتوسع يف السجون‪ ،‬وإلغاء كافة العقوبات البدنية = كان يعين‪،‬‬
‫بالتالي‪ ،‬التوسع يف تشييد جمتمع يتوفر فيه هذان العامالن‪ ،‬وعليه‪ ،‬إنشاء مصنع‬
‫تنتشر فيه اللوطية بكافة صورها!‬
‫وهذا من أشنع آثار السجون‪ ،‬اليت تتواجد عندنا كما هي عندهم‪ ،‬وهي بيان جلي‬
‫خلطورة دعاوى إلغاء العقوبات البدنية‪ ،‬كالقطع والرجم والقصاص‪ ،‬واستبداهلا‬
‫بالسجن‪ .‬أضف إىل ذلك أن اللوطيني اخلِناث‪ ،‬الذين يتم اعتقاهلم‪ ،‬يُسجنون مع‬
‫الرجال‪ ،‬وكذا املرتجالت مع اإلناث! فتأمل الكارثة!‬
‫وال أطرف من حادث قريب وقع يف إجنلرتا‪ ،‬جملرم مترس يف اغتصاب النساء‬
‫واالعتداء عليهن‪ ،‬فسُجن‪ ،‬ويف سجنه أبلغ املسؤولني أنه غري نوعه ألنثى‪ ،‬فنقلوه‬
‫لسجن النساء‪ ،‬ليفاجئهم باغتصاب السجينات وتعذيبهن )‪!(51‬‬
‫واحلل ليس يف استبدال املؤسسات أحادية اجلنس باملختلطة؛ وإال كنا نستبدل‬
‫اللواط بالزنا! لكن يف نشر الزواج املبكر‪ ،‬وغلق املؤسسات العقابية القائمة على‬
‫السجون‪ ،‬وإعادة فلسفة العقاب اإلسالمية الفورية الناجزة‪ ،‬وحتجيم سنوات وأوقات‬
‫بقاء صغار السن واملراهقني يف املؤسسات األحادية‪.‬‬
‫بذا نصل إىل ختام نقاش أهم األسس الفكرية والعوامل العرضية املؤسسة للوطية‪،‬‬
‫وينتهي مبحثنا األول‪ ،‬الذي هو مدخل لكل ما يلي‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫أمساء الظن واهلوى‬
‫‪70‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬اللوطية واللغة‪.‬‬
‫أتسهم اللغة يف صوغ آرائنا وتصوراتنا لقضية معينة؟‬
‫دون شرح مُتكلِّف خيرج بنا عن نطاق الكتاب‪ ،‬مباشرةً أقول‪ :‬نعم! تلك حقيقة‬
‫إنسانية ولغوية ال ينتطح فيها عنزان‪ ،‬وال يتفلسف فيها إال مسفسط!‬
‫انظر مثال لنموذج التأثر االجتماعي الذي أوردته (جني إتشسن) عن عالقة اجملتمع‬
‫بالفكر واللغة‪ ،‬وكيف يغري كل منهم اآلخر‪ :‬إذ حتدثت عن استبدال أداة التفخيم‬
‫‪ Vos‬اليت خصت خطاب السادة يف عصور اإلقطاع‪ ،‬إىل األداة ‪ Tu‬احلميمية بعد‬
‫ظهور عصور املساواة (‪.)52‬‬
‫نعم! الصياغات اللغوية واأللفاظ واملصطلحات وحتى أدوات التعريف والتنكري وربط‬
‫اجلمل وتلوين الكالم بالتنغيم إىل أقل مورفيم وأبسط فونيم = الكل حيمل دالالت‬
‫متعددة‪ ،‬وخيتلف من لغة ألخرى وحتى بني اللهجات أو الطبقات املختلفة‪ ،‬وتعمل‬
‫الثقافة عمال كبريا يف التأثري باللغة والتأثر بها‪.‬‬
‫ولتشكيل الكالم للتصورات مثال سياسي مصري شهري‪ ،‬وهو استخدام مصطلح‬
‫(النكسة) اهلادئ الدال على كبوة خفيفة يف مسرية منتصرة‪ ،‬بدال من مصطلح‬
‫(اهلزمية) املُجاهِر جبسامة االنهيار الذي ال يُعلَم أخيرج منه املقهور أم يكبو بال‬
‫انتهاض! ذاك مصطلح انتخله هيكل بعناية واضحة داللةً على هزمية ‪ 67‬املُذلة‪،‬‬
‫ختفيفا وتبديال ألثرها املادي واملعنوي‪ ،‬وقد كان هذا واجبا = لتمكني زرع اإلميان‬
‫بقدرة االنتصار يف القادة قبل اجلند؛ إذ أن عبد الناصر ورجاله مل يكونوا يشحنون‬
‫‪71‬‬
‫بهذا اللفظ عساكرهم فقط باإلميان أن مبقدورهم القفز من الوهدة اليت سقطوا‬
‫فيها‪ ،‬بل حيفزون أنفسهم كذلك!‬
‫نعم اللغة تشكل جزءا كبريا من تصورات الناس‪ ،‬ثم الواقع تشكله التصورات؛ فاللغة‬
‫مؤثرة على الواقع‪ ،‬والواقع مؤثر فيها‪ .‬وتتفتح أبواب تشكُّل وعي الناس وتكوينه ملن‬
‫يعي هذه احلقيقة ويُفعِّلها بسلطان السياسة واألدب واإلعالم‪ ،‬فهي تُسهم بأكرب‬
‫األنصبة يف تشكيل وحتديد ما يسميه نورمان فريكليف (اخلطاب واملنطق السليم)‬
‫(‪ .)53‬ويف جمال اللوطية‪ ،‬وحبضٍّ من أمها األوىل (النسوية)‪ ،‬يؤكَّد دوما على أن‬
‫مجهرة اللغات (منحازة جندريا)! فلم تفتأ النسويات جتادلن أن اللغات األكثر‬
‫احنيازا إىل الرجال ‪ Sexism‬ترتبط بسلوكيات أهلها‪ ،‬اليت تستعلن عداء املرأة‬
‫واحتقارها)‪ ، (54‬وقد التقطت اللوطية منهن تلك الفكرة‪ ،‬فتحدثت عن كون اللغة‬
‫مبنية بصورة حتتاج إىل تطوير‪ ،‬فهي مؤسسة على عداء التنوع اجلندري واجلنسي!‬
‫وسأستعرض فيما هو آتٍ أبرز مباحث عالقة اللوطية باللغة‪ ،‬موضحا كيف صارت‬
‫أحد أمكر أدوات تشكيل واقع عصر ما بعد الفطرية الذي يقاتلون من أجل تعميمه‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫أوال‪ :‬حاجة اللوطيني إىل لغة جديدة‪.‬‬
‫شرت ورقة حبثية يف دورية الدراسات اللوطية النسوية بعنوان‬
‫يف عام ‪ُ 2012‬ن ِ‬
‫(التمكني بالتسمية) ُع ِرضت فيها مساعي اللوطيني واللوطيات العرب احملموم إىل‬
‫إجياد مصطلح مُستحسن وخمالف للتسميات العربية ألفعاهلم‪.‬‬
‫فهم ال يصفون توجهاتهم باملصطلح الغربي ‪- gay‬والذي حيمل معنى املرح يف‬
‫األصل‪ -‬إمنا يُجربون على التعريب مبصطلح (شاذ أو شاذة) بداللته على أشخاص‬
‫خمالفني للطبيعة‪ ،‬أغراب عنها‪ ،‬وأشرار‪ ،‬أو مبصطلح خنبوي غري واسع الرواج حينها‬
‫هو (املثلي)‪ ،‬دون ثقف الفارق الضخم بني املعنيني‪ .‬وقد أكد كثري من اللوطيني‬
‫العرب على غياب كلمة عربية عامة مفهومة تصفهم وتبني توجهاتهم دون محل‬
‫معنى يزري بهم وحيتقِرهم = ومثَّلت تلك مشكلة ضخمة اضطر بسببها حمررو‬
‫دورية لبنانية خمصصة لرواية قصص اللوطيني واللوطيات امسها (الربيد‬
‫املستعجل) إىل نشر القصص باللغة اإلجنليزية بدال من العربية؛ وقد كان من‬
‫ضمن األسباب‪ :‬عدم صالحية العربية لالستخدام بسبب التسميات املُهينة للوطيني!‬
‫وقد كافح اللوطيون العرب باستخدام الكنايات واحليل اللغوية والكلمات العلمية‬
‫لوصف التوجهات اجلنسية ابتعادا عن التسميات املتداولة اخلشنة‪ ،‬ألن العربية‬
‫كلغة مل تُكيِّف نفسها الستخدام كلمات جديدة (مرحية) لنعت التعبريات‬
‫اجلنسية )‪!(55‬‬
‫وقد أكدت الباحثة أن استبدال األوصاف العربية املهينة للوطيني مبعجم جديد‬
‫ليس فيه أمساء تقبيحية أو مؤذية ملشاعر اللوطيني واخلِناث = ميثل جانبا كبريا‬
‫من (كفاح) اللوطيني العرب؛ الذين حشدوا كافة قواهم وجمموعاتهم ومواقعهم‬
‫‪73‬‬
‫على اإلنرتنت من أجل صناعة (حركة مقاومة) تهدف إىل تشكيل وتعميم (معجم‬
‫لوطي عربي) اتفقوا على حياكته مبنوال املعجم اللوطي الغربي‪ :‬وكانت أهم‬
‫صفات املادة املعجمية اجلديدة تهيأة كافة مصطلحاتها وأمسائها مبا حيفز عدم‬
‫إطالق األحكام السيئة‪ ،‬أو حيمل خلفية قيمية‪ ،‬أي تغييب كل اسم أو معنىً حيضُّ‬
‫على اللجوء إىل مناذج فكرية من قبيل احلل واحلرمة أو املعروف واملنكر أو الطبيعي‬
‫والشاذ‪ ،‬وتوليد معانٍ ومصطلحات حتثُّ على قبول التوجهات اجلنسية اللوطية‬
‫والتطبيع مع أهلها )‪!(55‬‬
‫كتِب هذا البحث ونُشِر قبل ستة أعوام من اآلن‪ ،‬احتفاءً حبركة (املقاومة) اليت‬
‫ُ‬
‫انطلقت قبل عقد واحد ووصلت ختاما إىل السعي يف تعميم بل فرض مصطلحات‬
‫(املثلي‪ ،‬واملثلية‪ ،‬وعابر اجلنس) مواكبةً حلرب شرسة ضد كافة املصطلحات‬
‫األخرى مثل اللوطية والسحاقية والتخنث والشذوذ؛ وقد كان هدفهم يزداد مع‬
‫األيام تبجحا‪ :‬البد من جحد األلفاظ العربية القيمية املهينة واستيالد قاموس لوطي‬
‫عربي يروَّج له وحده مبا متلكه ألفاظه احملبوكة بإتقان من مقدرة على تقريب‬
‫اللواط وتطبيعه والرتحيب بأهله جمتمعيا‪.‬‬
‫أدار اللوطيون املعركة‪ ،‬وحققوا حتى اآلن ما مل حيلموا به! فبني فوضى املنطقة‬
‫العربية وانشغال اإلسالميني باالنغماس السياسي فدفع اإلبادة‪ ،‬متدد هؤالء يف‬
‫اخلطاب اإلعالمي والتواصلي (مواقع التواصل) ونفذوا خطة (املقاومة)‪ ،‬حتى‬
‫استخدم اإلسالميون أنفسهم القاموس اجلديد‪ ،‬جهال مبا جيري فيهم من تبديل‪،‬‬
‫وغفلة عما يُنصب هلم من شِراك!‬
‫وسألقي الضوء على سبب تلك (املعركة) مع اللغات عامةً‪ ،‬والعربية ومصطلحاتها‬
‫خاصةً‪ ،‬مع بيان سبب حتضيضهم على املصطلحات اجلديدة‪ ،‬مستخدما أدوات‬
‫داللية بسيطة‪ ،‬وبأقل قدر ممكن لتوضيح الفوارق بني املصطلحات الرئيسية‬
‫‪74‬‬
‫املقموعة أو املفروضة‪ ،‬معتمدا يف بناء النتائج على ألوف التعليقات واملناقشات على‬
‫صفحات مواقع التواصل واملنتديات واملدونات املهتمة مبناقشة اللوطية‪ ،‬إضافة‬
‫لدراسة استبيانية شاملة‪ ،‬وضعتها كاملة يف مُلحق بنهاية الكتاب‪ ،‬إذ أني مل أعرض‬
‫يف املنت بعض ما أثرته فيها‪ ،‬وأرجو من القارئ أن ال خيتم دون االطالع عليها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مصطلحات اللوطية املعتمدة يف الكتاب‪.‬‬
‫ي أن أقدم تعريفا بأهم املصطلحات الواردة يف ذلك املبحث‬
‫قبل أن أبدأ يتوجب عل ّ‬
‫اللغوي واليت ستستمر طوال الكتاب‪:‬‬
‫أوال‪ :‬اللوطية‪.‬‬
‫هي ترمجة لكلمة ‪ Homosexuality‬ومرادفاتها مثل ‪ Gay‬و‪،Lesbianism‬‬
‫وحتى مصطلح ‪ LGBT‬بتنوعاته‪ ،‬وهي األلفاظ اليت فرض اللوطيون تعريبها بلفظ‬
‫(املثلية اجلنسية) الذي ال يعرف قاموسهم غريها‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن ترمجتهم حرفيا أدق‪ ،‬وهلذا استعاروها؛ إال أن التسليم بذلك‬
‫اللفظ حيقق هلم مرادهم كما سأناقش فيما بعد‪ ،‬لذا أقوم برتمجتها بتلك الصورة‬
‫آمال من املسلمني أن يستمروا يف إطالق هذا االسم عليها ال االستسالم للحرب‬
‫الشعواء اليت يشنها اللوطيون‪.‬‬
‫كذلك أستخدمها أحيانا تعبريا عن دين املؤتفكات‪ ،‬أو أيدولوجيا اجلندر‪ :‬وهو اإلطار‬
‫الفكري العام الذي مسح باالعرتاف باللواط كتوجهات وميول جنسية طبيعية ال‬
‫شاذة‪.‬‬
‫إذن مقصدي من األيدولوجيا اللوطية هو توصيف اإلطار أو التوجه الفكري الذي‬
‫يعترب اللواط ميوال طبيعية‪ ،‬ألصحابها حقوق ال عالقة هلا بالشرع؛ وال أقصد‬
‫‪75‬‬
‫باللوطية (لواط الرجال) فقط بل أدل بها على كافة املمارسات اجلنسية الواقعة‬
‫بني أشخاص من نفس اجلنس‪ ،‬على صورة التطبيع‪.‬‬
‫ولفظ اللوطية مشتق من فعل قوم لوط الذي اصطلح مجهور الفقهاء لغويا على‬
‫توصيفه باللواط‪ ،‬وهو بالتجريد دال على ممارسة جنسية بني شخصني من نفس‬
‫اجلنس‪ ،‬فهو لفظ عام حيسُن توسعته لكي يدخل حتته املمارسات الذكورية‪-‬‬
‫الذكورية‪ ،‬أو الذكورية‪ -‬اخلناثية‪ ،‬أو النسائية‪-‬النسائية‪ ،‬وبذا يكون تعميم‬
‫املصطلح أقرب لالستخدام الغربي للفظ ‪ Homosexuality‬ولفكر أيدولوجيا‬
‫اجلندر التعميمي = من تضييقه وقصره على املمارسة الذكورية وحدها‪.‬‬
‫كما أن مقصودي بعبارة (على صورة التطبيع) التفرقة بني من وقع يف اللواط مع‬
‫إميانه حبرمته واعتباره شهوة آمثة عرضت له‪ ،‬وبني األباعد الذين وطنوا أنفسهم‬
‫على طبيعية تلك امليول وأحقية االعرتاف بها والدفاع عنها = وهذا تفريق واجب الزم‪:‬‬
‫فاللوطي أصالةً هو املؤمن باأليدولوجيا اللوطية وإن مل يكن هو ذاته ممارسا للواط‪،‬‬
‫مثل احلقوقي املدافع عن تلك األيدولوجيا ومروجها‪ ،‬بينما قد ميارس املسلم اللواط‬
‫مع البقاء على أصل اإلسالم إميانا منه باإلثم واعرتافا بالذنب وعدم اجلهر به مع‬
‫السعي الدؤوب لرفعه = فهؤالء طبيعيون وإن مارسوا فعال حمرما؛ فاللوطي ليس‬
‫مُمارس اللواط مطلقا‪ ،‬بل من جاهر به واستعلن أو آمن بطبيعيته وأحقيته يف‬
‫املساواة مع غريه‪.‬‬
‫وسبب ادِّعامي على ذاك املصطلح‪ ،‬وطليب نشره وحده‪ ،‬مع نبذ املصطلحات األخرى‬
‫= هو ارتباطه بقوم لوط‪ ،‬إذ أن ذكره هو ومشتقاته يبعث يف األذهان كل ما فعلوه‬
‫من فواحش ومنكرات‪ ،‬وكل ما قبحهم به اهلل ورسوله والسلف والعلماء‪ ،‬وكذا صور‬
‫العقاب العظيم والتنكيل األليم؛ فكل تلك الدالالت حيملها مصطلح واحد هو‪:‬‬
‫‪76‬‬
‫اللوطية‪ ،‬ويؤيد ذلك موافقة ‪ %98.5‬من املُستفتني على تذكري مصطلح اللواط‬
‫إياهم بقوم لوط‪.‬‬
‫إن هذا املصطلح حممل بدالالت موجودة منذ أُنزلت التوراة! أي أن وزنه أثقل من‬
‫أربعة آالف عام! فكيف باهلل يُقارن مبصطلحات حديثة مثل الشذوذ واملثلية‪ ،‬ال‬
‫جذور هلا يف السرد الديين! بل مبزيد تدقيق وشرح وحتليل‪ ،‬كما سنفعل الحقا‪،‬‬
‫ستعلم أن جذورها علمانية ضد التحريم الرباني!‬
‫معارضة‪ :‬اللوطية يف اخلطاب الرتاثي والشرعي‪.‬‬
‫وسأقف برهةً ألرد اعرتاضَ بعض املتربمني من لفظ (اللواط) وما اشتُقَّ منه‪ ،‬تنزيها‬
‫شق‬
‫منهم لسيدنا ونبينا لوط عليه السالم‪ ،‬وهو رفض ال أنكر أني أضمرته يوما‪ ،‬فقد َّ‬
‫عليَّ زمنا تبنيه‪ ،‬وغُمَّ عين ذيوعه واستفاضته‪ ،‬حتى رجعت إليه بعدما حبثت وعلمت‬
‫أفضليته وسربت إمكان نوط جليل املهام إليه يف ترذيل الفاحشة‪.‬‬
‫وقد تكرر هذا الشجب كثريا منذ افتتحت احلديث عن اللوطية‪ ،‬وتوهَّم البعض‬
‫حُسن استهجانهم للفظ‪ ،‬ونسبوني إىل اجلهل شفقةً منهم ورمحة‪ ،‬بدال من أن‬
‫يعالنوني بسوء أدبي مع نيب اهلل!‬
‫وإلزالة الوهم‪ ،‬أقول‪:‬‬
‫أن لفظ اللوطية مذكور هو هو يف مسند اإلمام أمحد يف حديث حسن عن النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬قال‪( :‬اللوطية الصغرى) وصفا إلتيان املرأة خمالفةً؛ وقد‬
‫ذكره اإلمام أمحد رضي اهلل عنه قائال‪( :‬قاهلا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مرارا‬
‫ثالثا يف اللوطية) وكان هذا تعليقا منه على حديث آخر قال فيه النيب (عمل قوم‬
‫لوط)‪.‬‬
‫‪77‬‬
‫فتأمل كيف أردف اإلمام أمحد مصطلح (اللوطية) بعبارة (عمل قوم لوط)! وما‬
‫كان ليصنع ذلك عن هوى؛ بل لدليل ورود املصطلح موقوفا ومرفوعا يف أحاديث‬
‫أخرى‪.‬‬
‫ومن خال أن توهني السند يُسعِفه‪ ،‬أُذكره أن رتبة احلديث ال عالقة هلا دوما بعلوم‬
‫اللغة‪ ،‬فيكفي اللغوي ورود اللفظ يف هذه األعصر دون نكري‪ ،‬وهو من املعلومات‬
‫املستفيضة عند أهل تلك العلوم‪.‬‬
‫كما أن املطلع على املُدَّونات الفقهية والشرعية اليت كتبها أهل الشريعة يعرف أن‬
‫ألفاظ اللواط واللوطية واللياطة والالطة مستفضية ذائعة يف كالمهم‪ ،‬بل يكاد‬
‫اخلطاب الفقهي جيمع عليها وحدها؛ لوال فقيه هنا أو هناك يقول (عمل قوم لوط)؛‬
‫وعدد املخالفني أندر من العنقاء يف تراث الشريعة‪ ،‬هذا بفرض أنهم خيالفون عمدا؛‬
‫غري أن كبار األئمة على املصطلح املذكور‪.‬‬
‫هذا وال أنكر جتدد أسفي كلما علمت أن أكثر املعرتضني عليه‪ ،‬هم طالب علم من‬
‫أهل السنة السلفيني‪ ،‬كيف وقد استخدمه ابن تيمية‪ ،‬وكذا ابن القيم يف نونيته‪:‬‬
‫(واسأل شرار اخللق أغلى أمة ‪ ...‬لوطية هم ناكحو الذكران)؟ لكن فيم العجب‬
‫وبعض أولئك مل يستنكف عن تكفري القائلني بكروية األرض‪ ،‬ثم حينما جئناه بكالم‬
‫اإلمام ابن تيمية وأثبتنا أنه يقول بإمجاع أئمة املسلمني على كرويتها طاش عقله‬
‫واتهمنا بالتلفيق أو سوء فهم اإلمام! ولعل هذا راجع ملا راج يف بعضهم من االستنامة‬
‫للمدونات العلمية املعاصرة والتلحف بها‪ ،‬وهي عصرية اللغة‪ ،‬قد ال متيل الستخدام‬
‫كلمة غري الشذوذ‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫لكن‪ :‬أكان الصحب والسلف خمطئون؟ هل أساء العلماء كابرا عن كابر األدب مع‬
‫نيب اهلل لوط؟‬
‫‪78‬‬
‫احلقيقة أن أهل العلم مل خيطئوا يف استخدامهم هذا املصطلح‪ ،‬حتى لو مل يكن قد‬
‫ورد عن النيب والصحابة = إذ أن النسب للمركب يف اللغة يكون ألكثر جزئيه متيُّزا؛‬
‫أال ترى أنك تقول عن النسبة لبين هاشم (هامشي) وال تقول (بين) وال (بنيهامشي)؟!‬
‫كذلك إذا نسبت لقوم لوط تقول (لوطي) ‪-‬ال (قوملوطي) وال (قومي)! فهذا هو‬
‫املعتمد من جهة اللغة‪ ،‬وقد التزمه العلماء والفقهاء؛ فاشتقاق لفظ (لوطي) ليس من‬
‫اسم (لوط) ذاته‪ ،‬بل من اسم (قوم لوط)‪ .‬وملا كانت قواعد النسبة الصحيحة حتذف‬
‫(قوم) من املنتسب إليه حني النسبة‪ ،‬وقع اخللط عند البعض ظنا أن النسبة إىل‬
‫سيدنا لوط نفسه!‬
‫ك؟ أتعلم أن لفظ اللوطية النسائية بأحرفه تلك قد ورد يف أثر منذ القرون‬
‫ُأزيدُ َ‬
‫األوَل؟!‬
‫روى أبو حامت يف الزهد‪ ،‬عن حفصة بنت زيد‪ ،‬قالت‪ :‬دخلت على سامل وكان عمي‪،‬‬
‫فسألته عما أحدث النساء من مضاجعة بعضهن بعضا‪ ،‬فقال‪" :‬والذي نفسي بيده‪،‬‬
‫إنهما لتأتيان يوم القيامة زانيتني أو لوطيتني‪ ،‬وإن لوطية النساء مثل لوطية‬
‫الرجال" (‪.)56‬‬
‫وأنا أعذر الناس يف محيتهم وغريتهم على نيب اهلل‪ ،‬ماداموا مل جيهروا جبهاالتهم عن‬
‫سوء أدب مستخدمي لفظ اللوطية‪ ،‬غفر اهلل لنا وهلم‪ ،‬كيف ولفظ (اللوطية‬
‫النسائية) ذاته مذكور يف األثر؟!‬
‫ثانيا‪ :‬الخنِث والمترجلة‪.‬‬
‫هو تعريب للفظ الرتانسجندر ‪ Transgender‬الذي اصطلح املعجم اللوطي على‬
‫تعريبه باملتحولني أو العابرين جنسيا‪ ،‬وهو خيتلف عن اخلنثى يف كون اخلنِث‬
‫مصنوع‪ ،‬بينما اخلنثى طبيعي خملوق بهذه الصورة اليت جتمع أعضاء الذكورة‬
‫‪79‬‬
‫واألنوثة معا؛ وله أحكام شرعية مُعرتف بها بني أهل الفقه‪ ،‬وفتاوى قدمية‬
‫ومعاصرة‪ ،‬منها على سبيل املثال جواز إزالة أعضاء أحد اجلنسني إن وصل لسن‬
‫حمدد ميكنه من حتديد هوية جنسه األقرب‪ ،‬وسنعرض لكل هذا تفصيال يف حبث‬
‫الشريعة‪.‬‬
‫إن هذا شيء‪ ،‬واخلنِث املصنوع شيء آخر‪ :‬األخري شخص طبيعي‪ ،‬ميلك األعضاء‬
‫اجلنسية الظاهرية جلنس واحد‪ ،‬لكنه مع ذلك يُشاكل اجلنس اآلخر مبا قد يصل‬
‫إىل إجراء عملية حتوُّل‪ ،‬كما استعرضنا يف الفصل األول‪ ،‬رفقة تعديل عالجي‬
‫هرموني مكثف يغري من شكل اجلسد وصفاته إىل نعومة جسد األنثى = هذا يف حالة‬
‫الذكر اخلنِث‪ ،‬أو يُزال فيه الرحم والثديني‪ ،‬ويضاف قضيب صناعي‪ ،‬مع تعديل‬
‫عالجي هرموني مكثف إلنبات الشعر يف الوجه واجلسد مشاكلةً للذكور = هذا يف‬
‫حالة املرأة املرتجلة‪.‬‬
‫وجدة املصطلح بهذا املعنى علتها حداثة تلك اهليئة يف األساس؛ فلم يرد على الفقهاء‬
‫يف األعصر السالفة مثل تلك الصورة الشوهاء من مسخ الفِطر!‬
‫وأحسبه معربا متاما عن هذه احلالة اجلديدة‪ :‬وهو الشخص الذي خضع جلراحات‬
‫غريته عضويا إىل ما هو أشد من اخلنثى‪ .‬واستعملت لفظ اخلنِث ال املخنث العتياد‬
‫تعميم الثاني لغويا‪ ،‬فيطلق على اخلنثى واملتصنع‪ ،‬بينما اخلنِث هو املتثين املتكسر‬
‫من الرجال معجميا‪ ،‬وهو وإن ساوى املتخنث إال أن شهرة اللفظ األخري قد تشتت‬
‫األذهان وتربك حتديد متييز هذه احلالة اجلديدة‪ ،‬فأحببت أن أميز بغري املتداوَل‬
‫ومل أجد أفضل من هذا املصطلح العربي األصيل غري املبتذل والذي ال حيمل صورة‬
‫ذهنية أقل شناعةً من الصورة املعاصرة‪ .‬والشأن يف اخلالف على استخدامه يسري‬
‫بإذن اهلل‪ ،‬ليس كالشأن يف املصطلح األول‪.‬‬
‫‪80‬‬
‫ثالثا‪ :‬اللوطية النسوية‪.‬‬
‫اعتمدت هذا املصطلح بدال من السحاق‪ ،‬والذي جنده يف احلضارة الغربية بلفظ‬
‫مماثل قديم هو ‪ Tribadism‬بنفس الداللة‪ ،‬وهو وصف لفعل جنسي واحد بني‬
‫النساء مت تعميمه يف الرتاث َعلَما على فاعالت تلك الفاحشة؛ مع ختلي الغربيني عن‬
‫هذا املصطلح منذ زمن‪ ،‬وبقائه علما على هذا الفعل يف الرتاث والواقع العربي حتى‬
‫بني اللوطيات؛ حتى بدأن يف استبدال مصطلح السحاقية بكلمة القاموس اللوطي‬
‫اجلديدة‪ :‬مثلية‪ ،‬اليت حيتفون بها باعتبارها أقل إهانة وأكثر مالءمة للممارسة‬
‫اجلنسية النسائية املعاصرة‪ ،‬اليت تنوعت صورها وكاد يغيب عنها صورة السحق‬
‫نفسه وهو تدالك املرأتني شفرتيهما؛ فكيف يستمر تعميمه علما؟! كما أن مصطلح‬
‫(السحاق) خيرج بفرادته عن إطار النظرية العامة اللوطية‪ ،‬واليت جيب أن تستخدم‬
‫نفس أسلوب وقاموس بناء األمساء واألفعال‪ ،‬لتأكيد جتانسها وتعميم تفسرياتها؛‬
‫فإن كان الرجل قد ُوصِف باملثلي؛ فاملرأة كذلك جيب أن توصف باملثلية‪ ،‬فعلة‬
‫التصنيف والتسمية واحدة علميا وجمتمعيا‪.‬‬
‫وأنا ال أستخدم هذا الوصف‪ ،‬بل وأوافقهم أنه قاصر وعاجز الداللة عن توصيف‬
‫املمارسة املعاصرة بني النساء؛ كما أنه حيقق فرادة خادعة استخدمتها بعض‬
‫اللوطيات للتأكيد على أن فعلهن ليس حمرما إمنا فعل الرجال هو فقط احملرم يف‬
‫يؤمن بسواه!‬
‫َّ‬
‫زعمن أنهن لن‬
‫َّ‬
‫القرآن الذي‬
‫واحلق أن أصل الفعل نفسه جمردا هو احملرم؛ وبالتالي ففعلهن من جنس فعل قوم‬
‫لوط بال متييز؛ فإن وُصِف فعل قوم لوط باللوطية = ففعل النساء حيسُن له ذات‬
‫الوصف‪ ،‬لبيان االقرتان وعدم املفاصلة؛ وعليه أعتمد ها هنا لفظ (اللوطية النسائية)‬
‫لإلشارة إىل ما وُصِف بالسحاق يف تراثنا‪ ،‬ولفظ اللوطيات بدال من السحاقيات‪،‬‬
‫إضافة لألصل الرتاثي الذي أشرت إليه سابقا‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫ثالثا‪ :‬املصطلحات املهجوة يف الكتاب‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مصطلح الشذوذ الجنسي‪.‬‬
‫دينيا وأدبيا‪ ،‬يغيب هذا املصطلح ‪-‬بقدر ما حبثت‪ -‬عن اخلطاب الرتاثي لألمة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ونفي تواتره قبل القرن املاضي مما يوثَق به‪.‬‬
‫ولن تتجشم جهدا‪ ،‬إن ارتبت فنقرت عن أصوله قبل أن تنتبه لعدم ظهوره يف العربية‬
‫إال أثناء الغزو األوروبي للعامل العربي اإلسالمي‪ ،‬وهنا قد يبني أساسه إن عرفنا حملة‬
‫صغرية من تاريخ علم النفس‪ :‬فقد كان القرن التاسع عشر حمال للصراع بني‬
‫النظريتني‪ :‬العضوية والنفسية‪ ،‬لتفسري األمراض العقلية يف أوروبا‪ .‬ويف نهاية‬
‫القرن تفوقت املدرسة السيكولوجية على أيدي برنهايم الذي أثر بدوره على فرويد‬
‫مُنشئ التحليل النفسي والذي حتدث عن كون السلوك الشاذ مُعبِّرا عن صراعات‬
‫داخلية منذ الطفولة (‪ ،)57‬فتاريخ استعمال مصطلح الشذوذ‪ ،‬أي السلوك غري‬
‫الطبيعي‪ ،‬املخالف للعرف أو املألوف‪ ،‬يسبق بقليل تاريخ ظهور هذا املصطلح يف‬
‫العربية‪ ،‬مما يرجِّح مصدريته األوروبية‪ .‬وبشكل عام‪ ،‬قد يرجع هذا املصطلح إىل‬
‫توماس األكويين‪ ،‬الكاثوليكي الشهري الذي عاش يف القرن الثالث عشر‪ ،‬والذي‬
‫استخدم مصطلح (غري الطبيعي ‪ /‬الشاذ) لوصف اللواطة)‪ ، (58‬وسيستمر هذا إىل‬
‫الثلث األخري من القرن العشرين‪ ،‬إذ ستعتمده العلمانية الغربية هي األخرى ملوافقته‬
‫منوذجها‪ .‬ويف هذا اللفظ عيوب مقارنة بلفظ اللوطية الذي أقرتحه‪ ،‬أوضحها يف‬
‫النقاش اللغوي عن قريب‪.‬‬
‫‪82‬‬
‫ثانيا‪ :‬مصطلح المثلية‪.‬‬
‫وهي التعريب احلديث للكلمة اإلجنليزية ‪ ،Homosexual‬املصطلح الذي‬
‫يستلهم أسلوب العلم يف تصنيف الكائنات واملخلوقات‪ ،‬فالبشر ‪-‬زعموا‪ -‬إما نوع‬
‫يشتهي جنسيا نفس نوعه‪ ،‬وإما نوع يشتهي جنسيا النوع املغاير له‪ ،‬وملا كانت إطالة‬
‫الرتمجة يف غري صاحل صناعة مصطلح سهل االنتشار يسري التداول‪ ،‬استُبدلت‬
‫معجميا بكلمة (مثلي) اخلفيفة حتى من الناحية الصوتية؛ أال حتمل أذنك أثقاال‬
‫حينما متر عليها كلمة (لوطي)‪ ،‬مبا يف قلبها من طاء انفجارية تفخيمية صادمة؛‬
‫ثم تسمع (مثلي) فتمر مرققة رخوة لطيفة األثر؟‬
‫وقد استُخدم املصطلح يف احملتوى العربي منذ وقت مبكر يف هذا القرن‪ ،‬على مواقع‬
‫اإلنرتنت حتديدا‪ ،‬ورغم ندرته‪ ،‬إال أن األوروبية كانت أكثر املواقع استخداما له‬
‫فاطرًا ومكررًا‪ ،‬مثل موقع اليب بي سي أونالين‪ ،‬إذ أشار يف عام ‪ 2002‬إىل احلادث‬
‫املصري الشهري الذي دُهِم فيه اللوطيون بإحدى املراكب النيلية‪ ،‬وذاعت قضيتهم‬
‫إعالميا باسم (حادث كوين بوت) بالعنوان اآلتي‪" :‬منظمة حقوق اإلنسان املصرية‬
‫ترفض الدفاع عن املثليني جنسيا" )‪ . (59‬وجتد يف موقع سويسري آخر خربا عن‬
‫اللوطية بالعربية يف عام ‪ 2005‬بالعنوان اآلتي "املثليون قد يتزوجون قريبا يف‬
‫سويسرا")‪ ، (60‬أما يف احملتوى غري الغربي تلحظ استعماله حتى خارج إطار املواقع‬
‫واملنتديات العلمانية؛ فتلقاه يف خرب مبوقع إيالف عام ‪ 2005‬بالعنوان اآلتي‪" :‬العالقات‬
‫‪83‬‬
‫اجلنسية املثلية يف فلسطني" (‪ ،)61‬بل قد وجدته حتى يف موقع إسالم ويب‪ ،‬إذ‬
‫استخدمه الدكتور حممد عبد العليم إجابةً على أحد االستشارات النفسية (‪.)62‬‬
‫واملالحظ يف االستخدامات العربية قبل عام ‪ 2005‬أنها مل تكن تُفرق بني املصطلحني‪،‬‬
‫كما يف املثالني اللذين ذكرتهما‪ ،‬إذ أن الكاتب يُبادل يف التعبري عن اللوطية بني‬
‫الشذوذ واملثلية‪ ،‬ويدينها حتت أي مسمى‪ ،‬والدليل على ضبابية الفارق حينها حتى‬
‫بني بعض العلمانيني‪ ،‬أن كاتبة تدعو نفسها بشرى ناصر‪ ،‬وهي علمانية نسوية‬
‫نشطت على موقع احلوار املتمدن قدميا‬
‫‪11‬‬
‫كانت قد كتبت عن اللوطية بعنوان‬
‫(املثلية أو الشذوذ اجلنسي) فتحدثت باعتبار األول مرادفا للثاني (‪)63‬؛ فلم يكُن‬
‫خبث منبت مصطلح املثلية قد جتلى بعد‪.‬‬
‫لكن بدايةً من ظهور مواقع التواصل‪ ،‬وحتوُّل القضية اللوطية إىل مركز املسألة‬
‫احلقوقية العاملية والغربية‪ ،‬سيتسع انتشار مصطلح املثلية شعبويا بدال من احلصر‬
‫يف زُمرِ النخب العلمانية وبعض النوادر خارجها‪ ،‬وسيكون هذا النشر عمدا ومرفقا‬
‫بالتأكيد على متيُّزه ومغايرته دالليا ملصطلح الشذوذ اجلنسي حتديدا‪ ،‬ألنه األوسع‬
‫انتشارا كما سأوضح فيما بعد‪ ،‬وألنه هو املعين مبعركة اعتذار الغرب وتكفريه عن‬
‫استخدامه طوال القرن املاضي حبق اللوطيني!‬
‫‪11‬‬
‫موقع علماني شهير‪ ،‬جمع أكواما من ِّ‬
‫الخباث ُتفسد المجرة‪ ،‬وقد كان في مطلع األلفية منب ار طاغيا يجمع جل أعداء اإلسالم!‬
‫‪84‬‬
‫ومع بداية العقد الثاني من األلفية اجلديدة سينثال التقريع والعذل والتأنيب‬
‫والتبكيت يف حق كل من يرفض استخدام مصطلح املثلية‪ ،‬وستضربنا أمواج احلملة‬
‫تلو األخرى ضد كل مسمى غريه‪ ،‬مع رواج عقيدة (التصويب) يف العلمانيني العرب؛‬
‫لذا‪ ،‬وكما سنرى الحقا‪ ،‬يعترب العلمانيون اجلدد حتديدا أن مصطلح (املثلية) قضية‬
‫من قضاياهم الكربى؛ فالبد من قمع كل مصطلح فيه إهانة ولو بعيدة‪ ،‬وليس يف‬
‫العربية مصطلح غري مهني إال هذا املُستحدَث‪.‬‬
‫واآلن‪ ،‬بعد توضيح كافة املصطلحات اخلاصة ومعناها يف هذا الكتاب‪ ،‬أشرع يف‬
‫مناقشة داللية موجزة‪ ،‬مُقارنا بني األمساء اليت عليها مدار معركة املصطلح‬
‫العربي‪ ،‬وهي اللواط واملثلية والشذوذ‪ ،‬بكافة تراكيبها االشتقاقية املختلفة مثل‬
‫لوطي ومثلي وشاذ‪.‬‬
‫وسأستخدم يف هذه املناقشة عدة أدوات توضيحية مُحمَّلة بنظريات داللية ال‬
‫يُشرتط أن أقبلها مجلةً‪ ،‬كالنظرية السلوكية‪ ،‬ولكين فقط أنتقي ما يُبيِّن لسائلي‪:‬‬
‫أثمَّ فارق حقا بني املصطلحات الثالثة؟ أيستحق األمر تلك املبالغة مين يف وصفها‬
‫باحلرب؟ أكانت تبالغ الباحثة املُشار إليها سلفا‪ ،‬يف توصيفها سعي اللوطيني تغيري‬
‫اللغة = بالنضال والكفاح واملقاومة؟!‬
‫لنر!‬
‫رابعا‪ :‬حتليل املعاني‪.‬‬
‫أوال‪ :‬الفوارق النوعية في المعنى‪.‬‬
‫إن تناولنا االختالفات بني املعنى األساسي لكل من هذه املسميات‪ ،‬سنالحظ أن ألفاظ‬
‫(لوطي وشاذ ومثلي) توشك أن تتماثل يف املعنى األساسي‪ :‬وهي ممارسة الذكر‬
‫‪85‬‬
‫للجنس مع الذكور‪ ،‬هلذا قد خيلط البعض فيتوهم ترادف الكل؛ لكن التباينات تبدأ‬
‫يف الظهور بدايةً من سرب املعنى اإلضايف‪.‬‬
‫‪ )1‬االختالف يف املعنى اإلضايف‪.‬‬
‫إن كان لفظ اللوطي مشحونا بداللة اإلزراء على صاحب هذا الفعل وتبيان ما‬
‫يف سلوكه من خمالفة ألوامر (اإلله) والتحدي ملعايري احلالل واحلرام؛ فإن‬
‫لفظ الشاذ خيالفه ال يف محله ذات املعنى املُشمئز من الفاعل‪ ،‬إمنا يف سلوكه‬
‫املخالف ملعايري (اجملتمع) وأوامره اليت نشَّأ عليها البشر الطبيعيني‪.‬‬
‫أما املثلي فتغيب عنه الداللة املُحقِّرة؛ إذ هو لفظ حمايد يصف توجها جنسيا بال أي‬
‫خلفية دينية أو جمتمعية أو معيارية عامة‪.‬‬
‫‪ )2‬االختالف يف املعين األسلوبي‪.‬‬
‫أما اخلالف يف النوع األسلوبي فظاهر يف فقهية مصدر كلمة اللوطية‪ ،‬فهي‬
‫املتداولة يف كتب الشريعة مبشتقاتها املختلفة (لواط‪ ،‬الط‪،‬الطة)؛ وهي ذات داللة‬
‫دينية تواضع مجهور أهل العلم الشرعي عليها‪ .‬بينما مصطلح الشذوذ مل يُتداول يف‬
‫املدوَّنة الفقهية كما ذكرنا سابقا‪ ،‬بل ال ينتسب إال للمجتمعات العربية‬
‫واإلسالمية يف القرن األخري‪ ،‬قرن التأثر بأدب ومناهج احلضارة األوروبية‪ ،‬واليت‬
‫كانت أثناء القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين تتبنى نظرية (الطبيعي‬
‫والشاذ)؛ وعليه تبوأ هذا املصطلح كرسي السيادة وذاع بني اإلعالميني والفنانني‬
‫واألدباء؛ فالعوام‪ ،‬بل أزاح كل ما عداه إىل الظل والنفور‪.‬‬
‫أما املثلي فجذوره الليربالية العلمانية طاغية أسلوبيا‪ ،‬ومؤثِّرة يف كل املعاني‬
‫األخري‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫‪ )3‬االختالف يف السياقات‪.‬‬
‫يتباين السياق الثقايف والعاطفي بينهم غاية التباين؛ فكلمة (لوطي) تستعمل يف‬
‫سياق مرتبط بالشريعة‪ ،‬وتثري مشاعر البغض والعداء‪.‬‬
‫وكلمة (شاذ) تستعمل يف السياق الثقايف العامي والصحفي واألدبي‪ ،‬وتثري مشاعر‬
‫النفور‪.‬‬
‫وكلمة (مثلي) تستعمل يف السياق الثقايف الليربالي كداللة سعة أفق جمتمعية‪،‬‬
‫وتثري مشاعر التسامح والتعاطف‪.‬‬
‫‪ )4‬االختالف يف املعاني النفسية‪.‬‬
‫أما فحص املعنى النفسي عند املُستخدِم؛ فيظهر أن لفظ لوطي يعكس احتقارا وعدا ًء‬
‫ورغبة يف عقاب فاعل هذا الفعل وتبيان حرمته‪.‬‬
‫وأن لفظ شاذ يعكس نفورا وجمانب ًة ملا خيالف اجملتمع‪.‬‬
‫يف حني أن لفظ مثلي ال حيمل إال معنى االحرتام واملساواة بني الطبيعي واللوطي‪،‬‬
‫ورفض استخدام أي مصطلح إال ما يقرره اللوطيون تعريفا ألنفسهم‪ ،‬وهذا من أعلى‬
‫درجات االعرتاف بهم واحرتام رغباتهم!‬
‫اخلالصة‪:‬‬
‫يوحي مصطلح مثلي بأن هذة امليول ثابتة‪ ،‬موازية مليول أخرى (مغايرة) وبالتالي‬
‫فليس للشخص ذنب يف تكوُّنها‪ ،‬بينما مصطلح لوطي يوحي بالشهوات اخلاطئة اليت‬
‫استوجبت العذاب عندما مل يتخلص منها صانعوها من قوم لوط‪ ،‬يف حني أن مصطلح‬
‫شاذ يوحي بثبات هذه امليول كذلك؛ لكن خمالفةً للمعيار اجملتمعي السائد‪،‬‬
‫‪87‬‬
‫فاحلاكمية للمجتمع‪ ،‬وكل هذا نستفيض به بعد أسطر‪ .‬ويف اجلدول التالي أمجل‬
‫هذه االختالفات املعنوية‪:‬‬
‫ثانيا‪ :‬اختالفات السلوك واالستجابة‪.‬‬
‫مثلت النظرية السلوكية ثورة يف العديد من اجملاالت العلمية زمنا حتى انهار‬
‫أكدَت عليها‪ ،‬ومع ذلك مل ميكن‬
‫سلطانها بسبب مشكليت احلتمية واآللية اليت َّ‬
‫التخلي عن كافة آلياتها وأفكارها‪ ،‬ومنها استجابة األفراد أللفاظ حمددة‪ ،‬نتاجا‬
‫للتنشئة الثقافية واالجتماعية املتباينة‪.‬‬
‫وسأستخدم هنا املقاربة السلوكية بصورة حمدودة‪ ،‬لبيان اختالفات سلوك السامع‬
‫هلذه املصطلحات الثالثة والذي خيتلف تبعا لتوجهه إىل اآلتي‪:‬‬
‫‪88‬‬
‫‪ )1‬االستجابة العلمانية‪.‬‬
‫إن البدهي يف تصور السلوك العلماني بكافة توجهاته‪ ،‬والليربالي منه خاصةً‪ ،‬هو‬
‫استحضار مناذج زعمائهم على مواقع التواصل واملؤسسات احلقوقية‪ ،‬وحتليل‬
‫خطابهم‪ ،‬املوافق ملا هو موجود يف الغرب حاليا‪ ،‬حذو القذة بالقذة؛ لكن الشروع يف‬
‫البحث املدقق سيُنبئك بتصورات حمددة عن السلوك‪ ،‬قد يفجؤك عدم اتفاقها متاما‬
‫مع نتائج الدراسة كما سنرى‪.‬‬
‫لقد كتبت قبل الدراسة بعام واحد أن االستجابة السلوكية العلمانية ملصطلح‬
‫لوطي‪ :‬عدوانية‪ ،‬وسنجد النفور موجودا بصورة أخف عند استخدام مصطلح شاذ؛‬
‫أما مصطلح مثلي فيلقى ترحابا واضحا‪ ،‬مع اإلشارة لتغيُّب تلك السلوكيات يف‬
‫عصر ما قبل ريادة األيدولوجيا اللوطية لقضية احلقوق الليربالية؛ فكان من املعتاد‬
‫أن جتد الليربالي العربي يف القرن املاضي‪ ،‬عدوا للواط‪ ،‬حمتقرا ألهله‪ ،‬ال ألن اللواط‬
‫عنده حمرم يف الدين اإلسالمي‪ ،‬بل ألنه كان حمرما يف الدين العلماني الذي يتبعه‪،‬‬
‫فكان يُرحِّب بلفظ الشواذ وال يستبدله يف توصيف اللوطيني = فهم قد شذوا عن‬
‫(قوانني اجملتمع الغربي العلماني) لذا استحقوا منه النفور‪.‬‬
‫لكن زمن هذا العلماني قد ولَّى‪ ،‬وأتى زمن العلماني النافر من مصطلح (الشذوذ)‬
‫املُقاتل من أجل حقوق (املثليني)!‬
‫ومتى كان العلماني غري إمعة متطفل؟! أعندك شك أن لو قال الغربيون غدا أن‬
‫تشهي األطفال جائز‪ ،‬خلرج يف أصالب العلمانية العربية حاال من يُجيزه ويروجه‪،‬‬
‫وملا مضي عقد واحد دون أن يكون شعار علمانية العرب‪ :‬اغتصبوا األطفال!‬
‫لقد كنت أحتدث حينما كتبت هذا على مستوى حتليل خطاب املشاهري واملثقفني‬
‫من احلقوقيني واملروجني للعلمانية‪ ،‬وسأضع اآلن جمموعة من الصور ألحاديث‬
‫بعضهم املتعلقة مبصطلح املثلية والفارق بينه وبني الشذوذ‪ ،‬وستالحظ العدائية يف‬
‫‪89‬‬
‫الطرح التصحيحي‪ ،‬واهتمامهم البالغ بالتنفري عن كل مصطلح غريه‪ .‬وانتبه‬
‫لصياغة بعضهم النقاش بصورة ساخرة‪ ،‬واضطراري إلبهام السباب دون حذفه نهائيا‬
‫لتعريفك حبجم غضبهم وعزمهم‪ ،‬ومقدار غلظتهم يف زجر املخالفني‪:‬‬
‫‪90‬‬
‫لكن كل هذا قد يبدو متعارضا للوهلة األوىل مع نتائج الدراسة‪ ،‬اليت جاءت‬
‫بالصورة اآلتية‪:‬‬
‫‪91‬‬
‫لقد أظهرت أن أكثر املصطلحات اليت استخدمها العلمانيون والليرباليون يف‬
‫توصيف اللوطيني هو الشواذ ‪ ،%49‬ثم املثليني بنسبة ‪ ،%40‬مع قلة اختارت مصطلح‬
‫اللوطية لتوصيفهم‪ .%11 :‬ويف اللوطية النسوية كان مصطلح السحاق األكثر‬
‫رواجا ‪ ،%45‬يتلوه مصطلح املثلية النسائية ‪ ،%26‬وأخريا مصطلح الشذوذ اجلنسي‬
‫‪ ،%29‬ومل خيرت أحد مصطلح اللوطية النسوية‪.‬‬
‫‪92‬‬
‫أما حجم الضيق من املصطلحات‪ ،‬فيُظهر االضطراب بصورة أكرب‪ :‬فبينما هناك‬
‫‪ %23‬من العلمانيني أعلنوا عدم ضيقهم من أي مصطلح لوصف اللوطيني‪ ،‬جاءت‬
‫نسب نفور الباقني لتُظهر أن ‪ %40‬منهم يضيقون مبصطلح املثلية‪ ،‬و‪ %34‬ينفرون من‬
‫مصطلح اللوطية‪ ،‬مقابل ‪ %29‬يتأففون من مصطلح الشذوذ!‬
‫فما تفسري ذلك؟ ملاذا تضاربت النسب مع التوقعات املبنية على مراقبة خطاب النماذج‬
‫العلمانية احلقوقية املعروفة؟‬
‫ال أرى تفسريا لذلك سوى أن مجهور العلمانيني العرب مل يكتظ بعد من الليربالية‬
‫اجلديدة اليت يبشر بها أعالمُهم مؤخرا‪ ،‬ومل يتَّرعوا من حديثهم عن احلقوق‬
‫اللوطية مبا يكفي لفقه وجوب انتخال اللفظ املناسب لليربالية حبرفية؛ فهم‪ ،‬وإن‬
‫أخذهم الريب من لفظ اللوطية فلم ينتقه إال القلة؛ إال أن ثقف الفروق بني الشذوذ‬
‫واملثلية مل يُمكَّنوا منه مبا يكفي‪ .‬هم أكثر الفئات نفورا من لفظ اللوطية‪ ،‬فمقارن ًة‬
‫بالعوام مثال‪ ،‬جند نسبة تقبلهم ملصطلح املثلية الضعف‪ ،‬ونسبة نفورهم من مصطلح‬
‫اللوطية كبري‪ ،‬كما أن الربع أبدى ضيقه من أكثر املصطلحات رواجا وهو الشواذ‪،‬‬
‫فلو اعتربنا رفض هذا املصطلح الشهري مقياسا للوعي بالتصويب السياسي‬
‫واحلقوقي ‪ PC‬ومنوذج الليربالية اللوطية اجلديدة املعاصرة ‪-‬وهو ما أرجحه‪ ،‬ألن‬
‫اخلطاب الذي يرفضه مقتصر على جمموعات تنتمي هلذه األيدولوجيا احلديثة‪-‬‬
‫فيمكننا ترجيح أن نسب املنتمني إليها‪ ،‬املنزهني أنفسهم عن الليربالية احلقوقية‬
‫التقليدية القدمية‪ ،‬ال تزيد عن ربع العلمانيني والليرباليني حاليًا‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫وهذه النسب فيها داللة على وجود اضطراب بني جيلني من العلمانيني والليرباليني‪،‬‬
‫فهل هناك دليل على هذا االستنتاج؟‬
‫احلقيقة أن هذا استنتاج تثبته الدراسة بالفعل‪ ،‬انظر أوال األشكال ‪ 4‬و‪:5‬‬
‫الشكل ‪ 4‬جند أن رواج مصطلح (املثلية) بني العلمانيني متغري مع العمر مبا يوافق‬
‫كالمي‪ :‬ففي الفئة العمرية األقل من ‪ 25‬عاما جند نسبة تفضيل مصطلح املثلية‬
‫هي ‪ ،%88‬بينما نسبة ‪ %12‬فقط فضلت مصطلح الشواذ‪ ،‬ورفض كل منتمٍ لتلك‬
‫الفئة العمرية من العلمانيني مصطلح اللوطية‪ .‬ويف اللوطية النسوية كان هناك‬
‫‪94‬‬
‫شبه تقارب يف النسب بني مصطلحي السحاق واملثلية النسائية‪ ،‬بينما رفضوا مجيعا‬
‫مصطلح الشذوذ اجلنسي أو اللوطية النسوية‪.‬‬
‫بينما يف الفئات العمرية األكرب سنجد مصطلح الشواذ هو األكثر انتشارا‪ ،‬مع‬
‫ظهور مبقدار الربع ملصطلح املثلية يف الفئة العمرية من ‪ 25‬إىل ‪ ،35‬أي مواليد‬
‫نهاية الثمانينيات حتى منتصف التسعينيات‪ ،‬وهم القنطرة بني املرحلتني‬
‫الليرباليتني القدمية واجلديدة‪ ،‬فقد حضروا كلتيهما وبالتالي هم موضع اجتماع‬
‫منوذجي الليربالية اجملرِّمة للوطية واملؤيدة هلا‪.‬‬
‫أما الفئات العمرية األكرب من ‪ 35‬فلن جتد فيها استخدام لفظ املثلية إال نادرا‪ ،‬وال‬
‫يكاد أصحابها يعرفون سوى مصطلح (الشاذ)؛ لكن قلة يف الفئة األصغر من ‪ 50‬سنة‬
‫استخدمت مصطلح اللوطية‪ ،‬وقد يكون سبب هذا أنه مل يكن مقدوحا فيه بالصورة‬
‫احلالية يف عصر الليربالية القدمية‪ ،‬إذ كان يُستخدم‪ ،‬نادرا؛ لكن بال نكري أو انتباه‪،‬‬
‫فالسياق الليربالي والعلماني العام كان يُدين اللوطية‪ .‬نالحظ كذلك رواج‬
‫مصطلح السحاق يف كافة األجيال‪ ،‬وعلة هذا أن اللوطيات أنفسهن ظللن إىل الوقت‬
‫احلالي يستخدمنه بالتبادل مع مصطلح املثلية‪ ،‬وهو متفرد غري مشحون باملعاني‬
‫والدالالت الدينية املوجودة يف مصطلح اللوطية‪.‬‬
‫يتبقى أخريًا أن نعرف أن الفئة العلمانية اختارت مصطلحي عابر اجلنس أو متحول‬
‫اجلنس لتوصيف اخلِناث واملرتجالت‪ ،‬واختارت األقلية فقط مصطلح التخنث أو‬
‫الرتجُّل‪ ،‬على حنو ما يُظهر شكل ‪ = 6‬ويف هذا داللة على تأثرهم باحلمالت اللوطية‬
‫‪95‬‬
‫العاملية اجلارية لنشر اخلِناثة والرتجُّل ومسخ الفِطَر‪ ،‬فاختاروا املصطلحات األكثر‬
‫رواجا يف اخلطاب العلماني القائم حاليا بدال من املصطلحات العربية املتداولة مبا‬
‫فيها من احتقار‪.‬‬
‫خالصة املالحظات اهلامة‪:‬‬
‫• يوجد خالف بني األجيال العلمانية العربية يف تقبُّل املصطلحات اجلديدة‪،‬‬
‫فاألجيال اجلديدة تنفر من مصطلحات الشذوذ اجلنسي واللواط‪ ،‬بينما ال تُبدي‬
‫األجيال الكبرية ذات النفور؛ بل إن نسبة معتربة منها أعلنت ضيقها من مصطلح‬
‫املثلية ذاته‪ ،‬املُخالف ملا نشأوا عليه واعتادوه‪.‬‬
‫• األجيال الوسيطة‪ ،‬اليت تقع بني ‪ 25‬إىل ‪ 35‬خاصةً‪ ،‬عندها أزمة تضارب‬
‫مصطلحات أكرب من غريها‪ ،‬ألنها عاصرت النموذجني الليرباليني معا‪ ،‬وعاصرت‬
‫املصطلحات اجلديدة والقدمية كلها أثناء نشأتها‪.‬‬
‫• هذا مُنبئ بأن األجيال العلمانية القادمة لن تنشأ إال على مصطلحات القاموس‬
‫اللوطي احلديث (املثلية وغريها) ونبذ‪ ،‬بل حرب كل ما عدا ذلك‪ ،‬مع التعامل‬
‫حبساسية متطرفة ضد مصطلحات كالشذوذ واللوطية‪ ،‬ما يعين تشربهم أكثر‬
‫من غريهم أليدولوجيات التصويب السياسي ‪ PC‬وغريها من مسات الليربالية‬
‫اللوطية اجلديدة‪.‬‬
‫‪96‬‬
‫‪ )2‬االستجابة اإلسالمية‪.‬‬
‫يُرحِّب املسلمون املُطَّلعون مبصطلح شاذ؛ بينما ال يلقى مصطلح لوطي اعرتاضا‬
‫كبريا‪ ،‬اللهم إال عند من يرفض اشتقاق مصطلح هلذا الفعل من اسم النيب الكريم‬
‫الذي قاومه‪ ،‬وليس رفضهم نابعا من تهاونهم مع الفعل؛ بل النقيض هو الصحيح‪.‬‬
‫أما مصطلح مثلي فقد أحدث انقساما يف السلوك بني العدوانية والقبول = بسبب‬
‫اجلهل بطبيعة داللته ومبا يعنيه اللوطيون عند استخدامه‪ ،‬مما أوهم أنه جمرد‬
‫توصيف شهوة شخص حمدد‪ ،‬وهلذا كان أكثر مالءمةً إذ يصف ممارس اجلنس‬
‫مع مثيله‪.‬‬
‫ال ميكن االعتماد كثريا يف توضيح هذا على االستبيان‪ ،‬الذي يُظهِر أن مصطلح‬
‫املثليني مقبول بنسبة ضئيلة؛ فقد يرجع هذا إما لكون عينة اإلسالميني املدروسة‬
‫أكثرها مرتبط بصفحيت وبعملي‪ ،‬أو بكون جهدي يف هذا الشأن قد أمثر وهلل احلمد‬
‫خالل هذين العامني؛ لكن على أي حال هذه النسبة فيها إشكال‪ ،‬وأزعم أننا لو كنا‬
‫مجعنا نفس الدراسة من رواد صفحات مشاهري اإلسالموليربالية واألمناط‬
‫املنحرفة‪ ،‬اليت جتتمع خنبتها كلها تقريبا ‪-‬يف الوقت احلالي‪ -‬على توصيف‬
‫اللوطيني باملثليني‪ ،‬خلرجت النتائج ضخمة لصاحل لفظ املثلية‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫لكن على أي حال مما يوثق فيه لكرب حجم النتائج‪ :‬أن مصطلحي الشذوذ واللوطية‬
‫مقبوالن من مجهرة اإلسالميني‪ ،‬إال قلة أعلنت نفورها منهما‪ .‬مصطلح املثلية هو‬
‫اآلخر حصل على إدانة واسعة‪ ،‬لكن تلك اإلدانة عليها ذات االعرتاض الذي أبديته‬
‫قبل أسطر‪.‬‬
‫‪97‬‬
‫امللحوظة األهم‪ ،‬أن الفئات العمرية اليت استخدمت مصطلح املثلية‪ ،‬كانت موزعة‬
‫بني فئيت ‪15‬إىل ‪ 25‬بنسبة ‪ ،%44‬و‪ 25‬إىل ‪ 35‬بنسبة ‪ .%40‬أي أن األعمار الصغرية‬
‫أكثر قبوال وتبنيا هلذا املصطلح حتى يف اإلسالميني؛ وهو جرس إنذار خطِر ملستقبل‬
‫معركة املصطلح‪.‬‬
‫اختيار ربع اإلسالميني كذلك ملصطلح (متحول اجلنس) بدال من مصطلح املخنث‬
‫واملرتجلة دال على أمرين‪ :‬أوال‪ ،‬أنهم نفروا من مصطلح (الرتانسجندر‪ ،‬عابر اجلنس)‬
‫املرتبط باخلطاب اللوطي‪ ،‬وهذه عالمة جيدة‪ .‬ثانيا‪ :‬أنهم نفروا من مصطلح التخنث‬
‫والرتجُّل‪ ،‬ويرجع هذا على األغلب لغموض العالقة بني اخلِناثة املعاصرة‪ ،‬والتخنُّث‬
‫التقليدي املعروف؛ فهناك عدد ال بأس به من اإلسالميني ال يعرف هل أولئك الذين‬
‫جيرون اجلراحات والعالجات من أجل نسبة ذواتهم للجنس اآلخر‪ ،‬حمقون يف هذا‬
‫وهلم عذرهم الطيب‪ ،‬أم ال؟! أي أنهم ال يعرفون الفارق بني اخلنِث املصنوع وبني‬
‫اخلنثى‪ .‬وهو ما يُلزم املزيد من خطاب التوعية بالفوارق بني النوعني‪ .‬وما يدعم ذاك‬
‫االستنتاج‪ ،‬اختيار ‪ %10‬من اإلسالميني إعالن اجلهل باملصطلح الذي يوصف به‬
‫أولئك‪.‬‬
‫‪98‬‬
99
‫‪ )3‬االستجابة العامية‪.‬‬
‫يتعامل العوام مع مصطلح الشواذ ‪-‬حتى اآلن‪ -‬باعتباره األكثر مالءمة‪ ،‬مرحبني به‬
‫توصيفا هلذا الفعل وهلؤالء الناس‪ ،‬بينما قد ال يفهمون جيدا مصطلحي اللوطي‬
‫واملثلي‪ ،‬وإن كانت السلطة اإلعالمية وتكرار املصطلح األخري على آذانهم فتال يف‬
‫الذروة والغارب سيُعدِّل من سلوكيات االستقبال ليزدادوا قبوال به وترحيبا‪ ،‬حتى إن‬
‫كرهوا هذا الفعل وجهلوا داللة تغيريه يف املدى القصري؛ فالنصف تقريبا يُشارِك‬
‫العلمانيني استخدام مصطلح الشذوذ اجلنسي‪ ،‬لكننا نلحظ وجود اختالف يف حجم‬
‫تقبل لفظ اللوطيني‪ ،‬الذي يأتي يف املرتبة الثانية (‪ ،)%33‬يتلوه لفظ املثليني الذي‬
‫يساهم بنسبة (‪ )%15‬وهي مقبولة جدا للعلمانيني نظرا حلداثته‪.‬‬
‫فإن قِسنا متغري الفئة العمرية مع قبول املصطلحات = سنجد أن الفئة األصغر يف‬
‫السن هي األكثر استخداما ملصطلح املثلية‪ ،‬بينما الفئات العمرية األعلى هي‬
‫األكثر استخداما ملصطلح الشواذ‪ ،‬ومل يظهر غضب كبري من مصطلح اللواط‪ ،‬بل‬
‫إن خيار قبول كافة املصطلحات‪ ،‬دون النفور من أي منها‪ ،‬احتل املرتبة الثانية بعد‬
‫النفور من مصطلح املثلية‪ .‬وهم يصفون اللوطية النسوية بالسحاق والشذوذ‬
‫اجلنسي بصورة أساسية‪ ،‬متشابهني يف ذلك مع الباقني‪.‬‬
‫أما يف توصيف اخلِناثة والرتجُّل‪ ،‬فقد كان هناك قبول عام لذاك املصطلح (‪)%47‬‬
‫يتلوه مصطلح متحول جنسيا‪.‬‬
‫‪100‬‬
‫أهم املالحظات يف تلك النتائج أن العوام موضع تذبذب هم أيضا‪ ،‬وإن كانوا ‪ -‬إىل‬
‫اآلن ‪ -‬ال يبدون نفورا من مصطلح حمدد‪ ،‬مع غلبة مصطلح الشذوذ اجلنسي‪ ،‬إال أن‬
‫استمرار العمل اإلعالمي على تلقني األجيال اجلديدة مصطلحات معينة مُنبئ مبا‬
‫هو قادم‪ .‬كما ذاع مصطلح الشذوذ قبال‪ ،‬حتى رأيناه سيد األجيال القدمية‪ ،‬وهو‬
‫اآلخر مل يكن وليد الرتاث أو البيئة اإلسالمية = فسيادة مصطلح املثلية والتحول‬
‫اجلنسي مُمكن بصورة أسرع كثريا من غريهم‪ ،‬نظرا لتملك اإلعالم ألفئدتهم وعدم‬
‫وجود معتقدات متماسكة راسخة تقولب موقفهم من قضية غامضة وعميقة الغور‬
‫كقضية تأثري اللغة واملصطلحات يف هيكلية املعرفة الفكرية والبنية اجملتمعية‪.‬‬
‫وإن مل يظهر خطاب إسالمي متمايز صريح له أسلوبه ونظمه وشكله املختلف‪،‬‬
‫واملؤكد على تعمُّد تلك املغايرة‪ ،‬ما يُسبب مفاصلة مع املنظومة العلمانية القيمية‬
‫واللغوية تُظهِر هلا الشناءة وتؤلب عليها اجلميع = فال يلومن أحد إال نفسه على‬
‫التواهن والتواني أمام من يكاثرونه وال يتمكَّثون أو يتلعثمون‪ ،‬على تفرق أهوائهم‬
‫وتهلل منطقهم‪ ،‬فاألفنُ جبلَّة النعام!‬
‫‪101‬‬
102
‫إن إيالء املنظمات احلقوقية العلمانية العربية املعركة اإلعالمية اهتماما كبريا‬
‫لنسخ كافة ما سبق من مصطلحات وإلغائها‪ ،‬من أجل تثبيت مصطلح املثلية وحده‬
‫يف عقول اجملتمع ‪/‬العوام‪ ،‬مما ال جدال فيه‪ .‬أما على اجلانب اإلسالمي‪ ،‬فتُهدر اجلهود‬
‫واألزمان عند من ال ميلكون آلة إعالمية واحدة معتربة‪ ،‬يف حتديد أي املصطلحات‬
‫أوىل! وليس هذا إال لفداحة الغفلة عن مساعي اآلخرين وأغراضهم من كل حرف‬
‫ينطقونه‪ ،‬حتى رأينا فينا من يُطبِّع استعمال ألفاظهم وقاموسهم مرددا (ال مشاحة‬
‫يف االصطالح)‪ ،‬دون نظر ألبعد من منقاره!‬
‫وأُمجل يف اجلدول التالي هذه االختالفات السلوكية النفسية‪:‬‬
‫وعليه إذا وضعنا معيارا لقياس أثر املعنى نفسيا‪ ،‬فالنتيجة ستكون بهذه الصورة‪،‬‬
‫حيث ثقل الوطأة ممتد من اليمني إىل اليسار األخف‪ ،‬وقد أضفت يف املعيار لفظ‬
‫سحاقية‪:‬‬
‫ثالثا‪ :‬تحليل معنى المصطلحات‪.‬‬
‫وباملقاربة التحليلية للمعنى نفحص أحشاء تلك املصطلحات‪.‬‬
‫‪103‬‬
‫‪ )1‬حتليل مصطلح اللوطية‪.‬‬
‫يرتبط مصطلح (اللواط) باملعيار الشرعي‪ ،‬احلالة الطبيعية لإلنسان كما بالشكل‬
‫اآلتي‪:‬‬
‫جند يف هذا التقسيم أن اإلنسان له طبيعة واحدة (فطرة) يشرتك فيها اجلنسان‬
‫الذكر واألنثى‪ ،‬يف هذه احلالة الطبيعية ينجذب كال اجلنسني إىل بعضهما‬
‫البعض‪ ،‬فحب الشهوات الال نهائية مركوز يف طبع اإلنسان‪.‬‬
‫وتأتي األوامر والنواهي لتحدد أي الشهوات مباحة وأيها ممنوعة وأيها احنراف‬
‫كامل عن فِطر البشر‪ ،‬وتنحرف نفس اإلنسان عن احلالة الطبيعية سواء بذاتها أو‬
‫بأزيز الشياطني إىل الشهوات احملرمة سواء املنحرفة عن الشريعة اإلسالمية‪ :‬مثل‬
‫الزنا والكِرب وكَنز املال‪ ،‬أو املنحرفة عن الطبيعة اإلنسانية كلها‪ :‬مثل اللواط‪.‬‬
‫‪104‬‬
‫فاللواط يف هذه الصورة هو نوع من الشهوات اليت يزينها الشيطان للنفس فتميل إىل‬
‫ممارسته‪ ،‬كما متيل إىل الزنا أو السرقة أو احملرمات كافة؛ ولعله الصورة األبشع‬
‫من االحنراف ألنه يتخطى حواجز اإلنسانية كافةً‪ ،‬مثله مثل أكل اخلراءة وما إىل‬
‫ذلك من قبيح املستقذرات اليت تقع فيها النفس اإلنسانية بإيعاز شيطاني‪.‬‬
‫‪ )2‬حتليل مصطلح الشذوذ‪.‬‬
‫أما إذا أتينا للفظ شاذ‪ ،‬فسنجده مرتبطا مبعيار تقليدي سطحي يف اهليئة التالية‪:‬‬
‫ينقسم اإلنسان نفسه يف هذا الشكل إىل نوعني‪ :‬طبيعي‪ ،‬وشاذ‪ .‬مييل الطبيعي فيه‬
‫الذكر إىل األنثى والعكس‪ ،‬بغض النظر عن التقييم الديين للفعل‪ ،‬فمجرد امليل‬
‫واملمارسة كافيان للحكم بعدم الشذوذ ولو كانا يف صورة زنا حمارم أو غري ذلك‪،‬‬
‫املهم هو النوع الذي مييل إليه اإلنسان‪ ،‬فإن كان مييل لنوعه اجلنسي صار شاذا وإن‬
‫كان مييل للنوع اآلخر صار طبيعيا‪ ،‬كما أن هناك صورا أخرى للشذوذ اجلنسي‬
‫مثل املمارسة مع احليوانات‪.‬‬
‫أول مالحظة يف هذا التقسيم تناقضه احلتمي‪ ،‬فهو (علماني) من جهة عدم تأسيسه‬
‫على النموذج الديين لتقسيم األفعال الذي ذكرناه سابقا‪ ،‬إمنا هو مبين على (حالة‬
‫طبيعية) لإلنسان‪ ،‬لكنه مع ذلك يضع أسسا ومبادئ للحالة الطبيعية تلك؛ فمن أين‬
‫أتت؟! أليس من اجملتمع؟! أيصح أن يكون جمتمع حضارة واحدة مثل احلضارة‬
‫‪105‬‬
‫الغربية األوروبية حتديدا هو معيار حتديد الطبيعي والشاذ؟ لقد أجابت‬
‫األنثروبولوجيا على هذا منذ أكثر من نصف قرن‪ :‬ال (‪ !)64‬هذا ميل إمربيالي‬
‫مرفوض!‬
‫هذا كان مبدأ اخللل األكرب يف هذا التقسيم‪ ،‬أن تضع معيارا لتحديد الطبيعي‬
‫والشاذ بناءً على القيم واألسس اجملتمعية‪ ،‬ال بنا ًء على القيم واألسس الدينية‪.‬‬
‫وقد أوهنت الدراسات اجملتمعية واألنثروبولوجية الثقافية املقارنة من فكرة‬
‫املركزية األوروبية الغربية يف وضع معايري الصواب واخلطأ‪ ،‬إضافة إىل رواج‬
‫مفهوم النسبوية‪ ،‬والتعددية الثقافية‪ .‬فتحججت اللوطيَّة باآلتي‪ :‬من الذي زعم أن‬
‫القيم واملعايري جملتمع معني هي الصواب؟! أليست جمرد ثقافة جمتمعية تتغري‬
‫بتغري الزمان واملكان؟ أليس ارتداء البنطال للنساء كان شذوذا يف الثقافة األوروبية‬
‫قبل بضع قرون بل يف أثناء عصر التنوير نفسه‪ ،‬ثم ملا تغري الزمان تغريت الثقافة‬
‫وانتقل الشاذ إىل خانة الطبيعي؟!‬
‫إن اتفقنا على استبعاد الدين من البنية االجتماعية والفكرية‪ ،‬وارتضينا أن الثقافات‬
‫هي نتاج عقلي بشري مبؤثرات بيئية متنوعة‪ ،‬أليس من اخلطأ احلكم على فعل ما‬
‫بأنه شاذ مطلقا زمانا ومكانا؟!‬
‫وإن تدبرت مبنى هذه احلجة ستجدها مؤسسة بصورة منطقية ال ريب! فهذا هو‬
‫لزوم الالزم العلماني برفض التدخل الديين يف وضع قيم ومعايري ثابتة للمجتمع‬
‫بكافة مظاهره‪ ،‬وما غري ذلك وهم وتناقض!‬
‫أضف إىل ذلك أن مصطلح (الطبيعي) قد تبدل معناه خالل القرن األخري بوضوح‪،‬‬
‫فاحليوانات مل تعد (آخر) إمنا أصبحت (حنن) لكن يف صورة تطورية خمتلفة‪ ،‬وعليه‬
‫يكثر االحتجاج بوجود اللواطة يف احليوانات‪ ،‬إلثبات أنه (فعل طبيعي) وليس شاذا‪.‬‬
‫وقد يلزم توضيح تناغم األيدولوجيا اخلضراء‪ ،‬مع القضية اللوطية‪ ،‬فقد شُيِّدت فوق‬
‫‪106‬‬
‫أساس دحض مركزية اإلنسان‪ ،‬وتسخيف نظرية التسخري (األداتية) يف التعامل‬
‫مع الكائنات والطبيعة‪ ،‬وبالتالي مل يعد من املقبول النظر لإلنسان باعتباره ذا طبيعة‬
‫وجوهر أمسى وأرقى من احليوان‪ ،‬فما وُجِد عند احليوان هو (طبيعي)‪ ،‬ونطاق البحث‬
‫عن املمارسات املقبولة مل يعد احلضارات اإلنسانية وحدها‪ ،‬إمنا الكائنات احلية‬
‫كذلك‪ ،‬وستجد أن هذا املنظور أثر على القضية اللوطية منذ هافيلوك إيليس يف‬
‫مطلع القرن املاضي‪ ،‬كما سنوضح يف فصل الحق‪.‬‬
‫‪ )3‬حتليل مصطلح املثلية‪.‬‬
‫أما حتليل مصطلح (مثلي) الذي يروجونه‪ ،‬فيبدي جوهر اخلالف‪ ،‬ولنتأمل أوال‬
‫الشكل التالي‪:‬‬
‫حتت النوع اإلنساني يندرج يف هذا النموذج صنفان من البشر‪ :‬املثليون واملغايرون‪ ،‬ثم‬
‫تندرج أنواع أخرى بال نهاية حمددة حتى اآلن حتت هذين الصنفني‪.‬‬
‫ال يتضح حجم جاذبية هذا النموذج بالنسبة للدين العلماني إال يف هذا الشكل‪،‬‬
‫وألفَصِّل‪:‬‬
‫‪107‬‬
‫‪ -1‬تلحظ أن اإلنسان يف هذا النموذج ينقسم ال إىل ذكر وأنثى (املعيار اجلنسي) بل‬
‫إىل نوعني يندرج حتت كل منهما ذكوره وإناثه‪ ،‬وهذا مالئم لأليدولوجيا النسوية‬
‫اليت هي أم األيدولوجيا اجلندرية‪ ،‬واليت ترفض يف بعض صورها فكرة املعيارية‬
‫اجلنسية للتقسيم‪.‬‬
‫‪ -2‬تلحظ أن النوعني متوازيان ويف نفس املستوى اإلنساني‪ ،‬بال معيارية ألحدهما‬
‫على اآلخر‪ ،‬فال يوجد منوذج (طبيعي) معياري كما رأينا يف النموذجني األولني‪ ،‬بل‬
‫احلقيقة اإلنسانية هي احلالة الطبيعية فقط ال غري‪ ،‬وعليه فقد تزلزت وطائد فكرة‬
‫الشذوذ الراسية ومت اجتثاثها من أصوهلا‪ ،‬فحني نقول عن الشيء إنه شاذ فإننا نعلن‬
‫حماكمته إىل جمموعة من القيم واملعايري للصورة الطبيعية‪ ،‬والليربالية املعاصرة‬
‫ترفض هذا‪ ،‬وهي‪ ،‬باألحكام‪ ،‬دائمة التنديد = فكم مرة مسعت عبارة ( ‪Don't‬‬
‫‪ ،)judge me‬اليت عربوها اآلن بصياغات خمتلفة مثل‪( :‬أنت لست اهلل لتحكم عليه‪،‬‬
‫أو‪ :‬من عينك إهلا لتحكم عليه باجلنة أو النار؟‪ ،‬أو‪ :‬أنصبت نفسك إهلا يف األرض‬
‫لتحكم على فعله باخلطأ؟‪ ،‬أو‪ :‬من أدراك أنك أنت الذي على حق؟)؟‬
‫إنك يف نفس درجته اإلنسانية‪ ،‬فال أفضلية لك عليه ولو كنت أزهد وأتقى أهل‬
‫األرض وكان هو ألعنهم جهرا بالفواحش واملنكرات!‬
‫‪ -3‬تنبه كذلك إىل كون امليول اجلنسية يف هذا املعيار مل تعد طارئة نتاج شهوة‪،‬‬
‫إمنا أصبحت أصيلة يف ذات النوع اإلنساني‪ ،‬يف جبلته وأصل خلقته؛ فاملغاير بداخله‬
‫ميل للنوع اآلخر وإن خرج عن ذلك كان خمالفا حلقيقة هويته وميوله وتصنيفه‬
‫‪108‬‬
‫اإلنساني‪ ،‬و(املثلي) بداخله امليل للنوع ذاته وإن خرج عن ذلك كان خمالفا حلقيقة‬
‫هويته وميوله وتصنيفه اإلنساني‪ ،‬وسرتى أثر ذلك يف مبحث العلوم‪ ،‬وكيف يُقاتل‬
‫اللوطيون من أجل إثبات جبليَّة اللوطية‪.‬‬
‫قارن هذا بالنموذجني السالف ذكرهما للوطي والشاذ‪ ،‬جتدهما جيعالن اللوطية أو‬
‫الشذوذ حالة خمالفة للطبيعة سواء على هيئة طارئة شهوانية آمثة (اللواط) أو على‬
‫هيئة ثابتة نسبيا لكنها خمالفة للهوية اجلبلية الطبيعية وهي (الشذوذ)‪.‬‬
‫على هذا األساس ظهرت دعاوى طلب العدالة وعدم ظلم (املثليني!)؛ فميوهلم يف أصل‬
‫جبلتهم ولن يستطيعوا التخلي عنها مثلها مثل ميولك املغايرة اليت هي يف أصل‬
‫جبلتك‪ ،‬وأنت لن تستطيع أن تفهمها ألنك من (نوع) إنساني آخر‪ ،‬وكل ما عليك ال‬
‫التسامح معه وقبوله كما هو‪ ،‬بل الرتحاب به وتركه يستمتع حبياته ما دام ال‬
‫يؤذيك! وقد اجتهدت الدعاية الغربية يف تصوير (املثلية) مزركشة األلون مرتبطة‬
‫باحلب والرقص واملرح حتى أطلقوا على اللوطيني‪ :‬املرحون ‪!Gays‬‬
‫فما يضريك من هذا النوع اإلنساني املرح امللون الضاحك املضحك؟‬
‫هذا مع ظهور اجتاه داخلي آخر يف أيدولوجيا اجلندر يرفض فكرة امليول اجلبلية‬
‫رأسا ويزعم أن اإلنسان (حمايد) جنسيا وجيب علينا أال نتدخل يف حتديد هوية‬
‫اجلنس الذي جيب أن حيبه!‬
‫لكي تفهم مقصود األيدولوجيا من االجتاهني أفصِّل لك‪ :‬هم يقولون إنك إذا جعلت‬
‫املعيار لون البشرة أو العرق = فستجد األسود واألبيض واألصفر‪ ،‬يشرتكون مجيعا‬
‫يف احلقيقة اإلنسانية وخيتلفون ذكرانا وإناثا‪ .‬أتقبل أن جتعل أصحاب البشرة‬
‫البيضاء حكما ومعيارا للحالة الطبيعية لإلنسان؟ لو صنعت هذا فأنت عنصري‬
‫جمرم وهذا ال يقبله الدين اإلسالمي بالتأكيد‪ ،‬بل األصل هو املشرتك اإلنساني بني‬
‫هذه األعراق واأللوان؛ وعليه فإنهم يلتزمون ذات احلجة مع التصنيفات املُخرتعة‬
‫‪109‬‬
‫كتصنيف املثلي واملغاير‪ ،‬مساوين إياه للتصنيفات الثابتة باملشاهدة (أسود وأبيض)‬
‫و(عربي وأعجمي)‪.‬‬
‫فإن قبلت بهذا التصنيف املُخرتع فكيف تُفرِّق يف األحكام بينهم؟! ألست تُسلِّم بأن‬
‫املساواة واجبة يف حق الوجود واحلرية وعدم جعل عرق ما معيارا وسيدا على األعراق‬
‫األخرى؟ إذن ما الذي جيعلك تتوقف عند التصنيف ملثلي ومُغاير رفضا للمساواة؟!‬
‫ويف هذا مغالطة‪ ،‬أناقشها بإجياز‪.‬‬
‫دحض مغالطة زعم الكيل مبكيالني يف املساواة‪.‬‬
‫تلك من أكثر االتهامات استعماال من جانب احلقوقيني والعلمانيني عموما‪ ،‬وللرد‬
‫عليها أقول‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أنه مل يُسلِّم أحد بصحة هذا املعيار املخرتع من جانب اجلندريني‪ ،‬فال نرضخ‬
‫لزعم وجود إنسان (مثلي) أو (مغاير) حتما باجلبلة‪ ،‬وال دليل علمي حقيقي على‬
‫هذا‪ ،‬وسنعرض هذا قريبا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن التفرقة يف اإلسالم مُحرَّمة بني أنواع من البشر خملوقة باجلبلة على‬
‫صورتها تلك = إذ حترم التفرقة مثال على أساس الصفات املوروثة مثل اللون أو‬
‫العرق أو الساللة؛ إمنا جتب يف الصفات املكتسبة غري املخلوقة يف اجلبلة‪ ،‬كالفارق‬
‫بني املسلم والكافر‪ ،‬والفارق بني املؤمن والفاسق = وعليه فاستمراء الشهوات‬
‫واستحالل احملرمات = من املكتسبات اليت متتنع فيها املساواة‪.‬‬
‫وهنا تظهر خطورة من يسلمون للوطيني تقسيمهم ذلك إىل مثلي ومُغاير‪ ،‬فهم‬
‫يهدمون احلالة الطبيعية لإلنسان وحييلون الفطرة إىل لفظ بال معنىً‪ ،‬إن األمر‬
‫ليس جمرد قبول ملصطلح فقط؛ إمنا هو قبول ملنظومة فكرية كاملة ميثلها هذا‬
‫املصطلح‪ ،‬والفشل الذريع مصري أي تغيري يف هذه املنظومة تعديال لداللة املصطلح‪،‬‬
‫‪110‬‬
‫مثلما يصنع أولئك الذين يُسلمون بأن (املثلي) حقيقي وخملوق بهذه امليول ومع‬
‫ذلك يطلبون له (العالج)!‬
‫أي عالج؟! أليس جمبوال على ذلك؟!‬
‫يف نهاية هذا اجلزء‪ ،‬أرجو أن يكون اهلل املوفِّق قد أرشدني إىل بيان خطورة‬
‫املصطلحات وحجم فوارقها الداللية‪ ،‬منبها إىل أن من سفه وجتاهل تلك املعركة‬
‫هو هو األخرق‪ ،‬وليس من محَّى الوطيس؛ الذي علم وعمل على وجوب انتقال املُعجم‬
‫اللوطي من عزلة العلمانيني إىل عوام املسلمني‪ ،‬وقد وِفِّق‪ ،‬بينما املسلمون يف خصوم‬
‫عرام ٍة غافلون!‬
‫قصاصات‪ ،‬للتأمل‪:‬‬
‫• (ما امسهمش شواذ امسهم مثليني‪ ،‬واملثلية اجلنسية موجودة فى أكثر من‬
‫‪ ١٥٠٠‬نوع وتوجه جنسى معرتف بيه من أكرب املنظمات‪ ،‬زى منظمة الصحة‬
‫العاملية‪ ،‬ومجعية علم النفس األمريكية‪ ،‬واجلمعية الطبية األمريكية)‪.‬‬
‫أمحد عالء‪ ،‬طالب احلقوق املصري‪ ،‬الذي رفع علم اللوطيني يف حفل موسيقي‬
‫لفرقة لوطية لبنانية معروفة يف القاهرة‪ ،‬على صفحته يف مواقع التواصل (‪.)65‬‬
‫• (امسهم مثليني يا متخلفني يا رجعيني مش شواذ!! العمى ضرب هاألمه كل ما‬
‫باهلا لَورا)‪.‬‬
‫مهى إغبارية‪ ،‬نسوية فلسطينية من عرب إسرائيل‪ ،‬على صفحتها بالتويرت (‪)66‬‬
‫• (قامت املنظمات واملهتمون بهذا االمر‪ ،‬بعد الدراسات السيكولوجية والبيولوجية‬
‫والنفسية وغريها‪ ،‬واحلقائق اليت اكتشفت واقرت من العلماء‪ ،‬باالضافة إىل‬
‫‪111‬‬
‫النمطية السلبية يف تعبري الشذوذ اجلنسي= باستخدام تعبري لغوي أكثر تعريفا‬
‫باملثلية يف اجملال العاطفي واجلنسي كما يف تعبري املثلية اجلنسية‪.‬‬
‫إذا أردنا ان نعرف مدى انتشار التعبريين لدى الناس سوف جند ان تعبري الشذوذ هو‬
‫االكثر تدوال ومعرفة‪ .‬طبعا يف الشارع التعابري األكثر تداوال هي ألفاظ أخرى‬
‫الكثري منا جيدها مهينة عندما نوصف بها من املغايرين! طبعا هذه التعابري القصد‬
‫منها إهانتنا‪ .‬أساس اإلساءة أو اإلهانة يف رأيي الشخصي هو معرفة املسيء بتأثري‬
‫الكلمة السليب على املتلقي؛ فاملسيء هنا يرى نفسه يف مصدر القوة واملتلقي هو‬
‫الضعيف)‪.‬‬
‫لوطي عربي من السودان‪ ،‬على مدونته )‪. (67‬‬
‫خامسا‪ :‬مقاربات إصالح وحتييد اللغات‪.‬‬
‫ختوض الديانة اللوطية يف الغرب معركة أخرى حاليا‪ ،‬على مستوى بنية اللغة‬
‫ذاتها‪ ،‬سعيا لبناء لغة حمايدة جندريا ‪Gender neutral language‬؛‬
‫فاللوطيون يؤمنون بوجوب إنهاء الصورة الثنائية للجنس من اجملتمع‪ ،‬وملا كانت‬
‫اللغة مولدة التصورات كما ذكرنا‪ ،‬توجب لبناء تصور ال حيصر الوجود اإلنساني‬
‫يف الذكر الطبيعي واألنثى الطبيعية فقط‪ ،‬أن تُصنع لغة ال تضيق هذا الوجود يف‬
‫نوعني‪ ،‬إما حبذف فكرة اجلنس من اللغة ذاتها‪ ،‬وإما بتذويبها واستبداهلا بفكرة‬
‫النوع؛ وعليه اختُرِعت أدوات جديدة ختص كل األنواع االجتماعية!‬
‫وأصل تلك الفكرة أنهم ملا كانوا يزعمون أن كافة اللغات بنات اجملتمعات التقليدية‬
‫املمتدة تارخييا إىل قديم الزمان حيث البدائية = توجب على اللغات احلية أن تواكب‬
‫‪112‬‬
‫التطور الدائم يف حقوق اإلنسان‪ ،‬والتخلص من أكرب جُرم يف تاريخ اإلنسان‪ :‬بناء‬
‫اجملتمعات على الثنائية اجلندرية (ذكر وأنثى) وعلى شذوذ كل األشكال األخرى‬
‫واضطهادها‪.‬‬
‫فيذكرون أن اللغة اإلجنليزية على سبيل املثال ‪ -‬وكذا العربية والفرنسية وكل‬
‫اللغات ‪ -‬بُنيت يف عصور كان الرجل الذكر البالغ يُنظر إليه كمعيار لإلنسان‬
‫الصحيح الكامل‪ ،‬فاملرأة والطفل والشيخ والعاجز‪ ،‬الكُل يُقاس عليه‪ ،‬وهم مجيعا‬
‫عبارة عن (رجال ناقصني)! وكان اللوطيون وكافة األصناف اجلندرية األخرى‪،‬‬
‫مُضطهدين غري مُعرتف بهم لُغويا إذ هم والعدم سواء‪.‬‬
‫فما احلل لتطوير اللغات وإنهاء عصور الظالم تلك؟‬
‫توجد مقاربتان تُستخدمان على التوازي‪ :‬هما االختزال والتوسعة؛ وال يعين تناقض‬
‫صورتيهما‪ ،‬أنهما ال تُستخدمان معا‪ ،‬فقد يُطالب البعض باالختزال يف جانب لُغوي‪،‬‬
‫تنب ملقاربة واحدة فقط منهما‪.‬‬
‫والتوسعة يف جانب لُغوي آخر‪ ،‬وقد حيدث ٍّ‬
‫أوال‪ :‬المقاربة االختزالية‪.‬‬
‫ويتحدث أنصار تلك املقاربة عن حذف كافة أشكال التمييز اجلندري من اللغة‪،‬‬
‫وإخراج لغة جديدة فيها اختزال لألشكال الثنائية وما شابه ذلك‪.‬‬
‫واألمثلة على ذلك التوجه‪:‬‬
‫• إصدار احلكومة الفرنسية يف مطلع عام ‪ 2019‬قانونا يُلزِم املؤسسات التعليمية‬
‫باإلشارة إىل الوالدين باسم (الوالد ‪ )1‬و (الوالد ‪ ،)2‬مع حذف (النظام القديم) الذي‬
‫كان يصف الوالدين باسم‪ :‬األب واألم‪ ،‬وذاك ‪-‬حبسب تصرحيات املشرعني‬
‫‪113‬‬
‫الفرنسيني‪ -‬من أجل إلغاء التمييز ضد اللوطيني‪ ،‬فنموذج (األب واألم) االجتماعي‬
‫واألسري صار قدميا ال جيوز اإلبقاء عليه‪ ،‬حبسب عضوة برملانية‪ ،‬وهو معادٍ للوطية‪،‬‬
‫ألن األسر احلديثة صارت تتكون من أمني أو أبوين أو غري ذلك)‪! (68‬‬
‫• واستهداف العديد من املنظمات املئات من املصطلحات اليت متاثل ‪،policeman‬‬
‫الذي وُضِع يف اإلجنليزية للداللة على فرد البوليس عامةً‪ ،‬والذي هو مثال واضح‬
‫لسيطرة الذكورية على اللغة‪ ،‬واليت جاءت النسوية األوىل بضرورة جعلها قسيما‬
‫لبوليس وومن‪ /‬امرأة بوليس‪ .‬تستهدف احلركة اللوطية اآلن ما هو أبعد من‬
‫رفضها حتديد اجلنس يف نوعني فقط ذكر وأنثى (الثنائية اجلنسية)‪ ،‬فتقرتح‬
‫حاليا وجوب إلغاء هذين االمسني واستبداهلما مبصطلح بوليس أوفيسر (ضابط‬
‫بوليس)‪. (69) 12‬‬
‫• وقد حذفت بعض املدارس الكندية الضمريين هو وهي (‪ )He and She‬من أجل‬
‫املصطلح احلديث زي ‪ ! (70) xe‬إن (هو وهي) مصطلحات تعتمد النُظُم القدمية‬
‫بالطبع‪ ،‬وليست حمايدة جندريا!‬
‫‪12‬‬
‫مع االنتباه أن هذا المصطلح اإلنجليزي مخالف للتعريب‪ ،‬فالتعريب ال يحوي تاء التأنيث وبالتالي فأصل اللفظ مذكر وهذا ما‬
‫يقفز إلى ذهنك فورا‪ ،‬أما في اإلنجليزية فاللفظ محايد ال جنس له‪ ،‬ال هو ذكر وال هو أنثى وال هو خنثى‪.‬‬
‫‪114‬‬
‫ثانيا‪ :‬المقاربة التوسعية‪.‬‬
‫وهذه مقاربة تطلب تطوير اللغة بإضافة العشرات من الضمائر وغريها‪ ،‬ال بإزالة‬
‫املوجود واستبداله‪ .‬انظر مثال الصورة التالية‪ ،‬وفيها مقرتح إحدى املؤسسات لصورة‬
‫مبدأية لبعض الضمائر اجلديدة‪:‬‬
‫مصدر الصورة‪ :‬موقع ‪. (71) BBC‬‬
‫وال يُمكن نسيان املشهد الساخر الشهري للنائب األملاني احملافظ (ستيفني كونيجر)‬
‫يف برملان براندينبريج‪ ،‬الذي رد على مُقرتح يساري بإزالة التمييز اللغوي اجلندري‬
‫ضد اللوطيني‪ ،‬مبشهد سجله التلفاز وتداولته وسائل اإلعالم العاملية‪ :‬فقد صعد‬
‫كونيجر وقال (سيداتي‪ ،‬وسادتي‪ ،‬واللوطيون‪ ،‬واملخنثون‪ ،‬وكذا‪ ،‬وكذا) فظل‬
‫لدقائق يقوم بتعداد ستني مصطلحا حتيةً (للتنوع) ومنعا للتمييز والتعصب‬
‫اجلندري القائم يف االكتفاء مبصطلحي (سيداتي وسادتي) )‪ ! (72‬لقد استهزأ‬
‫كونيجر بصورة بسيطة وقاصمة يف ذات الوقت!‬
‫‪115‬‬
‫سادسا‪ :‬أبعاد املقاربات اجلندرية على اللغة العربية‪.‬‬
‫ولنناقش اآلن أثر ذلك على العربية ألن من املتوقع أن يشتعل يف خالل سنوات قليلة‪،‬‬
‫لوال أن يتداركنا اهلل برمحته‪.‬‬
‫أنت يف العربية ال تستطيع مثال استخدام اسم اإلشارة (هذه) إضافة إىل لفظ‬
‫اجلاللة (اهلل)‪ ،‬بل البد أن تقول‪ :‬هذا اهلل‪ .‬كذلك ال تستعمل الضمري الغائب املؤنث‬
‫(هي) مع لفظ اجلاللة بل البد من استعمال (هو)‪.‬‬
‫كي نفهم أبعاد ذلك األمر‪ ،‬سنحلله باملقاربة اجلندرية‪ :‬إن اإلصرار على استخدام‬
‫العوامل اللغوية املذكرة واعتبار العوامل املؤنثة إهانة‪ ،‬مع االتفاق على أن اهلل ال‬
‫يُقال عنه ذكر وال أنثى (ليس له جنس)؛ يدل على مكانة الذكر يف اللغة العربية‬
‫اليت بُنيَت يف جمتمعات تعترب التأنيث نقصا وإهانة وبالتالي حيظر على املسلم‬
‫املطالب مبنع كل ما يومئ اىل انتقاص يف الذات اإلهلية أن يستخدم أدوات وعوامل‬
‫لغوية مؤنثة! فالصحيح إذن ‪-‬من وجهة النظر النسوية‪ -‬أن يُشار إىل اإلله بالعوامل‬
‫واألدوات األنثوية‪ ،‬كما طالبت النسوية املصرية الكافرة نوال السعداوي (‪،)73‬‬
‫وكما حتدثت النائبة األمريكية رشيدة طالب مؤخرا يف قوهلا "لقد دعوت هلا قائلة‬
‫احلمد لكِ يا اهلل‪ ،‬فاهلل عندي أنثى")‪ (74‬؛ لكن األيدولوجيا اللوطية اجلندرية‬
‫تتخلص من األسلوب املناكف النسوي لرتتفع إىل مستوى أعلى‪ :‬املطالبة بوجوب‬
‫صناعة أدوات وعوامل لغوية جديدة حمايدة اجلنس متاما!‬
‫وحتى إذا شرحت األمر هلنَّ‪ ،‬وأوضحت أن اهلل هو خالق الذكر واألنثى‪ ،‬وأن استخدام‬
‫الضمائر املذكرة ال تعين انتماؤه جلنس أي منهما‪ ،‬وإمنا ألن اللغات ال متلك األدوات‬
‫اليت تصف من ليس كمثله شيء‪ ،‬فتستحضر أمسى أدواتها يف توصيفه‪ ،‬وملا كان‬
‫‪116‬‬
‫اهلل سبحانه قد فضَّل الذكور بالقوامة وبعض املميزات اليت تثبت جلنسهم‬
‫باإلطالق درجة يف الشؤون العامة واإلدارة واملُلك‪ ،‬وقد علِمت األمم كلها ذلك‬
‫كابرا عن كابر = ارتأت العربية خطأ توصيف اهلل سبحانه بأدوات جنس ال ميلك‬
‫شؤون نفسه يف املُطلق‪ ،‬جنس تابع لولي أو زوج‪ .‬وال يُخالِف مسلم أن اهلل ليس ذكرا‬
‫وال أنثى‪ ،‬وأن اإلشارة إليه بضمائر املذكر اعتبارية ال حقيقية‪ ،‬وال يُخالف كذلك‬
‫أنه ال جيوز اإلشارة له بغريها‪ ،‬الخنفاض درجة األنثى عن الذكر وتبعيتها‪،‬‬
‫واخنفاض الدرجة اللغوية للتأنيث عن التذكري‪ .‬حتى إن شرحت كل ذلك‬
‫فسيزددن عِنادا واتهاما للغة باالنتقاص من األنثى وحتقريها‪ ،‬وتبين اإلسالم ذلك‪،‬‬
‫إن مل جيرؤ قائلهم ويقول‪ :‬بل تبنى اهلل نفسه ذلك‪ ،‬فنسب نفسه إىل جنس الذكور!‬
‫فإن انعكست املقاربات املتبعة يف الغرب على مثل تلك األفعال‪ ،‬سيُطالب النسويون‬
‫واللوطيون بإضافة ضمري جديد يصف اإلله‪ ،‬مُحايد جندريا‪ ،‬وإزالة كافة الضمائر‬
‫القدمية من اخلطاب العربي واإلسالمي‪ ،‬مع االصطدام احلتمي بالقرآن والسنة‪،‬‬
‫الذي قد يتأولون وجود اخلطاب اإلهلي فيهما بالصيغ املذكرة‪ ،‬أنه كان مُنزَّال‬
‫جملتمعات بدائية فخاطبهم مبا يفقهون!‬
‫كما توجد حماوالت عربية ملحوظة يف بعض الكتابات‪ ،‬يستخدمها الكثريون دون‬
‫وعي‪ ،‬مبا خيالف أسلوب نظم العربية املعتاد‪ ،‬كأن جتد أحدهم يكتب هكذا‪( :‬هم‪/‬‬
‫هن يسعون للذهاب) فيجمع الكاتب بني الضمريين مع أن الصحيح أن الضمري‬
‫املذكر شامل ومُغنٍّ عن وجوب الكتابة بهذه الصورة العجيبة إال لعلة تستلزم وجوب‬
‫إظهار وجود النساء يف اجلمع الذاهب‪ .‬كذلك جتد البعض اآلخر يُلزم نفسه ذكر‬
‫اجلنسني حيادا يف كتابته مبثل ذلك الشكل (إن رأيته‪/‬ـها فالبد أن تعلم‪/‬ـمي أن ذاك‬
‫من توفيق اهلل)! وال خيفى على متابع للكتابات احلالية املعاصرة انتشار هذا النمط‬
‫بني الشباب‪ ،‬حتى رأيت شاعرا وأديبا فصيحا من أهل العربية يستخدمه مضحيا‬
‫‪117‬‬
‫بتشوه كتابته = سعيا هلذا احلياد! إن ذاك هو أول طرائق تعديل اللغة‪ ،‬ولعلك قد‬
‫أدركت اآلن مل يعملون على هذا احلياد أصال!‬
‫إن انتشار ذلك النمط يف الكتابة ‪-‬وهو منط أعجمي عن العربية‪ -‬يُعدُّ من جناحات‬
‫النسوية يف االخرتاق وهو مُنبئ بكل سوء‪ ،‬خاصةً حينما تشهد تسلله إىل األدباء‬
‫والكتاب اإلسالميني‪ ،‬إذ أن عدم وعي أولئك خبلفية تلك التغيُّرات اللغوية‪ ،‬مُخيفٌ‪،‬‬
‫خاصة إن مل يظهر خطاب مسلم موضِّح ألبعاد تلك املعركة على اللغات وآثارها‪،‬‬
‫فينتشر بني اجلميع ليهلك من هلك عن بينة وعن رضىً ومتابعةً واضحة لدين‬
‫املؤتفكات والنسويات‪ ،‬وجيتنب اهلَلكة املؤمنون‪ .‬وأرجو من اهلل أن يكون ذلك املبحث‬
‫نقطة بداية‪.‬‬
‫يف نهاية هذا البحث أسأل نفسي والقارئ‪ :‬أنشهد تغيريا بنيويا على املستوى اللغوي‬
‫العربي أبعد من ذلك‪ ،‬حتت مسميات التحديث والتقدم ونبذ املدارس الكالسيكية‬
‫التقليدية الرتاثية؟‬
‫أينتبه اللغويون إىل مساعي دعوى (حتييد اللغة) تلك‪ ،‬فيوكزون من يقع يف حبائل‬
‫التقليد نائما؟ أنراهم مشمرين وقوفا متحفزين حلراسة العربية من ذاك االجتياح‬
‫اللوطي كما صنعت األكادميية الفرنسية‪ ،‬املسؤولة عن اللغة يف بالدها‪ ،‬حينما‬
‫وصفت تلك األفعال بالقاتلة للغة‪ ،‬واالحنراف غري املقبول )‪(54‬؟‬
‫أم يشتملهم الرتاخي فال يستفيقون إال بعد سنوات قليلة على كابوس االنفصال‬
‫التام بني لغتهم ولغة األجيال اجلديدة؟‬
‫أينتظرون اختالج املذبوح اآليس أم ينتفضون كالليوث محايةً للغة القرآن؟‬
‫أنكِ ُّر عليهم حبملة مضادة لنشر مصطلحات اللوطية والتخنث‪ ،‬اليت استخدمها‬
‫السلف كابرا عن كابر‪ ،‬مع مصطلحات مشتقة منها ال غري‪ ،‬أم نستسلم يف تلك‬
‫املعركة أمام طوفان االجتياح اللوطي‪ ،‬فنقول (مثلية) كما يطالبون؟‬
‫‪118‬‬
‫إن لفظ الشذوذ اجلنسي مل يعد ذو معنىً‪ ،‬وقد ينقرض جمتمعيا مع الوقت‪ ،‬فإما أن‬
‫ينتهض هلل حزب من املؤمنني ال خياف إال إياه‪ ،‬فينشر املصطلحات الرتاثية‬
‫والشرعية اليت تغيظ الكفار واملرتدين‪ ،‬وتقض مضاجعهم‪ ،‬وجتعلهم كاحلُمُر‬
‫املُستنفرة‪ ،‬أو يتخنث اجلميع فيُردد مصطلحاتهم‪ ،‬وخياطبهم بلغتهم‪ ،‬ثم ال يقضوا‬
‫منه وطرهم إال وهو ذليل‪ ،‬يوصف بالشذوذ!‬
‫أمل يأتك نبأ مرض اخلوف من اللوطية (اهلوموفوبيا)؟ أنت اآلن املريض الشاذ! أنت‬
‫اآلن املُعرض للمحاكمة والسجن إن مل تتُب من شذوذك ومرضك ذاك‪ ،‬سجن قد‬
‫يصل إىل ثالث سنوات يف سويسرا أيها الغافل (‪!)75‬‬
‫إننا إن مل نفرض مصطلحاتنا‪ ،‬سيوشك منوذج اإلسالم ملبنى اللغة على االنقراض‪،‬‬
‫وواجبنا أن نكون حممية اهلل يف أرضه‪ ،‬إبقاءً للفطرة اإلنسانية السليمة‪ ،‬إىل أن يأذن‬
‫اهلل فيندثر دين الباطل‪ ،‬ويُدفن مرة أخرى‪ ،‬بعد زمن طال أو قصر‪ .‬فاحفظ اإلنسانية‬
‫حبفظ مباني اللغة وسالمتها يف وجه طوفان اللوطية والسفول‪.‬‬
‫‪119‬‬
‫ابتغاء العادين‬
‫‪120‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الشريعة واللوطية‪.‬‬
‫ليس عجيبا عدم لقياك يف قصص وأخبار العلمانيني مع الشريعة إال كل خزي‬
‫وشنار‪ ،‬ومل تكن قضية اللوطية إال حلقة جديدة يف سلسلة احلقد والشناءة! وال‬
‫أوجب على املسلمني من فضح ظاهر أولئك‪ ،‬وباطن ما يف حديثهم‪ ،‬الكاشحني‪ ،‬من‬
‫سم ناقع‪.‬‬
‫وقد يكون من سُخف القول يف فصلنا هذا أن نتباحث نهيق القائلني بأن الشرع مل يأت‬
‫بتحريم اللواط بأنواعه‪ ،‬ذاك أن اإلنسان لن يغلب احلمار صوتًا! أال ترى أنك تُسفِّه‬
‫باذل وسعه ومستفرغ إطاقه‪ ،‬يف جدال شر الدواب‪ ،‬وإقناعهم بلهو الصبيان من‬
‫احلسابات والعقليات؟ ومن يُعاب حينئذٍ إال مضيع وقته بتفهيم البهيم؟ ستظل‬
‫البغال بغاال‪ ،‬وسيظل األناس أناسا‪ ،‬وأنا ال أرضى لنفسي وملسلم أن يناقش تلك‬
‫الرُّذاالت‪ ،‬مثل أن اللوطية النسوية مل يأتِ يف شأنها حتريم‪ ،‬وغاب عن ذكرها النص‪،‬‬
‫وأن الفاحشة اليت تدنس بها قوم لوط هي االغتصاب‪ ،‬ال اللواطة برتاضٍ!‬
‫وكيف ال يُسمون بغاال‪ ،‬وقد قالوا هم ذاتهم أن اللوطية واحدة‪ ،‬وأن (مثلية النساء)‬
‫هي هي (مثلية الرجال)‪ ،‬وال مُفرِّق؛ فالفعالن هما حبّ ذات اجلنس وامليل إليه‪،‬‬
‫والنفور عن اجلنس اآلخر؟!‬
‫أبعدما قالوا ذلك‪ ،‬يزعمون أن (مثلية) الرجال هي املُحرَّمة نصًّا‪ ،‬و(مثلية) النساء غري‬
‫مُحرَّمة! كيف يُحرِّم اهلل ذات الفعل من الرجل‪ ،‬ويرضاه من األنثى؟ ألستم القائلني‬
‫بعدم الفارق؟‬
‫فاخلوض يف أمثال تلك النقاشات هذر وخطل‪ ،‬نرتفع عنه‪ ،‬ويشمئز منه ذوو األلباب‪،‬‬
‫أما السفهاء فلن يرضيهم رد األسوياء‪ ،‬وال اعتبار هلم!‬
‫‪121‬‬
‫لذا نقتصر هنا على مناقشة أسئلة العقالء‪ ،‬ملتزمني مذاهب أهل السنة املستحسنة‪،‬‬
‫وطرائقهم احملمودة‪ ،‬ونؤكد أن فيها شفاء الغليل‪ ،‬ونزع سُخمة التائه احلائر‪،‬‬
‫بنظرية كاملة لشهوات اإلنسان وصورتها‪ ،‬وتأطري قوانني عالج تلك األضاليل‪.‬‬
‫وسألتزم ال بعرض خالصة املذاهب وحدها‪ ،‬ومُختصر املباحث واألقوال‪ ،‬بل أرفد‬
‫القارئ ببعض النصوص اليت جئت منها بقولي‪ ،‬يقرؤها بلسانه‪ ،‬ليستخرج بتعمقه‬
‫فوق ما استخلصت‪ ،‬وليقيين أن االطالع على العبارة األصلية يُوقف األذكياء على‬
‫طرائق للفقهاء ودقائق؛ قد ال يستوعبها الناقل‪.‬‬
‫ومل ألتزم عرض كافة املذاهب لكل رأي‪ ،‬لتفاوتها يف مشول املسائل وتشعبها‬
‫وإحاطتها‪ ،‬فبعضها يوسع النقاش واملسائل وبعضها يُضيِّق‪ ،‬كما هو معروف لدارسي‬
‫الفقه املقارن‪ ،‬وكم من كتاب فقهي عمدة يف مذهب‪ ،‬تقرؤه وال تكاد جتد فيه حرفًا‬
‫عن لوطية النساء‪ ،‬لوضوح حرمتها وعدم ذيوعها‪.‬‬
‫وليغفر لي القارئ تقصريي‪ ،‬فإن ظهر مين ضعف يف موضع‪ ،‬فليساحمين‪ ،‬وليعلم‬
‫أني بذلت وسعي‪ ،‬وإن كنت على يقني أن مبحث اللوطية سيُتناوَل خالل السنوات‬
‫القادمة يف املئني من الكتب‪ ،‬وسيُفحص كل حرف ويُسرب كل نَقطٍ وشكل يف كتب‬
‫الفقهاء‪ ،‬ما قد يُغين القارئ عن مبحثي هذا يف زمن قريب! فإىل أن يتم ذلك‪ ،‬أرجو‬
‫أن يستعني القارئ مبا فيه‪.‬‬
‫أوال‪ :‬جبليَّة اللوطية‪.‬‬
‫نستهدف يف مفتتح حبثنا إجابة سؤال يُتداول كثريا تلك األيام‪ ،‬وصورته‪ :‬أتكون‬
‫اللوطية مُركَّبة يف بعض الناس‪ ،‬كما يزعم اللوطيون املعاصرون؟ حيتاج هذا إىل‬
‫حترير‪.‬‬
‫‪122‬‬
‫أوال‪ :‬رأي أهل الشريعة في الجبلية‪.‬‬
‫اتفق أهل الشرع على خمالفة اللوطية ألصل الفطرة واخللقة اإلنسانية‪ ،‬وعلى أن‬
‫اإلنسان قد يُبتلى بشهوة حنو فرد أو ميل لفعل‪ ،‬بزينة الشيطان إياه‪ ،‬فيتخبط قلبه‬
‫بني جنباته مُعذَّبًا = فيُطلَب منه الصرب ومقاومة هذا البالء العظيم‪ ،‬لكن ال يُسلَّم له‬
‫أي زعم وراء ذلك‪.‬‬
‫ويف الشكل الذي رمسته يف حبث اللغة الغناء‪ ،‬فأكرره موجزا‪:‬‬
‫ويتجلى رأي الفقهاء بني ثنايا النقاش الذي دار بني بعضهم‪ ،‬حول مسألتني‪ ،‬أوهلا‪:‬‬
‫إمكان أن تكون اللوطية بالطبع‪ ،‬أي باجلبلة؟ والثانية‪ :‬إمكان وجود اللواط يف اجلنة؟‬
‫يقول أبو يوسف‪" :‬امليل إىل الذكور عاهة وهو قبيح يف نفسه؛ ألنه حمل مل خيلق‬
‫للوطء وهلذا مل ُيبَح يف شريعة‪ ،‬خبالف اخلمر‪ ،‬وهو خمرج احلدث‪ ،‬واجلنة نُزِّهت‬
‫عن العاهات" (‪.)76‬‬
‫‪123‬‬
‫ويقول األكمل احلنفي‪ :‬اللواطة حمرمة عقال وشرعا وطبعا خبالف الزنا‪ ،‬وأنه‬
‫ليس حبرام طبعا‪ ،13‬فكانت أشد حرمة منه‪ ،‬وإمنا مل يُوجِب احلد أبو حنيفة فيها‬
‫لعدم الدليل عليه‪ ،‬ال خلفتها‪ ،‬وتغليظا على الفاعل؛ ألن احلد مُطهِّر‪ ،‬على قول بعض‬
‫العلماء‪.‬‬
‫ويف سؤال‪ :‬أتكون اللواطة يف اجلنة؟‬
‫أُجيب‪:‬‬
‫"إن كان حرمتها عقال ومسعا = ال تكون يف اجلنة‪.‬‬
‫وإن كان مسعا فقط = جاز أن تكون‪.‬‬
‫والصحيح أنها ال تكون فيها = ألنه تعاىل استبعده واستقبحه فقال‪( :‬ما سبقكم بها‬
‫من أحد من العاملني) ومساه خبيثة يف قوله (كانت تعمل اخلبائث)‪ ،‬واجلنة منزهة‬
‫عن اخلبائث" (‪.)76‬‬
‫وعند اخللوتي‪" :‬اللواط قبيح عقال‪ ،‬كما هو قبيح شرعا وطبعا‪ ،‬فلذا كان أقبح من‬
‫الزنى = لعدم قبحه طبعا‪ .‬وحكم هذا النوع عدم الشرعية أصال" (‪.)77‬‬
‫وجاء يف املبسوط‪:‬‬
‫"احلد مشروع زجرا‪.‬‬
‫وطبع كل واحد من الفاعلني = يدعو إىل الفعل يف القبل‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫أي ال زنا‪ ،‬فهو ليس محرما بالطبع والجبلة‪ ،‬إذ أنه ممارسة جنس بين ذكر وأنثى‪ ،‬فال ينفر الطبع عنه حين ينفر‪ ،‬لذاته‪ ،‬بل‬
‫ظا كاألمات واألخوات‪.‬‬
‫لما يقترن به وهو اإلضافة لفاعل ُمحرم تغلي ً‬
‫‪124‬‬
‫وإذا آل األمر إىل الدبر = كان املفعول به ممتنعا من ذلك بطبعه‪ ،‬فيتمكن النقصان‬
‫يف دعاء الطبع إليه" (‪.)78‬‬
‫ثانيا‪ :‬مناقشة قول أهل الشريعة في الجبليَّة‪.‬‬
‫توجد أدلة ال يعزب عن قارئ القرآن درك سبب اجتماع رأي أئمة املسلمني إن تدبرها‪:‬‬
‫• فكيف تكون مُركَّبة يف أصل جبلة بعض البشر‪ ،‬أي مطبوعة فيهم‪ ،‬ومع ذلك‬
‫نصَّ رب العاملني أن قوم لوط كانوا أول اجملرتئني على فعلها؟ قال اهلل سبحانه حكاية‬
‫عن نبيه (ما سبقكم بها أحد من أحد من العاملني)‪.‬‬
‫وال يُعرتض باحتمال حكاية قول لوط؛ إذ أنه مُرسل مُنزَّه عن خطأ مثل تلك احلجة‪،‬‬
‫وحتى إن أخطأ؛ ما كان اهلل سبحانه ليوردها عنه تقريرا‪.‬‬
‫فاآلية دالة على أن ذاك امليل مل يُركَّب يف أصل خلقة البشر‪ ،‬وما كانت بدعة‬
‫اللوطي إال خُلفا للفطرة اإلنسانية املشرتكة‪ ،‬وليس ذلك بالغريب = أمل تر كيف‬
‫ذاع لعق موضع اخلراءة يف بعض سفلة البشر والغربيني‪ ،‬رغم نفور اإلنسانية عن‬
‫ذلك الفعل الشنيع؟! إن ابتداع نواقض الفطر ليس حِكرًا على اللوطيني وحدهم‪ ،‬وال‬
‫يُسلَّم هلم بعدم الناقض جملرد استحسان زمرة من البشر إياه‪.‬‬
‫لقد ركَّب اهلل سبحانه فينا الفطر السليمة املشرتكة‪ ،‬وال يصح إلنسان أن يزعم أن‬
‫شطحاته وفعاله املُنكَرة إنسانيا‪ ،‬واليت أمجع على استبشاعها البشر إال من ندَّ وضل‬
‫= تُلزمنا القول بأن هناك شطرا من اإلنسانية جمبول عليها!‬
‫• ثم أنها لو كانت مُركَّبة مطبوعة‪ ،‬ما احنصر تفشيها يف قوم معينني‪ ،‬قوم لوط‬
‫وحدهم‪ ،‬ومل تكن حينئذ يف موضع آخر = فظهر أن ذيوعها واستعالءها ال يكون إال‬
‫بتبين اجملتمع إياها سواء بالتقريظ واحملاباة أو باملياسرة واملالينة‪ ،‬وذاك كله‬
‫برتويج الشيطان هلا كمبهج حسي مُحرَّم غري عادي‪ ،‬واإلنسان جمبول على تنازع‬
‫‪125‬‬
‫نفسه اإلميان وعلى الكفر يف آن‪ ،‬قال اهلل سبحانه عن النفس‪( :‬فأهلمها فجورها‬
‫وتقواها)‪.‬‬
‫أمل تر تلذذ مجوع الضالني العامدين كسرهم القوانني والشرائع اإلهلية والطبيعية؟‬
‫وهو باب واسع يعرفه ويتيقن من صحة قولنا فيه‪ ،‬صُنَّاع اإلباحية حمقهم اهلل‪ ،‬إذ‬
‫يعلمون أن أفالم مجاع احملارم‪ ،‬كاألب مع ابنته‪ ،‬أو االبن مع أمه أو أخته = تلقى‬
‫رواجا كبريا‪ ،‬كونها تُشبع شهوة التلذذ باإلباحية املُحرّمة‪ ،‬وكلما زادت اإلباحية‬
‫حترميا وشناعةً‪ ،‬زاد ميل النفوس املريضة إليها!‬
‫• إذن املُركَّب املتهم ليس نزعة لوطية خمتصة ببشر دون بشر‪ ،‬بل نزعة شهوانية‬
‫إباحية تعشق هتك أستار احملرمات اجملتمعية والدينية‪ ،‬ويتسلل بها الشيطان لغواية‬
‫بين آدم‪ ،‬وحث أصحابها على النهل من احملرم قدر الوسع‪ ،‬وكلما شعر الشخص‬
‫تزينًا يف عينيه‪ ،‬وتعلَّق قلبه بفعلها‪ ،‬حتى يظن أنه مفطور‬
‫بالندم‪ ،‬كلما زادت الشهوة ُّ‬
‫عليها‪ ،‬خملوق بها! ولعله يوجد لنفسه مسعىً لتخفيف اإلثم‪ ،‬بإقناع عقله أنه‬
‫جمبول مظلوم معذور!‬
‫• ولو كانت مُركبة يف قوم لوط‪ ،‬ما عاقبهم اهلل سبحانه عليها‪ ،‬وإال كان سبحانه‬
‫عاديا باغيا‪ ،‬حاشاه العادل الرحيم؛ إذ كيف يعاقبهم عقابا عظيما مل يُسبق به أحد‬
‫من العاملني‪ ،‬وهم مفطورون على ما نهاهم عنه ووخبهم أن فكروا فيه؟‬
‫وال يُقال إن ذلك من جنس الفطرة على حب اجلماع‪ ،‬إذ أن اهلل سبحانه فطرنا عليه‪،‬‬
‫ثم حرمه إال على أصناف معينة وبأشراط حمددة؛ فقد وُجِّه حب اجلنس إىل‬
‫مصارف شتى‪ ،‬وقُ ِّيد مبا يضبط اجملتمع‪ ،‬ومل ينه عنه مطلقا‪ ،‬ومل يزجر فاعله امللتزم‬
‫مبا يوافق الفطرة‪ .‬أما من خالف‪ ،‬فاستخدم حب اجلنس وسيلة لإلفساد يف األرض‬
‫واإلتيان مبا يناقض فطرة ميل الذكر إىل األنث؛ فذميم خبيث‪ ،‬وخبه اهلل‪ ،‬إذ ال‬
‫تُناقِض فطرةٌ فطرةً أخرى‪ ،‬إمنا تنتظم معها يف سلك الدر‪ ،‬وتُعلَّق على جيد اإلنسان‬
‫‪126‬‬
‫وقاية لقلبه ونظما لشهواته‪ .‬بينما اللوطي الراضي بلوطيته نقض فطرة اجلنس‪،‬‬
‫بفطرة امليل للنوع اآلخر‪ ،‬فقطَّع العقد ونثره‪ ،‬واحنلت شهواته ورانت على قلبه‪ ،‬لذا‬
‫لعنه اهلل وخطَّأه وقبح فعاله‪ ،‬وهذا هو معنى كالم الفقهاء يف غلظ اللوطية عن الزنا‪.‬‬
‫فاللوطية غري مُركَّبة‪ ،‬وال مطبوعة‪ ،‬وال يوجد إنسان يُخلق أنثى يف جسد رجل‪ ،‬وال‬
‫رجل يف جسد أنثى‪ ،‬كما يقول اللوطيون = بل كل إنسان خُلِق خِلقةً كاملة‪ ،‬وأنعم‬
‫اهلل عليه مبا يُسر له‪ ،‬أما ما ابتُلي به البعض من شُو َهةٍ‪ ،‬وهو اخلنثى‪ ،‬فهو من مجلة‬
‫ابتالء اهلل سبحانه لإلنسان‪ ،‬كما يُخلق البعض بال فم‪ ،‬أو بال أطراف‪ ،‬أو بال حواس؛‬
‫بل مصاب أولئك أنكى وأشد من اخلنثى! وسنتعرض للنقاش عنه بعد هنيهة‪.‬‬
‫فرأي السُّنة مُجمِع على قبح اللوطية‪ ،‬وكيف ال يكون‪ ،‬وهي اليت مل تُستحسن بذاتها‬
‫يف كل الشرائع وامللل الربانية؟ كيف وهي اليت مل تُعاجل يف كافة شرائع اهلل إال‬
‫بالعقاب األليم؟‬
‫ودونك رأي بين إسرائيل ومتقدمي النصارى ممن اتبعوهم‪ ،‬إن مل ترتضِ رأي‬
‫املسلمني!‬
‫وذاك من أمنت احلجج على من يقولون بعدم القبح الذاتي للفِعال‪ ،‬وأنها تستمد‬
‫قبحها من سياقها‪ ،‬على ما يف ذلك من نقاش عقدي وكالمي واسع؛ فاللوطية فعل‬
‫قبيح بذاته‪ ،‬مل يُخالف يف ذلك أحد‪ ،‬ثم استنكروا رأي القلة اليت قالت بإمكان وجوده‬
‫يف اجلنة‪ ،‬خلُبثه بنفسه‪.‬‬
‫فكيف يُركِّب اهلل سبحانه يف أنفس بعض البشر ميال قدريا‪ ،‬ال فكاك منه‪ ،‬لفعل‬
‫قبيح خبيث بذاته‪ ،‬وينزع منهم امليل للجنس اآلخر‪ ،‬الذي أمره بامليل إليه؟!‬
‫وحنن إذ نقول بقول السُّنة أن ليست اللوطية مُركَّبة يف أحد؛ إال أننا إن تنزلنا‬
‫وسلمنا هلم أنها مُركَّبة يف البعض؛ فال يعين ذلك جبليتها وطبيعيتها؛ بل تكون من‬
‫نوع البالء الفردي الذي يؤمر بالصرب عليه‪ ،‬كاخلنثى املُشكِل‪ ،‬ويؤجر على صربه يف‬
‫‪127‬‬
‫اآلخرة‪ .‬وإن كان هذا الفرض واهٍ‪ ،‬ليس عليه دليل شرعي‪ ،‬وال علمي بيولوجي‪ ،‬فال‬
‫يصرفن أحد نُهمته إىل البحث يف تلك الفالة‪ ،‬فلن جيد فيه ريًّا لعيمان!‬
‫ثانيا‪ :‬أحكام اللوطية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬حكم استباحة اللياطة‪.‬‬
‫من أباح فاحشة جممع عليها = كفر باهلل‪.‬‬
‫فكل من رأى أن اللوطيني رجاهلم ونسائهم ليسوا مستحقني للعقاب‪ ،‬والزجر‪،‬‬
‫واللعن‪ ،‬وآمن بأحقيتهم يف فعاهلم‪ ،‬ولو مل يكن من الالئطني = فقد كفر باهلل‬
‫سبحانه‪.‬‬
‫وال يدخل يف ذلك من رأى أنهم يستحقون الشفقة والعالج‪ ،‬أو حتى من توقف وآمن‬
‫بإمكان اجلبليَّة‪ ،‬على ابتداع منه يف قوله ذلك = ما دام ال يُنازع يف اإلميان حبرمة‬
‫الفعل‪ ،‬ووجوب عقاب فاعليه‪.‬‬
‫وإمجاع الفقهاء على كفر من أباح الفواحش واحملرمات واخلبائث‪ ،‬مما يعلمه ناشئة‬
‫طالب العلم‪ ،‬وينسب املبحث إىل احلشو إن استفضت يف االستدالل عليه من كتبهم‪،‬‬
‫بل إنك ترى يف العوام من ينفعل عند رؤيته الالطة اجملاهرين بإباحته قائال‪ :‬هذا‬
‫كفر! فإن كان تكفري العامي غري معترب‪ ،‬إال أن بعض أصول الشريعة‪ ،‬ومنها تكفري‬
‫مبيح الفواحش واحملرمات‪ ،‬أقرب لفهم وعقل كل إنسان‪ ،‬وإن مل حيظ بالعلم‬
‫والفقه!‬
‫وهذا أصل كبري يف زماننا‪ ،‬فالبعض حيسب أن الواقع يف اللوطية كافر يف كل‬
‫حال‪ ،‬وأن من مل يقع فيه؛ ال شيء عليه وليس لوطيا = فتوجَّب التذكري بأن فاعل‬
‫اللوطية كافر فقط إن استباحه‪ ،‬قال السرخسي‪" :‬من استحل ذلك الفعل‪ ،‬فإنه‬
‫‪128‬‬
‫يصري مرتدا = فيُقتل لذلك" (‪ .)78‬فإذا كان قد آمن حبرمته‪ ،‬ومل يستبحه = فهو‬
‫مسلم مرتكب لكبرية‪ ،‬نرجو له التوبة واملغفرة متى انتهى واستقام‪ ،‬أما املبيح للوطية‪،‬‬
‫فهو كافر لإلباحة‪ ،‬ال للوطية = فمناط تكفريه إباحته احملرم‪ ،‬ال اللياطة بذاتها‪ ،‬فلو‬
‫أباح اخلمر كان حكمه هو هو‪.‬‬
‫وكم تتأمل قلوبنا حينما نرى األلوف من شباب املسلمني وفتيانهم وكبارهم‪ ،‬يقعون‬
‫يف الردة ليال نهارا‪ ،‬بتأييدهم اللوطية‪ ،‬وحق الالطة نساءً ورجاالً يف احلياة والعالقة‪،‬‬
‫وسخريتهم من الشريعة‪ ،‬وإعراضهم عن األدلة املتناثرة يف كل شق على اإلنرتنت!‬
‫وما كان ذلك إال جهال بفداحة صنيعهم؛ إذ حيسبون أنفسهم يف مأمن‪ ،‬ما داموا هم‬
‫ذاتهم ليسوا من الالئطني!‬
‫وكم من الئط‪ ،‬مل خيرج من اإلسالم‪ ،‬بتسليمه للحرمة‪ ،‬وكم من صوَّام قوَّام‪،‬‬
‫وعابدة زاهدة‪ ،‬قد خرجوا عنه منذ دهور برفضهم التحريم!‬
‫ثانيا‪ :‬حكم اللياطة غير ال ُمستبيحة‪.‬‬
‫اجتمع فقهاء األمة يف تلك املسألة على أمور‪ ،‬وانقسموا يف أخرى‪ ،‬حيسن بنا أن‬
‫نستعرضها جمملة قبل التفصيل‪:‬‬
‫‪ )1‬أمجعوا أال تُساوى اللوطية الذكرية باللوطية النسوية‪ ،‬فحد األوىل أو تعزيرها‬
‫أشد وأنكى‪.‬‬
‫‪ )2‬وأمجعوا أن لوطية النساء ال حد فيها‪ ،‬وكذا فعل اللوطي بصاحبه فيما دون‬
‫اإلدخال‪ ،‬وإمنا احلد حكم كل ما فيه إيالج ذكر حي‪.‬‬
‫‪ )3‬وانقسموا فيما إذا كان العقاب للوطية الذكور حدا أو تعزيرا‪.‬‬
‫‪129‬‬
‫‪ )4‬وانقسموا يف صورة احلد‪ ،‬وكيفية قتل الفاعلني‪.‬‬
‫هذا اإلمجال‪ ،‬أما تفصيل املذاهب فعلى النحو اآلتي‪:‬‬
‫املذهب األول‪ :‬حكم الصحابة‪.‬‬
‫اتفق الصحابة على قتل اللوطيَّني املُحصنني‪ ،‬وخالف عليّ رضي اهلل عنه يف غري‬
‫اللوطي حد الزنا‪.‬‬
‫َّ‬
‫َد‬
‫احملصن‪ ،‬فح َّ‬
‫وخالصة أحكامهم (‪:)78‬‬
‫‪ o‬حُكم أبي بكر الصديق رضي اهلل عنه‪ :‬يُحرقان بالنار‪ ،‬الفاعل واملفعول‪ ،‬بال نظر‬
‫إىل حال اإلحصان‪ ،‬وقد أمر بتنفيذ هذا احلكم يف السبعة الذين وُجدوا على اللواط‪.‬‬
‫‪ o‬حُكم عليّ رضي اهلل عنه‪ :‬يُجلد اللوطيان يف عدم اإلحصان‪ ،‬ويُرمجان يف‬
‫اإلحصان‪.‬‬
‫‪ o‬حُكم ابن عباس رضي اهلل عنه‪ :‬يُصعد باللوطيني إىل أعلى بناء يف القرية‪ ،‬فيلقيان‬
‫من حالق منكوسني‪ ،‬ويُتبعان رمجا باحلجارة إىل املوت‪ .‬وغرض تلك الصورة‬
‫حماكاة عذاب أسالفهم قوم لوط‪.‬‬
‫‪ o‬حُكم ابن الزبري‪ :‬يُحبسان يف أننت موضع‪ ،‬حتى ميوتان يف نتنهما‪.‬‬
‫ومل يأتِ أثر هلم عن اللوطية النسوية‪ ،‬والظاهر عدم تصورهم إياها من األصل‪ ،‬إذ‬
‫أن لوطية الذكران ذاتها كانت من الغرائب عند العرب؛ فكيف بلوطية النسوة؟‬
‫‪130‬‬
‫املذهب الثاني‪ :‬حكم األحناف‪.‬‬
‫أوال‪ :‬حكم اللوطية الذكرية‪.‬‬
‫انقسموا يف لوطية الذكور بني رأيني‪.‬‬
‫الرأي األول‪ :‬مذهب اإلمام أبي حنيفة‪.‬‬
‫وهو أن حكم فاعلي اللوطية التعزير ال احلد‪.‬‬
‫مل؟ يرى أبو حنيفة رمحه اهلل أن اللوطية ال ترادف الزنا وال تدخل يف معناه‪ ،‬كما‬
‫أن الصحابة أمروا بقتل الالطة بطرق خمتلفة‪ ،‬ولو كان داخال يف معنى الزنا ملا‬
‫اجتهدوا يف حتديد طريقة العقاب‪.‬‬
‫وعليه رفض أن يكون عقاب اللوطي حدا‪ ،‬وقال‪ :‬بل يُعاقَب تعزيرا‪ ،‬وما زاد عن ذلك‬
‫من عقاب فموكول التقدير لإلمام سياسةً‪ ،‬فإن شاء قتله‪ ،‬إن اعتاد على ذلك‪ ،‬وإن‬
‫شاء اكتفى بضربه وحبسه‪.‬‬
‫واخ ُتلِف بعد ذلك يف قدر التعزير للوطي؛ فقال بعض األحناف مبذاهب الصحابة‬
‫مثل حرق اللوطي‪ ،‬أو هدم جدار عليه‪ ،‬أو قذفه من شاهق متبوعا باألحجار؛ وقالوا‪:‬‬
‫عند أبي حنيفة يُعزَّر مبثل هذا‪.‬‬
‫وقال البعض اآلخر‪ :‬بل يُجلد اللوطي أو يُحبس حتى املوت أو التوبة‪.‬‬
‫ثم أطبقوا أن فاعل اللواط إن اعتاده = قتله اإلمام‪ ،‬ويكون ثبوت االعتياد باملرة الثانية‪.‬‬
‫نقل احلصكفي عن التعزير‪( :‬بنحو اإلحراق بالنار وهدم اجلدار والتنكيس من حمل‬
‫مرتفع باتباع األحجار‪ .‬ويف احلاوي‪ :‬واجللد أصح‪ ،‬ويف الفتح‪ :‬يعزر ويسجن حتى‬
‫ميوت أو يتوب‪ ،‬ولو اعتاد اللواطة قتله اإلمام سياسة) (‪ .)76‬وعلق ابن عابدين‪( :‬يف‬
‫حكم اللواطة‪ :‬قوله بنحو اإلحراق‪ ،‬إخل = متعلق بقوله يعزر‪ .‬فعند أبي حنيفة يعزر‬
‫‪131‬‬
‫بأمثال هذه األمور‪ ..‬والرأي إىل اإلمام فيما إذا اعتاد ذلك‪ ،‬إن شاء قتله‪ ،‬وإن شاء ضربه‬
‫وحبسه‪.‬‬
‫وال حيد عند اإلمام إال إذا تكرر فيقتل على املفتى به‪ ..‬والظاهر أنه يقتل يف املرة‬
‫الثانية لصدق التكرار عليه‪ ..‬ثم ظاهر عبارة الشارح أنه يعزر باإلحراق وحنوه ولو‬
‫يف عبده وحنوه‪( ..‬قوله والتنكيس إخل) قال يف الفتح‪ :‬وكان مأخذ هذا أن قوم لوط‬
‫أهلكوا بذلك حيث محلت قراهم ونكست بهم‪ ،‬وال شك يف اتباع اهلدم بهم وهم نازلون‪..‬‬
‫وتكلموا يف هذا التعزير من اجللد ورميه من أعلى موضع وحبسه يف أننت بقعة وغري‬
‫ذلك سوى اإلخصاء واجلب واجللد) (‪[ )76‬بتصرف يسري من ابن عابدين]‪ .‬ونقل ابن‬
‫جنيم أنه يودع يف السجن‪ ..‬حتى ميوت أو يتوب‪ ،‬ولو اعتاد اللواطة قتله اإلمام حمصنا‬
‫كان أو غري حمصن‪ ،‬سياسة (‪.)79‬‬
‫الرأي الثاني‪ :‬مذهب اإلمامني أبي يوسف والشيباني‪.‬‬
‫وقد خالفا اإلمام أبا حنيفة فيما استنتجه من فعل الصحابة‪ ،‬قاال قد أمجع الصحابة‬
‫على قتل اللوطي‪ ،‬واختلفوا فقط يف طريقة القتل؛ فكيف يُكتفى بالتعزير وحده‪،‬‬
‫ويُتأوَّل لقضاء الصحابة بأنه مل يكُن حدًّا؟‬
‫وعليه قاال بأن اللوطية داخلة حتت معنى الزنا يف كون املُحصن يستحق الرجم‬
‫وغري احملصن يُجلد ويُغرَّب‪ .‬فهو "عندهما كالزنا يف احلكم فيجلد جلدا إن مل يكن‬
‫أحصن‪ ،‬ورمجا إن أحصن" (‪ .)76‬وقد "قال أبو يوسف وحممد رمحهما اهلل تعاىل‪:‬‬
‫اتفقت الصحابة‪ ،‬رضي اهلل عنهم‪ ،‬أنه ال يسلم هلما أنفسهما‪ ،‬وإمنا اختلفوا يف كيفية‬
‫تغليظ عقوبتهما فأخذنا بقوهلم فيما اتفقوا عليه ورجحنا قول علي‪ ،‬رضي اهلل عنه‪،‬‬
‫‪132‬‬
‫مبا يوجب عليهم من احلد" (‪ )78‬واحلد الذي قال به عليّ رضي اهلل عنه هو اجللد‬
‫لغري احملصنني‪ ،‬والرجم للمحصنني‪.‬‬
‫وقد أحسن ابن أبي العز احلنفي رمحه اهلل‪ ،‬يف رده على رأي بعض األحناف القائلني‬
‫بأن احلد خص الزنا ألن خطورته أكرب من اللواط‪ ،‬فالزنا يتسبب يف خلط األنساب‪،‬‬
‫وليس كذلك يف اللواط‪ .‬يقول‪" :‬إنه إن مل يكن يف معنى الزنا من هذا الوجه ففيه‬
‫خصال من القبح تربو على الزنا من وجوه‪ ،‬منها أن بعض الفسقة يستغين به عن‬
‫النساء بل يفضله على إتيان النساء خمافة من جميء الولد‪ ،‬فيفوت بسبب ذلك‬
‫التناسل املطلوب من التناكح ويفوت التحصني املطلوب منه أيضًا فيفضي إىل‬
‫استغناء املرأة باملرأة كما استغنى الرجل بالرجل‪.‬‬
‫ومنها أن الداعي ملا مل يكن يف اللواط من اجلانبني‪ ،‬فقد يفضي إىل أن املفعول به‬
‫يعمل على قتل الفاعل‪ ،‬وينشأ من قتله إياه التقاتل والعداوة والبغضاء الذي هو أردى‬
‫وجوه الفساد‪ ،‬ألنه ملا مل يكن له داع إىل الفعل؛ فمطاوعته له إما ملا يعطيه من السُّحت‪،‬‬
‫أو خلوفه منه‪ ،‬أو حنو ذلك = فكان هذا الفعل أوىل بشرع الزاجر من الزنا‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن النفوس اخلبيثة‪ ،‬املتعدية حدود اهلل‪ ،‬أقوى الدواعي إىل ذلك = فاحلد فيه‬
‫أوىل من احلد يف الزنا‪ ،‬وهذا يُعلم من أشعارهم‪ ،‬فإن فيها ما يدل على ما انطوت عليه‬
‫ضمائرهم الفاسدة من تفضيلهم إياه على الوطء يف القبل‪ .‬وهلذا رأى كثري من‬
‫الصحابة والتابعني ومن بعدهم أن حده الرجم مطلقًا‪ ،‬بل أكثرهم على ذلك‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن تلك النطفة اخلبيثة إذا حصلت عند املفعول به فسدت وغريت طباعه إن‬
‫مل يتداركه اهلل برمحته‪ ،‬وإال فسد فسادًا ال يرجى بعده له صالح‪ ،‬وهلذا يقال‪ :‬ال‬
‫يشرتي هذه البضاعة إال من باعها‪ ،‬أي من فعل به يف حال صغره فعل هو بغريه يف‬
‫حال كربه‪ ،‬ومال بطبعه إىل ذلك الفعل القبيح" (‪.)80‬‬
‫‪133‬‬
‫ثانيا‪ :‬حكم اللوطية النسوية‪.‬‬
‫وحكم لوطية النساء هو التعزير‪ ،‬لكن اتساع معنى التعزير عند األحناف قد يُدخل‬
‫فيه ما ال يُدخِله غريه من املذاهب‪ ،‬أيُمكن لإلمام أن يقتل الطة النساء تعزيرا أو‬
‫سياسةً‪ ،‬إن رأى فُحش شرِّهن؟ فليُبحث ذلك على األصول احلنفية من أحناف‬
‫الفقهاء املعاصرين املعتربين املتجردين‪ ،‬ممن ال يلهجون بالغرب وال يولعون بسائد‬
‫معتقد زمانهم اخلرِب‪ ،‬بصفاتهم املذكورة يف نهاية املبحث‪.‬‬
‫املذهب الثالث‪ :‬حكم املالكية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬حكم اللوطية الذكرية‪.‬‬
‫قالوا برجم اللوطي البالغ غري املُكرَه فاعال كان أو مفعوال‪ ،‬حمصنًا أو غري مُحصن‪.‬‬
‫يقول احلطاب الرُّعيين‪" :‬الالئط حكمه الرجم مطلقا سواء كان حمصنا أو غري‬
‫حمصن فإن كانا بالغني رمجا معا‪ ،‬وإن كانا غري بالغني فال رجم عليهما‪ .‬وإن كان‬
‫الفاعل بالغا واملفعول به غري بالغ فليُرجَم الفاعل‪ ،‬وإن كان الفاعل غري بالغ‬
‫واملفعول به بالغا فال يُرجَم الفاعل‪ ،‬وانظر حكم املفعول به‪ ..‬قال اجلزولي‪ ..‬الظاهر‬
‫أنه ال يرجم ألن وطء غري البالغ كال وطء" (‪.)81‬‬
‫ويقول الزرقاني‪" :‬الئط وملوط به؛ فريمجان مطلقًا أحصنا أم ال‪ ..‬وال يدخل يف‬
‫اإلطالق بالغني أو غري بالغني‪ ،‬طائعني أو مكرهني = ألنه يشرتط يف رجم الفاعل‬
‫كونه مكلفًا‪ ،‬ويف رجم املفعول تكليفه وطوعه‪ ،‬وكون واطئه بالغًا وإال مل يرجم‬
‫املفعول وإمنا يؤدب غري املكرَه أدبًا شديدًا" (‪.)82‬‬
‫‪134‬‬
‫ويقول الدردير‪" :‬وإن كان وطء املكلف املسلم فرج اآلدمي لواطا‪ ،‬أي إدخاله احلشفة‬
‫يف دبر ذكر = فيسمى زنا شرعا وفيه احلد" (‪ )83‬ويقول الدسوقي يف حاشيته‪:‬‬
‫"احلاصل أن املشرتط يف حد اللواط‪ ،‬وهو الرجم = بالنسبة للفاعل تكليفه‪ ،‬وأما‬
‫بالنسبة للمفعول فتكليفه وتكليف الفاعل معا‪ ،‬وأما اإلسالم فال يشرتط يف واحد‬
‫منهما كما يأتي يف قول املصنف‪ ،‬وإن عبدين أو كافرين" (‪.)83‬‬
‫ثانيا‪ :‬حكم اللوطية النسوية‪.‬‬
‫أما اللوطية النسوية (ويسمونها‪ :‬املُساحَقة) فقالوا بالتعزير وتأديب الفاعلة‪،‬‬
‫ويُدخِلون مُساحقة فاعلني ذكرين إن كان بال إيالج‪ ،‬فهو من ذات الباب‪ .‬قال الشيخ‬
‫الزرقاني‪" :‬املساحقة‪ :‬ليست بزنا ألنه ال إيالج فيها‪ ،‬وأُدِّب فاعله اجتهادًا أي باجتهاد‬
‫احلاكم" (‪ .)82‬وقال الشيخ الدردير‪" :‬ال مُساحقَة لعدم اإليالج‪ :‬وهو فعل النساء‬
‫بعضهن ببعض‪ ،‬فال حد على فاعله منهن‪ ،‬وأدب اجتهادا أي باالجتهاد من احلاكم"‬
‫(‪ ،)83‬وقال ابن عرفة‪" :‬عقوبة املتساحقني أدبًا حبسب اجتهاد اإلمام على ما يرى من‬
‫شنعة ذلك‪ ،‬وخبثهما‪ ،‬أو خبمسني مخسني‪ ،‬وحنوها" (‪.)84‬‬
‫‪135‬‬
‫املذهب الرابع‪ :‬حكم الشافعية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬حكم اللوطية الذكرية‪.‬‬
‫قالوا بالرجم للمحصن وجلد غري احملصن إضافة إىل تغريبه‪ ،‬فهو كحد الزنى سوا ًء‬
‫بسواء‪ ،‬قال النووي يف املنهاج‪" :‬دبر ذكر أو أنثى كقبل على املذهب" (‪.)85‬‬
‫وقال البعض أن اللوطي يُقتل على كل حال‪ ،‬دون اعتبار اإلحصان‪ ،‬وقيل بأن عليه‬
‫التعزير‪ .‬قال اخلطيب‪" :‬يف قول‪ :‬يُقتل حمصنا كان أو غريه‪ ،‬حلديث من وجدمتوه‬
‫يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل واملفعول به‪ ،‬رواه أبو داود والرتمذي وابن ماجه‬
‫وصحح احلاكم إسناده‪ .‬وعلى هذا يُقتل بالسيف كاملرتد‪ .‬وقيل إن واجبه التعزير‬
‫فقط كإتيان البهيمة" (‪.)86‬‬
‫وقد فرق الشافعية يف احلكم بني الفاعل واملفعول به‪ ،‬فالفاعل يف معتمد املذهب‬
‫يعامل كالزاني يف حالتيه‪ :‬اإلحصان وعدم اإلحصان‪ ،‬بني رجم أو جلد مع تغريب‪.‬‬
‫واملفعول به املكلَّف املُختار يُجلد ويُغرَّب وال يُرجم‪ ،‬ألنهم يعتقدون أن الدُبر ال يتصور‬
‫فيه إحصان‪ ،‬قال اخلطيب‪" :‬أما املفعول به فإن كان صغريا أو جمنونا أو مكرها فال‬
‫حد عليه‪ ،‬وال مهر له؛ ألن منفعة بضع الرجل غري متقومة‪ .‬وإن كان مكلفا خمتارا‬
‫جلد وغرب حمصنا كان أو غريه‪ ،‬سواء أكان رجال أم امرأة؛ ألن احملل ال يتصور‬
‫فيه إحصان" (‪ .)86‬وعليه كان التفريق بني الفاعل واملفعول به مبنيًّا على أن مواضع‬
‫اإلحصان هي‪ :‬فرج الرجل‪ ،‬وفرج األنثى؛ فهما تعلة الرجم = وملا كان الدبر خارجا‬
‫عنهما‪ ،‬نُفي عن املوطوء فيه الرجم‪.‬‬
‫‪136‬‬
‫ثانيا‪ :‬حكم اللوطية النسوية‪.‬‬
‫أما اللوطية النسوية‪ ،‬فلم يعاملوها معاملة الزنا أو اللواط‪ ،‬ألن التعريف ركنه إيالج‬
‫ذكر حي مُشتهىً‪ ،‬واللوطية النسوية ال إيالج فيها ابتداءً‪ ،‬وحتى يف حال اختاذ إحدى‬
‫اللوطيات ذكرا مصنوعا تلجه يف األخرى‪ ،‬فإنه يفقد صفيت احلياة واالتصال‬
‫بآدمي‪ ،‬وهما شرطا التوصيف بالزنا‪ ،‬فلما تعذر حدوث ذاك‪ 14‬كان توصيف اللوطية‬
‫النسائية بالزنا‪ ،‬طبقا للشافعية = غري ممكن‪ ،‬وبالتالي جعلوا عقوبة اللوطية النسوية‬
‫هي التعزير ال احلد‪ .‬والتعزير هو عقوبة ملعصية بال حد وال كفَّارة‪ ،‬وهو يرتاوح عند‬
‫الشافعية بني التوبيخ ‪ -‬عندما ال يتعلق الفعل حبق آدمي‪ -‬والضرب واحلبس‪،‬‬
‫وللقاضي اجلمع بينهما على أال يزيد احلبس عن سنة كما أن لإلمام أو القاضي‬
‫إضافة اإلهانة اليت تصل إىل الصلب حيا أمام الناس والتشهري بالفاعل أو الفاعلة‬
‫إىل التعزير‪ ،‬وأشد الضرب ال يزيد عن أربعني جلدة‪ ،‬ومنه النفي (‪.)86‬‬
‫املذهب اخلامس‪ :‬حكم احلنابلة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬حكم اللوطية الذكرية‪.‬‬
‫اختلفوا على الرأيني التاليني‪:‬‬
‫الرأي األول‪ :‬رأي حد الزنا‪.‬‬
‫قال اجلمهور‪ :‬حكم لوطية الذكور حدُّ الزنا‪ ،‬اجللد والتغريب لغري املُحصن‪ ،‬والرجم‬
‫للمُحصن‪ ،‬ومل يُفرقوا بني الفاعل واملفعول‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫ذكر حقيقي للمرأة‪ ،‬وحينها ستتشعب‬
‫إلى الوقت الحالي‪ ،‬وربما تطورت الجراحات والطب إلى الحد الذي ُيمكن من تخليق ٍ‬
‫فستعامل على أصل خلقتها‪ :‬أنثى‪ ،‬ولكنها لن تكون لوطية نسوية مستحقة للتعزير‬
‫المسائل المتفرعة عن ذلك إلى حد مدهش‪ُ ،‬‬
‫فيضاف حينئذ المزيد من المسائل والتفريعات الفقهية‪ ،‬المستحدثة التي لم ُتتصور‬
‫فقط‪ ،‬بل ستكون قد امتلكت ذك ار حيا ُمشتهى‪ُ ،‬‬
‫قبال‪ ،‬وسأناقش كل ذلك قريبا!‬
‫ً‬
‫‪137‬‬
‫يقول احلجاوي يف اإلقناع‪" :‬حد اللواط‪ :‬الفاعل واملفعول به؛ كزانٍ وال فرق بني أن‬
‫يكون يف مملوكه أو أجنيب أو أجنبية فإن وطئ زوجته أو مملوكته يف دبرها فهو‬
‫حمرم وال حد فيه‪ .‬وحد زان بذات حمرم؛ كالئط" (‪ ،)87‬ويقول البهوتي‪" :‬وحد‬
‫اللواط الفاعل واملفعول به كزان‪ ،‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬إذا أتى الرجل الرجل‬
‫فهما زانيان؛ وألنه فرج مقصود باالستمتاع = فوجب فيه احلد كفرج املرأة‪ :‬فإن كان‬
‫جلِد حر مائة وغرب عاما" (‪.)88‬‬
‫حمصنا رجم‪ ،‬وإال ُ‬
‫ويقول الفتوحي يف منتهى اإلرادات‪" :‬ولوطي‪ ،‬فاعل ومفعول به = كزان" (‪.)77‬‬
‫الرأي الثاني‪ :‬رأي القتل مُطلقا‪.‬‬
‫وقال غريهم من األئمة أن اللوطي يُقتل فاعال كان أم مفعوال‪.‬‬
‫قال املرداوي يف اإلنصاف‪" :‬حد اللوطى‪ ،‬يعنى الفاعل واملفعول به‪ :‬كحد الزانى سواء‪.‬‬
‫هذا املذهب‪ .‬وعنه‪ ،‬حده الرجم بكل حال‪ .‬اختاره الشريف أبو جعفر‪ ،‬وابن القيم رمحه‬
‫اهلل‪ ،‬فى كتاب الداء والدواء‪ ،‬وغريهما‪ .‬وقدمه اخلرقى‪ .‬قال ابن رجب فى كالم له‬
‫على ما إذا زنى عبده بابنته‪ :‬الصحيح‪ ،‬قتل اللوطى‪ ،‬سواء كان حمصنا أو غري‬
‫حمصن‪ .‬ونقل ابن القيم رمحه اهلل‪ ،‬فى السياسة الشرعية‪ ،‬أن األصحاب قالوا‪ :‬لو رأى‬
‫اإلمام حتريق اللوطى‪ ،‬فله ذلك‪ .‬وهو مروي عن أبى بكر الصديق ومجاعة من‬
‫الصحابة‪ ،‬رضى اهلل عنهم" [بتصرف يسري] (‪.)89‬‬
‫‪138‬‬
‫ثانيا‪ :‬حكم اللوطية النسوية‪.‬‬
‫أما لوطية النساء‪ ،‬فالتعزير‪ .‬قال احلجاوي‪" :‬إن وطئ دون الفرج‪ ،‬أو تساحقت‬
‫امرأتان‪ ،‬أو جامع اخلنثي املشكل بذكره‪ ،‬أو جومع يف قبله‪ ،‬فال حد وعليهم التعزير"‬
‫(‪ .)87‬وقال‪" :‬التعزير‪ :‬وهو التأديب وهو واجب يف كل معصية ال حد فيها وال‬
‫كفارة‪ :‬كاستمتاع ال يوجب احلد وإتيان املرأة املرأة" (‪ .)87‬وقال اخللوتي‪" :‬وعليهم‪،‬‬
‫أي الواطئ دون الفرج واملوطوءة كذلك‪ ،‬واملتساحقتني واخلنثى املشكل إذا جامع أو‬
‫جومع يف قبله‪ :‬التعزير‪ ،‬الرتكابهم تلك املعصية" (‪.)88‬‬
‫وخالصة أحكام اللوطية النسوية فيمن مل يستبحنها‪ :‬اإلمجاع يف املذاهب كلها على‬
‫وجوب التعزير‪ ،‬وأنهن فاسقات‪ ،‬واالختالف بينهم كائن يف صورة التعزير املمكنة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬علة تفاوت العقوبة بني اللوطيتني‪.‬‬
‫نفرد هنا موضعا إلجابة سؤال متداول عن سبب اختالف عقوبة اللوطية بني‬
‫اجلنسني‪ :‬أال يعين اختالف عقوبة اللوطية النسوية عن نظريتها الذكورية أن‬
‫األوىل أهون شأنًا؟‬
‫‪139‬‬
‫ذاك سؤال مهم‪ ،‬ألن بعض اللوطيات يزعمن أن اللوطية النسوية ملا مل يكن هلا حد‪،‬‬
‫وملا غاب عنها الذكر يف حديث صحيح = كان يعين ذلك حِلها‪ ،‬أو كونها معصية‬
‫خفيفة‪!15‬‬
‫وهو زعم حيتاج ابتداءً إىل شرح فلسفة الفقهاء يف باب احلدود‪ ،‬خاصةً يف عقوبات‬
‫الزنا‪ ،‬ثم بعد ذلك نقاش هذا الزعم‪.‬‬
‫أوال‪ :‬فلسفة الفقهاء في حد اللوطية‪.‬‬
‫شُيِّدت فلسفة الفقهاء يف قضية تغليظ عقوبة الزنا وما تفرع منها‪ ،‬على عمادين‪:‬‬
‫األول‪ :‬اإليالج‪ ،‬والثاني‪ :‬اختالط األنساب‪.‬‬
‫أما األول‪ ،‬فيلزم فيه إيالج العضو الذكري‪ ،‬وعليه كان وجود ذكر احلي يف املسألة‬
‫هو مدار احلدود؛ فما غاب عنه إيالج غاب عنه احلد = إذ أن احلدود أعلى العقوبات‬
‫وأنكاها‪ ،‬لذا حترز الفقهاء من إدخال كل مشكوك فيه إىل نطاقها‪ ،‬إعماال لقاعدة‬
‫إسالمية فقهية حاكمة كربى‪ ،‬جاءت من حاكم الفقهاء‪ ،‬النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وهي‪( :‬درء احلدود بالشبهات) = فكل ما مل يثبت صراحةً باتفاق أهل العلم‬
‫والنصوص الواضحات‪ ،‬مل جيرؤ فقيه على إدخاله يف باب احلدود‪.‬‬
‫والنصوص متفقة على أن كل ما وقع فيه حد وُجِد فيه العضو الذكري‪ ،‬فهو (آلة‬
‫الزنا) واللواط الذكري كذلك‪ ،‬وليس هذا حال اللوطية النسوية‪ ،‬فلم يثبت من‬
‫قول صحيح ثابت للنيب أو الصحابة ما يُستدل به على اعتبارها موجبة للحد‪ ،‬وعليه‬
‫خرجت لوطية النساء من هذا الباب‪ ،‬ومل يساويها الفقهاء بلوطية الذكورية‪ ،‬فقد‬
‫غابت (اآللة) فغاب احلد‪ ،‬وهو اجلزء املُتفق عليه يف كل ما وصل إليهم من اآلثار‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫سي ِّ‬
‫حرمنها!‬
‫كأنما لو كان لها حد أو ُذكرت في القرآن والسنة كن ُ‬
‫‪140‬‬
‫أما الثاني‪ ،‬فمعناه أن اختالط األنساب كان من أسس العقوبة الغليظة على الزنا‪،‬‬
‫حيث يفسد اجملتمع ويرتبك ويعيش أزمة هوية عميقة لكل إنسان فيه ولد من الزنا‪،‬‬
‫وهو أمر ماثل أمام أعيننا يف الغرب الزنَّاء املعاصر‪ ،‬فكان هذا عمادا للحد‪ ،‬وقد حتدث‬
‫الفقهاء كذلك عن كون (هدر املياه) موجبا للحد على اللوطي‪ ،‬باعتباره نوع إفساد‬
‫للمجتمع‪ ،‬وال أرى تلك حجة صحيحة تفسريا إلحلاق اللوطي بقائمة احملدودين‬
‫بالقتل‪ ،‬فاملستمين ال يُحدُّ وهو هادر كذلك‪ ،‬إمنا التفسري هو أن اللوطية فاحشة‬
‫كربى تُشيع اللعنتني‪ :‬اخلنوثة يف الرجال والرتجل يف النساء‪ ،‬وتدمر اجملتمع حيث‬
‫يكتفي الرجال بالرجال‪ ،‬ما يودي بالنساء إىل مشابهة الرجال يف فعلهم لتحقيق‬
‫كفايتهم‪ ،‬فيكون هذا إفسادا لكافة اجملتمع وقد تقدم قول ابن أبي العز احلنفي‬
‫رمحه اهلل‪ .‬كما أن لوطية الذكور ألصق بفاعليها‪ ،‬فبني األطراف األربعة يف‬
‫العالقات اللوطية‪ :‬الفاعل واملفعول به‪ ،‬والفاعلة واملفعول بها‪ ،‬تتمثل أخطر حالة يف‬
‫املفعول به من الناحية اجلسدية والنفسية‪ ،‬والفاعلة األنثى اليت تعتاد اشتهاء النساء‪،‬‬
‫اللواتي خُلقن موضعا للفتنة من األصل‪ ،‬وسنناقش ذلك يف مبحث العلوم‪.‬‬
‫وعليه كان النظر إىل اللوطية من جهة قبح الفعل واآلثار الواردة بالقتل‪ ،‬ال من‬
‫جهة اختالط األنساب = وملا كان األمر كذلك كانت اللوطية النسوية‪ ،‬اليت ليس‬
‫فيها خلط لألنساب‪ ،‬أقل درجتني يف األثر اجملتمعي عند الفقهاء من الزنا‪ ،‬وأقل درجة‬
‫من اللوطية الذكورية املنصوص على عقوبة فاعلها‪ ،‬وإن كانت داخلة حتت طائلة‬
‫العقاب ألنها من جنس اللوطية وإن تدنت خطورةً‪ ،‬لكن العقاب يكون يف هذه احلالة‬
‫تعزيري ال حدّي التزاما باملبدأ الكلي (درء احلدود) وهو الساعي ملنع إدخال ما ال قطع‬
‫يف مظهر وشكل عقوبته حتت باب احلدود‪.‬‬
‫‪141‬‬
‫ثانيا‪ :‬فقه نظرية اإلسالم العقابية‪.‬‬
‫يلزم كذلك درك أن نظرية اإلسالم العقابية مل تربط اإلثم بالعقوبة دوما‪ ،‬فال نوع‬
‫العقوبة الدنيوية مرتبط أبدا‪ ،‬وال حجم العقوبة الدنيوية كذلك‪.‬‬
‫وتلك قاعدة نفيسة عميت عنها اللوطيات فظنن أنهن قد وقفن على احلجة الباهرة!‬
‫فالشتم املقذع يوجب التعزير‪ ،‬بينما احلسد واحلقد ومتين الشر ال يوجبه‪ ،‬هذا واألول‬
‫دون الثاني يف اإلثم‪ ،‬فقد يكون اإلنسان حممود السرية‪ ،‬حسن السريرة‪ ،‬لكنه إذ‬
‫يصاب بالغضب يفقد اتزانه فيسب ويشتم = هنا يُعاقب مبا قد يصل إىل اجللد إن‬
‫قذف‪ ،‬بينما الثاني احلاقد احلاسد الشرير نفسا الساكن سلوكا ظاهرا‪ ،‬ال يُعاقب يف‬
‫الدنيا على عظم إمثه وجرمه يف حق املسلمني مقارنة بسابقه‪ ،‬ولكنه مُرتكب لكبرية‬
‫هلا عذاب أخروي‪.‬‬
‫كذلك ليس للغيبة حد‪ ،‬وإن كان هلا عقاب عظيم يف اآلخرة‪ ،‬وليس لعدم التنزه‬
‫من البول حد‪ ،‬وإن كان مستحقا للعذاب يف القرب‪ ،‬وليس لليمني الغموس حد‪ ،‬وإن‬
‫كانت مستحقة للعذاب الشديد يف اآلخرة = فثبت أن اإلقران بني احلد وبني حجم‬
‫اجلرمية غري الزم كما هو احلال يف التقسيم العقابي القانوني املعاصر‪ ،‬والذي‬
‫جلنَح‬
‫قسَّمه القانونيون يف مصر مثال إىل ثالثة أنواع من اجلرائم‪ :‬اجلنايات وا ُ‬
‫واملخالفات‪ ،‬فكلما ارتفعت اجلرمية ارتفع حجم العقاب؛ فكانت اجلنايات كالقتل‬
‫جلنَح كالسب واملشاجرات‪ ،‬وهو التقسيم الذي استقر يف وجدان العلمانيني‬
‫غري ا ُ‬
‫فتوهموا أن اإلسالم هو اآلخر مُطَّرِد األخذ بهذا التقسيم التدرجيي! وليس احلال‬
‫كذلك‪ ،‬فالراشي واملرتشي ملعونان مرتكبان لكبرية عظيمة‪ ،‬وال حد عليهما إمنا‬
‫التعزير باجتهاد اإلمام‪ ،‬بينما القاذف يُحد = أما يف القانون فالقذف جنحة والرشوة‬
‫جناية‪ ،‬وعقاب الثاني أكرب بكثري من عقاب األول‪.‬‬
‫فال تنتهي عقوبات اإلسالم يف الدنيا وال ترتبط بها وحدها‪ ،‬بل متتد بال نهاية يف‬
‫الدارين‪ ،‬وهو ما تشكَّلت عليه أفئدة الفقهاء وعلماء اإلسالم وألبابهم؛ فالزاني بشبهة‬
‫‪142‬‬
‫يفلت من احلد‪ ،‬لكنهم يؤمنون بأن علمه بتلك الشبهة أو جهله هو أمر بني اهلل‬
‫والفاعل كليهما‪ ،‬وعليه مل يعنِ إسقاط احلد عليه دنيويا أنه لن يُعذَّب يف اآلخرة إن‬
‫كان عاملا مبوطن الشبهة زانيا بقصد وعمد‪ ،‬بل يكون قد مجع عليه عقابا أبديا‬
‫أكرب‪ .‬فنطاق العقوبات يف اإلسالم خيتلف عن النطاق العلماني الدنيوي يف أمرين‪:‬‬
‫أوهلما‪ :‬املدى‪ ،‬فالعلمانية دنيوية العقوبات‪ ،‬وجتحد كل ما وراء ذلك‪ ،‬وعليه صُمِّمت‬
‫عقوباتها كي تكون ذات تدريج واحد يؤذي من يعتربه املشرعون خمطئًا بصور‬
‫متدرجة يف تسلسل منطقي مناسب‪ ،‬بينما املدى اإلسالمي له تدريج آخر‪ ،‬فهناك من‬
‫العقوبات ما كان أخرويًّا ال دنيويًّا كاألمثلة اليت ذكرناها‪ ،‬واملبدأ األصلي أن‬
‫عقوبات اآلخرة أنكى‪ ،‬فهي من حيث الشدة ال يُقارَن أخفها بأقسى عذاب وُجِد يف‬
‫الدنيا‪ ،‬ومن حيث املدة إما ال نهائية أو مؤقَّتة‪ ،‬واملؤقَّتة منها (مثل عذاب املسلمني‬
‫مرتكيب الكبائر) تفوق زمنا أطول زمن عقابي يف الدنيا = وعليه جلأ املسلمون يف‬
‫بعض األحيان إىل إيقاع احلد على أنفسهم يف الدنيا‪ ،‬كمن اعرتفا بالزنا يف عهد‬
‫النيب لريمجهما‪ ،‬فبالرغم من أنها أنكى العقوبات الشرعية‪ ،‬إال أن مصلحة املسلم‬
‫تدفعه إىل حتملها هربا من عذاب اجلحيم‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬االرتباط العقابي بني النفس واجملتمع والدين‪ ،‬واملداخلة بينهم‪ ،‬فالنطاق‬
‫العلماني ال يهتم إال باجملتمع وحده‪ ،‬ويصُمِّم العقوبات كلها كي حتقق نكاال فادحا‬
‫يساعد يف الضبط االجتماعي الرمسي = وبالتالي رفع الكفاءة الدنيوية وحدها‪ ،‬إذ‬
‫هي املعرتف بها يف ذاك النطاق‪ ،‬أما اإلسالم فيضع فلسفة لكل عقوبة حتتاج إىل تدبر‬
‫لفهمها وختتلف من مسألة ألخرى‪.‬‬
‫فإذا أدركنا ذلك‪ ،‬علمنا أن القائالت بهوان اللوطية النسوية‪ ،‬وأنها ال تُجاوِز املعصية‬
‫= مرتكبات لكبرية‪ ،‬حتى لو سلمنا هلن أنها من الصغائر ‪-‬وهي ليست كذلك‪-‬‬
‫فمستحل الصغرية‪ ،‬أو املُصر عليها‪ :‬مرتكب لكبرية‪ .‬أي أنهن حتى لو كن يعتربنها‬
‫‪143‬‬
‫من الصغائر‪ ،‬فالواجب عليهن التشنيع على فاعالتها والرتهيب منها ومن إتيانها‪ ،‬لكن‬
‫الظاهر أنهن يستحللنها وخياتلن املسلمني ال أكثر‪.‬‬
‫أخريا‪ ،‬ال يعين غياب النص القاطع على آحاد الشهوات حِلها‪ ،‬فالشهوات ال نهاية هلا‪،‬‬
‫وتُجمع الفواحش كافةً بصور عامة‪ ،‬يُقاس عليها غريها بالعقل والشرع‪ ،‬فأين‪ ،‬مثال‪،‬‬
‫النص القرآني الصريح على حرمة وطء ذوات احملارم يف أدبارهن؟ أيعين غياب النص‬
‫الصريح يف حرمة هذا الفعل = إباحته؟! وعلى هذا فقِس‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬إشكالية امليل للوطية‪.‬‬
‫فإذا استوفينا أحكام اللوطي واللوطية‪ ،‬لزم انتقالنا إىل السؤال التالي‪ :‬ماذا عمن‬
‫يشعر مبيل للواط؟‬
‫فأقول‪ :‬أقررنا سابقا أن ما اجتمع عليه السلف والفقهاء هو عدم كونه جبليًّا‪ ،‬لكنهم‬
‫يُجمعون كذلك على أن الطباع قد تفسد والفطر قد تنتكس‪ ،‬فيميل املُبتلى ملُحرَّ ِم‬
‫الشهوات‪ ،‬ويكون على املسلم حينئذ السعى يف دفع ذلك البالء الذي نزل به‪ ،‬سواء‬
‫بالعالج النفسي‪ 16‬أو العالج القرآني الذاتي‪ ،‬فيشغل نفسه بالشرع وقضايا املسلمني =‬
‫فإن مل يُفلح كل ذاك‪ ،‬لزمه الصرب على ما ابتُلي به من سقوط يف حب تلك الفاحشة‪،‬‬
‫حتى يأذن اهلل له ويرفع عنه ذلك اهلم‪ ،‬بعالج‪ ،‬أو بغريه‪ ،‬رجاء حتصيل أجر الصرب يف‬
‫اآلخرة‪.‬‬
‫وإن تعجب فاعجب من أولئك العلمانيني‪ ،‬القائلني جببليَّة اللوطية‪ ،‬وأن اإلنسان‬
‫يولد كذلك = فهم هم الرافضون‪ ،‬إىل اآلن‪ ،‬إمكان كون تشهي األطفال‬
‫‪16‬‬
‫شريطة أن يكون المعالج النفسي عالما بالقضية وأصولها وفروعها‪ ،‬وأال يكون متبنيا لما راج في العالج النفسي المعاصر من‬
‫نظريات الجندر واللوطية‪ ،‬وإثبات إمكان الطبيعة اللوطية‪ ،‬دون دليل علمي محترم‪ .‬ومثل ذلك النموذج أندر من الكبريت‪ ،‬لكنني‬
‫ستنبت بيننا جمع من متمردي المعالجين النفسيين‪ ،‬الباحثين عن المنهج الشرعي في تقويم ما تعلموه‪،‬‬
‫أعتقد أن السنوات القادمة ُ‬
‫وفي الفصل القادم نقاش لتلك القضية‪.‬‬
‫‪144‬‬
‫(البيدوفيليا) مما يولد املرء مطبوعًا به‪ ،‬فإذا قيل هلم مل ال يكون كذلك‪ ،‬ومستندكم‬
‫ال يرتفع عن هذر املروجني لتشهي األطفال قدر أمنلة؟! هاجوا وماجوا وخنروا وأتونا‬
‫بدراسات جوفاء‪ ،‬وأيدولوجيات خرقاء! لكنين على يقني بأن كل ذلك يف مستقبل‬
‫قريب سيُسوَّى‪ ،‬وسريوج لتشهي األطفال بني اجلميع!‬
‫ولعل مثل ذلك املُبتلى بعشق اللوطي‪ ،‬أو املبتالة بعشق اللوطية‪ ،‬ال حيسُن بهم الزواج‪،‬‬
‫خاصة الرجال = منعا للجور والظلم يف عالقتهم بالشريك‪ .‬إذ أن الزواج مبناه العدل‬
‫والسكن بني الطرفني؛ فإن تيقَّن الظلم والبغي واالضطراب = حرُم‪ .‬ويتفاوت القدر‬
‫بالتأكيد بني املبتلني‪ ،‬فهناك املُبتلى بصورة ال يتقبل فيها اجلنس اآلخر‪ ،‬وهناك‬
‫املُبتلى بصورة أخف‪ ،‬فال ينبذ اجلنس اآلخر متاما‪ ،‬ومثل ذلك قد يعاجله الزواج‪ ،‬أو‬
‫خيفف عنه بالءه يف الطريق للعالج‪ ،‬وقد حاروا يف مثل تلك احلاالت‪ ،‬املبتالة‬
‫باللوطية‪ ،‬ومع ذلك حتب اجلنس الطبيعي‪ ،‬فقال الغربيون بعقوهلم السقيمة أن‬
‫ذاك (ازدواج امليول اجلنسية ‪ !)Bisexual‬فبدال من فقه نفي تلك احلالة حتديدا‬
‫جلبليَّة اللوطية‪ ،‬ألن اإلنسان فيها ليس لوطيا فال ينفر من اجلنس الطبيعي‪ ،‬وليس‬
‫طبيعيا متاما فال ينفر من اللواط‪ ،‬وعليه تكون حالته املركبة دليال على وجود حالة‬
‫أصلية طبيعية‪ ،‬وحالة طارئة‪ ،‬تستميل القلب بأقدار متدرجة = بدال من ذلك قالوا‬
‫إن بعض األشخاص يوُلدون بطبيعة مزدوجة‪ ،‬والبعض اآلخر يولد بطبيعة واحدة‪،‬‬
‫لوطية أو غري لوطية!‬
‫ما مثن الكالم والزعم بال دليل؟ ال شيء؟! اهلواء؟! إذن فلنستكثر!‬
‫خامسا‪ :‬إشكالية اخلِناثة والرتجل‪.‬‬
‫يتناول هذا املبحث السؤال عن اخلنوثة والرتجُّل‪ ،‬والفارق بني اخلنثى واخلنِث أو‬
‫املتخنِّث واملرتجلة‪.‬‬
‫‪145‬‬
‫فمن األسئلة املتداولة‪ :‬أيدخل اخلِناث أو املرتجالت (عابرو اجلنس مبصطلح‬
‫العلمانيني) ‪ Transgender‬يف حكم اخلنثى الشرعي؟ أليس الشرع قد أباح‬
‫للخنثى تغيري اجلنس؟ وإلجابة ذلك يلزم تقسيم مبحثنا إىل مطالب ثالثة‪ :‬األول‬
‫التعريف مباهية اخلُنثى وأحكامه الشرعية‪ ،‬والثاني التعريف مباهية اخلِناث‬
‫وأحكامهم‪ ،‬والثالث نقاش اإلشكاالت املتعلقة باخلِناثة والرتجل‪.‬‬
‫أوال‪ :‬ماهية ال ُخنثى وأحكامه‪.‬‬
‫يُعرِّف الشرع اإلسالمي اخلُنثى أنه إنسان ُولِد إما بأعضاء اجلنسني‪ ،‬الذكر واألنثى‪،‬‬
‫وإما خال منهما مجيعا‪ ،‬فال أعضاء له‪ .‬وهو على قسمني‪:‬‬
‫النوع األول‪ ،‬وهو اخلُنثى الواضح (غري املُشكِل)‪ :‬وهو وإن حاز أعضاء اجلنسني‪ ،‬إال أن‬
‫جنسه يُحدَّد أثناء بلوغه (‪.)90‬‬
‫واختلفوا يف طرائق حتديد اجلنس‪ ،‬بني مُراعٍ لصفة جسدية واحدة‪ ،‬وهي املَبال‪،‬‬
‫ويكون ذلك قبل البلوغ = فإن بال من ذكره كان ذكرا‪ ،‬أو من فرجه كان أنثى‪ ،‬أو‬
‫من االثنني معا كان مُشكِال‪ .‬وأصل املُحدد بالبول‪ ،‬أن أهل العلم قالوا‪ :‬مرياث اخلنثى‬
‫من حيث يبول‪ ،‬وهو حُكم يروى أن أصله قاضٍ جاهلي‪ ،‬حار يف مسألة توريث اخلنثى‪،‬‬
‫فنصحته جاريته بأن يورَّث من حيث يبول‪ ،‬وقد قالوا بأن النيب عمل بهذا احلكم‪،‬‬
‫اعتمادا على حديثني‪ ،‬ولكن قال أهل احلديث بوضع أحدهما‪ ،‬وبضعف اآلخر‪.‬‬
‫وذكره على أي حال جارٍ يف كتب الفقهاء = فقد طرَّدوا قاعدة املبال‪ ،‬وقالوا بأنه ما‬
‫دام يورَّث من حيث يبول‪ ،‬فيكون األوىل ضمه إىل جنس الفرج الذي بال منه‪ ،‬وتلك‬
‫الطريقة تُستعمل قبل البلوغ‪.‬‬
‫‪146‬‬
‫أما الطريقة الثانية فتُستعمل بعد البلوغ‪ ،‬ويراعى فيها جمموع الصفات اجلسدية‪،‬‬
‫فقالوا إن ظهرت عليه عالمات األنوثة‪ ،‬كاألثداء واحلمل كان أنثى‪ ،17‬وإن ظهرت‬
‫خللُقيَّة ‪ -‬قالوا كالشجاعة ‪ -‬فهو‬
‫عليه عالمات الذكورة‪ ،‬اخلَلقيَّة كاالحتالم‪ ،‬وا ُ‬
‫ذكر‪.‬‬
‫فماذا عن العضو الزائد حينئذٍ؟ قالوا يكون خِلقة زائدة ال اعتبار هلا‪ .‬وبذا يُفهم حكم‬
‫فقهاء عصرنا جبواز إجراء اجلراحة للخنثى‪ ،‬من أجل إزالة ذكره أو أعضائه‬
‫األنثوية؛ فكل تلك زوائد جيوز اجتثاثها متى انتمى للجنس املخالف‪.‬‬
‫وجيتمع السابقون يف أن حكمهم كان بالنظر إىل الصفات اجلسدية‪.‬‬
‫ثم أن منهم من شدد أال يؤخذ رأي اخلنثى يف حتديد جنسه ‪-‬ولعلهم قالوا بذلك‬
‫حترزا من أن ينمي اخلنثى نفسه إىل الذكورة‪ ،‬طمعا يف مرياث‪ -‬ومنهم من رأى‬
‫تعلق احلكم برأي اخلنثى‪ ،‬فإن قال إنه مييل إىل كونه ذكرا‪ ،‬ألنه حيب النساء‪،‬‬
‫اعترب بكالمه‪ ،‬وإن قال إنه مييل إىل كونه أنثى‪ ،‬حلبه الرجال‪ ،‬اعترب بكالمه (‪،)91‬‬
‫وقال الشافعي بإلزامه مقالته‪ ،‬فال يصح أن يزعم بعد ذلك تغيُّر رأيه‪ ،‬احرتازا من‬
‫العبث!‬
‫فهذا اخلُنثى الواضح‪ ،‬غري املُشكِل‪ ،‬وتلك أحكامه‪.‬‬
‫أما النوع الثاني‪ ،‬وهو اخلُنثى املُشكِل‪ :‬وهذا إضافة الجتماع األعضاء الذكرية‬
‫واألنثوية فيه‪ ،‬ال يستطيع حتديد إىل أي اجلنسني مييل‪ ،‬أهو ذكر أم أنثى؟ قالوا‪:‬‬
‫‪17‬‬
‫وهذا ممكن التعرف عليه اليوم طبيا وبالتحاليل‪ ،‬ولم يعد يلزم منه صعوبة كما كان األمر في الماضي‪ ،‬حيث قال الفقهاء مثال‬
‫ُيعرف بحمله‪ ،‬وهذا غير ممكن ألن زواج الخنثى ال يتم إال بعدما ُيحدد جنسه‪ ،‬فكانت معضلة‪ ،‬لكن اختلف الحال اآلن‪ ،‬قالوا في‬
‫الفقه المنهجي على مذهب اإلمام الشافعي‪( 128 /5 :‬اليوم وبعد أن تقدم الطب‪ ،‬قل احتمال أن يستمر أحد خنثى مشكل‪ ،‬وأصبح‬
‫باستطا عة الطب غالبا أن يكشف أمره‪ .‬لكن لنفرض أن الخنثى كان من اإلشكال بحيث أعجز األطباء‪ ،‬فهذا إذا هو الخنثى‬
‫المشكل)‪.‬‬
‫‪147‬‬
‫هو مُشكِل‪ ،‬وله أحكام فقهية خاصة‪ ،‬وال يستطيع الزواج بالطبع‪ ،‬إذ أنه ال يعرف من‬
‫أي جنس هو‪ ،‬وعليه يُعامَل باألشد فيُجعل مع النساء رجال ومع الرجال امرأة‪ ،‬وال‬
‫جيوز أن خيلو به أجنيب وال أجنبية (‪ .)86‬وحيث أُطلق اخلنثى يف الفقه فاملراد به‬
‫املُشكِل (‪ ،)92‬ألن غري املُشكِل‪ ،‬كما رأينا‪ ،‬ينضوي حتت لواء أحد اجلنسني يف الزواج‪،‬‬
‫مع تفصيالت خاصة به يف أبواب الفقه املختلفة‪ .‬وقد أنكر وجود املُشكِل بعض‬
‫التابعني مثل احلسن البصري؛ ألن اهلل سبحانه ال يُضيِّق على عبده حتى ال يدري‬
‫أذكر هو أم أنثى؛ فال بد له من عالمة تزيل إشكاله (‪ .)90‬وقد قالوا بعدم جواز ختانه‬
‫مطلقا‪ ،‬ألن اجلرح ال جيوز بالشك (‪ )86‬ويُفيد هذا عدم جواز تدخل األهل يف حتديد‬
‫جنس املولود‪ ،‬ملُجرد االشتهاء‪ ،‬كأن يقطعوا له ذكره قبل أن يبلغ وحيدد هو‪ ،‬أو‬
‫حتدد له عالمات جسده إىل أي جنس ينتمي‪ .‬وحنن نرى اليوم الغربيون يتسابقون‬
‫يف إثبات حبهم ألوالدهم بأخذ آرائهم ‪ -‬قبل البلوغ ‪ -‬يف حتديد أجناسهم! كيف‬
‫واخلُنثى ذاته ال يؤخذ رأيه قبل بلوغه وظهور العالمات؟! فإنَّا هلل وإنا إليه راجعون يف‬
‫أولئك اجملرمني اجلناة على أوالدهم‪ ،‬بزعم احلب!‬
‫ثانيا‪ :‬التخنث والترجل‪ ،‬وأحكامهما‪.‬‬
‫يُعرَّف املُخنَّث بأنه ذكر شديد التأنيث يف اخلِلقة حتى يُشبه املرأة يف اللني والكالم‬
‫والنغمة والنظر والفعل (‪ ،)88‬وهو فاسقٌ غري مقبول الشهادة (‪.)93‬‬
‫‪148‬‬
‫فهو شخص ينتمي إىل جنس واضح‪ ،‬لكن فيه من صفات اجلنس اآلخر‪ ،‬بغري تعمد‬
‫أو بتعمد‪ .‬ويُقاس عليه املُرتجِّلة‪ ،‬فنقول‪ :‬هي اخلشنة يف خِلقتها حتى تشبه الرجل يف‬
‫خللُق والكالم والنغمة والنظر والفعل‪ ،‬بغري تعمد أو بتعمد‪.‬‬
‫ا ُ‬
‫فإن كان الفعل بغري تعمد = يؤمر الفاعل املخنث أو املرتجلة بالسلوك السوي املناسب‬
‫جلنسهما احلقيقي‪ ،‬ويُعلَّمانه‪ ،‬ويُخربان حبديث النيب عن لعن اهلل املتشبهني بالنساء‬
‫من الرجال واملتشبهات بالرجال من النساء‪ ،‬وبأن التخنُّث والرتجُّل حرام‪ ،‬ومن الكبائر‬
‫(‪ ،)94‬وقد يلزم التدخل العالجي النفسي لضبط السلوك‪ .‬وليس من الصعب معرفة‬
‫املتعمد املتفاخر خبنوثته أو املتفاخرة برتجُّلها‪ ،‬من غري املتعمد‪.‬‬
‫فإن استباح ختنثه أو استباحت ترجُّلها = دخال يف استباحة حمرم منصوص عليه‬
‫وعلى لعن الواقع فيه؛ فيُنبَّها لكونهما خارج امللة بتلك االستباحة‪ ،‬ال بنفس التخنث‬
‫أو الرتجل‪.‬‬
‫فإن ثبت التعمد يف التخنث؟ قال السرخسي بأن أولئك يُعزَّرون ثم يُحبسون حتى‬
‫التوبة من صنيعهم اخلبيث (‪ ،)78‬وقِس عليه الرتجُّل‪.‬‬
‫كل هذا فيمن مل يثبت عنه لوطية‪ ،‬إذ أنها غري الزمة للتخنث أو الرتجل‪ ،‬وإن تفشت‬
‫يف أهل تلك اللعنة؛ أما من ثبت عنه أنه يُصانِع الرجال‪ ،‬رغبة يف إغوائهم‪ ،‬أو تصانع‬
‫النساء رغبة يف إغوائهن = فالتعزير البليغ والفضح والتشهري واحلبس أو النفي‪،‬‬
‫فقيادتهم مفسدة للنساء والرجال‪ ،‬قال احلجاوي عن القوّادة‪ ،‬وهي اليت تفسد النساء‬
‫والرجال‪" :‬أقل ما جيب عليها الضرب البليغ‪ ،‬وينبغي شهرة ذلك حبيث يستفيض يف‬
‫النساء والرجال‪ ،‬وإذا أُركِبت دابة‪ ،‬وضمت عليها ثيابها ونودي عليها‪ :‬هذا جزاء من‬
‫‪149‬‬
‫يفعل كذا وكذا = كان من أعظم املصاحل‪ ،‬قاله الشيخ‪ ،‬وقال لولي األمر‪ :‬كصاحب‬
‫الشرطة ‪-‬أن يُعرِّف ضررها‪ ،‬إما حببسها‪ ،‬أو بنقلها عن اجلريان‪ ،‬أو غري ذلك" (‪.)87‬‬
‫ُد على مثل ما ذكرنا سلفا‪.‬‬
‫فإن ثبت عنه اللواط‪ ،‬ح َّ‬
‫وحيرم على الرجال جمرد النظر للمخنثني‪ ،‬فإن حرَّم الفقهاء النظر للطفل األمرد‬
‫خشية الفتنة؛ فتحريم النظر إىل ملعون متعمد إظهار نفسه يف صورة املرأة أوىل‪،‬‬
‫وقِس هذا على املرأة املرتجلة؛ فأولئك يُجتنبون ويُرفع أمرهم إىل قضاة املسلمني‪،‬‬
‫فيُنظر إىل ختنثهم أو ترجلهم = أبعمد هو أم بغري عمد؟ على حنو ما ذكرنا‪.‬‬
‫الخناثة وأحكامها‪.‬‬
‫ثالثا‪ِ :‬‬
‫تلك وإن كانت من النوازل املعاصرة الكربى‪ ،‬فلم يتحدث عنها بصورتها الفقهاء‬
‫املتقدمني‪ ،‬إال أنه ليس من الصعب معرفة أبرز أحكامها‪.‬‬
‫وصورتها أن يذهب خمنث إىل األطباء‪ ،‬فيطلب منهم أن يُنبتوا له أثداءً ويُعيدوا‬
‫كل‬
‫تشكيل جسده لكي يكون أنثوي املظهر‪ ،‬يف اللني والصوت وحتى مجال الوجه‪ٌّ ،‬‬
‫بثمن‪ ،‬وقد يتعدى ذلك فيطلب إزالة ذكره‪ ،‬واستنبات فرج صناعي له‪ ،‬على ما علمنا‬
‫يف الفصل األول = فهذا هو اخلنِث الذي فرَّقناه عن املخنث يف كونه يُجري على نفسه‬
‫خللُقي بالنساء‪ ،‬إذ يُعيد تشكيل نفسه لكي يصبح أنثى‬
‫ما هو أكثر من التشبه ا ُ‬
‫املظهر‪ .‬وكذا تُزيل املرأة مظاهر أنوثتها‪ ،‬وتُعاجل نفسها كيميائيا حتى تُنبت لنفسها‬
‫اللحى وخيشن صوتها‪.‬‬
‫فأولئك مجيعا‪ :‬إما يستحلون ذلك‪ ،‬ويرونه مباحا = فحكمهم الردة كما ذكرنا‪.‬‬
‫وإما ال يستبيحونه‪ ،‬فيؤمرون بوقف كل ما أحدثوه يف أنفسهم وتغيريه‪ ،‬ويُبلغ عنهم‬
‫القاضي املسلم كما ذكرنا‪ ،‬وجيتنبهم املسلمون يف كل حال‪ ،‬ويُشهَّر بهم‬
‫‪150‬‬
‫ويُفضحون؛ فإن كان املرء يف دولة ال حكم لإلسالم فيها‪ ،‬اكتفى باإلنكار وهجران‬
‫أولئك وهجو صنيعهم ونشر أحكامهم يف املسلمني‪.‬‬
‫فهم بني مرتد ومرتدة يف حال االستباحة ‪ /‬وملعون وملعونة يف حال غريها! فبئس‬
‫اخليار‪.‬‬
‫والقاعدة األساسية اجلامعة‪ :‬أن حقيقة الشخص ال تتغري‪ ،‬وال اعتبار لتبديل خلق‬
‫اهلل؛ فهو ثابت‪ :‬فليس ثمَّ (حتويل للجنس)‪ ،‬إذ اخلنثى كما رأينا‪ ،‬ال يُحوِّل جنسه إمنا‬
‫ينسب نفسه إىل أحد الطرفني اللذين ميلك فرجيهما‪ ،‬فإن عجز عن النسبة توقف‬
‫يف حال نفسه إىل أن يُريه اهلل عالمةً‪ ،‬أما اخلنِث واملُرتجِّلة فال اعتبار بكافة ما‬
‫يُحدثانه يف نفسيهما من تبديالت‪ ،‬فكال منهما معزو إىل جنسه األصلي ولن يُبدِّل‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ولعل اإلشكاليات الفقهية األبرز يف تلك القضية تتمثل يف القضايا الفرعية اآلتية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬ما حكم الرجل الذي يأتي خنِثًا من فرجه املصنوع على صورة األنثى؟ أيُحكم‬
‫عليه بالتعزير كمُساحق‪ ،‬فال يُحدُّ ألن احلد يلزم اإليالج يف الدبر؟ أم يُحكم هلذا‬
‫الفرج املصنوع على صورة فرج األنثى بأنه كالفرج احلقيقي‪ ،‬فيكون الفعل لواطا‬
‫تاما؟ وماذا عن املفعول به يف ذاك الفرج الصناعي‪ :‬أيُحدُّ كملوط به‪ ،‬فيقاس فرجه‬
‫الصناعي على دبره؟ أم يُعزَّر كمُساحق؟ هذا موطن عمل فقهي معاصر‪ ،‬وإن كان‬
‫األقرب ألقوال الفقهاء‪ :‬أنه ال يُحدُّ‪ ،‬وإمنا يُعزَّر تعزيرا شديدا‪ ،‬وإن كان حدوث هذا‬
‫من الصعوبة مبكان‪ :‬ألن عادة الالطة مع اخلناث وطئهم يف الدبر‪ ،‬حتى إن صُنع هلم‬
‫فرج عند اخل ِنث‪.‬‬
‫هذا يف الفرج املصنوع حاليا‪ ،‬وهو عبارة عن كيس جلدي غائر يف موطن القضيب‬
‫الذي يُزال‪ ،‬لكن ماذا إن تقدَّم العلم والطب واستنبت فرجا أنثويا حقيقيا ألولئك‪،‬‬
‫أحنكم على ما عندهم بأنه فرج أنثوي يُحكم على الطرفني حينئذ باللواط إن أُتي‬
‫فيه‪ ،‬أم نظل على اعتباره كالفرج اجللدي املوجود حاليا‪ ،‬فيظل احلكم التعزير‬
‫‪151‬‬
‫باملساحقة؟ هذا أيضا حيتاج لعمل فقهي مكثف ومنضبط وحمايد‪ ،‬وإن كان األقرب‬
‫لتعريفات الفقهاء‪ :‬أنه إذا ثبت كون هذا الفرج حقيقي‪ ،‬وليس جمرد جلد ميت‬
‫كالفرج الصناعي احلالي‪ ،‬فهو يدخل يف تعريف اللوطية ال الزنا‪ ،‬حيث أن جوهر‬
‫خلقة الطرفني ال يتغري‪ :‬رجال‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬وإن كانت األنثى املرتجلة‪ ،‬حاهلا كحاله‪ ،‬لكن يظهر سؤال مُشكِل آخر‪ :‬فإذا‬
‫قدر العلم على أكرب ما يسعون إليه خلدمة لوطيتهن‪ ،‬وهو صناعة فرج ذكري‬
‫شبه طبيعي‪ ،‬من خاليا حية مستنبتة‪ ،‬ثم زراعته عند املرتجلة‪ ،‬ووطأت به أنثى‪ :‬أال‬
‫تكون األنثى الالئطة وامللوط بها حينئذ زناة‪ :‬فيُحدَّان حد الزنا؟ هذا أيضا موطن‬
‫عمل فقهي معاصر‪ ،‬وإن كان األقرب ألقوال الفقهاء‪ :‬أنهما يُحدَّان حينئذ‪ ،‬ألن‬
‫صنيعهن يف تلك احلالة يستويف تعريف الزنا‪ ،‬فالوطأ حيدث هنا من فرج حي مشتهى‬
‫يف تلك احلالة‪ ،‬يف فرج حي آخر‪ ،‬ال كالعضو الصناعي الذي ال خيرج عن حد‬
‫اللوطية النسوية املساحقة العادية‪ :‬وهو التعزير‪ ،‬إذ أنه ليس عضوا حيا متصال‪.‬‬
‫فإن فعلت أنثى مرتجلة بتلك الصورة يف دبر أنثى مرتجلة أخرى‪ :‬أيكون ذلك حتت‬
‫باب الزنا أم باب اللواط؟ أيُحكم حينئذٍ باجلوهر الذي ال يتغري‪ :‬أنهما إناث فال يُعترب‬
‫ما صرن عليه‪ .‬أم بالذي أحدثنه يف أنفسهن‪ :‬صورة الرجال؟ حيتاج كل ذلك إىل‬
‫عمل فقهي كذلك‪ ،‬وإن كان األقرب أنهن يعاملن كإناث زانيات‪ ،‬لوطيات‪،‬‬
‫مرتجالت‪ ،‬فاحلد عليهن حينئذ من باب الزانية املوطوءة يف دبرها‪ .‬وقد يُقال بل تكون‬
‫كاملوطوء اللوطي‪ ،‬فتحد حد اللواطة ال حد الزنا‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬كيف تُحدُّ املرأة اللوطية اليت خضعت جلراحة تكبري البظر‪ ،‬فجعله األطباء‬
‫مياثل العضو الذكري يف قدرته على اإليالج واإلمتاع = أتبقى على حكم التعزير‪ ،‬أم‬
‫يُعترب ذلك املستنبت لديها فرجا يُقاس على فرج الرجال‪ ،‬فتُحد؟ ثم أحتد حد الزنا‪،‬‬
‫أم تُحد حد اللواطة؟ فهي قد هيَّأت جسدها ليصبح ذكوري الشكل يف أعضاء‬
‫التناسل‪ ،‬فهل تُحد كأنها رجل‪ ،‬أم تُحد باعتبارها أنثى؟ وتلك املفعول بها‪ ،‬أحتد على‬
‫‪152‬‬
‫زنا‪ ،‬إذ يلج فيها فرج حي مشتهىً‪ ،‬أم تُحدُّ على لواطة‪ ،‬إذ يُنظر حلقيقة كون‬
‫ُحد كلواطة الذكور‪ ،‬أم كلواطة اإلناث؟‬
‫الفاعلتني امرأتني؟ ثم أت ُّ‬
‫وهذا باب طويل جدا‪ ،‬ومسائله كثرية جدا‪ ،‬كما يعرف كل من يعيش يف الغرب‬
‫حاليا‪ ،‬ويرى حجم التنوعات والتطورات اجلارية فيه‪ .‬فكل تلك الصور حادثة اآلن‬
‫اآلن! بينما أنت تقرأ هذا الكالم‪ ،‬تُجرى عشرات اجلراحات يوميا‪ ،‬لتغيري اخللقة إىل‬
‫هذه الصور؛ فأين العمل الفقهي املعاصر الذي يوازي تلك الصور املتشعبة واملعقدة‪،‬‬
‫واليت حتتاج إىل نقاشات فقهية مستفيضة‪ ،‬من علماء ذوي صفات خمصوصة؟‬
‫رابعا‪ :‬ماذا يفعل املسلمون يف الدول اليت تتبنى اخلِناثة وترعاها وتنشرها‪ ،‬يف حال‬
‫أتاهم خنِث يريد الدخول يف اإلسالم؟ أيُرحبون به يف اإلسالم‪ ،‬ثم يُعرِّفونه حكمها‬
‫الحقا؟ أم يرتكونه على حاله‪ ،‬وإن رفض حتريم ما هو فيه‪ ،‬على اعتبار أن األفضل‬
‫نطقه الشهادة؟ أم يُعرِّفونه حبرمة ما هو فيه قبل إسالمه‪ ،‬وعدم جواز بقائه على‬
‫ذلك احلال؟‬
‫تلك أسئلة قد تظن أن إجابتها يسرية‪ :‬إذ كيف سيدخل اإلسالم وهو يستحل ما هو‬
‫فيه؟ مثل هذا لن يدخل اإلسالم إال بتجهيله احلكم الشرعي حلاله‪ ،‬والتجهيل يف‬
‫حال التعمد إثم كبري ممن يدخلونه اإلسالم‪ ،‬فإن دخله ثم استباح حاله‪ ،‬كان‬
‫مرتدا! إذن اخلنِث أو املرتجلة يف كل األحوال لن يدخلوا اإلسالم! وعليه جيب‬
‫اإلعالم باحلكم الشرعي للحالة‪ ،‬فإن شاء آمن وإن شاء بقي على كفره‪ ،‬والغرر حرام‬
‫يف كل حال‪ .‬لكن برغم يسر اإلجابة‪ ،‬ال تكاد جتد أحدا يقدر على تبنيها؛ فهذا باب‬
‫خطري‪ ،‬يعلم ثقل وطأته املسلمون يف الغرب‪ :‬إذ حيدث أحيانا أن يتوافد عليهم خنِث‬
‫أو لوطية أو مرتجلة‪ ،‬يرغبون يف دخول اإلسالم‪ ،‬فينعقد اللسان خشية قول احلق‪،‬‬
‫كيال يهرول امللعون إىل أجهزة بلده األمنية إلبالغهم أن أولئك القوم‪ ،‬مسلمو‬
‫املهجر‪ ،‬يرون قتلنا = فيحكم عليهم اجلميع بالتطرف واإلرهاب‪ ،‬خاصةً أن التيار‬
‫الصاعد يف األجيال اجلديدة من املسلمني املقيمني يف بالد الكفر‪ ،‬يرى وجوب‬
‫‪153‬‬
‫التسامح مع اللوطية وتأويل اإلسالم كي يتبناها! أي أن أول من سيبلغ عنك ويقف‬
‫ضدك يف تلك البالد‪ ،‬قد يكون اجملتمع (املسلم) الذي يعيش معك‪ ،‬ويناغم معتقده‬
‫مع اخلطاب العاملي املدلل للوطية واجملرم الزدرائها! وكثريا ما رأيت األسئلة حتوم‬
‫فوق الرؤوس حريى‪ :‬ماذا نفعل؟ ال ميكننا أن نذكر حكم اللوطية‪ ،‬ال هلم وال‬
‫لغريهم! حنن مُحاصرون مرصودون! الصمت هو املالذ!‬
‫ومن أكرب املطبعني للوطيَّة بني املسلمني يف الغرب‪ ،‬تينان باور ‪Tynan Power‬‬
‫وهي امرأة كاثوليكية سابقا‪ ،‬مرتجلة تزعم اإلسالم حاليا‪ ،‬ملتحية وتعطي‬
‫الدروس يف املساجد للمسلمني يف زي وصورة الشيخ املسلم التقي‪ ،‬وهي عضوة‬
‫بالتحالف اإلسالمي للتنوع اجلنسي واجلندري )‪!(95‬‬
‫وكذلك مهدية لني ‪ Mahdia Lynn‬وهي أمريكية أعلنت إسالمها وأسست ما‬
‫أطلقت عليه مسجد الرابعة وهو مؤسسة لتبين ونشر خطاب يدعو اللوطيني‬
‫واملخنثني واملرتجالت إىل اإلسالم ويؤكد أن هذا الدين يُرحِّب بهم ويدعمهم )‪!(96‬‬
‫هذا غري ألوف النشطاء املسلمني األصليني مثل ليندا صرصور وغريها ممن يعتربون‬
‫قضية اللوطية واخلِناثة قضية مسلمي الغرب أمجعني!‬
‫فالوضع بالعامل غري اإلسالمي تلك صورته‪ :‬أهل احلق صامتون خشيةً‪ ،‬وأهل الباطل‬
‫الزاعمون اإلسالم يروجون خلطاب مرحِّب باللواط واللوطيني‪ ،‬بكافة أنواعهم‪،‬‬
‫ويشجعون أولئك الناس على الدخول يف اإلسالم‪ ،‬ليزيدوا املسلمني اضطرابا وفرقا!‬
‫‪154‬‬
‫سادسا‪ :‬اجلنس مع غري احلي‪.‬‬
‫أتناول هنا أحد أشهر املمارسات اجلنسية املعاصرة الرائجة واليت يُتوقع رواجها‬
‫أكثر يف املستقبل القريب‪ ،‬وهي متصلة باللوطية‪ :‬أال وهي املمارسة اجلنسية مع‬
‫طرف غري حي‪.‬‬
‫أوال‪ :‬احلكم الفقهي‪.‬‬
‫كل ممارسة جنسية مع غري حي‪ ،‬كاستعمال آلة أو استخدام عرائس مصوَّرة على‬
‫شكل بشري ذات فرج = فيها التعزير وال حد‪ ،‬ألن من صفاته اجملتمع عليها هو إيالج‬
‫فرج حي يف فرج حي‪ .‬والتعزير يكون بالصور املذكورة قبال‪ ،‬وهو ضرب أو حبس أو‬
‫حبسب ما ترى القيادة السياسية (اإلمام) واحملكمة الشرعية (القضاء)‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬التحديات واملخاوف املستقبلية‪.‬‬
‫تتجلى التحديات الكربى فيما هو قادم؛ فمن املُنتظر يف مستقبل غري بعيد‪ ،‬صناعة‬
‫آلة على صورة إنسان ميكنها أن تتحدث ومتارس اجلنس‪ .‬وقد بدأت تظهر صناعة‬
‫صص للروبوتات‬
‫خ ِّ‬
‫(روبوتات جنسية) قبل أعوام قليلة )‪ ،(97‬حتى أُنشئ بيت للدعارة ُ‬
‫فقط يف برشلونة‪ ،‬وحبث صناعه عن مستثمرين لنشر فحشهم يف كافة أحناء‬
‫العامل)‪! (98‬‬
‫وسيستمر تطور ذلك االجتاه‪ ،‬خاصة أن الفتوحات الكربى يف جمال الذكاء‬
‫الصناعي وتطوير الروبوتات سريفع من نشاط فلسفة ما بعد اإلنسان ‪Post‬‬
‫‪Humanism‬املهووسة مببادئ العالقة بني اآللة واإلنسان‪ ،‬ومتجيد اآللة والتقدم‬
‫‪155‬‬
‫وتفكيك مفاهيم الوعي والروح )‪ ،(99‬ما يعين أن فلسفة ارتباط اآللة واإلنسان‪،‬‬
‫واعتبارها منوذجا (بعد إنساني) أمسى وأرقى‪ ،‬ستغطي تلك املمارسات وتعطي مربرا‬
‫لتشريعها‪ ،‬بل وللهوس بها‪ ،‬خاصةً أن اآللة املصنوعة ستكون أقدر على تقديم‬
‫اخلدمات اجلنسية مبا ال يُقارن به أقوى إنسان وُجِد! هذه هي كفاءة (ما بعد‬
‫اإلنسان) اليت وُجد التنظري هلا منذ مثانينيات القرن املاضي‪ ،‬ومتتد جذورها إىل‬
‫نيتشة )‪.(99‬‬
‫فهل يُكتفى بالتعزير يف حال انتشار تلك الداهية وعموم البلوى؛ فيلوط اإلنسان مع‬
‫روبوت ال يفرتق كثريا عن اإلنسان‪ ،‬بل يفوقه قدرةً؟ ألن يهدد انتشار ذلك البالء‪،‬‬
‫اجملتمعات كاف ًة بالتفكك؟!‬
‫إن الغرب وإن كان قد بدأ يف تلك الصناعة‪ ،‬اليت من املتوقع أن تتطور بصورة خميفة‬
‫بسبب إضافة الذكاء الصناعي‪ ،‬إال أنه هو ذاته الذي يثري حاليا النقاش حول مدى‬
‫اخلطورة العقلية والطبية الناجتة من إمناء عالقة بني اإلنسان وشريكه اجلنسي‬
‫(اآللي)‪ ،‬وكذلك مدى أخالقية مرافقة عشيق على صورة طفل مثال)‪! (100‬‬
‫‪18‬‬
‫إن ذلك اخلطر يعين ضرورة التفكري السياسي والفقهي معا يف تشديد أحكام التعزير‬
‫يف حق من يثبت فعله يف تلك األجهزة‪ ،‬ووجوب املكافحة اجملتمعية والسياسية‬
‫إلضافة صورة األعضاء التناسلية لتلك األجهزة (الروبوت)‪ ،‬ويتطلب قبل كل ذلك‬
‫‪18‬‬
‫هم ال يأبهون سوى بصورة تشهي األطفال فقط حاليا‪ ،‬لكن عندنا إشكاالت أكبر‪ :‬كأن يصنع آلة على شكل محارمة‪ ،‬أو يلوط‬
‫بها اإلنسان‪ ،‬أو عشرات الصور المحرم فعلها مع بشر حي‪ ،‬وال محالة سيهرول إليها ماليين الناس مع التطورات الضخمة‬
‫والمستمرة في تصوير البشر على هيئة أناس آليين! ضع كل ذلك مع األزمة الجنسية الكئيبة في العالم العربي بسبب قلة الزواج‬
‫وصعوبته وانتشار العنوسة‪ ،‬تخرج لك الصورة المخيفة!‬
‫‪156‬‬
‫توعية الفقهاء باألمر وتوصيفه بصورة دقيقة‪ ،‬إذ أن الغالب لن يتصوَّر املسألة جيدا‬
‫ض للناس‪.‬‬
‫من األصل‪ ،‬وعليه لن يتمكَّن من تأسيس خطاب مُر ٍ‬
‫سابعا‪ :‬املوقف من مسائل وتشريعات اللوطية‪.‬‬
‫من الضروري أن نستعرض‪ ،‬يف ثنايا حبثنا هذا‪ ،‬بعض آراء العوام واإلسالميني فيما‬
‫يتعلق باملسائل املختلفة اليت تناولناها‪ ،‬ولن نشغل بالنا كثريا بالرأي العلماني‪ ،‬إذ أن‬
‫الطبيعي فيه رفض الربط بني الشريعة وقضايا اللوطية من بابها‪ ،‬لكن كيف يكون‬
‫احلال بني اإلسالميني والعوام؟ ذاك ما حياول االستبيان املساهمة يف رسم معامل‬
‫اإلجابة عنه‪ ،‬بتوضيح املعلومات اآلتية‪:‬‬
‫• مل يوافق ثلث العوام على ضرورة عقاب اللوطيني أصال‪ ،‬وقد شاركهم يف ذلك‬
‫عُشر اإلسالميني املشاركني!‬
‫• أعلن ثلث العوام جهلهم بعقوبة اللوطية يف اإلسالم‪ ،‬بينما بلغت نسبة اجلهل بها‬
‫بني اإلسالميني ‪ ،%16‬هذا مع اعتبار كوني أقمت محلة طوال العامني املاضيني‬
‫للتعريف بعقوبتها يف الشريعة!‬
‫• أترضى بقتل اللوطي‪ ،‬إن علمت أن هذا هو حكمه يف الشريعة؟ أجاب ثلث العوام‬
‫بالنفي‪ ،‬لن يرضوا بقتله حتى إن أمرت بذلك الشريعة‪ ،‬والغريب أن عُشر اإلسالميني‬
‫تقريبا نفى هو اآلخر إمكان رضاه بقتل اللوطيني شرعا!‬
‫• يف معرفة الفرق بني املخنث واخلُنثى‪ ،‬أوضح نصف العوام جهلهم بالفارق بينهما‪،‬‬
‫وكذلك أعلن ثلث اإلسالميني ‪ %32‬جهلهم كذلك‪.‬‬
‫‪157‬‬
‫• يف السؤال عن الرغبة يف املشاركة بعمل جمتمعي حقوقي متعلق باللوطيني‪،‬‬
‫سواءً للمكافحة أو للحماية‪ ،‬رفض مجهور العوام املشاركة يف أي عمل سليب أو‬
‫إجيابي متعلق باللوطية ‪ ،%69‬بينما كانت نسبة الرفض يف اإلسالميني أقل لكنها‬
‫مُعتربة ‪ .%43‬وأعلن ربع العوام فقط رغبتهم يف املشاركة بعمل للمكافحة‪ ،‬بينما‬
‫أجاب ‪ %7‬بالرغبة يف املشاركة حلماية اللوطيني وحقوقهم!‬
‫إن تلك النتائج توضح حجم املؤثر اللوطي يف اجلماهري‪ ،‬وضعف املؤثر اإلسالمي يف‬
‫تلك القضية‪ ،‬حتى بني اإلسالميني ذاتهم‪:‬‬
‫• فاجلمهور جاهل بعقاب اللوطية يف اإلسالم‪ ،‬وجاهل مباهية اخلنثى والفارق بينه‬
‫وبني املخنث‪ ،‬وهي تفرقة ضرورية هامة جدا كون أكثرية اخلارجني إىل الشاشات‬
‫يدعون أنهم قد (صححوا) أوضاعهم الصحية ليكونوا إناثا‪ ،‬وهذا مرتبط يف وعي‬
‫الناس بشوهة خَلقيَّة‪ ،‬وال يعرفون أن هذا هو املخنث‪ ،‬الذي تتداول صورته مرتبطة‬
‫بالتدلل واالحنالل عندهم‪ ،‬ال املرض واحلديث عن الشقاء‪ ،‬ما يوهمهم بأن حالته‬
‫جادة تنتمي لقضية اخلنثى‪.‬‬
‫• ثم حتى لو علم العقوبة‪ ،‬هناك نسبة كبرية يف العوام (الثلث)‪ ،‬ومهمة يف‬
‫اإلسالميني‪ ،‬ترفض عقابهم أصال‪ ،‬ثم أنها ترفض قتلهم حتى لو أمرت بذلك‬
‫الشريعة‪ ،‬وإن كانت نسبة الرافضني للعقاب بني العوام أكرب من املوافقني على‬
‫القتل‪ ،‬وهذا غريب‪ ،‬لوال إدراك أن هناك جزء معترب كذلك من العوام ليس لديهم‬
‫مشكلة مع حتكيم الشريعة‪ ،‬فهو وإن أجاب أوال برفض العقاب‪ ،‬إال أنه يسلم أن لو‬
‫‪158‬‬
‫أمرت الشريعة اإلسالمية بقتلهم فهو موافق‪ .‬املدهش هو وجود تلك النسبة املرتفعة‬
‫الرافضة للعقاب‪ ،‬أو القتل‪ ،‬بني اإلسالميني!‬
‫• وكذلك تزداد احملنة عندما نرى العزوف الكبري بني العوام واإلسالميني عن‬
‫الرغبة يف املشاركة بعمل يكافح اللوطية‪ ،‬وطلب االبتعاد عن ذلك امللف من بابه‪،‬‬
‫والغريب أن ‪ %70‬من العلمانيني والليرباليني رفضوا املشاركة هم أيضا يف أي عمل‬
‫متعلق بتلك القضية‪ ،‬ووافق أقل من الربع ‪ %21‬على املشاركة يف عمل حقوقي‬
‫حلماية اللوطيني‪ ،‬وأعلن ‪ %4‬رغبتهم يف العمل ملكافحتها‪ ،‬وذلك ملا شرحناه قبال أن‬
‫هناك قسما ضخما من العلمانيني‪ ،‬ذوي الشرائح العمرية األكرب‪ ،‬ما زال يرى أن‬
‫اللوطية جرمية‪.‬‬
‫إن كل تلك املؤشرات تبني جناح العمل اللوطي يف حتصيل درجة معتربة من‬
‫التعاطف معهم بني العوام وحتى بني اإلسالميني‪ ،‬وكذلك فشو اجلهل باألحكام‬
‫الشرعية وكثري من املفاهيم الرئيسية املتعلقة بتلك القضية (اللواطة واخلِناثة)‪،‬‬
‫وهو ما حيتاج إىل عمل كثري منظم يف إطار مكافحة تلك القضية‪ ،‬لكن ذلك صعب‬
‫جدا‪ ،‬لنفور اجلمهور عن التعامل مع تلك القضية بأي صورة؛ ولو حتى مبكافحتها‬
‫يف إطار عمل مشرتك!‬
‫قارن ذاك النفور والعزوف عن املكافحة‪ ،‬بالعمل العاملي السياسي والتشريعي‬
‫واحلقوقي احملموم لتطبيع اللوطية وإذاعتها لتدرك حجم اخلطر احلالي‪ ،‬والداهية‬
‫القادمة‪ ،‬إن استمر اإلسالميون يف اضطراب موقفهم بتلك القضية!‬
‫‪159‬‬
‫* أبرز مؤشرات العوام‪.‬‬
‫‪160‬‬
‫* أبرز مؤشرات اإلسالميني‪.‬‬
‫‪161‬‬
‫ثامنا‪ :‬الفقه املعاصر واللوطية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬الفقه في الجهات الرسمية‪.‬‬
‫إىل اآلن (‪ ،)2019‬مل تُظهر املؤسسات الدينية الرمسية يف البلدان العربية تفاعال مع‬
‫املوجة العاملية لتطبيع اللوطية‪ ،‬وال تكاد جتد فتوى كربى واضحة بال لبس يف حكم‬
‫اللواط وحكم مستحليه‪.‬‬
‫ففي الفتوى رقم ‪ ،4134‬املنشورة على موقع دار اإلفتاء املصرية‪ ،‬واليت تعود إىل عام‬
‫‪ ،2005‬جييب علي مجعة ‪-‬مفيت مصر حينها‪ -‬على سائل‪" :‬ما حكم من ينادي بالزنا‬
‫والشذوذ اجلنسي؟" بالصورة اآلتية‪" :‬من املقرر يف الشريعة اإلسالمية أنَّ الزِّنا حرا ٌم‬
‫وهو من الكبائر‪ ،‬وأنَّ اللواط والشذوذ حرامٌ وهو من الكبائر‪ ..‬إذا تقرر ذلك فإن‬
‫الزنَا‪ ،‬ويرفض كل عالقةٍ جنسيةٍ ال‬
‫اإلسالم ال يعرتف بالشذوذ اجلنسي‪ ،‬ويُنكر ِّ‬
‫تقوم على نكاحٍ صحيح" (‪.)101‬‬
‫أعد قراءة الفتوى‪ ،‬ستالحظ كيف صيغت يف صورة تتفادى الذكر الصريح املباشر‬
‫الواضح حلكم استباحة اللواط‪ ،‬وتكتفي ببيان أنه حمرم‪ ،‬تاركةً االستنتاج للقارئ‪،‬‬
‫الذي لو مل يكن من طالب العلم العارفني حبكم استباحة احملرمات‪ ،‬ملا استطاع معرفة‬
‫اإلجابة على السؤال أبدا‪ ،‬ولرمبا هيَّجه غياب نص تكفري املستبيح‪ ،‬يف فتوى مفيت‬
‫الديار املصرية األسبق‪ ،‬إىل اهلجوم على كل خطاب يُكفر املستحلني‪.‬‬
‫‪162‬‬
‫هذا وتلك الفتوى هي الوحيدة املتعلقة باللواط‪ ،‬واملنشورة يف موقع دار اإلفتاء ‪ -‬يف‬
‫عام ‪ !2019‬أي أن أقرب منشور عن تلك القضية يف املوقع الرمسي ملنصة اإلفتاء‬
‫الرمسية يف أكرب دولة عربية وواحدة من قالع العامل اإلسالمي الكربى = يرجع إىل‬
‫ما قبل أربعة عشر عاما‪ ،‬وهي بذاك الشكل امللتف الذي تراه!‬
‫وال يوجد حرف واحد عن اللوطية املعاصرة وأحكامها! بل من املضحكات املبكيات اليت‬
‫فاقت بها مصر األمم‪ ،‬أن موقع أمانة الفتوى فيه إجابة عن حكم السفر عرب الزمن‬
‫صدر عام ‪ ،2011‬وليس فيه إجابة عن األسئلة املتعلقة باللوطية‪ ،‬األيدولوجيا اليت‬
‫ميوج بها العامل‪ ،‬إال إجابة مجعة!‬
‫أما خارج املنصات الرمسية‪ ،‬فقد أصدر علي مجعة نفسه فتوى صرحية فيها وعي‬
‫عالٍ‪ ،‬تتعلق حباالت اخلِناثة والرتجُّل‪ ،‬حترمها وجترمها ومتنع جراحات تغيري خلق‬
‫اهلل املسماة تغيري اجلنس (‪ ،)102‬وكذلك توجد على منصة إسالم ويب فتوىً قدمية‬
‫واضحة القطع يف حتريم جراحات تغيري اجلنس لغري اخلنثى احلقيقي (‪.)103‬‬
‫ثانيا‪ :‬المسارات المستقبلية‪.‬‬
‫إن املؤسسات الدينية الرمسية يف العامل اإلسالمي والعربي منه حتديدا ستقع أمام‬
‫املسارات اآلتية يف الزمن القادم‪.‬‬
‫‪163‬‬
‫املسار األول‪ :‬هيمنة الغرب‪ ،‬واستمرار اللوطية‪.‬‬
‫وصورته‪ :‬أن يبقى الغرب مُهيمنًا على الدول العربية واإلسالمية‪ ،‬وأن يُستمر يف‬
‫اجتاهه احلالي التصعيدي ضد املعاداة للوطية‪ ،‬سواء حكمه يساريون أو ميينيون‪.‬‬
‫وهذا أسوأ املسارات على اإلطالق‪ ،‬ألن احلكام احملليني واإلقليميني سيضعون ملف‬
‫(دعم اللوطية) رغما عنهم بني امللفات اليت ميكن املناورة بها عامليا‪ ،‬إجيابا وسلبا‪ ،‬وهذا‬
‫سيؤثر على املؤسسات الدينية الرئيسية اليت ستكون مطالبة‪ ،‬يف كل األحوال‪ ،‬بتبين‬
‫خطاب يرتاوح بني اإلنكار الضعيف واإلباحة حبسب حجم زندقة رجاهلا!‬
‫سيُقابل هذا اإلنكار اخلائر بعواصف عاملية وداخلية حقوقية‪ ،‬وستضطر املؤسسات‬
‫للرتاجع أو الصمت مع جتاهل للمستحدثات والتطورات الدائمة‪ ،‬ما سيجعل‬
‫املؤسسات العربية واإلسالمية الدينية الرمسية فتنةً أكرب‪ ،‬بسبب ردود األفعال‬
‫املتوقعة من ذوي اهلم اإلسالمي الذين سيضطرون للصدام معهم ومع الدولة‪،‬‬
‫فتضاف إىل األعباء أعباء‪ ،‬وبسبب ادِّعام املؤسسات احلقوقية على خوارهم يف نشر‬
‫معتقداتها واخرتاق النظام واجملتمع بصورة أوسع!‬
‫املسار الثاني‪ :‬هيمنة الغرب وانتكاس اللوطية‪.‬‬
‫وصورته‪ :‬أن يبقى الغرب مُهيمنا؛ لكن يرتبك توجهه ذاك مع صعود ميني يتبنى‬
‫معاداة اللوطية‪ ،‬فيضطرب البناء الداخلي للمجتمع احلقوقي وال يلتفت إال لذاته‪.‬‬
‫ويف تلك احلالة سيبقى الوضع احمللي على ما هو عليه‪ ،‬وستتجرأ املؤسسات الدينية‬
‫الرمسية على التحريم بال قيود‪ ،‬خاصةً إذ ظل اجلناح اليميين األمريكي متحالفا‬
‫مع احلكام العرب‪ .‬وحتى إذا زال التحالف‪ ،‬فسيكون اجلناح الرافض للصعود اليميين‬
‫يف الغرب حباجة إىل دعم احلكام العرب ملساندتهم يف حسم النزاع السياسي الداخلي‪،‬‬
‫ويف تلك احلالة سيضطر لتجاهل موقف املؤسسات العربية من تلك القضية‪.‬‬
‫‪164‬‬
‫املسار الثالث‪ :‬هيمنة الغرب ومقاومة السياسيني العرب‪.‬‬
‫وصورته‪ :‬أن يبقى الغرب مُهيمنا‪ ،‬لكن يرفض بعض احلكام العرب تلك التوجهات أو‬
‫االلتفاف حوهلا استغالال لوجود قضايا اسرتاتيجية أهم ينشغل بها الغرب يُرضونه‬
‫بها‪.‬‬
‫وهنا تظل املؤسسات على حاهلا‪ ،‬ال تُصعِّد بصورة خطرية‪ ،‬ويف ذات الوقت ال تصمت‪،‬‬
‫ويضطر احلكام حينها إىل إظهار خطورة دعم اللوطية على االستقرار السياسي‬
‫واجملتمعي الداخلي‪ ،‬كونه سيعطي شرعية أكرب لإلسالميني والتيارات املتطرفة‪،‬‬
‫وحينها سيتفهم الغرب على األغلب‪ ،‬كما تفهم حكم آل سعود باألحكام الشرعية‬
‫والرجم والقطع‪ ،‬وجتاهل زمنا طويال التصعيد الرمسي‪ ،‬مع إبقاء السكوت على ذلك‬
‫امللف احلقوقي لعبة يف أيدي القوى العظمى يُفعِّلونها للضغط السياسي كل حني‪.‬‬
‫املسار الرابع‪ :‬تفكك الغرب وتنازع اهليمنة مع الصني أو روسيا‪.‬‬
‫وصورته‪ :‬أن تتفكك مركزية الغرب وسطوة هيمنته لصاحل هيمنة صينية أو‬
‫روسية‪.‬‬
‫ويف تلك احلالة قد تتنفس مؤسسات العامل العربي الصعداء يف املراحل األوىل‪ ،‬لكون‬
‫القضايا املركزية عند تلك الدول سلطوية وجيوبوليتكية يف مواجهة الغرب‪،‬‬
‫وسريتضون من العامل العربي حينها بأقل مناذج التطبيع الثقايف والديين مقابل‬
‫احلصول على مزاياه االسرتاتيجية؛ وبالتالي قد يستخدم ملف حترير املوقف من‬
‫اللوطية يف جذب احلكام العرب‪ ،‬كما تستخدم الصني اسرتاتيجيتها احلالية الال‬
‫مبالية مبوقف الدولة يف مسائل حقوق اإلنسان مقابل الشراكة االسرتاتيجية‬
‫وتلقي املساعدات‪ ،‬وهي السياسة اليت جعلت الكثري من الدول تفضلها عن املساعدات‬
‫والشراكات الغربية اليت تربط الدعم السياسي واملادي باملوقف احلقوقي الداخلي‪.‬‬
‫‪165‬‬
‫من بني تلك املسارات‪ ،‬يظل األول هو األقرب‪ ،‬ألنه بالفعل واقعنا احلالي واملمتد على‬
‫األقل لعدة سنوات قادمة‪ ،‬ما يعين أن املؤسسات الدينية الرمسية لن تكون معنا يف‬
‫مقتبل املعارك‪ ،‬بل ستتبنى يف أغلب األحوال موقفا متغابيا ضبابيا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الفقه في الجهات غير الرسمية‪.‬‬
‫تتضمن تلك اجلهات غري الرمسية كل من اهليئات والتنظيمات اإلسالمية غري‬
‫احلكومية‪ ،‬سواء املتوافقة مع احلكومات دون متازج (مثل السلفية العلمية يف مصر)‪،‬‬
‫أو غري املتوافقة (تنظيمات اإلخوان واحلركات اإلسالمية املختلفة)‪ ،‬وكذلك‬
‫األفراد (األشياخ غري املنتمني لتنظيم)‪.‬‬
‫إن تلك اجلهات ستكون األكثر تنوعًا يف اخلطاب‪ ،‬ولن تتوحد أو تشابه اخلطاب‬
‫الرمسي ضرورةً‪ ،‬بل قد يرى بعض املنتمني إىل املؤسسات الرمسية فيها منفذا‬
‫للتصريح ضد اللوطية إن عقم خطاب مؤسسته عمدًا‪.‬‬
‫ولن خيلو موقف تلك اجلبهات من اضطراب‪ ،‬فقد تنزع بعض الفتاوى‪ ،‬خاصة‬
‫الفردية‪ ،‬إىل التفريط‪ ،‬وقد تنزع أخرى إىل اإلفراط والغلو ‪-‬والتفريط سيكون‬
‫الغالب‪ -‬وسيتسبب سوء فهم األصول والتفريعات إىل هجوم ضخم معاكس من‬
‫اللوطيني ومجعياتهم احلقوقية‪ ،‬فعلى املفيت يف تلك املسائل أن يُجزِل من االطالع‬
‫على أبعادها‪ ،‬وأال يتسرع‪ ،‬وأال يتلكأ كذلك مبا يفوت عليه قضية الزمان‪.‬‬
‫وهذا االضطراب قد ينعكس على اجملتمع‪ ،‬وعلى األجيال اجلديدة‪ ،‬الفاقدة لعقل‬
‫تفصيلي يسعفه يف نبذ الغث والوقوف على الثمني‪ ،‬وثقف الفوارق بني اجلميع =‬
‫فستميل حينها لتصديق وتبين اخلطاب الليربالي‪ ،‬الذي يغذوها ليال نهارا بكافة‬
‫إعالمه ووسائله‪ ،‬ولن جتد مقاومةً تُذكر من املؤسسات الدينية الرمسية‪ ،‬وسيكون‬
‫اخلطاب اإلسالمي غري الرمسي بالنسبة هلا فوضويا ومرتبكا مبا يكفي للنفور عنه!‬
‫‪166‬‬
‫احلركات اإلسالمية حتديدا ستقع بني شقي الرحى‪ ،‬ألنها بال ريب ستُطالب ببيان‬
‫رأيها يف تلك القضية‪ ،‬خاصة املرتبط منها بالنظام العاملي كاإلخوان املسلمني‪،‬‬
‫وستتحرج من إعالن موقف معادٍ مظاهر ضد اللوطية‪ ،‬يضعها يف خانة عداء‬
‫املنظمات احلقوقية الغربية واملؤسسات الدولية‪ ،‬ومييل بها أكثر حنو تصنيفها‬
‫كحركة متطرفة يف الغرب‪ ،‬وخسائرها من ذلك ستكون فادحة‪ :‬إذ أن دعمها‬
‫سيتناقص كحل غربي مناسب يُلجأ إليه أحيانا لسد فراغات السلطة يف البالد‬
‫العربية‪ ،‬أو إعطاء شرعية نظام معني كاألردني واملغربي‪ ،‬باعتباره غري معا ٍد‬
‫للشريعة‪ .‬وكذلك لن يؤبه مبوقف معتقليها ومسألة إبادتهم والتضييق على‬
‫منتسبيها يف البالد اليت يعانون من اضطهاد سلطاتها كمصر‪ ،‬إذ أن املسؤول األول‬
‫عن الضغط الدولي للتخفيف عنهم هو مؤسسات حقوقية داعمة للوطية بال هوادة‪،‬‬
‫كمنظمة العفو الدولية؛ وإذا تعارضت القضايا لن تهتم بكل من يعادي اللوطية‪،‬‬
‫هذا إضافة ملا سينال أفرعهم املوجودة يف الغرب من تضييق واضطهاد باعتبارها‬
‫منظمة إرهابية ضد اللوطية‪ .‬أما اختاذ موقف مائع ضد اللوطية؛ فتهديد لقاعدتها‬
‫الشعبية‪ ،‬وبنيتها الداخلية‪ ،‬وصورتها اجملتمعية أمام منتسبيها وغري منتسبيها‪ ،‬أما‬
‫املنتسب فأمره هني‪ :‬قد يُقال له أن تلك ضرورة واحلركة موقفها احلقيقي واضح‬
‫لكنها ال جترؤ على إعالنه‪ ،‬فإن قبل استمر‪ ،‬وإن عاند ُنبِذ‪ ،‬أما غري املنتسبني فلن‬
‫يرتضوا هذا املوقف وسيزيد اهلجوم الداخلي اإلسالمي ‪-‬اإلسالمي عليهم‪ .‬وقد تتبنى‬
‫احلركات كذلك خطابا رافضا ثقايف الطبع‪ ،‬يربر للغرب معاندته؛ باالنتماء‬
‫للثقافة العربية والقيم اجملتمعية اليت ترفضه؛ ال لكونه حمرما بذاته‪.‬‬
‫أما األفراد فسيزداد موقفهم فوضويةً‪ ،‬وستدخل األهواء لتلعب بكثافة يف حتديد‬
‫الفتوى املناسبة‪ ،‬فهناك من سيخشى التوجه الدولي وسيحاول إجياد صياغة حديثة‬
‫للفتاوى حتت مسمى إعادة االجتهاد‪ ،‬وقد نرى فتاوى تتحدث عن إمكان وجود‬
‫(خنثى نفسي) ال تكون أعضاؤه الظاهرة مُشكلة‪ ،‬لكن نفسيته كذلك! ولن تكون‬
‫‪167‬‬
‫املشكلة يف هذه الفكرة بذاتها ضرورةً‪ ،‬إمنا ملا سيتتبعها من حماوالت تذويب املفاهيم‬
‫اإلسالمية ولربلتها مبا يوافق اللوطية احلديثة‪.‬‬
‫كذلك قد تشيع حماوالت التصاحل مع اخلطاب اللوطي بطريق ملتوٍ‪ ،‬إذ تُنسب‬
‫اللوطية إىل األمراض النفسية‪ ،‬ويُطلب الرتفق باللوطيني ألنهم مرضى‪ ،‬وهو‬
‫خطاب موجود حاليا وأبرز صفاته‪ :‬تبين توجه معادٍ رفيق باللوطيني‪ ،‬ومعا ٍد‬
‫لكارهيهم‪ ،‬وراغب عن إيذائهم ولو بلفظ ال يرتضونه! أمل تر خطاب بعض من يزعم‬
‫عالجه اللوطية؛ وهو يهاجم من يستخدم لفظي اللوطية والشذوذ‪ ،‬ويرفض‬
‫استخدام غري مصطلح املثلية لوصفهم؟!‬
‫وهناك من اجلهة األخرى من قد يتبنى تكفري كل من وقع يف اللواطة‪ ،‬وقد يُبتعث‬
‫موقف اخلوارج القديم عن تكفري صاحب الكبرية‪.‬‬
‫كل تلك الفوضى لن تكون يف مصلحة اخلطاب غري الرمسي‪ ،‬وستصب ال حمالة يف‬
‫خانة اللوطيني‪ ،‬ولن خيففها إال اخلطاب اخلارجي‪ :‬مبعنى أن ذيوع تلك الفوضى‬
‫سيعطي فرصة للخطاب املنظم الواعي للصعود‪ ،‬وسيكون ذلك اخلطاب املنظم غالبا‬
‫من دولة ال تعاني ضغطا كبريا وال فوضىً ضخمة يف تلك املسألة‪ 19‬وستساهم‬
‫مواقع التواصل يف رواج أي خطاب منظم وا ٍع مستمر‪.‬‬
‫أما من جهة فقه املهجر‪ ،‬فسيكون أحد أبرز آالت تزويج اللوطية لإلسالم‪ ،‬لطبيعة‬
‫الضغط املوجود على املهاجرين‪ ،‬ونشوء أجيال حالية بالفعل تؤمن بأن اإلسالم يبيح‬
‫اللوطية‪ ،‬ومسلمو أمريكا يعلمون بوجود مؤمترات حالية تناقش تلك القضية‪ ،‬ويقر‬
‫أغلب املسلمني الشباب فيها بإباحة اللوطية‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫وأظنها ستصبح مملكة آل سعود‪ ،‬وهللا أعلم‪ ،‬إذ أن مؤسساتها األكاديمية قوية‪ ،‬ولديها بحاثة أكفاء كثر‪ ،‬وال تعاني في‬
‫المسائل المجتمعية ذات الرقابة العلمانية الضخمة التي تعانيها المؤسسة األزهرية المصرية –إلى اآلن!‬
‫‪168‬‬
‫ثالثا‪ :‬معوقات صناعة فقه معاصر مناسب للوطية‪.‬‬
‫مما سبق ميكن تلخيص أهم معوقات صناعة فقه معاصر مالئم يف اآلتي‪:‬‬
‫‪ .1‬عدم ثقف القضية اللوطية وجذورها‪ ،‬وغموض مصطلحاتها‪ ،‬وجدتها املعنوية‬
‫واللفظية على أوساط العلوم الشرعية‪.‬‬
‫‪ .2‬عدم فقه الصور املستحدثة من اخلِناثة واللواطة والطب التجميلي والتعديلي‬
‫والنفسي‪.‬‬
‫‪ .3‬الضغوط الدولية واحمللية املؤسسية اليت ستُنشئ سياجا من احلذر حول أي‬
‫دراسة شرعية متعلقة بتلك القضية‪ ،‬خشية التعقيدات الدبلوماسية واحلقوقية‪،‬‬
‫تصور مثال كيف لشيخ أن خيرج ليحرم األلعاب النسائية ولو بزي ساتر‪ ،‬ولو يف‬
‫مكان مغلق‪ ،‬ألنها ستشمل التحاما جسديا مع خِناث ذكور! أي طاق جحيم سيفتح‬
‫على نفسه!‬
‫‪ .4‬الفوضى غري الرمسية اجلارية يف مسائل واضحات بيِّنات‪ ،‬واليت ستتضاعف مرات‬
‫ومرات بعد دخول قضية غامضة ودائمة التحديث مثل تلك‪ ،‬إىل دوائر النقاش‬
‫واجلدل‪.‬‬
‫‪ .5‬اختالف موقف اجلماعات اإلسالمية وتضاربها‪ ،‬واضطرار بعضها إىل مواالة‬
‫الغرب بالسكوت على أفضل األحوال‪ ،‬والذي قد يلجأ مستقبال إىل تبين خطاب‬
‫وسيط يدافع عن حقوق اللوطيني يف احلياة وعدم اإليذاء‪ ،‬ويشكك يف األحكام‬
‫الشرعية العقابية ويعتربها تراثية‪ ،‬ويطعن يف األحاديث اليت فرَّع منها الفقهاء‬
‫‪169‬‬
‫مسائلهم‪ ،‬ويف نفس الوقت يُرضي املسلمني بإظهار رفض اخلطاب اللوطي واعتباره‬
‫خمالفا للقيم‪.‬‬
‫‪ .6‬حجم الضغط الكبري الذي سيقع على مسلمي املهجر بناءً على املواقف السيادية‬
‫لدوهلم‪ ،‬والذي قد يدفع بعضها إىل ختفيف اخلطاب وتعليق عقاب اللوطية‪ ،‬إرضا ًء‬
‫للغرب وملسلميه‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬التوقعات المستقبلية ومخاطر تخلف أو تبعية فقه مواجهة اللوطية‪.‬‬
‫إن األقرب للحدوث مستقبال هو انقسام اجملتمع العلمي الشرعي إىل املواقف اآلتية‪:‬‬
‫‪ .1‬الغالب إىل وقت قريب‪ ،‬سيكون جتاهل القضية وعدم االنشغال بها عمدا خشية‬
‫إحراج أو إغضاب الدولة‪.‬‬
‫‪ .2‬اخلطاب املائع غري الظاهر‪ ،‬وسيتعمَّد التغابي يف الواضحات‪ ،‬هربا من قيل احلق‪.‬‬
‫وقد رأينا مثالني مبكرين على ذلك‪ :‬األول الغنوشي الذي سُئل عن حقوق اللوطية‪،‬‬
‫فلم يذكر حكمها وال موقفها الشرعي‪ ،‬بل حتدث عن حقهم يف أال يفتش أحد عنهم‬
‫وال يقتحم خصوصيتهم‪ ،‬وموقف سلمان العودة الذي سُئل يف أوروبا عنهم فقال إن‬
‫ال أحد حيكم عليهم بالكفر وأن من يكفرهم هم اخلوارج فقط‪ ،‬بل انتفض على‬
‫مواقع التواصل مهامجا من كفر اللوطي‪ ،‬يف جتاهل فاضح للسؤال وخماطر إجابته‬
‫املائعة املرذولة بل واعتماده مهامجة خصم من القش واتهامه باخلروج عن السُّنة!‬
‫ما للسؤال وما لإلجابة واالنتفاضة؟!‬
‫‪ .3‬اخلطاب املقاوم‪ ،‬وسينقسم بني مقاومة جبهالة وضحالة‪ ،‬اعتمادا على الفقه‬
‫األثري القديم وحده = وهذا سيضر أكثر ما ينفع‪ ،‬وبني مقاومة بعلم املستحدثات‪،‬‬
‫‪170‬‬
‫وهذا سيحتاج إىل معرفة متخصصة وإدراك عميق لآلثار واحلوادث‪ ،‬ثم ربط بني‬
‫الطرفني مبهارة وإدراك مقاصد الشريعة احلقيقية ال املتلربلة اخلنيثة املعاصرة‪،‬‬
‫ولن يفُز بهذا إال الندرة‪.‬‬
‫‪ .4‬اخلطاب املتلربل‪ ،‬وسيعمل على تفكيك البنية الشرعية يف أصل باب الزنا الفقهي‬
‫كله‪ ،‬ثم إعادة تركيبه على أسس دين ليربالية املؤتفكات‪ ،‬بتأويل اآليات بالباطل‬
‫ورد األحاديث بالبغي وإسقاط أقوال الفقهاء أرساال‪ ،‬كما هي عادتهم السقيمة‬
‫القبيحة‪ ،‬قبحهم اهلل وفضحهم يف الدارين‪.‬‬
‫‪ .5‬اخلطاب املضطرب‪ ،‬وهذا سيكون شائعا فيمن يقتصر على الفقه القديم‪ ،‬إذ‬
‫سيحاول االبتعاد عن جداالت تلك القضية باالنشغال مبسائل أخرى‪ .‬خطورة هذا‬
‫النوع أنه سيهاجم املنشغلني مبقاومة اللوطية‪ ،‬باعتبارهم يضيعون الوقت فيما ال‬
‫حيتاج إىل ذلك‪ ،‬وأن اإلسالم أكرب من تضييع الوقت يف هذا اجملال‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬صفات العلماء المؤهلين إلنتاج فقه مواجه للوطيَّة‪.‬‬
‫ليس من الصعب بعد كل ما ذكرناه حتديد أبرز صفات العلماء املؤهلني إلنتاج فقه‬
‫صحيح وسليم ملواجهة اللوطية‪ ،‬عن طريق استعراض أشراط وجود ذلك الفقه يف‬
‫أحدهم‪:‬‬
‫‪ .1‬اإلخالص هلل وحده‪ :‬بعدم التبعية ملؤسسة حكومية أو دولية أو حزبية تراعي‬
‫النظام الدولي واهليمنة الغربية ومقتضياتها ولوازمها وضغوطها‪.‬‬
‫‪ .2‬وينبين على اإلخالص ضرورة عدم التأثر بأديان العلمانية املختلفة‪ ،‬فال لربلة‬
‫وال يسار وال غريهما = أن يكون بناؤه الفكري والشرعي خالصا من كل تلك األدران‪.‬‬
‫‪171‬‬
‫‪ .3‬وينبين عليه‪ ،‬وجوب إدراك بنية النظام الدولي الفكرية والفلسفية املعاصرة‬
‫بصورة جيدة‪ ،‬وعداء صورتها والسعي يف هدمها‪.‬‬
‫‪ .4‬وينبين عليه كذلك‪ ،‬عدم االكرتاث بالعاقبة‪ :‬أن يقول احلق ال يكرتث ملوقفه‬
‫ووضع التشكيل االجتماعي الذي ينتمي إليه‪ ،‬سواء كان مؤسسة دينية أو حزبا أو‬
‫تنظيما أو مجاعةً‪.‬‬
‫‪ .5‬العلم املعمق بالشريعة‪ :‬مقاصدها وبنيتها ومذاهب الفقهاء يف تلك القضية‬
‫حتديدا‪ ،‬ويف أبواب احلدود عامةً‪.‬‬
‫‪ .6‬العلم املعمق بالقضية اللوطية‪ :‬بإدراك أغوارها الفلسفية والقانونية ومغبة‬
‫التهاون معها ولوازمها وعالقتها بالليربالية‪.‬‬
‫‪ .7‬العلم املعمق باملستحدثات اللوطية‪ :‬الطبية والنفسية والقانونية والفلسفية يف‬
‫كل ما يتعلق بتلك القضية‪ ،‬حبيث ال تكون فتواه متخلفة عن الواقع‪.‬‬
‫‪ .8‬حيازة امللكة الفقهية‪ :‬من أجل ربط الفقه القديم باملستحدثات والنوازل املعاصرة‬
‫بصورة مالئمة‪.‬‬
‫‪ .9‬االطالع الواسع على تربيرات مسلمي املهجر السقيمة وتأويالتهم لكل مُحرِّم‬
‫شرعي لتلك الفاحشة‪ ،‬والرد عليها أوال بأول‪.‬‬
‫أخريا‪ ،‬لعلك بعد االطالع على تلك األشراط كلها‪ ،‬قد أدركت مل سيندُر وجود فقه‬
‫مناسب مكافح للوطية‪ ،‬ومل سيسود اخلطاب الفوضوي؛ فمن الذي سيجمعها كلها‬
‫‪172‬‬
‫إال أفرادا هنا وهناك؟ ثم كم فرد منهم سيتحمل تبعات ولوازم اخلروج على النظام‬
‫العاملي ووكالئه وتشكيالته اليت حنيا بداخلها؟‬
‫ولعل اهلل يُحدِث بعد ذلك أمرا!‬
‫‪173‬‬
‫أهلمها فجورها وتقواها‬
‫‪174‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬اللوطية والعلوم‬
‫قد يُحيل ذوو األلباب إمكان أن يبين عشرات املاليني من البشر‪ ،‬ذاك اهلوس بقضية‬
‫عمالقة مثل اللوطية‪ ،‬فوق أساس علمي واهٍ‪ ،‬ونسيج بيولوجي مهرتئ‪ ،‬وبهرج‬
‫سيكولوجي زائف‪ ،‬خاصةً إن كان أولئك املؤمنون باهلرت والدجل هم أنفسهم‬
‫مُفاخرو العقالنية‪ ،‬ومتبجحو العلموية!‬
‫إال أن هذا الفصل غرضه أن يدهمك باحلقيقة‪ :‬أن أولئك الناس قد شيدوا كل ذاك‬
‫البناء‪ ،‬دون أساس علمي واحد مُحرتم حيدث به الغَناء‪ ،‬ويُمأل به الكساء! ثم األعجب‬
‫أنهم صاروا يُقاتلون دونه‪ ،‬ويوالون عليه ويعادون فيه!‬
‫وقد آثرت عدم تقديم هذا املبحث‪ ،‬ال لتأخُّر رأي العلم عندي؛ بل حلجم الفوضى اليت‬
‫تطبع ذلك امللف حتديدا! فاملسألة يف أيدٍ ال متلك إثبات جبليَّة اللوطية‪ ،‬لعدم وجود‬
‫أدلة معتربة‪ ،‬كما سنرى‪ ،‬وال متلك كذلك نفيها مطلقا‪ ،‬لقوة سلطان اللوطية‬
‫واخلشية من إثارة اللوطيني املبثوثني يف كافة أروقة املؤسسات السيادية العلمية‬
‫وغري العلمية يف الغرب‪ ،‬إضافة للتهمة اليت راجت مؤخرًا إلرهاب اجلميع‪ ،‬وهي‬
‫معادة اللوطيني‪ ،‬ورهاب اللوطية ‪!Homophobia‬‬
‫وسأقسم هذا املبحث إىل أقسام ثالثة‪:‬‬
‫األول أناقش فيه علوم البيولوجيا‪ ،‬باعتبارها األساس (املادي) الذي كان من الواجب‬
‫رسوخه كيما ينبين عليه كل ما بعده‪ ،‬فهي لُباب العلوم املنشغلة باللوطية‪ ،‬وأوثقها‬
‫اتصاال بالوضعية واإلمربيقية‪.‬‬
‫والثاني أناقش فيه علم االجتماع‪ ،‬ونظريات تكوُّن النوع‪ ،‬واخللل الذي تسببت فيه‪،‬‬
‫وآثارها‪ ،‬مع عرض لوجهيت النظر اجلوهرية والبنائية يف أصل اللوطية‪ ،‬وأخريًا‬
‫نستعرض نظرية الشذوذ ‪.Queer Theory‬‬
‫‪175‬‬
‫والثالث أناقش فيه فيه العلوم النفسية‪ ،‬املُتَّهم األول بالرتويج للوطية‪ ،‬ودعامتها‬
‫املركزية‪.‬‬
‫ثم أختم املبحث بنقاش عام‪.‬‬
‫وستالحظ أن كافة النظريات يف العلوم الثالثة تكاد تتمحور حول سؤال واحد‪:‬‬
‫أتكون اللوطية جبليَّة أم مكتسبة؟ معرفة هذا واجبة لتيسري قراءة كل ما يأتي‪.‬‬
‫أوال‪ :‬البيولوجيا والبحث عن أصل اللوطية‪.‬‬
‫كان وما زال اهلدف الرئيسي من النشاط البحثي يف اجملال العلمي البيولوجي‪ ،‬هو‬
‫إثبات جبليَّة اللوطية يف اإلنسان‪ ،‬ورفع اإلثم عن اللوطيني‪ ،‬بإظهارهم جمربين ال‬
‫خمتارين ألفعاهلم‪.‬‬
‫ويف هذا اجملال‪ ،‬ال إثبات للجرب إال بإثبات رسوخ ذلك امليل يف أدق مُركَّب تصنيعي‬
‫يف جسم اللوطي‪ ،‬وهو اجلني = وعليه تركَّز البحث يف العلوم البيولوجية على‬
‫حماولة إجياد أثر جيين يف امليول اجلنسية اللوطية؛ فإذا حدث ذلك‪ ،‬ستقوى حجج‬
‫التعاطف مع اللوطيني وتتماسك وتصري ذات أساس علمي ال يُجادَل)‪ ، (104‬إذ كيف‬
‫نطالب إنسانا بأن خيالف ما خلقه اإلله احلق أو الطبيعة فيه؟ تلك حجة تسبب‬
‫البلبلة حتى عند املتدينني‪.‬‬
‫ولنضرب مثال بهوارد دين‪ ،‬مرشح الرئاسة األمريكي يف إنتخابات ‪ ،2004‬عن‬
‫الدميقراطيني‪ ،‬فبالرغم من أنه مسيحي متدين‪ ،‬وبالرغم من رفضه الزواج اللوطي‬
‫‪176‬‬
‫الرمسي‪ ،‬إال أنه كان أحد رواد املوافقة على االحتاد املدني ‪ Civil Union20‬يف‬
‫الواليات األمريكية‪ ،‬وقد صبغ دين موافقته تلك بصبغة دينية‪ ،‬إذ حتجج باألدلة‬
‫(املتكاثرة) على أن اللوطية مُسبَّبة باجلينات‪ ،‬فطرية جبليَّة‪ ،‬وبالتالي ال ميكن أن‬
‫خيلق الرب أُناسا لوطيني ثم يؤثِّم اللوطية )‪!(105‬‬
‫فانظر كيف مجع بني رفضه زواج اللوطيني رمسيا‪ ،‬وبني رؤيته الستحالة كون‬
‫اللوطية إمثا‪ ،‬وهو كالم مُنبئٌ حبجم االضطراب الداخلي يف نفسه بني قولة الدين‬
‫وبني ما يظنه حقيقة علمية‪ ،‬وحماولته التوفيق بينهما قدر جهده!‬
‫وقد سادت تلك الرؤية طوال النصف الثاني من القرن العشرين‪ ،‬أي قدرة إثبات‬
‫(اجلرب اجليين) على تقبل اللوطيني‪ ،‬والتسامح معهم‪ ،‬لذا كان اهلوس رائجا يف تلك‬
‫املرحلة‪ ،‬خاصة يف التسعينيات‪.‬‬
‫لكن ذلك اهلوس صار أقل‪ ،‬ملا ثبت ببحوث خمتلفة؛ منها دراسة بويسون وفوجل على‬
‫جمموعة من الطالب األمريكيني‪ ،‬عن ضعف فعالية نظرية العزو ‪Attribution‬‬
‫‪ ،theory‬القائلة بأن البشر يتساحمون أكثر إن علموا أن فعل املرء الغريب منسوب‬
‫ألصل جيين‪ ،‬ال حتكم لإلنسان به‪ ،‬وال يكونون بذات التسامح إن نُسب الفعل ألصل‬
‫سيكولوجي نفسي‪ ،‬وعليه يكون إثبات اجلبليَّة أوفق لتقبل اللوطية = إذ ثبت أن‬
‫رافضي اللوطية مل ولن يتغري رأيهم فيها حتى وإن ثبت األصل اجليين‪ ،‬وأن داعميها‬
‫‪ 20‬االتحاد المدني هو نوع من أنواع الزواج‪ ،‬يحوز فيه الطرفان حقوق المتزوجين‪ ،‬لكنه دون الزواج الرسمي المرتبط بالموافقة الدينية‬
‫والقانونية الكاملة‪ .‬وقد كان –وما زال‪ -‬هو حل أكثر الدول والواليات التي لم تسمح للوطيين بالزواج الرسمي‪ ،‬ولم ترض بحرمانهم‬
‫من هذا النوع من الزواج العرفي‪.‬‬
‫‪177‬‬
‫مل ولن يتأثر موقفهم بصحة أو خطأ نظرية األصل اجليين)‪ ! (106‬لذا تركز التغيري‬
‫طوال العقد املاضي يف اجلانب الثقايف واملعريف واحلقوقي‪ ،‬بدال من اهلوس باجلانب‬
‫البيولوجي‪.‬‬
‫لكن كيف حاولوا إثبات اجلرب اجليين بالعلوم البيولوجية؟‬
‫انقسم األحيائيون بني عدة مسالك‪ ،‬كان أبرزها وأكربها وأكثرها إثارة للجدل‬
‫ثالثة‪:‬‬
‫• األول‪ :‬البحث املباشر عن (جني) يف كروموزومات اللوطيني ال يوجد يف غريهم؛‬
‫فإذا وُجِد مثل هذا اجلني‪ ،‬أمكن ترجيح جبليَّة اللوطية‪ .‬وقد اصطلحت األدبيات‬
‫اإلعالمية على توصيفه باجلني اللوطي ‪.Gay Gene‬‬
‫• الثاني‪ :‬البحث عن اختالفات فسيولوجية أو تشرحيية بني اللوطيني وغريهم‪ ،‬فإذا‬
‫ثبت االختالف‪ ،‬أمكن ترجيح جبليَّة اللوطية‪ .‬وهو حبث غري مباشر‪ ،‬إذ أننا وإن مل نر‬
‫اجلني‪ ،‬إال أننا وجدنا آثاره‪.‬‬
‫• الثالث‪ :‬البحث يف مدى تكرار اللوطية بني التوائم خاصة املتماثلة‪ ،‬فإذا وجدنا أن‬
‫التوائم املتماثلة جينيا مشاكلة يف اللوطية أيضا‪ ،‬أمكن ترجيح جبليَّة اللوطية =‬
‫وهو حبث غري مباشر كذلك‪.‬‬
‫وسأعرض أهم وأشهر جتربة يف كل مسلك‪ ،‬واجلدل الذي ثار حوهلا‪ ،‬ثم خنتم‬
‫مبوجز خنتصر فيه الكل‪.‬‬
‫لكن توجد عدة أسس جيب عرضها ابتداءً‪:‬‬
‫األول‪ ،‬أن البحث اجليين متمركز حول اللوطية الذكرية‪ ،‬وال يوجد شيء مُعترب‬
‫ميكن ذكره عن اللوطية النسوية‪ ،‬واجلميع يُقر بقلة املعرفة عن األخرية‪ ،‬وهذا‬
‫طبع عام للبحوث العاملية حول اللوطية‪ ،‬يف جماالت البيولوجيا والسوسيولوجيا‬
‫‪178‬‬
‫والسيكولوجيا‪ ،‬فهي تركز بصورة رئيسية على اللوطية الذكرية (واملفعول به على‬
‫وجه التحديد) بينما تبدي اهتماما أقل يف غريه‪.‬‬
‫الثاني‪ ،‬أن البحوث يف تلك القضية متهمة باالحنياز‪ ،‬ومن حقائق تلك القضية‬
‫تراشق التهم بني الطرفني‪ ،‬املُثبت للجبلية اجلينية‪ ،‬والنايف هلا‪ ،‬أو الصراع بني‬
‫مدرستني يف تفسري اللوطية‪ ،‬مدرسة الطبيعة ‪ Nature‬ومدرسة التنشئة والرتبية‬
‫‪.Nurture‬‬
‫الثالث‪ ،‬أن أجواء البحث العلمي يف تلك القضية ختضع ال حمالة للضغوط املعيارية‬
‫اجملتمعية‪ ،‬فلم يعد من السهل تقديم حبث عن كون اللوطية مرضا سلوكيا‪،‬‬
‫بإثبات طبيعة واحدة لإلنسان‪ ،‬وهي امليل للجنس اآلخر! وللمدرسة البنائية يف علم‬
‫االجتماع اهتمام بإدراك الطابع الثقايف لتلك الظاهرة وتكوين املعارف حوهلا‪ ،‬كما‬
‫سنرى الحقا‪.‬‬
‫الرابع‪ ،‬أن البحث طوال ربع القرن األخري قد أصابه اليأس عموما من اإلثبات اجليين‬
‫ألصل اللوطية‪ ،‬وال أحتدث عن القرائن‪ ،‬بل أحتدث عن إثباتات جتريبية بأدلة ال‬
‫تُدحض‪ ،‬وبالتالي انتقل الرتكيز على املقاربات االجتماعية والنفسية وإضفاء‬
‫أهمية كبرية عليها‪.‬‬
‫اخلامس‪ ،‬أن غاية ما يدعيه العلماء املثبتون جلبليَّة اللوطية هو قوة القرائن‪ ،‬وعليها‬
‫مدار عملهم‪ ،‬ويزعمون أن تلك القرائن املتعددة من االستقراء قد تصلح دليال كافيا‪.‬‬
‫وهذا ال يُسلَّم يف تلك القضية حتديدا‪ ،‬ألن األدلة األخرى على ندرة اللوطية يف‬
‫كثري من اجملتمعات التارخيية = تدحض هذا الوجود احلتمي للوطية‪ ،‬وبالتالي‬
‫نرجع حنن واللوطيون إىل جماالت علم االجتماع والنفس ودور الثقافة يف التطبيع‬
‫ونشر تلك الفاحشة‪ ،‬وسأناقش هذا يف جزء علم االجتماع‪.‬‬
‫‪179‬‬
‫السادس‪ ،‬أن البحث عن السلوكيات اجلنسية اجلدلية األخرى‪ ،‬جينيا‪ ،‬غائب‪ ،‬وال‬
‫يهتمون به‪ ،‬رغم مطالبة متشهي األطفال (البيدوفيل) وعشاق احليوانات‪ ،‬بالتعاطف‬
‫معهم ألن األمر (مركب فيهم) كما سنرى يف نهاية الفصل؛ فالصحيح لو أراد‬
‫اللوطيون اإلنصاف أن يُجرَى البحث اجليين لكل سلوك من هؤالء على حدة! وهي‬
‫خماطرة ضخمة‪ ،‬إذ أن اكتشاف مسات جينية مشرتكة بني كل تلك السلوكيات‬
‫وبني اللوطيني = سيجمع من يوصمون باملرض العقلي معهم‪ ،‬وبالتالي إما يُعدِّل‬
‫العلماء من تربيرهم تصنيف أحد الطرفني كمريض واآلخر كطبيعي‪ ،‬وإما‬
‫يرفضون التعديل فيقعون يف التناقض العلمي واألخالقي!‬
‫ولنبدأ اآلن يف استعراض مسالك احلجج‪.‬‬
‫أوال‪ :‬حجة جين اللوطية ‪.Gay Gene‬‬
‫يف مطلع التسعينيات‪ ،‬جنحت تقنية متميزة حينها يف حتديد موقع اجلني املسؤول‬
‫عن مرض هنتنغتون‪ ،‬وساد هوس ببحث أماكن ارتباط اجلينات باألمراض ‪Gene‬‬
‫‪ ،Linkage studies‬وامتد ذلك اهلوس إىل البحَّاثة يف السلوكيات‪ ،‬فتساءلوا‪:‬‬
‫أميكن حتديد موطن جني مسؤول عن سلوك معني)‪ (107‬؟‬
‫ثم يف عام ‪ ،1993‬نشر د‪ .‬دين هامر دراسة ذاعت بني العوام قبل العلماء‪ ،‬وطار بها‬
‫اإلعالم إىل آفاق املشرقني واملغربني فتداولت الصحافة دعوى أننا اكتشفنا أخريا‬
‫جني اللوطية‪ ،Gay Gene‬وأن دراسة هامر هي فتح كبري للوطيني)‪. (108‬‬
‫‪180‬‬
‫فما هي دراسة هامر؟‬
‫درس هامر عدد ‪ 114‬أسرة ألفراد لوطيني‪ ،‬فوجد أكثرهم ذوي أقارب لوطيني‬
‫آخرين من جهة األم‪ ،‬وعليه حبث احملتوى اجليين يف هؤالء مُقارِنا‪ ،‬ليلحظ تكرار‬
‫جني حمدد هو ‪ Xq28‬يف اللوطيني من األسرة؛ ومبا أن اجلني موجود على‬
‫الكروموسوم ‪ ،X‬املورَّث من األم = إذن هناك موثوقية إحصائية بنسبة كبرية أن هذا‬
‫اجلني هو املسؤول عن اللوطية يف الذكور)‪. (109‬‬
‫لتبسيط األمر‪ ،‬تصوَّر أن هامر الحظ أوال أن عدد اللوطيني من جهة أم اللوطي‬
‫أكرب‪ ،‬فقرر أن يدرس هذا االجتاه من األسرة‪ ،‬ثم الحظ جزءًا مميزا من جينات‬
‫اللوطيني موسوما بلون أصفر المع‪ ،‬ويف جينات أقارب األم مل جيد هذا اللون األصفر‬
‫متكررا إال يف جينات اللوطيني = أال يعين هذا أنه قد مت توريثه‪ ،‬خاصةً أنه موجود‬
‫على الكروموزوم املورَّث من األم؟‬
‫قوبلت دراسة دين هامر مبشاعر خمتلفة يف كل جهة‪ ،‬فهذا أول دليل (علمي) يثبت‬
‫جبليَّة اللوطية‪ ،‬وقد جاء سريعا‪ ،‬يف أوائل التسعينيات‪ ،‬كأمنا أُشكِلت القضية طوال‬
‫التاريخ‪ ،‬حتى استخدم دين هامر وفريقه البحثي تقنية (الربط اجليين) فجاء‬
‫اللوطيني الفرج من الضربات األوىل!‬
‫لكن فحص العلماء للدراسة بتأنٍّ أظهر بعض املشكالت األولية‪ :‬فهامر مل يُحدِّثنا‬
‫عن وجود أو غياب هذا اجلني يف األقارب غري اللوطيني )‪ !(107‬أالحظت أن اجلزء‬
‫‪181‬‬
‫األول من الدراسة اهتم بإجراء مسح ابتدائي ملعرفة النسبة األكرب من إحدى جهيت‬
‫األبوين‪ ،‬ثم بعد ذلك درس اللوطيني من جهة واحدة جينيا؟ فماذا عن غري اللوطيني؟‬
‫ثم نأتي لالعرتاض اآلخر‪ :‬فقد طار هامر فرحا بأن ‪ 33‬زوجا من اللوطيني ال ‪ 40‬قد‬
‫تشاركا هذا اجلني‪ ،‬لكنه مل حيدثنا عن السبعة الباقني‪ :‬مل غاب (جني اللوطية)‬
‫عنهم؟ الواجب أن كافة اللوطيني جُبِلوا على اللوطية بهذا اجلني؟ حاول هامر‬
‫ختفيف أثر ذلك باالعرتاف أن هذا اجلني مسؤول عن (منوذج واحد) من اللوطيني‬
‫)‪(109‬؛ أي أن هناك مناذج أخرى لوطية ال أثر للجني فيها!‬
‫وعلى أي حال كانت تلك معضلة سنجد كيف حاول أنصار جبليَّة اللوطية حلها‬
‫بعد ذلك‪.‬‬
‫لكن مل يأبه اإلعالم باالعرتاضات على التجربة‪ ،‬وطار بها فرحا يف كل مكان‪ ،‬وصار‬
‫(اجلني اللوطي) هو حديث الساعة يف كل مكان‪ ،‬وهو ما دفع األوساط العلمية‬
‫حملاولة تكرار التجربة‪ ،‬فالشرط العلمي واضح‪ :‬البد من أن تكون التجربة قابلة‬
‫للتكرار واحلصول على نفس النتائج‪.‬‬
‫مل يأبه الكثريون بادعاء (ستيال هو) أنها كررت التجربة‪ ،‬فقد كانت يف نفس فريق‬
‫هامر‪ ،‬وجتربتها كانت على عدد أقل؛ بل إن ادعاء ستيال هذا قد يُستخدم ضدهم‬
‫كما سنرى!‬
‫حاول الكثريون تكرار تلك التجربة‪ ،‬على ما يف منهجيتها من عيوب وخطايا‪ ،‬مثل‬
‫االعتماد على مقياس كينزي اجلدلي‪ ،‬واستجالبهم للعيِّنة من إعالن بصحف‬
‫اللوطيني‪ ،‬ومشاكل دراسات التوائم عامةً؛ لكن كل ذلك جتاوزه البعض‪ ،‬وحاولوا‬
‫‪182‬‬
‫التكرار بتاليف املعايب األوىل‪ ،‬كقلة عدد املفحوصني‪ ،‬ومنهجية التجربة‪ ،‬وأسلوب‬
‫فحص العينة‪.‬‬
‫وكانت النتائج دوما مفاجئة‪ :‬تكرار التجربة ال يوجِد ما حتدث عنه هامر!‬
‫لنضرب املثل بدراستني‪ :‬األوىل لفريق حمايد وهي دراسة جورج رايس)‪ ، (110‬والثانية‬
‫لفريق من اللوطيني‪ ،‬اشتهر بأحباث التوائم إلثبات اللوطية؛ وهي دراسة مايكل‬
‫بايلي وريتشارد بيالرد )‪ ،(111‬وقد نشرت الدراستان يف عام واحد‪.1999 :‬‬
‫يف األوىل‪ ،‬كرر فريق علمي بقيادة دكتور األعصاب األمريكي جورج رايس ‪Rice‬‬
‫التجربة على شرحية أوسع وأرقام أكرب من هامر‪ ،‬كان من املنتظر أن تؤكِّد‬
‫نتائجه ليُصبح اجلني اللوطي حقيقةً‪ ،‬لكن املفاجأة أن رايس أعلن عدم وجود ما‬
‫الحظه دين هامر‪ ،‬وكتب صراحةً أنه ال يفهم ِلمَ ملْ تتكرر اإلحصاءات على الرغم‬
‫من زيادة عدد املشاركني؛ بل إنه حتى لو مجع نتائجه فوق نتائج دين هامر‪ ،‬لن جيد‬
‫الباحثون شيئا مما زعمه هامر )‪!(110‬‬
‫ويف الثانية‪ ،‬كانت الشرحية أكرب من هامر (‪ 350‬مقابل ‪ ،)76‬وحاول القائمون بها‬
‫تاليف معايب دراسة هامر املنهجية العديدة‪ ،‬وهي من أكثر احملاوالت اجلادة يف‬
‫إثبات أثر ذلك اجلني ‪-‬تذكر ما قلته لك عن القائمني بها! لكن النتائج كانت‬
‫صادمة مبا يفوق دراسة رايس‪ :‬فهم مل يكتفوا فقط باحلديث عن عدم وجود عالقة‬
‫بني اللوطية واملوضع ‪ ،Xq28‬بل اكتشفوا أيضا أن أرقام اللوطية بني اجلهتني‪،‬‬
‫‪183‬‬
‫األمومية واألبوية‪ ،‬تكاد تتماثل! ذلك يعين أن لو ثبت األصل اجليين؛ فهو غري مرتبط‬
‫ضرورةً بالكروموسوم ‪ X‬من األساس )‪!(111‬‬
‫ما زاد العجب‪ ،‬أن دين هامر شارك بنفسه يف أول األلفية يف دراسة كربى خلريطة‬
‫اجلينوم الكاملة مع موستانسكي ‪ ،Mustanski‬وقد أكدت تلك الدراسة عدم‬
‫وجود ارتباط إحصائي من األساس بني امليول اجلنسية واجلينات‪ ،‬إال مبوضع واحد‬
‫يسرتعي النظر يف الكروموزوم ‪ ،7‬لكن حتى تلك امللحوظة ثبت وهمها يف عام ‪،2014‬‬
‫ومل تتكرر )‪.(107‬‬
‫ثم جاءت الضربات متوالية‪ ،‬لتنقل اجلني اللوطي إىل ركام تاريخ (جمازفات‬
‫العلوم)! فقد فشل العلماء طوال ‪ 21‬سنة يف تكرار نتائج التجربة‪ ،‬وانتقل االهتمام‬
‫إىل جينات أخرى متنوعة‪ ،‬ومخَّن موستنسكي يف عام ‪ 2005‬أن هذا اجلني‪ ،‬لو وُجِد‪،‬‬
‫فسيكون يف اجلينات األوتوسومية ‪ Autosomal chromosoms‬ال‬
‫الكروموسومات املرتبطة جبنس الوالدين‪ ،‬وبالتالي ميكن أن يكون مصدره األب أو‬
‫األم بالتساوي )‪ !(112‬وكل تلك الدراسات تؤكد على وجود (شيء غري طبيعي)‬
‫متعلق بدين هامر وفريقه! مل اكتشف دين هامر وحده هذه االكتشافات‬
‫‪184‬‬
‫الضخمة؟ ثم مل جنحت إحدى عضوات فريق دراسته (وحدها) يف تكرار جتربته؟!‬
‫أليس هذا مطعنا على نزاهة كافة ذاك الفريق البحثي؟‬
‫لكن مع ذلك الفشل‪ ،‬وبالتوازي مع خفوت هذه الفرضية يف حقل العلوم‪ ،‬تألألت تلك‬
‫(احلقيقة) يف كافة أرجاء اجملتمع غري العلمي‪ ،‬حتى وصفتها كيت أوديوردان‪،‬‬
‫األستاذة املتخصصة بالتأثريات اإلعالمية املهولة ملزاعم علمية غري ثابتة‪،‬‬
‫بالفرضية اجلينية اليت حتولت إىل واقع اجتماعي )‪!(108‬‬
‫لقد مر ربع قرن من تأكيدات اإلعالم واحلركات احلقوقية على (احلقيقة‬
‫شئ العوام عليها‪ ،‬بينما القصة يف العلوم‬
‫العلمية) القاضية بوجود اجلني اللوطي ونُ ِّ‬
‫(احلقيقية) ليست أكثر من فرضية مضطربة تُرجَّح تارة وتُنفى تارات)‪. (112‬‬
‫حتى جاء آالن ساندرز يف عام ‪ 2014‬وحاول بعث جني دين هامر من مرقده‪ ،‬فنشر‬
‫دراسة يدعي فيها أنه وجد ارتباطا إحصائيا بالفعل بني املنطقة ‪ Xq28‬واللوطية‪،‬‬
‫وهذا يدعم الدراسة املزعومة يف (ختمينها) ارتباط اللواط باجلينات )‪ !(107‬ومن‬
‫جديد أذاع اإلعالم القصة وطار بها الناس فرحا‪ ،‬وإن مل يفهموا ِل َم هذا االحتفاء مبا‬
‫ثبت منذ ربع قرن؟!‬
‫مل يكن أحد يدري أن العلماء كانوا يتعاملون مع تلك القصة باستخفاف‪ ،‬وهامر‬
‫ذاته أبدى دهشته ممن زعم أنه حتدث عن جني لوطي! فقال إنه جمرد مالحظة‬
‫تستحق الدراسة‪ ،‬وأن املسؤول عن اللوطية ليس جمرد موضع جيين واحد‪ ،‬بل‬
‫‪185‬‬
‫بالتأكيد عدة مواضع مركبة متفاعلة مع بعضها‪ ،‬إضافة للعوامل البيئية‬
‫اخلارجية ‪ ،(113) Environmental‬حماوال بذلك حل املعضلة اليت ذكرنا أنه‬
‫وقع فيها قبال‪ :‬مل يوجد عدد من التوائم اللوطيني ال ميلكون هذا اجلني من األساس؟!‬
‫سيكرر ساندرز نفس الكالم حرفيا يف لقاء معه‪ ،‬قائال إن ليس معنى وجود ذلك‬
‫اجلني حتمية صريورة اإلنسان لوطيا‪ ،‬فاألمر يف اجلينات ليس مثلما يتخيل‬
‫البعض‪ ،‬ليس كما يف الرتكيب الكروموزومي ‪ XY‬الذي معناه أن هذا ذكر حتما‪،‬‬
‫وأن ‪ XX‬الذي معناه أن تلك أنثى حتما! ليس األمر كذلك‪ ،‬بل هناك عمل ضخم‬
‫مُركَّب من جمموعة من اجلينات غري املعروفة بعد‪ ،‬وكذلك عوامل بيئية تؤثر يف‬
‫اإلنسان! فهذا اجلني ذو أثر ضئيل مقارنة بالعوامل املركبة األخرى يف حتديد ميول‬
‫املرء يف اجتاه اللوطية)‪! (114‬‬
‫وقد كان كالم ساندرز وهامر حماولة لإلجابة عن سؤال احلتمية الذي سيفشلون‬
‫فيه بالطبع! فإن كان هذا اجلني هو املسؤول عن اللوطية بالفعل‪ ،‬أفال جيب أن جنده‬
‫يف كل اللوطيني‪ ،‬وال جنده يف غريهم؟ مل غاب عن كثري من اللوطيني‪ ،‬وحضر يف‬
‫الكثري من الطبيعيني؟! كان البد من حل تلك املعضلة عن طريق عزو اللوطية إىل‬
‫عوامل عدة (قد يكون منها) هذا اجلني!‬
‫لكن ظهر يف الوسط العلمي االعرتاض على نتائج ساندرز التأكيدية أيضا‪:‬‬
‫فساندرز مل يفسر لنا سبب فشل العلماء طوال ربع قرن يف تكرار التجربة‪ ،‬والوصول‬
‫لنفس النتائج‪ ،‬أو حتى االقرتاب منها‪ ،‬حتى جاء هو )‪ !(107‬ليس هذا باالعرتاض‬
‫البسيط كما قد تتصور! فربع قرن من التجارب وحماوالت التكرار الفاشلة والعجز‬
‫‪186‬‬
‫متاما عن إجياد عالقة إحصائية بني هذا اجلني واللوطية‪ ،‬ال يُمرُّ عليه خبفة! من‬
‫صمم ونفذ التجارب علماء ثقات وكبار وحبَّاثة بل ومنهم لوطيون كما رأينا‪ ،‬وقد‬
‫استخدموا مجيعا كافة السبل التقنية إلدراك ما وصل إليه هامر أو حتى االقرتاب‬
‫منه؛ لكن بال جدوى! فكيف يُلقى هذا اجلبل اهلائل من التجارب الداحضة ملزاعم دين‬
‫هامر بتجربة واحدة جديدة؟! مل يُجب ساندرز ومل يُفسر لنا هذا الفشل املستمر‬
‫طوال عقدين من الزمان!‬
‫كما أن اهلدف الذي افتُتحت به التجارب‪ ،‬ذاب يف النهاية‪ :‬فقد جاءت التجارب إلثبات‬
‫معتقد اجلرب‪ ،‬وأن اللوطي جمبول على حب نفس جنسه ال حمالة = لكن النهاية‬
‫أثبتت أن حتى لو وُجِد جزء جيين يدفع اإلنسان للوطية‪ ،‬فهو ذو أثر ضئيل‪ ،‬والعوامل‬
‫األكثر تأثريا قد تكون بيئية خارجية؛ وسيكون علم اإلبيجينيتيك‬
‫‪21‬‬
‫هو أداة‬
‫ملجأهم لتربير تضارب النتائج!‬
‫كما أن أنصار اجلرب جلأوا للمجهول لتدعيم مواطن ضعفهم‪ :‬فقالوا بوجود‬
‫تركيب ضخم من اجلينات مسؤول جبوار ال ‪ Xq28‬عن اللوطية! ما هو هذا‬
‫الرتكيب؟ ال أحد يعلم! مل يزيدوا يف حديثهم عن العزو للرتكيب اجملهول!‬
‫أما عن اللوطية النسوية‪ ،‬فالدراسات اجلينية فيها ال تصل لشيء واضح‪ ،‬وقد أكد‬
‫هامر نفسه عدم وجود مالحظة جينية مشرتكة ذات أهمية بني اللوطيات‪ ،‬ومل‬
‫يُخالف عامل مُعترب يف هذا‪.‬‬
‫بقيت ملحوظة أخرية قد ال تهمك‪ :‬أن دين هامر‪ ،‬زعيم وفاتح تلك الدراسات = لوطي‬
‫قح!‬
‫اخلالصة‪:‬‬
‫‪21‬‬
‫سنناقشه الحقا‪ ،‬ونبين كيف أن احتجاجهم به قد ينقلب ضدهم ويصبح أقوى سالح يدحض الجبرية؛ ال المهرب كما يظنون!‬
‫‪187‬‬
‫• ال يوجد تفسري جيين مباشر واضح للوطية الذكورية‪ ،‬والدراسات القليلة اليت‬
‫أشارت إلمكانه وسط حبر النُّفاة‪ ،‬راجت بسبب السطوة اإلعالمية للوطيني ال بسبب‬
‫قوتها العلمية‪.‬‬
‫• الدراسات املثبتة أكدت أنها وإن مخنت مساهمة اجلني ‪ Xq28‬بنسبة يف امليول‬
‫اللوطية الذكورية‪ ،‬إال أنها سلمت أن مساهمته ضئيلة جوار مساهمات أخرى‬
‫جمهولة‪ ،‬سواء جينية‪ ،‬أو بيئية خارجية‪ ،‬ما يُضعف القول باجلرب الذي روجه اإلعالم‬
‫واحلقوقيون‪.‬‬
‫• توجد على منهجية تلك الدراسات خالفات وجداالت كبرية‪ ،‬أكثرها مل حيرر‬
‫هلا املثبتون للوطية اجلينية جوابا‪ ،‬كما أنهم عجزوا عن شرح سبب عجز اجلمهرة‬
‫العظمى من الدراسات عن تكرار نتائجهم‪.‬‬
‫• الرأي السائد يف األوساط العلمية‪ ،‬أن اجلني اللوطي قول ال يُعتدُّ بإطالقه‪ ،‬بل‬
‫جمرد ختمني‪ ،‬وحتى املثبتون ال يقولون حاليا أن هناك جني لوطي حمدد‪ ،‬بل‬
‫جمموعة من اجلنيات‪ ،‬يُخمَّن أن هلا عالقة!‬
‫• ال توجد عالقة بني اللوطية النسوية واجلينات‪ ،‬والدراسات اليت حتاول إثباته‬
‫أضعف من أن يعتد بها حتى الالطة!‬
‫• فإذا مجعت كل ما سبق‪ ،‬حتقق لك أن حجة اجلني اللوطي صارت تدور بني‬
‫رأيني‪:‬‬
‫األول‪ ،‬رأي املثبتني لوجود أصول طبيعية للوطية‪ ،‬وإثبات عوامل غامضة مثل الدور‬
‫البيئي‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬رأي النافني لألصول الطبيعية اللوطية‪ ،‬املثبتني للدور الرتبوي‪.‬‬
‫‪188‬‬
‫ومل تعد توجد مدرسة الطبيعة اجلبليَّة احلتمية الواثقة (جني معني) إال عند من ال‬
‫يفقه القضية!‬
‫فالطريق املباشر إلثبات جبليَّة اللوطية‪ ،‬مُغلقٌ بسد عظيم‪ ،‬يهلل اللوطيون لبعض‬
‫مظاهر الشقوق فيه‪ ،‬آملني أن حيمل هلم املستقبل معوال يهدمونه به متاما؛ لكن‬
‫كلما توغلوا فيه ازداد غموضًا‪ ،‬ومل يصلوا فيه إىل شيء؛ بل صاروا أكثر حذرًا يف‬
‫ادعاءاتهم الكربى منذ عصر إحراج دين هامر يف األوساط العلمية‪ ،‬الذي امتد لربع‬
‫قرن!‬
‫ثانيا‪ :‬حجة االختالفات ال َخلقيَّة‪.‬‬
‫تبحث جمموعة من الدراسات األخرى يف االختالفات املادية غري اجلينية الظاهرية‬
‫مثل اختالف الغدد وحجم املخ بني اللوطيني والطبيعيني = فإذا ثبت وجود االختالف‪،‬‬
‫أمكن االستدالل على وجود اختالف جيين جِبلِّي‪.‬‬
‫سيمون ليفاي ‪Simon‬‬
‫وأبرز أعمال تلك الفئة من احلجج‪ ،‬هو حبث عامل األعصاب َ‬
‫‪ Levay‬الذي نشره عام ‪ ،1991‬فنعرض له أوال‪ ،‬ثم نبني كيف كان الرد عليه هو‬
‫وكل تلك الفئة من البحوث عموما‪.‬‬
‫قارن ليفاي تشرحييا بني أحجام الغدد النخامية‪ 22‬عند ثالث جمموعات من اجلثث‪:‬‬
‫الرجال الطبيعيون‪ ،‬والرجال اللوطيون‪ ،‬والنساء‪ .‬كان افرتاض ليفي‪ :‬أن الغدد‬
‫النخامية للرجال الطبيعيني ‪ Heterosexual men‬ستكون أكرب من مثيلتها‬
‫عند النساء واللوطيني‪ .‬ومن التشريح أظهر ليفي وجود ذلك الفارق بالفعل‪ ،‬فالغدد‬
‫‪22‬‬
‫الغدة النخامية‪ ،‬جزء من المخ له وظائف كثيرة جدا ومتنوعة‪ ،‬منها المتعلق بالدوافع الجنسية للمرء‪.‬‬
‫‪189‬‬
‫النخامية للنساء واللوطيني متقاربة احلجم‪ ،‬والغدد النخامية للرجال الطبيعيني‬
‫أكرب)‪. (115‬‬
‫ذاعت تلك الدراسة حينها‪ ،‬وراج االدعاء بأن ليفاي أثبت وجود اختالفات واضحة‪،‬‬
‫وبالتالي ميكن عزو ذلك إىل عقيدة اجلرب اجليين مرة أخرى = فاللوطي مُجرب بسبب‬
‫اختالف تركيب خمه عن تركيب مخ الطبيعي)‪. (116‬‬
‫ظهرت على الفور االعرتاضات املتعددة‪ ،‬على منهجية الدراسة ذاتها‪ ،‬اليت أظهرت‬
‫حتيزا مسبقا هلذه النتيجة وضح من ترتيب اجلثث حبسب هويتها اجلنسية‪ ،‬وهو‬
‫ترتيب متعمد وفيه جتاهل لوجود أشخاص طبيعيني غددهم النخامية أصغر من‬
‫بعض اللوطيني اآلخرين! وكذلك تشريح جثث ألشخاص ماتوا من مرض اإليدز‪،‬‬
‫وهو مرض يؤثر على حجم تلك الغدة يف األساس! إضافة لزالت لسان ليفاي بعد‬
‫ذلك‪ ،‬حينما ذكر يف مقابلة أنه كان يشعر أثناء تلك التجربة أنه إن مل يُخرِج فارقا‬
‫بني اللوطيني والطبيعيني‪ ،‬سينتهي مشواره املهين! وأن إثبات وجود فوارق جبليَّة بني‬
‫اللوطي والطبيعي‪ ،‬مفيد ألجندة اللوطيني احلقوقية! وزد على كل هذا‪ ،‬أن دراسة‬
‫ليفاي‪ ،‬مثلها مثل دراسة دين هامر‪ ،‬مل تظهر نفس النتائج حينما حاول الباحثون‬
‫تكرارها)‪! (117‬‬
‫لكن كل تلك االعرتاضات ‪ -‬على قوتها ‪ -‬تتضاءل جوار حقيقة علمية‪ ،‬وهي‬
‫بالستيكية اخلاليا العصبية ‪ ،Neuroplasticity‬واليت يعرفها أهل املخ‬
‫واألعصاب‪ :‬فاملخ ال مياثل األجهزة املعدنية ثابتة الشكل والرتكيب‪ ،‬بل فيه ليونة يف‬
‫إعادة التشكُّل بسبب العوامل اخلارجية مثل اخلربة احلياتية واملعرفية‪ ،‬ويف كل‬
‫‪190‬‬
‫معلومة أو معرفة أو ممارسة جديدة تتغري أجزاء بداخل خمك‪ ،‬وتُستحدث وصالت‬
‫كهربائية جديدة‪ ،‬وقد اختفت عقيدة (اجلهاز مُحكَم الوصالت) من اجملتمع العلمي‬
‫والطيب يف الثمانينيات؛ حينما أدرك العلماء أن املخ دائم التغري‪ ،‬وعند خالياه قدرة‬
‫مدهشة يف تغيري وظائفها التقليدية‪ ،‬إلعادة تنظيم وظائفها املخية )‪.(118‬‬
‫وعليه متركز حجاج املعارضني الستدالل ليفاي ونظرائه حول تلك احلقيقة‪ :‬هل‬
‫خلِق بتلك الصورة) أم أنه على هذه الصورة (بسبب) ممارسته اللوطية؟‬
‫مُخ اللوطي ( ُ‬
‫فهل أسس ليفاي حجاجه على (حقيقة) قدمية‪ ،‬هُجرت علميا يف سنوات إجرائه‬
‫حبثه‪ ،‬وهي ثبات شكل املخ‪ ،‬وعليه مل تعُد دراسته صاحلة يف ظل الثوابت اجلديدة؟!‬
‫يصعب تصور ذلك يف عامل أعصاب‪ ،‬لكنه حمتمل‪.‬‬
‫إن املمارسات اجلنسية وأشكاهلا تؤثر يف املخ بال ريب؛ فهي من أصول اجلهاز العصيب؛‬
‫وعليه يكون الصواب‪ ،‬إن أردنا تصميم جتربة سليمة‪ ،‬أن نقارن تشرحييا بني فوارق‬
‫الغدة النخامية يف األطفال غري املميزين‪ :‬اللوطيني منهم والطبيعيني! ففي تلك‬
‫املرحلة نضمن أن خاصية لدونة املخ وتأثره بالتجربة اجلنسية متماثلة بني‬
‫النوعني؛ فلما كان هذا مُحاال‪ ،‬إذ ال هوية وال ميول جنسية قبل سن التمييز =‬
‫استحالت التجربة‪ ،‬واضطر القائمون بها إىل دراسة ما ال يُعترب اختالفه‪ ،‬وهو اللوطي‬
‫البالغ‪ ،‬والطبيعي البالغ!‬
‫وغاية ما تثبته تلك التجربة‪ ،‬إذا سلمنا بها‪ ،‬رغم نقدها منهجيا من مجهور العلماء‪:‬‬
‫أن ممارسة اإلنسان للوطية‪ ،‬تؤثر يف املخ سلبا؛ فتجعل حجم بعض مكوناته أصغر‬
‫من مثيلتها يف نفس نوعه!‬
‫إن مدرسة التنشئة والرتبية ‪ Nurture‬ال تنتصر ها هنا فقط‪ ،‬إمنا تُثبت أن‬
‫اللوطية ذات أثر ضار على اإلنسان‪ ،‬والدليل اكتشاف ليفاي هذا!‬
‫‪191‬‬
‫بل قد يزعم املتدينون املهووسون يا ليفاي أن اهلل سبحانه وتعاىل (ميسخ) اللوطي يف‬
‫أصل عقله؛ فيُعيد تشكيله ضئيال يف صورة مخ جنس ال ينتمي إليه‪ ،‬وهو اإلناث؛ فأي‬
‫دليل أكرب من هذا على عقاب اهلل للوطيني؟! وهذا كله‪ ،‬إن سلمنا بوضوح االختالف‬
‫الثابت بني أخماخ الرجال والنساء أساسًا!‬
‫وقِس على تلك الدراسة‪ ،‬كافة البحوث القائمة على تلك الفكرة‪ :‬قياس االختالفات‬
‫املظهرية لألخماخ واهلرمونات بني الطبيعيني واللوطيني‪.‬‬
‫بقيت ملحوظة أخرية قد ال تهمك‪ :‬أن سيمون ليفاي‪ ،‬زعيم وفاتح تلك الدراسات =‬
‫لوطي قح!‬
‫ثالثا‪ :‬حجة التوائم اللوطيين‪.‬‬
‫يف مخسينيات القرن املاضي‪ ،‬أعلن كاملان ‪ Kallmann‬أن دراسته للتوائم املتماثلة‬
‫‪ Monozygotic Twins‬قد أثبتت متاثل امليول اجلنسية بنسبة ‪ . (119)%100‬وهي‬
‫دراسة وإن كان قد مت نقضها‪ ،‬بسبب منهجيتها املعوجة )‪ ،(117‬إال أنها قد أهلمت‬
‫فرعا من البحوث العلمية قام على دراسة امليول اجلنسية عند التوائم‪ ،‬فإذا ثبت أنها‬
‫متماثلة‪ ،‬اللوطي توأمه لوطي‪ ،‬والطبيعي توأمه طبيعي = أمكن ترجيح األصل‬
‫اجلبلي اجليين بسند قوي‪ ،‬إذ أن التماثل اجليين ينتج متاثال يف امليول اجلنسية‪.‬‬
‫وتلك الدراسات‪ ،‬على قدر اهتمام اللوطيني بها‪ ،‬إال أن أنصار مدرسة التنشئة وعدم‬
‫اجلبليَّة يعتربونها أقوى ما يف أيديهم هم من سالح ضد املدرسة األخرى‪ ،‬كما‬
‫سنرى‪.‬‬
‫‪192‬‬
‫وأكثر البحوث شهرةً يف ذلك النوع من الدراسات‪ ،‬هو عمل السيكولوجيني بيلي‪،‬‬
‫وبيالرد‪ ،‬الذي نشراه يف مطلع التسعينيات‪ ،‬وفيه درسا ‪ 56‬توأما متماثال ‪ ،MZ‬و‪54‬‬
‫توأما غري متماثل ‪ ،DZ‬و‪ 142‬أخا لتوأمني‪ ،‬و‪ 57‬أخا متبنىً لتوأمني‪ .‬وخلصا فيه إىل‬
‫أن نصف التوائم املتماثلة رجاال ونساءً كانوا لوطيني‪ ،‬وتنخفض نسبة اللوطية إىل‬
‫أقل من الربع يف التوائم غري املتماثلة‪ ،‬وترتاوح نسبة اللوطية يف األشقاء‪ ،‬أو األخوة‬
‫املتبنني‪ ،‬بني ‪ 9‬إىل ‪! (120)%11‬‬
‫ناتج تلك الدراسة هو ترجيح األصل اجليين اجلبلي للوطية‪ ،‬والدليل‪ :‬هذه النسبة‬
‫قل التشابه اجليين‪.‬‬
‫املرتفعة من اللوطية بني املتماثلني‪ ،‬وتدنيها كلما َّ‬
‫ولنناقش اآلن ما وجداه‪:‬‬
‫فالبد‪ ،‬أوال‪ ،‬أنك قد الحظت اقرتاب نسبة األخوة املتبنني من نسبة األخوة األشقاء يف‬
‫وجود امليول اللوطية! بل إن نسبة اللوطية يف األخوة بالتبين أعلى ‪ %11‬من األخوة‬
‫األشقاء! أال يعين هذا ترجيح رأي مدرسة التنشئة والرتبية؟‬
‫ثم البد أنك الحظت‪ ،‬ثانيا‪ ،‬أن تلك التجربة تُحاجج أولئك ال العكس! فوجود ‪%50‬‬
‫تقريبا من التوائم املتماثلة تُعلن أنها غري لوطية‪ ،‬بل طبيعية متاما‪ ،‬رغم التماثل‬
‫اجليين الكامل = يُضعِف احتمال األصل اجلبلي اجليين‪ ،‬بل خيسف بأصوله كاملةً‪،‬‬
‫‪193‬‬
‫إذ أن فرض التماثل الكامل يُلزِم مقالة كاملان األوىل‪ :‬أن امليول البد من متاثلها التام‬
‫كذلك‪ !23‬والنصف حينها يصبح بال معنى!‬
‫فكيف يُقال هذان توأمان متماثالن متاما جبليًّا ‪ /‬جينيا‪ ،‬وبرغم ذلك هناك احتمال‬
‫‪ %50‬فقط أن يكونا متماثلني يف امليول اجلنسية = ثم بعد ذلك نستنتج أن اللوطية‬
‫ذات أصل جيين جبلي؟!‬
‫أال يكون القول األقرب للصواب حينئذٍ أن الروابط بني التوائم‪ ،‬خاصة املتماثلني‪ ،‬يف‬
‫التنشئة املتشابهة‪ ،‬والرابطة النفسية املميزة واملعروفة بينهما‪ ،‬هي العامل األكرب يف‬
‫ارتفاع نسبة امليول اجلنسية املتشابهة يف التوائم؟ أيهما األدنى لطبيعة التوائم‬
‫املتجاذبة ال املتنافرة‪ :‬القول بأن أحدهما آمن بأنه ما دام أخوه لوطيا فهو بالضرورة‬
‫لوطي‪ ،‬تأثرا باملشاكهة والرتبية الواحدة‪ ،‬أم القول بأن نصف عدد التوائم املتماثلة‬
‫نفرت من األخ اللوطي‪ ،‬وزعمت أنها غري لوطية؟ أيغلب النفور أم التوافق بني التوائم‬
‫املتماثلة؟‬
‫وقد عاجلت دراسة الحقة الدراسة األوىل‪ ،‬بنتائج خمالفة لكالم بيلي وبيالرد؛ فقد‬
‫وُجِدت نسبة متاثل ترتاوح بني العُشر والربع يف امليول اجلنسية اللوطية‪ ،‬عند التوائم‬
‫املتماثلني ذكورا وإناثا‪ ،‬ال أكثر )‪!(119‬‬
‫العُشر فقط أعلن أنه لوطي متاما وال مييل للجنس اآلخر‪ ،‬وتلك النسبة ترتفع‬
‫للربع إن أخذنا باالعتبار امليول اجلنسية الثنائية ‪ Bisexual‬أي أنه مييل للجنسني‬
‫معا! ذاك أعلى رقم وصلت إليه الدراسة الثانية‪ :‬الربع ال غري! ال تنس أننا نتحدث‬
‫‪23‬‬
‫ولما كان هذا ُمحاال في الوسائل العلمية الحديثة‪ ،‬ولما كانت مقالة كالمان قد ُد ِّحضت علميا‪ ،‬فقد ُخ ِّفضت النسبة إلى النصف؟!‬
‫‪194‬‬
‫عن جينات متماثلة متاما! متاثل جيين تام ومع ذلك امليول تتشابه يف ‪ %25‬فقط! أما‬
‫يف التوائم غري املتماثلني‪ ،‬فالنسبة مل تتعد ‪ %12‬ال غري!‬
‫لذا‪ ،‬حتى مطلع األلفية‪ ،‬كانت تلك احلجة ضعيفة‪ ،‬بل وتصب‪ ،‬حني التحقيق‪ ،‬يف‬
‫مصلحة مدرسة التنشئة ‪Nurture‬؛ لكنها بقيت يف إطار احلجاج! أما ما قلبها ضد‬
‫مستخدميها‪ ،‬أن املزيد من الدراسات والبحوث الالحقة أظهرت مبالغة النسب‬
‫السابقة‪ ،‬وأظهرت أن نسبة التماثل يف امليول اللوطية هي ‪ %11‬فقط )‪!(107‬‬
‫هلذا اعترب بعض البحَّاثة حبوث التوائم املتماثلة هي الربهان القاهر ضد زعم‬
‫اجلبليَّة اللوطية )‪ !(107‬فباهلل أخربني‪ :‬أي متاثل جيين ذاك الذي تتحدث عنه‪ ،‬ويف‬
‫كل عشرة توائم متماثلني‪ ،‬أحدهما لوطي‪ ،‬يوجد واحد فقط مماثل ألخيه يف امليول‬
‫اللوطية!‬
‫هذا وكافة تلك التجارب قاصرة من الناحية املنهجية العلمية!‬
‫وإال ففكر معي‪ :‬كيف يُمكن تصميم جتربة سليمة لتأكيد كون اللوطية جبليَّة‬
‫عن طريق التوائم؟‬
‫ليس عندك إال وسيلة واحدة فقط‪ :‬أن ُيفصل بني توأمني منذ الطفولة‪ ،‬و ُيتابع‬
‫املراقبون نشأتهما يف بيئتني خمتلفتني متاما؛ فإن امتلكا نفس امليول أمكن ترجيح‬
‫العامل اجليين = ذاك هو املنهج العلمي الوحيد لقطع الشك باليقني‪ ،‬وملا كان هذا‬
‫حماال تعمده‪ ،‬ومتابعته‪ ،‬وملا كانت احلاالت اليت تنطبق عليها تلك األشراط نادرة‬
‫‪195‬‬
‫الوجود أصال = ظل مبدأ دراسات التوائم هذا قاصرا منهجيًّا ال حمالة)‪ (121‬ومن‬
‫الطريف أن قائل هذا الكالم هو مايكل بايلي ذاته‪ ،‬يف ورقة حديثة صادرة عام ‪،2016‬‬
‫وفيها صرَّح بأن دراسات التوائم املرجحة لألصل اجليين متماسكة أينعم‪ ،‬لكن‬
‫الدراسات النافية قوية كذلك‪ ،‬وغاية ما ميكن أن توصف به دراسات تأكيد األصل‬
‫اجليين بالتوائم أنها معتدلة ‪ ،Moderate‬ال أكثر‪ ،‬وهي بالتأكيد ليست ضخمة‬
‫ورائعة ‪ !(121) overwhelming‬هذا كالم بايلي نفسه‪ ،‬وهو ممن قضوا حياتهم‬
‫بني تلك الدراسات حتديدًا‪ ،‬وحتيزوا دوما جلبليَّة اللوطية؛ فأي شهادة بعد شهادته؟!‬
‫وسيحاول بايلي دومًا عزو ضعف االحتجاج بنصف اللوطيني إلثبات األصل اجليين‪،‬‬
‫إىل علم اإلبيجينتيك‪ ،‬واملؤثرات البيئية )‪.(121‬‬
‫بقيت ملحوظة أخرية قد ال تهمك‪:‬‬
‫أن بايلي‪ ،‬أحد ضلعي الدراسة األوىل‪ ،‬وأحد أشهر األمساء يف تلك الدراسات‪ ،‬إن مل‬
‫يكن أكربها على اإلطالق‪ ،‬هو صاحب الكتاب الذي أثار معركة يف األوساط‬
‫العملية‪ ،‬وهو (الرجل الذي يريد أن يكون ملكة)‪ ،‬إذ حتدث فيه عن اللوطيني اخلِناث‪،‬‬
‫وأخرج نظرية عنهم‪ ،‬ثم خرج أحد اللوطيني اخلِناث الذين مجع بايلي شهادتهم يف‬
‫الكتاب‪ ،‬واتهمه بأنه كان يلوط به! وهي فضيحة انتهت باستقالة بايلي من منصبه‬
‫العلمي يف عام ‪ ،2004‬وتشويه مسعته العلمية)‪ . (122‬ثم أثار ضجة يف أمريكا مرة‬
‫‪196‬‬
‫أخرى أثناء عام ‪ 2011‬عندما عرض يف مسرح اجلامعة امرأة عارية على الطالب‪،‬‬
‫تدخل يف مهبلها عضوا صناعيا‪ ،‬موصوال مبنشار كهربائي! أداة مساها بايلي‬
‫‪ !Fucksaw‬كان ما يريده بايلي‪ ،‬أن تصل املرأة إىل نشوتها بقوة دوران املنشار! وقد‬
‫خرج رئيس اجلامعة مصدوما ليعتذر لألمة عن هذا السخف املنحرف‪ ،‬معلنا‬
‫إحباطه وخيبة أمله يف بايلي‪ ،‬وحتويله للتحقيق)‪! (123‬‬
‫أما الثاني‪ ،‬ريتشارد بيالرد‪ ،‬فهو لوطي‪ ،‬وكان قد صارح الصحفيني بأنه يدرس األثر‬
‫اجلبلي للوطية‪ ،‬ألنه هو‪ ،‬وأخاه‪ ،‬وأخته = لوطيون مجيعا! فمن أفضل منه ليبحث يف‬
‫جبليَّة اللوطية)‪ (124‬؟‬
‫أما بعد‪،‬‬
‫فتلك كانت أهم احلجج اليت دار حوهلا اجلدل يف األوساط العملية منذ التسعينيات‪،‬‬
‫وهي كما ترون‪ ،‬ادعاءات ضخمة جهارًا وسط الشوارع وامليادين‪ ،‬واضطراب وبلبلة‬
‫وعزو إىل غموض يف أروقة املعامل!‬
‫ما فوق الجينات ‪ :Epigenetics‬مستهل جدل جديد‪.‬‬
‫بقي أن نناقش ماهية العامل البيئي الذي يُعزي إليه اجلميع سبب االختالف‪،‬‬
‫واضطراب النتائج يف دراسات التوائم‪ ،‬ويف غريها‪.‬‬
‫فأداة العامل اخلارجي األكرب‪ ،‬هي اإلبيجينتيك‪ ،‬وسأضطر لتقديم عرض سريع‬
‫مبسط جدا ملفهوم (ما فوق اجلينات)‪ ،‬قبل استعراض ذلك النقاش)‪: (125‬‬
‫‪197‬‬
‫اعلم أن كل جني موجود يف الكروموسوم‪ ،‬يشارك يف ضبطه فاعالن‪ :‬األول هو‬
‫جمموعة امليثيل‪ ،‬والثاني مركب اهليستون‪.‬‬
‫جمموعة امليثيل هي أكرب املسؤولني عن تفعيل اجلني‪ ،‬أو وقفه‪ ،‬ومركب اهليستون‬
‫مسؤول عن حجم الصفة الناجتة من اجلني‪ .‬والتمثيل األشهر لعملهما‪ :‬هو أن‬
‫جمموعة امليثيل تشبه زر الغلق والفتح‪ ،‬واهليستون يشبه الكرة احمليطة بسائل‪،‬‬
‫كلما ضغطت عليها خرج منها سائل أكثر‪.‬‬
‫فإذا فهمنا ما سبق‪ ،‬سألنا ما املميز يف علم (ما فوق اجلينات)؟‬
‫املميز أن العلماء‪ ،‬وإن سلموا بغموض أسباب إعمال اجلني‪ ،‬أو وقفه‪ ،‬أو حتديد كم‬
‫متثيله للصفات؛ إال أنهم يتحدثون عن وجود أدلة على أن العوامل اخلارجية‪ ،‬مثل‬
‫خربات احلياة‪ ،‬تؤثر يف اجلينات نفسها يف مرحلة الطفولة بصورة خاصة‪ ،‬ثم يف باقي‬
‫احلياة! هناك عوامل خارجية وبيئية قد (تُغلق) بعض اجلينات‪ ،‬وقد (تفتحها)‬
‫بدرجات متفاوتة صعودا ونزوال!‬
‫وقد كان املعتقد األول‪ ،‬أن العوامل البيئية املقصودة هي املادية البحتة‪ ،‬كتأثري‬
‫شغِلوا بدراسات‬
‫اهلرمونات على اجلنني‪ ،‬وما إىل ذلك‪ ،‬وقد جلأ إليها بايلي وغريه ممن ُ‬
‫التوائم )‪ ، (121‬وعلموا أن النسب ال تدعم رأي اجلبليَّة‪ .‬إذن ما كانوا يريدونه من‬
‫العوامل البيئية اليت تؤثر يف أبيجنتيك األجنة‪ ،‬هو أن تصب الفكرة يف صاحل رأيهم‪،‬‬
‫بل وتُفسِّر أسباب ضعف استدالهلم = فإذا سألتهم مل ال يكون التوائم املتماثلون مجيعا‬
‫متماثلني يف امليول اجلنسية رغم التماثل اجليين؟ قالوا‪ :‬ألن العوامل البيئية تدخلت‬
‫أثناء احلمل‪ ،‬وغريت من تفعيل اجلينات يف اجلنينني)‪! (126‬‬
‫‪198‬‬
‫إذا سألتهم مل ال يستطيع الناس تكرار جتارب جني اللوطية واحلصول على نفس‬
‫النتائج؟ قالوا ألن العامل البيئي يتدخل يف أبيجنتيك األشخاص أثناء احلمل‪ ،‬وتغيِّر‬
‫من تفعيل اجلينات)‪! (127‬‬
‫لن تصل إىل شيء! الحظ أنهم يعزون العامل البيئي ملا قبل احلمل‪ ،‬ألنهم يريدون‬
‫أن يصلوا بك إىل نفس النقطة‪ :‬لقد ُولِدنا لوطيني ‪Born this way‬؛ على الرغم‬
‫من أن العامل البيئي مستمر يف احلياة؛ كتغري اهلرمونات وأثرها على األشخاص =‬
‫لكن إثبات أن التغري حادث بعد امليالد‪ ،‬ويف أثناء احلياة‪ ،‬سيدمر حجة (املولد اللوطي)‬
‫متاما‪ ،‬بل وقد يعتربه البعض دليال على إمكان التغري بأسلوب مضاد؛ فإذا كان التغري‬
‫البيئي جرى بتأثري كيمائي‪ ،‬جعل الشخص يتحول للوطي؛ فلم ال نعكس هذا‬
‫التأثري لنحوله إىل طبيعي؟ هذا كان موطن قلق دائم عند املتحدثني عن األثر‬
‫البيئي؛ فحذروا كثريا من مغبة البحث عن (عالج) يعكس األثر على مستوى‬
‫اإلبيجنتيك)‪! (128‬‬
‫أما ما كانوا يُضعفونه ‪ -‬وإن مل جيرؤوا على استبعاده متاما)‪ - (127‬فهو ما جاء من‬
‫أروقة البحوث الطبية‪ ،‬اليت كانت تعج يف العقد األخري بنشاط كبري سعيا إلجياد‬
‫دليل على أن القيم واملعتقدات االجتماعية اليت يؤمن بها املرء‪ ،‬قد تؤثر يف تفعيل‬
‫جني معني عنده أو إيقافه)‪ . (129‬وقد حاولوا تفسري هذه األدلة‪ :‬أيكون سبب حتويل‬
‫‪199‬‬
‫املعتقدات واألفكار واجملتمع‪ ،‬إىل جزء من جينات املرء من خالل آليات اإلبيجنتيك‪،‬‬
‫هو الضغط املستمر الواقع على املرء ‪(129) Chronic Stress‬؟‬
‫إذن هذا رأي جديد‪ :‬أن احمليط االجتماعي الذي تنشأ فيه‪ ،‬وأسلوب احلياة‬
‫)‪(130‬وعالقتك بوالديك‪ ،‬وكافة املؤثرات اخلارجية اليت يعيش املرء يف قلبها = كل‬
‫ذلك يؤثر يف جيناتك)‪ ! (131‬واحلق أن هذا الرأي ليس من املستحدثات يف الوسط‬
‫الطيب عامةً‪ ،‬إذ أن احلديث عن تأثري البيئة االجتماعية يف صحة املرء‪ ،‬وانعكاسات‬
‫الضغوط اخلارجية والداخلية عليه‪ ،‬مل تتوقف‪ ،‬إمنا اجلديد هو معرفة أن التأثري ال‬
‫يقتصر على توازنات كيمياء اجلسم فقط‪ ،‬إمنا على املستوى اجليين ذاته! هذا هو‬
‫اجلديد!‬
‫تأمل معي برهةً؛ فهذا قد يكون وابال من الرصاص يضرب االحتجاج باجلينات يف‬
‫األصول!‬
‫فلم يعد العلماء ينظرون إىل الرتكيب اجليين يف خالياك ككتاب قدري‪ ،‬حمتوم‪،‬‬
‫فيه كل شيء منذ الوالدة إىل املوت! بل ينظرون اآلن إليها باعتبارها تشبه ظاهرة‬
‫بالستيكية املخ اليت عرضناها قبال! مل تعد اجلينات كافةً جمرد خمطط مسبق ال‬
‫يُمسُّ طوال حياة املرء ‪ ،Blueprint‬بل هو خمطط فيه أجزاء قابلة للتغري‬
‫والتعديل!‬
‫ما أثر هذا على حبث اللوطية؟‬
‫تنقل معي للتعرف إىل أين يذهب بنا هذا احلجاج‪:‬‬
‫‪200‬‬
‫فنحن لن نتحدث ‪-‬إن صحت املكتشفات األخرية‪ -‬عن جرب على اإلطالق‪ ،‬بل سنقول‬
‫أن حتى لو وُجِد جني للوطية = فهو لن يُفعَّل ولن يعمل إال بتنشئة أسرية واجتماعية‬
‫فاسدة! املعتقدات اجملتمعية والذاتية اليت يؤمن بها املرء أو يعيش فيها = تؤثِّر يف‬
‫تركيبه اجليين ذاته‪ ،‬فلو صح وجود جني لوطي عند اإلنسان؛ أال ميكن باملكتشفات‬
‫احلديثة اليت وجدها العلماء أن توقف فعاليته؛ بسبب الضغط الواقع على اإلنسان‬
‫جمتمعيا وذاتيا؟!‬
‫بل وأكثر من هذا‪ :‬أال يعين ذلك أن اجملتمعات اليت تتبنى اللوطية وترعاها‪ ،‬تُزيد‬
‫من نسب اللوطيني فيها‪ ،‬بصناعة ضغط قيمي عليهم يُفعِّل جينات داخلية قد تكون‬
‫مسؤولة عن ختنُّث أو ترجُّل؟‬
‫بل وأكثر‪ :‬فالتعديالت اليت حتدُث‪ ،‬تورَّث! أي أننا نتحدث عن إمكان (توطني‬
‫اللوطية) يف اجملتمعات لعدة أجيال‪ ،‬ال ألن املعتقدات اجملتمعية فقط فاسدة؛ بل ألن‬
‫تلك املعتقدات املتوارثة؛ ورَّثت معها جينات خنوثة وفساد!‬
‫إن أثر هجرة املسلمني إىل بالد تنتشر فيها الدياثة واخلنوثة والفساد؛ سيصبح أكرب‬
‫حينئذ من جمرد التغريات الفكرية والثقافية؛ فاملعتقدات واألعراف والثقافات تزرع‬
‫يف جينات األجيال اجلديدة نفسها ما يُغريها ويبدهلا!‬
‫هذه بعض األبعاد العلمية يف ذلك النقاش اجلديد لألبيجنتيك؛ إضافة لألبعاد‬
‫اإلسالمية‪ :‬فقد يُذكِّر نقاش اإلبيجنتيك؛ وتلك األدلة واألفكار اجلديدة فيه‪،‬‬
‫بالنقاش اإلسالمي حول النفس وأنواعها‪ :‬األمارة بالسوء‪ ،‬واللوامة‪ ،‬والراضية‪،‬‬
‫وكيف أن اإلنسان فيه مصادر اخلري والشر معا‪ ،‬وهو خيتار إن شرا وإن خريا! وأن‬
‫الشيطان قد يغري فطرتك (جبلتك) من وسواس املعتقدات والشهوات الفاسدة؛ وأنك‬
‫قد تستعيدها مرة أخرى وتوقف عمل الفساد إن شعرت بالضغط العصيب الالزم‬
‫الناتج عن اإلحساس بالذنب وطلب التوبة مبا يكفي لوقف (جينات معينة)!‬
‫‪201‬‬
‫وما نريد‪ ،‬اختصارا للنقاش والوقت‪ ،‬إثباته ها هنا‪ :‬أن مدرسة الرتبية والتنشئة‬
‫تنتصر يف النهاية؛ بعني ما أراد به اللوطيون سد فجوات نتائجهم املبعثرة عن جبليَّة‬
‫اللوطية! فاإلنسان متأثر ببيئته القيمية واالجتماعية واخللقية واألسرية‪،‬‬
‫واإلنسان بالضغوط املعرفية والثقافية ميكن أن يتغري على املستوى الرتكييب‬
‫اجليين الداخلي؛ وكل هذا آتٍ من نفس أروقة البحوث العلمية اليت اجتهد اللوطيون‬
‫يف فرض هيمنتهم عليها!‬
‫خالصة النقاش العلمي البيولوجي‬
‫رأينا يف الصفحات املاضية أن النقاش العلمي يف تلك القضية معقد‪ ،‬وأن األطراف‬
‫اليت تعمل على إثبات اللوطية علميا هلا أجندات‪ ،‬وأكثرها جمروح العدالة‪ :‬فانظر‬
‫كيف أن الدراسات الكربى اليت فتحت اجتاها يف كل طريق إلثبات اجلبلية‪ ،‬كان‬
‫القائمون عليها لوطيني!‬
‫ثم انظر كيف أن الطرق املباشرة مملؤة بالثغرات املنهجية والعلمية‪ ،‬وكيف أن‬
‫تلك املدرسة اضطرت للرتاجع عن اجلربيَّة املطلقة بعدما اتسع اخلرق على الراقع‪،‬‬
‫وكيف تقدمت املدرسة الرتبوية البيئية إىل األمام بال توقف‪ ،‬وما زادتها حجاجات‬
‫التوائم واألخماخ إال متانةً وصالبة وتدعيما لرأيها!‬
‫ثم انظر كيف زاد علم (فوق اجلينات) من تعقيد الصورة‪ ،‬وأثبت ليونة اجلينات‪،‬‬
‫فزلزل أصول اجلربيَّة املطلقة‪ ،‬وأظهر خطورة العوامل البيئية األسرية‬
‫واالجتماعية على أصل تركيب اإلنسان ذاته‪ ،‬مبا مل يتصوره أحد قدميا!‬
‫فإذا استوعبت ذلك‪ ،‬سهل عليك درك كافة النقاشات القادمة يف علم االجتماع وعلم‬
‫النفس؛ فاخلالف بني اجلربية واإلرادة احلرة‪ ،‬وبني عزو السلوكيات للبنية‬
‫اجملتمعية‪ ،‬أو للتكوين الذاتي اجلبلي‪ ،‬وبني مدرسة الطبيعة ومدرسة التنشئة‪ ،‬هو‬
‫هو ذاته ممتد يف كل ما سيأتي‪.‬‬
‫‪202‬‬
‫وقد بدأت بالنقاش البيولوجي؛ رغم أن العمل املكثف فيه على املستوى اجليين بدأ‬
‫متأخرًا عن السوسيولوجيا والسيكولوجيا؛ ال لشيء إال ألنه األساس ألكثر ما هو‬
‫قادم‪ ،‬فلم أرض أن يظل القارئ متخبطًا بني النظريات االجتماعية والسيكولوجية؛‬
‫دون أن يعرف ما هو احلق يف كل البحر اآلتي‪ ،‬فيظل متشككًا‪ .‬ها قد رأيت بنفسك‬
‫قول العلوم البيولوجية!‬
‫فإذا كنت حتسب أن الرأي البيولوجي فيه فوضى وتشوش وأدجلة وأجندات؛ إذن‬
‫انتظر لرتى املهازل فيما هو قادم من علوم إنسانية فلسفية املبادئ!‬
‫ثانيا‪ :‬السوسيولوجي‪ ،‬اسرتاتيجات هدم الطبيعة‬
‫انتهينا يف اجلزء السابق إىل تسليم البيولوجيني راية البحث عن جذور اللوطية إىل‬
‫مدرسة البيئة اجملتمعية واألسرية‪ ،‬إما تسليما كامال‪ ،‬أو تسليما جزئيا ال مفر منه‪،‬‬
‫من املدرسة اجلبلية‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬نُخصص هذا اجلزء من الفصل لنقاش نظريات تكون اجلندر‪ ،‬واتصال ذلك‬
‫باللوطية‪ ،‬سواء نظريا‪ ،‬أو عمليا‪ ،‬ثم نعرض اجلدال النظري حول أسباب اللوطية‬
‫بني البنائيني واجلوهريني‪ ،‬وأخريا نعرض النظرية الشهرية‪ ،‬نظرية الشذوذ‬
‫‪ Queer theory‬التابعة للنظرية البنائية‪.‬‬
‫تكون النوع‪.‬‬
‫أوال‪ :‬نظريات ُّ‬
‫لتكوُّن النوع‪ 24‬ثالث نظريات يف حبوث التنشئة االجتماعية (‪:)132‬‬
‫‪24‬‬
‫انتبه أننا هنا سنتحدث عن النوع (الجندر) ال من حيث الهوية الجنسية‪ ،‬بل من حيث التعريف المجتمعي‪ ،‬كما أوضحت مسبقا‪.‬‬
‫‪203‬‬
‫أوهلا نظرية التعلم االجتماعي‪ ،‬وفيها يُعرَّف كل نوع (ذكر أو أنثى) بأدواره منذ‬
‫طفولته املبكرة عن طريق التحفيز اإلجيابي أو السليب (الثواب أو العقاب) للسلوك‬
‫املناسب هلويته‪ ،‬فإن كان ذكرا على سبيل املثال‪ ،‬يتعلم دوره بإثابته إن التزم‬
‫باأللعاب والسلوكيات اليت تعارف اجملتمع أنها خاصة بالذكور‪ ،‬وعقابه إن تعدى‬
‫احلاجز إىل سلوكيات النوع اآلخر‪ .‬وال يلزم أن يكون الثواب والعقاب مباشرا‪ ،‬بل‬
‫يكفي أن يُالحظ الطفل السلوك (القويم) و(املقبول اجتماعيا) لنوعه‪ ،‬ويسعى يف‬
‫تقليده‪ ،‬ليستنبط خطأ جتاوز دوره وعدم االلتزام به‪.‬‬
‫ومُنظرو هذا التوجه‪ ،‬يرون أن االختالفات بني اجلنسني راجعة أساسا ملرحلة‬
‫التنميط النوعي ‪ ،Gender –typed behavior‬وليس بالضرورة إىل‬
‫سلوكيات فطرية للذكور واإلناث‪.‬‬
‫يفسر لك ذلك السعي املسعور للوطيني حنو فرض عدم النمذجة‪ ،‬بتوجيه اآلباء إىل‬
‫عدم التدخل يف تلك املرحلة وعدم (تنميط) سلوكيات الطفل حبسب النوع‬
‫البيولوجي الظاهري‪ ،‬وترك الطفل خيتار هو بذاته (النوع) الذي يريد االنتماء إليه!‬
‫لذا تأتينا األخبار ترتى عن إزالة أقسام ألعاب األوالد وألعاب البنات‪ ،‬وجعله قسما‬
‫واحدا كبريا‪ ،‬وكذا ترويج املالبس واأللوان احملايدة جنسيا لألطفال ‪Gender‬‬
‫‪ !(133) neutral‬إن كل ذلك جزء من عملية (منع) اجملتمع واألسرة من (تنميط)‬
‫األطفال وتنشئتهم على هيأتهم الطبيعية! األسرة ها هنا تتضاءل يف الدور‪ ،‬كي‬
‫تصري أسرة حارسة‪ ،‬كما سنشرح الحقا!‬
‫جوبِهت تلك النظرية بالدراسات اليت أثبتت أن األطفال‪ ،‬الذكور خاصةً‪ ،‬حتى إذا مل‬
‫تدعم كمربٍّ أنشطتهم الذكورية‪ ،‬بل إذا أرهبتهم عن فعلها = يصنعونها بذاتهم!‬
‫هذا معناه دعم النظريات املُتحدِّثة عن (فطرة) خمتلفة بني اجلنسني‪ ،‬وجمبول‬
‫‪204‬‬
‫عليها الذكور واإلناث‪ .‬وهذا ال يوجه الغرب إال إىل مسار من اثنني إن استمرت‬
‫اللوطية يف توجهها ذاك‪ :‬األول‪ ،‬الفشل واالنهيار أمام استمرار األمناط املختلفة‬
‫سلوكيا بني الذكور واإلناث‪ ،‬وإعادة اإلنتاج الدائمة للنمطني رغم أنف كافة‬
‫اللوطيني‪ .‬والثاني‪ ،‬زيادة قمع األمناط الفطرية الذكورية واألنثوية وتصميم‬
‫مناهج لألطفال تتالعب مبعارفهم األولية‪.‬‬
‫ثاني النظريات‪ ،‬هي النمو املعريف‪ ،‬وتزعم أن الطفل ما إن يتعرف على هويته‬
‫اجلنسية ‪-‬وهو قادر على ذلك منذ عمر ثالث سنوات‪ -‬حتى يشرع يف مجع املعرفة‬
‫عن املسلك األمثل جلنسه من احمليط الذي يعيش فيه‪ ،‬ثم حياكي ذلك املسلك كي‬
‫حيظى باحرتام بيئته‪ ،‬ثم أنه يعرف بذلك أن هناك جنس مضاد ‪Opposite sex‬‬
‫ال ينتمي إليه‪ .‬فهذه النظرية ختالف األوىل يف إعطاء األطفال أنفسهم الدور األكرب‬
‫يف تكوين نوعهم وسلوكهم‪ ،‬إذ جتعلهم أكرب وأهم من جمرد آالت تنضبط‬
‫مبحيطها دون حول وال قوة‪ .‬لكنك‪ ،‬البد أن تالحظ عدم تناقض النظريتني يف أوجه‪:‬‬
‫فالبيئة احمليطة ما زالت موطن تكوُّن النوع‪ ،‬سواء بضبط الوالدين‪ ،‬أو باملعرفة الذاتية‬
‫لألطفال = وعليه ال خيتلف اللوطيون يف ضرورة تعديل البيئة‪ ،‬وزرع معارف ورؤى‬
‫جديدة هلويات اإلنسان اجلنسية ذاتها‪ ،‬فينشأ الطفل بني عشرات اهلويات اجلنسية‪،‬‬
‫وال يقتصر على واحدة فقط من هوييت الذكورة واألنوثة!‬
‫أما النظرية الثالثة فهي ال تنتمي أصالةً لعلماء االجتماع‪ ،‬بل لعلماء النفس‬
‫التحليليني‪ ،‬وهي التوحُّد‪ :‬وتزعم أن الطفل يُكوِّن هويته النوعية أثناء طفولته‬
‫املبكرة‪ ،‬خالل مراحل‪ ،‬األوىل هي االرتباط العاطفي باألم‪ ،‬والثانية هي االنفصال بني‬
‫اإلجيو (األنا) واآلخر‪ ،‬ما يبدأ يف تشكيل اهلوية النوعية‪ ،‬واملرحلة الثالثة‪ ،‬يتوحَّد فيها‬
‫الطفل مع أحد الوالدين املماثلني جلنسه‪ .‬وألن الذكر يكتسب هويته باالنفصال عن‬
‫األم‪ ،‬تكون هويته أكثر موضوعية وعقالنية‪ ،‬بينما األنثى اليت تكتسب هويتها‬
‫بالتوحد مع أمها‪ ،‬تكون هويتها أكثر عاطفية وحساسية للمشاعر‪.‬‬
‫‪205‬‬
‫جابهت تلك النظرية اعرتاضات تنتمي مجلة إىل رفض أفكار فرويد عن التحليل‬
‫النفسي‪ ،‬ثم الستحالة التأكد منها جتريبيا‪ ،‬وأخريا ألنها ختدم فكر التنميط‪ ،‬حيث‬
‫الذكر موضوعي عقالني‪ ،‬واألنثى عاطفية تغلبها الشاعرية‪ ،‬وهذا بال ريب معا ٍد‬
‫للتوجهات النسوية‪ ،‬وللنظريتني السابقتني‪ .‬لكنها‪ ،‬كما البد أنك الحظت‪ ،‬تنكر‬
‫األصل اجلبلِّي للسلوك‪ ،‬أو ختفض من شأنه على أقل تقدير‪ ،‬فاألنثى أنثى ألنها‬
‫مرت بظروف مبكرة جعلتها يف تلك الصورة‪ ،‬ال ألنها ُولِدت أنثى ضرورةً!‬
‫وجتتمع تلك النظريات الثالث الكربى لتكوُّن النوع‪ ،‬على أن البيئة احمليطة منذ املولد‬
‫هي صانعة النوع‪.‬‬
‫وعليه ظهر السؤال‪ :‬مل ال نُغيِّر تلك البيئة جذريا؟ مل ال يولد الطفل ألبوين ذكرين‪،‬‬
‫أو ألمني؟ مل ال يُنشَّأ على أنه بال نوع‪ ،‬وأنه حر يف اختيار ما يشاء؟ مل ال يُنشَّأ يف‬
‫جمتمع به ألف هوية جنسية‪ ،‬وألف نوع اجتماعي؟ مل ال يُنشَّأ معرفيا وسلوكيا على‬
‫أنه سيُعاقب إن حكم على شخص بأنه رجل‪ ،‬ألن له جهاز تناسل الذكور‪ ،‬لكنه يُعرف‬
‫نفسه كخنِث أنثى؟‬
‫إن علم االجتماع هُنا ال يُستخدم فقط من أجل معرفة أصل تشكُّل األنواع؛ بل إلعادة‬
‫تشكيل بنية مؤسسات اجملتمع كافةً على مفاهيم وقيم ومعايري جديدة‪ ،‬بوسائل‬
‫الضبط االجتماعي اليت ستُناقش يف الفصل القادم‪.‬‬
‫وإن كانت اجلينات قد رسبت يف اختبار إثبات اجلبليَّة‪ ،‬وتفرقت أوهام اللوطيني‬
‫شذر مذر‪ ،‬لصاحل مدرسة الرتبية والتنشئة = إذن فلتكن اجملتمعات واألسر موطن‬
‫العمل املكثف من اللوطيني‪ ،‬لتنشئة (هويات متنوعة) بال حدود‪ ،‬وتشكيل األطفال‬
‫منذ البكورة على عامل جديد‪ ،‬مبفاهيمهم وأفكارهم هم وحدهم ال غري!‬
‫فها قد رأيت أبرز نظريات التنشئة االجتماعية للنوع‪ ،‬كلها جتتمع على مركزية‬
‫الطفل‪ ،‬وأنه إن مل ينضبط منذ مفتتح طفولته‪ ،‬يوشك أن يُفلت! لذا يولي اللوطيون‬
‫اهتماما واضحا باألطفال‪ ،‬فأنت وجيلك ماضون إىل حيث ألقت! ستغربون عن هذا‬
‫‪206‬‬
‫العامل ويأفُل فكركم القديم‪ ،‬ولن يتبقى إال فكر األجيال اجلديدة احلديثة‪ ،‬اليت‬
‫ستنشأ مبفهوم جديد لإلنسانية ذاتها‪ ،‬مُخالف لكل ما استبطنته وال متلك حمو آثاره‬
‫متاما مهما حاولت! أجيال ستحتفل بعيد الفخر اللوطي شهرا كامال من كل عام!‬
‫وإياك ثم إياك أن تقول‪ :‬هذا مُحال! أمل تبصر كيف يف أقل من نصف قرن كان‬
‫يُنظر يف أوله للمتربجات باعتبارهن فاسقات عاهرات‪ ،‬وللممثلني واملمثالت‬
‫باعتبارهم أهل احنالل وسفول ودناءة‪ ،‬حتى كانت تتربأ األسر ويسيل الدم بسبب‬
‫ذلك = ثم باد كل ذلك أو أوشك‪ ،‬وصار الشاذ املستبشع هو مُنكر التربج‪ ،‬ومُحرِّم‬
‫التمثيل! إن الشعوب تتغري‪ ،‬واألخالق بل واألديان تتبدل‪ ،‬وواضعو املعايري اجملتمعية‬
‫يتجهون عاما تلو اآلخر حنو املزيد من السيطرة على مفاتيح ضبط اجملتمع‬
‫واألجيال اجلديدة‪ ،‬مبا ينفي الشذوذات أوال بأول‪ ،‬أو يُحاصِرها على األقل!‬
‫ثانيا‪ :‬الجدال السوسيولوجي حول أسباب اللوطية‪ :‬بين الجوهريين والبنائيين‪.‬‬
‫انقسم علماء االجتماع منذ النصف الثاني للقرن املاضي بني مدرستني يف رؤية جذور‬
‫اللوطية )‪ ،(134‬األوىل املدرسة اجلوهرية ‪ Essentialism‬والثانية املدرسة‬
‫البنائية ‪.Constructionism‬‬
‫أما املدرسة اجلوهرية فتؤسس على مبدأين‪ ،‬أوهلما‪ :‬أن هناك جوهرا إنسانيا عند‬
‫اللوطي خمتلف متاما عن اجلوهر اإلنساني للشخص الطبيعي‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬أن هناك اتفاقا تارخييا بني خمتلف الثقافات على تواجد اللوطية‪ ،‬فهي‬
‫منتشرة زمانا ومكانا )‪.(134‬‬
‫‪207‬‬
‫ويتفق اجلوهريون فيما بينهم على اعتبار اللوطية نتاج عقلية اللوطي اليت متزج‬
‫بني تفضيالت إباحية (إيروتيكية) معينة‪ ،‬وبني التشوه النوعي ‪Gender‬‬
‫‪ Nonconformity‬لديه)‪. (135‬‬
‫ثم خيتلف اجلوهريون فيما بينهم‪ :‬أيكون سبب اللوطية جبليًّا‪ ،‬بيولوجيًّا‪ ،‬أم يكون‬
‫السبب بيئيا‪ ،‬راجع لعوامل مؤثرة يف طفولة اللوطي وتربيته أدت إىل تكونه بهذه‬
‫الصورة؟ أكثر اجلوهريني البارزين مييلون للسبب األول‪ ،‬ال الثاني )‪.(134‬‬
‫وقد تابع اجلوهريون باهتمام البحوث العلمية اليت أُجريت يف كال اجملالني‪،‬‬
‫البيولوجي والنفسي‪ ،‬ملعرفة صحة معتقدهم‪ ،‬وصاغوا نظريات مبكرة لتكون‬
‫اللوطية‪ ،‬مثل اختالل التوازن اهلرموني للوطي البالغ‪ ،‬أو لوالديه‪ ،‬أو العامل األسري‬
‫الرتبوي املسبب للوطية )‪ .(135‬وكافة تطورات استحواذهم على النظريات‬
‫ومناقشاتها ميكن إدراكها ما دمت عارفا بالنقاش البيولوجي ‪ -‬وقد سبق عرضه ‪ -‬أو‬
‫النقاش السيكولوجي‪ ،‬وسنعرضه الحقا‪.‬‬
‫انتُقدت املدرسة اجلوهرية يف أمرين‪ ،‬األول يف اعتمادها على حبوث تفرز ختمينات‬
‫ال أكثر‪ ،‬سواء بيولوجيا أو سيكولوجيا‪ ،‬فمثال انتقد البعض الدراسات النفسية اليت‬
‫تعتمد على شهادة اللوطي عن ميوله للجنس اآلخر منذ الصغر‪ :‬فاللوطي ما أن‬
‫يُعرف نفسه كلوطي‪ ،‬حتى يبدأ يف إعادة تفسري كافة تصرفاته وهو صغري‪،‬‬
‫وتأويلها لتالئم رؤيته اجلديدة اليت يؤمن بها! فكيف نعتمد على شهادته عن ميوله‬
‫اللوطية املبكرة‪ ،‬أو ميوله األنثوية أو ميوهلا الذكرية منذ الطفولة؟ )‪(135‬‬
‫‪208‬‬
‫والثاني يف زعمهم الضخم أن اللوطي خمتلف يف جوهره متاما عن غري اللوطي‪،‬‬
‫وعدم االتصال بني هذا النوع والنوع اآلخر الطبيعي = فكيف يكون اإلصرار على هذا‬
‫وقد أثبتت عشرات الدراسات دينامية امليول اجلنسية وعدم ثباتها‪ ،‬وأن العالقة بني‬
‫اللوطي وغري اللوطي عالقة طيف متصل ‪ Continuum‬ال عالقة تضاد؟ )‪(135‬‬
‫أضيف أنا على ذلك أن حجة استمرارية التواجد التارخيي‪ ،‬واجتماع الثقافات عليها‪،‬‬
‫ضعيفة يف إثبات اجلوهرية‪ :‬فقدماء العرب يف اجلاهلية مل تكن لديهم تلك‬
‫املمارسات‪ ،‬إال ندرةً‪ ،‬وال نكاد نعرف حضارة بنيت وشيدت واللوطية منتشرة فيها يف‬
‫قرون نشأتها؛ بل البد أن تفد إليها أو تتفشى فيها بعد صعود واحنالل وانفالت‬
‫جنسي‪ .‬كما أن نسب انتشار اللوطية متفاوتة بني األمم والثقافات‪ ،‬فهي‬
‫كالطاعون‪ ،‬إن ظهرت انتشرت‪ ،‬وإن خبت ماتت وبهتت‪ ،‬فاحنراف املرء للميول‬
‫اللوطية مرتبط بالثقافة اجملتمعية اليت نشأ فيها‪ ،‬أال ترى كيف كان املسلمون‬
‫يُخبِّئون أبناءهم الصبيان يف بعض األزمان‪ ،‬خشية طمع البالغني فيهم‪ ،‬إذ كانت‬
‫الثقافة اجملتمعية حينها قد طبعت املمارسات اللوطية‪ ،‬وطبعت النظر للصبيان‬
‫كهدف اشتهاء جنسي‪ .‬ثم أنك تنظر إىل احلال اآلن فتجد الناس يف أرحيية‪،‬‬
‫خيرجون مع صبيانهم وأوالدهم‪ ،‬وال يشتهي املرء طفل غريه إال إذا اعتل قلبه وفسد‪،‬‬
‫حتى يشعر بدناءته وخمالفته ثقافة اجملتمع والعصر؛ فانظر كيف اختلفت‬
‫الثقافات فاختلف تكوُّن امليول ذاتها‪ ،‬الختالف العقلية‪ ،‬واختالف هوية األشياء اليت‬
‫يعتمدها الوعي اجلمعي كهدف لالشتهاء اجلنسي!‬
‫كذلك انتشارها بني األمم ليس دليال على اجلبليَّة أو اجلوهريَّة عامةً‪ ،‬أال ينتشر‬
‫داء السرقة (الكليبتومانيا) بني الثقافات واألمم؟ وكم من احنراف وخلق مرذول‬
‫تتفق األمم على وجوده بعينه فيها‪ ،‬ومع ذلك ليس له مسبب جبلِّي جيين؟‬
‫فحجاجهم ضعيف من هذا الوجه‪.‬‬
‫‪209‬‬
‫أما املدرسة البنائية‪ ،‬فمؤسسة على مبدأ نفي اجلبليَّة متاما‪ ،‬وإرجاع اللوطية إىل‬
‫البناء االجتماعي؛ فهي ظاهرة ثقافية خاصة مبنظومة اجتماعية معينة مبؤسساتها‬
‫بلغتها‪ ،‬بكل جوانبها )‪.(134‬‬
‫وصورة اللوطي يف الثقافة الغربية املعاصرة‪ ،‬ليست هي ذاتها صورته قبل القرن‬
‫السابع عشر‪ ،‬وال يف الثقافات األخرى‪ ،‬فهي مبنية على توقعات الدور االجتماعي‪ :‬ما‬
‫دام حيب الرجال‪ ،‬فالبد أن يكون كاألنثى ال حيب سوى الرجال وحدهم! هذا املنظور‬
‫الذي يتبناه اجلوهريون ليس إال نتاج ثقافة غربية وبنية اجتماعية‪ ،‬ال يصح‬
‫تعميمه‪ .‬وال ينشغل البنائيون كثريا مبسببات اللوطية عند البشر‪ ،‬فبالنسبة هلم هي‬
‫جمرد تصور ذهين ناتج عن الثقافة واملعايري االجتماعية والثقافية لإلنسان؛ إمنا‬
‫ينشغلون بسؤال يف ماهية العامل الذي يُطوِّر الظاهرة اللوطية يف اجملتمعات‬
‫املعاصرة؟ أهو التحديث والتحضُّر والتصنيع‪ ،‬مبا يف كل ذلك من عوامل مُغيِّرة‬
‫للثقافة ولتصور اإلنسان عن ميوله وهويته؟ )‪(135‬‬
‫كذلك يهتمون مبتابعة مراحل (اإلعالن اللوطي ‪ :)Coming Out‬كيف يُعرِف‬
‫اإلنسان نفسه كلوطي ويُعلن ذلك للناس‪ .‬وقد حدد دانك مراحل ستة‪ ،‬والحظ أن‬
‫الذكر يُعلن نفسه لوطيا بعد سنوات ستة من أول ممارسة لوطية له‪ ،‬وأبرز املراحل‬
‫الستة‪ :‬إعادة تعريف النمذجة والتنميطات اجملتمعية املتعلقة باللوطية‪ ،‬ثم إعادة‬
‫تعريف ذاته كجزء من تلك اجملموعة اليت أعاد تعريفها‪ ،‬ثم قبول ذاته‪ ،‬وأخريا‪:‬‬
‫إعالن نفسه لوطيا على املأل )‪.(135‬‬
‫‪210‬‬
‫وقد نبَّه آخرون على خطأ تنزيل ذلك النموذج على اللوطية النسوية‪ ،‬اليت الحظوا‬
‫عدم وجود منوذج واضح هلا‪ ،‬إال أنهم الحظوا مركزية (الوقوع يف احلب) كلحظة‬
‫تنتقل فيها املرأة من جمرد صديقة المرأة أخرى‪ ،‬إىل كونها حبيبة‪ ،‬فعلى عكس‬
‫الذكور‪ ،‬االنطالق عند مجهرة النساء يكون من املشاعر والعاطفة‪ ،‬ال من الرغبة‬
‫اجلنسية‪ .‬كما أنهم الحظوا طرقا خمتلفة لنشوء اللوطية النسوية‪ ،‬منها مثال‬
‫حتول جزء من النسويات الراديكاليات طواعيةً إىل اللوطية‪ ،‬رغم أنهن كن طبيعيات‬
‫امليول؛ لكن إميانهن بأن الدخول يف أي عالقة مع ذكر لن ختلو من وقوع حتت‬
‫هيمنة واستغالل‪ ،‬دفعهن لتغيري ميوهلن عمدا إىل اللوطية )‪!(135‬‬
‫تُنتقد املدرسة البنائية يف جتاهلها سؤال النشأة‪ :‬مل صار اللوطي لوطيا؟ التأبُّه على‬
‫السائلني مل يُرضِ العديد من الباحثني‪ .‬لكن مع ذلك كان مقرتح ستورمز‪ ،‬الذي‬
‫أعلنه يف ‪ ،1981‬بأن امليول اإلباحية ناجتة من التفاعالت مع حميط األقران خالل‬
‫تطور امليول اجلنسية‪ ،‬وبالتالي إذا حدث وأظهر الصيب نضجا جنسيا مبكرا‪ ،‬فسيكون‬
‫يف حميط اجتماعي من نفس نوعه‪ ،‬ما سيدفعه إىل امليول اللوطية‪ ،‬ولعل هذا يفسر‬
‫قلة عدد اللوطيات مقارنة بالذكور؛ فالنساء يف ثقافتهن ُيظهِرن نشاطا جنسيا يف‬
‫ن أكثر عرضةً لالختالط حني بدء نشاطهن‬
‫مرحلة عمرية متأخرة‪ ،‬وبالتالي يكُ َّ‬
‫اجلنس يف العمل )‪.(135‬‬
‫على أي حال كان للمدرسة الثانية أنصار أقل عددا؛ فاملدرسة األوىل أليق‬
‫باجلماعات احلقوقية‪ ،‬وباأليدولوجيا الليربالية اللوطية‪ ،‬وبالثقافة املنتشرة منذ‬
‫‪211‬‬
‫نهاية القرن العشرين؛ لذا ال جند غرابةً يف هيمنتها وسيادتها‪ ،‬بل وبروز توجه العزو‬
‫إىل األصل اجلبلي حتديدا‪.‬‬
‫منطقيةً‪ ،‬فاللوطية متغرية‬
‫َّ‬
‫ولو تدبرت لوجدت أن املدرسة الثانية إجاباتها أكثر‬
‫األشكال بني الثقافات واألمم‪ ،‬وكانت يف كثري منها تُمارس يف نفس الوقت مع‬
‫امليول الطبيعية‪ ،‬كما قيل يف املثل عن الغلمان العبيد‪ :‬هم رجال مع النساء‪ ،‬ونساء‬
‫مع الرجال! فتعريف اللوطية نفسها كان سائال‪ ،‬ومل يكن صلبا كما يتحدث عنه‬
‫اجلوهريون‪ .‬لكن من أنصار البنائية ستخرج إحدى أغرب النظريات يف تاريخ‬
‫اللوطية‪ ،‬وهي نظرية الشذوذ )‪!(136‬‬
‫ثالثا‪ :‬نظرية الشذوذ ‪.Queer theory‬‬
‫من رحم البنائية االجتماعية‪ ،‬راجت يف التسعينيات نظرية ثورية انقالبية داعمة‬
‫للوطية‪ ،‬شُيِّدت على أفكار ميشيل فوكو‪ ،‬بأيدي جمموعة من الباحثني واملفكرين‬
‫األمريكيني‪ ،‬وهي نظرية الشذوذ ‪ Queer theory‬اليت أُسست على اجملموعة‬
‫التالية من األفكار‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن حترير اإلنسان ال يكون من مقعد السلطة؛ فاملُحرِّر هو الثائر الدائم على‬
‫كافة أدوات تسلط اجملتمع واألفراد السياسية والدينية والثقافية وغريها؛ فكل ما‬
‫كان مُهيمنا من أفكار ومعايري‪ ،‬هو طاغية يُناضل ضد سيادته اإلنسان‪ ،‬مناديا بالعتق‬
‫لكافة األقليات اليت تُخالف ذلك السلطان الطاغية )‪ .(137‬ذلك األساس (الفوكوي)‬
‫األول‪ ،‬وهو أساس ما بعد حداثي بامتياز‪ ،‬يُذكرنا حبديث بول فريأبند عن (طغيان‬
‫‪212‬‬
‫العلم) وضرورة جمابهته‪ ،‬يف إطار النضال ضد كل (طغيان) ملنهج أو معيار أو مبدأ‬
‫يتعامل معتنقوه معه كحقيقة مطلقة (‪!)138‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن الثورة اجلنسية اليت أهلبت الغرب طوال الستينيات والسبعينيات‪ ،‬هي (ثورة‬
‫حترير) ملهمة ضد كافة األنظمة االجتماعية السابقة اليت طغت لقرون طوال‪،‬‬
‫وكل من يريد الثورة على الطغيان بكافة صوره سيُشارك فيها )‪ .(137‬ذاك األساس‬
‫الفوكوي الثاني‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن نظام املعيارية الطبيعية للجنس ‪ ،Heteronormativity‬الذي يزعم‬
‫أن الطبيعي هو عالقة الرجل باألنثى‪ ،‬والشاذ هو كل ما عدا ذلك‪ ،‬ليس إال منوذجا‬
‫مثاليا لألفكار الطاغية املهيمنة‪ ،‬اليت جيب على اإلنسان الثورة عليها وهدمها )‪.(137‬‬
‫رابعا‪ :‬أن متوضع التهميش اجملتمعي ‪ Marginal Positionality‬الذي حتدثت‬
‫عنه النسويات‪ ،‬باعتباره أثر القهر الذكوري التارخيي هلن‪ ،‬وحبسهن دوما يف هامش‬
‫التاريخ واجملتمع؛ والذي بررن به ثورتهن على الرجال‪ ،‬لنسف سيادة املعيارية‬
‫األبوية ‪ /‬البطريركية = يصلح أداة ممتازة لتدعيم اسرتاتيجية اللوطيني يف هدم‬
‫املعيارية الطبيعية للجنس )‪(137‬؛ فأصحاب تلك املعيارية‪ ،‬مثلهم مثل األبويني‪،‬‬
‫أنصار قوامة الرجال‪ ،‬يعتربون أنفسهم احلق املطلق‪ ،‬وما دونهم الباطل‪ ،‬وعليه‬
‫اشتغلوا على تهميش اللوطية واللوطيني وقمعهم؛ طغيانا منهم‪ ،‬لسيادتهم اجملتمع‪.‬‬
‫‪213‬‬
‫تلك هي األسس األربعة الكربى اليت انطلق منها أصحاب تلك النظرية إلجياد احلل‬
‫ملعضلة اللوطية‪ ،‬فاللوطي‪ ،‬هو إنسان ثائر على اجملتمع‪ ،‬إنسان مُقاوم نبيل‪ ،‬ضد‬
‫طغيان الطبيعيني الذين يُشوهونه ويُحقِّرونه ويفرضون أفكارهم‪ .‬وقد كان التاريخ‬
‫اإلنساني يف قضية اللوطية هو صراع دائم بني اللوطيني والطبيعيني‪ ،‬حول سلطان‬
‫فرض األفكار واملعايري اجملتمعية؛ وقد ظل الطبيعيون طغاة التاريخ واجملتمعات‪،‬‬
‫املُهمِّشني القامعني للوطيني النُبالء‪ ،‬واملعاقبني إياهم على حتديهم وثوريتهم‪.‬‬
‫وواجب اإلنسان‪ ،‬أن يناضل جبوار كل (شاذ) مُهمَّش مقموع من اجملتمع‪ ،‬وأن يسعى‬
‫يف متكينه‪ ،‬بتحسني مسعته وبيان أن (شذوذه) هذا ليس إال جزءًا من الثورة على‬
‫الطغيان اجملتمعي واملعيارى‪ ،‬ومحيَّة وشجاعة تستحق اإلشادة والتعظيم ال النبذ‬
‫والتحقري‪ .‬وقد استخدموا مفهوم (العار ‪ )Shame‬عالمةً على (الشواذ)؛ فكل ما‬
‫جيلب (العار) جمتمعيا؛ ألنه (شاذ) = هو ثورة على الطغيان اجملتمعي‪ ،‬وكفاح ضد‬
‫األسياد العتاة! وكذلك نبهوا على مسألتني؛ أوالهما‪ :‬أن الشذوذ مصطلح أوسع من‬
‫(اللوطية) فقط‪ ،‬وعليه فرقوا بني كال من ‪ gay‬و ‪queer‬؛ فاألول هو تأكيد مليول‬
‫شخص للوطية‪ ،‬والثاني‪ ،‬وإن كان يُستخدم علما على اللوطية كذلك‪ ،‬إال أن‬
‫داللته اللغوية يف اإلجنليزية أوسع بكثري؛ فتضم كل صاحب مسلك مُخالف‬
‫للطبيعي السائد من معايري جمتمعية؛ فالنظرية تتحدث عن كل (شذوذ) ال عن‬
‫اللوطية فقط؛ وإن كانت هي رأس املوضوعات ومركز االهتمام!‬
‫انتبه للفارق‪ :‬فالشاذ قد يكون شخصا يُحب ارتداء التنانري‪ ،‬أو حيب أن يُعامل‬
‫كالكالب؛ فيُطعم ويُزجر بل ويضرب كالكلب األجرب‪ ،‬أو حيب أن يتشبه باملسوخ؛‬
‫بغض النظر عن ميوله اجلنسية‪ ،‬سواء طبيعية أو لوطية )‪!(137‬‬
‫‪214‬‬
‫ثانيهما‪ :‬أن واجب املُنظرين ليس بيان فضائل الشذوذ فقط؛ بل اقرتاح االسرتاتيجيات‬
‫للقضاء على معيارية الطبيعية اجلنسية‪ ،‬وبالتالي جمابهة أعداء اللوطية اجملرمني‬
‫الطغاة! بل أكثر من ذلك‪ :‬حماربة كل صورة (طبيعية) يف اجملتمع؛ ألنها تسعى يف‬
‫تهميش اآلخرين الثائرين املساكني! ومن تلك االسرتاتيجيات ختييل ووصف‬
‫صورة حسنة جملتمع (شاذ) يكون للوطيني والشواذ كافةً سلطانُ وضعِ املعارف‬
‫والعلوم واهليمنة على املعيارية )‪ ،(137‬وبيان كيف أن هذا اجملتمع سيكون لطيفا‬
‫ورائعا‪ ،‬وهو األمل املنشود لتحرير اإلنسان‪ ،‬ونشر السعادة؛ بصناعة التنوع‬
‫‪ Diversity‬الذي يُثري اجملتمع )‪ ،(139‬وجيعله تعدديا ليرباليا حبق‪.‬‬
‫ومل يكن غريبا أن يكون اختيار مصطلح (الشذوذ) غري اعتباطي؛ بل انتخلته اللغوية‬
‫النسوية اإليطالية ترييزا دي لوريتيس ‪ Teresa de Lauretis‬عامد ًة )‪ (139‬؛‬
‫رمبا بتأثر من مجاعة (أمة الشواذ ‪ (140))Queer nation‬األمريكية اليت حتدت‬
‫اجلميع باختيار مصطلح مستفز؛ من الثقافة الشعبية؛ اليت كانت تصف اللوطيني‬
‫وأصحاب السلوك غري الطبيعي بالشواذ (كوير) )‪(141‬؛ فكأمنا افتتحت ترييزا ذلك‬
‫التحدي منذ مقاهلا األول‪ ،‬بانتقاء لفظ حيمل داللة حتقري جمتمعي‪ ،‬وجعله عنوانا‬
‫للنظرية = فإن كنتم تقولون عنا شواذ‪ ،‬بداللة حتقري؛ فنحن (شواذ) فعال‪ ،‬وسنصنع‬
‫لنا نظرية كربى‪ ،‬جتعلكم حترتمون لفظ (الشذوذ) ذاته بادئ ذي بدء! سنُغيِّر‬
‫اجملتمع واإلنسان‪ ،‬بدايةً بقلب الداللة املعنوية هلذا اللفظ‪ ،‬من داللة احتقار وإذالل‪،‬‬
‫‪215‬‬
‫إىل داللة احرتام وإجالل! من يعرف هوس البنائيني باللغة‪ ،‬يفهم مركزية ذلك‬
‫التصرف هلم!‬
‫أال يعين هذا وجود اختالف واضح بني أصحاب (نظرية الشذوذ) والنظريات اللوطية‬
‫األخرى‪ ،‬اليت كانت تُجادل دوما أن اللوطي‪ ،‬كالطبيعي متاما‪ ،‬وال فارق بينهما؟‬
‫نعم؛ هذا حق! إن نظرية الشذوذ واحلركات التحررية اليت تبنتها؛ اختلفت عن‬
‫احلجج السابقة؛ بل ناقضتها؛ فقال اللوطيون‪ :‬نعم حنن (خمتلفون) عنك؛ وواجبك‬
‫احرتامنا وتقديرنا ومتجيدنا ليس ألننا (مثلك)؛ بل ألننا لسنا (مثلك) )‪ !(140‬تلك‬
‫اسرتاتيجية خمتلفة متاما (لتطبيع الشذوذ) واللوطية؛ لن تُفهم حق الفهم؛ إال‬
‫مبعرفة األجواء املا بعد حداثية‪ ،‬والنسبوية‪ ،‬اليت ظهرت فيها تلك النظرية‪ ،‬وقد سبق‬
‫حديثنا عنها!‬
‫انتقدت تلك النظرية من الكثريين؛ رغم انتشارها وشعبيتها يف اجلماعات احلقوقية‬
‫واإلعالمية؛ وأوجه تلك االنتقادات يف رأيي‪ ،‬هو وقوعها يف تناقض فج فاضح‪ :‬فمن‬
‫أين تهاجم الطبيعيني؛ ألنهم فرضوا هيمنة معيارهم األخالقي جمتمعيا؛ ثم أنت‬
‫أنت تتحدث عن (املعيار األخالقي حلياة الشواذ ‪(139) )Ethics of queer life‬؟!‬
‫تتحدث النظرية عن (نضال وثورة) اللوطيني التارخيية‪ ،‬من أجل السيطرة على‬
‫البناء املعريف ‪/‬اإلبستمولوجي واملؤسسي للمجتمع اإلنساني؛ وهي مُشيدة فوق فكرة‬
‫الثورة الدائمة للشاذ ضد الطبيعي الفوكويَّة = فكيف يكون احلال عندما يُسيطر‬
‫اللوطيون ويصبحون هم واضعو املعيارية اجملتمعية؛ كما حيدث اآلن؟ ألن‬
‫يضطهدوا ويالحقوا أصحاب املعيارية الطبيعية ‪Heteronormativity‬‬
‫ويصبح الثوريون هم الشواذ الطبيعيني! تلك عبارة صحيحة‪ :‬فالطبيعي جنسيا‪،‬‬
‫‪216‬‬
‫الكاره للوطية = سيكون هو (الشاذ) الذي يُخالف املعيارية اجملتمعية اللوطية! إي‬
‫ورب الكعبة؛ ذاك ما جرى‪ ،‬منذ عصر لوط عليه السالم‪ ،‬إىل اآلن‪ :‬أخرجوا آل لوط‬
‫من قريتكم؛ فهم أناس (شواذ) عن قيمنا اجملتمعية‪ ،‬يتطهرون!‬
‫كذلك انتُقد بعض املنظرين اآلخرين‪ ،‬الذين ال يتحدثون عن (معيارية بديلة)؛ بل‬
‫عن ال معيارية؛ فتلك الال معيارية واإلصرار على حترير (كل فرد) ملفهومه اخلاص‬
‫ومعياره الذاتي للطبيعي وغري الطبيعي = تعين تدمري الروابط اإلنسانية والعالقات‬
‫واملؤسسات اجملتمعية؛ ال حتسينها وزيادتها قوة )‪(139‬؛ فأين اللُّحمة يف جمتمع كل‬
‫إنسان فيه يُعرِّف هويته اجلنسية والنوعية؛ بل واإلنسانية‪ ،‬كما يشاء‪ ،‬وباهلوى‬
‫الشخصي الصرف؟!‬
‫أخريا‪ ،‬فالنظرية ذات أثر جلي يف واقعنا املعاصر‪ ،‬وجمتمعه املدني‪ ،‬وإدراكها واجب‬
‫لفهم العمل الدؤوب لتغيري اجملتمعات وإعادة تكوينها على معايري جديدة؛ معادية‬
‫لإلنسان الطبيعي!‬
‫ثالثا‪ :‬السيكولوجي‪ ،‬مركز األعاصري‬
‫إن ثالثة األثايف يف العلوم املشاركة يف تطبيع اللوطية‪ ،‬هو علم النفس‪ ،‬لذا خنتم به‬
‫فصلنا هذا‪ ،‬ونناقش فيه قضايا متنوعة‪ ،‬ترتابط مجيعا وتتشابك‪ ،‬رغم أن بعضها يف‬
‫أصل فلسفة علم النفس ذاته‪ ،‬وهو ما أجده أقرب لتوضيح اإلشكاالت املختلفة يف‬
‫التناول السيكولوجي لتلك القضية حتديدا‪.‬‬
‫وعلم النفس هو أقدم العلوم الغربية مناقشةً للقضية‪ ،‬وهو متصل بالبيولوجيا كما‬
‫رأيت يف القسم األول من املبحث‪ ،‬ومتصل كذلك بالسوسيولوجيا‪ ،‬وبدون األول‬
‫‪217‬‬
‫والثاني لن تفهم بعض نقاشات هذا القسم؛ لذا جعلته األخري‪ ،‬مع أنه رائد العلوم‬
‫األكادميية تطبيعا للوطية‪.‬‬
‫تمهيد‪ :‬بعض أزمات طبيعة علم النفس‪.‬‬
‫قد حنتاج إلحاطتنا بكافة جوانب أزمة طبيعة السيكولوجي‪ ،‬جملدات‪ ،‬ويلزم أن‬
‫ينربي لتوصيفها الدقيق متخصص ال حمالة‪ ،‬ولست كذلك‪ ،‬لكننا لن حنتاج‬
‫للتوسع ها هنا‪ ،‬بل أكتفي بضرب األمثال‪ ،‬لتوضيح مقصودي باملعضلة البنيوية‬
‫احلتمية لذلك العلم‪.‬‬
‫وأول ما سأضرب به املثل‪ :‬البحث عن الدوافع النفسية لإلنسان من منظور‬
‫السيكولوجي‪.‬‬
‫فقد حبث علم النفس‪ ،‬يف السياق الفكري الغربي‪ ،‬عن الدوافع اإلنسانية للسلوك من‬
‫داخل هذا العامل‪ ،‬من اإلنسان ذاته‪ ،‬خاصة بعد انشقاقه عن الفلسفة احملضة‪ ،‬وانتقاله‬
‫حلقل العلوم اإلنسانية احملاكية للعلموية‪ ،‬ونبذ أي تفسري نفسي يعتمد على وجود‬
‫الغيبيات‪ ،‬خاصة مفاهيم اإلله والشيطان‪ ،‬وبالتالي رفض أي معيارية منبثقة من‬
‫األديان اإلهلية‪.‬‬
‫وساهم يف ذلك طبيعة مفهوم الدافع نفسه‪ ،‬فهي افرتاضية غري حمسوسة = ما جعل‬
‫حتديد شكل وحجم الدوافع رهني الفكر الذي تُبحث وتُدرس يف ظالله!‬
‫إن اإلشكاالت املبدأية لتفسري الدوافع بهذين القيدين‪ ،‬تتبدى يف اآلتي‪:‬‬
‫أوال‪ ،‬معاداة أي عامل غييب‪ ،‬أو ذي أصول دينية حمضة‪ ،‬وحموه من الوجود العلمي‬
‫يف كافة مستوياته‪ ،‬ال جمرد البحث‪ :‬فال يُمكن أن تقول مثال بأن هناك دافع امسه‬
‫(وسواس إبليس) أو (املس الشيطاني) أو (إضالل إبليس لبين آدم) = إذ كل ذاك‬
‫حمض جهل ومزج للخرافة مبجال البحث النفسي؛ وعليه كان استبعاد املؤثِّر‬
‫‪218‬‬
‫الغييب للشر‪ ،‬فكانت اللوطيَّة من بنات اإلنسانية‪ ،‬وكان دافعها داخليا يف جوهر‬
‫البشر‪ ،‬و ُبحِثت على هذا األساس خالل مرحليت تصنيفها يف فلسفة علم النفس‪:‬‬
‫مرحلة أوىل بُحثت باعتبارها دافعا إنسانيا حمضا‪ ،‬يُبحث يف نطاق النوازع اإلجرامية‬
‫واالحنرافية والشذوذ = هذا يف عصر كانت اللوطيَّة شذوذا‪ ،‬وعالجها واجبا يستحق‬
‫الدعم الرمسي واجملتمعي‪.‬‬
‫ثم مرحلة ثانية بُحثت باعتبارها دافعا إنسانيا جنسيا طبيعيا‪ ،‬وأحد تنوعات امليول‬
‫اجلنسية املشرتكة يف أصلها بني كل البشر = هذا يف عصر صارت اللوطيَّة طبيعةً‪،‬‬
‫وعالجها جرمية تستحق العقاب الرمسي واجملتمعي!‬
‫أما القول بأن اللوطيَّة ضالل شيطاني‪ ،‬وأحد نتائج إفساد إبليس للبشر = فال جمال‬
‫له يف (علم) النفس!‬
‫إن البحث عن الدافع‪ ،‬سواء اخليِّر أو الشرير‪ ،‬من داخل هذا العامل‪ ،‬وبداخل اإلنسان‬
‫وحده = يؤدي إىل ذلك‪ ،‬خاصةً مع الفلسفة الفردانية كما ذكرنا قبال‪ ،‬فاإلنسان‬
‫عندما يسلك مسلكا معينا‪ ،‬مثل السلوك اللوطي‪ُ ،‬يبحث عن الدوافع بداخله هو‬
‫وحده‪ ،‬وهو مُصدَّقُ القول‪ ،‬خاصةً إن تكرر الكالم والتفسري؛ فالنفسي حينما يبحث‪،‬‬
‫بطريقة إحصائية‪ ،‬كم احلجج املتشابهة عند اللوطيني‪ ،‬وتفسرياتهم لسلوكهم‬
‫ذلك الطريق = يأخذ التكرار على أنه داللة وجود (فئة) من البشر‪ ،‬لديها جوهر‬
‫ُمخالِف اجلمهور‪ .‬وحيث أن التكرار ال يدلُّ إال على وجود (جزء إنساني) مماثل‪،‬‬
‫وحيث أن اإلنسانية تقتضي منا تقديس الفرد ومتيزه = توجَّب علينا االعرتاف بوجود‬
‫(جزء من البشر) لديه ميول لوطيَّة مُركبة يف نفسه!‬
‫اإلسالم أحد األديان اليت تتدخل وتؤكِّد على وجود تفسري أوسع من الضيق‬
‫اإلنسانوي‪ ،‬وأكرب من االقتصار على ذلك العامل املادي والوضعي يف البحث = إذ يُقدِّم‬
‫عامال خارجيا للوطيَّة هو الشيطان‪ ،‬وعامال داخليًّا هو النفس األمارة بالسوء‪ ،‬فالنفس‬
‫‪219‬‬
‫ذاتها مُركَّبة من أجزاء متصارعة‪ ،‬وأحد تلك األجزاء الداخلية مرتبط بعامل‬
‫خارجي وأكثر ميال إىل التواصل معه‪.‬‬
‫ما أثر ذلك االختالف؟‬
‫لنبحث ظاهرة مثل تكرار حجاج الكافرين والفاسقني‪ ،‬فالتفسري اإلسالمي لتكرار‬
‫االستناد إىل ذات احلجج ال يكتفي فقط باجلزء اإلنساني املتماثل‪ ،‬كاملكابرة‬
‫والتمسك باملوروث ولو كان ضالال‪ ،‬أو امليل االجتماعي للفكر احملافظ والنفور من‬
‫كل ثورة‪ ،‬سواء صاحلة أو باطلة‪ ،‬ونرى هذا يف اﻵيات الكثرية عن تكرار التحجج‬
‫بأن (هذا ما وجدنا عليه آباءنا)‪ ،‬بل يضيف وجود كائن يُشرِك بني بين اإلنسان من‬
‫كافة األصقاع‪ ،‬ويتصل مباشرةً بأفكارهم ودواخلهم‪ ،‬أال وهو الشيطان‪ ،‬الذي ينقل‬
‫بينهم احلجاج = لذا حيدث التكرار يف التفسري‪ .‬إن الشيطان يلعب ها هنا دور رابط‬
‫خفي بني اآلدميني‪ ،‬يلج عقوهلم ليبث ذات احلجج من مدخل النفس األمَّارة‪ ،‬اليت قد‬
‫خترتع هي ذاتها للفرد تفسريا ودافعا رمبا يفوق ما يعلمه الشيطان ويكيد به!‬
‫ما وزن كل ذلك الذي قيل يف الفقرة األخرية عند علموية السيكولوجيني املانعة‬
‫ألي غيبيات مرتبطة بإله؟ ال شيء! كل ذلك ليس إال خرافات ودجل!‬
‫وال تُفسَّر كافة البحوث اإلسالمية اليت كُدِّست يف املكتبات العربية‪ ،‬واملازجة بني‬
‫(علم) النفس‪ ،‬والتفسري القرآني = إال أنها هُراء وغثاء الهوتٍ جيب حرقه! وخرافة‬
‫بقايا عصور الدجل وما قبل الوضعيَّة‪ ،‬وحماولة الستمرارية تقييد الفلسفة بعلم‬
‫النفس!‬
‫لذا ينظر املسلم ملنهج البحث النفسي بأسلوب خمالف متاما للعلموي‪ ،‬وال أقول‬
‫مناقض‪ ،‬وبالتالي يُفسِّر الدوافع بفكر خمتلف‪ ،‬وأسس مناقضة ملا قام عليه أهل‬
‫العلوم النفسية‪.‬‬
‫ثانيا‪ ،‬مثَّل استبعاد أي معيارية دينية إهلية مشكلة أخرى‪ ،‬إذ أن احلكم بصواب الفعل‬
‫وخطئه‪ ،‬أصل يُبنى عليه علم النفس وتفريعاته‪ ،‬فعلم نفس اجلرمية‪ ،‬كان يضع‬
‫‪220‬‬
‫(الشذوذ اجلنسي) بني مباحثه‪ ،‬وكانت تُسرب الدوافع على هذا األساس‪ ،‬وتُقدَّم‬
‫التفسريات والتوصيات واحللول بناءً على معيارية علمانية‪ .‬ثم تغيَّر كل ذلك‪،‬‬
‫لسيولة املعياريَّة العلمانية وانتشار النسبوية إىل آخر ما ذكرناه قبال = فاستُبعِد‬
‫حبث الشذوذ اجلنسي من علم نفس اجملرمني‪ ،‬ونُ ِقل إىل فرع طبيعي آخر‪ ،‬بل اختُ ِرع‬
‫مرض نفسي جديد‪ ،‬أضيف لعلم نفس اجلرمية‪ ،‬وهو (رُهاب اللوطيَّة‬
‫‪ )Homophobic‬الذي قد يدفع اإلنسان إليذاء اللوطيني املساكني‪ ،‬واعترب ذلك‬
‫الشخص املريض بعداء اللوطية شاذا‪ ،‬يستحق أن توصف حالته هو يف علم نفس‬
‫الشواذ!‬
‫وكل معيارية دينية إهلية‪ ،‬موصومة بالتخلف‪ ،‬وعليه ال ميكن أن نعتربها حمدد ًة‬
‫لصحة السلوك من عدمه‪ ،‬وبالتالي ال ميكن البتة حبث الدافع يف نطاق ديين‪.‬‬
‫فاملعيارية الدينية اليت حتكم على السلوك اللوطي باعتباره شذوذا‪ ،‬حكمت قبل ذلك‬
‫حكما قبليا أن هناك (فطرة خيِّرة) تستقبح اللواط‪ ،‬وبناءً عليه فُسِّر (الدافع) باعتباره‬
‫ينتمي جملموعة الدوافع (املكتسبة) أوال‪ ،‬ثم الدوافع (املؤقتة) ثانيا‪ ،‬ثم (الدوافع)‬
‫اإلجرامية ثالثا = كل ذلك صنعه وجود معيارية دينية للتصويب والتخطئة!‬
‫أما املعيارية العلموية‪ ،‬فال حتكم أوال بأن هناك (فطرة) خلقنا اهلل بها تستقبح‬
‫اللواط‪ ،‬ألنه ال إله‪ ،‬وال غيب‪ ،‬كما أن احلكم على فعل ما بأنه (فطري خيِّر) يدخلنا‬
‫يف جمال الفلسفة والقيم‪ ،‬وهو ليس جمال العلم‪ ،‬وبناءً عليه ال تُفسَّر الدوافع أبدا‬
‫بالصورة اليت جيري فيها التفسري استنادا إىل اﻹسالم‪ ،‬إذ ال دليل على أن دافع امليل‬
‫للواط هو (مُكتسب) ضرورةً‪ ،‬أو طارئ مؤقَّت ميكن دفعه وعالجه‪ ،‬أو إجرامي نتاج‬
‫مرض نفسي = وارتقاء السيكولوجي ملرتبة العلم رهني اخلالص من األحكام‬
‫والعالئق القيمية والدينية يف حبث الدوافع وتفسريها‪.‬‬
‫‪221‬‬
‫وتزداد املسألة جالءً باستعراض فارق البواعث بني دين اإلسالم ودين العلمانية؛‬
‫فالبواعث اليت يستجيب هلا الدافع اإلنساني نوعان‪ ،‬إجيابية وسلبية‪ :‬اإلجيابية‬
‫جاذبة بالتثويب‪ ،‬والسلبية رادعة بالعقاب‪ .‬ودافع البقاء والسالمة‪ ،‬يُلزِم النفس‬
‫اﻹنسانية االستجابة لتلك البواعث‪ .‬وال يُفارِق املسلم امللتزم غريه‪ ،‬غري أن دافعه‬
‫للسالمة موجَّه حنو اآلخرة‪ ،‬أي سالمته األبدية‪ ،‬ﻷن حياته األقصر هي الدنيا = وذاك‬
‫ما يدفعه للقتال واالستشهاد؛ فهو يف ذلك ال يُخالِف الدافع اإلنساني الطبيعي‪ ،‬إمنا‬
‫يفتح له إميانه آفاقا جديدة للسالمة‪.‬‬
‫وكذا الدافع االجتماعي‪ ،‬يُميل اإلنسان إىل مياسرة جمتمعه ومساملته واخلضوع‬
‫لقوانينه‪ ،‬أي االستجابة للبواعث اإلجيابية والسلبية‪ ،‬حتى وُجِد املنافقون واملراؤون‪،‬‬
‫وهم من يبطنون إميانا عكس ما يُظهرون‪ ،‬حماولةً الستجالب رضا الناس أو خمافة‬
‫عقابهم‪ .‬إذن معنى البواعث بني اإلسالم‪ ،‬والعلمانية‪ ،‬خمتلفة جد االختالف‪ ،‬وذلك‬
‫يُغيِّر متاما طبيعة البحث عن الباعث؛ فالسيكولوجي حبث علماني‪ ،‬ال ديين‪ ،‬وال‬
‫يُفسِّر البواعث الدينية إال يف إطار األوهام والضالالت الذاتية للمرء‪.‬‬
‫إن النقاش لطبيعة علم النفس طويل ومرهِق وال غناء عنه وال نهاية له‪ ،‬لكن كان‬
‫البد من ذلك املدخل‪ ،‬قبل استعراض تطور مناظري القضية اللوطية يف هذا احلقل‪،‬‬
‫وسنرجع مرة أخرى بعد هذا االستعراض لنقاش أوسع إلشكالية تعامل علم النفس‬
‫حتديدا مع تلك القضية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أحقاب تطور مناظير السيكولوجيين للوطية‪.‬‬
‫تطورت مناظري علم النفس حنو اللوطية منذ نهاية القرن التاسع عشر تطورا‬
‫كبريا‪ ،‬خالل مراحل ثالث ميكن متييزها‪ ،‬األوىل مرحلة علم نفس اجلنس ‪Sex‬‬
‫‪ Psychology‬اليت كان آخر كبارها هافيلوك إيليس‪ ،‬ثم مرحلة التحليل‬
‫‪222‬‬
‫النفسي ‪ Psycholanalysis‬اليت كان رائدها سيجموند فرويد‪ ،‬وأخريا مرحلة‬
‫ألفريد كينزي‪ ،‬والذي ناصر التطبيع الكامل للوطية يف اجملتمعات الغربية‪ ،‬واليت‬
‫سادت أخريا‪ ،‬يف مقابل انزواء املدرسة األخرى التى ترى اللوطية مرضا يُمكن عالجه‪.‬‬
‫وسنتناول يف ذلك اجلزء مراحل التطور‪ ،‬ونظرية كل واحد من أولئك األعالم عن‬
‫اللوطية‪.‬‬
‫الخناثة النفسية ألولريخ إلى معركة‬
‫‪ )1‬عصر انفصال علم النفس عن الدين‪ ،‬من ِ‬
‫الجبليَّة والتربوية‪.‬‬
‫يف ستينيات القرن التاسع عشر مثلت نظرية (اجلنس الثالث) اليت ابتكرها أولريخ‬
‫‪ Karl Heinrich Ulrichs‬حتديا للمعتقدات اليت سادت احلضارة الغربية إىل‬
‫ذاك الوقت‪ ،‬واليت كانت تعترب اللوطية فاحشة وخطيئة حبق اهلل‪ ،‬وحبق اإلنسان‪،‬‬
‫وعالمة على حتلل اجملتمع‪ ،‬ومل يكن اعتبار اللوطية مرضا إال منوذجا لعلمنة ذاك‬
‫املعتقد‪ ،‬ومثَّل ذلك القرن االنفصال املتدرج لعلم النفس عن الدين عامةً)‪. (142‬‬
‫كان كارل أولريخ‪ ،‬اللوطي األملاني‪ ،‬أول املتحدثني عن مفهوم اخلِناثة والرتجُّل‪،‬‬
‫بصورة شبيهة للغاية بنقاشات اليوم عنها‪ ،‬ما يُرجِّح أنه أبو ذلك القسم من النظرية‬
‫اللوطية واجلندرية‪ .‬فماذا كانت نظريته؟‬
‫كان أولريخ متأثرا بعلم األجنة الذي كان يتصاعد حينها‪ ،‬وخاصة احلقيقة اليت‬
‫أثبتها عن صعوبة التفرقة بني األعضاء اجلنسية للذكر واألنثى يف املراحل األوىل‬
‫للجنني‪ ،‬ما حفزه للتفكري يف منوذج يُربر به اللوطية‪ ،‬اليت يعيشها هو نفسه‪ ،‬واليت‬
‫كانت مثار امشئزاز ونفور جمتمعي حينها‪ ،‬ونشر منوذجه النظري يف كتابه‬
‫(معضلة احلب بني الرجال)‪ ،‬وخالصته اآلتي‪:‬‬
‫‪223‬‬
‫أن اإلنسان يف حالته اجلنينية املبكرة ال يكون ذكرا وال أنثى‪ ،‬وميكن أن يتطور الحقا‬
‫إىل أي اجتاه منهما بصورة عشوائية‪ ،‬وأن الدوافع اجلنسية منفصلة عن األعضاء‬
‫اجلنسية‪ ،‬وال تتطور األعضاء إال بقمع اجتاه من االجتاهني؛ فإن كانت أعضاء‬
‫ذكورية‪ ،‬تقمع االجتاه األنثوي للدوافع‪ ،‬لكن ليس دوما‪ .‬فاالجتاه الذكوري أو‬
‫األنثوي العضوي الظاهر‪ ،‬منفصل متاما عن التكوين الذكوري واألنثوي لإلنسان‬
‫نفسيا )‪!(142‬‬
‫وبالتالي يُمكن لنا أن جند احتماالت أربعة‪ :‬ذكر بدوافع أنثوية‪ ،‬وأنثى بدوافع‬
‫ذكرية‪ ،‬وذكر بدوافع ذكورية‪ ،‬وأنثى بدوافع أنثوية! وقد اعترب أولريخ تلك‬
‫احلالة ما نسميه باخلنثى نفسي‪ :‬ذكر يعيش يف جسد أنثى رغما عنه‪ ،‬أو أنثى تعيش‬
‫يف جسد ذكر رغما عنها؛ وبالتالي ينتشر فيهم احلزن واألمل والغضب من عدم فهم‬
‫اجملتمع لتلك احلقيقة‪ ،‬ولعدم فهمهم هم أنفسهم حلقيقة كونهم جنسا ثالثا!‬
‫حازت نظرية أولريخ شعبية كبرية حينها )‪ ،(142‬وأسست لرؤية جديدة (علموية)‬
‫للوطية‪ ،‬تدفع اجملتمع إىل التعاطف مع اللوطيني‪ ،‬بدال من التنكيل واإلزراء بهم‪،‬‬
‫الذي كان سائدا‪.‬‬
‫مل تستمر تلك النظرية منفردة يف احلقل لتربير اللوطية‪ ،‬قبل أن يأتي العلماء يف‬
‫مطلع القرن العشرين ويوارونها الثرى‪ ،‬بعدما كشفوا أن (جنس) الطفل يتحدد من‬
‫اجلينات‪ ،‬منذ اللحظة اليت يتكون فيها الزجيوت‪ ،‬وأن علم األجنة كان يدرس‬
‫الظاهر فقط = أي أن أولريخ بنى نظريته كلها على افرتاض خاطئ‪ ،‬وهو وجود‬
‫حالة أولية لإلنسان يكون فيها بال جنس على اإلطالق‪.‬‬
‫‪224‬‬
‫كما أنك تالحظ عيبا واضحا يف نظريته مبنظور اللوطيني أنفسهم؛ فليسوا مجيعا‬
‫يشعرون بأنهم (إناث) يف أجساد ذكور‪ ،‬والعكس! كما أن هذا قد يربر منوذجا واحدا‬
‫من اللوطية‪ ،‬منوذج اللوطي املفعول به يف العالقة‪ ،‬أو اللوطية املرتجلة؛ لكنه ال يربر‬
‫لوطية الذكر املتسلط الفاعل‪ ،‬وال لوطية املتأنثة!‬
‫ثم انقسم علماء نفس اجلنس يف الربع األخري من القرن التاسع عشر بني رؤيتني‬
‫لتربير اللوطية‪ ،‬األوىل تراها مكتسبة ‪ Acquired‬غري فطرية‪ ،‬إمنا نتاج احنراف‬
‫اإلنسان واستسالمه لشهواته‪ ،‬وعليه ميكن شفاء اللوطي من ميوله تلك‪ ،‬بطرق‬
‫العالج النفسي املناسبة العقلية والسلوكية‪ ،‬مثل التنويم املغناطيسي )‪،(143‬‬
‫واالخنراط يف عالقات جنسية طبيعية مع نساء‪ ،‬وكان من أكرب املعتنقني لتلك‬
‫الرؤية ألربت فون شرنك نوتسينج ‪،Albert Von Schrenck-Notzing‬‬
‫والذي يعترب كبري مؤسسي العالج التحويلي ‪ Conversion therapy‬يف تاريخ‬
‫علم النفس)‪ ، (144‬إذ نشر دراسات أثبت فيها قدرته على عالج ‪ 12‬حالة من ‪32‬‬
‫لوطي‪ ،‬وإعادة الشخص إىل الصورة الطبيعية للعالقات اجلنسية)‪. (145‬‬
‫أما الرؤية األخرى فقد جادلت بأن اللوطية فطرية ‪ ،Congenital‬غري مكتسبة‪،‬‬
‫وبالتالي ال ميكن عالجها‪ ،‬فهي مركوزة يف قرار طبيعة اللوطي نفسه‪ ،‬وكان من‬
‫أكرب املعتنقني لتلك الرؤية ألربت مول ‪ Albert Moll‬الذي دخل صراعا كبريا‬
‫‪225‬‬
‫مع شرنك نوتسينج‪ ،‬واتهمه يف دراساته وحبوثه‪ ،‬ويف أساليب عالجه املؤسس على‬
‫اإلميان بالغيبيات أو الباراسيكولوجي)‪. (143‬‬
‫وستظل تلك املعركة بني املدرستني‪ ،‬كما رأينا‪ ،‬قائمة يف علم النفس‪ ،‬إىل اليوم‪:‬‬
‫مدرسة اجلبليَّة أو الطبيعة‪ ،‬ومدرسة التنشئة والرتبية‪.‬‬
‫‪ )2‬ما قبل فرويد‪ ،‬هافيلوك إيليس وعلم نفس الجنس ‪.Sex Psychology‬‬
‫يف نهاية القرن التاسع عشر‪ ،‬كان علم نفس اجلنس على موعد مع رؤية جريئة يف‬
‫علمانيتها‪ ،‬أتت من فيلسوف يوتوبي معروف حينها‪ ،‬هو هافيلوك إيليس‬
‫‪.Havelock Ellis‬‬
‫كان إيليس يؤمن بأن اجملتمع سيُصلح ذاته‪ ،‬ويصل إىل يوتوبيا علمانية‪ ،‬حينما‬
‫يصل إىل درجة معينة من معرفة ذاته‪ ،‬خاصة املعرفة اجلنسية )‪ ،(146‬وعليه كانت‬
‫أعماله يف هذا اجلانب ممتدة‪.‬‬
‫بنى إيليس رؤيته على أساسني‪:‬‬
‫أوهلما‪ :‬اكتشاف علماء احليوان حينها وجود اللوطية عند احليوانات والبهائم‪ ،‬وعنى‬
‫ذلك إليليس أن تلك امليول (طبيعية) وليست احنرافا خاصا باإلنسان‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬ما أعلنه علماء األنثروبولوجيا حينها‪ ،‬بأن اللوطية وُجِدت يف ثقافات أخرى‬
‫دون جتريم‪ ،‬وليست كل الدنيا متفقة على حترميها الغربي والنفور منها‪.‬‬
‫ومن األساس األول‪ ،‬أعلن إيليس أن اللوطية ليست إال مظهرا طبيعيا للجنس مثل‬
‫الصورة التقليدية؛ بل ال توجد صورة منطية واحدة للجنس‪ ،‬فاللوطي يُخالف غريه‬
‫يف اختيار (موضوع) املمارسة اجلنسية ال أكثر! خيتار غري اللوطي اجلنس املخالف‪،‬‬
‫‪226‬‬
‫وخيتار اللوطي نفس جنسه‪ ،‬وكلتا احلالتني طبيعيتني متاما‪ ،‬والدليل انتشار‬
‫الظاهرة يف عامل احليوان )‪.(146‬‬
‫ومن األساس الثاني‪ ،‬أوضح إيليس سبب امشئزاز اجملتمع من اللوطية = إذ ال يوجه‬
‫اللوم يف ذلك إال إىل الثقافة الغربية! ومن املؤكد أن اإلنسان ميلك القدرة على تغيري‬
‫تلك الثقافة‪ ،‬والوصول إىل يوم تتقبل فيه تلك الثقافة اللوطيني وتقدر ميوهلم‬
‫وتعرتف بأنها طبيعية متاما‪.‬‬
‫وقد تفقّأ غيظا واستعلن بغضبه من قانون عام ‪ 1885‬اإلجنليزي الذي كان يعاقب‬
‫اللوطيني باحلبس مدة تصل إىل عامني = فال جيب على أي قانون الوقوف حائال أمام‬
‫متعة اإلنسان‪ ،‬باسم احلفاظ على القيم أو املبادئ اجملتمعية؛ اليت مل تُستقى إال من‬
‫ثقافة زمنية حمدودة غري مطلقة‪ .‬وحينما يصل اإلنسان إىل تلك اللحظة اجمليدة‪،‬‬
‫حلظة تطبيع اللوطية = سيزداد معرف ًة بذاته؛ وبالتالي يُبنى اجملتمع املثالي‪.‬‬
‫كانت تلك األفكار ثورية راديكالية يف هذا الوقت‪ ،‬خاصةً أنها أتت من رجل ذي‬
‫تقدير‪ ،‬كتب أول مرجع طيب للوطية يف الغرب‪ ،‬وكان من أوائل الذين اكتشفوا‬
‫فرويد يوم مل يكن يسمع به أحد‪ ،‬غري أنه انقلب عليه فيما بعد‪ ،‬حينما رأى أن نظرية‬
‫فرويد عن اللوطية تعين أنها (مكتسبة) غري طبيعية‪ ،‬فهامجه كثريا حتى موته‪.‬‬
‫كان مناط اهلجوم املضاد على إيليس أنه بنى نظريته‪ ،‬وادعى أن البحوث تؤيده =‬
‫بناءً على االعرتافات الذاتية املكتوبة ‪ Autobiographies‬للوطيني من الطبقة‬
‫الوسطى اإلجنليزية ال غري‪ ،‬وهي طريقة يف البحث ال ميكن االعتماد عليها يف إثبات‬
‫دعواه الكربى )‪.(146‬‬
‫‪227‬‬
‫‪ )3‬عصر فرويد والطبيعة الجنسية المزدوجة‪ ،‬تفسير التحليل النفسي‬
‫‪.Psychoanalysis‬‬
‫برغم تأخر بروز فرويد عن إيليس‪ ،‬إال أنه صعد سريعا إىل قمة علم النفس‪ ،‬بتشييد‬
‫نظريته كلها فوق جمموعة من املسلمات واملبادئ اليت حتدث عنها املهتمني‬
‫بسيكولوجيا اجلنس قبله‪ ،‬وقد كان أبرز الذين أخذ عنهم األفكار الرئيسية للتحليل‬
‫النفسي كافةً‪ ،‬ولتفسري اللوطية خاصة‪ ،‬فيلهلم فليس ‪Wilhelm Fliess‬‬
‫صديقه‪ ،‬طبيب األنف واألذن واحلنجرة‪ ،‬الذي عرفه بفكرة ازدواجية امليول اجلنسية‬
‫لإلنسان يف طفولته)‪ ، (147‬وفكرة املؤثرت اجلنسية على الطفل يف تكوين حياته‬
‫الالحقة )‪.(148‬‬
‫فما هو تفسري فرويد للوطية؟‬
‫آمن فرويد بأن ال امليول الطبيعية وال اللوطية = فطرية جبليَّة)‪ ، (149‬بل يولد‬
‫اإلنسان مزدوج امليول اجلنسية ‪ ،Bisexual‬ميكنه أن مييل إىل اجلنسني معا بنفس‬
‫القدر‪ ،‬لكن حينما جيتاز الطفل مرحلة عقدة أوديب‪( 25‬اليت تكون من عمر ثالث‬
‫سنوات إىل ست)‪ ،‬يتعرف إىل هويته كذكر‪ ،‬وبالتالي مييل إىل اجلنس اآلخر‪،‬‬
‫ويعيش حياته بصورة طبيعية‪.‬‬
‫‪ 25‬عقدة أوديب‪ :‬إحدى أهم أركان نظرية التحليل النفسي عند فرويد‪ ،‬وملخصها أن الطفل يشعر بالغيرة على أمه من أبيه‪ ،‬ألنها تكون‬
‫المسؤولة عن تزويده بالنشوة منذ الرضاع‪ ،‬فيتمنى قتل أبيه‪ ،‬لكنه يعرف عجزه عن ذلك لخواره أمام قوة أبيه‪ ،‬ولخشيته من ِّ‬
‫الخصاء‪،‬‬
‫فيظل في مرحلة من االضطراب حتى يتعرف إلى هويته جيدا ويجتاز العقدة مع سن في حدود ست سنوات‪ ،‬لكنها تؤثر عليه في حياته‬
‫بعد ذلك في جوانب أخرى‪ .‬ولها نظير أنثوي هي عقدة إلكترا‪.‬‬
‫‪228‬‬
‫لكن ماذا إن مل يستطع اجتياز تلك املرحلة بسالم؟ هنا يُصبح املرء لوطيا‪ ،‬حيب نفس‬
‫جنسه)‪. (150‬‬
‫تسبب ذلك التفسري يف اضطراب كبري مبدرسة التحليل النفسي بعد فرويد‪ :‬أكان‬
‫فرويد ينظر للوطية كمرض أم كطبيعة ال بأس بها؟ هناك اتفاق على ضبابية‬
‫موقفه بني املؤيدين العتبار اللوطية مرضا )‪ (151‬واملؤيدين العتبارها طبيعية )‪!(150‬‬
‫توجد شواهد على اعتبار فرويد اللوطية مرضا من حديثه عنها‪ ،‬فقد استخدم‬
‫منوذجا سيكولوجيا للتسمية ينسبها إىل علم الباثولوجيا )‪(150‬؛ كما أنه قسم‬
‫مراحل منو الشخص جنسيا إىل ثالثة يف خطاباته مع فليس‪ ،‬األوىل اإلروتيك الذاتي‬
‫‪ Autoeroticism‬والثانية اإلروتيك اللوطي ‪ Homoeroticism‬والثالثة‬
‫اإلروتيك الطبيعي ‪ ،Heteroeroticism‬وقد شرح عامل النفس الفرنسي جان‬
‫بريجرييه‪ ،‬أن ذلك يعين انتماء املرحلتني األوىل والثانية إىل مرض النرجسية؛‬
‫فاللوطية‪ ،‬هي إعجاب اإلنسان بنوعه وذاته‪ ،‬ونبذه املخالف؛ وعليه ال ميكن اعتبارها‬
‫صورة طبيعية‪ ،‬وهي الرؤية اليت عرضها سابقا عامل السيكولوجيا ساندور فريينزي‬
‫‪ ،Sándor Ferenczi‬على فرويد يف بدايات القرن املاضي‪ ،‬مقرتحا استعمال‬
‫وصف ‪ Homoeroticism‬بدال من مصطلح ‪ = Homosexual‬ألن األخري‬
‫يعين تطبيع املمارسة اللوطية‪ ،‬يف حني أنها ليست إال مرضا ينتمي للنرجسية‪ ،‬حيث‬
‫يتهيج اإلنسان على مثيله‪ ،‬أي على ذاته! وسيدافع بريجرييه عن التسمية اليت‬
‫اقرتحها فريينزي‪ ،‬مستعرضا حتليله النفسي لعدة حاالت وقعت يف اللوطية‪ ،‬رجاال‬
‫‪229‬‬
‫ونساءً؛ ثم بتحليل حياتها وماضيها‪ ،‬ثبت أن وقوعهم يف اللوطية مل يكن (فطريا)؛ بل‬
‫مسببا مكتسبا؛ تارة امرأة متزوجة عانت من إهمال زوجها عاطفيا‪ ،‬وارتباطها‬
‫بصديقتها اليت تستمع هلا‪ ،‬ما حتول إىل عالقة لوطية بينهما‪ ،‬وتارة رجل نشأ يف‬
‫منزل فيه أم متسلطة‪ ،‬زرعت فيه كراهية النساء‪ ،‬وعدم النظر إليهن باعتبارهن‬
‫موضوعا جنسيا جذابا ‪Sexual Object‬؛ فكان اإلمتاع عنده مرتبطا بالرجال فصار‬
‫لوطيا )‪!(151‬‬
‫إذن يؤكد هذا التوجه على منوذج فرويد نفسه حول النرجسية وعقدة أوديب‪ ،‬وأن‬
‫اللوطية ليست إال (توقف منو) أو انتكاسة‪ ،‬مسببة بعوامل اجتماعية خارجية غالبا‪،‬‬
‫ال فطرية يف اإلنسان‪ ،‬وعليه جيب أن تُنمَّى بوضوح إىل األمراض النفسية‪.‬‬
‫من اجلهة األخرى توجد كذلك قرائن تدعم الزاعمني نظر فرويد إىل اللوطية‬
‫كصورة أخرى للجنس‪ ،‬ليست شاذة بالضرورة؟ توجد شواهد ضئيلة من كالمه‬
‫لكن يتمسك بها أنصار اللوطية )‪:(150‬‬
‫منها قوله أن امليل اجلنسي حنو اجلنس اآلخر ليس حتميا‪ ،‬بل فيه جزء طبيعي‪،‬‬
‫وجزء تربوي‪ .‬أما اجلزء الطبيعي فراجع ‪ -‬كما رأينا ‪ -‬لكون اإلنسان عنده جمبول‬
‫على امليل للجنسني فطريا‪ ،‬وأما الرتبوي فراجع للتنشئة اليت قد تساعده يف عبور‬
‫عقدة أوديب أو االضطراب فيها‪.‬‬
‫ومنها تأكيده على أن حتويل اللوطي لطبيعي ال يقل صعوبة عن حتويل الطبيعي‬
‫للوطي‪ ،‬والسعي يف ذلك السبيل ال يعد بالكثري!‬
‫ومنها هجومه على الفكرة اليت روجها أولريخ عن اجلنس الثالث‪ ،‬وشعور اللوطي‬
‫بأنه روح اجلنس املخالف حلقيقته البيولوجية‪ ،‬إذ أكد على وجود رجال حيملون‬
‫‪230‬‬
‫مظهرا ذكوريا واضحا ال يتصنعونه نفاقا‪ ،‬ومع ذلك ينخرطون يف عالقات لوطية‪،‬‬
‫وكذلك نسوة ال ميلن لتمثيل أدوار الذكور‪ ،‬وال يشعرن بأنهن لسن نسوة‪ ،‬ومع‬
‫ذلك ينخرطن يف عالقات لوطية! إن هذا تأكيد على عدم وجود (حالة مرضية) أو‬
‫صورة شاذة مثل اليت يوحي بها منوذج أولريخ‪.‬‬
‫ومنها كذلك‪ ،‬اخلطاب الذي اشتهر‪ ،‬وكتبه فرويد إىل امرأة عانت من لوطية ابنها‪،‬‬
‫وفيه وصف اللوطية بأنها ليست عارا جيب اخلجل منه‪ ،‬وال ميكن تصنيفها‬
‫كمرض‪ ،‬بل هي (نوع) آخر من الوظائف اجلنسية‪ .‬وكذا اعرتافه يف تقريره املتأخر‬
‫أنه حاول عالج امرأة لوطية وفشل يف ذلك‪ ،‬مرجحا عدم جدوى عالجات حتويل‬
‫امليول اجلنسية )‪.(152‬‬
‫لكن‪ ،‬كما ترى‪ ،‬أدلة الفريق الثاني أضعف يف اجلملة‪ ،‬وميكن نسبتها بيسر إىل‬
‫مسعى أحفاد فرويد يف تربئة أبو التحليل النفسي من تهمة عداء اللوطية‬
‫‪ ،Homophobia‬أو احتقارها‪ ،‬وكذلك سعيهم يف (تنظيف مسعة) مؤسسات‬
‫التحليل النفسي من تلك التهمة‪ ،‬خاصةً أن السائد عند رجال التحليل النفسي بعد‬
‫فرويد كان النظر إىل اللوطية باعتبارها انتكاسة يف التطور الطبيعي للميول‪،‬‬
‫وتوقفا للنمو النفسي السوي‪ ،‬ما يُلجئ املرء حملاكاة اجلنس اخلاطئ‪ ،‬وهذا إن مل‬
‫يُعلنه أحد يف العقود األخرية إال نادرا‪ ،‬إال أن أثره يف السيكولوجيني التحليليني كان‬
‫كبريا = فقد كانوا يستبعدون أوال بأول املرشحني لوظيفة التحليل النفسي من‬
‫مؤسساتهم إن كانوا لوطيني‪ ،‬ويرجع هذا بال ريب إىل نظرتهم هلم باعتبارهم أول‬
‫من حيتاج إىل عالج؛ حتى حدث جدال ضخم يف أول األلفية اجلديدة اضطر بسببه‬
‫العديد إىل التربؤ من تهمة العداء للوطية املتأصلة يف مؤسسات التحليل النفسي‬
‫‪231‬‬
‫األمريكية )‪ .(150‬فال ميكن نسبة كل أولئك إىل (سوء فهم فرويد) وتصحيح رأي‬
‫املُربئني له وحدهم من املعاصرين!‬
‫إذن ميكن تقسيم موقف أتباع فرويد من بعده إىل مدرستني‪:‬‬
‫األوىل تؤكد على أنها مرض مُسبب وعرض مكتسب‪ ،‬وهو ما يعين إمكان الشفاء‪ ،‬ما‬
‫يفتح الباب ملمارسي العالجات التحويلية‪ ،‬ممن يبحثون عن (عوامل بيئية ‪/‬خارجية)‬
‫يف طفولة اإلنسان هي اليت تدفعه للوطية‪.‬‬
‫والثانية تؤكد على أنها صورة طبيعية‪ ،‬فاإلنسان يولد مزدوج امليول اجلنسية‪ ،‬وهو‬
‫الذي خيتار يف مرحلة الحقة النموذج الذي يرغبه جنسيا؛ ويف كالم فرويد‬
‫وغموض أفكاره‪ ،‬بل واستخدامه هو ذاته عبارة (معضلة اللوطية) ما يدعم مزاعم‬
‫املدرستني على تناقضهما!‬
‫‪ )4‬ما قبل كينزي‪ ،‬مدرج ديفيز‪ ،‬ومدرج تيرمان ‪ -‬ميلز‪.‬‬
‫قفز البحث اجلنسي يف ختام الربع األول من القرن العشرين مسافة كبرية؛‬
‫مبحاولة العلماء نقله إىل حقل القياسات واملعايري العلموية الصرفة‪ ،‬واخلروج به‬
‫قدر اإلمكان من إطار (الفلسفة) الذي دارت فيه النظريات قبال‪.‬‬
‫وقد كان من أبرز احملاوالت لتفكيك اللوطية وفهمها‪ ،‬حبث ديفيز ‪ Davis‬الذي‬
‫نشرته عام ‪ 1930‬بعد دراسة ‪ 2200‬امرأة لوطية‪ ،‬سعيا لفهم حالتهن اجلنسية‪ ،‬وقد‬
‫وضعت بعد تلك الدراسة مدرجا‪ ،‬يفصل بني اللوطية كمشاعر‪ ،‬وكممارسة؛‬
‫واعتربت أن املشاعر هي (عالمة) على وجود اللوطية؛ بينما قد ال تُتاح املمارسة‪ ،‬كما‬
‫أن اللوطية سلوك وجتربة جنسية‪ ،‬ال هوية خاصة‪.‬‬
‫‪232‬‬
‫وضعت ديفيز مدرجها لقياس شدة اللوطية‪ ،‬من املشاعر إىل املمارسات؛ بالصورة‬
‫اآلتية )‪:(153‬‬
‫‪ :H.I‬من لديهن مشاعر لوطية دون سلوك لوطي ظاهر‪.‬‬
‫‪ :H.II‬من لديهن مشاعر لوطية ‪ +‬سلوك لوطي ظاهر‪.‬‬
‫‪ :I.E.R‬من لديهن عالقات عاطفية عميقة مع النساء األخريات‪.‬‬
‫‪ :H.II.c‬ذوات السلوك اللوطي الظاهر من قبل البلوغ!‬
‫تربز أهمية تلك الدراسة يف تاريخ البحوث اللوطية يف كونها من املُلهِمات ألكرب‬
‫اسم يف ذلك احلقل بالقرن املاضي‪ :‬ألفريد كينزي‪ ،‬الذي سنعرضه بعد قليل؛ فقد‬
‫تأثر بطريقة املدرج‪ ،‬وباللغة العلمية التوصيفية اليت جتنبت إهانة اللوطيات)‪. (153‬‬
‫كما أننا نلحظ ظهور التفرقة بني (املشاعر)‪ ،‬و(السلوكيات)؛ وهي تفرقة‬
‫سيستخدمها الكثريون فيما بعد‪.‬‬
‫ثم برزت يف عام ‪ 1936‬دراسة تريمان وميلز اليت أنشآ على إثرها مدرج تريمان‪-‬ميلز‬
‫لقياس األنوثة والذكورة ‪ ،Masculinity–Feminine Scale‬والذي يعتمد‬
‫على جمموعة من االختبارات لتحديد (حجم) األنوثة أو الذكورة يف احلالة‬
‫‪233‬‬
‫املدروسة)‪ ، (154‬وكان مما أكدا عليه صحة نظرية االنعكاس النوعي ‪Gender‬‬
‫‪Inversion Theory‬؛ والقائلة بأن اللوطي ذكر مظهريا لكنه غري منضبط‬
‫وفيه مسات أنثوية نفسيا هي اليت جتعله مييل للرجال‪ ،‬واألنثى العكس )‪= (137‬‬
‫وبالتالي على احلالة اليت تُظهر تقاربا من النوع اآلخر‪ ،‬بامتالكها مسات تُخالف‬
‫نوعها أكثر من الطبيعي؛ أن تُعدِّل من نفسها سلوكيا كي تُالئم اجلنس الذي‬
‫تنتمي إليه )‪.(153‬‬
‫‪ )5‬عصر كينزي‪ ،‬تشييد أسس اللوطية المعاصرة‪.‬‬
‫يف أربعينيات ومخسينيات القرن املاضي‪ ،‬كانت أمريكا والغرب على موعد مع قنبلة‬
‫ثقافية هائلة‪ ،‬بعدما نشر ألفريد كينزي كتابه األشهر‪ :‬السلوك اجلنسي يف ذكر‬
‫اإلنسان‪ ،‬والذي محل خالصة دراساته (العلمية) على ألوف من ذكور الواليات‬
‫املتحدة‪ ،‬واليت استنتج منها العديد من األفكار الصادمة‪ ،‬ومنها رأيه يف اللوطية‪ ،‬اليت‬
‫أعلن أن تفسريها لن يكون سليما إال بشرح السلوك اجلنسي للذكور عامةً‪:‬‬
‫فالذكور كائنات جنسية متاما‪ ،‬منذ الطفولة املبكرة ميكن استثارتهم جنسيا‪ ،‬وهي‬
‫تبقى يف حالة النشاط اجلنسي الفائر تلك حتى االقرتاب من الشيخوخة )‪.(153‬‬
‫والنشاط اجلنسي عند الذكور أكثر تنوعا بكثري من الصورة التقليدية اليت‬
‫تفرتض أنهم مييلون إىل األنثى الناضجة يف سن النضوج = بل يكاد الذكر مييل‬
‫لكل شيء )‪!(153‬‬
‫‪234‬‬
‫وقد وجد أن نصف الذكور املدروسني تقريبا كان لديهم ميل يف مرحلة عمرية‬
‫غري خمصوصة إىل ذكور آخرين‪ ،‬أي أن نشاطهم ال يتوقف عند حد (طبيعي) كما‬
‫كان يُفرتض قبال‪ ،‬بل ميتد إىل كل موضوع يوجد يف حياتهم )‪ !(153‬وال أدل على‬
‫ذلك من اعرتاف ‪ %17‬من شباب املزارع الذين التقاهم مبمارستهم اجلنس مع‬
‫احليوانات )‪!(155‬‬
‫هل ذلك فطرة وجبلة أم تنشئة وبيئة؟ ذات السؤال فكَّر فيه كثريا ومل يسرتح إىل‬
‫إجابة حمددة؛ فقد حتدث يف البداية أن العوامل البيولوجية ‪ /‬اجلبليَّة‪ ،‬أقوى من‬
‫قدرة اإلنسان على كبح نفسه‪ ،‬لكنه مال بعد ذلك إىل رأي جيمع بني اجلبليَّة‬
‫(البيولوجية) والرتبوية (البيئية) )‪.(153‬‬
‫لذا صنع كينزي مدرجه األشهر يف تاريخ الدراسات اجلنسية‪ ،‬والذي استفاد به من‬
‫مدرج ديفيز قبال‪ ،‬لقياس شدة امليول اللوطية )‪(153‬؛ فأتى به على الصورة اآلتية‪:‬‬
‫‪235‬‬
‫مصدر الصورة‪ :‬موقع مؤسسة كينزي)‪. (156‬‬
‫فاإلنسان له درجات يف امليول‪ ،‬إما يكون (هومو ‪ /‬لوطيا) كامال‪ ،‬وهذا يساوي ‪ 6‬على‬
‫املدرج‪ ،‬أو (هيتريو ‪ /‬طبيعيا) كامال‪ ،‬وهذا يساوي ‪ 0‬على املدرج؛ واإلنسان ال يستمر‬
‫ضرورة يف موقع واحد من املدرج طوال حياته‪.‬‬
‫والدرجة ‪ 1‬هي إنسان طبيعي‪ ،‬مع حاالت نادرة للميول اللوطيَّة‪ ،‬و‪ 2‬هي إنسان‬
‫طبيعي مع حاالت أكثر من نادرة للميول اللوطية‪ ،‬و‪ 3‬هي إنسان مييل للجنسني‬
‫بنفس الدرجة‪ ،‬و‪ 4‬إنسان لوطي مع حاالت أكثر من نادرة للميول الطبيعية‪ ،‬و‪ 5‬هي‬
‫إنسان لوطي مع حاالت نادرة للميول الطبيعية‪.‬‬
‫سبب هذا املدرج صدمة كبرية‪ ،‬فالتصور حينها كان أن النموذج اإلنساني إما أن‬
‫يكون (طبيعيا) أو (لوطيا)؛ لكن كينزي أخرب مبا يُناقض ذلك‪ ،‬أي وجود الكثريين‬
‫ممن متتزج فيهم امليول اللوطية والطبيعية؛ وعليه برزت تساؤالت عن معنى كلمة‬
‫(طبيعي) أصال! فمن هو الطبيعي حينئذٍ؟!‬
‫ويُعتقَد أن كينزي كان يرد بذلك على مدرج تريمان‪-‬ميلز السابق؛ والذي انتُقد‬
‫من التوجهات املقاربة لكينزي‪ ،‬يف كونه يبين تصوراته على (صور منطية‬
‫‪236‬‬
‫‪ )Stereoptype‬للذكور واإلناث‪ ،‬واعتبارها طبيعية‪ ،‬وكل ما دونها سلوكيات‬
‫وأفكار شاذة تستوجب التقويم )‪ = (153‬فكينزي يضرب ذلك املدرج يف مقتل؛ فال‬
‫طبيعي كامل ضرورةً وال لوطي كامل ضرورةً؛ وعلى ذلك ال يوجد شيء حقيقي‬
‫امسه الشذوذ اجلنسي‪.‬‬
‫وامليول اجلنسية طيف واسع‪ ،‬متنوع‪ ،‬واإلنسان يتغري يف حياته بني ذلك الطيف؛ فهو‬
‫غري ثابت؛ والثابت عنده أن الذكر نشط جنسيا بصورة دائمة‪ ،‬وعليه يكون مقياس‬
‫الذكورة احلق هو قوة امليول اجلنسية واالنغماس يف اجلنس؛ سواء كان املفعول به‬
‫ذكرا أو أنثى‪ ،‬طفال أو ناضجا؛ فاللوطي املنغمس يف اجلنس أكثر (ذكورةً) من‬
‫غري اللوطي الذي يُمارسه بدرجة أقل )‪!(153‬‬
‫ما هو أثر تلك األفكار؟ زلزال عنيف يف الواليات املتحدة؛ ألن كينزي نشر أفكاره‬
‫وخالصات حبوثه تلك يف كتاب‪ ،‬باع ناشره مخسة آالف نسخة‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬يف‬
‫وقت وجيز‪ ،‬ثم باع‪ ،‬بعد شهرين فقط‪ :‬مئيت ألف نسخة! وحصل على املركز الثاني‬
‫يف قائمة أكثر الكتب غري اخليالية مبيعا)‪! (157‬‬
‫أجرى كينزي حتى موته دراسات على مثانية عشر ألف شخص‪ ،‬منهم مثانية آالف‬
‫قابلهم بنفسه؛ وقد مجع املعلومات من هؤالء مجيعا)‪ ، (158‬وعليه فنتائجه هي‬
‫(نظرية علمية) ال غبار عليها‪ ،‬تلقفها اجملتمع بدهشة كبرية‪ ،‬وساهمت يف حركة‬
‫دعم اللوطية باخلمسينيات ‪ Homophile movement‬بشكل كبري)‪، (155‬‬
‫‪237‬‬
‫وليس هذا الدعم بالغريب؛ فمقياسه ذلك ساوى فيه بني اللوطيني والطبيعيني‬
‫)‪ ،(158‬وجعل النوعني (لوطي ‪ )Homo‬و(مُغاير ‪ )Hetero‬طرفني يدور بينهما‬
‫اإلنسان على مدار حياته‪ ،‬يف طيف مستمر ‪ Continuum‬من امليول واملمارسات‪،‬‬
‫وكان هذا يعين هدم سيادة املُغايَرة كمعيار للطبيعية‪ ،‬يُؤثِّم اللوطية باعتبارها‬
‫ممارسة شاذة! فال سيادة ألي منهما‪ ،‬واإلنسان الطبيعي هو املمارس للجنس‪ ،‬بغض‬
‫النظر عن املُمارَس معه!‬
‫مل تُعجب تلك األفكار كلها اللوطيني‪ ،‬على احتفائهم الكبري بها جمملةً‪ ،‬ومساهمتها‬
‫الرئيسية بعد ذلك يف الثورة اجلنسية؛ إذ أن كينزي برفضه الثنائية اخلالصة؛ إما‬
‫لوطي خالص باجلبلة وإما طبيعي خالص باجلبلة = كان يهدم احلجة اليت استندوا‬
‫عليها حينئذٍ يف استجالب التعاطف‪ ،‬حجة (لقد ُولِدنا كذلك) واليت كان عليها‪،‬‬
‫كما أسلفنا‪ ،‬مدار البحث البيولوجي طوال العقود السابقة علينا‪.‬‬
‫لكنه يف املقابل أفادهم إفادةً هائلة بهدم الصورة اليت انتشرت عنهم‪ ،‬كأناس مرضى‬
‫شواذ أغراب عن اجملتمع؛ حتى ساد االعتقاد بعد احلرب العاملية الثانية أنهم عمالء‬
‫للسوفييت‪ ،‬وتعمدت الشرطة مضايقتهم يف كل مكان )‪ = (153‬فزعم بدراسته أن‬
‫كثريا منا حنن‪ ،‬الزاعمني الطبيعية‪ ،‬فينا لوطية‪ ،‬أو كانت فينا أثناء مرحلة عمرية‬
‫معينة‪ ،‬وبالتالي علينا أن حنرتم أولئك‪ ،‬فهم حنن وحنن هم!‬
‫كان كينزي عاملا يف األحياء؛ لكنه اقتحم مبا صنعه ذلك أجواء علم النفس‪ ،‬وناصر‬
‫رؤى هافيلوك إيليس على حساب فرويد‪ ،‬فاللوطية منوذج (طبيعي) متاما يف‬
‫املمارسة اجلنسية‪ ،‬وال شذوذ يف األمر‪ ،‬ومل ينتقد إيليس إال على صغر حجم العينات‬
‫اليت درسها‪ ،‬مقارنةً باألرقام اهلائلة اليت زعمها كينزي‪ ،‬ومثل إيليس‪ ،‬كان داعما‬
‫‪238‬‬
‫للتحرر اجلنسي‪ ،‬وعدوا لنظرية فرويد عن التحليل النفسي للوطية )‪ ،(146‬لكنه‬
‫بدراساته تلك أثبت صحة زعم فرويد أن األطفال لديهم مشاعر جنسية‪ ،‬وأن الدافع‬
‫اجلنسي حمرك للذكور يف حياتهم )‪ ،(153‬بل واستخدم مبادئ التحليل النفسي يف‬
‫مقابالته مع احلاالت اليت درسها؛ إذ آمن بأن األصل يف اعرتافات اإلنسان هو الكذب‪،‬‬
‫وبالتالي عليه أن يبحث عن التناقضات يف كالم املدروس لالنقضاض عليه وفهم‬
‫احلقيقة )‪.(158‬‬
‫كان األثر الذي أحدثه كينزي يف الثقافة األمريكية‪ ،‬مُحفزا لغضب الكثريين‪،‬‬
‫ليس اجلماعات الدينية فقط‪ ،‬بل األوساط األكادميية احمليطة به‪ ،‬وعلماء النفس‪،‬‬
‫فقد انتُقد يف منهج مجعه املعلومات أصال‪ ،‬وانتُقد يف نشره تلك البيانات على العوام‪،‬‬
‫باعتبارها حقائق (علمية)؛ رغم أن حتى داعميه كان فيهم من يرى أن الدراسات‬
‫اإلنسانية عموما‪ ،‬ومنها دراسة كينزي؛ تُبالِغ يف النتائج‪ ،‬ومييل القائمون عليها‬
‫باملبالغة يف التأويالت والنظريات؛ وهو ما ينطبق حرفيا على دراسة كينزي‪ ،‬وانتقده‬
‫علماء النفس بقسوة‪ ،‬ألنه ال حيق له‪ ،‬حتى وإن مجع املعلومات‪ ،‬تقديم تفسري هلا‪،‬‬
‫لعدم أهليته كمتخصص نفسي)‪. (159‬‬
‫وكذلك اهتم البعض بنقد بريطاني األصل أمريكي االنتماء األكادميي‪ ،‬كونه‬
‫نقدا داخليا وخارجيا يف آن واحد‪ :‬وهو نقد مونتاجو‪ ،‬أستاذ التشريح الذي هاجم آراء‬
‫كينزي‪ ،‬املنشورة كمسلمات (إنسانية) عامة‪ ،‬وعلمية (مطلقة) = فهي ابنة البيئة‬
‫‪239‬‬
‫األمريكية يف كل شيء! أما عن ال ‪ %37‬من الذكور الذين وجدهم كينزي قد‬
‫ارتبطوا مبمارسات أو ميول جنسية مع الذكور‪ ،‬فداللة على هوس اجملتمع‬
‫األمريكي باجلنس‪ ،‬ال على أن اللوطية هي جزء من تكوين اإلنسان )‪!(159‬‬
‫كما هاجم الثقافة األمريكية اليت تعترب أن كل ما ثبت وجوده إحصائيا‪ ،‬وزاد عدده‬
‫= هو طبيعي! دُهش مونتاجو من تلك الفكرة اخلرقاء الراسخة يف األمريكيني‪ ،‬وقال‬
‫بأن ذلك من أعجب ما يكون! فالشاذ القبيح سيظل كذلك مطلقا‪ ،‬يف كل زمان‬
‫ومكان؛ لكن ماذا نفعل يف العقلية األمريكية العجيبة؟! شاذ اليوم إن راج وانتشر‬
‫يصبح هو الطبيعي وغريه الشاذ؛ فما معنى (طبيعي) إذن)‪ (159‬؟! وهي ملحوظة‬
‫عبقرية من مونتاجو‪ ،‬ثبتت صحتها فيما بعد‪ ،‬عندما قلبت الثقافة الغربية املسألة‬
‫وصار اللوطي هو الطبيعي‪ ،‬وكاره اللوطية هو املريض!‬
‫وال أظهر لصحة كالم مونتاجو من تفاعل كينزي مع نسب اخليانة الزوجية‬
‫الكبرية اليت وجدها يف دراساته؛ إذ أنه استنتج من هذا الرقم اإلحصائي املرتفع‬
‫(حقيقة علمية) تقضي بأن اخليانة الزوجية‪ ،‬أو العالقات خارج الزواج عامةً = تقوي‬
‫دعائم الزواج وترسخه )‪ !(158‬ميكن بالتأكيد تفهم سبب إجياد كينزي تلك‬
‫(احلقيقة العلمية) إن عرفنا بأنه يف زواجه بامرأته شارطها أن يزني ويلوط مبن‬
‫يشاء‪ ،‬وأن تفعل مثله دون أن يلومها‪ ،‬إبقاءً لزواجهما سعيدا مستقرا؛ فأبقى عالقته‬
‫اللوطية مع مساعده دون إشكال! إذن كلما ارتفعت أرقام وجود ظاهرة ما إحصائيا‬
‫= كانت طبيعية! هذا بالتحديد هو ما فجر غيظ مونتاجو وغريه!‬
‫‪240‬‬
‫لكن أكثر ما هوجِم عليه كينزي‪ ،‬وبقي وصمةً يرتفع عن تأييدها حتى أنصاره =‬
‫هو إحياؤه بتطبيع اشتهاء اجلنس مع األطفال (البيدوفيليا)! فقد (أثبت) من نقاشاته‬
‫مع أفراد كانوا قد تعرضوا لالعتداء عليهم قبل البلوغ؛ أنهم مل يتأثروا (نفسيا) بهذه‬
‫العالقة مع البالغني؛ على عكس االدعاء الشائع! أضف ذلك حلديثه عن النشاط‬
‫اجلنسي لألطفال؛ لتعلم حجم القلق الذي سببه حديثه هذا‪ ،‬بلهجة (علمية‬
‫حمايدة) متاما‪ ،‬يف عصر اهلوس بالوضعية!‬
‫كانت أفكار كينزي سببا الهتزاز أركان اجملتمع األمريكي التقليدي‪ ،‬بل كافة‬
‫اجملتمعات املؤسسة على القيم الطبيعية‪ ،‬فال خيانة‪ ،‬وال طبيعي ولوطي‪ ،‬وال حتى‬
‫أطفال بال شهوة جنسية! وقد كانت نظرياته من روافد لربلة الربوتستانتية‪،‬‬
‫وانتصار الفردانية العلمانية‪ ،‬خاصةً رفضه القاطع لتدخل احلكومات يف حياة الناس‬
‫اجلنسية‪ ،‬واملطالبة خبصخصة امليول والتوجهات وكل الشؤون اجلنسية اخلاصة‬
‫باألفراد‪ ،‬وإنهاء الوصاية احلكومية اليت تتحجج باحلفاظ على القيم واملعايري وما‬
‫إىل ذلك )‪.(155‬‬
‫وقد أسهمت أفكار كينزي يف الكثري بأمريكا والعامل كله فيما بعد‪:‬‬
‫يف احلركة النسوية‪ ،‬اليت قامت على فكرة كان كينزي قد بدأ يتقبلها‪ ،‬وهي‬
‫التفرقة بني النوع‪/‬اجلندر‪ ،‬وبني اهلوية اجلنسية‪ ،‬وقد أكد أن النساء على األقل‬
‫تتشكل هويتهن اجلنسية بتأثري اجملتمع‪ ،‬وقامت دراسات النوع‪/‬اجلندر على دعامات‬
‫من أفكاره ورؤاه )‪ (160‬وكذلك يف املطالبة باملساواة يف احلرية اجلنسية مع الرجال‪،‬‬
‫بعدما أثبت كينزي أنهن شبقات ولديهن شغف كبري باجلنس‪ ،‬ويف هذا خمالفة‬
‫لتصورات اجملتمع األمريكي احملافظ‪.‬‬
‫‪241‬‬
‫ويف تقبل اللوطيني ألنفسهم‪ ،‬فبعدما كانوا يشعرون بالعار والشذوذ‪ ،‬صاروا يؤمنون‬
‫أنهم طبيعيون متاما وصورة أخرى من السلوك اإلنساني اجلنسي الطبيعي)‪. (160‬‬
‫بل إن فكرة (مبادلة الزوجات) اليت تنتشر على مهل اآلن يف الغرب‪ ،‬وفيها يقوم الزوج‬
‫بتبادل زوجته لليلة أو أكثر مع زوجة شخص آخر‪ ،‬مل أجد هلا نسبا أوضح من أفكار‬
‫كينزي‪.‬‬
‫واخلالصة‪ :‬أن كينزي يُعترب مؤسس أغلب أفكار األمريكيني عن اجلنس على‬
‫املستويني البحثي األكادميي والشعيب )‪ ،(158‬واليت صارت بالعوملة وسيادتها‬
‫كقطب أوحد وبإعالمها‪ ،‬أفكارا عاملية عامة‪ ،‬ومنذ انتهاؤه من دراسته وكل شيء‬
‫يتسارع يف أمريكا والعامل كله من أجل تطبيع اللوطية واإلباحية كما سنرى‪.‬‬
‫وتبقت كلمة أخرية قبل أن نرتك كينزي‪:‬‬
‫ما الذي كشفه كينزي فعال؟!‬
‫كشف أن الرجال والنساء لديهم نشاط جنسي مرتفع‪ ،‬بل ومنذ قبل البلوغ؟‬
‫كشف أن الرجل قد حيتاج إىل خيانة زوجته إلرضاء الشهوات اجلنسية املتفجرة‪،‬‬
‫اليت وجدها يف أحد احلاالت تصل إىل ‪ 33‬وصول جنسي ‪ Orgasm‬يف األسبوع‬
‫الواحد )‪(153‬؟!‬
‫كشف أن نصف النساء تقريبا قد يشعرن مبيول جنسية للنساء وإن كنَّ طبيعيات؟‬
‫‪242‬‬
‫كشف أن اإلنسان ليس عنده احلتمية اجلنسية‪ ،‬سواء طبيعية أو لوطية‪ ،‬وأن طيف‬
‫ممارساته وختيالته وشهواته واسع جدا‪ ،‬وأن الرجل الطبيعي قد يتهيج من رجل‪،‬‬
‫واملرأة الطبيعية قد تتهيج من امرأة؟‬
‫بل أضف إىل ذلك‪ :‬كشف‪ ،‬دون قصد‪ ،‬كيف أن اجملتمع األمريكي‪ ،‬كلما ارتفع‬
‫سقف اإلباحية فيه‪ ،‬وارتفع النشاط اجلنسي وتزايد شذوذه وغرابته = كلما ازداد‬
‫شبقا وانغماسا يف اجلنس والشهوات؛ بال نهاية منظورة؟‬
‫ما الغريب يف كل ما سبق؟ نعم قد يكون غريبا عن املسيحية ومعتقداتها اليوتوبية‬
‫احملتقرة للجنس؛ لكنه أغريب هو عن اإلسالم؟‬
‫لقد أُسست النظرية اجلنسية اإلسالمية كافة على أسس‪ ،‬أكدتها دراسات‬
‫كينزي ومل تنفها‪:‬‬
‫احلذر البالغ من الوقوع يف الشهوات‪ ،‬وعدم األمن‪ :‬فأنت أينعم طبيعي ال يلوط؛ لكنك‬
‫ك‬
‫لن تأمن نفسك مع شاب مجيل الصورة يتخنث يف فِعاله؛ وأنتِ طبيعية متاما‪ ،‬لكن ِ‬
‫لن تأمين نفسكِ مع امرأة مجيلة تتعرى أمامك! هذا لن يعين أنك أنت وهي من‬
‫اللوطيني = إمنا الشهوات اجلنسية حمركة دائمة ال تهمد‪ ،‬متى استثرتها‪ ،‬أو أثارها‬
‫منبه خارجي = أُثريت‪ .‬ولو يف حيوان؟ نعم‪ ،‬ولو يف حيوان‪ ،‬أو طفل‪ .‬الشهوات سائلة ال‬
‫حد هلا‪ ،‬لدافع الشيطان ودافع النفس‪.‬‬
‫لذا حيرم النظر للمخنثني‪ ،‬ويُعاقبون من السلطة واجملتمع ويُنكَّل بهم‪ ،‬وحيرم نظر‬
‫الرجل إىل حمارمه إن مل يأمن الشهوة‪ ،‬وحيرم نظره إىل مواطن التحريم من‬
‫الرجال األجانب عنه‪ ،‬وحيرم عليه النظر إليهم إن استثاره الرجال‪ ،‬وحتدث الفقهاء‬
‫عن ذلك بيسر وسالسة دون وصم واستنكار شديد؛ فاللوطية عندهم شهوة ميكن أن‬
‫يقع فيها أي شخص‪ ،‬وهي ليست هوية؛ وقد كان كينزي نفسه يتحدث عنها‬
‫كسلوك ال كهوية‪.‬‬
‫‪243‬‬
‫وحيرم على املرأة التعري الفاضح أمام النساء أنفسهن‪ ،‬وحيرُم عليها كل ما حرم‬
‫على الرجال‪ ،‬إن وجدت يف نفسها استنفارا من الشيطان أو نفسها األمارة بالسوء‪،‬‬
‫للوقوع يف اللوطية مع بنات جنسها‪ ،‬فيكُنَّ حمرمات النظر عليها كالرجال‪ ،‬وتسعى‬
‫يف وقف اخللطة بهن‪ ،‬خاصة املرتجالت أو اجلميالت‪.‬‬
‫ماذا وجد كينزي أيضا؟ أن الرجال شهواتهم متفاوتة تفاوتا جنونيا؟ وأن الرجل‬
‫يظل يف نشاطه اجلنسي حياته كلها إال سنوات قليلة؟ وهم باجلملة أعلى بصورة‬
‫ملحوظة يف النشاط من اإلناث؟‬
‫لذا أباح اإلسالم للرجل التعدد وملك اليمني‪ ،‬ويف نفس الوقت أمره بصيانة بصره‬
‫وأفعاله عن النساء األجنبيات = فالرجل‪ ،‬حبسب كينزي‪ ،‬نشط جنسيا يف العموم‬
‫حنو كل شيء تقريبا! قد ينشط مع حمارم‪ ،‬وإناث‪ ،‬وخمنثني‪ ،‬وحيوانات‪ ،‬ورجال‬
‫مثله‪ ،‬بل وأطفال! الرجل أخطر بكثري من األنثى يف النشاط اجلنسي! لذا تعطيه‬
‫الشريعة سبال لتفريغ شهواته‪ ،‬وتقيد حريته بصورة واضحة مع األجنبيات؛ فال‬
‫يسلم عليهن حتى‪ ،‬بل وحتى حمارمه‪ ،‬كأمهاته وبناته‪ ،‬حيفظ بصره عن مواطن‬
‫عفتهن‪.‬‬
‫ماذا وجد كينزي أيضا؟ أن اجلنس مُحرك دائم ال يهمد يف اجملتمع خاصة عند‬
‫الرجال؟ أين الغرابة يف ذلك؟ إن النظرية اإلسالمية اجلنسية بقيودها الكثرية‪ ،‬اليت‬
‫يُالم املسلمون عليها؛ تُخفِّض طوال الوقت من مسببات (التوتر) اجملتمعي تلك‪،‬‬
‫فاجلنس متاح منذ البلوغ‪ ،‬بالزواج املبكر‪ ،‬والرجل له سبل كثرية لتحصيل اجلنس‪،‬‬
‫واملرأة هلا الطالق ممن ال ترتاح معه‪ ،‬عاطفيا أو جنسيا‪ ،‬واخلُلطة بني اجلنسني‬
‫ممنوعة إال لضرورة وبأشراط قوية‪ ،‬واخلُلطة بني اجلنس الواحد حموطة‬
‫باحملاذير‪ ،‬فال يتعرى الرجال أمام بعضهم البعض وال تتعرى النساء أمام بعضهن‬
‫البعض‪ ،‬بل لكل فرد قيود خاصة تزيد وترتاخي‪ ،‬فمن وجد يف نفسه دفعا من‬
‫الشيطان للواط زاد يف قيوده على نفسه فوق اآلخرين‪ ،‬وكذا املرأة!‬
‫‪244‬‬
‫احلل الذي قدمه كينزي كان (االنفتاح) واإلباحية‪ ،‬وإنهاء (النفاق) اجملتمعي =‬
‫فهل انتهى التوتر وجاءت (حضارة البهجة) بالفعل؟ أم وقع الغربيون وأوقعوا العامل‬
‫معهم يف دوامة من التناقضات األخالقية والسفاهات العلموية وقمع األناس‬
‫الطبيعيني باسم التحرير؟ هل أثبتت دراسة كينزي فائدة اإلباحية‪ ،‬أم أثبتت‬
‫خطورتها وال نهائية مظاهرها وأفعاهلا؟‬
‫ماذا وجد أيضا؟ أن األطفال هلم شهوات جنسية؟ بلى وربي‪ ،‬ليس هذا جبديد‪ ،‬إذ‬
‫أمرنا نبينا بالتفرقة يف املضاجع بني األطفال األشقاء‪ ،‬من اجلنس الواحد أو‬
‫اجلنسني!‬
‫ماذا وجد كينزي حقا‪ ،‬كان غريبا على ما يقوله املسلمون منذ جاء اإلسالم‪ ،‬أو‬
‫صادما للنظرية اإلسالمية اجلنسية‪ ،‬اليت تُحذِّر من سيولة الشهوات وتنوعها؟‬
‫لكن انظر للفارق بني احلل احلضاري الكينزي‪ ،‬الديوث اللوطي‪ ،‬األمور باملنكر النهو‬
‫عن املعروف‪ ،‬وبني احلل اإلسالمي‪ ،‬الذي حيفظ ويصون‪ ،‬ويبين وال يهدم! شتان‬
‫شتان!‬
‫‪ )6‬حملة فرانك كاميني‪ ،‬واضطراب السيكولوجيين‪.‬‬
‫(اللوطية خري ‪ !)Gay is good‬ذاك كان الشعار الذي صاغه فرانك كاميين‪،‬‬
‫الناشط اليهودي اللوطي البارز يف الستينيات‪ ،‬والذي قاد محالت ضخمة لتطبيع‬
‫اللوطية‪ ،‬ومواجهة السلطات الدينية والعلمية والسياسية من أجل قبول اللوطيني‬
‫واعتبارهم أكفاء‪ ،‬ليسوا مذنبني أو جمرمني أو مرضى عقليني)‪! (161‬‬
‫‪245‬‬
‫يوصف كاميين بأنه أبو احلركات اللوطية احلقوقية)‪ (162‬فقد استغل خلفيته‬
‫العلمية يف اقتحام علم النفس‪ ،‬وقراءة حبوثه‪ ،‬ثم إشعال حرب كربى على الرأي‬
‫السائد حينها‪ ،‬وهو أن اللوطية مرض عقلي‪ ،‬وطالب مؤسسات علم النفس‬
‫األمريكية‪ ،‬ويف مقدمتها أكرب مؤسسة نفسية يف العامل (‪ :)163‬اجلمعية األمريكية‬
‫لعلم النفس ‪ ،APA‬بإزالة اللوطية من قائمة األمراض‪ ،‬يف دليلها العالجي الذي‬
‫تصدره ‪ ،DSM‬وميثل أحد أكرب مصادر القانون العام لألطباء النفسيني‪.‬‬
‫بدأت محلة كاميين ضد اجلمعية‪ ،‬وعلماء النفس‪ ،‬يف عام ‪ ،1962‬وكانت األجواء‬
‫حينها غارقة يف حبر من احلركات احلقوقية لألقليات‪ ،‬حقوق السود‪ ،‬وحقوق‬
‫النساء‪ ،‬وحقوق اللوطيني‪ ،‬وكل هذا منظوم يف اإلطار الفكري والثقايف واحلقوقي‬
‫العام حينها‪ :‬الثورة اجلنسية‪ .‬وقد كانت احلركات متداخلة‪ ،‬فكاميين يُعلن‬
‫صراحةً أنه استوحى شعاره‪ ،‬من شعار محالت السود احلقوقية‪ :‬األسود مجيل‬
‫‪ ،(161) Black is beautiful‬كما أن عالقة النسوية باللوطية وثيقة كما‬
‫ناقشنا مسبقا‪ ،‬ويف املقابل كانت الدولة األمريكية ترتاجع أمام هذا الطوفان الثوري‬
‫اجلارف‪ ،‬حتى وصلت احلركة اللوطية إىل حلظة ميالد جناحها يف حادث حانة‬
‫ستونوول ‪ ،Stonewall‬اليت اقتحم فيها البوليس األمريكي يف ‪ 28‬يونيو عام ‪1969‬‬
‫إحدى أشهر حانات اللوطيني مبدينة نيويورك‪ ،‬واعتقل العاملني‪ ،‬والقائمني عليها‪،‬‬
‫‪246‬‬
‫بتهمة بيع الكحول خارج القانون‪ ،‬وكذلك بسبب ارتداء بعض املوجودين مالبس غري‬
‫الئقة جبنسهم)‪ . (164‬أحد أسباب االقتحام كان عالقة تلك احلانات باملافيا‬
‫األمريكية‪ ،‬خاصة أن العائالت ذات األصول اإليطالية اجلنوية كانت تستثمر‬
‫أمواهلا يف بارات اللوطية بنيويورك‪ ،‬ومنها حانة ستونوول)‪ (165‬؛ فهو تصرف مفهوم‬
‫يف إطار احلرب احلكومية ضد املافيا‪ ،‬والذي كان متأججا يف الستينيات‪ ،‬خاصةً بعد‬
‫جلسات استماع فاالتشي يف الكوجنرس‪ ،‬وهو العضو السابق يف املافيا اإليطاليا‬
‫اجلنوية‪ :‬الكوزا نوسرتا‪ ،‬واليت فضح فيها كيفية عمل املافيا وشرح لألمريكيني‬
‫مفاهيم مثل األب الروحي ‪ Godfather‬وغريها من مصطلحات وأساليب وطقوس‬
‫املافيا)‪. (166‬‬
‫لكن الذي حدث بعد االقتحام كان مفاجأة للشرطة‪ ،‬ففي أثناء خروجها‪ ،‬مل يتفرق‬
‫اللوطيون كما هو معتاد‪ ،‬بل جتمعوا‪ ،‬وتناوشوا معهم‪ ،‬وقذفوهم بالزجاجات‪،‬‬
‫واصطدموا بشراسة ليست ذات مثال سابق‪ ،‬ما اضطر الشرطة إىل التحصُّن وطلب‬
‫التعزيز األمين‪ ،‬بينما اشتعلت النريان يف احلانة! كانت األجواء كلها صادمة‬
‫للطرفني‪ ،‬اللوطيني والشرطة‪ ،‬خاصةً أن األمر استمر أليام‪ ،‬حتى فرَّقت اللوطيني‬
‫مجوع البوليس‪ .‬لكن هذه احلادثة كانت فتحا هلم‪ ،‬فقد أدرك اللوطيون ارتباك‬
‫كعبة الغرب يف مواجهتهم إن اجتمعوا معا‪ ،‬وبالتالي قرروا تصعيد وترية االنضمام‬
‫للحركات اللوطية األمريكية‪ ،‬وارتباطها معا)‪ ، (164‬واستغالل أجواء االرتباك‬
‫‪247‬‬
‫األمريكي احلكومي أمام خطاب (حقوق األقليات) مثل السود‪ ،‬باستخدام نفس‬
‫حجاجهم املؤثر‪.‬‬
‫يعترب اللوطيون موقعة حانة ستونوول أهم حدث تارخيي هلم‪ ،‬لذا قرروا جعل شهر‬
‫يونيو‪ ،‬الذي وقعت فيه‪ ،‬عيدا سنويا هلم)‪ ، (167‬ومسوه شهر الفخر باللوطية ‪Pride‬‬
‫‪ ،Month‬وقد شاهدنا كيف كان عامنا هذا‪ ،2019 ،‬منوذجا لنجاحهم يف تعميم‬
‫هذا العيد وعوملته‪ ،‬خاصةً أن جنون االحتفاالت واتسعاها ال يرجع فقط لنجاحهم‬
‫املذهل خالل السنوات السابقة يف جعل اللوطية حمور اخلطاب احلقوقي؛ بل لكون‬
‫هذا العام يوافق الذكري اخلمسني حلادث الستونوول‪ ،‬ما شجع مئات املؤسسات‬
‫الصناعية والتجارية الغربية يف االستثمار بتلك احلركة‪ ،‬واملشاركة الفعالة‪ ،‬سعيا‬
‫لألرباح)‪. (168‬‬
‫استغل كاميين تلك احلادثة حتديدا‪ ،‬واليت شهدت جدال جمتمعيا كبريا‪ ،‬يف حشد‬
‫القوى ضد مؤسسات علم النفس‪ ،‬معتربا إياها واحدة من أكرب أسباب نظر اجملتمع‬
‫للوطيني كمجرمني وخمتلني عقليا‪ ،‬وهو اخلطاب الذي بدأه قبل ستونوول بسبع‬
‫سنوات‪.‬‬
‫ووقعت اجلمعية األمريكية لعلم النفس حتت ضغط سياسي وحقوقي متزايد‪،‬‬
‫فرضخت يف النهاية‪ ،‬وقررت إجراء تصويت بني علماء النفس‪ :‬أتستمر اللوطية يف‬
‫املراجع مرضا‪ ،‬أم تُلغى؟ ودُعي كاميين إىل حضور ذاك التصويت‪ ،‬ووسط جدال بني‬
‫العلماء أصحاب البحوث املؤكدة على اللوطية كمرض‪ ،‬وبني أصحاب البحوث‬
‫املؤكدة على كونها طبيعية‪ ،‬وأبرزها حبوث كينزي‪ ،‬وحبوث إيفلني هوكر اليت‬
‫‪248‬‬
‫أثبتت عدم وجود فوارق يف القدرات العقلية بني اللوطيني وغري اللوطيني = ثم جنح‬
‫كاميين يف فرض رأيه‪ ،‬وانتصر بإقرار إزالة اللوطية من مراجع علم النفس‬
‫كمرض‪ ،‬وهو ما سيتأخر عقدين قبل أن يصبح عامليا ال أمريكيا فقط‪ ،‬عندما أعلنت‬
‫منظمة الصحة العاملية يف عام ‪ ،1993‬إزالة اللوطية من قائمة األمراض )‪!(152‬‬
‫‪ )7‬االنقسام الكبير‪ ،‬وانقالب السيادة‪.‬‬
‫كانت تلك احلادثة تارخيية يف عامل العالج النفسي‪ ،‬فقد اخنفضت نسب املعاجلني‬
‫النفسيني من اللوطية بصورة سريعة‪ ،‬واخنفض كذلك تعداد البحوث العلمية على‬
‫املسألة‪ ،‬وسارعت املؤسسات النفسية األمريكية متتابعة يف التربؤ من (اجلرمية‬
‫األخالقية) اليت حدثت يف الدليل التشخيصي واإلحصائي لألمراض العقلية ‪DSM‬‬
‫األول والثاني )‪ ،(152‬قبل أن تُعدَّل النسخة الثانية بعد تصويت عام ‪ 1973‬وقد أزيلت‬
‫اللوطية من قائمة األمراض وضُمَّت إىل قائمة جديدة هي اضطرابات امليول‬
‫اجلنسية‪ ،‬واليت يشعر فيها الشخص بضيق من ميوله اللوطية فيطلب العالج )‪(169‬‬
‫ودعت املعاجلني للمساهمة يف إزالة السمعة السيئة للوطيني كمرضى من اجملتمع‬
‫)‪ .(170‬ويف النسخة الثالثة مل يتبق باسم اللوطية إال نوعا واحدا‪ ،‬هو لوطية رفض‬
‫اإلجيو ‪ ،Ego-Dystonic Homosexuality‬وهي أن يشعر املريض بتوتر‬
‫‪249‬‬
‫وضغط نفسي نتاج لوطيته ورفضها واخلوف من خمالفته قيم اجملتمع)‪ ، (169‬ثم‬
‫أزيل حتى هذا النوع يف الدليل العالجي الرابع )‪.(171‬‬
‫وصار مجهور املعاجلني واألطباء النفسيني مطالبني بالعالج التأكيدي اللوطي‪،‬‬
‫بدال من العالج التحويلي = والعالج التأكيدي ‪ Gay Affirmative‬وظيفته‬
‫تعريف الشخص ما إذا كان لوطيا أم ال‪ ،‬وإزالة التوتر الذاتي والشعور بالذنب من‬
‫عنده بعد اكتشاف تلك احلقيقة!‬
‫لقد انقسم اجملتمع العلمي النفسي منذ التصويت إىل مدرستني واضحتني‪ :‬األوىل‬
‫ما زالت ترى اللوطية مرضا‪ ،‬يستحق العالج‪ ،‬والثانية‪ ،‬اليت سادت مع الوقت‪ ،‬رأت‬
‫عالج اللوطية جرمية أخالقية‪ ،‬غري إنسانية؛ فاملريض هو اجملتمع الذي ضغط‬
‫نفسيا على اللوطيني واضطهدهم وأشعرهم دوما بأنهم غري طبيعيني )‪!(152‬‬
‫وقد كان من الغريب‪ ،‬أن العلماء الذين كانت هلم السيادة قبل سنوات قليلة‪ ،‬أي‬
‫مناصري عالج اللوطية‪ ،‬صاروا بني ليلة وضحاها موضع هجوم واتهام بانعدام‬
‫الرمحة وعدم العلمية‪ ،‬فقط لفوز الرأي اآلخر باألغلبية يف التصويت!‬
‫اللوطية مرض عقلي البد من عالجه‪ ..‬كليك كالك‪ ..‬اللوطية ليست مرضا‪..‬‬
‫ومعاجلة اللوطية جرمية!‬
‫حيوا معي (العلم)!‬
‫ومع مرور الزمن‪ ،‬صار مقدمو هذا العالج حماصرين‪ ،‬وأصبحوا مضطهدين من‬
‫مجهور هذا اجملال‪ ،‬فقد تصاعدت الضغوط من مجاهري علماء النفس على نظرائهم‬
‫الطبيعيني ومناصري العالج التحويلي‪ ،‬حتى وصل احلال إىل تشريع قوانني تُجرِّم‬
‫‪250‬‬
‫ذلك العالج من األساس‪ ،‬وتعتربه جرمية أخالقية حبق اللوطيني‪ ،‬فالواجب على‬
‫املعاجل النفسي أن يساعد اللوطي املضطرب الشاعر بضيق نفسي من لوطيته‪ ،‬وكونه‬
‫شاذا‪ ،‬أن يثبته ويدعمه يف لوطيته‪ ،‬وخيربه أنه طبيعي ويثبته على ما هو فيه = ال أن‬
‫حياول (عالجه) فيستثمر اضطرابه ذلك يف فرض معتقدات املعاجل اليت ترى‬
‫اللوطية شذوذا )‪!(170‬‬
‫لكن مع ذلك ظل علماء النفس املضطهدون يقاومون‪ ،‬خاصة املرتبط منهم بأجندة‬
‫مسيحية‪ ،‬يف حماولة لتطوير نظرية حديثة هلذا العالج؛ فقد لوحِظ أن أكثر‬
‫املعاجلني أصحاب عقيدة عالجية مسيحية ينطلقون منها‪ ،‬ومنهم نسبة معتربة‬
‫ترى لزوم دمج العالج بالصلوات)‪. (172‬‬
‫وكان سند أولئك املعاجلني يف استمرارهم ليس جمرد املعتقد وحده‪ ،‬بل نسب‬
‫الشفاء العالية ملرضاهم)‪ . (172‬ويف اجلهة األخرى كان اجلمهور يكذبهم يف تلك‬
‫النسب‪ ،‬أو يتهمهم بأن دراساتهم حققت جناحا ألن اللوطي الذي يأتيهم لديه مشكلة‬
‫نفسية أصال )‪!(152‬‬
‫وكما الحظت‪ :‬أهذا علم؟ أقرار بهذا احلجم يُتخذ بالتصويت؟ ثم أين مفهوم محاية‬
‫(األقليات) يف العملية الدميقراطية تلك؟! لقد صارت األغلبية أقلية يف طرفة عني؛‬
‫فهل احرتمهم املتغلبون اجلدد؟ هل احرتموا علمهم الذي ظل هو سائد السيكولوجيا‬
‫طوال نصف قرن؟! موقف كله هزلي عجيب! ال احلقائق العلمية تؤخذ بالتصويت‪،‬‬
‫وال فوز األغلبية يعين اضطهاد األغلبية! لكننا هنا نقرأ الغرب‪ :‬مهزلة اإلنسانية!‬
‫‪251‬‬
‫‪ )7‬العالجات التحويلية‪.‬‬
‫بعدما حدث االنقسام الكبري‪ ،‬وانشغل مجهرة علماء النفس يف اللحوق باحلركة‬
‫احلقوقية اللوطية سواءً بالبحث عن كيفية (دعم) اللوطية (علميا!)‪ ،‬ومساعدة‬
‫اللوطي على قبول ذاته والفخر مبيوله وهويته‪ ،‬أو كيفية جمابهة اجملتمع واألهالي‬
‫جلعلهم أكثر قبوال للوطية‪ ،‬وتغيري معتقدات اجلميع مبا خيدم األجندة احلقوقية‬
‫اللوطية )‪ ،(152‬أصر البعض على الرؤية (القدمية!) للوطية باعتبارها مرضا جيب‬
‫عالجه‪ ،‬وقد جُمِعوا كافةً حتت عنوان كبري‪ ،‬وهو أنصار العالج النفسي التحويلي‬
‫‪ Conversion therapy‬أو عالج أعادة توجيه امليول ‪Reorientation‬‬
‫‪ therapy‬أو العالج اإلصالحي ‪.Reparative therapy‬‬
‫وقد متايز العالج النفسي التحويلي‪ ،‬بأشكال وصور خمتلفة‪ ،‬ميكن تصنيف أكثرها‬
‫حتت مدارس ثالثة‪:‬‬
‫األوىل مدرسة العالج السلوكي‪ ،‬والثانية مدرسة العالج الروحاني والديين‬
‫املسيحي‪ ،‬والثالثة مدرسة العالج النفسي التحليلي‪.‬‬
‫أما العالج السلوكي‪ ،‬فقد كان بارزا ومنتشرا يف عصر جمد السلوكية‪ ،‬منتصف‬
‫القرن العشرين حتى مطلع الربع األخري منه‪ ،‬وقد حدَّ من استعماله الضغوط‬
‫الكبرية اليت مورست على املعاجلني من اجلمعيات النفسية الرمسية‪ ،‬بل إنك جتد‬
‫أكثر الصياغات العاطفية يف مدوَّنات وحبوث اللوطيني‪ ،‬اليت تُظهر حجم (العذاب)‬
‫الذي مورس على اللوطيني من السيكولوجيني سابقا‪ ،‬تعتمد على تضخيم ممارسات‬
‫العالجات السلوكية حتديدا‪ ،‬مثل صعق اللوطيني )‪ ،(152‬لربط االستجابة النفسية‬
‫‪252‬‬
‫للصور اللوطية؛ باألمل = وبالتالي صناعة حاجز نفسي بداخل املرء خيشى السلوك‬
‫اللوطي‪ ،‬ويرتبط عنده بالتوجَّع‪.‬‬
‫لكن العالجات السلوكية مل تكن دومًا بهذه الشناعة اليت يصفونها؛ ففي دراسة‬
‫فرميان وماير)‪ (173‬اليت نُشرت عام ‪ ،1975‬شارك تسعة رجال لديهم ميول‬
‫وممارسات لوطية‪ ،‬رغم أن ستة منهم متزوجون بنساء‪ ،‬لكنهم أعلنوا عجزهم عن‬
‫إيقاف تلك امليول واملشاعر‪ .‬صُممت الدراسة حبيث ميتنعون مجيعا عن اجلنس مع‬
‫الرجال ملدة أسابيع ستة‪ ،‬ويتوقفون عن كل مشاهدة ألي مادة إباحية متعلقة‬
‫باللواط‪ ،‬وجيتنبون زيارة أماكن الشُّبه اليت يُتوقَّع أن يوجد فيها ذكور لوطيني‪ ،‬مع‬
‫مترين أنفسهم على اعتياد تفحص أجساد النساء يف األماكن العامة‪.‬‬
‫كلما خرجوا من املنزل عليهم التأمل يف اجلوانب املغرية واملثرية جنسيا يف أجساد‬
‫النساء‪ ،‬وكلما مكثوا فيه عليهم اعتياد االستمناء على خياالت وتصورات متعلقة‬
‫بأجساد تلك النساء‪.‬‬
‫ثم بعد تلك األسابيع يبدؤون املرحلة الثانية من العالج‪ ،‬وفيها تستمر نفس‬
‫اإلرشادات مع إضافة جلستني إسبوعيا ملدة أسابيع عشرة‪ ،‬يف كل جلسة يُعرض‬
‫عليهم مواد مرئية فيها مشهد جنسي يتضمن ذكرا وأنثى‪ ،‬وعلى املُشارك أن‬
‫يستمين وهو يتصور نفسه مكان الذكر يف ذلك املشهد ‪ -‬ثم تظهر فجأة صورة شاب‬
‫مجيل الصورة؛ لكن ما إن تظهر حتى يشعر بأمل خفيف‪ ،‬التصال أصبعني من يده‬
‫بتيار كهربي ضعيف جدا‪ .‬ويف أثناء ذلك يُقاس مدى انتصاب القضيب كمعيار‬
‫ملعرفة شدة تهيج املُشارك‪ .‬وبعد االنتهاء‪ ،‬على املشارك االستمرار يف التعليمات‬
‫الرئيسية األوىل‪ :‬تفحص أجساد النساء بشهوانية واالستمناء يف املنزل واالمتناع‬
‫متاما عن أي شبهة التقاء بلوطيني‪.‬‬
‫‪253‬‬
‫بعد انتهاء املرحلة العالجية الثانية‪ ،‬تبدأ املرحلة الثالثة واألخرية‪ ،‬وفيها تتوقف‬
‫كافة التعليمات‪ ،‬ويُتابَع مدى التزام املشاركني باحلياة الطبيعية‪ ،‬وغياب التصورات‬
‫اللوطية‪.‬‬
‫الذي حدث أن التسعة توقفوا ملدة عام بعد الدراسة عن أي ممارسة لوطية‪ ،‬واخنرطوا‬
‫يف عالقات نسائية طبيعية‪ ،‬وقد اعتادوا اشتهاء النساء بالفعل‪ ،‬وكانت قياسات‬
‫االستجابة (االنتصاب) ممتازة‪ ،‬غري أن اثنني منهم فقط عادوا ملمارسة اللواط بعد‬
‫عام ونصف‪ ،‬بسبب إغراءات من لوطيني )‪.(173‬‬
‫كان العالج السلوكي فعَّالًا كما ترى‪ ،‬لكن احلمالت اإلعالمية احلقوقية روجت‬
‫يف كل مكان أن اللوطيني يُصعقون ويعذبون يف أروقة املعاجلني النفسيني‬
‫(السلوكيني)‪ ،‬ثم‪ ،‬الحقًا‪ ،‬بدأ التعميم‪ :‬معاجلو اللوطية (يصعقون) اللوطيني! مل‬
‫يعد السلوكيون فقط هم املتهمون! ولعدم علم الناس بالفوارق بني مدارس العالج‬
‫النفسي‪ ،‬جنحت احلمالت يف التأثري باجلميع!‬
‫ولتلك العالجات السلوكية بعد ذو أهمية بالغة يف زماننا‪ ،‬أال وهو خطورة املواقع‬
‫اإلباحية يف صناعة وترويج اللوطية‪ ،‬إذ أن أكربها وأكثرها بدأ يف صناعة تصنيف‬
‫خاص للمقاطع اللوطية‪ ،‬والرتويج هلا بني الشباب والبنات‪ ،‬الذين قد يدفعهم امللل‬
‫من تكرار مقاطع اجلنس الطبيعي إىل اعتياد مشاهدة اجلنس اللوطي‪ ،‬وبالتالي‬
‫التدريب السلوكي على اللوطية باعتياد الشاب التهيج على الرجال‪ ،‬والنساء التهيج‬
‫على النساء‪ ،‬وهي كارثة فادحة!‬
‫املدرسة الثانية متثلت يف العالجات الروحية والدينية‪ ،‬وهي تعتمد على لقاءات‬
‫مجاعية بقساوسة‪ ،‬والتذكري حبجم اخلطيئة‪ ،‬وبرفض اهلل سبحانه هلا‪ ،‬والصلوات‬
‫اجلماعية‪ .‬ودائما ما يشكك املعاجلون النفسيون املناصرون للوطية يف مُخرجات‬
‫وادعاءات تلك املدرسة‪ ،‬العتبارات أخالقية أو منهجية‪ ،‬فهم يصمون املعاجلني‬
‫‪254‬‬
‫املعتمدين على الدين بعدم االحرتافية‪ ،‬وبالسعي يف جتنيد املرضى يف شبكة‬
‫أيدولوجية أو التبشري مبعتقد معني‬
‫‪26‬‬
‫ويتهمون املتدينني بالكذب‪ ،‬فهم عالنيةً‬
‫يؤكدون على نسب الشفاء العالية‪ ،‬وسرًا يؤمنون أن احلل الوحيد للوطيني هو‬
‫التبتل والعزوبة ‪ ،Celibacy‬كما يتهمونهم أيضا باالنتقائية يف إعالن الناجحني‬
‫يف الشفاء‪ ،‬بل وبتورط بعض املعاجلني أنفسهم يف ممارسات لوطية )‪!(170‬‬
‫وتعترب دراسة الزوجني باتيسون)‪ (174‬إحدى أشهر النماذج يف تاريخ تلك املدرسة‪،‬‬
‫فقد ُفحِصت إحدى عشر حالة لرجال لوطيني‪ ،‬خضعوا للعالج الديين يف الكنيسة‪،‬‬
‫وأعلنوا يف النهاية شفاءهم من امليول اللوطية‪ .‬وقد الحظ باتيسون أن املُشارِكني‬
‫كانت لديهم أزمة نفسية‪ ،‬بسبب تدينهم الشديد‪ ،‬ووجود تلك امليول منذ سن يقع‬
‫بني احلادية عشر واخلامسة عشر‪ ،‬كما الحظ كذلك أنهم مل ينجحوا مجيعا يف‬
‫التخلص من التخيالت ‪ Fantasies‬أو األحالم اللوطية؛ بل ظل بعضهم تراوده‬
‫تلك األمور باستمرار‪ ،‬ومل تنتهِ حتى بعد الزواج‪ ،‬لكنه نبه أن ذلك مل يعد مؤثرًا يف‬
‫حياتهم كما كان األمر قبل خضوعهم للعالج الديين الروحاني؛ فقد كانوا تعساء‬
‫يف زجياتهم‪ ،‬يشعرون باضطراب يف عالقتهم بالنساء‪ ،‬الضطراب هويتهم الذكورية‬
‫نفسها‪ ،‬لكن بعد املعاجلة الدينية‪ ،‬اليت أججها محاسهم الذاتي للتخلص من تلك‬
‫املشاكل‪ ،‬قيست تطوُّرات حالتهم مبقياس كينزي‪ ،‬فوُجد أن أكثرهم اختار‬
‫‪26‬‬
‫كأنما هم بدعمهم للوطية ال يدعمون أيدولوجيا!‬
‫‪255‬‬
‫الدرجة ‪( 0‬طبيعي متاما)‪ ،‬بينما اختارت أقلية الدرجتني ‪ 1‬و ‪( 2‬طبيعي بصورة‬
‫أساسية‪ ،‬مع ميول وممارسات لوطية أحيانا)‪ ،‬وصاروا أسعد مع زوجاتهم )‪.(174‬‬
‫شُيِّدت على تلك العالجات مجعيات مسيحية من كافة املذاهب‪ ،‬وإن كان تفاوت‬
‫حجم العمل املقاوم تابع لتفاوت نظريات املذاهب املسيحية ذاتها‪ ،‬فاملذهب اإلجنيلي‬
‫مثال‪ ،‬بإصراره على رفض تأويل نصوص الكتاب املقدس‪ ،‬أكثر انشغاال بالعالج‪،‬‬
‫وأقل تساحمًا مع اللوطيني من املذاهب األكثر توسعًا يف تأويل نصوص تعذيب قوم‬
‫لوط‪ ،‬وصرفها عن معناها‪ ،‬كما أنه من املذاهب املسيحية القليلة‪ ،‬اليت أنشأ‬
‫األصوليون فيها حركة مقاومة صرحية تنتهج نهجا عنيفا ضد اللواط وأهله‪ ،‬وهذا‬
‫خمالف للمذاهب األخرى‪ ،‬اليت وإن أعلنت أن اللواط خطيئة‪ ،‬إال أن معاجلتها له‬
‫يغلب عليها اخلطاب التبشريي)‪. (141‬‬
‫كما أن طبيعة املسيحية األوىل‪ ،‬املمجدة للعزوبة واعتبارها صورة إنسانية راقية ال‬
‫يصل إليها إال خنبة البشر‪ ،‬القساوسة والراهبات‪ ،‬تؤثر يف طبيعة احلل النهائي‬
‫للوطية‪ :‬فلتكن مثل النُخب! فلتكن مرتهبنا! ولعل هذا ‪ -‬واهلل أعلم ‪ -‬قد يُسهِم يف‬
‫تفسري سبب تصاعد فضائح اللوطية الذكرية والنسوية يف أوساط الرهبنة حاليا =‬
‫فطوال نصف القرن املاضي‪ ،‬ارتبط يف الوعي املسيحي أن على اللوطي أو اللوطية‪،‬‬
‫كحل نهائي إن فشل العالج‪ ،‬أن يكونوا كالرهبان ‪-‬فلم ال يكونوا رهبانًا حبق؟!‬
‫أخريا‪ ،‬املدرسة الثالثة تتمثل يف العالج النفسي التحليلي‪ ،‬وهو ينسج على منوال‬
‫نظرية فرويد عن عدم جتاوز اللوطي لعقدة أوديب بصورة سليمة‪ ،‬ما يُفقِده القدرة‬
‫على حماكاة الوالد الذي ينتمي لنفس جنسه‪.‬‬
‫‪256‬‬
‫وقد برز من املدرستني األخريتني منوذج يف منتصف الثمانينيات‪ ،‬سيُقدَّر له أن‬
‫ينتشر بصورة ضخمة بعد ذلك‪ ،‬وهو منوذج مسيحي ‪ -‬فرويدي‪ ،‬ستبتدعه الالهوتية‬
‫اإلجنليزي إليزابيث موبرلي ‪ ،Moberly‬ثم سيبدي انبهاره به املعاجل النفسي‬
‫جوزيف نيكولوسي ‪ Nicolosi‬يف الواليات املتحدة األمريكية مبطلع التسعينيات‪،‬‬
‫فينشره يف كتابه‪ ،‬مُضفيا عليه صبغة وشرعية علمية سيكولوجية‪ ،‬ومضيفا إليه‬
‫بعض املسائل‪.‬‬
‫‪ )8‬النموذج الفرويدي ‪ -‬المسيحي‪ :‬نظرية موبرلي ‪ -‬نيكولوسي عن االنفصال الدفاعي‪.‬‬
‫يف عام ‪ 1983‬نشرت الالهوتية اإلجنيلية‪ ،‬واملعاجلة النفسية اإلجنليزية إليزابيث‬
‫موبرلي كتابها (اللوطية‪ :‬خلق مسيحي جديد ‪Homosexuality: a new‬‬
‫‪ ،)Christian ethic‬الذي عرضت فيه نظرية العالج اإلصالحي ‪Reparative‬‬
‫‪ Therapy‬أو االنفصال الدفاعي ‪ ،Defensive Detachment‬ويف مطلع‬
‫التسعينيات سينشر جوزيف نيكولوسي‪ ،‬املعاجل النفسي األمريكي كتابه األشهر‬
‫(العالج اإلصالحي للوطية الذكرية ‪Reparative therapy of male‬‬
‫‪ ،)homosexuality‬وفيه عرض لتلك النظرية‪ ،‬مع بعض التقنيات العالجية‬
‫اجلديدة‪ ،‬واإلضافات البسيطة للنموذج النظري املقدم من موبرلي‪.‬‬
‫والصحيح أن النظرية ملوبرلي‪ ،‬ال لنيكولوسي‪ ،‬ما أغضبها وأثارها وظلت تُهيِّج الدنيا‬
‫واملؤسسات ضده‪ ،‬ال لعدم العزو إليها؛ فنيكولوسي يُصرِّح مبدح نظريتها يف فصل‬
‫سياسات التشخيص من كتابه‪ ،‬ويؤكد أنها قدمت أفضل منوذج نظري تفسريي‬
‫‪257‬‬
‫ملصدر اللوطية الذكرية رآه يف حياته = بل ألنه حتدث يف باقي الكتاب كأمنا ينطلق‬
‫ليبين فوق نظريتها! موبرلي كانت تصرخ‪ :‬نيكولوسي مل ينبِ شيئًا؛ بل سرق‬
‫نظرييت وعالجي كله! لكنها أصيبت خبيبات أمل متالحقة‪ ،‬بعدما رفضت اجلمعية‬
‫النفسية األمريكية ‪ APA‬االهتمام بطلبها نسبة العالج إليها‪ ،‬وكذلك وقوف أكرب‬
‫مؤسسة مسيحية عاملية لعالج اللوطية (اخلروج العاملية ‪Exodus‬‬
‫‪ )International‬واليت تستقر يف أمريكا‪ ،‬جبوار ابن أمريكا‪ ،‬نيكولوسي‪ ،‬ومل‬
‫تنصفها سوى مؤسسة هامة وحيدة؛ لكنها ليست أكرب من ال ‪ APA‬علميا‪ ،‬وال‬
‫أكرب من (اخلروج العاملية) دينيا)‪! (175‬‬
‫لذا جتد يف األدبيات العلمية عزو لنيكولوسي بصورة أكثر يف موضوع العالج‬
‫اإلصالحي = قد يكون السبب وراء ذلك انتساب نيكولوسي الواضح للمؤسسة النفسية‬
‫األمريكية‪ ،‬مقابل غموض انتساب موبرلي الالهوتية للعالج النفسي من األصل! أو‬
‫النزعة شبه العلمانية العلموية يف كتابه‪ ،‬مقابل النزعة املسيحية الصرحية عند‬
‫موبرلي! أو ذيوع اسم نيكولوسي يف أمريكا حتى موته يف ‪ ،2017‬باعتباره املمارس‬
‫األكرب هلذا العالج وتلك النظرية‪ ،‬وإنشاؤه مؤسسة كربى مهتمة بتقديم هذا‬
‫العالج هي نارث ‪ NARTH‬ونشره العديد من البحوث حوله‪ ،‬مقابل انصراف‬
‫موبرلي مع الوقت عن هذا احلقل واهتمامها ببحوث السرطان العالجية! وقد يكون‬
‫السبب ‪ -‬ببساطة ‪ -‬هو حماباة ابن املهنة‪ ،‬وابن البلد‪ ،‬على حساب الغريب! لكن التاريخ‬
‫حافظ ملن ساعد نفسه فدوَّن رأيه وإن مل ينصفه عصره‪ ،‬وفاضح للسرَّاق والناهبني‬
‫وإن غلبوا أزمانهم وحازوا الرياسة والسلطان!‬
‫‪258‬‬
‫ما يهمنا يف هذا كله معرفة انتساب النظرية ملوبرلي؛ لكن إسهامات نيكولوسي‬
‫ضرورية كذلك لفهم النموذج الذي سيذيع كأشهر عالج حتويلي يف العامل‪ ،‬لذا‬
‫سأطلق على النظرية امسيهما معًا‪ :‬نظرية موبرلي – نيكولوسي‪ ،‬وسأستعرضها يف‬
‫صورتها اخلتامية األشهر‪ ،‬كما قدمها نيكولوسي يف دراساته وكتبه‪ ،‬وهي تتلخص‬
‫يف اآلتي)‪:(177) (176‬‬
‫‪ )1‬يولد اإلنسان طبيعيا فال ميول جبلية لوطية‪ ،‬وإن كان نيكولوسي ال يُنكِر إمكان‬
‫وجود أثر للجينات يف صناعة امليول اللوطية؛ لكنه يرى هذا بال معنىً‪ ،‬وإال فعلينا‬
‫مساحمة مدمين الكحوليات‪ ،‬والدفاع عنهم ورفض عالجهم؛ للبحوث اليت مخنت‬
‫وجود أثر جيين ‪ /‬جبلِّي يدفع اإلنسان إلدمانها!‬
‫إذن تتكون امليول اللوطية باألثر البيئي الرتبوي ‪ ،Environmental‬وال وجود أو‬
‫ال أهمية للجبليَّة فيها‪.‬‬
‫‪ )2‬يف سن الطفولة‪ ،‬قبل الرابعة‪ ،‬بناءً على نظرية فرويد السالف عرضها‪ ،‬مير الطفل‬
‫مبرحلة عقدة أوديب‪ ،‬اليت يُفرتض به أن يعربها بالتماهي مع نوع الوالد الذي هو‬
‫من نفس جنسه؛ لكن ذا امليول اللوطية يفشل يف عبور تلك املرحلة‪ ،‬ال ملشكلة عنده‪،‬‬
‫بل لقسوة الوالد الذي يفرتض أن يتماهى مع نوعه وحياكيه‪ ،‬وتنائيه عنه‪ ،‬فينشأ‬
‫رد فعل عند الطفل يكره هذا األب‪ ،‬ويرفض االمتثال للتشكل النوعي املناسب جلنسه؛‬
‫فيما أطلقت عليه موبرلي االنفصال الدفاعي‪ ،‬وال يقف النموذج عند عقدة أوديب‬
‫فقط‪ ،‬بل تُضاف كذلك العالقات الدافئة مع األب‪ ،‬والدعم النفسي للصغري‪،‬‬
‫فالبحوث احلديثة أظهرت أن العالقة أوسع من جمرد مرحلة عقدة أوديب؛ وإن مل‬
‫تنفِها أو تقلل من أهميتها‪.‬‬
‫‪259‬‬
‫‪ )3‬ينشأ الطفل ملتصقًا بأمه‪ ،‬عاجزًا عن اخللطة بأقرانه الذكور؛ وتقع األمات يف‬
‫خطأ كبري‪ ،‬بتشجيع اجلوانب اللطيفة يف ابنها‪ ،‬فيما يوصف بالطفل الصغري اجليد‬
‫‪ ،Good little Boy‬وال تنتبه لغياب الصفات الذكورية‪ ،‬املتعبة يف تربية الذكور؛‬
‫كالعدوانية ‪ Aggressiveness‬اليت هي من صفات الذكور األصيلة فيهم‬
‫باتفاق العلماء النفسيني )‪ ،(178‬وال تنتبه لعزلته عن اللعب مع أقرانه الذكور بداية‬
‫من سن اخلامسة حتى الثانية عشر‪ ،‬فيما يصفه نيكولوسي بطفل نافذة املطبخ‬
‫‪ ،Window Kitchen Boy‬الذي يُطلُّ منها خجوال يرى الذكور ميرحون‬
‫ويلعبون وال يُشارك‪ .‬هم بالنسبة له جنس غريب؛ فهويته النوعية مل تتشكل بصورة‬
‫سليمة‪ ،‬لقد صار كاألنثى يف جسد ذكر‪ .‬ويؤكد نيكولوسي مستندا إىل عدة‬
‫دراسات أن أكثر احلاالت أظهرت التصاقا كبريا باألم يف مرحلة الطفولة‪ ،‬مع‬
‫إعجاب األم بهذا االلتصاق وتشجيعها له‪.‬‬
‫‪ )4‬بداية من املراهقة‪ ،‬يصبح هذا الطفل مثليًّا‪ 27‬مييل إىل الذكور؛ فهو يبحث فيهم‬
‫عن هويته الذكرية املفقودة بسبب التنشئة العائلية غري السليمة‪ ،‬وقسوة األب‪ .‬إن‬
‫املثلية هنا ليست إال حبثا عن (الذكورة) الذاتية املفقودة‪ ،‬يف أجساد الذكور‬
‫اآلخرين‪.‬‬
‫‪ 27‬سأضطر في ذلك الجزء‪ ،‬لغرض توضيحي بحت‪ ،‬إلى استعمال مصطلح المثلي ‪ ،Homosexual‬والتفرقة بينه وبين مصطلح المرح‬
‫جبر أخاك إذن ال بطل!‬
‫‪ /‬اللوطي ‪ = Gay‬ألن نيكولوسي يفرق بينهما‪ ،‬ويضع لكل منهما تعريفا مختلفا‪ُ ،‬م ٌ‬
‫والمثلي عند نيكولوسي هو الشخص الذي يملك ميال أو سلوكا لوطيا‪ ،‬لكنه ال يرتاح إليه‪ ،‬لمصادمته القيم التي يؤمن بها‪ ،‬وال يرغب‬
‫في الدخول بأجواء نمط الحياة اللوطي ‪ Gay life style‬الذي يشجعه العالم كله على االنضمام إليه‪.‬‬
‫بينما اللوطي هو المرتاح إلى ميوله وسلوكه‪ ،‬الراغب فيها‪ ،‬الرافض ألي تدخل في تعديلها‪ ،‬فهذا ال ُيخاطبه نيكولوسي‪ ،‬بل ينصحه‪،‬‬
‫إن شعر بأزمة‪ ،‬أن يخضع للعالج اللوطي التأكيدي ‪ ،Gay Affirmation therapy‬إنما ُيخاطب المثلي ها هنا وحده‪.‬‬
‫‪260‬‬
‫‪ )5‬ويُصاب العديد من أولئك املثليني بفوبيا داخلية من اللوطية ‪Internalized‬‬
‫‪ Homophobia‬تُعذبهم نفسيا بسبب عجزهم عن فهم سبب مثليتهم‪.‬‬
‫‪ )6‬لذا يقع املثليون يف أزمة بالعصر احلديث‪ ،‬فإن كان اإلعالم الغربي كله يُمجِّد‬
‫ميوهلم ويريد منهم أن يفاخروا بها؛ إال أن تلك امليول خمالفة لقيمهم ومبادئهم‬
‫الرافضة للواط؛ وهم يكرهونها وال يريدون أن يكون لوطيني = فهم مثليون ال‬
‫لوطيني ‪ ،Non-gay Homosexuals‬ومن اخلزي والعار ترك أولئك بال‬
‫مساعدة من العالج النفسي؛ امتثاال لأليدولوجيات اليت ترى اللوطية ال إشكال فيها‪،‬‬
‫واملشجعة عليها‪ ،‬واملستولية غلبةً وقهرًا يف غفلة من الزمان على املؤسسات النفسية‬
‫الكربى‪ ،‬دون أساس علمي حقيقي لذاك االستيالء‪.‬‬
‫‪ )7‬إذن اإلنصاف يقتضي مساعدة املثليني الكارهني للوطية‪ ،‬الراغبني يف التخلص‬
‫من مثليتهم‪ ،‬على جتاوز اجلرح النفسي الذي تسببت فيه األسرة قدميا يف مرحلة‬
‫الطفولة‪.‬‬
‫‪ )8‬قدمت موبرلي‪ ،‬ثم نيكولوسي فيما بعد‪ ،‬منوذجا للعالج‪ ،‬ميزج التحليل النفسي‬
‫‪ ،Psycholanalysis‬بالتحليل النفسي الديناميكي ‪،Psychodynamic‬‬
‫بعالج اجملموعة ‪ ،Group therapy‬بالعالج املعريف ‪= Cognitive therapy‬‬
‫ويوظف كافة مزايا تلك النماذج العالجية‪ ،‬إضافة لتعزيز القيم الدينية‬
‫واألخالقية املسيحية‪ ،‬يف إنهاء امليول اللوطية متاما‪.‬‬
‫‪261‬‬
‫‪ )9‬أما التحليل النفسي‪ ،‬فيوظّف يف التعرف على النموذج التفسريي عن األصول‬
‫العائلية املُنشئة للمثلية‪ ،‬فيستمع املعاجل حلكايا املريض عن طفولته منذ الوعي‬
‫األول‪ ،‬ويتعرف على أشكال العالقات البينية مع كافة أفراد األسرة‪ ،‬لتحديد السبب‬
‫يف فشل املريض جتاوز مرحلة تشكل نوعه بصورة صحيحة‪ :‬أهو األب‪ ،‬أم األم‪ ،‬أم‬
‫سبب آخر؟ ال حيصر نيكولوسي األسباب يف األب وحده‪ ،‬فهو وإن أعلن أن نظرية‬
‫(األب القاسي) هي األكثر متثيال جلمهرة احلاالت اليت طالعها‪ ،‬واملتفقة مع أغلب‬
‫البحوث املتوفرة؛ إال أنه يؤكد على وجود حاالت أقل ال تُطابق ضرورةً هذا النموذج‪،‬‬
‫وتكون وظيفة املعاجل يف اجللسات األوىل التعرف على مدى اتفاق احلالة مع منوذجه‬
‫النظري العالجي‪ .‬بدون العالج النفسي التحليلي ‪ Psychoanalysis‬لن جيد‬
‫املعاجل النموذج النظري التفسريي الذي يربط كل تلك احلكايا مع بعضها البعض‪.‬‬
‫‪ )10‬أما التحليل النفسي الديناميكي‪ ،‬فيوفر للمُعاجل أداة تواصل مستمر مع املثلي‪ ،‬فال‬
‫يكون مستمعا فقط طوال الوقت‪ ،‬بل البد أن يصنع عالقة عاطفية مع املريض‪،‬‬
‫وتؤكد موبرلي ومن ورائها نيكولوسي على وجوب متاثل نوع اجلنس بني املريض‬
‫واملعاجل‪ .‬اهلدف من ذلك أن جيد املريض يف املعاجل العالقة اليت فُقدِت من الوالد يف‬
‫الصِغر؛ فإن فقد احلنان والعطف من األب‪ ،‬ما جعله يتخذ موقفا نفسيا دفاعيا عدائيا‬
‫من الرجال‪ ،‬يعطل تكوينه الذكوري = فالواجب حينها على املعاجل أن يُعوِّض تلك‬
‫العالقة‪ ،‬بأن يكون لطيفا حنونا‪ ،‬متفهما‪ ،‬بديال لألب القاسي‪ ،‬وأن يهوِّن من العبء‬
‫النفسي على املثلي‪ ،‬بتأكيد أنه ليس خمطئًا‪ ،‬وأن الذنب ليس منه يف احنراف ميوله‪،‬‬
‫فهو إنسان جمروح لكنه سيتعافى‪ .‬والعالج الديناميكي عامةً يقوم على النظرة‬
‫‪262‬‬
‫احلنون احملبة املتقبلة بال شروط للمريض )‪ ،(49‬لذا هو أصلح منوذج لبناء تلك‬
‫العالقة‪.‬‬
‫حتذر موبرلي من خطورة املعاجل البارد القاسي‪ ،‬الذي يصنع ذلك بزعم احلياد‬
‫املطلوب لتقديم عالج نفسي صحيح = فهو يدعو‪ ،‬بصورته الباردة املتعالية تلك‪ ،‬إىل‬
‫خوف املريض منه وتباعده عنه‪ ،‬ألنه يُذكِّره باألب القاسي البارد املنتقِد‪ .‬والصحيح‬
‫هو بناء عالقة بني املعاجل واملريض تتصف باحلميمية ‪ intimate‬والتبادل‬
‫‪ Mutual‬والثقة‪ ،‬ومع ذلك غري جنسية ‪ .Nonerotic‬وقد فشل املعاجلون كثريا‬
‫يف عالج املثلية‪ ،‬لغياب تلك الصفات حتديدا‪ ،‬ومتسكهم مبقتضيات منوذج احلياد‬
‫العلمي البارد للمعاجلني‪.‬‬
‫إذن وظيفة ذلك األسلوب العالجي باختصار‪ :‬إصالح العالقة اليت نشأت منها املثلية‬
‫يف الطفولة‪ ،‬عالقة االنفصال الدفاعي بني املثلي والوالد املماثل لنوعه‪.‬‬
‫كذلك يُستخدم عالج اجملموعة‪ ،‬حلل مشكلة الصيب اخلجول من‬
‫‪)11‬‬
‫الذكور‪ ،‬وإنهاء عقدة االنفصال الدفاعي نهائيا‪ ،‬فهي اليت متنعه من بناء عالقات‬
‫سليمة وندية مع الذكور‪ ،‬وبالتالي متنعه من احلصول على اهلوية النوعية‬
‫الذكرية؛ فاهلوية النوعية خاصة الذكرية ذات طبيعة تبادلية‪ ،‬فالصيب حيصل‬
‫عليها من األقران‪ ،‬وهم حيصلون عليها منه؛ لكن أزمة الطفل اخلجول تستمر مع‬
‫املثلي طوال حياته‪ ،‬فال يقدر على إنشاء عالقة صداقة أو زمالة طبيعية مع الرجال‪،‬‬
‫فهم بالنسبة له (هدف جنسي) ال غري‪ ،‬وبالتالي يظل حاجز االنفصال الدفاعي قائما‪،‬‬
‫طاملا مل يتدخل املُعاجل لتفكيكه وإنهاء هذا اإلشكال‪ ،‬ويالحظ نيكولوسي أن هذا من‬
‫‪263‬‬
‫املشرتكات بينه وبني العالج اللوطي التأكيدي ‪ !GAT‬وهذا مدهش! فهو‪ ،‬الرافض‬
‫للوطية‪ ،‬وأعداؤه‪ ،‬املؤيدين هلا‪ ،‬يتفقون على وجود تلك األزمة عند اللوطيني!‬
‫إذن عالج اجملموعة وظيفته األوىل اعتياد املثلي خلطة الذكور‪ ،‬واختاذهم أصدقا ًء‬
‫دون خياالت جنسية‪ ،‬ودون أن حيكم عليه أحد منهم بالتحقري واالزدراء يف نفس‬
‫الوقت‪ ،‬وبالتالي مشاركة اهلوية الذكورية بينهم وبناؤها بصورة تدرجيية‪.‬‬
‫يصنف نيكولوسي أنواع األشخاص يف تلك اجملموعات باالعتيادي ‪،Ordinary‬‬
‫والغامض ‪ ،Mysterious‬والثاني أكثر إرهاقا يف العمل عليه‪ ،‬فهو منتفخ بذاته‪،‬‬
‫يقدرها جدا‪ ،‬ال يرغب يف املشاركة مع غريه‪ ،‬وبالتالي حيتاج إىل عمل كثري‪.‬‬
‫كذلك يؤكد أن بعض اجللسات كانت تتحول إىل شبه معركة‪ ،‬فتظهر فيها‬
‫بصورة واضحة أعراض االنفصال الدفاعي عند مجيع املشاركني‪ ،‬الذين مل يألفوا‬
‫أجواء خلطة نفس اجلنس‪ ،‬فيتوتر اجلميع ويدخلون فيما يشبه الشجار! مع ذلك‪،‬‬
‫فعالج اجملموعة ال غنىً عنه للقضاء متاما على املرحلة الثانية من العقدة‪ ،‬وبدونه‬
‫سيظل املريض يف حالة خشية وخوف من هويته اخلفية‪.‬‬
‫‪)12‬‬
‫أما العالج املعريف ‪ Cognitive therapy‬فوظيفته تغيري فكرة املثلي‬
‫الغاضبة عن ذاته التائهة‪ ،‬وخشيته من عجزه عن العالج‪ ،‬ومن حكم اآلخرين عليه‬
‫بالذم = فيعمل املُعاجل منذ البداية على زراعة فكرة مفادها أنك ذو هوية مُغايرة‬
‫خفية‪ ،Latent Heterosxuality‬وأن عليك اإلميان بذلك‪ ،‬إمنا الذنب ذنب‬
‫غريك‪ ،‬ظروف البيئة اليت نشأت فيها‪ ،‬والتعايف مقدور عليه‪ ،‬لكنه سيحتاج منك إىل‬
‫جمهود واالستمرار يف مراحل العالج واملشاركة بفعالية‪ .‬فهو يطلب من املثلي بناء‬
‫‪264‬‬
‫دافع ذاتي قوي للخضوع للعالج واملساهمة فيه‪ ،‬وبناء شخصية قوية تستطيع حتمل‬
‫ضغوط اإلطالة ‪.28‬‬
‫حيذر نيكولوسي من مشاكل عديدة تواجهه أثناء تقديم العالج اإلصالحي‪ ،‬منها‬
‫املريض املتذاكي‪ ،‬الذي قرأ كثريا قبل أن يأتيه‪ ،‬وكوَّن موقفا ضد هذا العالج‪،‬‬
‫وكذلك املريض الذي أتى بضغط من العائلة‪ ،‬الزوجة أو الزوج أو الوالدين‪ ،‬فهؤالء‬
‫ال يأتون إال إرضاءً لآلخرين‪ ،‬وال يريدون التغيري حبق‪ ،‬وهي أمور تظهر يف اجللسات‬
‫االبتدائية‪ ،‬إن مل يكن يف اجللسة األوىل نفسها! وكل ذلك مُنبئ بالفشل! نعم توجد‬
‫نسبة فشل معتربة‪ ،‬وترجع إىل موقف املريض نفسه من االستمرارية! وما على‬
‫املُعاجل إال إظهار احلب واحلنان والعطف والتفهم بال قيد وال شرط!‬
‫جنح نيكولوسي يف فرض نفسه وامسه بهذه النظرية واألسلوب العالجي يف األدبيات‬
‫العلمية األمريكية‪ ،‬اليت وإن رفضته وحاربت أساليبه إال أنها تعاملت معه باعتباره‬
‫االسم األكرب واألكثر مصداقي ًة من الناحية العلمية مقارن ًة بغريه من املعاجلني‪.‬‬
‫لكن العقد األخري‪ ،‬شهد عصر جتبُّر اللوطية‪ :‬ففي عام ‪ 2013‬أعلنت مؤسسة (اخلروج‬
‫العاملية) إنهاء عملها‪ ،‬باعتذار للوطيني يف أحناء العامل عن (اجلرمية) اليت ارتكبتها‬
‫زمنا يف حق جمتمع اللوطيني‪ ،‬بتقديم العالج هلم)‪! (179‬‬
‫ويف عام ‪ 2014‬خرجت دعاوى توحيد القوى من أجل جتريم العالج التحويلي بصورة‬
‫قانونية يف كافة أرجاء الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬كان منها محلة (ولدنا‬
‫‪28‬‬
‫في أكثر األدبيات النفسية العالجية تجد الحديث عن استم ارر العالج من عام واحد إلى ستة‪.‬‬
‫‪265‬‬
‫كاملني‪ :‬احلملة من أجل إنهاء العالج التحويلي ‪ ! (180))Born Perfect‬ثم يف‬
‫العام التالي دعا الرئيس األمريكي أوباما يف بيان رمسي إىل منع العالج التحويلي‬
‫بصورة نهائية‪ ،‬وإيقافه متاما‪ ،‬فال هو علمي‪ ،‬وال هو أخالقي‪ ،‬بعدما انتحر أحد‬
‫اخلِناث‪ ،‬قائال يف رسالة تركها قبل موته أن املتدينني حاولوا إرغامي على العودة إىل‬
‫حياتي كصيب)‪. (181‬‬
‫ويف عامنا احلالي مُنعت كتب نيكولوسي من التداول على موقع أمازون لشراء الكتب‬
‫وحُذِفت‪ ،‬بعدما جنحت هجمات اجلمعيات احلقوقية اللوطية يف إزالتها باعتباره‬
‫معا ٍد للوطيني)‪. (182‬‬
‫وبهذه األحداث‪ ،‬ووفاة نيكولوسي مع ضعف خلفائه‪ ،‬تشجعت احلركات اللوطية يف‬
‫املسري حنو املزيد من تضييق اخلناق على املعاجلني النفسيني التحويليني‪ ،‬باستصدار‬
‫تشريعات قانونية (تُجرِّم) رمسيا هذا النوع من العالج يف الواليات املتحدة كافةً‪،‬‬
‫وتُلزم اجلميع بعدم مساعدة أي لوطي يرغب يف معاجلة ذاته نفسيا إال بنوع واحد‬
‫فقط‪ ،‬وهو العالج التأكيدي‪ :‬أن يشجعوه على تقبل لوطيته والسعادة والفخر بها‪،‬‬
‫وقد حققت احلركات اللوطية جناحات ضخمة يف استصدار تلك التشريعات‪ ،‬بل‬
‫وصارت املساهمة يف إصدارها جزءًا أساسيا يف األجندة السياسية للمرشحني‬
‫للمناصب املتنوعة‪ ،‬كما فعلت إهلان عمر‪ ،‬قبحها اهلل وأخزاها‪ ،‬يف محلتها السياسية‬
‫قبل وبعد جناحها يف الكوجنرس)‪. (183‬‬
‫‪266‬‬
‫متثل تلك األحداث‪ ،‬والتدهور السريع‪ ،‬األفول الرمسي للمقاومة السيكولوجية‬
‫العلمية‪ ،‬واالنتصار اخلتامي لفرانك كاميين يف أروقة األكادمييا الغربية؛ لذا مل‬
‫يكن من الغريب أن تنتقل املقاومة إىل الشوارع‪ ،‬إىل احلركات الشعبوية اليمينية‪،‬‬
‫فبدايةً من عام ‪ 2012‬أعلنت العديد من التنظيمات واحلركات األوروبية أنها‬
‫ستقاوم أيدولوجيا اجلندر ‪ Gender Ideology‬أو اجلندرية ‪ Genderism‬أو‬
‫النظرية اجلندرية ‪ Gender theory‬يف إطار حرب منظمة ضد اللوطية‬
‫وحركات املساواة احلقوقية معهم)‪. (184‬‬
‫ويكاد ينحصر اجملهود البحثي السيكولوجي حاليا يف دراسات من نوعية أثر اختيار‬
‫اخلنِث أو املرتجلة لالسم اجلديد على راحتهم النفسية وتقليل ميوهلم االنتحارية‬
‫)‪ (185‬وما إىل ذلك من خطل!‬
‫‪ )9‬استخدام نموذج موبرلي – نيكولوسي في مصر والعالم العربي‪.‬‬
‫لنظرية موبرلي نيكولوسي أهمية كبرية يف مصر‪ ،‬فأشهر املعاجلني املصريني‬
‫للوطية‪ ،‬الدكتور أوسم وصفي‪ ،‬يستخدم أسلوبه العالجي النظري والعملي‪ ،‬مع‬
‫بعض اإلضافات اخلارجية‪ ،‬املتعلقة باملعتقدات الدينية املسيحية‪ ،‬واليت هي تطوير‬
‫للخطوات اليت استخدمها بيل ويلسون يف معاجلة مدمين اخلمر‪ ،‬مثل الصالة‬
‫للمسيح‪ ،‬والدعاء‪ ،‬واإلميان بأن الرب حيب الشخص رغم لوطيته اليت ال ذنب له فيها‬
‫= فالروحانية (هلا فائدة خاصة يف التعايف من املثلية‪ ،‬فمن خالل العالقة باهلل (كإله‬
‫‪267‬‬
‫حمب) كما تقول التقاليد االثنا عشر‪ ،‬ميكن أن يستمد املثلي اإلحساس بالقبول من‬
‫اهلل مما ميده باألمل يف التغيري) (‪.)186‬‬
‫فاإلله حمب مساند‪ ،‬واملثليون (مغفور هلم أحرار من الدينونة) (‪ ،)186‬وعليهم فقط‬
‫االستمرار مع العالج وستظهر اهلوية الصحيحة يف الوقت املناسب‪.‬‬
‫وما وصلين من املتعاجلني عند النفسيني املسلمني حاليا‪ ،‬يبني أنهم ينقسمون إىل‬
‫أنواع ثالثة‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬يُعاجل بناءً على نظرية موبرلي نيكولوسي‪ ،‬مع إخالص عجيب هلا‬
‫وملبادئها‪ ،‬رمبا يفوق إميان وإخالص موبرلي نفسها بها! وبعض هؤالء ممن تدربوا‬
‫على أيدي أوسم أو استعانوا بكتاباته‪.‬‬
‫ويُالحظ يف ذلك النوع ضيقهم من مصطلحات مثل اللوطية والشذوذ‪ ،‬وشدتهم يف‬
‫مقاومة اخلطاب العدواني ضد اللوطيني!‬
‫وإذا كنت قد استوعبت منوذج موبرلي نيكولوسي‪ ،‬فالبد أن قد فهمت اآلن سبب‬
‫انغماسهم يف ذلك؛ إذ أن املعاجل البد أن يُظهِر نفسه يف صورة األب احلنون املتفهم‬
‫احملب واملدافع األول عن ابنه ضد كل ما يؤذيه ولو لفظيا!‬
‫وإن كان هذا ممكنا يف اجللسات العالجية اخلاصة؛ ففي زمن مواقع التواصل = لن‬
‫يعين هذا سوى وجوب استخدام املعاجل خطابا علنيا يُعلِن احلماية العامة لكافة‬
‫اللوطيني‪ ،‬وبالتالي اهلجوم على خصومهم أو احملقرين منهم؛ ما سيودي باملُعالِج إىل‬
‫صناعة أجواء تطبيع للوطيني بني املسلمني‪ ،‬حتى إن مل يكن راغبا يف تلك النتيجة‬
‫النهائية! الحظ أن ذاك النوع من املُعاجلني يُطبِّع تواجد (اللوطيني) ال اللوطية ذاتها؛‬
‫فهو يلزم حتريم الشرع إياها‪ ،‬لكنه يفرق بني السلوك وامليول‪ ،‬فيدفعك لتقبل‬
‫‪268‬‬
‫معارفك ذوي امليول اللوطية ‪ -‬والذين لن تعرف بالطبع مدى انغماسهم فيها ‪-‬‬
‫ودعمهم نفسيا‪.‬‬
‫تذكر منوذج موبرلي‪ -‬نيكولوسي؟ إن املعاجل حياول تهيئة حميط ذي امليول‬
‫اللوطية وتشكيلهم يف صورة (جمموعة) عالج! يسعى يف حتويل اجملتمع اإلسالمي‬
‫إىل عيادة كبرية لعالج اللوطية‪ :‬هو املُعالِج فيها‪ ،‬الذي يقود أوركسرتا العالج‪،‬‬
‫بالتفسري والدعم النفسي واملعنوي‪ ،‬وباقي املسلمني جمموعة تُحيط بذي امليول‬
‫اللوطية وتتقبله وتتجنب كل حرف يؤذيه!‬
‫يُالحظ كذلك يف بعض أولئك تأثرهم مبفردات ليربالية حمضة‪ ،‬فترتدد على‬
‫ألسنتهم عبارات مثل‪( :‬ال حتكموا على الناس)‪ ،‬أو يروجون للتقسيم اجلندري (النوع‬
‫واملختلف عن اجلنس)!‬
‫ولعل أخطر ما يف معاجلة أولئك للقضية‪ ،‬هو تقديم كالمهم باعتباره (علميا)‬
‫جيب أن حيرتمه اجلميع‪ ،‬وال جيادله غري متخصص‪ ،‬يف حماولة الحتكار األعلمية‬
‫واملرجعية العليا بني املسلمني!‬
‫وتلك وأيم اهلل نكتة العصر! فها قد مررت بالقضية من كافة جوانبها‪ ،‬خاصة‬
‫السيكولوجي = فأي علم يف ذلك؟! أي دقة أو حياد أو موضوعية يف النظرية‬
‫اجلندرية؟‬
‫واملدهش أن السيادة يف اجملتمع العلمي النفسي عامليا واضحة منذ عقود‪ :‬اللوطية‬
‫ليست مرضا‪ ،‬والعالج التحويلي واإلصالحي هو علم زائف ‪!Pseudoscience‬‬
‫)‪(187‬وأكرب املؤسسات النفسية يف العامل تعترب هذه العالجات غري علمية وال‬
‫أخالقية! وهذا يثري املزيد من األسئلة حول مدى أخالقية مزاعم علمية الطرح‬
‫املوبرلي ‪ -‬النيكولوسي!‬
‫‪269‬‬
‫أحنن جمربون يف كل مرة على اإلنصات الدعاء العلموية واألعلمية‪ ،‬ودعوى‬
‫التحاكم إىل املؤسسات واإلمجاعات واألدبيات العلمية الغربية‪ ،‬يف الرتويج لشيء‬
‫يكون‪ ،‬مبعايري املُحتكِم نفسه‪ ،‬اليت يتطاول بها على املعارضني = علما زائفا وخداعا‬
‫غري أخالقي!‬
‫أتذكرون حديثنا عن الدكتور عمرو شريف يف كتابي الداروينية املتأسلمة‪ ،‬ذاك‬
‫الطبيب الذي يفين عمره يف الرتويج لدجل التطور املوجه‪ ،‬ثم حني أنكرنا قوله أنف‬
‫وتكرب وهاج وماج وقال أنا علمي أحتدث بالعلوم وأحتاكم إلمجاعات العلماء‪ ،‬وهم‬
‫يقولون التطور حقيقة أيها املتطرفون اجلهَّال! هذا والرجل يعلم يقينًا أنه مدلِّس‬
‫غري صادق‪ ،‬يقول نصف احلقيقة وخيفي نصفها عمدا؛ فأولئك الذين يقولون إن‬
‫التطور حقيقة‪ ،‬هم ذاتهم من يصمون أمثاله من أنصار التطور اإلهلي املوجه‪،‬‬
‫باخللقويني اخلرافيني األدعياء وأنصار العلم الزائف! وأمثال عمرو شريف يُقبَّحون‬
‫يف األكادمييا الغربية‪ ،‬وال يُنظر إليهم باحرتام!‬
‫وهذا من ذاك!‬
‫هذا كله إضافةً ملا علمته من بعض اإلخوة الذين ذهبوا لبعض أولئك املعاجلني‬
‫الضطراب نفسهم؛ إذ أن منهم من عُرض عليه أن (يتقبل مثليته) كحل نهائي ألنه‬
‫لن يستطيع أن يتغري! ومنهم من أخذه الفضول فقرأ وطالع املعاجلة املصرية‬
‫لنموذج موبرلي نيكولوسي؛ فساءت عالقته بأهله وأبيه وأخوته ألنه شعر أنهم السبب‬
‫فيما ابتُلي به! وغري هذا من تداعيات غري بسيطة‪ .‬فليت ذاك الصنف من املعاجلني‬
‫يراجع رؤيته تلك‪.‬‬
‫النوع الثاني من املعاجلني‪ :‬حياول تكوين رؤية إسالمية شرعية عن املوضوع‪ ،‬مقدما‬
‫بعض النصائح للمريض‪ ،‬كالتوقف عن االندماج يف الشهوات واالبتعاد عن اإلباحية‪.‬‬
‫وطريقتهم غري فعالة كثريا؛ ألن اآلتي إليهم يتوقع أنه سيسمع (علمًا) فإذ به يسمع‬
‫وعظا ال يُريح سؤاله الداخلي‪ :‬ملاذا أميل للرجال؟‬
‫‪270‬‬
‫وهؤالء املعاجلون معذورون‪ ،‬إذ توقفت األدبيات اخلاصة مبجاله منذ زمن عن شرح‬
‫اللوطية والبحث يف مسبباتها‪ ،‬فهو ال جيد يف مراجعه العلمية الكثري من اإلفادة‪،‬‬
‫اللهم بعض ما ال يقبله شريعةً كعالج تأكيد اللوطية وتقبل اللوطي لنفسه‬
‫والفخر بهويته وميوله؛ فيضطر إىل خطاب شرعي وعظي فيه بعض االضطراب ما‬
‫مل يكن متمرسًا خبريا باملسألة‪ ،‬وهذا أندر من العنقاء حاليا‪ ،‬وأحسب هذا الكتاب بإذن‬
‫اهلل مع ازدياد الوعي املعاصر عامةً بتلك القضية سيطوِّر هذا النموذج من املعاجلني!‬
‫النوع الثالث‪ :‬وهو األوسع انتشارًا‪ ،‬وهو املعاجل األجهل من الدواب يف تلك القضية‬
‫وأبعادها وأغوارها؛ وإن قرأ مئات الصفحات احلديثة عنها؛ فال يردد إال ما مسعه‬
‫وحفظه وتعلمه يف اجلامعة واملراجع اجلديدة عن اللوطية‪ ،‬ومنهم من يؤكِّد‬
‫للمريض أنه ولد هكذا‪ ،‬بل يقدم له بعضهم العالج اللوطي التأكيدي ‪ !GAT‬وعيب‬
‫هذا النوع أنه أشرس يف دفاعه عن الدين العلموي الذي يؤمن به‪ ،‬فهذا هو ما وجد‬
‫عليه آباءه يف الكلية‪ :‬أن اللوطية ليست مرضًا نفسيا‪ ،‬اللوطية ليست شذوذا أو‬
‫احنرافا ‪ !Paraphilia‬واللوطي شخص طبيعي ولد بتلك الصورة وليس عليك‬
‫كمعاجل إيذاءه بتدخلك من أجل فرض معتقداتك ورؤاك الشخصية عن كونها‬
‫حمرمةً وفاحشة سيئة خبيثة! هذا هو (العلم) الذي ال يعرف سواه‪ ،‬وال يقبل أولئك‬
‫مناقشة طبيعة ادعاء (العلموية) والوضعية يف السيكولوجي‪ ،‬وحجم خرافة تلك‬
‫الدعوى‪ ،‬وكيف أنه من أكثر العلوم تأثرًا باأليدولوجيا الغربية العلمانية‬
‫الليربالية!‬
‫فماذا لو علم هؤالء أن أكثر نظرياته أتت من علماء حيوان أو حتى حقوقيني‬
‫والهوتيني كما رأينا؟!‬
‫واملبتلى بامليول اللوطية يضطرب ال ريب يف الواقع املصري‪ ،‬فال توجد طريقة‬
‫مؤكدة لعالجه يف مكاتب املعاجلني النفسيني‪ ،‬وقد يتسبب اجلهل بطبيعة العالج‬
‫‪271‬‬
‫السيكولوجي‪ ،‬واجلدل حول فعاليته من األساس ‪ -‬وهو جدل قائم بني كبار‬
‫السيكولوجيني أنفسهم )‪ -(49‬يف املزيد من تعقد املسألة‪ ،‬خاصةً إذا عرف حجم‬
‫تضارب وصراع املعاجلني النفسيني حول تفسري وعالج حالته! فأي إحباط وخوف‬
‫وذعر سينتاب ذلك املسكني! العلماء أنفسهم ال يعرفون ماذا يفعلون بي! ال يعرفون‬
‫ما عندي وال من أنا!‬
‫تلك كانت أبرز مراحل تطور النظريات والرؤى السيكولوجية‪ ،‬مع وجود العشرات‬
‫من الرؤى األخرى‪ ،‬واألفكار والنظريات‪ ،‬واملعتقدات واملمارسات‪ ،‬لكنين انتخبت‬
‫وانتخلت ما يصلح حلجم هذا املبحث‪ ،‬وإلجيازه‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬مناقشة خاصة بالعالج النفسي للوطية‪.‬‬
‫بعدما استعرضنا تطورات النظر للوطية يف تاريخ علم النفس‪ ،‬تبقى اآلن أن نسأل‬
‫القارئ‪ :‬أعرفت اآلن مل بدأت بنقاش قصري ألزمة طبيعة علم النفس‪ ،‬وكارثية تلك‬
‫األزمة؟‬
‫هل اللوطية مرض عقلي؟ ذاك سؤال حموري‪ ،‬دار عليه الصراع يف أروقة هذا العلم‬
‫طوال القرن املاضي كما رأيت‪ ،‬وألن طبيعة علم النفس ال تعرتف بالغيبيات‪ ،‬وتتجه‬
‫باستمرار لصناعة منظومة قيمية ليربالية علمانية نسبوية‪ ،‬كما ذكرنا يف الفصل‬
‫األول = تزحزحت اللوطية باستمرار من نطاق احملرمات الدينية‪ ،‬إىل احملظورات‬
‫االجتماعية‪ ،‬ثم إىل املباحات‪ ،‬وأخريا‪ :‬املندوبات!‬
‫واحلق الذي يؤمن به املسلمون‪ ،‬أن اللوطية ليست مرضا عقليا‪ ،‬وبالتالي فعالجها‬
‫بأدوات علم النفس املادية البحتة = حمدود اإلمكانات‪ ،‬إن مل يكن حماال؛ لذا‪ ،‬كما‬
‫رأينا‪ ،‬كان رواد املعاجلة بها ميزجون علم النفس باجلانب الديين والروحاني‪ ،‬فقد‬
‫‪272‬‬
‫انتبهوا لصعوبة استعمال األدوات التحليلية البحتة وحدها‪ ،‬وعزو كافة اإلشكاالت‬
‫لظروف عائلية‪.‬‬
‫أيصلح اخلطاب الشرعي ملعاجلتها؟ بعد تفهم لطبيعة املشكلة‪ ،‬وخربة كافية‪ ،‬ال‬
‫يوجد أفضل من اخلطاب الشرعي اإلسالمي ملعاجلة األمر‪.‬‬
‫وأقول اإلسالمي حتديدا‪ ،‬ألن اخلطاب الديين املسيحي الوعظي تبشريي الطابع‪،‬‬
‫يُحدِّث اللوطي عن (حب اهلل الكبري له) وما إىل ذلك‪ ،‬ويغيب عنه الوجه الثاني الالزم‬
‫للخطاب الشرعي اإلهلي‪ :‬اجلانب التهديدي بالعذاب األليم يف اآلخرة‪ ،‬والضنك‬
‫النفسي يف الدنيا‪.‬‬
‫أيصح استخدام اخلطاب التهديدي والوعيد؟‬
‫يف دراسة نشرت عام ‪ ،2009‬مجع ماريسون أسينسيو وزمالؤه آراء ‪ 36‬لوطيا عن‬
‫سرطان الربوستاتا‪ ،‬وعالجاته‪ ،‬وإخبارهم سواء مبخاطره‪ ،‬أو مبخاطر عالجه )‪.(188‬‬
‫للربوستاتا حتديدا أهمية خاصة يف الثقافة اللوطية‪ ،‬فهم يعتربونها املصدر الرئيس‬
‫لنشوة اللوطي (املفعول به)‪ ،‬حتى أن جزءًا منهم اعترب لوطيته جيدة لعالج‬
‫الربوستاتا‪ ،‬فتدليكها داخليا بقضيب الفاعل شيء جيد)‪! (188‬‬
‫لكن ماذا عندما علموا أن عالج سرطان الربوستاتا سيدمرها باإلشعاع‪ ،‬وسيقضي‬
‫بصورة شبه كاملة على ممارساتهم اجلنسية اللوطية؟ نصف املشاركني قالوا‪:‬‬
‫فلتذهب اللوطية إىل اجلحيم حينئذ! النجاء النجاء! حياتي! أحدهم قال‪ :‬اجلنس‬
‫شيء زائد ‪ ،Extra‬وليس هو ما سيُبقيين حيًّا!)‪(188‬‬
‫‪273‬‬
‫كبار السن حتديدا اختار أغلبهم العالج مهما كان الثمن‪ ،‬ال يُهم استمرار اللواط‪،‬‬
‫وقال بعضهم أنهم صاروا مع تقدم العمر يُقدِّرون احلياة بصورة أكرب‪ ،‬ويستكشفون‬
‫اجلانب الروحاني منها كلما زادت أعمارهم)‪. (188‬‬
‫لقد استحضرت هذه الدراسة للتأكيد على أهمية الرابط اإلسالمي باجلانب‬
‫الروحاني للقضية‪ ،‬وأهمية مفهوم (النجاة يف اآلخرة) ووجوب رسوخه يف نفس كل‬
‫ى حبب شهوة حمرمة كاللوطية‪.‬‬
‫مسلم عامةً‪ ،‬ويف جانب كل مبتل ً‬
‫انظر إىل الدراسة‪ :‬النصف اختاروا النجاة مبدأيا ولو احرتقت مؤخراتهم وانتهى أمل‬
‫اللواط بهم‪ ،‬هذا والكالم نظري؛ فماذا لو أن النصف اآلخر املعاند الذي قال لن أتعاجل‬
‫وسأحفظ لوطييت وُضِع يف موقف يقني بأنه سيُصاب بسرطان الربوستاتا؟ ال ريب‬
‫أنهم سيفرون خوفًا وهلعًا من املوت!‬
‫إذن ماذا لو آمنوا أنهم مالقون ربهم‪ ،‬وأن عذاب احلريق يف انتظارهم؟ الحظ أن حب‬
‫النجاة‪ ،‬واالستعداد لالستغناء عن اللواط = آتٍ ممن زاد لديهم اجلانب الروحاني ‪/‬‬
‫اإلمياني‪ ،‬وزادت لديهم اخلشية من املوت القريب‪.‬‬
‫مل تكن تلك الدراسة موجهة خلدمة قضية دينية‪ ،‬وهذا ما زاد من نفاستها عندي‪:‬‬
‫فقد أكدت أن احلل اإلسالمي‪ ،‬املازج بني خطاب الرمحة واملغفرة‪ ،‬وخطاب التهديد‬
‫والوعيد‪ ،‬هو األمثل يف معاجلة املسألة‪.‬‬
‫لكن أي معاجلة؟‬
‫إن النظرة اإلسالمية تتحدث عن أن للمرض القليب بسبب الشهوات مصدرين‬
‫رئيسيني‪ ،‬الشيطان والنفس األمارة بالسوء‪ ،‬فهو يُحيل للغيب وللذات أوال‪ ،‬ال‬
‫للظروف االجتماعية واألسرية وحدها كما يقرتح منوذج موبرلي‪-‬نيكولوسي مثال‪،‬‬
‫ويؤكد أن ال أحد حمصن من الشهوات؛ فقد ينشأ اإلنسان يف بيت نيب ويفسد ويكون‬
‫جمرما غويا‪ ،‬وقد ينشأ يف بيت بغي ويُحسن السرية‪.‬‬
‫‪274‬‬
‫واإلنسان مأمور مبكافحة شهواته‪ ،‬شهوة الكرب وشهوة الزنا‪ ،‬ومنها شهوة اللواط‪.‬‬
‫فمصدر اللوطية ‪ Etiology‬حمسوم يف اإلسالم‪ ،‬لكنه مل يُحسم أبدًا يف الغرب‬
‫لبحثهم يف مصدر من هذا العامل‪ ،‬لطبيعة علم النفس اليت حتدثنا عنها ابتداءً‪.‬‬
‫وعالج اإلسالم له شقني‪ :‬عالج للشهوانية الداخلية‪ ،‬غري الظاهرة يف السلوك‪ ،‬وذاك‬
‫يكون باخلطاب الوعظي اإلمياني‪ ،‬وبتزكية النفوس وتطهريها واللجوء إىل اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬الرحيم بعباده‪ ،‬والذي يعلم ابتالءاتهم‪.‬‬
‫وعالج الشهوانية الداخلية قد ينجح فيه اإلنسان‪ ،‬وقد ال ينجح‪ ،‬واهلل عامل بالسرائر‪:‬‬
‫فإن فشل اإلنسان كرر التوبة وحماولة اإلصالح إىل املوت‪ ،‬وال يُكلِّف اهلل نفسها إال‬
‫وسعها‪ ،‬فقد تتمكن الشهوة من النفس وتغلب عليها‪ ،‬وال يكون مبقدور اإلنسان‬
‫حموها‪ ،‬لكن املُطالب به هو زجرها‪ ،‬واإلميان بإمثها‪ ،‬وااللتجاء إىل اهلل دوما للتغلب‬
‫عليها‪ ،‬ولعل الزواج يساعده يف ذلك‪ ،‬وإن كان ال يضمن أبدًا اختفاء تلك الشهوات‪،‬‬
‫واإلسالم ال يتحدث عن وجوب حموها وإال العذاب‪ ،‬بل يتحدث عن وجوب دفعها‬
‫وزجرها‪ .‬وذاك ضروري ألن البعض يعتقد أن اإلسالم توعده إن مل يقدر على احملو‬
‫الكامل أن يُعذَّب‪ ،‬وهذا خطل! من منا خيلو من شهوات مُبتلىً حببها‪ ،‬يقاومها ويدفعها‬
‫إىل حني ميوت؟‬
‫أما إن رضي بها وسعد‪ ،‬واستسلم هلا؛ فاهلل العامل بالسرائر مُحاسِب إياه ال على‬
‫االبتالء؛ بل على االستسالم واإلياس وعدم التوبة والفرح بالشهوات املُحرَّمة‬
‫الشيطانية‪.‬‬
‫والشق الثاني هو عالج الظواهر‪ ،‬عالج السلوك وذاك ال هوادة فيه وال مياسرة‪ ،‬إذ‬
‫حيرص اإلسالم على سد كل ذريعة تُشجِّع ذاك املسلك‪ ،‬فاملتخنث يُنفى ويُهان‬
‫ويُضرب حتى ينضبط ويعود إىل أفعال الرجال‪ ،‬واملرتجلة كذا‪ ،‬أما الوقوع يف‬
‫اللوطية فاملوت املوت! فضح وعار ثم قتل!‬
‫‪275‬‬
‫فمصدر االبتالء يكون إما نفسيا داخليا‪ ،‬وإما خارجيا من الشيطان‪ ،‬والسبب قد يكون‬
‫تربية معوجة‪ ،‬تفسد السلوك‪ ،‬كتسلط األم على املنزل‪ ،‬لكن ال حتم يف هذا األخري‪،‬‬
‫والبحث عنه قد يُفيد‪ ،‬وقد ال يصل لشيء‪.‬‬
‫فبهذين الشقني‪ ،‬عالج الباطن الفردي‪ ،‬وعالج الظاهر الفردي واجلماعي‪ ،‬ينضبط‬
‫حال اجملتمع ويصلُح‪ ،‬وتضمحل اللوطية وختبو‪ ،‬وبدون أحدهما تنتعش وتزيد إما‬
‫يف الباطن‪ ،‬وإما يف الظاهر!‬
‫ومن باب سد الذرائع‪ :‬الرتبية القومية للجنسني‪ ،‬على صفات وأخالق الئقة بكل‬
‫طرف‪ ،‬وعدم املزج بينهما فيها‪ ،‬وكذلك استحسان تربية الذكر على العزة واألنفة‬
‫واخلشونة اجلسدية والنفسية‪ ،‬وباقي األخالق احلميدة؛ فقد كشفت الدراسات عن‬
‫خللُقيَّة على كون اللوطي الذكر فاعال أو مفعوال به‪،‬‬
‫تأثري الصفات اجلسدية وا ُ‬
‫فالفاعل اللوطي يشعر دائما بالقوة والسيطرة‪ ،‬واملفعول به يشعر بالضعف والوقوع‬
‫يف براثن املُهيمن عليه‪ ،‬وحيب ذلك! كما أن القوة اجلسدية‪ ،‬والصفات الذكورية‬
‫احملضة مثل الغلظة‪ ،‬تُرجِّح دوما أن يكون صاحبها فاعال ال مفعوال به‪ ،‬أما الصفات‬
‫األنثوية مثل الرقة والضعف البنيوي جلسم للوطي‪ ،‬تُرجِّح دوما أن يكون صاحبها‬
‫مفعوال به )‪.(189‬‬
‫ورمبا تكون علة القتل للفاعلني أن الطرفني يرتبطان بأكثر املواقف احلميمية يف‬
‫سلوكيات البشر‪ ،‬فال الفاعل يعود كما كان إال مبجاهدة نفس شاقة‪ ،‬إذ أنه يتغري‬
‫بعدما يفعل يف الذكر ويعتاد رؤية رجل يف هذا الوضع الشاذ‪ ،‬وال املفعول به السالب‬
‫يف تلك العالقة يعود كما كان إال مبجاهدة نفس أشق‪ ،‬إذ جتعله تلك املمارسة‬
‫أكثر قربا حملاكاة األنثى‪ ،‬يف حب ذكورة الفاعل وقوته والشعور باألمان معه‪ ،‬وهو‬
‫ما يعين تغيُّر السمات الكربى للهوية الذاتية الذكورية‪ ،‬وصعوبة اسرتجاعها‪،‬‬
‫‪276‬‬
‫مبجرد تكرار تلك املمارسة‪ ،‬ورمبا من مرة واحدة فقط‪ ،‬يشعر فيها املفعول به بتلك‬
‫املشاعر؛ فتسبب له اضطرابا كبريا!‬
‫أما النساء فمن املتفق عليه بني الدراسات أنهن أكثر سيولة يف امليول اجلنسية‪ ،‬وقد‬
‫أظهرت دراسات أجريت على الطبيعيات منهن تهيجهن على اإلباحية الطبيعية‬
‫واللوطية النسوية معا! فاجلنس عند النساء معقد الرتكيب بصورة واضحة‪ ،‬وال‬
‫يشابه الرتكيب اجلنسي للذكور‪ ،‬فاألخري أبسط‪ :‬تهيج دائم‪ ،‬ويف مسارات واضحة‪.‬‬
‫يف النساء هناك اختالف كبري‪ ،‬قد حيدث التهيج والنشاط اجلنسي وقد يتحولن إىل‬
‫خامالت متاما! قد يتهيجن على النساء لكن هذا لن يعين عدم تهيجهن على الرجال‪،‬‬
‫والعكس! ُوصِفت تلك الظاهرة لدى النساء بالبالستيكية اإلباحية ‪Erotic‬‬
‫)‪!Plasticity (49‬‬
‫كما أن هناك فارقا يف نظم العالقة اللوطية‪ ،‬فالذكور أقل اهتماما بالعاطفة‪،‬‬
‫ونادرا ما يرتبط ذكران يف عالقة لوطية ممتدة‪ ،‬بينما النساء تغلب على عالقاتهن‬
‫العاطفة كما ذكرنا قبال؛ لذا ترتبط اإلناث اللوطيات ببعضهن بصورة أكرب‪ ،‬كما‬
‫وجدت اإلحصاءات أن ثلثي الزجيات اللوطية يف والية ماساشوسيتس األمريكية‬
‫كانت لنساء‪ ،‬وهي نتائج شبه متكررة )‪(178‬؛ فاللوطية النسوية هي بصورة ما نوع‬
‫من الشذوذ يف الصداقة املتينة‪.‬‬
‫نعود إىل موضوعنا‪ :‬أيعين هذا النقد لعلم النفس التخلي عن كافة ما يقول؟‬
‫أبدًا! علم النفس حبر واسع‪ ،‬فيه خري كثري‪ ،‬أال ترى كم االعتماد على نتائج حبوثه‬
‫يف هذا الفصل وغريه؟ لكن فيه شر كثري أيضا‪ ،‬ومن مجلة شروره هذه القضية‬
‫حتديدا؛ فأكثر ما يتعلق بها شر حمض!‬
‫‪277‬‬
‫املطلوب فقط من املعاجلني أن يفقهوا ذلك الشر‪ ،‬وأن يعلموا مصدره وأسبابه‪.‬‬
‫أن يُدركوا سيولة الطب النفسي‪ ،‬ووقوعه يف أيدي زمرة من الشياطني حيكمون‬
‫عاملنا‪ ،‬وتغيُّر قوانينه على الدوام ملالءمة األجندة احلقوقية العلمانية‪.‬‬
‫وسأضرب مثال بقضية متصلة باللوطية‪ ،‬إلثبات مقصودي‪ ،‬وهي قضية اخلِناثة‬
‫والرتجُّل‪.‬‬
‫فإن قارنت بني النسخة الثالثة من الدليل التشخيصي واإلحصائي ‪DSM3‬‬
‫والنسخة اخلامسة احلالية ‪ DSM5‬ستجد عجبا!‬
‫يف النسخة الثالثة‪ ،‬تلك اليت برروا إزالة اللوطية منها بسبب تقدم العلوم‪ ،‬وإثبات‬
‫العلم أنها ليست مرضا‪ ،‬وضعوا هم أنفسهم اخلِناثة والرتجُّل حتت قائمة األمراض‬
‫العقلية والنفسية‪.‬‬
‫فاالضطرابات العقلية اجلنسية ‪ Psychosexual Disorders‬كانت تنقسم‬
‫إىل أربع جمموعات‪ :‬اضطراب اهلوية النوعية ‪Gender Identity Disorder‬‬
‫والبارافيليا ‪( Paraphilia‬امليول املنحرفة والشاذة‪ ،‬كتشهي األطفال واملازوخية‬
‫وغريها)‪ ،‬وجمموعتني أخريتني واحدة متعلقة باضطرابات العجز اجلنسي‬
‫النفسية‪ ،‬واألخرى جامعة ملا ال يصنف من شذوذ‪ ،‬واألخرية لعالج اضطراب اإلجيو‬
‫اللوطي‪ ،‬الذي حتدثنا عنه قبلًا )‪.(169‬‬
‫وكانت من عالمات هذا املرض العقلي التماهي مع اجلنس املخالف يف دوره‬
‫االجتماعي‪ ،‬وارتداء مالبسه‪ .‬كما نبهوا أن من السمات املتصلة‪ :‬أن شخصية هذا‬
‫‪278‬‬
‫اخلنِث أو املرتجلة مضطربة‪ ،‬عندها قلق مرضي واكتئاب ‪anxiety and‬‬
‫‪(169) .depression‬‬
‫وقد نبه الدليل أن عالجها على املدى الطويل غري معروف لألطباء النفسيني‪ ،‬كما‬
‫أنها حالة دائمة يف األغلب‪ ،‬وتبدأ من الرابعة يف العمر تقريبا (ثالثة أرباع احلاالت‬
‫كانت كذلك)‪ ،‬وهي يف الذكور أكثر منها يف اإلناث بصورة ملحوظة‪ ،‬وهلا اتصال‬
‫باللوطية حيث غالبا ما يكون اخلنِث لوطيا يف الكرب‪ ،‬واملرتجلة لوطية‪.‬‬
‫واإلناث يقدرن على املرور من هذا االضطراب بصورة أكرب لرضوخهن بصورة‬
‫أفضل للضغوط االجتماعية عليهن يف عملية الضبط والتنشئة النفسية واجلنسية‬
‫وتوقعات الدور االجتماعي‪.‬‬
‫كما سنرى كالما عن ندرة هذه احلاالت‪ ،‬واستخداما لنظرية احملاكاة الفرويدية‬
‫اليت مررنا بها‪.‬‬
‫فاإلطار العام لنقاش تلك القضية‪ ،‬يُنميها بوضوح لألمراض العقلية‪ ،‬اليت ال يعين‬
‫العجز عن إجياد عالج نفسي هلا‪ ،‬عدم إدخاهلا يف ذاك التصنيف‪.‬‬
‫إذن حنن اآلن أمام نسخة تدعي العلموية‪ ،‬وتدعي أنها حذفت اللوطية من قائمة‬
‫الشذوذ واالحنرافات‪ ،‬ألن (العلم) يقول ذلك‪ .‬وهي هي تُصنِّف اخلِناث واملرتجالت‬
‫كمرضى عقليني‪.‬‬
‫ح ِذف من‬
‫لكن يف النسخة األخرية من الدليل‪ ،‬جند أن هذا التصنيف الكلي قد ُ‬
‫أصوله‪ ،‬فلم تعُد اخلِناثة مصنفة يف باب األمراض اجلنسية العقلية‪ ،‬بل استقلت‬
‫بعنوان جديد مُنبئ بطبيعة التغيري‪ :‬االنزعاج من النوع ‪.Gender Dysphoria‬‬
‫‪279‬‬
‫ما هو االنزعاج؟ هو حالة يشعر فيها املرء بإكتئاب وحزن‪ ،‬ويف بعض احلاالت‪:‬‬
‫االختالف عن العامل احمليط)‪. (190‬‬
‫واالنزعاج من النوع هو الكرب املسبب من عدم التالزم بني نوع الشخص الذي اختاره‪،‬‬
‫ونوعه الذي التصق به وهو طفل)‪. (190‬‬
‫انتبه‪ :‬إننا هنا مل نعد نتحدث عن اضطراب جنسي عقلي‪ ،‬بل نتحدث عن اكتئاب‬
‫يصيب املرء بسبب (حالة طبيعية لكن نادرة) حدثت له‪ ،‬وبسبب الضغوط اجملتمعية‬
‫احمليطة بها‪ .‬إن املعاجل النفسي مل يعُد مطالبا بالتعامل مع (هذا املريض)‪ ،‬بل بطمأنة‬
‫(هذا املسكني) أنه طبيعي ال بأس به كيال يفرتسه اإلحباط!‬
‫فصل االنزعاج من النوع كله يُشبه نشرة تبشريية من مجعية لوطية! الكثري جدا‬
‫من النقاش الفلسفي والقليل جدا من الطب والعالج!‬
‫انظر مثال كيف يبدأ الفصل بشرح أسباب التخلي عن مصطلح اجلنس ‪ ،Sex‬وتبين‬
‫مصطلح النوع االجتماعي ‪ ،Gender‬يقولون‪ :‬ألن مصطلح اجلنس يربط بني‬
‫اهلوية البيولوجية والتفضيالت اجلنسية)‪ ! (190‬أنت ذكر بيولوجيا؛ فالبد أن حتب‬
‫ذكورتك ومتيل جنسيا للنساء = وهذا مفهوم مهجور!‬
‫وبالتالي صار مصطلح اجلنس ‪ Sex‬قديم كما نعلم‪ ،‬ال يصلح لعامل التنوع الرائع‬
‫الذي نعيشة!‬
‫ثم انظر كيف يتحدثون عن خمالفتهم الصرحية بهذا املصطلح للبنائيني ‪ -‬تذكَّر‬
‫حديثنا عن البنائية االجتماعية يف القسم املاضي‪ -‬ولو مل يعرف القارئ أبعاد األمر‪،‬‬
‫‪280‬‬
‫فسيمر على كل ذلك دون فهم ما جيري! الفصل كله هو دعاية للنظرية‬
‫ملدعٍ!‬
‫اجلوهرية‪ ،‬وإن مل يستطع إثبات اجلبليَّة لضعف األدلة بصورة ال تقوم حتى ِّ‬
‫ما هو النوع؟ انظر لتعريفهم احلديث‪ :‬هو الدور احلياتي العام‪ ،‬واملعرتف به قانونا على‬
‫األغلب‪ ،‬كصيب أو بنت‪ ،‬رجل أو امرأة‪ ،‬وفيه تُرى العوامل البيولوجية كمساهم ال‬
‫أكثر جبوار عوامل اجتماعية ونفسية يف تطوير هذا النوع)‪. (190‬‬
‫إن هذا التعريف‪ ،‬يُملِّك اخلنِث أو املرتجلة زمام األمر‪ :‬النوع هو تعبريك أنت‪ ،‬الفريد‪،‬‬
‫عن الدور االجتماعي الذي تريد أن متثله يف ثقافتك)‪! (190‬‬
‫اهلوية النوعية إذن هي خيار الشخص نفسه‪ ،‬ليست مرضا أو اضطرابا عقليا‪،‬‬
‫والشخص يولد وقد حتدد نوعه أوليا ‪ Natal Gender Assignment‬فإن قرر‬
‫بعد التجربة النفسية واالجتماعية‪ ،‬أن يضبط دوره االجتماعي كي يكون الئقا‬
‫بنوعه املبدأي‪ ،‬فهذا هو النموذجي ‪ ،Typical‬وإن قرر عدم االستمرار فيه؛ فهذا هو‬
‫غري النموذجي ‪ .Atypical‬وغري النموذجي له احلرية كاملة‪ ،‬أخيضع لعملية‬
‫إعادة تعيني اجلندر‪ ،‬فيتحول من عابر النوع (ترانسجندر)‪ :‬وهو الذي يُعرِّف نفسه‬
‫داخل نوع خمالف لنوع والدته = إىل عابر اجلنس (ترانسيكشوال) وهو الذي يُغيِّر‬
‫نفسه رمسيا إىل اجلنس اآلخر‪ ،‬وخيضع أكثرهم لعالج هرموني أو عمليات إزالة‬
‫أو إضافة األعضاء اليت حتدثنا عنها قبال)‪. (190‬‬
‫ويستمر طابع النشرة التبشريية طوال الفصل‪ :‬فهم ذوو ميول انتحارية بسبب البيئة‬
‫املعادية اليت تعمل على تشويههم وممارسة العنصرية ضدهم‪ ،‬أما البيئة املرحبة‬
‫‪281‬‬
‫فتساعدهم على التحرر والتعايف من االكتئاب والقلق غالبا‪ .‬وهم منتشرون بني‬
‫احلضارات والدول)‪. (190‬‬
‫وأخطر ما يف هذا الفصل‪ ،‬احلديث الذي ال ينقطع عن ظهور عالمات هذا األمر عند‬
‫األطفال يف حدود الثالثة من أعمارهم! وهو مُستند الكثري من احلركات احلقوقية‬
‫والدعاية اإلعالمية اليت تُغذي األهالي أن طفلكم لو أظهر إصرارا على االنتساب‬
‫للنوع املخالف‪ ،‬فليس أمامكم سوى دعمه وإحاطته باحلب واحلنان وتشجيعه على‬
‫الدور املُختار! إن أي طفل يعبث اآلن‪ ،‬ميكن أن يكون ضحية باقي حياته لتلك‬
‫الدعاية واملفاهيم والقيم اجملتمعية! فسيُنشَّأ باعتباره منتميا للنوع اآلخر‪ ،‬وسيُغذى‬
‫احنرافه البسيط‪ ،‬بل سيُحقن وخيضع للجراحات من أجل سفاهات صنعها وهو دون‬
‫سن التمييز!‬
‫ذاك لألسف هو بعض ما يوجد يف مراجع وأدلة الطب النفسي يف تلك القضية؛‬
‫ولعلك بعد هذا االستعراض قد أدركت سبب اضطراب املعاجلني النفسيني حمليا‬
‫وعامليا يف ذلك األمر! إن علم النفس بطبيعته احلاضرة‪ ،‬الغربية‪ ،‬ابن األديان‬
‫العلمانية واأليدولوجيات‪ ،‬ابن الفصل األول كله‪ ،‬جزء من املعتقد الليربالي ودين‬
‫املؤتفكات!‬
‫‪282‬‬
‫التناقض احملتوم‪ :‬نقاش عام للفصل‬
‫اآلن وقد وصلنا للختام‪ ،‬تبقى أن نبني هشاشة ذاك احلجاج العلمي كله‪ ،‬بكافة‬
‫صوره‪ :‬البيولوجية والسوسيولوجية والسيكولوجية! وال أهون من ذلك على من‬
‫يُتابع ملتزمي لوازم كافة ما سبق من مُستحلي تشهي األطفال (البيدوفيليا)!‬
‫لنلعب معًا لعبة طريفة‪ :‬سنطبق كافة املعايري السابقة اليت وصل بها العلماء‬
‫لرفض تصنيف اللوطية كاحنراف وشذوذ (بارافيليا)‪ ،‬على قضية البيدوفيليا!‬
‫ولنر إىل أين يؤدي بنا هذا السبيل‪.‬‬
‫أوال‪ :‬النقاش البيولوجي عن تشهي األطفال‪.‬‬
‫منذ منتصف الثمانينيات‪ ،‬واحلديث عن كون تشهي األطفال جبليًّا متواجد‬
‫بالساحة العلمية‪ .‬فقد وُجِد يف إحدى الدراسات أن نسبة ظهور قريب جيين متشهٍ‬
‫لألطفال للمشتهي املدروس‪ ،‬يصل إىل ‪. (191)%10‬‬
‫ويف دراسة الحقة مبنتصف التسعينيات‪ ،‬استخدمت أسلوبا مشابها ألسلوب دراسة‬
‫دين هامر عن اللوطية‪ ،‬وجد الدارسون عالقة بني جينات ‪ Gts‬وبني املصابني بهوس‬
‫تشهي األطفال‪ ،‬وقد وصلت نسبة وجود أقارب مصابني بهذا اهلوس إىل ‪! (191)%18.5‬‬
‫وبني ‪ 2011‬و‪ ،2014‬ظهرت أربع دراسات من إيطاليا وفنلندا وكوريا وكندا ترجِّح‬
‫أن هوس التشهي‪ ،‬ذو أصل جيين‪ ،‬وقد أجريت الدراسة الفنلندية على عدد ضخم من‬
‫‪283‬‬
‫التوائم بنوعيهم (‪ 4000‬من التوائم واألشقاء الذكور)‪ ،‬وأظهرت نسبة ‪ %14.6‬من‬
‫التماثل يف هوس التشهي عند التوائم)‪! (191‬‬
‫فدراسات إجياد األصل اجلبلي هلوس تشهي األطفال ال تنفيه حتى اآلن‪ ،‬ونتائجها‬
‫مشابهة لنتائج األصل اللوطي اجلبلي = وعليه إن كانت أدلة اجلبلة اللوطية‬
‫كافية = فأدلة اجلبلة املشتهية لألطفال كافية!‬
‫ثانيا‪ :‬النقاش السوسيولوجي عن تشهي األطفال‪.‬‬
‫حبسب مدرسة اجلوهرية‪ ،‬الغالبة كما رأينا على منظور السوسيولوجيني‬
‫والسيكولوجيني‪ :‬فتشهي األطفال مثل اللوطية متاما يف مساته الرئيسية‪ ،‬بل هو‬
‫أكثر انتشارا يف احلضارات والثقافات منها‪ ،‬خاصةً أن التعريف املوسع للتشهي‬
‫يُدخل من يستثريه األقل يف السن من العاشرة يف إطار املهووسني بتشهي األطفال‪.‬‬
‫وهو ذو أدلة تُخمِّن اجلبليِّة‪ ،‬وتقوم على نفس نوعية الدراسات اليت مخنت جبلية‬
‫اللوطية‪.‬‬
‫أما حبسب املدرسة البنائية‪ ،‬فهو أظهر من اللوطية يف كونه مرتبطا ببناء اجتماعي‬
‫وثقايف معني‪ ،‬فالثقافات واحلضارات املختلفة مل تكن تعترب تشهي من هم دون‬
‫العاشرة جرمية ال تغتفر‪ ،‬أو شذوذا واحنرافا وبارافيليا جيب عالجها يف أروقة‬
‫مستشفيات األمراض العقلية! احلضارة الغربية احلديثة وحدها هي من تعاملت‬
‫بذلك التشدد يف توصيف ذلك باملرض! وعليه فتحرميها وجترميها مرتبط بالبناء‬
‫الثقايف الغربي‪ ،‬وال جيوز تعميمه بأي صورة!‬
‫‪284‬‬
‫وعليه‪ ،‬فبحسب املدرستني كلتيهما‪ ،‬إن ارتأينا وجوب تطبيع اللوطية لألدلة اليت‬
‫أوردوها؛ فهي ذاتها ظاهرة بصورة أقوى يف هوس تشهي األطفال = فهو طبيعي ال‬
‫إشكال فيه!‬
‫ثالثا‪ :‬النقاش السيكولوجي عن تشهي األطفال‪.‬‬
‫االسم األبرز يف هذا اجملال هو مايكل سيتو ‪ Michael Seto‬الكندي‪ ،‬واملتخصص‬
‫يف علم النفس الشرعي‪ ،‬وعلم اجلنس‪ .‬وهو صاحب عشرات املقاالت والدراسات يف‬
‫جمال االعتداء اجلنسي عامةً‪ ،‬وتشهي األطفال خاصةً‪.‬‬
‫لسيتو نظرية تتعلق بهذه القضية )‪ ،(192) (193‬وهي تعتمد على إعادة تعريف‬
‫امليول اجلنسية لإلنسان؛ فهو يرى أنها ال تدور حول النوع فقط‪ :‬ميول حنو اجلنس‬
‫املغاير‪ ،‬وميول لوطية‪ ،‬وميول مزدوجة = بل تدور حول السن كذلك‪ ،‬ويتبنى‬
‫مصطلح ‪ Chronophilia‬أي التفضيل اجلنسي العمري‪ :‬وفيه مييل اإلنسان‬
‫لالرتباط عاطفيا وجنسيا بشرحية عمرية معينة‪.‬‬
‫يرى سيتو أن هناك أدلة كثرية تدعم اعتبار تشهي األطفال ميوال جنسية مثلها‬
‫مثل غريها كامليول اللوطية‪ ،‬فالدراسات تؤكد أنها مزمنة‪ ،‬يصعب تغيريها‪ ،‬وهناك‬
‫عدد معترب من أصحاب تلك امليول أخرب بأنه بدأ مالحظتها قبل البلوغ‪ .‬وانتشارها يف‬
‫الدراسات يرجح أنها بني ‪ %5 - %1‬من السكان‪ .‬الحظ أن انتشار اللوطية يف الذكور‬
‫معدهلا ‪ ،% 4- 3‬ويف النساء معدهلا ‪.(49) %2‬‬
‫‪285‬‬
‫كما ينبه سيتو على أن مصطلح (تشهي األطفال) واسع الداللة يف الثقافة الغربية‪،‬‬
‫بينما الصحيح تقسيم املراحل العمرية للتشهي بالصورة اآلتية‪:‬‬
‫متشهي األطفال الرضع واألصغر من مخس سنوات‪ ،‬النبيوفيليا ‪Nepiophilia‬‬
‫وذاك نادر‪.‬‬
‫متشهي األطفال غري البالغني األصغر من عشر سنوات‪ ،‬البيدوفيليا ‪.Pedophilia‬‬
‫متشهي األطفال الذين يف أول البلوغ من سن أحد عشر عاما إىل سن أربعة عشر‪،‬‬
‫اهليبفيليا ‪ Hebephilia‬وذاك شائع‪ ،‬واحلضارة الغربية وحدها هي اليت تضم هذا‬
‫السن إىل البيدوفيليا‪.‬‬
‫متشهي األطفال الذين يف سن املراهقة بني اخلامسة عشر والسابعة عشر‪،‬‬
‫اإليفيبوفيليا ‪ Ephebophilia‬وهذا أيضا كسابقه‪.‬‬
‫متشهي األنثى الناضجة‪ ،‬وذاك النموذج الرئيسي لإلنسان العادي‪ ،‬التيليوفيليا‬
‫‪.Teleiophilia‬‬
‫متشهي أنثى منتصف العمر‪ ،‬امليزوفيليا ‪ Mesophilia‬وهو شائع يف الثقافة‬
‫اإلباحية على مواقع اإلنرتنت باسم امليلف ‪ MILF‬وهي األحرف األوىل اختصارا‬
‫لعبارة معناها‪ :‬أمهات أريد أن أجامعهن‪ .‬ويُبحث عن ذلك العنوان يف مواقع املقاطع‬
‫اإلباحية مبعدل ‪.%1.3‬‬
‫وأخريا متشهي األنثى العجوز‪ ،‬اجلريونتوفيليا ‪ Gerontophilia‬وذاك يشتهي من‬
‫أعمارهن فوق اخلمسني والستني‪ ،‬وعدد الباحثني عن ذلك الوصف يف املواقع‬
‫اإلباحية حوالي النصف باملئة‪.‬‬
‫ما الذي جيذب اإلنسان لشرحية عمرية معينة؟‬
‫‪286‬‬
‫جيادل سيتو أن اإلنسان ينجذب للسمات اجلسدية أوال‪ ،‬فكل شرحية هلا صفات‬
‫خمتلفة عن األخرى‪ ،‬وهذه أذواق خمتلفة املشارب‪ ،‬لكن هناك عوامل أخرى‪ :‬ففي‬
‫دراسات متعددة أجريت على متشهي األطفال‪ ،‬وجد العلماء أنهم ينجذبون عاطفيا‬
‫لألطفال‪ ،‬فال يثريهم جمرد االشتهاء اجلنسي وحده‪ .‬فالتشهي سيكولوجي‪ ،‬إذ أن‬
‫البعض حيب الروح املرحة الطفولية الربيئة لألطفال‪.‬‬
‫جيب االهتمام كذلك بالسياق احلضاري والثقايف املختلف‪ ،‬فالطفل املعاصر بسبب‬
‫التغذية اجليدة تظهر له مسات البلوغ اجلسدي قبل السن الذي كان يظهر فيه قبل‬
‫قرن مثال‪ .‬والتسامح مع البيدوفيليا خمتلف بني السياقات الغربية ذاتها‪ ،‬فقد كانت‬
‫هناك جمموعات أملانية وأوروبية تصرح بتشهي أفرادها األطفال‪ ،‬وكانت احلضارة‬
‫الغربية متساحمة معها يف السبعينيات والثمانينيات من القرن املاضي‪.‬‬
‫كما أن هناك فارقا واضحا يف انتشار التشهي بني النوعني‪ :‬فالذكور أصحاب‬
‫النصيب الوافر يف تشهي األطفال‪ ،‬لطبع عام فيهم وهو تشهي األصغر سنا‪ .‬بينما‬
‫النساء طبعهن العام امليل لالرتباط بشريك أكرب سنا‪ ،‬واللواتي لديهن ميول حنو‬
‫تشهي األطفال ندرة‪.‬‬
‫إن سيتو يتحدث عن تركيب سيكولوجي خمتلف ملتشهي األطفال؛ ويعتربها ميوال‬
‫جنسية يف إطار جديد مل يعتد العلماء النظر إليه‪ ،‬وهو اإلطار العمري ‪/‬الكرونوفيليا‪،‬‬
‫وعالجها أمر صعب جدا‪ .‬إذن ما الذي سيفيد إن اعرتفنا بتلك امليول؟ سيكون علينا‬
‫وقتها تقديم عالج نفسي خمتلف ملتشهي األطفال؛ فبدال من أن حناول تغيري ميوله‪،‬‬
‫وهذا يكاد يكون حماال؛ سنحاول تعليمه (مهارات التحكم) يف ميوله تلك‪.‬‬
‫ثم يناقش سيتو التبعات القانونية واحلقوقية الضخمة اليت ستلي ذلك‪ :‬فعلى الرغم‬
‫من رفض سيتو إلباحة تشهي األطفال‪ ،‬وتأكيده أن اجملتمع لن يطبعه يف الوقت‬
‫احلاضر‪ ،‬وأن القانون لن يقبله ألنه عالقة بني طرفني غري متكافئني يف اإلمكانات‬
‫العقلية واالستقاللية يف اختاذ القرارات = إال أن اعرتافنا بأن سيكولوجية أولئك‬
‫‪287‬‬
‫خمتلفة عنا فطريا‪ ،‬سينتج عنه احرتامهم ورفض تشويههم باخلطابات املعادية‬
‫جمتمعيا‪ .‬أولئك أناس هلم ميول ال ذنب هلم فيها‪ ،‬وعلينا احرتامهم واحرتام معاناتهم‬
‫من عدم إمكان تنفيذها وحترير أنفسهم! يقول سيتو بأنه وإن رفض تشهي األطفال‬
‫إال أنه ليس من شأنه إطالقا رفض احلركات اليت تدافع عنه! كما أن نقاش ذاك‬
‫التشهي مفيد للمجتمع؛ فهو مثال ينظر إىل تلك العالقات باعتبارها استغالال‬
‫لألطفال = أيعين ذلك أنه سيتسامح معها إن ثبت أن ال استغالل أو إجرام فيها؟!‬
‫إىل هنا ينتهي نقاش سيتو‪ ..‬بالوصول إىل ذات املعضالت القانونية واحلقوقية اليت‬
‫جابهتها احلركة اللوطية يف منتصف القرن املاضي‪ :‬تلك ميولنا ال ذنب لنا فيها‪ ،‬و‬
‫حنن قلة مظلومة مضطهدة‪ ،‬وعلى اجملتمع أن حيرتم ميولنا وإن رفضها‪ ،‬وعلى‬
‫اخلطاب احلقوقي تضمني خطاب خاص بنا يدعو لتجريم تشويهنا والتحريض‬
‫ضدنا!‬
‫هاكم األدلة البيولوجية‪ ،‬والسوسيولوجية‪ ،‬والسيكولوجية = على أن تلك امليول‬
‫مستقرة يف النفوس‪ ،‬باجلبلة أو بالرتبية‪ ،‬ويصعب تغيريها‪ .‬وبنفس منطق‬
‫االستدالالت اللوطية اليت رأيناها على مدار الفصل‪ .‬لكنهم يف اللوطية يدعون‬
‫اإلنسان إىل أخذ راحته ويدمرون كل حرف يقيده‪ .‬ويف تشهي األطفال يدعون‬
‫لتعليمه (التحكم) يف مشاعره وميوله‪ ،‬وتشويهه وجترميه وعقابه إن عالن بها‬
‫وفاخر!‬
‫وأنا أكتب هذا وأعلم أننا رمبا يف الدليل التشخيصي واإلحصائي الثامن ‪،DSM 8‬‬
‫سنجد أساطني العالج النفسي يف العامل قد حذفوا البيدوفيليا من فصل البارافيليا‬
‫متاما! ولعلهم حيذفون املازوخية والسادية وما إىل ذلك من ممارسات جنسية شاذة‬
‫تشيع يوما تلو اآلخر! وحينها سيبدو استداللي بهذا القسم كله غري مفهوم! فلعل‬
‫‪288‬‬
‫قارئ املستقبل حيتاج أن أذكره باآلتي‪ :‬حنن يف عصر ما زال حيرم ويُجرِّم تشهي‬
‫األطفال!‬
‫‪289‬‬
‫عاليها سافلها‬
‫‪290‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬خلقُ إنسانِ اإلنسان‬
‫أما وقد اجتمع لديك قدر كافٍ من املعارف عن قضيتنا‪ ،‬وثقفت اللوطية مين ًة‬
‫ويسرةً‪ ،‬وخربت نقاشاتها أعالها وأسفلها؛ فليس باقٍ لنا إال رؤية كيف يُطبَّق ذاك‬
‫كله يف حاضرنا األتعس‪.‬‬
‫وقد تشعر أن هذا الفصل األخري‪ ،‬واسع كبحر بال ساحل‪ ،‬متشعب القضايا واألفكار‬
‫أشعثها؛ غري أني أرجو منه أن يكون يف نهايته واحة رحيان‪ ،‬يلجأ إليها املسلم لفهم‬
‫الواقع املعاصر على خري وجه‪.‬‬
‫وعلة كتابة هذا الفصل األوىل‪ ،‬كانت صعود نربة التشجيع على اهلجرة إىل الغرب‬
‫يف األعوام األخرية‪ ،‬والصمت ‪ -‬عمدا يف كثري من األحيان ‪ -‬عن حال تلك اجملتمعات‪،‬‬
‫حت أصواتنا يف احلديث املرة تلو األخرى عن الفارق بني اجملتمع املسلم ‪ -‬على‬
‫وقد ُب َّ‬
‫كل ما فيه حاليا من علمنة ‪ -‬واجملتمع الغربي املعاصر؛ فكلما حتدثنا قيل لنا‪ :‬أال‬
‫ترون جمتمعاتنا؟ أليست اللوطية موجودة فيها؟ أليس ديننا منهارا مدمرا؟ إن البقاء‬
‫يف اجملتمع الغربي األكثر تنظيما ونظافةً وحفظًا لكراميت وتوفريا حلياة أعلى‬
‫رفاهيةً هو أفضل ما أقدمه لنفسي وألوالدي‪.‬‬
‫وال يعلم املسكني القائل إنه يُحدد بالضبط أسباب حتذيرنا من الذهاب إىل الغرب!‬
‫إن التحذير قائم ال جملرد انتشار اللوطية يف الغرب ‪ -‬وإن كانت كافية ‪ -‬بل ألنه‬
‫(مُنظم ومجيل ويوفر متع احلياة الدنيا بسهولة)! إن تنظيم الغرب للوطية يف‬
‫جمتمعه‪ ،‬ونظره بشهوانية إىل أوالدك وأحفادك غري آبهٍ بك‪ ،‬وحرصه على تدليلهم‬
‫واإلزراء مبجتمعاتهم األصلية = هو عني الكارثة!‬
‫نعم الغرب منظم جدا‪ ،‬لديه خطط طويلة األمد لتغريب أوالدك لألبد‪ ،‬بعصا‬
‫القوانني والتعليم وجزرة الثقافة واحلياة الكرمية مُقارنةً بواقع املسلمني! وأنت‬
‫سعيد بهذا!!‬
‫‪291‬‬
‫دولة الغرب عند التحقيق هي مظهر آخر للشمولية‪ ،‬لكن لليربالية منطها الشمولي‬
‫كما للشيوعية منطها الشمولي! وهذا الفصل كله شرح ملعنى أن تكون الدولة‬
‫الغربية مناصرة للوطية‪ ،‬وكيف أن هذا من الباليا اليت ال ميكن دفعها! إذا كنا‬
‫ندفعها بصعوبة وحنن يف جمتمعاتنا املسلمة؛ فكيف ندفعها وحنن يف قلب العاصفة؟‬
‫وخري لي أن أعيش يف دولة عاجزة ال نظام فيها‪ ،‬فاشلة ال تنجح يف أي خمطط‬
‫تربوي طويل األمد‪ ،‬على أن أعيش يف أجنح الدول الغربية يف التخطيط الرتبوي‪ ،‬إذ‬
‫أن الثانية إذا أرادت صنعت‪ ،‬وإذا حمت أفلحت‪ ،‬وإذا رقَّشت ثبت الرسم يف املُرقَّش‪،‬‬
‫وانعقد عليه فؤاده إىل املمات! أما األوىل فأقل ما يَزينُها أنها ال تُنازعك سلطان غرس‬
‫الدين‪ ،‬وسقايته الدائمة بالعناية واملتابعة والرعاية‪ ،‬فال خطة هلا‪ ،‬وال نظم فيها‪،‬‬
‫وهذا يف مثل هذا‪ ،‬خري جزيل! وبعض الشر أهون من بعض!‬
‫وقد ظهر يف االستبيان‪ ،‬يف إجابة سؤال ما إذا كان تبين الغرب للوطية وحقوقها يؤثر‬
‫يف قرارك باهلجرة إليه‪ ،‬انتشار االحنطاط النفسي يف اإلسالميني والعوام يف تلك‬
‫القضية‪ ،‬فقد أجاب ‪ %43‬من اإلسالميني فقط بأنه سيؤثر‪ ،‬وأجاب بالشك (رمبا)‬
‫‪ ،%27‬بينما حسم ‪ %30‬قرارهم (ال) لن يؤثر! سيهاجرون إليه رغم نشره اللوطية!‬
‫بينما كانت نسب العوام أفدح‪ :‬فقد أجاب بنعم سيؤثر ‪ %20‬فقط‪ ،‬وقال ‪ %22‬أنه‬
‫(رمبا) يؤثر‪ ،‬بينما أكد ‪ %58‬أنه لن يؤثر يف قرارهم! سيهاجرون!‬
‫وهذه النسب مالئمة جدا ملا نراه من هجوم شامل كلما حتدث أينا عن خماطر‬
‫اهلجرة إىل الغرب بسبب تلك القضية؛ فاجلميع لديه جمموعة من القوالب اليت‬
‫‪292‬‬
‫تؤكد عند فحصها أن أكثر أولئك لديهم خلل نفسي‪ ،‬أو أزمة‪ ،‬جتعلهم جيادلون‬
‫دفاعا عن الغرب‪ ،‬بإدخاله يف مقارنات دائمة مع واقعهم! وكما قلت‪ :‬ما يُقدمونه من‬
‫حجاج يثبت كالمنا وال ينفيه! هو منظم لذا هو كارثة‪ ..‬هو مجيل براق لذا هو‬
‫داهية‪ ..‬حنن مفككون ودولنا فاشلة لذا فرص جناح األسر يف تشكيل أوالدها بثقافة‬
‫خمالفة للسائد أكرب وأجنح!‬
‫أما كالم املهاجرين‪ ،‬فواهلل ما زادنا إال إميانا حبجم البلية! يدافعون عن الغرب وقيمه‬
‫ويؤكدون أنهم سعداء وأن أوالدهم باقون‪ ،‬حتى وصل ‪ -‬وأيم اهلل ‪ -‬حال البعض‬
‫منهم‪ ،‬إىل الدفاع عن حق الغربيني يف خطف أوالد املسلمني يف السويد‪ ،‬حينما‬
‫حتدثت عن ذلك على مواقع التواصل!‬
‫وأنا ال أوجه كالمي ألولئك املهاجرين‪ ،‬الذين يقولون يف كل مرة (أنتم تبالغون‬
‫وتعممون‪ ..‬حنن هنا أجنح يف إنشاء أوالدنا على اإلسالم منكم)؛ فهم ميؤوس منهم‪،‬‬
‫لن يستفيق أحدهم إال وابنه مركوب يف غرفة نومه‪ ،‬أو إبالغ ابنته إياه أنها قررت‬
‫تغيري امسها إىل (عبد املتجلي)!‬
‫وال أوجه كالمي للمهاجر القسري‪ ،‬املطارد من طواغيت بالدنا‪ ،‬وال للمسافر‬
‫للدراسة املؤقتة ألعوام قليلة‪ ،‬وإن كانوا على خطر = بل كالمي للمهاجر اإلرادي‬
‫بغرض االستقرار لسنوات طويلة كافية لتنشئة أوالده يف هذا اجملتمع‪.‬‬
‫وكذلك أوجه كالمي لكافة املسلمني‪ ،‬كي يتبينوا أي غيهب هوى فيه عاملنا كله‪،‬‬
‫حمليا وإقليميا وعامليا‪ ،‬وإن كانت األعماق خمتلفة! فالسقوط يف بئر تطلع فيه‬
‫السماء‪ ،‬ليس كالسقوط يف هاوية بال قرار‪ ،‬ال تبصر فيها يدك!‬
‫وكي يعلموا كذلك أن رسول اهلل حينما تربأ من املقيم بني ظهراني املشركني‪ ،‬مل‬
‫يكن يتكلم عن حادث تارخيي كما جيادل املغفلون؛ بل عن قاعدة إنسانية عامة‪ ،‬مل‬
‫يتجسد مصداقها يف زمان كزماننا هذا!‬
‫‪293‬‬
‫وسأستعمل يف القسم األول من هذا الفصل مقاربة الضبط االجتماعي لنظم ومجع‬
‫أكثر دقائق تلك الفسيفساء اهلائلة املكوَّنة لواقعنا‪ ،‬فأبدأ بتوضيح ماهيته أوال‪ ،‬ثم‬
‫تتلوه قضايانا أرساال متتابعات‪ .‬ثم يف القسم الثاني أحتدث عن االضطراب اجملتمعي‬
‫الناتج من قضية اللوطية‪ ،‬وأثره علينا هنا يف عاملنا اإلسالمي‪.‬‬
‫وما أوده من استخدام مقاربة الضبط حتديدا يف أكثر هذا الفصل‪ ،‬االستدالل على‬
‫رأي لي يف حكمة اهلل من شكل عذابه لقوم لوط‪ ،‬واهلل وحده أعلم بصحته‪ :‬وهو أن‬
‫هؤالء الناس ملا قلبوا النظم الكوني‪ ،‬وصار منتكسو الفطر هم أصحاب املعيار القيمي‬
‫اجملتمعي للتصويب والتخطئة‪ ،‬وأصحاب الفطر السليمة هم الشواذ؛ حتى عُدت‬
‫الطهارة مستحقة للطرد = عوقبوا جبنس ما فعلوا؛ فقلب اهلل عليهم مدائنهم‪ ،‬وصار‬
‫عاليها‪ ،‬نظري معيار القوم اجملرمني‪ ،‬هو سافلها! فكاد اهلل بهم عقابا ماديا مكافئا ملا‬
‫صنعوه بأيديهم جمتمعيا!‬
‫فاللهم جننا‪ ،‬وسلمنا‪ ،‬واحفظ املسلمني من سيادة القوم اجملرمني‪.‬‬
‫‪294‬‬
‫القسم األول‪ :‬الضبط االجتماعي‬
‫مفهوم الضبط االجتماعي‪.‬‬
‫يُعرَّف الضبط االجتماعي بأنه كافة العمليات االجتماعية‪ ،‬املخططة أو غري‬
‫املخططة‪ ،‬اليت تُحدد أمناط السلوك املقبول يف ثقافة معيَّنة‪ ،‬والذي قد يكون مُجسَّدا‬
‫يف معايري أو مؤسسات أو حتى جمرد عمليات اجتماعيَّة عامة مثل التقليد والتنافس‬
‫واملدافعة )‪.(194‬‬
‫ويعرفه ستانلي كوهِن بأنه الطرق املنظمة اليت يستجيب بها اجملتمع لألشخاص‬
‫والسلوكيَّات االحنرافية)‪ ، (195‬بينما يُعرِّفه فرييول بأنه كل ما يُقنِّن قدرا من‬
‫املمارسات واألفعال اليت ينبغي علينا االلتزام بها يف ظروف معيَّنة (‪.)196‬‬
‫فالضبط االجتماعي هو جمموع القيم واملعايري اجملتمعية سواء الدينية أو الثقافية‬
‫أو األيدولوجيَّة اليت تُكوِّن سلوكيات وتصرفات جمتمع معيّن‪ ،‬وتضبطه حاكمةً‪،‬‬
‫واليت تُعرِّف املنحرف أو اجملرم بأنه اإلنسان الذي خيرق ذاك الضبط بانتهاك تلك‬
‫القيم واملعايري‪.‬‬
‫ويتعلق بالضبط مفهوم التنشئة االجتماعيَّة‪ ،‬وهي األداة العمليّة اليت تضبط األفراد‬
‫أثناء مراحل النمو جاعلةً إياهم أعضاءً يف اجملتمع أو اجلماعة ذوي دور اجتماعي‬
‫يتوقّع منه سلوكيات متعارف عليها‪ ،‬وذلك بتعليمهم أمناط التصرف والتفكري‬
‫السائدة يف حميطهم ودجمها بشخصيتهم (‪ ،)196‬لذلك يهتم االجتماعي يف حبثه‬
‫‪295‬‬
‫عن التنشئة االجتماعيَّة بتتبع تأثري كل من العائلة واملدرسة واملؤسسات الدينية‬
‫والرمسية كاف ًة يف تكوين الشخصيّة اجملتمعية وسلوكياتها )‪.(99‬‬
‫وينقسم الضبط االجتماعي إىل نوعني من حيث اجلهة الضابطة‪ :‬رمسي وغري‬
‫رمسي‪ ،‬ولكل منهما وسيلتان‪ :‬إجيابية وسلبية‪ .‬اإلجيابيَّة الرمسية تكون باحلوافز‬
‫واملكافآت واملناصب الرمسية‪ ،‬وغري الرمسية تكون باحلصول على التقدير والثناء‬
‫اجملتمعي‪ .‬أما الوسيلة السلبية الرمسية فتكون بقوانني العقوبات واحلرمان من‬
‫املناصب‪ ،‬وغري الرمسية بالسخرية والنبذ اجملتمعي‪.‬‬
‫كما ينقسم كذلك من حيث طبيعة الضبط إىل قسمني‪ :‬ضبط إجيابي وسليب‪،‬‬
‫اإلجيابي ينبع من الفرد ذاته‪ ،‬بال إكراه‪ ،‬وذاك ال يكون إال عن إميان بعقيدة أو طمعا‬
‫يف مصلحة‪ ،‬أما السليب فال يكون إال باإلكراه واخلوف من العقاب (‪.)197‬‬
‫ولتيسري التعريفات السابقة‪ ،‬سنصوِّر األمر يف الشكل التالي‪:‬‬
‫‪296‬‬
‫ونهدف يف فصلنا هذا إىل بيان كيف ضبط العامل الليربالي جمتمعاته على تطبيع‬
‫اللوطيَّة‪ ،‬وكيف نشَّأ عليها أجياله املعاصرة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬الضبط االجتماعي الرمسي‪.‬‬
‫من حيث قوة التأثري‪ ،‬ميكن تقسيم اجلهات الرمسية الضابطة يف اجملتمع الغربي‬
‫إىل‪ :‬املؤسسة السياسية‪ ،‬واملؤسسة التشريعية‪ ،‬واملؤسسة التعليمية‪ .‬وسنتناول‬
‫أدوارهم بالرتتيب‪.‬‬
‫‪ )1‬الضبط السياسي‪.‬‬
‫أ‪ :‬السياسة الداخلية‪.‬‬
‫متارس املؤسسة السياسية ضبطا إجيابيًّا بالربط بني مفهوم التعددية السياسية‪،‬‬
‫وصورتها اجملتمعية‪ ،‬ومدى قبول اآلخر‪ ،‬والليربالية كمظلة جامعة = وبني تبين‬
‫القضية اللوطية‪.‬‬
‫يف الواليات املتحدة مثال‪ ،‬يُفاخر أوباما بأنه موطِّد اللوطيَّة سياسيا وتشريعيا‪ ،‬ودائما‬
‫ما ميدح احلزب الدميقراطي نفسه بعلو كعبه يف دعم اللوطيني مقارنة‬
‫باجلمهوريني‪ ،‬وال تكاد جتد تصرحيا علنيا من سياسي أمريكي مشهور وطموح‬
‫يستطيع تناول تلك القضية من منظور مفرط يف املعاداة!‬
‫وقد كان أوباما ممن أذاعوا قدميا رفضهم الزواج بني اللوطيني ملخالفته املسيحية‪،‬‬
‫ثم بدَّل وتراجع منذ كتابته مذكراته اليت نشرها قبل رئاسته األوىل ليؤكد أنه‬
‫ما إن علم بغضب امرأة لوطية ومعاناتها نفسيا من موقفه السالف؛ حتى قرر‬
‫مراجعة معتقده كيما يالئم اجملتمع التعددي )‪ !(198‬وقد مرت األيام وصار امللعون‬
‫‪297‬‬
‫مشغوال باللوطية أثناء رئاسته‪ ،‬وأصبح القائد السياسي األكرب يف تاريخ تشريعها‬
‫إىل اليوم!‬
‫بل إن احلزب اجلمهوري نفسه‪ ،‬ملتقى اليمينيني واحلركات احملافظة‪ ،‬تنتشر فيه‬
‫موجة لتبين حقوق اللوطيني يوما تلو اآلخر؛ مثلما حدث مؤخرا من توقيع كريس‬
‫سنونو‪ ،‬احلاكم اجلمهوري لنيوهامبشري‪ ،‬على قانون يقضي بتجريم استنكار‬
‫اللوطيني وتشويههم)‪ . (199‬ويسري اجلمهوريون يف مسار متعرج حنو االلتقاء مع‬
‫الدميقراطيني يف السماح باللوطيَّة)‪ (200‬وإن كان املزاج الرافض سارٍ فيه‪ ،‬ولعله‬
‫األغلب‪ ،‬خاصةً مع احلالة الرتامبيَّة املعاصرة؛ لكن حتى ترامب الذي يعتربه‬
‫اللوطيون عدوًا‪ ،‬نشر على صفحته يف منتصف ‪ 2019‬يهنئ اللوطيني بعيدهم‪ ،‬شهر‬
‫الفخر ‪Pride month‬؛ ويطمئنهم بسعيه يف شن محله عاملية ملنع اضطهادهم!‬
‫وموقفه مشابه ملوقف اجلمهوريني يف االضطراب‪ :‬فهو يُعلن حبوره بهم‪ ،‬ودعمهم‪،‬‬
‫لكنه يعرقل بعض تشريعات متكينهم)‪ . (201‬وسواءً كان يصنع ذلك إميانا أو مناورةً‪،‬‬
‫فموقفه كافٍ لبيان حجم التمكن اللوطي من العقلية السياسية واجملتمعية‬
‫الغربية حاليا‪.‬‬
‫أما يف بريطانيا‪ ،‬فإن األحزاب الرئيسية متتلك جمموعات رمسية تابعة للوطيني‪،‬‬
‫مثل جمموعة لوطيني‪ +‬حمافظني ‪ LGBT+ Conservative‬اليت متثل مجاعة‬
‫‪298‬‬
‫اللوطيني يف حزب احملافظني‪ ،‬واليت مل ترحم نائبا سياسيا شذ عن القاعدة وعارض‬
‫اعتبار خِناث اللوطيني نساءً )‪ = (202‬فأهانته وأقذعت مبا مل تعتذر عنه‪ ،‬إذ وجب إيداع‬
‫رسالة اإلرهاب كاملة‪ :‬أننا نراقبكم يا رجال احلزب‪ ،‬إننا بداخلكم وأول املُقوِّمني إن‬
‫مس حقوق الالطة!‬
‫جرؤمت على ِّ‬
‫فإن كان هذا حال احملافظني‪ ،‬فليس من الغريب إذن أن جند نفس احلال مع حزب‬
‫الدميقراطيني الليرباليني ‪ LGBT Liberal Democrats‬الذي يعلن أن هدفه‬
‫نشر الثقافة اللوطية ودعمها داخل احلزب وخارجه )‪ .(203‬وكذلك األمر يف حزب‬
‫العمال )‪.(204‬‬
‫إن املنظومة السياسية الغربية حاليا متيل لدعم وتعزيز صعود مناصري حقوق‬
‫اللوطيني‪ ،‬ممارسةً للضبط اإلجيابي بتلك الصورة‪ ،‬كما جتابه السياسيني‬
‫الرافضني للوطيَّة كل ّيةً أو حتى بعض صورها (مثل رفض حقوق اخلِناث) وترهبهم‬
‫وتشن عليهم محالت حتذير وختويف تارةً للمجتمع وتارةً ملارقي احلزب نفسه‬
‫‪/‬إضافة لوصول اللوطيني إىل مناصب كربى ونافذة بداخل املؤسسات الرمسية‪،‬‬
‫مثل غويدو فيسرتفيله وزير اخلارجية األملاني السابق يف حكومة مريكل)‪ (205‬الذي‬
‫أعلن زواجه من رجل آخر أثناء وزارته )‪ ،(206‬ومثل األيسلندية جوانا سيجور اليت‬
‫‪299‬‬
‫كانت أول امرأة لوطية تتوىل منصب رئاسة الوزراء يف العامل )‪ (207‬واليت تالها بعد‬
‫ذلك رئيس وزراء لكسمبورج احلالي اللوطي زافييه بيتل)‪. (208‬‬
‫إن الضبط االجتماعي السياسي جيتهد ال جملرد حتييد أكثر االجتاهات امشئزازا‬
‫من اللوطية فحسب‪ ،‬بل جللب دعمها! ودونك مارين لو بن السياسية الفرنسية‬
‫اليمينية املتطرفة‪ ،‬وترييزا ماي رئيسة الوزراء اإلجنليزية السابقة‪ :‬فكم جاءتا‬
‫بأقوال وأفعال ترفض اللوطيَّة وتعارض تشريعها؛ ثم كيف صار احلال مؤخرا؟‬
‫أما لو بن‪ ،‬فهي اليت كانت تستعلن استهداف القضاء على نقاشات الزواج اللوطي من‬
‫فرنسا)‪ ، (209‬وأما ماي؛ فهي اليت رفضت تشريع زواج اللوطيني وحقوقهم يف‬
‫بريطانيا قبال ‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬فإنهما ازدادتا انضباطا يف النهاية = إذ حتالفت مارين لو بن‬
‫مع سباستيان شينو‪ ،‬الناشط الفرنسي يف جمال حقوق اللوطيني وأحد املؤسسني‬
‫حلزب ‪ GayLib‬اللوطي السياسي الفرنسي‪ ،‬ووقفت جبواره يف رسالة واضحة عن‬
‫حتالفها معهم ال جمرد اعرتافها بهم‪ ،‬بينما قالت الثانية مؤخرا‪ ،‬وبعد تارخيها الكبري‬
‫يف معاداة اللوطية‪ :‬أنا حليفة أي شخص يعرف نفسه بأنه لوطي ‪.(210) LGBT‬‬
‫وبالرغم من استمرار رفض لو بن لزواج اللوطيني وبررت ذلك مبربرات سخيفة‬
‫حتاول ترضيتهم وترضية أنصارها؛ إال أنها مل تتوقف عن مغازلتهم يف انتخاباتها‬
‫الرئاسية األخرية‪ ،‬قائلة إنها ستحميهم مع حزبها من عنف اإلسالميني)‪. (211‬‬
‫‪300‬‬
‫وال يقتصر ضبط اجملتمع السياسي على أوروبا وحدها‪ ،‬بل يتمدد مبحاوالت‬
‫مستمرة لضبط العامل كافةً ترهيبا وترغيبا‪ ،‬كما سنعرض يف القسم التالي؛‬
‫ومثاله ما صنع أعضاء منظمة األمن والتعاون األوروبي‪ ،‬وعلى رأسهم إجنلرتا‬
‫وفرنسا وأملانيا إضافة ألمريكا وكندا من إعالنهم مؤخرا ما أطلقوا عليه (ميكانيزم‬
‫فيينا)‪ :‬وهو مجع من االعرتاضات واملساءالت قُدِّمت إىل روسيا عن انتهاكات حقوق‬
‫اللوطيني يف مجهورية الشيشان اليت يُشرِفُ عليها العميل الروسي قاديروف‪،‬‬
‫واملعروف بعدائه للوطية )‪!(212‬‬
‫ب‪ :‬السياسة العالمية‪.‬‬
‫يف منتصف عام ‪ 2017‬جذبت أنظار العامل والصحافة‪ ،‬صورة جتمع زوجات زعماء‬
‫الناتو اللواتي اجتمعن معا يف لقاء خاص بربوكسل على هامش اجتماع قادة احللف‬
‫الغربيني‪ ،‬إضاف ًة إىل (أمينة إردوغان) زوجة الرئيس الرتكي‪.‬‬
‫كان بني (الزوجات) رجل‪ ،‬دُعي عمدا‪ ،‬كنموذج (لعامل جديد) مبعايري جديدة‪ ،‬هو‬
‫جوثري ديستيناي (زوج) رئيس وزراء لوكسمبورج زافييه بيتل اللوطي )‪!(213‬‬
‫مل تُفهَم الصورة للوهلة األوىل عند الكثريين يف العامل اإلسالمي حتديدا‪ ،‬ولكن‬
‫عندما شُرِح األمر دُهش املسلمون‪ :‬إذ كيف قبلت زوجة زعيم مسلم مُحجّبة هذا‬
‫املوقف وأخذت الصور التذكارية مع لوطي؟‬
‫تينك الدهشة أثارت العديد من التساؤالت اليت تداعت على األذهان وتزامحت‪،‬‬
‫لتظهر مشكلة جديدة للعامل اإلسالمي‪ ،‬من اجلهة السياسية الدولية والقانونية‪،‬‬
‫‪301‬‬
‫كانت تلك الصورة جمرد بداية هلا‪ :‬مشكلة اللوطية من اجلهة السياسية والقانونية‬
‫والتشريعية والدولية‪.‬‬
‫وسبب تلك الصدمة‪ ،‬أننا إىل الوقت احلالي ال نكاد جند استكشافا لألبعاد السياسية‬
‫احلالية واملتوقعة النتصار اللوطية وانتقاهلا لرأس قضايا حقوق اإلنسان يف العامل‬
‫الغربي‪ ،‬وتداعيات ذلك على العامل اإلسالمي من جهة القوانني الدولية‪ ،‬واملنظمات‬
‫العاملية واإلقليمية‪ .‬وهي تداعيات لن يُسمح بتفاديها أو القفز عليها‪ ،‬إال بأمثان‬
‫فائقة‪ ،‬ويف حاالت حمدودة‪.‬‬
‫فعلى سبيل املثال‪ ،‬قدمت أنا نفسي حبثا عن اللوطية كمشكلة سياسية إىل أستاذة‬
‫مادة املشكالت السياسية مبطلع ‪ ،2018‬وبعد االمتحانات ذهبت إليها وسألتها عن‬
‫رأيها فيه‪ ،‬فقالت باستهتار‪ :‬مل أقرؤه؛ ما عالقة اللوطية بالسياسة الدولية؟! فسألتها‬
‫مصدوما‪ :‬أمل تطلعي عليه ولو من باب الفضول العلمي؟ قالت حبزم‪ :‬ال! مل أفتحه‬
‫أصال! ال عالقة هلذا بالسياسة الدولية! ورفضت إعطائي درجته رغم أني شرحت هلا‬
‫األمر وحجم التبعات املنتظرة‪ ،‬ما جعلها ترتبك قليال عندما أدركت أنين مل أعبث!‬
‫لكنها حزمت أمرها وكررت بنفس التعصب‪ :‬ال! هذا غري متعلق بالسياسة الدولية!‬
‫فآثرت عدم اجلدل وابتسمت هازئا ومضيت إىل سبيلي‪ ،‬وخُ ِّفضت رتبيت عندها من‬
‫امتياز إىل جيد جدا برفضها اعتماد هذا البحث‪ ،‬لكن على أي حال مل يكن جيب أن‬
‫أنتظر غري هذا!‬
‫ومل ميض أكثر من عام واحد‪ ،‬قبل أن تشهد مصر‪ ،‬يف إحدى املؤمترات الدولية‬
‫املعقودة بها يف شرم الشيخ‪ ،‬مفاخرة زافييه بيتل باللوطية يف كلمته‪ ،‬وحتديه‬
‫للحضور بأنه سيناقشها يف ثنايا حقوق اإلنسان‪ ،‬وملز املسلمني والعرب متحديا‪ ،‬وقد‬
‫ص ِدم السياسيون املصريون والعرب احلاضرون‪ ،‬لكنهم خرسوا (‪ ،)214‬وقد جتلى‬
‫ُ‬
‫‪302‬‬
‫اضطرابهم وصدمتهم وعجزهم عن الرد على ما جرى‪ ،‬ألنهم ال يفقهون ما عالقة‬
‫قضية اللوطية بالسياسة الدولية؟! إن العالقات الدولية عند هؤالء‪ ،‬كما عند‬
‫السالف ذكرها‪ ،‬ليست إال املذكرات اليت تلقوها يف كتب عشرة دُ ِرست بالكلية‪ ،‬ال‬
‫أكثر؛ فإن حتدث أحد عن أبعاد أخرى مستحدثة؛ كان نصيبه الزجر!‬
‫وأحد أهم أسباب ذلك الدمج بني اللوطية والسياسة الدولية‪ ،‬هو تسللها إىل مناقشات‬
‫القانون الدولي بالعقد األخري‪ ،‬يف مراحل نستعرضها‪ ،‬لكن بعد التعريف أوال مباهية‬
‫هذا القانون‪.‬‬
‫أوال‪ :‬القانون الدولي‪.‬‬
‫يُعرَّف القانون الدولي باجتاهني كبريين‪ :‬مُوسَّع ومُضيَّق‪ ،‬نأخذ منه املوسع الذي‬
‫يعتربه جمموعة القوانني احلاكمة للعالقات القانونية بني األمم‪ ،‬وكذلك سلوك‬
‫األمم واملنظمات الدولية (‪.)215‬‬
‫وأهم صفة من صفات القانون الدولي هي (عامليته)‪ ،‬مبعنى أنه ال جيوز ادعاء حصره‬
‫على إقليم معني أو دولة حمددة‪ ،‬كحيلة تهرب منه؛ بل جيب االلتزام به يف أي مكان‬
‫ومن كافة الشخوص القانونية الدولية‪ ،‬سواء الدول أو املنظمات احلكومية أو غري‬
‫احلكومية‪.‬‬
‫وهناك عدة نظريات الكتساب القانون الدولي قوة إلزامه‪ ،‬جاءت تبعا ملذهبني‬
‫قانونيني‪ :‬املذهب اإلرادي الذي يزعم أن قوة إلزام القانون مل تأت إال نتيجة رضى‬
‫الدول واجتماعها على االلتزام بأحكامه‪ ،‬واملذهب املوضوعي الذي يزعم أن القانون‬
‫الدولي يُلتزم به ال إلرادة الدول املُعرّضة للتغري واالنقالب‪ ،‬بل لوجوب التزام أي‬
‫مجاعة بقانون نظامي حيكمها ويضبطها‪ ،‬واجلماعة الدولية ليست استثناءً‪.‬‬
‫‪303‬‬
‫وقد حددت حمكمة العدل الدولية مصادر القانون الدولي الثالثة الرئيسية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫االتفاقات واملعاهدات الدولية العامة واخلاصة‪ ،‬واألعراف الدولية العامة واخلاصة‬
‫املعتربة املتواترة‪ ،‬ومبادئ القانون العامة اليت أقرتها األمم املتمدينة (واليت هي ‪-‬‬
‫بطبيعة احلال‪ -‬األمم الغربية)‪.‬‬
‫ثم مصدر رابع احتياطي لقواعد القانون‪ :‬وهو أحكام احملاكم ومذاهب كبار‬
‫املؤلفني يف القانون العام ملختلف األمم (‪.)215‬‬
‫وسأركز هنا على املصدر األول‪ ،‬وهو أقوى املصادر يف اإللزام الدولي‪ ،‬ألن نصوصه‬
‫تكون واضحة وحاصلة على شبه إمجاع يف أكثر احلاالت‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬النصوص الكبرى‪.‬‬
‫قبل استعراض نصوص أهم املعاهدات واالتفاقات الدولية واإلقليمية اليت تدعم‬
‫اللوطية وتوارخيها‪ ،‬نُعرِّف املعاهدات الدولية بأنها اتفاق رضائي مكتوب بني اثنني أو‬
‫أكثر من أشخاص القانون الدولي‪ ،‬حيوي قواعد سلوك‪ ،‬يقصد األطراف االلتزام‬
‫بها وفقا لقواعد القانون الدولي‪ ،‬وال يلزم أن حيصر املعاهدة اسم واحد أو جمموعة‬
‫من صفات حمددة‪ ،‬فقد تكون صورة اتفاقية أو بروتوكول أو تبادل خطابات أو‬
‫مذكرات (‪.)215‬‬
‫ويرجع تاريخ أول املناقشات الدولية الرمسية املتعلقة باملسألة اللوطية‪ ،‬إىل عام‬
‫‪ ،1995‬أثناء مؤمتر بكني لالجتماع العاملي املتعلق بالنساء ‪World Conference‬‬
‫‪ ،on Women‬حيث كان خطاب ‪ Beverley Palesa Ditsie‬أهم أحداث ذلك‬
‫املؤمتر يف مسار تاريخ تلك القضية‪ ،‬وديتسي هي لوطية جنوب أفريقية شهرية دعت‬
‫‪304‬‬
‫األمم املتحدة يف خطابها إىل تشريع قوانني دولية تؤكد على التنوع اجلنسي‪ ،‬وعدم‬
‫حصر اهلوية اجلنسية يف نوعني‪.‬‬
‫كان هذا حدثا فريدا غري مسبوق يف تاريخ األمم املتحدة؛ حتى إن مل يتم صياغة‬
‫مطالبها يف الوثائق الرمسية النهائية للمؤمتر‪.‬‬
‫ويف عام ‪ 2003‬ظهرت (املُعاجلة الربازيلية ‪ )Brazilian resolution‬وهي وثيقة‬
‫قُدِّمت من دولة الربازيل إىل جملس الشؤون االقتصادية واالجتماعية باألمم‬
‫املتحدة‪ ،‬تقرتح جمموعة من النصوص املتعلقة بالتوجهات اجلنسية على مستوى‬
‫العامل‪ ،‬وقد حظيت بدعم حوالي ‪ 20‬دولة‪ ،‬على رأسهم عمالقة العامل الغربي وأوروبا‪:‬‬
‫أملانيا وإجنلرتا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا مع دول أخرى مثل الربتغال والسويد‬
‫والنمسا واليونان والربازيل وأيرلندا وكندا والتشيك‪ .‬يف حني عارضها الفاتيكان‬
‫ومنظمة التعاون اإلسالمي وجمموعة أخرى من الدول)‪. (216‬‬
‫وقد حوت تلك الوثيقة ما يلزم استعراض بعضه‪ ،‬باعتباره من أوائل النصوص‬
‫الدولية يف األمم املتحدة املتعلقة باملشكلة اللوطية‪ ،‬وهي نصوص تؤكد على اآلتي‪:‬‬
‫‪ .1‬القلق الكبري الظاهر من حوادث االعتداء على حقوق اإلنسان ضد األشخاص‪،‬‬
‫بناء على توجهاتهم اجلنسية‪.‬‬
‫‪ .2‬التأكيد على أن حقوق اإلنسان واحلريات األساسية‪ ،‬هي حقوق طبيعية‬
‫لكافة املخلوقات البشرية‪ ،‬وأن الطبيعة العاملية لتلك احلقوق واحلريات غري قابلة‬
‫‪305‬‬
‫للجدل والنقاش‪ .‬والتمتع بتلك احلقوق واحلريات ال ميكن أن يعرقله أي عائق على‬
‫أساس التوجهات اجلنسية‪.‬‬
‫‪ .3‬دعوة كافة الدول لتعزيز ومحاية حقوق اإلنسان لكل األشخاص بغض‬
‫النظر عن توجهاتهم اجلنسية‪.‬‬
‫‪.4‬‬
‫مطالبة املفوض األعلى حلقوق اإلنسان يف األمم املتحدة بالتنبه الخرتاقات‬
‫حقوق اإلنسان بنا ًء على التوجهات اجلنسية)‪. (216‬‬
‫كانت تلك أهم نقاط الوثيقة اليت ستُناقش باستفاضة يف األمم املتحدة بعد ذلك‬
‫يف االجتماع العام‪ ،‬وستكون بنودها من أسس املناقشات احلقوقية املتعلقة باملشكلة‬
‫اللوطية فيما بعد‪.‬‬
‫ونالحظ اآلتي يف تلك املعاجلة الربازيلية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أنها تؤكد على فكرة االعرتاف (بالتنوع اجلنسي) الذي قالت به بيفرلي باليسا‬
‫يف مؤمتر بكني ‪ ،95‬والذي كان حمور احلركة اللوطية منذ زمن؛ فالدول اليت‬
‫تعتمد أن اإلنسان إما أن يكون ذكرا أو أنثى فقط‪ ،‬والزواج ليس له إال صورة واحدة‬
‫حصرية بني النوعني‪ ،‬تنكر ‪-‬مبفهوم املخالفة‪ -‬التنوع اجلنسي بكل صوره وتنكر‬
‫اللوطية اجلندرية متاما = واحلل الربازيلي يطلب ضرورة االعرتاف بهذا التنوع‬
‫باحرتام (التوجهات اجلنسية) لألفراد‪.‬‬
‫فتوجه الفرد يف تعريف هويته جنسيا إما يكون ذكرا أو أنثى أو خنِثا أو مرتجلة‪ ،‬وقد‬
‫يكون توجه ممارسته اجلنسية إما طبيعية أو لوطية‪.‬‬
‫‪306‬‬
‫واجلانب األول من (التوجهات اجلنسية) سيظهر بصورة واضحة يف عام ‪2006‬‬
‫وسيُحتفى به‪ ،‬مما يرجِّح أن املقصود بالتوجهات اجلنسية ‪Sexual‬‬
‫‪ Orientation‬يف تلك الوثيقة هو اجلانب الثاني فقط املتعلق باملمارسة ال باهلوية‬
‫الذاتية للفرد‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ضم حق اللوطية إىل احلقوق الطبيعية العاملية الكونية اليت تكتسب بالوالدة‪،‬‬
‫وعليه يلزم االعرتاف باللوطية يف قائمة حقوق اإلنسان الرئيسية الكربى اليت‬
‫صدرت يف اإلعالن احلقوقي األول لألمم املتحدة = وبالتالي يكون أي اعتداء على‬
‫اللوطية كنظرية أو اللوطيني كأفراد هو اعتداء مياثل متاما االعتداء على األعراق‬
‫واألجناس املختلفة أو االعتداء على حق اإلنسان يف احلياة‪ ،‬يدخل يف نطاق اجلرمية‬
‫العاملية اليت ال جيوز اجلدل فيها‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬وبناءً على ذلك يأتي التصرف املطلوب من األمم املتحدة‪ ،‬وهو مطالبة كافة‬
‫دول العامل باحرتام اللوطية واالعرتاف بها‪ ،‬ومطالبة أجهزة األمم املتحدة مبالحقة‬
‫الدول واملنظمات واملؤسسات اليت تنكر ذلك احلق وتعتدي عليه وعلى اللوطيني‬
‫وإدانة تصرفاتها ودعوتها لتعديل تشريعاتها وقوانينها كي حترتم حق اللوطية‬
‫اإلنساني‪.‬‬
‫كانت هذه الوثيقة مبثابة الضربة األوىل‪ ،‬ومل متض أكثر من ثالثة سنوات قبل‬
‫أن تقوم النرويج بتقديم وثيقة أخرى مشابهة إىل األمم املتحدة نيابةً عن ‪ 54‬دولة‬
‫منهم الواليات املتحدة واملكسيك والبوسنة واهلرسك وألبانيا وصربيا وبولندا‬
‫وأوروجواي وسويسرا وكوريا اجلنوبية وشيلي والدمنرك وقربص والعديد من‬
‫‪307‬‬
‫الدول األخرى‪ ،‬وقد حوت تلك الوثيقة (العاملية) اليت مسيت بالتصريح املشرتك‪،‬‬
‫اآلتي‪:‬‬
‫حصل جملس حقوق اإلنسان على أدلة دامغة خبروقات حقوقية مبنية‬
‫‪.1‬‬
‫على التوجهات اجلنسية واهلوية اجلندرية‪ ،‬أدلة حتتوي على تهديدات حلق احلياة‬
‫أو حق عدم التعرض للعنف أو التعذيب‪.‬‬
‫بناء عليه نطالب بلفت انتباه هيئة املعاهدات واجملتمع املدني إىل ضرورة‬
‫‪.2‬‬
‫اختاذ اإلجراءات اخلاصة = تكاتفا من أجل وقف اخلروقات احلقوقية املبنية على‬
‫اهلوية اجلندرية والتوجهات اجلنسية‪ ،‬متخذين يف ذلك كافة الصالحيات املتعلقة‬
‫باملوضوع )‪.(217‬‬
‫وانتهت الوثيقة مبطالبة رئيس جملس حقوق اإلنسان بنقل املناقشات والتشريعات‬
‫إىل مستوى آخر أعلى من جمرد االقرتاحات والوثائق‪.‬‬
‫وأول ما نالحظه ها هنا‪ ،‬أن عدد الدول قد ارتفع يف خالل السنوات الثالث إىل ما يزيد‬
‫عن الضعف‪ ،‬كما أن تنوع الدول واتساع مساحة تأييد اللوطية خرج عن النطاق‬
‫األوروبي (األغلبية الضخمة يف وثيقة املعاجلة الربازيلية) إىل النطاق اآلسيوي‬
‫الشرقي واألمريكي اجلنوبي وحتى اإلسالمي األوروبي (ألبانيا والبوسنة) مع غياب‬
‫قارة وحيدة هي أفريقيا‪.‬‬
‫كما نالحظ تنوع أمساء الدول وعدم اقتصارها على األمساء العمالقة‪ ،‬فهناك تيمور‬
‫الشرقية ومولدوفا ومالطا وجواتيماال ومجهورية مونتنيجرو ومقدونيا وليتوانيا؛‬
‫وبالتأكيد يأتي دخول الواليات املتحدة ليعطي القضية الرمسية منذ ذلك الوقت‬
‫زمخا أكرب‪.‬‬
‫‪308‬‬
‫أما املالحظة الثانية‪ :‬فهي تصاعد هلجة اخلطاب املنددة بأي رفض للوطية واملطالبة‬
‫بتجريم تشويه اللوطيني أو التعرض هلم؛ وإن كان تصاعدا أقل يف احلدة من وثيقة‬
‫األرجنتني القادمة‪.‬‬
‫واملالحظة الثالثة‪ :‬أن اهلوية النوعية (اهلوية اجلندرية) لألفراد ُذكِرت صراح ًة‬
‫منفردةً‪ ،‬باعتبارها حقا من حقوق اإلنسان الطبيعية‪ ،‬واليت يلزم أال يعرتض عليه‬
‫أحد أو يسعى يف تشويهه‪ ،‬ولعلها املرة األوىل اليت يتم فيها ذكر التمييز أو تشويه‬
‫الصورة ‪ Discrimination‬باعتباره من األفعال اليت جيب اإلغالظ يف مواجهتها‪،‬‬
‫وهو ‪-‬بناء على األساس الذي تقرر يف الوثيقة الربازيلية السابقة‪ -‬أن اللوطية حق‬
‫من احلقوق اإلنسانية الرئيسية الكربى اليت ال جيب أن ختضع ألي نقاش أو جدال‪.‬‬
‫خرج ‪-‬بعد عامني فقط‪ -‬التصريح املشرتك اآلخر الذي قدمته األرجنتني يف األمم‬
‫املتحدة عام ‪ 2008‬نيابة عن ‪ 66‬دولة‪ ،‬نالحظ يف أمسائهم انضمام دول إفريقية‬
‫للمرة األوىل هي‪ :‬الرأس األخضر ومجهورية أفريقيا الوسطى واجلابون وغينيا‬
‫بيساو موريشيوس‪ .‬كما ارتفع متثيل أمريكا اجلنوبية وشرق آسيا بصورة كبرية‪،‬‬
‫وانضمت اليابان وإسرائيل إىل القائمة (‪ .)218‬يف حني استمر غياب روسيا والعامل‬
‫اإلسالمي ‪ /‬ما عدا ألبانيا والبوسنة‪.‬‬
‫وقد ضمن هذا التصريح احلقوقي عدة بنود أخرى فوق البنود السابقة‪ ،‬أبرزها‪:‬‬
‫ إعادة التأكيد على مبدأ عدم التمييز (عدم التشويه)‪ ،‬الذي يُلزم االعرتاف بأن‬‫حقوق اإلنسان مستحقة للجميع بصورة متساوية بغض النظر عن التفضيالت‬
‫اجلنسية أو اهلوية النوعية‪ ،‬وإعادة التأكيد على القلق العميق من انتهاك هذا املبدأ‪.‬‬
‫‪309‬‬
‫ والتأكيد كذلك على انزعاج الدول املوقعة على هذا البيان من أفعال العنف أو‬‫املضايقات أو التشويه أو االستبعاد أو الوصم أو التحيز املوجهة ضد األشخاص ذوي‬
‫التفضيالت اجلنسية أو اهلويات النوعية املخالفة؛ فهذه االنتهاكات تُقلل من‬
‫كرامة ومتاسك األشخاص الذين يتعرضون هلا‪.‬‬
‫وفيما يلي بعض البنود األخرى‪:‬‬
‫ ُننكر انتهاكات حقوق اإلنسان املبنية على التوجهات اجلنسية أو اهلوية اجلندرية‬‫أينما حدثت‪ ،‬خاصة استخدام عقوبات اإلعدام خارج املنظومات القضائية أو اإلعدام‬
‫التعسفي أو بإجراءات موجزة‪ ،‬واستخدام التعذيب أو كافة املعاجلات القاسية غري‬
‫اإلنسانية أو املهينة‪ ،‬واالعتقال التعسفي أو االحتجاز‪ ،‬أو أي صورة من صور احلرمان‬
‫من احلقوق االقتصادية أو االجتماعية أو الثقافية أو الصحية‪.‬‬
‫ وحنث الدول على أخذ كافة التدابري الضرورية‪ ،‬وبشكل خاص التشريعية‬‫واإلدارية‪ ،‬كيال تكون التوجهات اجلنسية أو اهلوية اجلندرية موضع عقوبات‬
‫جنائية‪ ،‬حتت أي ظرف‪ ،‬خاصة اإلعدام أو االعتقال أو االحتجاز‪.‬‬
‫ وحنث الدول على ضمان التحقيق يف أي انتهاك مبين على أساس التوجهات‬‫اجلنسية أو اهلوية اجلندرية‪ ،‬وحماسبة اجلناة وحتويلهم للقضاء‪.‬‬
‫ وحنث الدول على ضمان احلماية الالزمة للمدافعني عن حقوق اإلنسان وإزالة أي‬‫عقبات متنعهم من ممارسة عملهم يف محاية التوجهات اجلنسية واهلويات‬
‫اجلندرية‪.‬‬
‫تلك كانت أبرز بنود الوثيقة‪ ،‬والبد من أنك الحظت اآلتي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬تصاعد عنف اخلطاب عن كل ما سبق‪ ،‬واالنتقال من كلمات وشعارت عامة‬
‫إىل مطالب دقيقة يف متكني اللوطيني واللوطية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬بدأ احلديث صراحةً عن وجوب إحداث التعديالت التشريعية واإلدارية يف‬
‫الدول وعدم قبول خمالفتها‪.‬‬
‫‪310‬‬
‫ثالثا‪ :‬املطالبة الفجة بإخراج أي شيء متعلق باللوطية وتنوعاتها من التشريعات‬
‫اجلنائية‪ ،‬ووضع كل من يعادي تلك التوجهات بأي صورة ‪ -‬ولو كالمية فقط ‪-‬‬
‫حتت طائلة القانون‪ ،‬أي إحداث انقالب تشريعي تام من النقيض إىل النقيض‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬التأكيد على دور جديد يلزم على نشطاء حقوق اإلنسان قبوله والعمل من‬
‫أجله‪ ،‬وهو الدفاع عن حقوق اللوطية واللوطيني والعمل من أجل متكينهم ومواجهة‬
‫احلكومات واملنظمات واألفراد دفاعا عنهم‪.‬‬
‫وقد صاحب تلك الوثيقة انشقاقا كبريا يف اجلمعية العامة لألمم املتحدة‪ ،‬حيث‬
‫رفضتها جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون اإلسالمي وانتهى النقاش العاصف‬
‫بتجاهل اجلمعية العامة للمؤيدين واملعارضني كليهما‪ ،‬وعدم املضي قدما‪.‬‬
‫لكن اجلهود لن تتوقف‪ ،‬وستتوج يف عام ‪ 2011‬بوثيقة املعاجلة اجلنوب أفريقية اليت‬
‫دعمتها الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬وقد جاءت كلمة األمني العام بان كي مون‬
‫للجمعية العامة لألمم املتحدة قاطعة يف بداية النقاشات الرمسية‪" :‬إننا نرى منوذجا‬
‫للعنف والتشويه يوجه إىل أشخاص بغري سبب إال كونهم لوطيني أو لوطيات أو‬
‫لوطيني ثنائيني أو خِناث ومرتجالت‪ .‬إن تلك مأساة كربى ألولئك املتأثرين‬
‫ووصمة لضمرينا اجلمعي كما أنه خرق للقانون الدولي‪ ،‬وجيب عليكم الرد")‪. (219‬‬
‫وقد كتبت املفوضة العليا حلقوق اإلنسان حينها نايف بيالي ‪ Navi Pillay‬تقريرا‬
‫تهاجم فيه الدول اليت تعاقب على اللوطية‪ ،‬وقد كان عددها ‪ 76‬دولة من الدول‬
‫األعضاء باألمم املتحدة البالغ عددهم ‪ 192‬دولة‪ .‬وركزت على إيران وأربع دول‬
‫‪311‬‬
‫أخرى تعاقب بالقتل على اللوطية (عقوبة الشريعة اإلسالمية) باعتبارها النماذج‬
‫األكثر تطرفا وفجاجة‪ ،‬وأكدت يف التقرير أنه إن تصادمت الثقافة والتقاليد مع‬
‫حقوق اإلنسان‪ ،‬فالبد أن تكون احلقوق هي املُختارة!‬
‫لقد حُسِمت القضية منذ عام ‪ ،2009‬حينما جنح أوباما يف االنتخابات األمريكية‪ ،‬إذ‬
‫سارع خالل سنوات قليلة يف إجراءات تعزيز حقوق اللوطية بالواليات املتحدة‪ ،‬كما‬
‫وعد أنصاره أثناء االنتخابات األوىل)‪ : (220‬بدايةً من التعديل التشريعي الذي أحدثه‬
‫بضم إهانة اللوطيني إىل القانون اجلنائي (جرائم الكراهية) عام ‪ 2009‬ومبجرد‬
‫انتخابه األول‪ ،‬وانتهاء بدفع احملكمة العليا للواليات املتحدة إىل القضاء بصحة زواج‬
‫اللوطيني يف عام ‪ . (221)2013‬لقد كان االعرتاف باحلقوق اللوطية وجتريم املساس‬
‫بها وعوملة ذلك أحد أهم حماور برنامج عمل أوباما ومن أجنح ما قام به حتى فاخر‬
‫جبهوده تلك قبيل رحيله من البيت األبيض نهائيا‪.‬‬
‫وقد أنارت تلك التقريرات النائرة باألمم املتحدة بني الدول اإلسالمية واإلفريقية‬
‫من جهة‪ ،‬وباقي العامل من جهة أخرى‪ .‬وهي تصرفات كانت متوقعة ملن عرف نوايا‬
‫إدارة أوباما‪ ،‬ورمبا مل تكن جنوب أفريقيا ونايف بيالي إال بوق بشكل ما!‬
‫لقد ثار مندوب الباكستان نيابة عن منظمة التعاون اإلسالمي وهاجم اللوطية‪،‬‬
‫وخرج مع كافة املعارضني من ساحة النقاش عندما انتبهوا إىل اإلصرار على أخذ‬
‫قرار رمسي دولي بتبين اللوطية ودعمها مع جتريم كل ما ميسها‪ ،‬ووصف ما‬
‫‪312‬‬
‫حيدث بأنه فرض لقيم جديدة‪ ،‬واتهمت مصر نايف بيالي بأنها حتضُّ على اللوطية‬
‫بأفعاهلا )‪.(222‬‬
‫وقد حصلت الوثيقة على دعم ‪ 23‬صوت مقابل ‪ ، (223)19‬وأصبحت ببنودها‬
‫الطويلة الكثرية‪ ،‬اليت ال يصعب التنبوء بها بعدما استعرضنا أسالفها‪ ،‬جزءا ال يتجزأ‬
‫من حقوق اإلنسان‪ ،‬بل القضية احلقوقية األوىل طوال العقد الثاني من هذا القرن‪،‬‬
‫وجزءا ال يتجزأ ‪-‬بالتالي‪ -‬من القانون الدولي‪ ،‬خاصةً بعد توالي املعاهدات واالتفاقات‬
‫والقرارات األممية العاملية اليت تزيد من العقوبات على الدول اليت تعادي اللوطية‪،‬‬
‫مما تسبب يف اخنفاض عدد الدول اليت تعارضه أو تعاقب عليه رويدا‪.‬‬
‫وال أدل على ريادتها للقضايا احلقوقية املعاصرة‪ ،‬من تعيني األمم املتحدة يف عام‬
‫‪ 2016‬ملراقب دائم ‪ -‬كلب حراسة ‪ Watchdog‬بتعبري مراسلة الواشنطن بوست‬
‫)‪ - (224‬وظيفته التحقيق يف أي انتهاك حلقوق اللوطيني وإبالغ األمم املتحدة‬
‫الختاذ الالزم والتعامل مع حكومات الدول لتعديل تشريعاتها‪.‬‬
‫وقد حصل اقرتاح إجياد هذا (الكلب!) على دعم ‪ 23‬دولة يف جملس حقوق اإلنسان‬
‫باألمم املتحدة‪ ،‬وقادت روسيا معارضة االقرتاح مع بعض الدول األفريقية ودول‬
‫التعاون اإلسالمي ما عدا ألبانيا ‪ -‬اليت رأينا امسها هي والبوسنة منذ وقت مبكر يف‬
‫‪313‬‬
‫قائمة الداعمني للوطية‪ .‬ومن الطريف أن جنوب أفريقيا نفسها مل تصوت لصاحل‬
‫هذا االقرتاح وامتنعت عنه‪ ،‬برغم أنها كانت (صانعة) ثورة ‪ 2011‬لصاحل اللوطية!‬
‫وبسبب هذا التاريخ من حماوالت دول التعاون اإلسالمي مقاومة تشريعات اللوطية؛‬
‫قوبلت كلمة األمري األردني زيد بن رعد احلسني حبفاوة‪ ،‬حينما حتدث عن وجوب‬
‫التزام كافة دول العامل حبقوق اللوطيني‪ ،‬منتقدا كافة املمارسات العدائية حبقهم‪،‬‬
‫ويف املقابل غضب مندوب آل سعود‪ ،‬قائال بأن اللوطية ضد الشريعة‪ ،‬وأنهم يرفضونها‬
‫وعلى زيد بن رعد واملفوضية احرتام رغبتهم يف أن يعيشوا كما يريدون)‪، (225‬‬
‫ولعلهم مل يأتوا بهذا الكائن يف منصبه كمفوض األمم املتحدة حلقوق اإلنسان منذ‬
‫‪ 2014‬حتى ‪ ،2018‬إال لصناعة صدام بيين إسالمي‪-‬إسالمي يُحرِّك موقف دول‬
‫التعاون الصامدة يف وجه هذا اإلقرار إىل اآلن‪ .‬وقد استعرضنا االحتماالت املستقبلية‬
‫يف فصل سابق‪.‬‬
‫بذا نكون قد استعرضنا النصوص القانونية الرئيسية اليت ميكن االستناد إليها حني‬
‫النزاع‪.‬‬
‫ولنسأل‪ :‬ماذا لو ثار نزاع فعلي بني العامل الغربي أو دولة حمددة داعمة للوطية وبني‬
‫دولة أخرى تنفذ أحكام الشريعة يف اللوطيني على سبيل املثال واملتدرجة حسب‬
‫السلوكيات إىل درجة اإلعدام؛ ما موقف القانون الدولي يف مثل ذلك النزاع؟‬
‫احلقيقة أن القانون الدولي سيستند إىل آالف النصوص وعشرات املعاهدات واألحكام‬
‫القضائية يف (األمم املتدينة) كلها تصب يف اجتاه إدانة الدولة اليت تطبق ما ميس‬
‫اللوطية!‬
‫‪314‬‬
‫جيب أن ننظر هنا مبنظور اجملتمع الغربي للوطيني‪ :‬فهم عنده أقلية اجتماعية‬
‫مضطهدة يُمارَس عليها إرهاب وقمع دائم مؤطر قانونا‪ ،‬وبالتالي يدخل أي مساس‬
‫باللوطية يف نطاق السلوكيات العنصرية‪ ،‬ويعترب أي إعدام للوطيني مبثابة إبادة‬
‫منظمة! ألقرب الصورة إليك أكثر‪ :‬أنت نفسك حينما تسمع األمم املتحدة تدعو‬
‫الصني لوقف اضطهاد مسلمي اإليغور‪ ،‬تؤيد ومتدح هذه الدعوى‪ ،‬بل تنتقد عقوباتها‬
‫الرخوة‪ ،‬وتأمل لو وصلت لقصف الصني أو ما هو أشد‪ ،‬إليقاف هذا االضطهاد ضد‬
‫مسلميها = ضع مكان (مسلمي اإليغور) اللوطيني؛ وضع مكان االضطهاد اإلبادة‪،‬‬
‫لتدرك جيدا مشاعر اجملتمع الغربي وسبب دعمه املتطرف لتلك القضية!‬
‫إن كل التهم املوجودة يف الفقرة السابقة أكثر من كافية لتحرك اجملتمع الدولي‬
‫وجتييشه‪ ،‬ولتأسيس قانوني قوي قد يصلح خلرق مبدأ عدم التدخل الذي يعد أحد‬
‫أهم قواعد القوانني الدولية (‪.)226‬‬
‫وكل ذلك نوقش بالفعل يف أطر العمل الدولي احلقوقي‪ ،‬فيما وصف بأنه منظور‬
‫جديد للعالقات الدولية‪ ،‬حيث يُطالب احلقوقيون املؤسسات الغربية بتفعيل عقوبات‬
‫ضد الدول اليت تضطهد اللوطيني‪ ،‬كما حدث ضد الدول اإلسالمية وأوغندا‬
‫وغريهم من الدول املتهمة مبعاندة األجندة احلقوقية الغربية يف هذا املوضوع؛‬
‫فالليربالية مل تعد وحدها املطلوب اإلذعان إليها؛ بل املطلوب هو اإلميان بليربالية‬
‫الشذوذ ‪ ،Queer Liberalism‬وفيها تكون قضية اللوطية هي العنوان اجلامع‬
‫لكل قضايا احلقوق األخرى)‪! (227‬‬
‫‪315‬‬
‫‪ )2‬الضبط التشريعي والقضائي‪.‬‬
‫ال يتكامل الضبط السياسي إال بالضبط الرمسي التشريعي والقضائي‪ ،‬وهو ذو‬
‫مستويني‪ :‬األول دولي‪ ،‬ناقشناه يف القسم السابق‪ ،‬والثاني حملي أو إقليمي‪ ،‬خيتلف‬
‫من مكان آلخر = غري أن التوجه العاملي حاليا مييل إىل تشريع القوانني اليت متكِّن‬
‫اللوطيني من االرتباط أو الزواج أو على األقل التواجد اجملتمعي احلر‪ ،‬وهذا هو ضبط‬
‫إجيابي‪.‬‬
‫ويتمثل الضبط السليب يف تشريع عقوبات تؤذي معادي اللوطية وكاره اللوطيني‬
‫حتت عنوان رفض التشويه العنصري أو اجلنسي‪.‬‬
‫لنضرب باليابان مثال‪ ،‬فاللوطية غري مُجرَّمة عندها‪ ،‬وتأثيمها مل يكُن إال (بدعة‬
‫أوروبية) غريبة على اليابانيني‪ ،‬الذين عرفوا اللواط بني مجوع مقاتلي الساموراي‬
‫وبني قطعان الكهنة البوذيني‪ ،‬ووجِد لقرون طويلة دون نكري جمتمعي واسع‪ ،‬مع‬
‫احلفاظ على كون األسرة الطبيعية هي األساس )‪.(228‬‬
‫وقد قيل إن أودا نبوجنا‪ ،‬القائد احلربي الياباني الشهري‪ ،‬والذي عاش بالقرن السادس‬
‫عشر‪ ،‬كان على عالقة لوطية برجل آخر ضُرِب بها مثل الوفاء يف اجملتمع الياباني‪،‬‬
‫الذي مل يعرف حتريم اللوطيَّة‪ ،‬ال دينا وال عرفا‪ ،‬قبل ورود التشريعات األوروبية يف‬
‫القرنني األخريين )‪ .(229‬ومل يتبق للوطيني يف العصر احلاضر من حقوق إال‬
‫التشريع الرمسي لزواجهم مدنيا‪ ،‬بالرغم من أن (وثائق الشراكة اللوطية) اليت‬
‫تقدمها اليابان للوطيني متاثل الزواج يف أكثر احلقوق)‪ ، (230‬إال أنهم يسعون إىل‬
‫‪316‬‬
‫ما هو أكثر من ذلك كاملعتاد‪ ،‬وإن هي إال بضع سنوات حنسات ويصبح الزواج‬
‫الكامل حقا من حقوق اللوطيني هناك‪.‬‬
‫فإن ذهبنا إىل اهلند‪ ،‬وجدنا زُمرَ احملتفلني جتوب البالد منذ أشهر‪ ،‬سعادةً بانتصار‬
‫اللوطيني‪ ،‬الذين قضت احملكمة اهلندية العليا هلم بأن فعلهم ليس جرمية )‪،(231‬‬
‫وهي اخلطوة اليت ستتلوها بعد ذلك سلسلة معروفة ومعتادة من األحكام القضائية‬
‫والتشريعية اليت تضبط اجملتمع بوسائلها اإلجيابية‪ :‬تعزيز الشراكة اللوطية‬
‫والزواج بينهم ‪ /‬والسلبية‪ :‬تشريع عقوبات رادعة ضد كل من يهاجم اللوطيني أو‬
‫يضطهدهم!‬
‫أما يف العامل العربي‪ ،‬فتعترب تونس أقرب الدول لتشريعات قانونية تبيح اللوطية‪،‬‬
‫وقد تزعمت بشرى بلحاج ‪-‬رئيسة جلنة احلريات الفردية املكلفة من قبل الرئيس‬
‫التونسي اهلالك السبسي‪ -‬محلة حقوقية إللغاء جتريم اللوطية‪ ،‬موصيةً بذلك يف‬
‫املذكرات اليت قدمتها جلنتها إىل الرئاسة‪ ،‬رافضة أي دعوة لالستفتاء على تلك‬
‫التشريعات املنتظرة قائلة‪ :‬ال ميكن وضع حقوق اإلنسان حمل استفتاء (‪!)232‬‬
‫كذلك تسهم املؤسسات التشريعية بتبين اللوطيني لألطفال وتنشئتهم‪ ،‬وقد‬
‫أوضحت دراسة أمريكية تبين أربعة وتسعني ألف زوج لوطي أمريكي ألطفال صغار‬
‫)‪ = (233‬وهو ما يُضفي صيغة (األسرة) على الروابط اللوطية‪ ،‬ويُخرِّج أجياال‬
‫جديدة نُشِّأت على أيدي القوم اجملرمني‪ ،‬فتكون العالقة معهم أكرب من جمرد‬
‫تقبُّل! ستكون القضية مُع َتقَد خمتوم يف القلوب‪ ،‬حبب الوالدين والوالء هلما!‬
‫‪317‬‬
‫حكِم يف‬
‫وقد بدأت آثار فلسفة التشريع تلك تظهر يف القضايا‪ ،‬ففي نهاية عام ‪ُ ،2019‬‬
‫أمريكا على أدولفو مارتينيز‪ ،‬الذي حرق علما للوطيني وجده مرفوعا على الكنيسة‪،‬‬
‫بالسجن ‪ 15‬عاما‪ ،‬بتهمة جرمية كراهية وإتالف ممتلكات الغري)‪! (234‬‬
‫ويف نفس الوقت‪ ،‬أيدت إحدى احملاكم اإلجنليزية قرارا بالفصل التعسفي للباحثة‬
‫مايا فورسرت من عملها‪ ،‬بعدما ذكرت على صفحتها مبواقع التواصل االجتماعي أن‬
‫اخلِناث ليسوا نساءً حقيقيني‪ ،‬فطُرِدت‪ ،‬وجلأت للقضاء مستندةً إىل القانون‬
‫اإلجنليزي الليربالي الذي يرفض فصل املوظفني بسبب معتقداتهم‪ ،‬وأثناء احلكم‬
‫برفض دعواها‪ ،‬قال القاضي أنها مؤيدة للطغيان‪ ،‬وال تستحق احرتام اجملتمع‬
‫الدميقراطي )‪! (235) (236‬‬
‫لتحيا احلرية الليربالية‪ ،‬ولتعلو القيم الدميقراطية!‬
‫‪ )3‬الضبط التعليمي ورقابة األسر‪.‬‬
‫املدرسة لألطفال واملراهقني هي املؤسسة الرئيسية للتنشئة االجتماعية األولية‪،‬‬
‫بعد األسرة‪ ،‬يف اجملتمعات املعاصرة )‪(237‬؛ بل تفوق أحيانا دور األسرة ذاتها بوسائل‬
‫خمتلفة‪.‬‬
‫وتعترب املؤسسة التعليمية جزءا من عملية أكرب وهي ضبط التنشئة االجتماعية‬
‫الرمسية لألطفال‪ ،‬وفيها ينسق التعليم مع املؤسسات الرقابية االجتماعية املكلفة‬
‫باإلشراف على األسر والتحكم فيها‪.‬‬
‫‪318‬‬
‫ومطمع السلطات احلديثة هو (الطفل) الذي ال ينفك الرتكيز احلكومي األكرب‬
‫يتمحور حوله بالقرون األخرية‪ ،‬ومظهر ذلك‪ :‬فرض الرقابة املستمرة عليه وعلى‬
‫أسرته‪ ،‬لتشكيله خالل منوه مبا جيعله (مواطنا صاحلا)‪ ،‬وذلك بالتدخل الدؤوب يف‬
‫شؤون األسرة لتعديل أي (خطأ) يف عملية التنشئة )‪ ،(238‬واخلطأ ‪ -‬بالطبع ‪ -‬هو‬
‫كل ما تُحدِّد احلكومة أنه خطأ! مثل اضطهاد اللوطيني أو استقباح فعاهلم!‬
‫إن األسرة مل تعد (ذات خصوصية) متكنها من تنشئة طفلها على قيمها وعقائدها‬
‫وحدها‪ ،‬وباألسلوب الذي ختتار‪ ،‬بل (فُتحت) لتصبح موضع عمل القوى االجتماعية!‬
‫وقد دُشِّن ذلك عرب سلسلة (قضائية وإعالمية) استمرت طوال السبعينيات‬
‫والثمانينيات‪ ،‬تفضح حاالت استغالل األطفال وضربهم‪ ،‬يف البداية‪ ،‬ثم االعتداء‬
‫صنِعت مأساة مكينة لتلك احلاالت مع حتويل‬
‫اجلنسي عليهم من األهالي بعد ذلك‪ .‬و ُ‬
‫حماكماتها إىل قضايا رأي عام = ما أدى يف النهاية إىل مطالبات جمتمعية‬
‫بتشريعات تزيد الرقابة الرمسية اجملتمعية على األسر وغزو خصوصيتها )‪!(238‬‬
‫وهي (احلالة) اليت سيتعرض هلا مارتن إينيس كنموذج لتشكيل اإلعالم وعي‬
‫الشعب وحتديد قضاياه السياسية ذات األولوية؛ فقد الحظ أن كال من بريطانيا‬
‫والواليات املتحدة تعاملتا مع قضايا تشهي األطفال (البيدوفيليا) مببالغة ضخَّمت‬
‫احلقائق واألحداث‪ ،‬وركزت النقاش اإلعالمي الكثيف مبا ينقل القضية من جمرد‬
‫حاالت قليلة وأرقام صغرية إحصائيًّا‪ ،‬إىل حالة رهبة وذعر جمتمعي = وكان الناتج‬
‫يف كلتا البلدين زيادة تشريعات فرض الرقابة الصارمة على األطفال باسم‬
‫محايتهم من االستغالل األسري!‬
‫‪319‬‬
‫ويتعجب إينيس من قدرة ذاك اإلعالم على حتويل قضية ضئيلة األرقام‪ ،‬واجلاد من‬
‫جرائمها حقري ملام = إىل قضية رأي عام وذعر وطين تُرجِم إىل مطالب التوسع يف‬
‫صالحيات الدولة وأدواتها يف إحكام الضبط االجتماعي والتدخل يف عمل األسر‬
‫وتربيتها ألوهلا )‪!(237‬‬
‫إن الضبط التعليمي أكرب من جمرد نقل معرفة املدرسني إىل الطالب وحشد حزم‬
‫املعلومات يف عقول النشء داخل املدارس؛ بل هو عملية ضخمة ُتنقل بها (ثقافة)‬
‫النظام كاملة إىل الصغار واملراهقني‪ ،‬ويف سبيل ذلك تُزال أي عقبات حمتملة أمام‬
‫عملية (النقل) تلك‪ ،‬حتى لو كانت األسرة ذاتها! إن الطفل الذاهب إىل املدرسة ينقل‬
‫معه قيم أسرته‪ ،‬وعلى املدرسة توفري بيئة تعليمية متوازنة بني الطالب‪ ،‬بالتقارب‬
‫الثقايف العام بني بعضهم البعض‪ ،‬وكذا بني القيم املدرسية اليت هي متثيل للمعيار‬
‫االجتماعي‪ ،‬والقيم املنزلية واألسرية اخلاصة بكل طالب (‪.)239‬‬
‫وقد نظَّر كال من بيري بورديو وجان كلود باسريون لعملية التعليم احلديث تلك‪،‬‬
‫يف نظريتهم عن (الفعل التعليمي)‪ ،‬وهو ما يعرفونه بأنه عنف رمزي يُستعمل بالقدر‬
‫الذي تفرض به القوة احلاكمة ثقافتها املهيمنة‪ ،‬جمادلني بأن العملية التعليمية‬
‫ليست إال نقال غري مباشر للمعتقدات واالهتمامات اخلاصة باجلماعة أو الطبقة‬
‫احلاكمة واملهيمنة‪ ،‬وإعادة النظام االجتماعي إنتاج نفسه واحملافظة على‬
‫الرتكيبة السلطوية واالجتماعية اليت تهيمن فيها اجلماعة احلاكمة بأداة (الفعل‬
‫التعليمي) = توريثا لألجيال اجلديدة معتقدات اجلماعة املهيمنة )‪.(240‬‬
‫‪320‬‬
‫فالعملية التعليمية القوميَّة احلديثة يف الغرب ليست جمرد أداة إنتاج املتخصصني‬
‫والعلماء والفنيني األكفاء‪ ،‬بل أداة إنتاج (مواطنني صاحلني) يعتنقون (دين الدولة)‬
‫اليت ينتمون إليها ويستبطنون ثقافة اجلماعة املهيمنة = ولذلك دُعِّمت تلك العملية‬
‫مبؤسسات اجتماعية تراقب األسر والثقافات الفرعية واملضادة وتضغطها باإلرهاب‬
‫الدائم‪ ،‬خشيةً من تدخل الوالدين وإفساد خطة التنشئة التعليمية اليت وضعها‬
‫النظام‪.‬‬
‫وعليه كان للضبط الرمسي التعليمي جماالن‪ :‬مدرسي‪ ،‬واجتماعي موسَّع‪.‬‬
‫أوال‪ :‬الضبط املدرسي‪.‬‬
‫تبدأ حكومة اجملال التعليمي بصناعة بيئة مدرسية تسهم يف تعزيز اللوطيَّة‪ ،‬وذلك‬
‫بضبط إجيابي (‪ )+‬يريح اللوطيني ويدللهم وينشر أفكارهم يف املناهج التعليمية‪،‬‬
‫وضبط سليب (‪ )-‬يعاقب املُعلِّمني والطالب الذين يرفضونهم أو يزدرونهم‪.‬‬
‫ففي بريطانيا‪ ،‬حظرت أربعون مدرسة ارتداء التنانري القصرية للفتيات‪ ،‬وأجربت‬
‫اجلنسني على ارتداء زي موحد واالتزار بسروال طويل = حبجة أن ارتداء التنانري فيه‬
‫متييز جندري بني الذكر واألنثى‪ ،‬وفيه مضايقة للخِناث الذين يريدون تصنيف‬
‫أنفسهم كفتيات)‪ (241‬وهو ما جيربهم بالتالي على ارتداء تنانري قصرية جتسد‬
‫عضوهم الذكري!‬
‫واملأساة واملهزلة يف آن‪ ،‬أن بعض اخلِناث عارضوا القرار ألنهم يريدون ارتداء التنانري‬
‫حيد من حريتهم ال العكس!)‪(242‬‬
‫كالفتيات‪ ،‬وزعموا أن القرار ُّ‬
‫‪321‬‬
‫ورعاية وتدليال للخِناث‪ ،‬زُفَّت للعامل اإلسالمي يف ‪ 2018‬بشرى افتتاح أول مدرسة‬
‫للخناث اللوطيني يف باكستان‪ ،‬وهي مؤسسة باسم (حراس اجلندر) بدأت بثالثني‬
‫طالبا يف مدينة الهور)‪! (243‬‬
‫كما أنشئت يف كندا‪ ،‬منذ التسعينيات‪ ،‬حركة تطلب تطبيع املفاهيم والقيم‬
‫اللوطيَّة يف املؤسسة التعليمية‪ ،‬بتقديم صورة إجيابية عن اللوطيني يف املناهج‪،‬‬
‫وكذلك محايتهم يف املدارس‪ ،‬وجابهت (مرض) كراهية اللوطية (اهلوموفوبيا)‪،‬‬
‫وكانت البداية حبمالت توعية الناس لوجوب التوقف عن إبداء ضيقهم من أفعال‬
‫اللوطيني‪ ،‬مثل القبالت املتبادلة علنا بينهم‪ ،‬أو حتى الزواج اللوطي )‪ .(244‬وهي‬
‫حركة حتقق فتوحات متتالية منذ بداية األلفية يف جمال صناعة بيئة تعليمية‬
‫مناسبة للوطيني متنع التضييق عليهم بأي صورة)‪ (245‬؛ ففي عام ‪ 2002‬قضت‬
‫احملكمة الكندية العليا بأحقية اللوطيني طالبا وأزواجا يف عدم تعرضهم ألي‬
‫مناكفة‪ ،‬ويف تضمني املناهج الدراسية صورة إجيابية عن حياتهم جنبا إىل جنب مع‬
‫األزواج الطبيعيني‪ ،‬ويف عام ‪ ،2015‬قالت نيكي مورجان سكرترية وزارة التعليم‬
‫اإلجنليزية‪ :‬إنين أريد أن يعلم كل شاب وصغري من اللوطيني أنين جبانبه‪ ،‬وأن‬
‫احلكومة ستصنع كل ما يف وسعها للتأكد من قضائهم وقتا سعيدا يف املدرسة‪،‬‬
‫يسمح هلم فيه بأن يكونوا أنفسهم )‪.(246‬‬
‫‪322‬‬
‫ويف أمريكا مل ينقطع الكثري من املرشحني والنواب الربملانيني عن املطالبة برفع‬
‫مستوى تطبيع اللوطيَّة يف املدارس واملناهج؛ فعلى سبيل املثال‪ ،‬قدَّم ممثلو مقاطعة‬
‫فريفاكس األمريكية‪ ،‬مناشدة جمللس مدارس املقاطعة من أجل إضافة مناهج‬
‫تعليمية عائلية تؤكد على وجود منط الشباب اللوطيني )‪.(247‬‬
‫لكن‪ ،‬أيقتصر اللوطيون على مطالبهم بتدريس اللوطية يف املناهج؟‬
‫ال! فقد طالبت مجاعة حقوقية لوطية بتدريس تاريخ اللوطيني يف املدارس )‪،(248‬‬
‫وهو ما حدث بالفعل يف والية كاليفورنيا اليت قررت تبين مدارسها مقررات‬
‫تارخيية تظهر املساهمات التارخيية للوطيني بصورة إجيابية)‪ ! (249‬تصوَّر أن‬
‫يُدرَّس ألطفال وناشئة املسلمني يف العامل العربي تاريخ أبي نواس‪ ،‬ال باعتباره شاعرًا؛‬
‫بل باعتباره لوطيا! أن يُمدح للوطيته أوال‪ ،‬ولعبقريته الشعرية كلوطي ثانيا!‬
‫إن كل ذلك الضبط املدرسي اإلجيابي والسليب‪ ،‬ترغيبا يف االحتفاء باللوطية‬
‫وترهيبا من عدائها‪ ،‬مل يكف اللوطيني املتذمرين والذين يفِحُّون نقمةً من‬
‫(اإلجراءات غري املُرضِية) وطلبهم األبدي مزيدَ توسعٍ يف قمع أي مصدر تشويه هلم!‬
‫ما نتاج كل ذلك؟ تصوَّر معي أجياال تتهيَّب مسَّ اللوطية أو حتى جماورة املسيء‬
‫إليها‪ ،‬أي انقالب للمعادلة االجتماعية حيدث‪ :‬حني يصري العام الصحي هو تقديس‬
‫الطالب للوطية‪ ،‬والشاذ املريض هو غري املؤيِّد!‬
‫سع‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الضبط االجتماعي المو َّ‬
‫وهذا قسيم املدرسة يف التنشئة التعليمية الرمسية‪ ،‬وعماده املؤسسات االجتماعية‬
‫احلكومية اليت تراقب مدى تأثري األسر على أبنائها يف تنشئتهم على الثقافة‬
‫‪323‬‬
‫اجملتمعية = إن كانت مندجمة فبها ونعمت‪ ،‬وإن كانت مضادة وجب التدخل‬
‫والتعديل متدرج القسوة!‬
‫وعملها اإلجيابي يكون بتقديم أنشطة اجتماعية غري مدرسيَّة تساعد يف تطبيع‬
‫اللوطيَّة عند النشء‪ ،‬ومثاله ما صنعته مكتبة نيويورك من استضافة خناث لوطيني‪،‬‬
‫يسمونهم ‪ ،Drag Queen‬ليقصوا على األطفال جمموعة من احلكايات املسلية‬
‫املضحكة‪ ،‬كي يتعود األطفال عليهم وعلى مظهرهم )‪ !(250‬أي الطرق أقرب لقلب‬
‫ابنك من القاصِّ الذي يرويه أمجل وألطف احلكايات؟! وال أدري أي شيطان نفث يف‬
‫صدورهم تلك احليلة لسحر قلوب األطفال وعقوهلم!‬
‫أما عملها السليب العقابي؛ فيتمثل يف تنفيذ عقوبات متدرجة على األهل املقاومني‬
‫للثقافة اجملتمعية‪ .‬وتتصاعد العقوبات من جمرد تهديد رمسي وتغريم مالي‪ ،‬إىل‬
‫خطف األطفال من أهاليهم وتسليمهم ألسر أخرى!‬
‫واألمثال على ذلك كثرية؛‬
‫ففي سويسرا غُرِّم مسلم بوسنوي مبلغا ماليا كبريا لرفضه حضور جنلته دروس‬
‫السباحة املختلطة‪ ،‬واليت ينكشف فيها جسدها وختتلط بتلك الصورة مع الذكور‪،‬‬
‫وكان االدعاء يطالب بسجن املسلم ال جمرد تغرميه‪ ،‬وقد حتجج قرار احملكمة بأن‬
‫األب "ينتهك واجب العناية والتعليم حبق بناته" (‪ .)251‬وقد قضت احملكمة األوروبية‬
‫حلقوق اإلنسان‪ ،‬بعد أشهر من الواقعة األوىل‪ ،‬بإلزامية السباحة املدرسية لبنات‬
‫املسلمني وعدم إعفائهم منها‪ ،‬ردا على شكوى من عائلة تركية سويسرية )‪.(252‬‬
‫وال يقتصر األمر على السباحة‪ ،‬بل إن جمرد رفض تبادل املصافحة بني اجلنسني‬
‫‪324‬‬
‫يكون كفيال بإشعال الرأي العام واستعمال السلطات الرمسية للمحاكم‬
‫والعقوبات‪ ،‬كامتناع فرنسا عن منح اجلنسية ملغربي رفض مصافحة النساء‪،‬‬
‫ورفضت زوجته خلع نقابها أمام الرجال (‪ ،)253‬وكهياج هولندا ضد العب مسلم‬
‫رفض مصافحة صحفية )‪ (254‬وكذا أملانيا مع أب مسلم رفض مصافحة معلمة‬
‫بناته (‪ ،)255‬وكذا سويسرا مع طالبني مسلمني رفضا مصافحة النساء‪ ،‬جمربة‬
‫إياهم على فعل ذلك‪ ،‬مع اختاذ السلطات إجراءات أشد قسوة يف حق عائلة سورية‬
‫رفض ذكورها الشباب املصافحة يف املدرسة‪ ،‬برفضها جتنيس األسرتني أبدا‪ ،‬ال‬
‫جمرد التغريم (‪ )256‬وهذا مثيل ما جرى حينما رُفِض جتنيس أسرة مشال أفريقية‬
‫امتنعت عن املصافحة أثناء لقاء التجنيس‪ ،‬حبجة أنها فشلت يف االندماج باجملتمع‬
‫السويسري (‪!)257‬‬
‫وال يقتصر الضبط اجملتمعي الرمسي العقابي على جمرد الغرامات ضد املسلمني‬
‫وإجبارهم قبل أوالدهم على املبادئ والقيم الليربالية املنحلة‪ ،‬بل يتجاوز ذلك إىل‬
‫خطف األطفال من أهاليهم وإعادة تسليمهم ألسر أوروبية‪.‬‬
‫فقد ان ُتزِع أربعة أطفال أردنيني من أسرتهم ووُزِّعوا على أسر سويدية‪ ،‬حبجة أنهم‬
‫تعرضوا ملعاملة غري الئقة‪ ،‬وهو حكم أصدرته موظفة شؤون اجتماعية الحظت‬
‫‪325‬‬
‫طف ثالثة‬
‫خِ‬
‫بعض الغلظة من األم أثناء انتظار أوالدها حلافلة املدرسة (‪ !)258‬وقد ُ‬
‫أطفال سوريني من أسرتهم حبجة مشابهة (‪!)259‬‬
‫نعم يا أخي‪ ،‬مت انتزاع صبيان وبنات مسلمني من أهاليهم وتوزيعهم على أسر صليبية‬
‫أو ملحدة أو لوطية كي تُنشِئهم‪ ،‬ألن موظفة جمرمة فاسدة املعتقد قررت ذلك‪،‬‬
‫لغلظة األم يف تعاملها مع أوالدها! تلك هي جنة السويد وأوروبا اليت يُغامر املسلمون‬
‫باملوت هم وأوالدهم كي يعيشوا فيها يوما!‬
‫أمل تسمع عن مجال عقيل‪ ،‬وحماوالته الدؤوب احلصول على أبنائه األربعة ملدة‬
‫سنوات عشر بال طائل؟ لقد عوقب الرجل على ديونه بسحب أربعة من أطفاله‬
‫الثمانية وتنشئتهم عند أسر أخرى‪ ،‬تارةً حبجة ديونه وتارةً حبجة تعنيفهم‬
‫لألطفال‪ ،‬وهو ما أثبت مجال عرب احملاكم عدم صحته‪ ،‬ومع ذلك فشل يف اسرتجاع‬
‫أوالده (‪!)260‬‬
‫ومثله حاالت متفرقة يف أملانيا النتزاع األطفال أو توجيه إنذار لألهل )‪.(261‬‬
‫بل ال يقتصر األمر على سحب األطفال جملرد التحجج بالتعنيف أو العقاب البدني‬
‫من أي نوع؛ فقد ثارت إحدى الطوائف املسيحية يف النرويج الختطاف مخسة أطفال‬
‫ بينهم رضيع يف الشهر الثالث ‪ -‬من أسرهم باحلجة املعتادة (تعنيف األبناء) = وقد‬‫أكد الوالدان أن تلك حجة كاذبة‪ ،‬وأنهما خُطفا حقا من أجل (التعاليم الدينية)‬
‫اليت يُنشِّئون أوالدهم عليها! بل وصل األمر يف حالة أخرى مع زوجني هنديني إىل‬
‫درجة تضرر العالقات بني البلدين‪ ،‬حينما أكد الوالدان اهلنديان أن خطف أطفاهلم‬
‫‪326‬‬
‫مل يكن إال بسبب تعليم أوالدهم األكل باليدين ومشاركتهم ذات السرير –وهي‬
‫سلوكيات مستهجنة يف أوروبا)‪ ! (262‬وقد بلغ عدد حاالت الضبط العقابي‬
‫باالختطاف يف تلك البلد بعام ‪ 2014‬وحده ألف وستمئة ومخسة وستني طفال‪ ،‬ثلثهم‬
‫من غري أهل البلد )‪!(263‬‬
‫وتتضاعف معاناة املسلمني عن األسر األخرى؛ ففي السويد عانى ستة وسبعون طفال‬
‫فلسطينيا من اخلطف الرمسي‪ ،‬وتنشئتهم يف أسر أخرى‪ ،‬وقد بلغ عدد الفتيات‬
‫اللواتي فقدن عذريتهن دون زواج عشرون مسلمة‪ ،‬أثناء إقامتهن مع العائالت‬
‫السويدية )‪!(264‬‬
‫إن املؤسسة االجتماعية الرقابية على األطفال تلعب يف الدولة الغربية املعاصرة دورا‬
‫هائال يف ضبط العادات والتقاليد والعقائد؛ وال يتغافل إال أنوك سفيه عن الدور الذي‬
‫ستلعبه تلك املؤسسات يف مراقبة عملية تطبيع اللوطية يف عقول األطفال من خالل‬
‫املدارس = فهي تتدخل لرقابة األسر وتعرف جيدا موقف املسلمني منها‪ ،‬ما يعين أن‬
‫األضواء ستُسلَّط عليهم أكثر من غريهم‪ ،‬اختبارا للثقافة اليت يُنشئون عليها‬
‫أوالدهم‪ .‬انظر مثال كيف وصل العناد يف إجنلرتا بإحدى مدارس برمينجهام‬
‫املزدمحة بأطفال املسلمني إىل حد فرض مديرها اللوطي مناهج تشجيع وحتفيز‬
‫اللوطية يف األطفال‪ ،‬ودخوله يف معركة مع األهالي‪ ،‬الذين مل جيدوا مربرا‬
‫لرفضهم سوى التحجج بأن األطفال صغار‪ ،‬وأنهم ال يكرهون اللوطية وال‬
‫يرفضونها!‬
‫‪327‬‬
‫وقد تظاهروا وامتنعوا عن الدراسة؛ وأوقفت السلطات تعليمهم احملتوى اللوطي‬
‫مؤقتا‪ ،‬قبل أن يُصدر القضاء الربيطاني حكما مبنع املظاهرات اليت نظمها األهالي‪،‬‬
‫خمربا إياهم أن واجبهم االلتزام باحرتام كافة التوجهات اجلنسية)‪! (265‬‬
‫فكِّر معي‪ :‬تلك املؤسسات اليت تُعاقب رافض املصافحة باحلرمان من اجلنسية‬
‫والغرامات‪ ،‬وختطف األوالد من أهاليهم للنوم على سرير واحد = كيف ستصنع‬
‫حينما يبلغها تنشئة املسلم أوالده على وجوب قطع رأس اللوطي أو حرقه؟!‬
‫ثانيا‪ :‬الضبط االجتماعي غري الرمسي‪.‬‬
‫الضبط االجتماعي غري الرمسي هو الذي يُمارس تلقائيا من اجملتمع نفسه‪ ،‬وال‬
‫عالقة سلطوية مباشرة به‪ ،‬وهو أنكى أثرا من الرمسي‪ ،‬ألنه أعلق باألقارب‬
‫واجملتمعات الضيقة احمليطة باملرء‪.‬‬
‫وقد ناقشنا قبال كيف كان القول بأن هذا الضبط غري متعلِّق بالدولة‪ ،‬ليس إال‬
‫ادعاءً بالغ السذاجة؛ فالدولة الغربية تفرض دينها الذي تعتنقه‪ ،‬علمانيا أو غري‬
‫علماني‪ ،‬على اجملال اجملتمعي بأسره‪ ،‬وتتدخل مبراقبة لصيقة لألهالي لتغيري‬
‫معتقداتهم أو معتقدات أبنائهم ترغيبا وترهيبا‪ ،‬حتى تصل يف الدول اإلسكندنافية‬
‫خلطف األطفال بناءً على أوهى األسباب وأدنى الشكوك!‬
‫وعليه ميكن فهم الدور الذي متارسه العائلة‪ ،‬ومؤسسات الدين احلقيقي يف الدولة‪،‬‬
‫وكذلك مؤسسات األديان العلمانية‪ ،‬املؤسسات احلقوقية‪.‬‬
‫فالكل يلعب دورا إجيابيا يف الضبط‪ ،‬باحتضان اللوطي ورعايته والسعي على راحته‪،‬‬
‫ودورا سلبيا يتمثل يف التشنيع على أعداء اللواط‪ ،‬واحتقارهم ونبذهم باعتبارهم أهل‬
‫سوء وشر وعداء لإلنسان‪.‬‬
‫‪328‬‬
‫‪ )1‬العائلة‪ ،‬األسرة الحارسة‪.‬‬
‫تُحفَّز العائالت يف الغرب على دعم اللوطيني واخلِناث منذ الصغر‪ ،‬ويُمكن التمثيل‬
‫ببعض صور الدعم يف اآلتي (‪:)132‬‬
‫‪ )1‬دعم وتشجيع اآلباء ألطفاهلم ‪-‬من سن اخلامسة‪ -‬إن مالوا إىل ارتداء زي اجلنس‬
‫اآلخر‪.‬‬
‫‪ )2‬من يلجأ منهم ملستشفيات األطفال املتقدمة‪ ،‬يُنصحون بدعم األسر أطفاهلا بأن‬
‫يكونوا أنفسهم؛ لتعزيز مفهوم األمن واحرتام الذات لديهم‪.29‬‬
‫‪ )3‬مع وصول األطفال لسن املراهقة‪ ،‬خيتار بعض اآلباء حقنهم ومنعهم طبيا من‬
‫البلوغ = حتى يكتسبوا وقتا لفهم هويتهم احلقيقية!‬
‫وأمثلة ما سبق عديدة‪ ،‬منها حاالت ألسر ساندت أطفاهلا يف احنرافاتهم العبثية‬
‫كارتداء التنانري واملالبس احلريرية الداخلية اخلاصة باألم = فهذا كله‪ ،‬مل يعد‬
‫عبث أطفال‪ ،‬وإمنا عالمات ودالالت هامة على أن الطفل من اخلِناث‪ ،‬وكذا احلال‬
‫مع الطفلة األنثى املرتجلة‪ ،‬كما رأينا يف الفصل املاضي‪ .‬فقد انتهى الزمن الذي‬
‫‪29‬‬
‫وهذا ما أنبه له دائما في حديثي عن (مناهج التربية الحديثة) القائمة على تسويد الطفل على األهل‪ ،‬فالمقوالت الكبرى التي يرددها‬
‫بعض الجهال من القابضين على الملف التربوي ال َجَرم ُت ِّلزم أصحابها بتلك اللوازم التي وصل إليها الغرب‪ ،‬ولو نبذوها وقعوا في‬
‫التناقض! فالحل ليس (أسلمة) تلك المناهج وزخرفة مقوالتها الكبرى بآيات وأحاديث‪ ،‬إنما االستفادة منها في بناء منهج إسالمي‬
‫خاص ال عالقة له بها وال ُيسلِّم لمقوالتها ومسلماتها الرئيسية‪.‬‬
‫‪329‬‬
‫تصنف فيه تلك األفعال كخلل عقلي‪ ،‬وحل الزمن الذي تعترب فيه (عدم راحة مع‬
‫نوع امليالد) جيب دعم صاحبه ليختار ما يشاء! وهذا الدعم حيصل على تقدير‬
‫مؤسسي وحقوقي كبري‪ ،‬وإن كان هناك خالف بني املتخصصني النفسيني حتديدا‬
‫حول أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬أخالقية حقن األطفال واملراهقني مبا مينع بلوغهم من هرمونات‪ ،‬وحجة‬
‫اجمليزين أن البلوغ‪ ،‬يف بعض احلاالت يكون مُدمِّرا‪ :‬فالفتاة اليت تعترب نفسها صبيًّا‬
‫وتتصرف عمرها باعتبارها كذلك‪ ،‬ميكن أن تنتحر إن جاءتها الدورة الشهرية‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬الزعم بأن األطفال يكونون أسعد بكثري عندما يساندهم األهل يف ختنثهم أو‬
‫تشبههم باجلنس الذي يريدونه‪ .‬يقول د‪ .‬كينيث زوكر أنه خيالف ذلك ويرفض‬
‫مبدأ (حق االختيار) مع الطفل‪ ،‬مؤكِّدا أن مثانني باملئة من األطفال يتغري سلوكهم‬
‫بتقدم العمر‪ ،‬وأنه شخصيا قد عاجل مخسمئة طفل عانوا من احنراف النوع قبل سن‬
‫املراهقة على مدار ثالثني عاما‪ ،‬وأصبحوا أشخاصا أسوياء بعد ذلك فكيف يزعمون‬
‫أن القرار الصحيح هو جعل الطفل حاكما هلويته‪ ،‬يعبث فيها كما يشاء؟ وقد نقلت‬
‫تقارير عدة حاالت كثرية خلناث ومرتجالت يريدون استعادة (جنسهم األصلي)‬
‫مرة أخرى‪ ،‬ويظهرون الندم على سريهم يف مسار (التغيري املظهري) الذي دمرهم‬
‫إىل املوت!‬
‫لكن يف كل األحوال‪ ،‬يُنبئ التوجه الغربي احلالي املؤسسي وغري املؤسسي‪ ،‬أن كل‬
‫مبدأ يساعد اللوطية‪ ،‬وكل حل يؤيدونه = سيسود‪ ،‬وينتهي ما عداه أو خينس‪ .‬هذا‬
‫مع مناهج الرتبية احلديثة والتأليه املنهجي للطفل‪ ،‬ال يعين إال مزيد انتشارٍ‬
‫للعائالت الداعمة لكل عالمة ختنث أو ترجُّل يف سلوك أطفاهلا‪ ،‬فبدال من التدخالت‬
‫املتصاعدة‪ ،‬والعقاب إن لزم لضبط الطفل على جادة الفطرة = ال يكون هم األسرة إال‬
‫(دعم) الطفل‪ ،‬و(تعزيز) قيم االختيار احلر لديه‪ ،‬و(مساندته) أمام اجملتمع الذي‬
‫ينظر إليه بتشكك أو ضيق!‬
‫‪330‬‬
‫إن الليربالية بدأت بعنوان (الدولة احلارسة)‪ ،‬طِلبةً منها لتقزيم دور احلاكمني‬
‫وإعطاء أكرب حرية لألفراد؛ فال تكون فوق احملكوم سلطة متلي عليه ما يفعل‪ ،‬إمنا‬
‫سلطة حترس أمنه ال أكثر ‪ -‬واآلن تعيد هذا احلديث القديم‪ ،‬الذي انكمش بتطور‬
‫الليربالية‪ ،‬يف صورة (األسرة احلارسة) اليت ال متلك سلطة على الطفل وال متلي‬
‫عليه فعله‪ ،‬إمنا حترس أمنه وترعاه ال أكثر! ال توجيه وال تدخل إال يف أضيق‬
‫احلدود!‬
‫إن مفهوم األسرة احلارسة هو اآلخر ألعوبة عقلية من أالعيب الليربالية‪ ،‬فكما أن‬
‫الدولة مل تكن يومًا حارسة‪ ،‬بل كانت دوما ذات دين يُنشًّأ عليه اجلموع واألفراد‪.‬‬
‫كذا األسرة‪ ،‬هي األخرى يف سعيها لتصويب الطفل وتربيته على (احلرية) املزعومة‬
‫صارت مطالبة بقمع توجهه الطبيعي‪ ،‬سواء بدين الدولة الذي يعتنقونه‪ ،‬أو‬
‫بالتصرفات (السليمة) اليت تصبها مناهج الرتبية احلديثة يف آذانهم صبًّا!‬
‫أأنتفض كامللسوع وأهرول هنا وهناك ألن صبيي الذي مل يتم اخلامسة يلعب‬
‫بدمية‪ ،‬أو يرتدي حجاب والدته عابثا؟ أأشجعه على التخنث وأحدثه كفتاة وأمتادى‬
‫فأعطيه حقن إنبات الثدي ووقف النمو وانتظار مواعدته للرجال؟ أي جنون! أي ننت‬
‫وسفول؟ لكن هذا ما حيدث‪ ،‬واحلاالت متواترة الظهور يف اإلعالم الغربي! لقد َلوِث‬
‫الغربيون واشتملهم شيطان اللوطية!‬
‫واحلقيقة أن األهل لن يصريوا أبدا أسرة حارسة مبفهوم مرادف للمفهوم الليربالي‬
‫الكالسيكي عن الدولة‪ ،‬بل سيكونوا حراس فرض (دين الدولة) على طفلهم‪ ،‬مبا‬
‫حُمِّلوا به من أفكار وعقائد!‬
‫‪331‬‬
‫‪ )2‬المؤسسة الدينية (مؤسسات الدين الحقيقي للدولة)‪.‬‬
‫النموذج الثاني للمؤسسة غري الرمسية يف الغرب هي الكنيسة‪ ،‬وهي تنقسم إىل‬
‫ُمثلٌ حتى اآلن بالكنيستني‪ ،‬الرومانية الكاثوليكية واألرثوذكسية‪،‬‬
‫توجهني‪ :‬األول م َّ‬
‫والثاني مُمثَّلٌ يف التيار العام بالكنائس الربوتستانتية‪.‬‬
‫أما التوجه األول‪ ،‬فيعترب اللوطية خطيئة إىل اآلن اتباعا للتوراة‪ ،‬وإن كانت الكنيسة‬
‫الكاثوليكية حتت ضغط باقي املؤسسات األخرى املكوِّنة للصفوات قد بدلت خطابها‬
‫اإلعالمي يف أكثر الدول األوروبية مثل أملانيا والنمسا‪ :‬ففي بداية عام ‪ 2018‬صرح‬
‫األسقف الكاثوليكي األملاني ‪ Franz-Josef Bode‬وتبعه الكاردينال‬
‫‪ Reinhard Marx‬بوعود مباركة زواج اللوطيني‪ ،‬وقد نقلت صحيفة ‪Spiegel‬‬
‫اإللكرتونية من تصرحياتهما ما يساهم يف توضيح املوقف الداخلي للكنيسة‬
‫الكاثوليكية‪ ،‬إذ وُصف الزواج اللوطي بأنه واقع سياسي اآلن ‪Ist sie nun‬‬
‫‪ politische Realität‬وبالتالي على رجال الكنيسة أن يتعاملوا معه وإن خولِف‬
‫التصور الكنسي الكاثوليكي بهذا النوع من الزواج)‪! (266‬‬
‫ولعل الفضائح اجلنسية اللوطية املتتالية اليت ال ينفك اإلعالم الغربي يف إذاعتها‬
‫هذه األيام‪ ،‬تأتي يف إطار الرتدد الظاهر على الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬اليت برغم أنها‬
‫صارت تعرتف باللوطية‪ ،‬ما زالت أكرب املؤسسات يف أوروبا الغربية ترددا يف التأييد‬
‫غري املشروط لدين املؤتفكات‪.‬‬
‫‪332‬‬
‫إن الوحل الذي تورطت فيه الكنيسة الكاثوليكية يف الغرب‪ ،‬آتٍ من عدم امتالكها‬
‫وحدها سلطة تشكيل املعايري اجملتمعية‪ ،‬وعدم قدرتها على الصمود طويال عندما‬
‫تعمل باقي املؤسسات ضد معايريها ومبادئها = لذا يتحدث بوده ورينهارت عن‬
‫(الواقع) األقوى من صمودهم‪ ،‬وعن االضطراب الضخم عند أتباعهم الذين مل يعد‬
‫يوجد مناقضٌ ملا يؤمنون به إال عند املؤسسة الدينية‪ .‬إن املصري حمتوم‪ ،‬وهو االلتحاق‬
‫بالتوجه املسيحي العام الذي يقوده الربوتستانت‪ :‬اخلضوع للجندرية واالعرتاف‬
‫باللوطية والتخلي عن الرؤية املعيارية الدينية؛ إال إذا وقع حدث حدث تارخيي يبدل‬
‫القواعد‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬ال تواجه الكنائس األرثوذكسية املشرقية نفس التحديات اليت‬
‫تواجهها الكنائس الكاثوليكية والربوتستانتية الواقعة يف قلب العاصفة‪ ،‬لذا يبدو‬
‫األمر حمسوما عندها لصاحل الرؤية الكنسية التقليدية حتى اآلن‪ ،‬يساعدها يف ذلك‬
‫أن حجم سلطان مؤسسات النخب خمتلف عن مثيله يف الغرب‪ ،‬كما أن السلطوية‬
‫والتأثري اجملتمعي اإلسالمي مل يزل ذو أثر ملحوظ على تلك الكنيسة وجمتمعها‪،‬‬
‫ولعل القساوسة األرثوذكسيون املشارقة يرتعدون من اللحظة اليت ستنقلب فيها‬
‫معايري املسلمني سلطويا وجمتمعيا لتقبُّل اللوطية تبعا للغرب ما سيضغط بعنف‬
‫عليهم أمام أتباعهم الذين هم جزء من هذا اجملتمع شاؤوا أم أبوا! وأكثر الكنائس‬
‫األرثوذكسية تعنيفا للوطية وجمابهة هلا هي الروسية‪ ،‬اليت يبدو أنها حتظى بدعم‬
‫بوتني يف موقفها ذاك‪ ،‬لكن مع حرصه البني على عدم حتويله تصرفاتها املعادية‬
‫للوطية إىل سياسة خارجية أو داخلية فعلية ممثلة للدولة‪.‬‬
‫وحيسُن بنا استعراض صورة موسعة ألديان العامل الكربى يف ضوء تلك القضية؛‬
‫لرسم صورة مقارنة بني مؤسسات الدين الرمسي أوال‪ ،‬ولتوقع كيفية تعاملها مع‬
‫محلة التطبيع العاملي للوطية ثانيا‪ ،‬وهي كاآلتي‪:‬‬
‫‪333‬‬
‫الدين األول‪ ،‬اإلسالم‪ :‬موقفه هو التحريم الكامل‪ ،‬والتفاوت يف شدة العقاب مع‬
‫إجيابه‪ ،‬وناقشنا ذلك كله يف فصل سابق‪ ،‬وناقشنا موقف مؤسساته وتوقعات ردود‬
‫أفعاهلا‪.‬‬
‫الدين الثاني‪ ،‬املسيحية‪ :‬إذا اعتربنا جملس الكنائس العاملي ممثال النعكاس اخلالفات‬
‫املسيحية املسيحية يف تلك القضية‪ ،‬ولرأي األرثوذوكس الشرقيني مقابل‬
‫الربوتستانت اإلصالحيني الغربيني (املكونني الرئيسيني للمجلس)؛ فأظهر ما جنده‬
‫هو اخلالف احلاد بني الفريقني يف تناول هذا األمر‪ ،‬فبينما كان جمموع الكنائس‬
‫الغربية يطلب فتح هذا املوضوع يف االجتماع العاملي الرئيسي للمجلس (الذي يعقد‬
‫كل سبع سنوات)‪ ،‬كانت الكتلة األرثوذكسية الشرقية رافضة لفتح نقاش هذا‬
‫املوضوع بأي صورة؛ بل وصل األمر لتخفيض العديد من الكنائس األرثوذكسية‬
‫نشاطها وتواجدها يف اجمللس هلذا السبب )‪!(141‬‬
‫حتد‬
‫يف الربوتستانتية بشكل عام‪ ،‬كان الرأي التقليدي املستقر هو اعتبار اللوطية ٍّ‬
‫للنظم الطبيعي للكون الذي خلقه اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬واالستدالل على حرمتها‬
‫مُشرتك يف نصوص العهدين القديم واجلديد؛ لكن هذا الرأي قابل إعصارا من‬
‫معارضات احلركات احلديثة الرافضة هلذا التحريم؛ وطالبت بإبطاله لآلتي‪ :‬أن‬
‫حمور قصة سدوم وعمورة‪ 30‬ليس اللواط؛ إمنا العنف اجلنسي واالغتصاب! كما‬
‫أن التفسريات اليت أرجعت العقاب اإلهلي للوطية ميكن فهمها يف سياقها التارخيي‬
‫وحده‪ ،‬فهي تراث قديم جيب إبطاله! كذا هناك سبب هام يوضح هذا اخلطأ يف‬
‫‪ 30‬هذه هي األسماء المزعومة لقرى المؤتفكات في العهد القديم‪ ،‬والتي ُنقلت للتراث اإلسالمي من اإلسرائيليات‪ ،‬ولعل األئمة لم‬
‫يستخدموا أوصافا للوطية مستمدة منها‪ ،‬كما صنع أهل الكتاب في توصيفهم للوطية بالسدومية = لعدم ثبوت هذه األسماء‪ ،‬على‬
‫عكس اسم اللوطية الذي ُنقل عن النبي والسلف كافةً‪.‬‬
‫‪334‬‬
‫الفهم؛ فتحريم اللواط مرتبط بشريعة العهد القديم املقدسة‪ ،‬وقد أبطلها العهد‬
‫اجلديد ‪ -‬كتحريم اخلنزير ‪ -‬فكيف نتمسك بشريعة أبطلها املسيح‪/‬اإلله؟! إضافة‬
‫حملاوالت التفكيك اللغوي الداللي واللفظي لكلمة (لواط) املذكورة يف ترمجات‬
‫الكتاب املقدس‪ ،‬وإعادة شرحها باعتبارها تدل على نوع حمدد من اللواط هو الذي‬
‫قصده بولس بالتحريم يف رسائله بالعهد اجلديد؛ أال وهو حتريم الدعارة اللوطية‬
‫والتكسب بها‪ ،‬وليس اللواط مطلقا! )‪(141‬‬
‫ومن املضحكات املبكيات‪ ،‬أن (مساخيط) احلقوقيني يف العامل اإلسالمي ينقلون من‬
‫أسيادهم وأربابهم النقوالت‪ ،‬بال أدنى تدبر حتى للقرآن الذي ينتقدونه خبطابهم‬
‫املسروق! فالسياق القرآني واضح الداللة واأللفاظ (أتأتون الرجال شهوةً من دون‬
‫النساء)‪ ،‬وليس مما ميكن استخدام نفس االعرتاضات املسيحية ‪ -‬املسيحية معه! لكن‬
‫تذكروا دوما‪ :‬حنن نتعامل مع عقول بقر ال بشر!‬
‫والسياق العام للربوتستانت هو اخلالف يف القضية طوال النصف قرن األخري‪ ،‬مع‬
‫انتشار واضح إما إلباحة اللوطية مطلقا تبعا للمنظومة القيمية الغربية‪ ،‬أو‬
‫االستمرار يف رفضها من األقلية حبسب تعاملها مع النصوص املقدسة؛ فكلما قُيِّد‬
‫التأويل ‪ -‬كما عند اإلجنيليني ‪ -‬قل التسامح مع التخريف احلديث‪ ،‬وبني تلك‬
‫األقلية جمموعة أصغر تتبنى خطابا مطلق العداء‪.‬‬
‫أما الكاثوليكية؛ فكما ذكرنا‪ ،‬هي من أكثر املؤسسات تأخرًا يف االعرتاف حبقوق‬
‫اللوطيني؛ لكن سوابق اعتذاراتها وتراجعها عن مواقف تارخيية كربى مرتبطة‬
‫بالتقاليد واألسس املُشيَّد فوقها الدين املسيحي‪ ،‬تدلك على ما هو آتٍ! وسبب تشدد‬
‫النقاش الكاثوليكي‪ ،‬أن الزواج عندهم هدفه الرئيسي هو اإلجناب؛ مع االلتفات قليال‬
‫إىل جانب الوحدة بني املتزوجني‪ ،‬والراحة اجلنسية؛ وهذا على عكس املذهب‬
‫الربوتستانيت مثال؛ الذي يعترب الوحدة والراحة أضخم من مسألة اإلجناب؛ وعليه‬
‫‪335‬‬
‫كان حرج الكاثوليكية متمثال يف أن السماح للعالقات اللوطية والزواج اللوطي‪،‬‬
‫يعين التخلي عن املبدأ اجلوهري للزواج يف دينهم )‪!(141‬‬
‫وأخريًا‪ ،‬تظل األرثوذكسية الشرقية هي الرافض األشد للوطية بني املذاهب‬
‫املسيحية الكربى؛ فهي بكافة أفرعها (األرثوذكسية اليونانية‪ ،‬أو الروسية‪ ،‬أو‬
‫املصرية‪ ،‬أو البلغارية) تدين اللواط‪ ،‬وتتمسك بأن الشكل الوحيد للعالقة هو زواج‬
‫رجل واحد‪ ،‬بأنثى واحدة‪ ،‬وما غري ذلك سخف إنساني‪ .‬والزواج بتلك الصورة‬
‫الطبيعية‪ ،‬وبهدف إجناب األطفال = مؤسسة أنشأها اهلل‪ ،‬بينما الزواج اللوطي‬
‫مؤسسة أنشأها اإلنسان يف وجه اهلل‪ ،‬وعلى األرثوذكس جمابهة تلك املعيارية‬
‫الثقافية املنتكسة وحماربتها‪ ،‬مع تنبيه اللوطيني أن مبقدورهم إجياد احلب من‬
‫جمتمع الكنيسة الذي سيحتضنهم ويرعاهم يف جسده الواحد )‪.(141‬‬
‫وفارق صورة النقاشات بني املذاهب الثالثة الكربى‪ ،‬يرجع إىل طبيعة كل منها؛‬
‫فالربوتستانتية تُناقش كثريا مسألة قبول اللوطيني كقساوسة؛ بينما ال تأبه‬
‫الكنيسة الكاثوليكية واألرثوذكسية بهذا؛ على اعتبار أن العزوبة هي إطار سلك‬
‫الرتهنب؛ فال يُهم إن كان القس لوطيا أم غري لوطي )‪!(141‬‬
‫ومن أبرز مناذج املقاومة املسيحية التقليدية للعواصف اللوطية‪ ،‬وزارات اللوطيني‬
‫السابقني ‪ ،Ex-Gay Ministries‬وهي جمموعة سائلة من املؤسسات اليت ال يلزم‬
‫أن تتبع الكنائس صراحةً‪ ،‬ولكن عمادها العاملون يف املؤسسات الرمسية املسيحية‪،‬‬
‫وقد بدأت منذ السبعينيات بهيمنة إجنيلية واضحة‪ ،‬وقد اعتمدت على مزج نظريات‬
‫‪336‬‬
‫التحليل النفسي عن اللوطية اليت انتشرت يف اخلمسينيات والستينيات‪ ،‬خاصة‬
‫نظرية العالقة مع الشيء ‪ Object – Relation Theory‬مع النظرية‬
‫املسيحية‪ ،‬فشُيِّدت على املبادئ التالية‪ :‬أن اللوطية خطيئة‪ ،‬وأن النظام الطبيعي‬
‫لإلنسانية هو زواج الرجل باملرأة‪ ،‬فكل منهما يكمل اآلخر سيكولوجيا‪ ،‬وأن اللوطية‬
‫سببها اضطراب يف اهلوية النوعية لدى اللوطي‪ ،‬كما شرحنا يف الفصل السابق‪،‬‬
‫وبالتالي يُمكن معاجلة اللوطيني بكشف األسباب اليت تسببت يف هذا العارض‬
‫الطارئ املسمى باللوطية‪ ،‬وتعريف اللوطي بها‪ ،‬ثم إعادته هلويته األصلية الطبيعية‬
‫اليت كانت (خمفية) بداخله‪ .‬والصورة السليمة لإلنسان لن تتحقق إال بزواج كل‬
‫إنسان باجلنس املقابل له‪ ،‬ألن يف هذا استعادة للصورة اإلهلية األوىل للخلق‪.‬‬
‫وتنضوي تلك الوزارات‪ ،‬حتت مظلة منظمة اخلروج العاملية ‪Exodus‬‬
‫‪ (141) .International‬هلذا كان إغالق تلك املنظمة واعتذار القائمني عليها ‪-‬‬
‫مع استمرار الكثري من الوزارات يف العمل منفصلة بالتأكيد‪ -‬هو إعالن هزمية‬
‫للنموذج السيكولوجي الثيولوجي املسيحي بصورة رمسية‪ ،‬وقد حتدثنا عن ذلك‪.‬‬
‫الدين الثالث‪ ،‬البوذية‪:‬‬
‫البوذية )‪ (141‬من أكثر األديان تساحما مع اللوطية‪ ،‬وقد جرؤ أتباعها بالغرب على‬
‫عقد زجيات لوطية يف وقت مل توجد فيه مؤسسة دينية يف العامل تفكر يف مثل هذا‬
‫النقاش من األصل‪.‬‬
‫والبوذية يف األصل العقدي حتتقر اجلنس بكافة صوره‪ ،‬والنموذج األمسى عندها هو‬
‫الراهب األعزب‪ ،‬وكتاب إرشاد الرهبان (الفينايا ‪ )Vinaya‬ال يُدين اللوطية وحدها؛‬
‫‪337‬‬
‫إمنا يدين كافة صور املمارسات اجلنسية األخرى‪ ،‬وعقاب تلك املمارسات هي الطرد‬
‫من سلك الرهبنة‪ ،‬فالرغبات اجلنسية‪ ،‬مثلها مثل احلقد والكراهية‪ ،‬هي مشاعر جيب‬
‫القضاء عليها للوصول إىل حالة النريفانا‪ ،‬اليت هي اهلدف األمسى لإلنسان‪.‬‬
‫وقد تأثرت البوذية املبكرة مبسألتني‪ ،‬شكلتا تصورها فيما بعد‪:‬‬
‫األوىل هي طرد بوذا جملموعة من الرهبان ذاع بني الناس أنهم يلوطون ببعضهم‬
‫البعض؛ إذ كان يرغب يف عدم إساءة مسعة الكهنة‪ ،‬املفرتض أنهم أمسى منوذج‬
‫حياول الوصول إىل النريفانا؛ فهذا طرد بسبب استغراقهم يف اجلنس أكثر منه طرد‬
‫بعلة اللواط‪.‬‬
‫الثانية هي تأثر البوذية مبا كان شائعا يف الثقافة الشعبية اهلندية حني نشأتها‪ ،‬وهو‬
‫تطبيع منوذج اجلنس الثالث‪ ،‬الذي يضم اخلنثى واملتخنث واملرتجلة وكافة الفئات‬
‫اليت ال تلتزم األدوار املالئمة جلنسها تقليديا‪.‬‬
‫وقد ساد منوذج رفض اللواط عرفا لزمن؛ لكن يف إطار كراهة املتع احلسيّة بشكل‬
‫عام‪ ،‬حتى أنه قد يُعترب أقل خطورة من اجلنس العادي‪ ،‬باعتباره ال يؤدي إىل اإلجناب‬
‫والتعلق بالدنيا‪.‬‬
‫أما على مستوى التطور العقدي؛ فاللوطية مرتبطة بنموذج اجلنس الثالث‪ ،‬وقد نُظر‬
‫إىل اللوطي أو اللوطية يف إطار عقيدة تناسخ األرواح‪ :‬فقيل إنهم إما كانوا جنسا‬
‫ثالثا يف صورة سابقة من حياتهم‪ ،‬وإما كانوا يف أجساد للجنس املخالف‪.‬‬
‫وعلى مستوى املمارسات كان البوذيون من أكثر الناس لوطيةً؛ إذ مورس بني‬
‫الرهبان الكبار والصغار يف الصني واليابان‪ ،‬اليت شهدت منوذجا آخر وهو كبار رجال‬
‫الساموراي وصغارهم‪ ،‬ونُظِر إىل هذه العالقات اللوطية دوما كتوطيد للعالقة بني‬
‫الطرفني‪ :‬املُعلِّم واملُتعلِّم‪ ،‬وهذه املمارسات شائعة يف التبت ومنغوليا إىل اآلن بني‬
‫الرهبان‪ ،‬بينما يف تايالند على سبيل املثال هناك تسامح كبري مع اللوطيني‪،‬‬
‫باعتبارهم (جنسا ثالثا) معرتفا به يف الثقافة الشعبية والدينية‪.‬‬
‫‪338‬‬
‫ولعل احملرك األول النتشار اللوطية يف العامل الصيين الياباني هي البوذية حتديدا‪،‬‬
‫خاصةً أن طبيعتها سائلة‪ ،‬وال كتاب تشريعي مقدس موحد هلا‪ ،‬وال سلطة دينية‬
‫معرفية جامعة فيها = وعليه أمكن رفض اللوطية أو تقبلها والرتحيب بها؛ حبسب‬
‫السياق الثقايف والتارخيي لكل جمتمع!‬
‫وقد صدمت تلك احلقائق العامل الغربي أميا صدمة عندما احتل تلك املناطق؛ وأرسل‬
‫البعثات التنصريية!‬
‫الدين الرابع‪ ،‬الهندوسية‪:‬‬
‫على عكس البوذية اليت خرجت من اهلند‪ ،‬ومل تعد‪ ،‬وصارت ذات صبغة عاملية‪ ،‬تعترب‬
‫اهلندوسية )‪ (141‬دينا قوميا حمليا‪ ،‬وينظر هلا القوميون بأطيافهم كثقافة أصيلة‬
‫جيب التمسك بها يف مواجهة األديان الوافدة غري اهلندية‪ ،‬كاإلسالم واملسيحية‬
‫حتديدا‪.‬‬
‫وللهندوس نظرتان متناقضتان متاما للوطية‪ ،‬ولكل أدلته التارخيية والواقعية‪:‬‬
‫الفريق األول يراها صنيعة أوروبية مل يعرفها اجملتمع اهلندوسي‪ ،‬وبالتالي يبغضها‬
‫وحيرض ضد أصحابها‪ ،‬ويعتمد على نصوص مقدسة قدمية مثل أحد الكتب‬
‫اهلندية القانونية اليت ظهرت بني القرن األول للرابع امليالدي‪ ،‬واليت تُحرِّم اللواط‬
‫(اجلنس األيوني ‪ )Ayoni Sex‬مع كل ممارسة غري مهبلية كاجلنس الفموي‬
‫واالستمناء‪ ،‬مع مالحظة أن عقوبة اللواط أخف كثريا من عقوبة االغتصاب أو‬
‫الدعارة مثال‪ .‬ويتمثل هذا الفريق يف احلركات املتطرفة ‪Ultraconservative‬‬
‫اهلندية‪.‬‬
‫والفريق الثاني يراها ثقافة هندوسية أوقفها األوروبيون‪ ،‬وأدلته أن اجملتمع اهلندي‬
‫القديم كان يعرف (اجلنس الثالث) كما رأينا‪ ،‬ويوجد هلذا اجلنس تكييف عقدي‬
‫‪339‬‬
‫هندوسي‪ ،‬فهي كالبوذية من أديان التناسخ‪ ،‬وبالتالي يكون سبب هذا االضطراب هو‬
‫وجود روح الشخص يف جنس خمالف أثناء رحلة حياته السابقة‪ .‬كما أن اآلهلة يف‬
‫القصص اهلندوسية الدينية هلم ممارسات لوطية وإباحية‪ ،‬وكتاب الكاماسوترا‬
‫املقدس فيه وصف ملمارسات لوطية دون ذم أو حتقري‪.‬‬
‫وصدمة الغربيني الغزاة من استباحة اهلنود للواط معروفة‪.‬‬
‫لكن مع قوة أدلة الفريق الثاني‪ ،‬يبقى معتقد األقلية يف اهلند‪ ،‬ويُرجع الباحثون ذلك‬
‫إىل العمل األوروبي املكثف على زراعة العداء للوطية يف اهلنود يف عصر اإلمربيالية؛‬
‫فقد صار اجملتمع اهلندي كارها هلا معاديا‪ ،‬بعدما كان متساحما يف العصور‬
‫الغابرة‪.‬‬
‫وكالبوذية‪ ،‬لكن على نطاق حملي‪ :‬ال توجد للهندوسية قيادة عليا موحدة‪ ،‬وال‬
‫كتاب تشريعي موحد؛ بل وال إله موحد! لذا ال توجد جذور عقدية أو تشريعية‬
‫صارمة ضد اللواط‪.‬‬
‫بقي أن نؤكد على أحد امللحوظات املتعلقة مبدى تقبل اجملتمعات لتطبيع اللوطية؛‬
‫فكلما زاد التدين اجملتمعي متانةً؛ كلما صعُب تقبله للثقافة اللوطية العاملية‬
‫املعاصرة )‪ ،(267‬فكما الحظت‪ ،‬ال يوجد دين يف أصوله يقبلها بصدر رحب كنموذج‬
‫رئيسي للحياة؛ بل يوجد (تسامح) يف بعض األديان مع هذا النموذج الشاذ‪ ،‬وهو غري‬
‫مُطلق تارخييا حتى يف البوذية‪ ،‬لذا وجود درجة عالية من التمسك الديين يف أي‬
‫جمتمع‪ ،‬يعين بالضرورة تزايد النفور والضيق والعداء من اللواط وأهله‪.‬‬
‫لكن كذلك يلزم فهم أن األديان تتفاوت يف االستجابة لتلك احلملة‪ ،‬بقدر تأصل‬
‫النصوص التشريعية يف جذورها الرتاثية‪ ،‬فاألمر ال يتعلق فقط مبدى متسك‬
‫املتدينني باملوروث؛ بل بطبيعة املوروث ذاته‪ ،‬لذا شهدت اهلند يف العقود األخرية ببعض‬
‫قراها زواجا لوطيا ذا مراسم دينية وحفاوة من األهل‪ ،‬يف الوقت الذي يسود فيه مزاج‬
‫‪340‬‬
‫عام معادٍ للوطية‪ ،‬فالعداء أو الرتحيب راجع لطبيعة الديانة السائلة نفسها‪ ،‬وعدم‬
‫وجود سلطات دينية جامعة ال تارخييا وال تنظيميا‪ ،‬وال تشريعات واضحة النسب‬
‫والداللة واملصدر؛ فمن اشتهى حترميه حرمه‪ ،‬ومن اشتهى إباحته أباحه!‬
‫‪ )3‬المؤسسات الحقوقية (مؤسسات الدين العلماني للدولة)‪.‬‬
‫ال تتبع املؤسسات احلقوقية الضبط االجتماعي الرمسي بصورة مباشرة؛ فهي من‬
‫أدوات الضبط الوسيط بني اجملتمع والسلطة‪ ،‬وإن كانت يف قضايا الليربالية تتبع‬
‫غالبا الدين العلماني للدولة‪ ،‬إذ تعمل على توعية اجملتمع بقضايا احلقوق والتحرر‪،‬‬
‫والضغط على السلطات من أجل تبين قوانني أكثر مالءمةً من احلالية‪ ،‬ومراعا ًة‬
‫حلقوق اإلنسان‪ .‬إنها شبيهة إىل حد ما بالدور الذي لعبه علماء الشريعة يف أكثر‬
‫الدول اإلسالمية قدميا‪ ،‬كالعباسية واململوكية‪ :‬دور الطبقة الوسيطة بني العوام‬
‫والسلطة‪ ،‬واليت تتوىل نصح السلطة وتوجيهها وزجرها إن خالفت الشريعة‪،‬‬
‫وتثقيف العوام ووعظهم وتربيتهم على أخالق دين الدولة حينها‪ ،‬اإلسالم‪.‬‬
‫واملؤسسات احلقوقية هلا دور كجماعة ضغط‪ ،‬وكشكل من أشكال مراكز الفكر‬
‫‪ Think tank‬يف أحيان أخرى‪ ،‬فهي تؤثر يف احلمالت االنتخابية‪ ،‬وتبحث دومًا عن‬
‫أبرز املرشحني مساندةً لقضاياها من أجل دعمهم‪ ،‬وحتشد اللوطيني مثال من أجل‬
‫دعم مرشح بعينه يُمنّيهم مبا حيلمون به من سلطان‪ ،‬ومن جهة أخرى تقدم‬
‫الدراسات والبحوث والتقارير عن أوضاع اللوطيني وكيفية تعديلها ومتكينهم‪.‬‬
‫وأنا ها هنا لن أستقصي دور املؤسسات احلقوقية املتنوعة يف الغرب‪ ،‬وأذياهلا يف‬
‫الشرق‪ ،‬بل سأناقش قضايا متفرقة تعطيك صورة عن دورها‪.‬‬
‫سأحتدث عن مفهومي التمييز اإلجيابي‪ ،‬والتصوايب السياسي‪ ،‬والتوسع يف قائمة‬
‫أصحاب احلقوق‪ ،‬واألزمة املشرقية واإلسالمية نتاج هذا التوسع‪ ،‬وعرض لبعض‬
‫‪341‬‬
‫تصرحيات احلقوقيني املصريني بشأن اللوطية‪ ،‬وأخريا نشاط احلقوقيني املسلمني‬
‫يف الغرب حول اللوطية‪.‬‬
‫أ‪ :‬مفهوما التمييز اإليجابي ‪ Positive Discrimination‬والتصويب السياسي‬
‫‪.Political Correctness‬‬
‫يف زمننا احلالي‪ ،‬تُشكِّل فكرتان مركزيتان صورة التعامل احلقوقي مع قضية‬
‫اللوطية‪ ،‬األوىل هي التمييز اإلجيابي‪ ،‬والثانية هي التصويب السياسي‪.‬‬
‫أما األوىل‪ ،‬التمييز اإلجيابي‪ ،‬واليت يرادفها مصطلح (الفعل اإلجيابي‬
‫‪ )affirmative action‬هو اآلخر‪ ،‬فيستخدم للداللة على جمموعة من‬
‫السياسات والتدابري اليت تتخذ لصاحل جمموعة معينة‪ ،‬عانت من إعاقة جمتمعية‬
‫سابقة متنعها من التنافس بصورة جدية حقيقية يف احلياة )‪ .(5‬بعبارة أبسط‪ ،‬هو‬
‫احنياز من السلطة أو احلركات احلقوقية أو املؤسسات املختلفة إىل فئة معينة‪،‬‬
‫عانت من اضطهاد سابق‪ ،‬جعل بروزها غري ميسور‪ .‬املثال األشهر الذي يُضرب يف تلك‬
‫احلالة هو ما إذا قامت إحدى اجلامعات األمريكية مثال بقبول الطالب السود إن‬
‫حصلوا على درجات أقل من املعدل املطلوب من الطالب البيض‪ ،‬كأن يُتاح للطالب‬
‫األسود دخوهلا حبصوله على ‪ %60‬فقط‪ ،‬بينما الطالب األبيض لن يدخلها بأقل من‬
‫‪ = %80‬هذا هو التمييز اإلجيابي‪ .‬وهو رغم سيادته حاليا إال أنه موطن نقاش وجدال‬
‫حتى يف الوسط احلقوقي نفسه‪ ،‬فإن متييز فئة ما وتذليل كل املصاعب والعراقيل‬
‫هلا وحدها‪ ،‬يعين وجوبًا ظلم فئة أخرى‪ ،‬برفع املعايري والشرائط املطلوبة منها عن‬
‫‪342‬‬
‫املُميَّز! فكيف يُعالَج الظلم بظلم؟ ثم هناك ما هو أكثر؛ فذاك التمييز يراه البعض‬
‫إهانة وحتقريا‪ ،‬ال تكرميًا وتقديرًا‪ :‬إذ ما معنى أن جتعل معيار تفوق األسود أدنى من‬
‫معيار تفوق األبيض؟ أال يعين ذلك أن اإلمكانات العقلية لألسود أقل؟ ما معنى أن‬
‫تصر على جعل النساء صواحب أنصبة يف الربملانات حيصلن عليها بالتعيني؟ أال يعين‬
‫ذلك التشكيك بإمكانات املرأة على النجاح وحدها يف منافسة الرجال خالل‬
‫االنتخابات احلرة؟‬
‫من جهة أخرى يكون الرد بأن هذا ال يعين التشكيك أو التحقري‪ ،‬إمنا هو تعويض‬
‫للفئة عن األضرار التارخيية اليت تعرضت هلا‪ ،‬مثل النساء والسود‪ ،‬وكذلك مراعاة‬
‫الواقع ال املثاليات اجلوفاء؛ فالواقع أن تلك الفئات ما زالت مضطهدة وحتتاج إىل‬
‫مساندة أكثر من غريها‪ ،‬حتتاج إىل التمييز اإلجيابي!‬
‫كيف ُيطبق ذلك على اللوطيني؟‬
‫بأمرين‪ ،‬أوهلما‪ :‬إشعال حرب حقيقية على أعداء اللوطية يف كل مكان على وجه‬
‫األرض‪ ،‬وإعداد ما يشبه قوائم االغتيال ألمساء املنظمات واملؤسسات والدول واألفراد‬
‫الذين يكرهون اللوطية‪ ،‬ومالحقتهم من املؤسسات احلقوقية يف الذروة والغارب‪،‬‬
‫حتى تنتشر الرهبة اجملتمعية واملؤسسية من إيذاء أي لوطي‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬انتقال القضية اللوطية إىل مركز العمل احلقوقي‪ ،‬بعدما ظل الغالب‬
‫عليها طوال العقود املاضية هو القضية النسوية؛ فلم يعد مير يوم دون أن جتد‬
‫صراخًا حقوقيا عن قضية لوطي هنا أو هناك!‬
‫إن التمركز حول اللوطية وجعلها البؤرة هو (التمييز اإلجيابي) الذي متارسه‬
‫املنظمات احلقوقية حاليا لصاحل الالطة‪ ،‬فهم يستحقون الدعم يف االنتخابات سواء‬
‫بصورة مباشرة ترشيحا للوطيني‪ ،‬أو بصورة غري مباشرة باختيار أكثر املرشحني‬
‫تأييدا للوطية‪.‬‬
‫‪343‬‬
‫املفهوم الثاني هو التصويب السياسي ‪ (PC) Political correctness‬والذي‬
‫يعين جمموعة من السلوكيات الليربالية جتاه التعليم واجملتمع‪ ،‬واملصطلحات‬
‫املتعلقة بهما ‪-‬فأن تكون مالزما للتصويب السياسي يعين أن تكون حساسا للعنصرية‬
‫الال واعية والتحيزات اجلنسية ‪ ،Sexism‬كأن حترص على استخدام تعبري مثل‬
‫(خمتلف القدرات ‪ )Differently abled‬بدال من (عاجز ‪.(268) )Disabled‬‬
‫وقيل يف تعريفه كذلك أنه حماولتك التحدث والكتابة بطريقة تتجنب إيذاء أي‬
‫جمموعة اعتدنا اإلشارة إليها ومعاملتها بطريقة غري الئقة يف املاضي‪ ،‬مثل املعاقني‬
‫أو اجلماعات اإلثنية أو النساء )‪.(269‬‬
‫وقد ان ُتقِدَت تلك الفكرة كونها تنصب شرطة لألفكار ‪،Thought-Policing‬‬
‫فأين احلرية املزعومة؟‬
‫واستولت تلك األيدولوجيا هي األخرى على ألباب احلقوقيني املعاصرين يف قضية‬
‫اللوطية‪ ،‬رأس قضاياهم حاليا‪ :‬فكل حرف يؤذي مشاعر اللوطية يُالحق ويُهاجم‪،‬‬
‫حتى صاروا بالفعل شرطةً لألفكار‪ ،‬يهامجون عناصر الساسة واجملتمع معا إن مل‬
‫تلتزم التصويب السياسي‪.31‬‬
‫‪31‬‬
‫ناقشت في مبحث اللغة حجم التغيير الضخم في األلفاظ والتعبيرات كي تالئم (المجتمع الجديد) الذي يصنعونه‪ ،‬مجتمع ال‬
‫ذكورة فيه وال أنوثة‪ ،‬إنما (سيولة جندرية) كاملة‪.‬‬
‫‪344‬‬
‫إن شرطة األفكار احلقوقية باعتناقها ملعتقد التصويب مل تعد تهاجم اإلزراء الصريح‬
‫باللوطية فقط‪ ،‬بل مدت موطن عملها إىل جمال التأويل‪ ،‬ألن التصويب مشغول‬
‫باأللفاظ اليت حتمل داللة (ال واعية) بالنبذ واالستعالء! فكل ما حيمل يف الالوعي‬
‫معنىً يضايق اللوطيني‪ ،‬يُفضح ويُشهَّر به ويُنكَّل مبستخدميه‪ ،‬بتطرف وغلو علماني‬
‫خميف‪.‬‬
‫وقد استطاعت املراكز احلقوقية‪ ،‬اليت هي مركز العامل الوسيط بني الساسة‬
‫واجملتمع‪ ،‬حتقيق جناحات كبرية يف نشر هاتني الفكرتني‪ ،‬خاصة بعد تغلغلهما يف‬
‫باقي املؤسسات الوسيطة‪ ،‬اإلعالم والسينما؛ فلم يعد مير شهر دون صدور فيلم أو‬
‫مقال كبري يتحدث عن اجلديد يف عامل التصويب السياسي حلقوق اللوطيني‪ ،‬وما‬
‫جيب عليك قوله وما ميتنع عليك ولو جمرد التفكري به!‬
‫ب‪ :‬أزمة التوسع في قوائم أصحاب الحقوق‪.‬‬
‫تلك هي ثاني أكرب مظاهر احلركات احلقوقية املعاصرة‪ ،‬التوسع الضخم يف‬
‫مستحقي الدعم واملناصرة‪ ،‬حتت عنوان واحد ال يتغري‪ :‬دعم اإلنسانية! فباسم دعم‬
‫اإلنسانية هاجوا وماجوا حتى ألغت أوروبا عقوبة اإلعدام واستبدلتها بالسجن مدى‬
‫احلياة‪ ،‬دون اعتبار أن هذا قد يكون للكثريين أنكى من قطع الرقاب! املهم مناصرة‬
‫حق اإلنسان يف عدم التعرض لعقاب بدني وحشي مؤمل مثل اإلعدام وإن ذبح ألف‬
‫ألف طفل‪ ،‬واغتصب ألفي ألف امرأة!‬
‫لقد اتسعت يف العقود الثالثة األخرية قائمة أهل احلقوق‪ ،‬وضرورة مساواتهم‬
‫بغريهم‪ ،‬مع اهلوس الغربي الدائم بالتطور ونبذ كل قديم = فقاتِ ُل املاليني له حق‬
‫احلياة مثل الناسك املتعبد‪ ،‬واملرأة العاهرة هلا حق احرتام وظيفتها كامرأة عاملة‬
‫مثل معلمة األطفال‪ ،‬واللوطي له حق الزواج ومساندة اجملتمع لصنيعه مثل أي‬
‫‪345‬‬
‫إنسان طبيعي‪ ،‬أما املريض مستحق النبذ بل والعقاب‪ ،‬هو من يرفض توحيد ذلك‬
‫املعيار باسم اإلنسانية!‬
‫إن نقاش إشكال تلك األطروحات احلقوقية قد يطول بنا فوق الالزم‪ ،‬لكن أبرزها‬
‫نراه اآلن من مطالبات متشهي األطفال االعرتاف بهم‪ ،‬وبأن ميوهلم تلك طبيعية ال‬
‫إشكال فيها‪ ،‬وقد كانت حماضرة تيديكس فورتسبورج الشهرية اليت ُعقِدت يف عام‬
‫‪ 2018‬منوذجا ملا يؤدي إليه ذاك املنهاج احلقوقي‪ ،‬فقد حتدثت املقدمة عن البالغني‬
‫من متشهي األطفال الصغار الذين قد يبلغ عمرهم السنوات الست فقط = باعتبارهم‬
‫طبيعيني وأصحاب ميول جنسية طبيعية بداخلهم‪ ،‬وجيب على اجملتمع تفهمهم‬
‫واحتواؤهم بدال من اضطهادهم وتعذيبهم! تقول املقدمة‪( :‬لدى طالب احلقوق ذو‬
‫التسعة عشر عاما‪ ،‬جوناس‪ ،‬سر‪ ،‬ال ميكنه إذاعته حتى على مسمع أعز أصدقائه أو‬
‫والديه! إنه خائف من الغضب والرفض! يعلم جوناس أن عليه كبت ميوله اجلنسية‬
‫طوال حياته‪ ،‬ويعلم أيضا أنه عاجز عن الدخول يف عالقة حب حمتوية‪ ،‬ألن جوناس‪:‬‬
‫متشهي أطفال‪ ،‬ال مييل إال للبنات اللواتي تبلغ أعمارهن بني السادسة والثانية عشر‬
‫فقط!))‪! (270‬‬
‫إن ذاك اخلطاب العاطفي الذي بُدِأت به احملاضرة هو هو اخلطاب الذي استخدم قبال‬
‫لتطبيع اللوطية! فقط ضع مكان (جوناس‪ :‬بيدوفيل) (جوناس حيب الرجال‪ ،‬ال‬
‫مييل إال للذكور فقط) أو (جوناس يؤمن أنه أنثى‪ ،‬ال حيب جسده كذكر)!‬
‫استدرار التعاطف‪ ،‬وعرض القضية يف صورة احلتمية‪ ،‬وأن اللوطي جمرب على فعله‪،‬‬
‫معذب من اجملتمع‪ ،‬مع التنبيه الستخدام صورة مبكية عن الوحدة والعذاب لشخص‬
‫خيشى التصريح مبيوله حتى ألهله وأعز أصدقائه ‪ -‬فكيف باجملتمع؟ ‪ -‬أضف لذلك‬
‫‪346‬‬
‫نربة املتحدثة املكسورة شبه الباكية‪ ،‬لتدرك أن تطبيع البيدوفيل مل يعدُ يف جريانه‬
‫على مسار أسالفه اللوطيني! لعب عاطفي وصناعة صورة إنسانوية جتذب الشفقة؛‬
‫وبالتالي كسب التأييد احلقوقي إن آجال أو عاجلًا!‬
‫ومل يكن اهلياج الغربي الذي حدث على تلك احملاضرة إال منوذجا لالزدواجية! فلم‬
‫الثورة واالحتجاج على خطاب ومسلك استداللي قُدِّم حبذافريه من اللوطي قبال؛‬
‫فنال الشفاعة والدعم؟! أعندما استخدم بواسطة أمر مستقبح جمتمعيا إىل اآلن‪،‬‬
‫صارت مشكلة؟ كأن املشكلة يف الزمن‪ ،‬ال يف املبدأ! ألسنا تقدميني؟‬
‫توسُّع اخلطاب اإلنسانوي احلقوقي‪ ،‬واإلصرار أن كافة القضايا ليست إال قضية‬
‫واحدة‪ :‬هي العنصرية = مهلكة!‬
‫فحديثك ضد السود‪ ،‬وحديثك ضد النسوية‪ ،‬وحديثك ضد اللوطية‪ ،‬كلها أحاديث‬
‫عنصرية‪ ،‬مُجرَّمة! كلها بذات السوء‪ ،‬أحاديث ضد اإلنسانية ذاتها!‬
‫هكذا صار اخلطاب احلقوقي يتشكك فيك دوما إن أصررت على املساواة بني األعراق‪،‬‬
‫واملساواة بني األجناس‪ ،‬ثم غاب عنك خطاب املساواة بني التوجهات وامليول اجلنسية!‬
‫البد أن تُخترب ليُعلم أنك حمب (حلقوق اإلنسان) ال كذب!‬
‫وأثر ذاك التوسع على اخلطاب احلقوقي العربي اإلسالمي حتديدا كان وقوع رواده‬
‫يف مزيد تناقض‪ ،‬مثل الغنوشي الذي قال إجابات مل ترض اللوطيني وال املسلمني‬
‫معًا‪ ،‬فتهرب من اإلجابة على حقوقهم بأن قال‪ :‬ليس لنا شأن مبا جيري يف البيوت!‬
‫وهو ‪ -‬علم اهلل ‪ -‬كذاب أشر يف إطالقه‪ ،‬بل يعاقب اإلسالم اللوطي وإن كان يف غور‬
‫كهف يصرح بطلبته لنفسه وإن مل يفعل! لكن خطاب الغنوشي كان منوذجا‬
‫استُخدم بعد ذلك من بعض اإلسالميني احلقوقيني‪ ،‬الذين جلأ أكثرهم لتجاهل‬
‫القضية كلها يف أكثر األوقات!‬
‫‪347‬‬
‫والرهان أنه لن يبقى منهم إال النذر اليسري ممن يرفض اللوطية خالل السنوات‬
‫القادمة‪ ،‬خاصةً إن ظلت عالقاتهم مستمرة مع املؤسسات احلقوقية الدولية الغربية‪،‬‬
‫طِلبةً ملساندتهم يف قضايا القمع السياسي ببلدانهم‪.‬‬
‫أما عن اخلطاب احلقوقي العلماني‪ ،‬فيكفينا لفهم بعضه قراءة التقرير املصوَّر الذي‬
‫قام به موقع مدى مصر اإللكرتوني مع احلقوقيني املصريني جاسر عبد الرازق وداليا‬
‫عبد احلميد (‪ ،)271‬وميكن تشكيل صورة عامة عن نظام عملهم ووسائلهم وأهدافهم‬
‫من خالل مالحظة النقاط التالية‪:‬‬
‫• قول داليا أن تفاعل الناس مع مبادرة الدفاع عن جمموعة من اللوطيني الذين‬
‫ُقبِض عليهم يف عام ‪ 2014‬قد جاءت بنتائج مفاجئة هلم‪ ،‬إذ أن احلقوقيني وجدوا‬
‫الناس أكثر استعدادا إلدانة القبض على اللوطيني من ذي قبل‪ ،‬وقول جاسر أن هذا‬
‫نبههم إىل ضرورة تطوير اخلطاب‪" :‬رأينا أننا إذا أصدرنا موقفًا واضحًا إىل العلن‪،‬‬
‫سنتلقى اهلجمة املتوقعة‪ ،‬لكن أيضًا سنحظى بتأييد أكرب بكثري من ذي قبل"‪.‬‬
‫وكانوا قد قرروا التنسيق إلصدار بيان توقع عليه منظمات إقليمية تدين مالحقة‬
‫اللوطيني‪ ،‬فقد قرروا وقتها أن الوقت املناسب ملزيد من اجلرأة هو اآلن‪ ،‬فأعلنوا‬
‫صراحةً‪ ،‬وللمرة األوىل‪ ،‬وجوب عدم جتريم العالقات اجلنسية بالرتاضي بني‬
‫البالغني‪ .‬وقد كانوا يف ذات الوقت ينسقون مع النشطاء احلقوقيني‪ ،‬ويبثون رسائلهم‬
‫عرب الشبكات االجتماعية‪ ،‬وقد أدركوا أثناء عملهم أن التغيري ال يكمن داخل حدود‬
‫منظمتهم وحدها‪" ،‬وقد جتسدت واحدة من عالمات التغيري‪ ،‬واليت كان من شأنها‬
‫أن دفعت «املبادرة املصرية» لتطوير لغتها‪ ،‬يف الطريقة اليت اشتبك بها مناصرو‬
‫‪348‬‬
‫املنظمة احلقوقية معها على الشبكات االجتماعية‪ .‬يف قضية «محّام رمسيس»‪ ،‬جاء‬
‫عدد متزايد من التعليقات تشدد على أن تدخل الدولة كان خاطئًا‪ ،‬رغم أن املثلية‬
‫اجلنسية متثل قضيةً إشكالية بالنسبة هلم"‪ .‬تالحظ داليا كذلك أن واقعة رفع علم‬
‫اللوطيني يف القاهرة عام ‪ ،2017‬واليت قُبِض على فاعليها‪ ،‬حثت بعض السياسيني‬
‫وكثري من النشطاء واحلقوقيني على التفكري فيما جيب فعله‪ ،‬وجتاوب أحد‬
‫األحزاب بإخراج بيان يدين اعتقال اللوطيني‪ ،‬ألول مرة يف مصر‪ ،‬وجرى نقاش يف‬
‫أحزاب أخرى عما جيب فعله‪ ،‬يف بادرة تشري إىل قرب إعالنهم مستقبال اجلهر‬
‫بالدفاع عن اللوطية‪.‬‬
‫• أوضح احلوار كذلك أن مواقع التواصل االجتماعي موطن عمل نشط‬
‫للحقوقيني العلمانيني العرب يف تطبيع اللوطية‪ ،‬ورصدهم الدائم هلا‪ ،‬فيتابعون‬
‫تطور قبول الشباب للوطية عليها باستمرار = تصف داليا املواقف املستخلصة من‬
‫املناقشات اإللكرتونية الدائرة يف أوساط النشطاء بأنها «أكثر تقدمية» ‪/‬أي أكثر‬
‫قبوال للوطية عما سبق! كذلك يشري احلقوقيان إىل "التحوّل األوسع يف االتصاالت‬
‫كمفتاح أساسي لتطور الوعي االجتماعي‪ ..‬فال ميكن التقليل من شأن االنفتاح الذي‬
‫مسح به هذا التحوّل؛ جيل شاب قادر على الوصول إىل منتجات ثقافية خمتلفة‬
‫وتطوير معارف أكرب مبا حيدث حول العامل"‪.‬‬
‫• لكن داليا ترجع الفضل يف بلورة (املواقف التقدمية) حول احلقوق اجلنسية ال إىل‬
‫اإلنرتنت ومواقع التواصل وحدها‪ ،‬بل إىل العمل املنظم اخلاص حبقوق اللوطيني‬
‫(اجلندر)‪ ،‬واليت توىل نشرها عدد من املنظمات واهليئات مثل «املبادرة» على سبيل‬
‫املثال‪" ،‬ومركز «نظرة» للدراسات النسوية الذي تأسس قبل الثورة‪ ،‬وتولي العمل‬
‫على اجلنسانية كقضية للمنظمات النسوية"‪ .‬كذلك‪" :‬كل من مركزي «هشام‬
‫‪349‬‬
‫مبارك» و«النديم»‪ ،‬مارسا دورًا خاصًا يف احلفاظ على تقدم احلركة احلقوقية‬
‫لألمام‪ .‬تهتم املنظمتان بالنسوية‪ ،‬مما ميكنهما من اللعب «يف املساحة املتقاطعة بني‬
‫القضايا النسوية واجلنسانية وحقوق اإلنسان"‪ ،‬فحتى املؤسسات احلقوقية غري‬
‫املتفرغة للوطية واليت شغلها األول ملفات مثل التعذيب األمين‪ ،‬تولي اهتماما‬
‫متزايدًا بتطبيع اللوطية بني الناس‪ ،‬إضافة للتالحم بني قضايا النسوية واللوطية‬
‫عند النشطاء العاملني‪.‬‬
‫• ويتضح طوال احلوار السعي الدائم لربط قضية حقوق اللوطيني‪ ،‬بباقي القضايا‬
‫احلقوقية املصرية‪ ،‬وجعلها متساوية مجيعا يف شبكة ال ميكن فصل أجزاءها‪ ،‬كما‬
‫ذكرنا قبال‪ ،‬انظر مثال إىل قول عبد الرازق‪" :‬حنن نعترب أن األزمة األعمق هي أزمة‬
‫احلريات املدنية‪ ،‬وزيادة قضايا التجديف ضد األقباط والشيعة‪ ،‬فضلًا عن احلملة‬
‫على «جمتمع امليم»‪ ،‬مما يعرب عن اجتاه حقيقي للدولة"! إن الكل واحد‪ ،‬فالعامل‬
‫مبجال حقوق اإلنسان عليه أن يعمل ‪ -‬من وجهة نظر أسياد هؤالء‪ ،‬اليت يبشروننا‬
‫بها ‪ -‬يف خدمة حقوق األقباط والشيعة واللوطيني (األقليات اجملتمعية)؛ وكل قمع‬
‫جمتمعي أو سلطوي لتلك الفئات هو شغله الشاغل! كما يتضح طوال احلوار أيضًا‪،‬‬
‫إضفاء الطابع النضالي واحلربي على عملهم يف تطبيع اللوطية‪ ،‬حتى من جانب‬
‫الصحفية اليت أدارت اللقاء‪ ،‬واليت اختارت عنوانا مثل (املضي بالنضال قدما) كأحد‬
‫العناوين الفرعية للحوار! هم يؤمنون بأنهم رواد املعركة مع اجملتمع القديم‪،‬‬
‫وحاملو مشعل التنوير وسط ظالم اجلهل واألفكار البالية‪ ،‬معركتهم ليست فقط‬
‫قبول اللوطية بل تطبيعها وقبوهلا متاما‪.‬‬
‫‪350‬‬
‫• ويظهر هذا يف حديث داليا عن النقاشات األخرية اليت دارت يف تنظيمها احلقوقي‪،‬‬
‫والذي كان حول (االنتقال من الرتكيز على احلق يف اخلصوصية إىل قضية‬
‫الرتاضي كمبدأ)!‬
‫لنوضح الفارق‪ :‬مبدأ اخلصوصية هو ما استعمله الغنوشي يف خطاباته حول اللوطية‪،‬‬
‫ويقتضي أن اللوطي له حق اخلصوصية وعدم التدخل يف حياته ‪/‬بينما مبدأ‬
‫الرتاضي أكثر جرأةً‪ ،‬ويقتضي أن كل طرفني يرتضيان إقامة عالقة جنسية‬
‫بينهما ليس للمجتمع احلق يف التعليق عليهما أو رفضهما‪ .‬قد يدقُّ الفرق عليك‪،‬‬
‫لكن بعض الرتكيز سينبهك لشسع املسافة بني املفهومني‪ ،‬و ِلمَ تطور املراكز‬
‫احلقوقية خطابها من اخلصوصية إىل الرتاضي‪ :‬فاملبدأ األول قد تقوله وأنت غري‬
‫مقتنع بتلك املمارسة‪ ،‬وقد كان يتبناه أكثر احلقوقيني املشارقة قبال‪ ،‬يقولون حنن‬
‫نرفض اللواط‪ ،‬لكننا مع اخلصوصية‪ ،‬وليس لنا احلق يف اقتحام خصوصية الالطة؛‬
‫لكن املبدأ الثاني لن تقوله إال وأنت مقتنع أن كل العالقات اجلنسية مباحة وليس‬
‫لك احلق يف جمرد رفضها‪ ،‬بل عليك قبوهلا ما دامت بالرتاضي‪ ،‬فإن امشأزت نفسك‬
‫فهذا خلطأ عندك عليك عالجه!‬
‫إن اخلطاب احلقوقي العلماني املشرقي جيابه ضغطا أكرب من نظريه الغربي‪،‬‬
‫فاتساع الفئات املستهدفة بالتغطية والتربير‪ ،‬والنمو املتسارع لأليدولوجيات املنافية‬
‫للفطرة اإلنسانية‪ ،‬جيعل احلمل أثقل عليه يف اجملتمعات املسلمة من نظريتها‬
‫الغربية التائهة‪ ،‬فما زال يف املسلمني أثرة من دينهم‪ ،‬حتى على املستوى السلطوي‪،‬‬
‫وكثريا ما تعمل حكومات الدول اإلسالمية على اختاذ مناهضة املنظمات احلقوقية‬
‫وأفكار اللوطية مط ّيةً لرفع الشعبية وإضفاء طبع (أنصار اهلل وأعداء الغرب) أمام‬
‫شعوبها‪ ،‬وكل هذا يعطل عمل احلقوقيني؛ لكنهم على أي حال يراهنون دومًا على‬
‫التغيري البطيء‪ ،‬وعلى االنتصارات املتدرجة‪ ،‬واالنتكاسات املتوقعة‪ ،‬وعلى ارتباط‬
‫الشباب بأفكار العوملة وهوسهم باحملتوى العلماني الغربي‪ ،‬ما ييسر على العمل‬
‫‪351‬‬
‫احلقوقي العمل معهم‪ ،‬وجيعل هلم األولوية يف اخلطاب بدال من كبار السن‪ ،‬وقد‬
‫مر الناشطان العلمانيان على نقطة الشباب واألجيال القدمية تلك‪ ،‬وأظهرا إميانًا‬
‫بقدرة األجيال اجلديدة على تفهم اللوطية أكثر من كبار السن‪ .‬وال تنس املسارات‬
‫املتوقعة اليت ناقشناها يف مبحث الشريعة‪ ،‬واليت كان أكثرها قربا للواقع يصب يف‬
‫صاحلهم‪ ،‬إذ أن السلطات العربية واإلسالمية ستضطر حينها إىل مصاحلتهم‬
‫وإطالق أيديهم يف إذاعة اللوطية باجملتمع‪.‬‬
‫ج‪ :‬الخطاب الحقوقي لمسلمي الغرب‪.‬‬
‫يف عام ‪ ،2017‬اختارت جملة التاميز ليندا صرصور‪ ،‬احلقوقية املسلمة الفلسطينية‪-‬‬
‫األمريكية احملجبة‪ ،‬إحدى أكثر الشخصيات املؤثرة يف هذا العام)‪. (272‬‬
‫فهي ذات نشاط نسوي دؤوب‪ ،‬وعمل ال يتوقف يف سبيل دمج (اجملتمع املسلم)‬
‫باجملتمع األمريكي‪ ،‬حتى عرفت نفسها على تويرت بالكلمات اآلتية (أنا أسوأ كوابيس‬
‫كل كارهي اإلسالم)!‬
‫تعترب ليندا نفسها مناضلة كبرية لتحسني صورة املسلمني يف الغرب‪ ،‬وقدوة لكل‬
‫مسلم هناك‪ ،‬فهي ملتزمة حبجابها ال ترتدي املالبس الفاضحة‪ ،‬معتزة باإلسالم ترد‬
‫على كل من يهامجه‪ ،‬نشطة جدا يف اجملال احلقوقي واالجتماعي‪.‬‬
‫متثِّل ليندا منوذجا كابوسيا لكارهي اإلسالم‪ :‬ألنها من أنشط مناصري اللوطية!‬
‫حتى علق على تصرفاتها الكاتب دانيال حقيقاجتو قائال‪ :‬ال ميكن أن تكتب ليندا‬
‫‪352‬‬
‫مجلتني فقط‪ ،‬دون أن تذكر اهلوموفوبيا والرتانسفوبيا (عداء اللوطية واخلِناثة)‬
‫)‪!(273‬‬
‫فلماذا تصنع ليندا ذلك؟‬
‫يف عام ‪ 1978‬وضع الفنان اللوطي جيلربت باكر يف سان فرانسيسكو علما‪ ،‬فيه ألوان‬
‫الطيف‪ ،‬قال عنه أنه رمز قوي ميثل أمة اللوطيني‪ ،‬وظهور ثورتهم ومتردهم‬
‫وتضامنهم‪ ،‬ويف أعوام قليلة تبنى اللوطيون هذا العلم بدال من الرمز القديم (املثلث‬
‫الوردي)‪ ،‬والذي كان يشري إىل احلقبة النازية‪ ،‬حني كان اللوطيون يُميَّزون يف‬
‫املعتقالت بوضعه على مالبسهم)‪ ، (274‬وقد لوحِظ تشابه التعامل احلضاري الغربي‬
‫مع اليهود واللوطيني‪ ،‬والذي يتمثل بوضوح يف االضطهاد النازي‪ ،‬ومن تلك النقطة‬
‫صعد يف التسعينيات من القرن املاضي حتالف قوي بني اجملتمع اليهودي‪ ،‬واجملتمع‬
‫اللوطي‪ ،‬أُسس على وجوب التضامن بينهما الشرتاكهما يف املعاناة التارخيية من‬
‫الغرب‪ ،‬وحتميلهما أسباب اندحار احلضارة املسيحية )‪.(141‬‬
‫من هنا أتى اخلطاب املسلمني احلقوقي يف الغرب‪ ،‬فهم حياولون مماثلة حالتهم‬
‫باحلالة اليهودية‪ ،‬واالنضمام لتلك اجلمعية احلقوقية املتحالفة منذ الربع األخري‬
‫من القرن املاضي‪ :‬اللوطيون واليهود والسود!‬
‫ومتثل ليندا ذاك اخلطاب احلقوقي؛ والذي ازداد انتشارا مع صعود اليمينني‬
‫العنصري واملسيحي‪ ،‬وهو خطاب يدَّعم على أن اخلوف من اإلسالم‬
‫‪ Islamophobia‬هو ذاته اخلوف من اللوطية‪ ،‬واخلوف من األجانب‪ .‬وأن العداء‬
‫‪353‬‬
‫للمسلمني هو ذاته العداء للسامية ‪/‬اليهودية‪ ،‬والعداء للملونني والسود = إنه خطاب‬
‫الكراهية املعادي لإلنسانية‪ ،‬وال حل جملابهته إال بتوحد كامل لكافة األقليات‬
‫املضطهدة يف الغرب‪ :‬املسلمون واليهود والسود واللوطيون؛ لوقف منو اليمني ونشر‬
‫خطاب التسامح واحلب! ميكن التمثيل على ذلك بتفاخر ليندا على تويرت‪ ،‬أن صالة‬
‫العيد اليت نظمها املسلمون يف نيويورك عام ‪ ،2013‬وافقت مظاهرات الفخر اللوطي‬
‫‪ ،Gay Parade‬فكانت الصالة مع املظاهرة بني اللوطيني‪ ،‬وتباهت ليندا قائلة ألهل‬
‫(الكراهية)‪ :‬أكيد أنكم غيورون! إن صالة العيد ملسلمي نيويورك كانت منوذجا‬
‫للتعايش واحلب‪ ،‬أمام منوذج العنف والغضب والكراهية الذي ميثله اإلرهابيون‬
‫املسلمون واليمينيون الغربيون‪.‬‬
‫أما املسلم الرافض للوطية‪ ،‬فعليه أن يتساءل‪ :‬ملاذا يقبلك الغربي احململ خبطاب‬
‫اإلسالموفوبيا‪ ،‬إذا كنت أنت نفسك حممال خبطاب اهلوموفوبيا (كراهية‬
‫اللوطية)؟ على املسلم الغربي أن حيب اللوطيني قبل أن يطالب الغربيني حببه‪ ،‬وعلى‬
‫املسلم الغربي املناصر للواط جمابهة كل شريعة وكل مسلم يرفض اللوطية‪ .‬إن‬
‫ليندا تقف يوميا ضد الفقهاء والعلماء واملسلمني املروجني لكراهية اللواط وعداء‬
‫اللوطيني‪ ،‬وتوالي إخوانها اللوطيني اإلنسانيني يف معركتهم ضد تلك الوحشية‪،‬‬
‫وخطاب الكراهية‪.‬‬
‫وقد وصل احلال بهذا النموذج املتودد للوطية‪ ،‬أن يُفاخِر بكون املسلمني عرفوا‬
‫اللوطية يف عصرهم الذهيب‪ ،‬يوم كانت أوروبا حترمها يف عصورها املظلمة‪ ،‬كما‬
‫صنع ماجد نواز‪ ،‬يف مقال له زعم فيه أن القرآن ال حيرم اللوطية‪ ،‬وأن النيب كان‬
‫يقبلها‪ ،‬وأن حترميها مل يأت إال من االستعمار الغربي‪" :‬الكولونيالية علمت املسلمني‬
‫‪354‬‬
‫أن توجهاتهم اجلنسية مشينة‪ ،‬لقد صار املسملون اآلن أكثر تعصبا ورمبا أكثر‬
‫نفاقا من الفيكتوريني")‪! (275‬‬
‫إضافة إىل أكاذيب ماجد نواز‪ ،‬يستند املخبول إىل الفوضى اليت جرت يف الدولة‬
‫العباسية‪ ،‬عندما احنل اجملتمع ووُجِدَ اللواط يف دار اخلالفة‪ ،‬كدليل على أنه مباح‬
‫ال شيء فيه‪ ،‬واألخطر من ذلك‪ ،‬التفاخر بأن أوروبا كانت مظلمة للوطيني كلها‬
‫يوما‪ ،‬إال منارة األندلس!‬
‫إن هذا اخلطاب فوق كذبه وتدليسه‪ ،‬إال أنه مبباهاته أن املسلمني أهل إباحة اللواط‪،‬‬
‫وأن القرآن والنيب يقبالنه‪ ،‬وأن أوروبا املسيحية كانت قارة التزمت = يغذي الدعاية‬
‫املسيحية بتهمة جديدة لإلسالم‪ ،‬حتى أني لن أستغرب يومًا إن مت حرق املسلمني‬
‫ألنهم هم من علموا أوروبا اللواط! من املعرتض؟ إن كتابا مسلمني كماجد نواز هم‬
‫أنفسهم القائلون بذلك!‬
‫يعلن ماجد نواز يف مقاله أنه ومؤسسته ‪ Quilliam‬يعقدون لقاءات تعريف أوروبا‬
‫بتاريخ املسلمني الثري مع اللوطية‪ ،‬وعدم جواز الوقوف صمتًا أمام حادث إعدام‬
‫تنظيم الدولة لشابني لوطيني‪ ،‬فعلى أوروبا أن تعرف كون هذه الشرائع اليت تعاقب‬
‫اللوطية‪ ،‬واليت نفذتها داعش‪ ،‬ليست إال نتاج بدعة غربية وتأويل سيء للقرآن!‬
‫مل يهتم نواز بذلك؟ يعلن الرجل دوافعه اليت هي ذاتها خالصة كالم ليندا‬
‫صرصرور‪ :‬تدعيم مفاهيم احلب واملساواة‪ ،‬ونصرة اإلنسانية = مقابل نبذ التعصب‬
‫والكراهية واهلمجية‪ ،‬اليت ميثلها املتطرفون الكارهون لإلسالم أو اليهودية أو‬
‫اللوطية!‬
‫هذا اخلطاب السائد‪ ،‬ال ينشره أمثال ليندا وماجد فقط‪ ،‬بل هناك أئمة وأشياخ‬
‫أوروبيون يضمنونه خطابهم عن ضرورة احلب والتسامح‪ ،‬يف خطاب يؤسلم احملتوى‬
‫‪355‬‬
‫احلقوقي املعاصر‪ ،‬وجيهر بدعمه حلقوق اللوطيني أحيانًا‪ ،‬بينما يتهرب الكثريون‬
‫من التصريح بأي موقف‪ ،‬ما جيعلهم حتت األنظار والشك من املنظمات اليت تعلم أن‬
‫موقفهم حرج‪.‬‬
‫أما عن املسلمني العاملني يف جمال السياسة بالغرب‪ ،‬فال ميلكون إال التماهي التام‪،‬‬
‫بل التعصب الكامل لذاك اخلطاب احلقوقي‪ ،‬ألنه احلل جلمع األصوات أمام اليمني‬
‫الصاعد‪ .‬ولنضرب بعض األمثلة على ذلك‪:‬‬
‫‪ .1‬كانت ومل تزل عضوة الكوجنرس األمريكي إهلان عمر‪ ،‬املسلمة الصومالية‬
‫احملجبة اليت هلل هلا املسلمون فرحًا يوم فازت مبقعد يف الكوجنرس األمريكي‪ ،‬هي‬
‫إحدى أنشط عضوات الكوجنرس يف ملف دعم اللوطية‪ ،‬ومنذ ترشحها وهي من‬
‫كبار أنصار اللوطيني واخلِناث واملرتجالت يف واليتها‪ ،‬وهلا على موقعها صفحة‬
‫كاملة بعنوان (قاتلوا من أجل حقوق اللوطيني) تعلن خالهلا أنها ستثور بال هوادة‬
‫ضد كل من يرفض اللوطية واخلِناثة‪ ،‬وستسعى يف إصدار التشريعات لقمع كل‬
‫من خيالف اللوطية)‪ ، (276‬ومل متر أشهر قليلة على دخوهلا الكوجنرس‪ ،‬حتى‬
‫أعلنت يف مظاهرة للوطيني بواليتها‪ ،‬وعلى تويرت‪ ،‬أنها جنحت يف مترير مشروع‬
‫قانون يُجرِّم عالج اللوطيني ‪ Conversion Therapy‬ألنه تعذيب غري إنساني‬
‫)‪ ،(277‬ويف نفس اإلطار يأتي كيث إليسون‪ ،‬أول عضو مسلم يف تاريخ الكوجنرس‪،‬‬
‫واملشهور بأنه من كبار املدافعني عن حقوق اللوطية يف واليته)‪ ، (278‬وكذلك‬
‫‪356‬‬
‫رشيدة طاليب‪ ،‬عضوة الكوجنرس الفلسطينية األصول‪ ،‬واليت نشرت تهنئة‬
‫للوطيني بشهر الفخر يف منتصف ‪.2019‬‬
‫‪ .2‬وقد افتتح عمدة لندن يف عام ‪ ،2018‬املسلم صادق خان‪ ،‬مهرجان (الفخر اللوطي)‬
‫يف لندن‪ ،‬والذي مجع تظاهرة ضخمة ضمت قرابة الثالثني ألف لوطي‪ ،‬ومخسمئة‬
‫جمموعة نشاط لوطي)‪. (279‬‬
‫‪ .3‬كذلك وافق كافة األعضاء املسلمني الستة يف الربملان األملاني على قانون زواج‬
‫اللوطيني‪ ،‬والذي مل تدعمه رئيسة احلكومة األملانية نفسها أجنيال مريكل‪ ،‬واليت‬
‫قالت‪ :‬على الزواج أن يكون بني رجل وامرأة فقط = لكن األعضاء املسلمني جنحوا مع‬
‫األغلبية يف إقرار هذا القانون‪ ،‬وفشلت مريكل‪ ،‬وجاءت تصرحياتهم –أكثرهم من‬
‫أصول تركية‪ -‬عن انتصار احلب والتنوع وما إىل ذلك من ديباجات)‪. (280‬‬
‫فاخلالصة‪ :‬أن اخلطاب احلقوقي اإلسالمي يف الغرب‪ ،‬السياسي واجملتمعي‪ ،‬مل يعد‬
‫لديه خيار يف السنوات األخرية‪ ،‬مع صعود اليمني العنصري أو املسيحي‪ ،‬إال املزيد من‬
‫التماهي مع اخلطاب احلقوقي الغربي يف قضية اللوطية‪ ،‬بل والتعصب هلا إىل درجة‬
‫التطرف = ذاك أن قضية (القبول اجملتمعي) للمسلمني يف الغرب مرهونة بقبول‬
‫املسلمني ألكثر أفكار الليربالية حتررا وفجورا‪ ،‬جلبا لنصرة األحزاب الليربالية‬
‫واصطفافها مع املسلمني يف معركتها الدائرة مع اليمينيني‪ ،‬وهو ما جعل املسلمني‬
‫‪357‬‬
‫هناك بني شقي الرحى؛ فإما قبول باللوطية‪ ،‬أو اصطفاف كافة مؤسسات وأحزاب‬
‫الغرب مينة ويسرة ضد وجودك!‬
‫‪ )4‬المؤسسة اإلعالمية‪.‬‬
‫كان املصريون والعرب يف عام ‪ 2018‬على موعد مع وثبة فاحشة ومفاجئة يف تغيري‬
‫صورة اللوطي اخلنِث إعالميا‪ ،‬حينما قدم صناع الفيلم املصري (طلق صناعي)‬
‫خنِث‪ ،‬يسعى للهجرة إىل أمريكا مرتديا مالبس النساء‪.‬‬
‫شخصية لوطي َ‬
‫ما يدهمك ليس تقديم الشخصية ذاتها‪ ،‬إمنا املعاجلة اليت أظهروها ومساحة الدور‪:‬‬
‫فقد أظهروا اخلنِث يف صورة املُضطَّهَد املسكني‪ ،‬الذي حيمل عظيم الشجاعة والنبل؛‬
‫ومع ذلك يعاديه جمتمعه ويزدريه = فيحاول إنقاذ كافة الرهائن احملتجزين بداخل‬
‫السفارة األمريكية حينما جيبُن غالظ الرجال وأشاوسهم‪.‬‬
‫ويف مشهد حرص صانعوه على أن يزخر بلوحات موسيقية وعاطفية مؤثرة‪ ،‬تلقى‬
‫اخلنث الضربة تلو األخرى على جسده الضعيف‪ ،‬فسقط أرضا‪ ،‬ثم حتامل حتى قام‬
‫متحديا شجاعا‪ ،‬ليتلقى املزيد ويطيح به اجملرم‪ ،‬وينهض املرة تلو املرة حتى يعجز‬
‫ويبكي قهرا = ليثبت للمشاهد أن الربط بني (الشجاعة) و(الرجولة) هو حمض وهم‪،‬‬
‫وأن هؤالء اخلِناث أُناسٌ فيهم مرؤة وحب تضحية بالذات تنقص كافة من حوهلم‬
‫من مدعي الرجولة!‬
‫لقد كان حجم الدور صغريا لكنه ظل ثابتا مستمرا طوال الفيلم‪ ،‬وكان أوسع يف‬
‫مساحة التأثري أضعاف ما توفر ألي دور قبله يف السينما العربية واملصرية‪.‬‬
‫‪358‬‬
‫لقد صدمين هذا الفيلم وأدهشين؛ فقد كتبت قبلها بيوم واحد فقط يف مسودة هذا‬
‫الكتاب أن لوطية عصر ما بعد التطبيع مل تظهر بعد يف اإلعالم العربي بصورة دقيقة‬
‫واضحة‪ ،‬وأن تصور كيفية بدء ذلك ليس طيِّع التخيُّل!‬
‫لكن ما هو عصر ما بعد التطبيع اللوطي؟‬
‫سأستعرض فيما هو قادم تغلغل اللوطية يف اإلعالم بدايةً من هذا القرن‪ ،‬مقسما‬
‫عصور اإلعالم اللوطي إىل أقسام متمايزة تيسِّر الشرح وتبيِّن كيفية التدرج‬
‫االنتقالي صعودا؛ فاملؤسسة اإلعالمية أداةً فائقة الكفاءة يف تشكيل وعي اجلماهري‪،‬‬
‫ودفعها لتطبيع أكثر الفواحش فجورا‪ ،‬وإثبات ذلك يطول‪ ،‬وله مصنفات استقصت‬
‫وسائله وكيفيته)‪ (281‬وقد عرجت عليه يف كتاب وطن الراشدين‪ ،‬وسأقتصر هنا‬
‫على بيان جزء واحد من عمل تلك املؤسسة املقبوض عليها بأيدٍ آمثة لعصب اجملرمني‬
‫والفاسقني يف كافة األصقاع والبلدان‪.‬‬
‫أ‪ :‬موجز تاريخ اللوطية في اإلعالم الغربي والعربي‪.‬‬
‫كان أول فيلم يُظهر اللوطيني يف التاريخ أملانيا‪ ،‬عنوانه خمتلفون عن اآلخرين‬
‫‪ ،Anders als die Andern‬وقد ظهر يف عام ألف وتسعمئة وتسعة عشر‬
‫)‪(282‬إال أن ريادة األمريكيني هلذا الفن بعد ذلك سيوجب علينا الرتكيز على‬
‫تطورهم‪ ،‬فمنذ بداية عصر السينما إىل نهاية القرن العشرين مر التعامل الفين مع‬
‫اللوطية يف أمريكا‪ ،‬مملكة السينما بعدة مراحل صعودا وهبوطا‪.‬‬
‫فكانت املرحلة األوىل‪ :‬ما قبل األربعينيات‪ ،‬وفيها ظهرت لقطات نادرة لشخصيات‬
‫لوطية نسوية أو ذكورية‪ ،‬وكان بناء الشخصية غري منظم أقرب للعبث مييل‬
‫‪359‬‬
‫إلظهار اللوطي يف هيئة السيسي ‪ sissy‬املتخنث املتثين يف حركاته وأفعاله )‪،(281‬‬
‫لكن مع ذلك ظهرت مشاهد لوطية بصورة إجيابية‪ ،‬وترافق هذا مع حركات‬
‫النسوية واحلريات اليت بدأت العمل يف هذا الزمن‪ ،‬وكان مفتتح املشاهد اللوطية‬
‫اإلجيابية يف فيلم األجنحة (‪ ،)1927‬ثم فيلم موروكو (‪ ،)1930‬وقد انتهت هذه‬
‫املرحلة يف الواليات املتحدة عام ‪ 1934‬بالتوقف عن إظهار اللوطيني بسبب الغضب‬
‫اجملتمعي املسيحي الربوتستانيت والكاثوليكي الذي فرض قانونا عاما يف هوليوود‬
‫مينع إظهار مثل تلك الصور املُحرَّمة للجنس يف السينما بقانون اإلنتاج أو ما مسي‬
‫بقانون هَ ِيس )‪ .(283‬أما يف اإلعالم والسينما العربية فلم تكن اللوطية حاضرة يف‬
‫تلك املرحلة املبكرة‪.‬‬
‫وكانت املرحلة الثانية يف عصر ما قبل الثورة اجلنسية؛ وفيها ظهرت الشخصيات‬
‫اللوطية يف السينما على استحياء وغلب على بناء الشخصية اللوطية صورة املريض‬
‫نفسيا الذي يستدر تعاطف املشاهد حلالته اليت ال ذنب له فيها‪ ،‬كان همُّ صناع‬
‫السينما منذ ذاك الوقت هو حتويل اللوطية يف السينما من اهلزلية الكاريكاتورية‪،‬‬
‫إىل اجلدية واالحرتام‪ ،‬حتى إن رفضت عليك أن تتسامح مع ذلك اإلنسان املسكني‬
‫املُعذَّب)‪. (284‬‬
‫‪360‬‬
‫وقد أمرت احملكمة األمريكية العليا يف عام ‪ 1952‬بتحرير اإلعالم والفن من القيود‬
‫السابقة وتقديم حملات باألفالم عن الشخصية اللوطية؛ لكن بشرطني‪ ،‬األول عدم‬
‫إظهاره يف صورة كوميدية مرحة مرحية للمشاهد (التطبيع بالكوميديا)‪ ،‬والثاني‬
‫ضرورة دفع املنحرف جنسيا مثن احنرافه = فظهرت الشخصية اللوطية ثانيةً لكن‬
‫بصورة مريضة أو شريرة‪ ،‬ال كالتمثيل األول يف العشرينيات)‪. (285‬‬
‫يف اإلعالم املصري ظل احلال على ما هو عليه من غياب للوطية‪ ،‬إال إشارة يف فيلم‬
‫الطريق املسدود (‪ )1958‬للوطية نسوية‪ ،‬ويُعد ذلك أول تقديم للوطية يف السينما‬
‫العربية‪ ،‬لكنها مل تكن صرحية‪ ،‬ومل تُناقش بعمق‪ ،‬ومل يُطلب التعاطف معها بل‬
‫النفور (‪.)286‬‬
‫وكانت املرحلة الثالثة يف قلب عصر الثورة اجلنسية؛ فمنذ نهاية الستينيات وتأثرا‬
‫مبهرجانات الفخر اللوطية ‪ Gay Parade‬اليت كانت جزءا من الثورة اجلنسية‪،‬‬
‫تغري موقف هوليوود بتقديم أفالم نادرة تظهر اللوطيني جمتمعا مرحا‪ ،‬مُغازَلةً من‬
‫صناع السينما للجمهور اللوطي بدايةً‪ ،‬ثم مواكبةً للثورة اجلنسية املمتدة طوال‬
‫السبعينيات فيما بعد )‪ ،(287‬ومن أبرز امللحوظات أن املسلسالت وبرامج التلفاز‬
‫كانت هي رائدة تطبيع اللوطية يف ذلك الزمن املبكر‪ ،‬وإن تقولبت يف صورة ساخرة‬
‫)‪ .(281‬أما يف السينما العربية فقد بدأت حملات لظهور الشخصية اللوطية يف أفالم‬
‫‪361‬‬
‫قدمها جمموعة من املمثلني واملمثالت كسناء يونس وسعاد نصر وغريهن؛ وقد غلب‬
‫على تلك املرحلة إظهار اللوطيات يف صورة مثرية للتعاطف‪ ،‬أو إظهار معاناتهن‪ ،‬مثل‬
‫فيلم جنون الشباب (‪ .)288‬وستكون سخافةً منا إن فصلنا ذاك التوجه يف السبعينيات‬
‫العربية‪ ،‬عن التوجه العاملي األول‪ ،‬خاصةً مع هوس السينما املصرية مبحاكاة‬
‫هوليوود!‬
‫وقد كانت املرحلة الرابعة يف الثمانينيات‪ ،‬عصر ما بعد الثورة اجلنسية؛ اليت ترافق‬
‫فيها عاملني يف إعادة كبت املادة اجلنسية اللوطية‪ ،‬أوهلما‪ :‬عامل ربط مرض اإليدز‬
‫باللوطية)‪ (289‬وهي النكسة الكربى اليت مرت باللوطيني وجعلت بعضهم يعترب‬
‫هذه احلقبة أحلك أزمانهم بسبب اكتشاف اإليدز؛ إذ ساد وصمهم بناقلي أشنع‬
‫األمراض القاتلة‪ ،‬وبأنهم يعاقبون من الرب‪ ،‬فعوملوا بعداء من اجلميع يف الغرب‪،‬‬
‫بعدما كانوا حيققون فتوحا كربى يف السبعينيات‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬ظهور الثورة املضادة ضد الثورة اجلنسية واليت طالبت بالعودة إىل القيم‬
‫العائلية وهامجت الزنا‪ ،‬وإن مل تنجح إال يف حتديد سقف جلنون السبعينيات‬
‫اجلنسي )‪ ،(32‬وال تنس أن ذلك كله كان يف نسق عادت فيه الكنيسة إىل الواجهة‬
‫يف ظل ريادة اليمني اجلديد وإدارة رجيان‪.‬‬
‫ومن أبرز األمثلة على قوة تلك األجواء‪ ،‬أن فيلم ‪ Deathtrap‬تلقى ضربة موجعة‬
‫ماديا بسبب وجود قبلة لوطية فيه‪ ،‬ما أثار غضبا كنسيا كان من أسباب هذه‬
‫اخلسارة التأديبية‪ .‬أما انتشار مرض اإليدز فقد عمل بصورة أكرب طوال‬
‫الثمانينيات يف تقديم خطاب كاره ومعادٍ للواط واللوطية‪.‬‬
‫‪362‬‬
‫أما يف السينما املصرية فقد ظهرت الشخصية اللوطية عموما بصور ماجنة سخيفة‪،‬‬
‫وكان الوحيد الذي قدمها بصورة مدرة للتعاطف هو يوسف شاهني يف أفالمه‪ ،‬اليت‬
‫ركز فيها على لوطية الذكور حتديدا ال لوطية النسوة‪.‬‬
‫وقد كانت املرحلة اخلامسة هي بداية رواج التطبيع‪ ،‬وقد بدأت منذ التسعينيات‪،‬‬
‫وفيها عادت مسرية السبعينيات املُنتنة يف استكمال طريقها‪ ،‬وارتفعت الوترية رويدا‬
‫رويدا حتى وصلت يف النهاية إىل مسلسل (األصدقاء) و(إلني) حيث قُدِّم اللواط‬
‫بصورة تطبيعية صرحية‪ ،‬وقد كان بني مؤلفي مسلسل األصدقاء لوطي هو ديفيد‬
‫كرين‪ ،‬وكان املنتج لوطيا كذلك وعشيقا لألول )‪.(290‬‬
‫وقد بدء ظهور عدة قواعد لصناع السينما األمريكية يف تلك املرحلة‪ ،‬نلحظ أنها‬
‫ستفعل األفاعيل بعد ذلك يف مسرية تطبيع اللوطية‪:‬‬
‫أوهلا‪ ،‬أن القبالت اللوطية بني الذكور يف السينما والتلفاز رهان خاسر‪ ،‬فما حدث يف‬
‫السينمات أثناء عرض فيلم ‪ Deathtrap‬املذكور قبال‪ ،‬من صفري وهياج‬
‫ومقاطعة‪ ،‬كان درسا ثقيال له أثره يف تاريخ صناعة السينما اللوطية‪ ،‬فاخلسائر‬
‫اليت قُدِّرت بعشرة ماليني دوالر أكرب من أن يتجاهلها صناع السينما)‪ (291‬ولن‬
‫يرجع املنتجون للمغامرة إال مع فيلم جبل بروبيك؛ لكن بشكل عام سيظل اإلطار‬
‫العام هو عدم املغامرة بإظهار سلوكيات اللوطية الذكرية الصرحية‪.‬‬
‫ثانيها‪ ،‬أن اللوطية النسوية يف السينما هي أكرب رهان ناجح اكتشفه املنتجون‪،‬‬
‫فاجلمهور الرئيسي لألفالم هو الذكور الطبيعيني‪ ،‬وهم يتهيجون مبشاهد اللوطية‬
‫النسوية ويرحبون بها‪ ،‬وال يظهرون إال كل أرحيية وتسامح مع تلك املشاهد)‪، (292‬‬
‫‪363‬‬
‫والنساء مل يبدين اعرتاضا على ذلك؛ فلم ال نغرق احملتوى اإلعالمي بقبالت ومشاهد‬
‫اللوطية النسوية؟ ذلك أحد أبرز مواطن املفارقة الساخرة يف القضية كلها؛ إذ يظهر‬
‫كيف أن احملتوى اللوطي النسوي‪ ،‬الذي ناضلت من أجله كثري من النسويات‪ ،‬عُمم‬
‫من رجال الصناعة اإلعالمية إلمتاع رجال آخرين!‬
‫ولو تدبرت قليال لرأيت حجم املفارقة الساخرة!‬
‫فما حدث قبال يف قضايا التعري والتحرير اجلنسي للنساء‪ ،‬حيدث حاليا يف إذاعة‬
‫صور عالقاتهن اللوطية!‬
‫كل ذلك ترفيه لرجال مقدم من رجال آخرين‪ ،‬والوسيلة هي النساء! قوادة عاملية‬
‫رفيعة!‬
‫وال تُظهر تلك األفعال للنسوية إال يف صورتها احلقيقية‪ :‬أكرب مؤامرة ذكورية‬
‫خلداع النساء يف تاريخ البشر! إن النسويات حبق هنَّ ألعوبة الرجال؛ بل وكلما زادت‬
‫أصنافهن تطرفا‪ ،‬وأقصد النسوية الراديكالية اللوطية = كلما زاد استمتاع فساق‬
‫الذكور بهن!‬
‫ثالثها‪ ،‬أن اإلضحاك والكوميديا سالح عبقري يف تطبيع اللوطية عن طريق حتدي‬
‫هيمنة النموذج اجلنسي الطبيعي ‪ Heteronormativity‬والسخرية منه‬
‫لصاحل اللوطيني؛ لكنه سالح جيب استخدامه بوعي وحذر وإال ارتد عليك؛ فيجب أال‬
‫تكون السخرية خادمة لتنميط الطبيعيني للوطيني‪ ،‬باعتبارهم كائنات شاذة‬
‫ومنحرفة؛ بل جيب أن يظهر اللوطي بصورة جيدة حتى إن كانت السخرية موجهة‬
‫له هو ذاته‪ ،‬وتلك لعبة خطرة حتتاج إىل مهارة ووعي )‪.(281‬‬
‫رابعا‪ ،‬أن أفضل عرض حلياة اللوطيني التطبيعي يتمحور حول قضية (اخلروج‬
‫‪ )Coming Out‬وبالتالي جيب أن يظهر يف إطار املعاناة واملأساة الداخلية للشخص‬
‫‪364‬‬
‫والنظرة االجتماعية احملتقرة ثم التحدي والتحرر واالعرتاف‪ ،‬ثم التقبل من‬
‫اآلخرين )‪!(281‬‬
‫تلك املبادئ األربعة الكربى كانت من أهم الدروس اليت تعلمها صانع السينما‬
‫اهلوليوودي يف تلك املرحلة‪.‬‬
‫أما يف السينما املصرية فلم يتغري احلال عما سبق؛ لكن بدايةً من األلفية بدأ احملتوى‬
‫اللوطي يكون زاعقا يف إعالنه‪ ،‬وخاصةً مع ظهور فيلم عمارة يعقوبيان الذي شهد‬
‫نقاشا تربيريا للواط‪ ،‬ويعترب عالمة تارخيية يف السينما املصرية بالنسبة للمراقبني‬
‫اللوطيني؛ فبينما ركز النقاش احمللي حوله على جانب كشف الفيلم للفساد‬
‫السياسي‪ ،‬ركز النقاش العاملي على جانب تقدميه لشخصية اللوطي بصورة‬
‫طبيعية‪ ،‬وتصوير معاناته وتربيراته دون حتقري‪ ،‬ورُشِّح للمهرجانات العاملية على‬
‫هذا األساس‪ ،‬وقد وعي كاتب الفيلم عالء األسواني هذا االختالف بني الرؤية‬
‫العاملية لفيلمه وبني الرؤية احمللية؛ فقال يف أحد اللقاءات الصحفية العاملية‪ :‬كان‬
‫أحد دوافع تقدميي للوطي يف رواييت هو إظهاره إنسانا‪ ،‬ال كنموذج مطابق‬
‫للتصورات اجملتمعية القبلية النمطية (سترييوتايب)‪ ،‬اللوطي ليس شخصا شريرا‪،‬‬
‫وليس حمرم احلديث عنه! وقد استوعب وحيد حامد‪ ،‬كاتب سيناريو الفيلم نفس‬
‫ما فقهه األسواني؛ فقال يف لقاء آخر‪ :‬إن هدفنا من الفيلم هو التنبيه على وجوب‬
‫استيعاب اآلخرين كما هم )‪!(293‬‬
‫ثم كانت املرحلة األخرية هي عصر ما بعد التطبيع‪ ،‬والذي متيز بأجواء خمتلفة‬
‫أكثر جرأة ووقاحةً؛ فتحت عنوان (ما بعد إلني ‪ )AfterEllen‬افتتحت النسوية‬
‫‪365‬‬
‫اللوطية (ساره وارن) يف عام ‪ 2002‬موقعا على اإلنرتنت خصصته لرصد وعرض‬
‫كافة املشاهد السينمائية والتلفزيونية واإلعالمية للنساء اللوطيات‪ ،‬ومن هذه‬
‫املشاهد انتخلت عيونها ودجبت املطوالت يف نقد أو دعم هذا املشهد أو ذاك‪ ،‬ويف نفس‬
‫الوقت أطلقت موقعا آخر بعنوان (ما بعد إلتون ‪ )AfterElton‬كي يكون املعادل‬
‫اللوطي الذكوري للموقع اآلخر‪.‬‬
‫كانت ساره يف هذا العنوان تُعرِّف بأهمية إلني دجينرييس وإلتون جون يف (تطبيع)‬
‫اللوطية‪ ،‬حتى اعتربت الزمن مقسما بني عصر ما قبل إلني وإلتون‪ ،‬وعصر ما بعد‬
‫إلني وإلتون!‬
‫إلني دجينرييس هي ممثلة كوميدية شقراء زرقاء قدمت يف نهاية التسعينيات‬
‫مسلسالت تليفزيونية كوميدية فاجأت أثناءها يف عام ‪ 1997‬اجملتمع الغربي‬
‫بإظهار نفسها كلوطية تغازل النساء وتعشقهن وختوض معهن مغامرات احلب!‬
‫كان هذا التحوُّل يف مسار املسلسل مسبوقا بإعالن إلني لوطيتها يف اإلعالم قبل فرتة‬
‫قصرية‪ ،‬وكانت احللقة اليت أعلنت فيها لوطيتها من أكرب حلقات املسلسل شعبيةً‪،‬‬
‫إذ شاهدها ‪ 44‬مليون مشاهد‪ ،‬وهو عدد أكرب بثالثة أضعاف عن معدل املشاهدة‬
‫الطبيعي للحلقات)‪ ! (294‬مل تكن تلك اخللطة مألوفة لنجم شعيب قبل إلني‪ ،‬ومر‬
‫هذا بصورة ما على اجملتمع املشغول مبشاهدة السكتشات املضحكة املتتالية!‬
‫مل تكن إلني إذن تصنع لنفسها جمدا يف الكوميديا فقط‪ ،‬بل يف جمال احلقوق‬
‫اللوطية كذلك‪ ،‬وال أقدر على فتح قلوب اجملتمعات من اإلضحاك‪ ،‬وقد كانت إلني‬
‫‪366‬‬
‫ذات مهارة كوميدية حقيقية يندر أن تتوفر يف النساء‪ ،‬وتذكرنا إىل حد كبري‬
‫بلوطية كوميدية صاعدة حاليا هي كيت مكينون )‪.(295‬‬
‫انتهى عصر هذا املسلسل بعد أن مهدت الطريق لتطبيع جنومية اللوطيني على‬
‫األقل‪ ،‬وقد تكون أحد عوامل صبغة املدرسة اإلعالمية األمريكية باللوطية النسوية‬
‫بتأكيد القواعد الكربى اليت ذكرناها قبال؛ فما بعد إلني كان بالفعل مغايرا ملا‬
‫قبلها‪ ،‬وقدمت إلني دور صوت السمكة الزرقاء خفيفة الظل يف فيلم ‪Finding‬‬
‫‪ Nemo‬ثم اجتهت فيما بعد إىل العمل اإلعالمي وصارت تقدم أحد أهم الربامج‬
‫احلوارية اخلفيفة اليت تستضيف النجوم وتعمل بانتظام ودون إحلاح ممل على بث‬
‫مواد إعالمية تدعم اللوطيني يف برناجمها‪ ،‬وقد وصلت بالشهرة إىل احلد الذي شغل‬
‫اجملتمع األمريكي حبفل (زواجها!) على بورشيا دي روسي إحدى مجيالت السينما‬
‫األمريكية الصاعدات حينها)‪ ، (296‬وهي ال تتورع عن التغزل يف مفاتن النساء والكل‬
‫يضحك!‬
‫أما املوقع اللوطي الذكوري فكان على اسم إلتون جون)‪ ، (297‬املمثل اإلجنليزي‬
‫الذي أعلن لوطيته صراحةً يف نهاية الثمانينيات بعد زجيتني طبيعيتني فاشلتني‪،‬‬
‫وهو حاصل على لقب (سري) أحد أرفع األلقاب اإلجنليزية وحيوز تقديرا كبريا يف‬
‫اجملتمع اإلجنليزي والعاملي‪ ،‬حتى إن الرئيس الروسي بوتني حاول اسرتضاءه يف عام‬
‫‪ 2014‬بعدما أبدى إلتون غضبه من بعض مظاهر التمييز ضد اللوطيني يف روسيا!‬
‫‪367‬‬
‫بوتني أكد أن إلتون معشوق املاليني يف روسيا بغض النظر عن ميوله اجلنسية‬
‫ودعاه فيما بعد إىل لقاء يناقشان فيه ما يطلبه إلتون‪ ،‬وهي حقوق اللوطيني )‪!(298‬‬
‫بل إن بوتني رفض طلبا مقدما من جمموعة آباء روس بعدم استضافة حفل إللتون‬
‫رمز الدعاية اللوطية العاملية)‪ ! (299‬يلعب بوتني دوما على الطرفني يف تلك القضية‪،‬‬
‫يغازل الكنيسة‪ ،‬لكنه ال يُظهر نفسه للغرب بصورة املتطرف يف نبذ اللوطية!‬
‫لقد كان إلتون جون هو املعادل اإلجنليزي إليلني دجينرييس‪ ،‬وإن كان قد سبقها‬
‫بأكثر من عقد كامل‪ ،‬وإجنلرتا وأوروبا عامةً على معرفة باللوطية الصرحية‬
‫الصادمة يف األفالم منذ زمن كانت أمريكا تبدو فيه كالريفي املتدين! لكن اآللة‬
‫اإلعالمية األمريكية اجلبارة مل ختدم القضية حقا إال عندما تأمركت‪ ،‬فنقلت منذ‬
‫التسعينيات اخلطاب اللوطي من أوروبا والظل األمريكي إىل الضوء الفين‬
‫والسينمائي واإلعالمي العاملي!‬
‫ما بعد إلني كان عصر التطبيع األمريكي الذي افتتحته إلني‪ ،‬وكذا كان ما بعد‬
‫إلتون! عصر انفجار وقاحة اللوطية الذكورية (‪ )Queer as Folk‬واللوطية‬
‫النسوية (‪! (300))LWord‬‬
‫فمع بداية األلفية‪ ،‬أصدرت شبكة شوتايم ‪ Showtime‬األمريكية مسلسال بإنتاج‬
‫أمريكي‪ -‬كندي عنوانه (شعب الشواذ ‪ )Queer as folk‬عُرض بداية من عام‬
‫ألفني إىل عام ألفني ومخسة‪.‬‬
‫‪368‬‬
‫كان املسلسل رياديا صادما‪ ،‬فمنذ الدقائق األوىل عُرضت مشاهد لبطل املسلسل وهو‬
‫يلوط بالرجال‪ ،‬وكان هذا هو عماد املسلسل الذي تستمر احللقة الواحدة فيه ما‬
‫يقارب الساعة إال ربع!‬
‫مشاهد تتضمن مناقشة املواضيع اآلتية بكثافة وجرأة وبني رجال عرايا يلوطون بال‬
‫نهاية‪ :‬إعالن اللوطية ‪ ،Coming out‬والعالج من اللوطية (العالج التحويلي)‪،‬‬
‫وحق اللوطيني يف التبين‪ ،‬ودعارة األطفال واملراهقني‪ ،‬وتشويه اللوطي يف أماكن‬
‫عمله‪ ،‬ولوطية الكهنة الكاثوليك وغريها )‪ .(301‬وقد كان للمسلسل نسخة‬
‫بريطانية مبمثلني إجنليز تولوا املهمة يف اجملتمع الربيطاني بلكنتهم واختالفاتهم‬
‫الثقافية عن األمريكيني‪.‬‬
‫خالل مخس سنوات عُرِضت ثالث ومثانون حلقة مبا يعادل مخس آالف دقيقة‪،‬‬
‫وحققت النسخة األمريكية رواجا وتأثريا وصل إىل جمتمع كوريا اجلنوبية فكانت‬
‫من أهم أدوات تطبيع اللوطية يف آسيا فضال عن العامل األجنلو ساكسوني)‪. (302‬‬
‫وقد جنحت شبكة الشوتايم بهذا املسلسل يف تطبيع أشنع مشاهد املمارسات اجلنسية‬
‫اللوطية ونقلها من نطاق األفالم اإلباحية إىل نطاق املسلسالت التليفزيونية‬
‫الشعبية‪ ،‬بداخل القالب الدرامي األمريكي االعتيادي احلاثُّ على استدرار تعاطفك‬
‫مع (األبطال!) بالرتكيز على اجلانب (اإلنساني) فيهم)‪ (303‬؛ وإن كانت اإلباحية‬
‫الطاغية للمسلسل سطَّحت الشخصيات ومل تظهرها يف لباس االضطهاد املالئم‪.‬‬
‫يف نفس االجتاه‪ ،‬أنتجت شبكة الشوتايم بداية من ألفني وأربعة إىل عام ألفني‬
‫وتسعة ما ميكن أن يوصف بأنه النسخة اللوطية النسوية من مسلسل ‪ QAF‬بعنوان‬
‫‪369‬‬
‫‪ :The L word‬وهو مسلسل كوِّن من نفس العناصر تقريبا‪ ،‬لكن حققت اخللطة‬
‫النسوية جناحا مذهال طبعت الدراما األمريكية طوال عقد كامل بهذا اخلليط‪:‬‬
‫قبالت متبادلة بني نسوة مجيالت وممارسات جنسية شهوانية بينهن‪.‬‬
‫فهذان منوذجان ملا مثَّله العقد األول من هذا القرن من حقبة للتطبيع املكثَّف‪ ،‬أنتجت‬
‫اهتماما مبا حققته الصورة اللوطية النسوية من جناح مل حتققه الصورة اخلشنة‬
‫للوطية الذكورية يف ‪ ،QaF‬فانتشرت يف الذكور محى مشاهدة النساء اللوطيات‬
‫مع بعضهن البعض‪ ،‬واستغلت هوليوود تلك النزعة الذكورية جتاريا كما أسلفنا‬
‫فزادت من مشاهد القبالت النسوية اللوطية عاما تلو اآلخر‪ ،‬وهي النزعة اليت أبرزها‬
‫أحد أشهر املواقع اإلباحية على اإلنرتنت‪ ،‬الذي أكد يف عام ‪ 2016‬أن الغالبية‬
‫الساحقة من رواده يف الواليات املتحدة األمريكية كانوا يبحثون عن كلمة‬
‫‪( Lesbian‬مقاطع اللوطية النسوية)‪ ،‬وقد اشتغل بعض الباحثني على كشف‬
‫أسباب ظاهرة هوس الرجال مبشاهدة اللوطية النسائية‪ ،‬يف الوقت الذي تظل النساء‬
‫الغربيات أميل ملشاهدة املقاطع اجلنسية الطبيعية )‪ ،(304‬حتى دفعت تلك النزعة‬
‫الربوفيسور القربصي مينيالوس أبُستُلو األستاذ يف جامعة نيقوسيا إىل التجرؤ على‬
‫القول بأن النساء اللوطيات أوفق لرؤية التطور الدارويين؛ فهن أكثر إثارة للرجال‬
‫من النساء العاديات! وقد فحص إجابات أكثر من ألف ومخسمئة رجل سأهلم ما إذا‬
‫كانوا يفضلون أن يروا عشيقاتهم أو زوجاتهم متارس اجلنس مع امرأة أخرى =‬
‫ليُفاجأ بأن ثلث غري املتزوجني يوافقون‪ ،‬باإلضافة إىل حوالي ‪ %15‬من املتزوجني!‬
‫‪370‬‬
‫استنتج أبُستُلو من ذلك أن هذه السمات الداخلية عند األنثى اللوطية (مسة امليل‬
‫اجلنسي لإلناث) مل تظهر فيها إال نتاج تطور يدفعها ملزيد من التكاثر ‪ -‬والتكاثر هو‬
‫اهلدف الرئيس للكائن احلي عند التطوريني ‪ -‬وبالتالي ليست اللوطية النسوية يف‬
‫حقيقتها إال عامال حمفزا للرجال كي يتزوجوا تلك النساء )‪!(305‬‬
‫لكن ما يهمنا من هذا كله هو توضيح حتوُّل اللوطية النسوية إىل أكثر من جمرد‬
‫ظاهرة إعالمية‪ ،‬لقد حتولت إىل الالعب الرئيسي يف اسرتاتيجية التطبيع اإلعالمي‪،‬‬
‫ما جذب أنظار الباحثني لتفسريه وأنظار صُنَّاع السينما الستغالله‪ ،‬ومل تكن تلك‬
‫مفاجأة حديثة‪ ،‬فمنذ منتصف التسعينيات الحظ صناع السينما أن أفالم اللوطية‬
‫النسوية تفوق يف املبيعات واالنتشار أفالم اللوطية الذكورية)‪ ، (306‬وعقدت يف‬
‫منتديات اإلنرتنت نقاشات متعددة بني اللوطيني أنفسهم حول سبب التفضيل‬
‫اهلوليوودي الدائم للوطية النسوية)‪ ، (307‬وأثبتت األرباح دوما صواب الرهان على‬
‫اللوطية النسوية!‬
‫اعتُرب هذان املسلسالن رواد تطبيع مشاهدة اللوطية عند اجلمهور الطبيعي (غري‬
‫اللوطي)‪ ،‬فقد حتولت شرائح ضخمة من األناس الذين يعرفون أنفسهم طبيعيني‬
‫غري لوطيني‪ ،‬إىل معتادي مشاهدة اللواط‪ ،‬وكان هذا فتحا كبريا ألولئك)‪! (308‬‬
‫أخريًا؛ فإن اللوطية يف عصر ما بعد التطبيع‪ ،‬اليت قد يؤرَّخ انطالقها منذ عام ألفني‬
‫ومخسة حني ظهور فيلم اللوطية الريادي جبل بروبيك‪ ،‬والذي تناول قصة حب بني‬
‫رجلني لوطيني‪ ،‬وقبل الرجال بعضهم فيه بل مارسوا اجلنس ومل تنتفض الصاالت‬
‫‪371‬‬
‫غضبا)‪ (309‬؛ بل انهال النقاد عليه بالثناء وغمروه وأصحابه باجلوائز‪ ،32‬متيزت تلك‬
‫اللوطية باآلتي‪:‬‬
‫أوال‪ ،‬انغماس ممثلي الصف األول يف تقديم أدوار لوطية‪ :‬مثل كيت بالنشيت‬
‫وروني مارا وجوليان مور وأنيت بنينج وأماندا سيفيلد وكاثرين هيجيل وداكوتا‬
‫فانينج ودانيل رادكليف وجيمس فرانكو وليوناردو ديكابريو والعديد من فناني‬
‫الصف األول يف هوليوود‪ .‬كما جترأ بعض من أخفى لوطيته لسنوات على اإلعالن‬
‫والتفاخر مثل إلني بيج وجودي فوسرت وكريسنت ستيوارت ومات بومر ونيل‬
‫باتريك هاريس وغريهم‪ .‬هذه مسألة هامة‪ ،‬ألن تقديم فناني الصف الثالث أو الرابع‬
‫ممن ال يعلقون يف األذهان أدوار اللوطية شيء‪ ،‬وتقديم (جنوم) الصف األول تلك‬
‫األدوار مبا هلم من قدرات وأرصدة جناح شيء آخر! لقد قرر صناع السينما يف‬
‫هوليوود استخدام قوة سلطان (الكاريزما) بأشد ما يكون من أجل نشر هذه الفاحشة‬
‫ودعمها!‬
‫ثانيا‪ ،‬ازدياد احملتوى اإلنساني وتعمُّق الشخصيات وعدم االعتماد على القبالت‬
‫واألفعال اإلباحية‪ ،‬فلم تعد القصص سطحية بل عمَّقت احملتوى بكافة اإلمكانات‬
‫الدرامية القصصية والفنية حلشد التعاطف مع الشخصيات اللوطية ومساندتها يف‬
‫(معاناتها) ضد اجملتمع التقليدي القاسي الذي حيكم عليهم بالنفي والعزلة‪،‬‬
‫ويعاديهم حينما (خيرجون) بالكشف عن لوطيتهم! وهو املبدأ الذي اكتشف منذ‬
‫نهاية القرن املاضي كما ذكرنا‪.‬‬
‫‪ 32‬أحد الممثلين اللذين مثال دور اللوطي هو هيث ليدجر الذي حصل على دور الجوكر في فيلم باتمان وذاع نجاحه في اآلفاق؛ ويكاد‬
‫عشاقه في العالم العربي يقدسونه بوضع صوره طوال الوقت والتحدث عن إمكاناته التمثيلية الفذة‪ ،‬هذا والملعون هو هو الذي اشتهر‬
‫في العالم الغربي بدوره كلوطي! من يصنع الرموز بغباء؟ من المتآمر على المسلمين؟‬
‫‪372‬‬
‫ثالثا‪ ،‬تقديم صورة اخلِناث بشكل أكرب كممثلني‪ :‬واملثال األوضح على ذلك هو‬
‫اخلنِث مايكل هندلي الذي أجرى جراحة جتميل إضافة للمعاجلة اهلرمونية كي‬
‫يصبح خنِثا حماكيا النساء اجلميالت ومغريا امسه إىل ميشيل هندلي‪ .‬إن مايكل‬
‫هندلي حينما أخذ تلك اخلطوات مل يكن أكثر من مدون على اليوتيوب‪ ،‬ومل مير‬
‫وقت طويل بعد تغري هيئته حتى مت التواصل معه لبطولة فيلم كي يفتح إليه‬
‫الطريق للسينما واملسلسالت)‪ ! (310‬نعم قُدِّم اخلنِث قبال عدة مرات‪ ،‬ويف أفالم أقوى‬
‫وأجنح وأكرب ‪-‬لكن (استدعاء) هذا اخلنِث هو اجلديد‪ ،‬إنه استدعاء ملمثل سيؤدي‬
‫بصورة دائمة وليس ممثال يلعب دورا واحدا طارئا!‬
‫ومل يعد االستدعاء على مستوى األعمال فقط‪ ،‬بل اخرتق اجملتمع اهلوليوودي‪،‬‬
‫وبدأت تظهر متابعة لقصص حب جنوم صف أول مثل كينو ريفز‪ ،‬مع اخلنِث‬
‫اللوطي جيمي كاليتون‪ ،‬واألول ممثل غري لوطي‪ ،‬وعالقته باآلخر كانت مفاجأة‪،‬‬
‫ومل يعتربها أحد منوذجا للوطية ريفز‪ ،‬حيث أن التفرقة بني كاليتون وباقي النساء‬
‫مظهريا شديد الصعوبة)‪! (311‬‬
‫رابعا‪ ،‬تقديم صورة اخلنِث الطفل أو املرتجلة الطفلة‪ ،‬وتلك إحدى أخطر املناطق‬
‫اجلديدة كل اجلدة على هذه النوعية من األفالم واملسلسالت‪ ،‬وتتمثل يف تقديم‬
‫معاناة الطفل الذي يريد أن حيول جنسه‪ ،‬وقد ظهر ذلك يف أفالم شاركت فيها‬
‫خنبة من ممثالت هوليوود مثل إيال فانينج وناومي واتس وسوزان ساراندن‪ ،‬حتكي‬
‫عن أسرة من اللوطيات النساء اجلدة وعشيقتها واألم‪ ،‬ثم احلفيدة صغرية السن‬
‫واليت ترفض أن تكون (لوطية امرأة) بل تريد حتويل جنسها لتصبح مرتجلة! إن‬
‫الفيلم يُمكن اعتباره يف تصنيف (ما بعد اللوطية النسوية) ويناقش فلسفة جندرية‬
‫‪373‬‬
‫حبتة‪ :‬إنها امرأة قد تلوط بالنساء لكنها تريد أن تتحول جنسيا ألن (جسدها) ال‬
‫يرحيها كأنثى بغض النظر أعشقت النساء أم ال)‪ ! (312‬وقد صدر يف ‪ 2017‬فيلم‬
‫حيكي عن طفل مل حيدد بعد ما إذا كان يريد أن يكون امرأة أم رجال‪ ،‬فيأخذ‬
‫مُثبِّطات هلرمون الذكورة ويرتدي مالبس نسائية ويرتقق ويتخنث طوال الفيلم‬
‫مقرتبا من القرار)‪ ، (313‬ويف ‪ 2018‬ظهر فيلم حيكي عن مراحل تقبل أم لكون ابنها‬
‫متخنثا يريد ارتداء زي البنات ويُعامل كأنثى‪ ،‬هذا والطفل عمره ال يزيد عن ست‬
‫سنوات)‪! (314‬‬
‫خامسا‪ ،‬دخول إحدى أكرب شبكات عرض أفالم على اإلنرتنت يف جمال إنتاج األفالم‬
‫واملسلسالت‪ ،‬وهي نتفليكس ‪ ،NETFLIX‬خبطط خميفة وغري مسبوقة؛ فهي تنتج‬
‫العديد من األفالم واملسلسالت اليت تدعم اللوطية ومفاهيمها طوال الوقت وبال أدنى‬
‫حتفظ أو عرض لرأي خمالف‪ ،‬وتعرض املسلسالت اللوطية القدمية وتروج هلا‬
‫دعائيا يف مواقع التواصل‪ ،‬وهي ال تكتفي بذلك فقط‪ ،‬بل تعرض حمتوىً ميجد‬
‫الشيطان يف العديد من املسلسالت ويصوره كإله يُعبد‪ ،‬مع استغراق يف اجلنس‬
‫بكافة أنواعه‪ ،‬بل وحتى قضية أكل حلوم البشر نوقشت يف مسلسالتها‪ ،‬وقد لوحظ‬
‫هبوط عدد املشرتكني األمريكيني فيها هذا العام رغم اإلنتاج املتنوع والكثري‪ ،‬وأرجع‬
‫البعض السبب لكافة املخازي املذكورة)‪! (315‬‬
‫‪374‬‬
‫سادسا‪ ،‬التوسع الدائم يف حجم ومدى ظهور األفالم اللوطية‪ ،‬مثل اقتحامها‬
‫للمهرجانات الكربى وحصوهلا على األوسكار‪ ،‬أرفع اجلوائز السينمائية العاملية‪،‬‬
‫وظهور هذا كتيار رائج عاما تلو اآلخر!‬
‫وتعرب حالة فيلم ضوء القمر حاصد أوسكار أحسن فيلم لعام ‪ 2017‬عن بداية شيوع‬
‫هذا التوجه)‪ ، (316‬فالقصة عن شاب لوطي أسود! تلك اخللطة لن يفهم ضرورتها‬
‫إال من يتابع الصراع الفكري والسياسي الغربي حاليا؛ فمع صعود ترامب واليمني‬
‫املسيحي والوطين‪ ،‬بعدائهم لكل ما خيالف املعيار الذي يقدسونه (املسيحي األبيض‬
‫الغربي) والذين حياكمون كافة البشر واألمم إليه‪ ،‬ساد التشدد الليربالي يف‬
‫تصدير اللوطية عنوانا للتسامح وقبول التنوع الذي يقف ضده ترامب وأنصاره! هكذا‬
‫حتولت هوليوود‪ ،‬مباءة الفُسَّاق والفُحش‪ ،‬إىل رائدة النضال الليربالي اليساري‬
‫احلقوقي يف مواجهة اجملرمني العنصريني الذين يريدون استعباد وإبادة كل من‬
‫خالفهم ظاهريا‪ ،‬فصار البشر بني سحيج ونهيق!‬
‫وال غرو مل جيد مُهطِعُ املسلمني ذليل اإلقامة بني ظهراني الكفار إال أولئك يهِفُّ‬
‫إليهم لنجدته!‬
‫كل حال!‬
‫وصدق الشاعر‪ :‬لوال أمري هلكت يشكُر‪ ..‬ويشكُر هلكى على ِّ‬
‫ومن العجب أن كافة ذلك اإلنتاج السينمائي واجلوائز الكثرية ال يرضي اللوطيني‬
‫أبدًا! ففي دراسة نشرتها مؤسسة ‪( GLAAD‬منظمة أمريكية كربى‪ ،‬غري حكومية‪،‬‬
‫ختصصها مراقبة اإلساءات ضد اللوطيني) قالت إن وجود اللوطيني يف األفالم هو‬
‫‪ %18‬فقط‪ ،‬وهذا غري كافٍ على اإلطالق )‪ !(316‬تصور أن ما ال يصل تعداده إىل ‪%3‬‬
‫‪375‬‬
‫من السكان يُمثَّل فيما يقارب ربع األفالم األمريكية ومع ذلك ال يرضى اللوطيون‬
‫أبدًا بهذا! البد أن يكونوا هم األبطال الكبار‪ ،‬والبد أن تدور كل األفالم حوهلم‪ ،‬والبد‬
‫أن تنثال اجلوائز على رؤوسهم!‬
‫هكذا ترضخ كربى شركات اإلنتاج األمريكية الرائدة يف سوق السينما مثل مارفيل‬
‫وتعلن أنها ستظهر شخصية لوطية نسوية واضحة من ضمن األبطال اخلارقني يف‬
‫أفالمها القادمة)‪! (317‬‬
‫سابعا‪ ،‬اقتحام اللوطية ألفالم األطفال‪ ،‬وقد بدأت ذلك الطريق شركة ‪Laika‬‬
‫األمريكية تلميحا يف فيلم ‪ Coraline‬بتقديم امرأتني عجوزين تعيشان مع‬
‫بعضهما البعض‪ ،‬ثم تقديم صورة هلما يف شبابهما نائمتان يف أحضان بعضهما‬
‫البعض‪ ،‬هذا أول اقتحام للمحتوى اللوطي‪ ،‬فيما أعلم‪ ،‬لسينما أفالم األطفال‪ ،‬وكان‬
‫هذا يف عام ‪.2009‬‬
‫تال ذلك يف عام ‪ ،2012‬ومن خالل نفس الشركة‪ ،‬فيلم ‪ Paranorman‬والذي دار‬
‫حول قسوة حماكمة اجملتمع لإلنسان املختلف عن الشائع والطبيعي خبلل وشذوذ‬
‫ال ذنب له فيه‪ ،‬مثَّل الفيلم للشذوذ برؤية املوتى‪ ،‬ومدى جرم هذا الفعل ووجوب انتهاء‬
‫هذا باعتذار جمتمعي واضح لصاحب الشذوذ واعتباره إنسانا متميزا موهوبا! مل‬
‫يرتك الفيلم القصة املوحية دون تصريح‪ ،‬يأتي للمرة األوىل‪ ،‬يف نهاية الفيلم من‬
‫أحد أبطاله مفتولي العضالت‪ ،‬أنه لوطي لديه عاشق! وقد قصَّت قناة ‪ MBC‬هذه‬
‫اللقطة حني عرضت الفيلم‪ ،‬خشية الفجاجة يف طرح مثل هذا القول بفيلم‬
‫‪376‬‬
‫لألطفال! مل تتوقف شركة اليكا عن نقاش مثل تلك األفكار الفلسفية‪ ،‬فأخرجت‬
‫يف عام ‪ 2014‬فيلما بعنوان ‪ Boxtrolls‬يعاجل فكرة االضطهاد اجملتمعي لفئات شاذة‬
‫من املخلوقات‪ ،‬ال ذنب هلا إال حتضيض دعاة الكراهية على معاداتها وتصويرها يف‬
‫هيئة الوحوش القاتلة‪ ،‬بينما ال هم هلا حقيقة إال االبتكار واملرح والعيش حتت‬
‫األرض‪ ،‬مما يستدعي بقوة فكرة (اخلروج من اخلزانة) الشهرية واملركزية عند‬
‫اللوطيني‪ ،‬ويعنون بها كسر خوف اللوطيني من التصريح بلوطيتهم‪ ،‬إضافة لفكرة‬
‫عبقرية اللوطي ومتيزه واهتمامه الفين واإلبداعي‪ .‬ويقدم الفيلم يف نهايته‪ ،‬يف‬
‫مشهد يشبه التصريح‪ ،‬احلل النهائي للثورة‪ :‬وهي (اخلروج) من الصناديق اليت‬
‫اعتادت تلك املخلوقات االختباء فيها واختاذها سكنا ولباسا‪ ،‬وتدمري أبراج دعاة‬
‫الكراهية‪ ،‬بينما هم عرايا كما ولدتهم أمهاتهم!‬
‫ومل يأت عام ‪ 2017‬حتى دخلت ديزني بقوة وصراحة وفجور أكرب يف هذا اجملال‪،‬‬
‫بعد مطالبات على مواقع التواصل وغريها من آالف العلمانيني الغربيني ‪-‬ليرباليني‬
‫أو يساريني‪ -‬املناصرين للوطية‪ ،‬بأن تقدم بطلة لوطية يف جزء جديد من فيلم‬
‫األطفال الناجح ‪ Frozen‬والذي سيصدر خالل تلك األعوام‪ ،‬إلدراكهم عظم‬
‫املكانة اليت سينزلونها إن بدأت آلة تشكيل وعي األطفال العمالقة تلك‪ ،‬يف بناء‬
‫األجيال اجلديدة على تطبيع بطولة اللوطيني (‪!)318‬‬
‫ثم جاءت الضربة احلقيقية األوىل‪ ،‬عندما قدَّمت ديزني يف نسختها اجلديدة من‬
‫فيلم (اجلميلة والوحش)‪ ،‬مشهدا لبطل لوطي يتحدث فيه عن مشاعره‪ ،‬وهو األول‬
‫من نوعه عند ديزني يف فيلم لألطفال‪ ،‬وجاءت شراستها وغطرستها‪ ،‬دالةً على أن‬
‫‪377‬‬
‫هذا املشهد له مكانة وأي مكانة‪ ،‬حينما امتنعت الشركة عن عرضه يف ماليزيا‪ ،‬غضبا‬
‫ألن الدولة املسلمة اليت جترِّم اللوطية طالبت حبذف هذا املشهد! حينها عال ضُباح‬
‫ديزني‪ :‬لن حنذف شيئا من هذا الفيلم )‪!(319‬‬
‫لقد فُتح الطريق حنو األطفال‪ ،‬ولن يثين الغربيني شيء قبل إعادة تشكيل العامل‬
‫كافةً فكرا وقانونا وواقعا‪ ،‬كما اعتادوا طوال القرن املاضي = هكذا يؤمنون!‬
‫وأود ختاما لتلك الفقرة‪ ،‬أن أنبه لغلبة الطابع التبشريي يف كافة األفالم والنماذج‬
‫اللوطية‪ ،‬فدائما املرأة اللوطية ال جتد السعادة يف اجلنس إال مع امرأة مثلها‪ ،‬وصناع‬
‫السينما يستحضرون تعاستها يف مشاهد مع رجال فحول ليؤكدوا لك أنهن ال‬
‫يلجأن للوطية بسبب عدم فحولة شركائهم؛ بل ألنهن لوطيات ال حمالة! ثم دائما‬
‫مشهد اليوتوبيا‪ :‬القفز فوق السحاب حني متارس اجلنس اللوطي مع امرأة مثلها!‬
‫حتى لو كان اجلنس مع امرأة أخرى ليس أكثر من مداعبة سخيفة لبظرها‪ ،‬فال‬
‫يُقدَّم هذا املشهد يف اإلعالم الغربي إال يف صورة مبهرة حتاول إقناعك طوال الوقت‬
‫أن هذا أكثر إمتاعا للمرأة من املمارسة اجلنسية الطبيعية! واملثل باملثل مع الرجل‬
‫اللوطي‪ ،‬الذي يُقدَّم طوال الوقت متجاهال املرأة ال يستطيع أن ميارس معها اجلنس‪،‬‬
‫بينما ال ينفك يتغزل ويطلب الرجال! إن الطابع التبشريي األيدولوجي واضح‬
‫لألعمى‪ ،‬ال يوجد لوطي يشعر باالكتئاب مع شريكه‪ ،‬أو يتضايق من اجلنس اململ‬
‫املتكرر‪ ،‬أو يتشكك يف حبه لشريكه‪ ،‬أو يشعر باألمل إن كان ذكرا؛ بل الصورة واحدة‬
‫دائما‪ :‬اللوطيون ميارسون اجلنس طوال الوقت بسعادة‪ ،‬قبالت املرأة للمرأة والرجل‬
‫للرجل دائما شهية ممتعة مقارنةً بغريها‪ ،‬احلب يرفرف دائما فوق الشركاء‬
‫اللوطيني‪ ،‬دائما اللوطي هو الطيب املسكني املرح الذي يشعر باضطهاد اجملتمع! حتى‬
‫عندما تُقدم لوطية شريرة يف فيلم هزلي يسارع املخرج ليجعلك حتبها وتكتشف‬
‫‪378‬‬
‫أنها ليست شريرة على اإلطالق ويتوج حبها يف نهاية الفيلم بأن تتبادل العشق مع‬
‫الفتاة امللكفة بالقبض عليها)‪! (320‬‬
‫إن ظاهرة تقديم (اليهودي الطيب املسكني املضطهد دائما) زودت السينما واإلعالم‬
‫الغربي بوسائل متطورة جدا يف جلب التعاطف وترقيق القلوب واحلشد من أجل دعم‬
‫أيدولوجيا أو فئة اجتماعية معينة‪ ،‬فما إن أوشكت ظاهرة (مسكنة اليهودي) وجذب‬
‫الدعم لأليدولوجيا الصهيونية ومزاعمها على اخلفوت = حتى ظهرت ظاهرة‬
‫(مسكنة اللوطي) وجذب الدعم لأليدولوجيا اللوطية ومزاعمها!‬
‫وسيستمر هذا لزمن غري بسيط‪ ،‬حتى تنتهي موجة الصعود األيدولوجي الشهرية‬
‫واملتكررة يف الغرب األمحق‪ ،‬تارة الليربالية وتارة اليسار وتارة الفاشية وتارة وتارة!‬
‫للغرب منط واضح ومتكرر‪ ،‬مارسه مع الداروينية والعلموية والليربالية وكافة‬
‫األيدولوجيات اليت نالت انتشارا‪ :‬مرحلة اإلرهاصات‪ ،‬ثم مرحلة البحث االجتماعي‬
‫والنفسي والفلسفي‪ ،‬ثم مرحلة النقاشات االفتتاحية البدائية‪ ،‬ثم مرحلة املوجة‬
‫األوىل املرتفعة جمتمعيا‪ ،‬ثم مرحلة رد الفعل اجملتمعي املقاوم‪ ،‬ثم مرحلة التنظري‬
‫املكثف فكريا وأكادمييا‪ ،‬ثم مرحلة اإلرهاصات الثانية وبدء نشر الفكرة بواسطة‬
‫اجملتمع املدني واإلعالم (تُقدم هنا األفكار يف صورة شعارات سطحية براقة وجذابة)‪،‬‬
‫ثم مرحلة تصاعد النربة وبدء املوجة اجملتمعية الثانية اليت يكون رد الفعل فيها‬
‫أضعف‪ ،‬ثم البدء يف مراحل املؤسسات والضغط على السلطات السياسية والسيادية‪.‬‬
‫ويف مرحلة أعلى رسختها العوملة‪ :‬الضغط على العامل أمجع لإلقرار باأليدولوجيا‬
‫اليت انتهجها الغرب!‬
‫ثم بعد أن يستتب األمر‪ ،‬تبدأ إرهاصات موجة أخرى ‪ -‬كانت موجودة منذ البدء لكن‬
‫غاب عنها التنظيم‪ ،‬وضربها التذبذب ‪ -‬إلعادة التفكري يف تلك األيدولوجيا وإيراد‬
‫االعرتاضات والنقود عليها‪ ،‬والسقوط يف فخ النسبوية‪ ،‬وهلم جرا!‬
‫‪379‬‬
‫إن اللوطية ستجابه نقدا غربيا مرتفع الصوت ‪-‬لن يكون بالضرورة مييين املصدر‪-‬‬
‫يفكك أطروحاتها األساسية‪ ،‬خاصةً مع هزال أدلتها وخواء منطقها؛ ولن يكون‬
‫بالضرورة نقدا هادما‪ ،‬بل رمبا يُسدد هلزال الطرح ذاته وليس لرفض مطلق اللوطية!‬
‫وكم سيكون مؤسفا لو ظل العامل اإلسالمي يف مقعد املشاهدة!‬
‫ب‪ :‬اللوطية في اإلعالم العربي المعاصر‪.‬‬
‫عودٌ على بدء! فإن العمل اإلعالمي اللوطي يف العامل العربي له وجهان حاليا‪ :‬وجه‬
‫مُنظَّم موجه صريح‪ ،‬وكان مركزه األول شركة بني تونس ولبنان‪ ،‬حتى ظهرت‬
‫قنوات اجلزيرة على مواقع التواصل ‪ AJ +‬فانتزعت قطر الريادة منهما‪ ،‬ووجه يبدو‬
‫غري منظم‪ ،‬عشوائي ال يُصرِّح إال نادرا‪ :‬ويتمركز يف مصر‪.‬‬
‫فالعمل اإلعالمي املنظم يف السينما والتليفزيون أظهر يف لبنان عنه يف تونس‪ ،‬بينما‬
‫العمل التشريعي أظهر يف تونس عن غريها من الدول العربية‪ :‬فالسينما والربامج‬
‫واجملالت اللبنانية تناولت موضوع تطبيع اللوطية منذ وقت مبكر عن غريها‪ ،‬بينما‬
‫قفزت تونس بعد الثورة املهدورة فيها قفزات فاحشة حنو عدم جتريم اللوطية‪،‬‬
‫وخروج حمطة إذاعية لتطبيع اللوطية هناك (‪.)321‬‬
‫أما مصر فمزيج من العمل العشوائي‪ ،‬وهو األكثر‪ ،‬والعمل املنظم‪ :‬مثل الفيلم الذي‬
‫عرضناه يف صدر هذا الفصل؛ فهذا الفيلم عمل منظم أيدولوجي واضح‪ ،‬يستخدم‬
‫أساليب وحبكات السينما الغربية يف جتييش العواطف مساندةً للوطيني‪ .‬أما العمل‬
‫العشوائي ‪ -‬ولنأخذ بالظاهر ونقول‪ :‬هو عشوائي! ‪ -‬فيتمثل يف عشرات املشاهد‬
‫والدعابات املنتشرة يف األفالم والربامج الفكاهية مثل (ليلة السبت بالعربي ‪،)SNL‬‬
‫وكلها تدور حول غزل بني ذكرين أو أنثيني‪ ،‬أو مزاح التلميحات اجلنسية اللوطية‪،‬‬
‫‪380‬‬
‫إضافة لالستضافة املتكررة للوطيني واخلِناث واملرتجالت يف برامج حوارية‬
‫خمتلفة‪ ،‬وميل تلك الربامج مؤخرا الختاذ خطاب غري عدائي مع هؤالء األضياف‬
‫اجملرمني‪ .‬وتتبع مثل هذا املنثورات العشوائية يف الظاهر أمر يطول‪ ،‬وله امتدادات يف‬
‫السينما املصرية منذ عصر بداياتها تقريبا!‬
‫بينما ال تبدو على املسلسالت اخلليجية أمارات اإلفصاح عن دعم هذه القضية حتى‬
‫اآلن‪ ،‬ويكاد يقتصر عرض اللوطية على بعض مشاهد هنا وهناك عن ظاهرة البويات‬
‫مثال‪ ،‬وهن فتيات لوطيات مرتجالت املظهر ويتعشقن ويتغزلن يف زميالتهن‬
‫الطالبات؛ ولكن يظل هذا العرض أندر من العنقاء‪.‬‬
‫وأتوقع أن تكون اإلمارات والكويت من أوائل الدول اخلليجية ‪ -‬إن ُفتِح باب تطبيع‬
‫اللوطية يف اخلليج ‪ -‬مسارعة يف هذا الطريق؛ وقد كنت أود أن أقول بصعوبة دخول‬
‫مملكة آل سعود يف هذا الطريق‪ ،‬لكن أنستنكر بعدما رأينا هشاشة هذا اجملتمع أمام‬
‫سلطاته وأمام العلمانية؟ ولعل البعض حيسبها ورقة راحبة البد أن يلعب بها يوما‬
‫ما‪ ،‬جذبا لدعم الغرب إن هُدد باإلزاحة‪ ،‬وإن كان هذا ما زال مستبعدا‪ ،‬أو نرجو ذلك!‬
‫ويدخل يف العمل املنظم االحرتايف مؤسسات أربعة رائدة يف التطبيع‪ ،‬هن على التوالي‬
‫اجلزيرة بلس الفرنسية واإلجنليزية‪ ،‬فنشر أخبار معاناة اللوطيني واخلِناث‬
‫والوقوف جبوارهم سياسة حتريرية واضحة فيها يعلمها القاصي والداني‪ ،‬وثالثي‬
‫أوروبا امللعون قبحهم اهلل بي بي سي إجنلرتا بالعربية )‪ ،(322‬وفرانس ‪ 24‬الفرنسية‬
‫(‪ ،)324( )323‬ودويتشه فيله األملانية (‪ - )326( )325‬واألخرية أنشطهم بصورة‬
‫جتعلها القناة األوىل يف الناطقني بالعربية من جهة النشاط الدفاعي عن اللوطيني‬
‫‪381‬‬
‫وعرض حكاياتهم دوما‪ ،‬خاصة من جانب اإلعالمي اللبناني األصل جعفر عبد‬
‫الكريم لعنه اهلل‪.‬‬
‫وقد اختارت اجلزيرة الرياضية‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬كال من العبيت كرة القدم‬
‫اللوطيتني ميشيل هاميان‪ ،‬وليان ساندرسن‪ ،‬كي يكونا رمزي كرة القدم النسائية‬
‫يف القناة‪ ،‬ومراسلتيها أثناء كأس العامل للنساء)‪ ، (327‬وقد صارت هاميان حتديدا‬
‫وجها مألوفا يف القناة ألفه املشاهدون حينا‪ ،‬بعدما نفذت إعالنا تروجييا يدعو الناس‬
‫لالشرتاك بها‪ .‬وال ميكن احلديث عن (الصدفة) اليت مجعت أنشط رموز اللوطية يف‬
‫كرة القدم النسائية‪ ،‬بل والعاملية‪ ،‬يف القناة‪ ،‬بهذا التوقيت حتديدا‪ ،‬رغم أنهن لسن‬
‫أفضل العبات الكرة النسائية‪ ،‬وتلميعهن كي يكُنَّ واجهة هلا أمام العامل! أيكون هذا‬
‫طمعا يف رضى العامل عن استضافة قطر لكأس العامل؟! فيا له حينئذٍ من مثن خبس!‬
‫أما الغربيون‪ ،‬فمشغولون برصد اإلعالم احمللي واإلقليمي لغريهم‪ ،‬والتنبيه على أي‬
‫خطاب عدواني حنو اللوطية‪ ،‬مع التحريض العاملي الدائم ضد أي منوذج يُلحق‬
‫األذى باللوطيني‪ ،‬واملثال على ذلك أن ثورتهم الكربى على حادث مقتل الناشط‬
‫األوغندي اللوطي (كاطو) قد رُبط فورًا من قبل اإلجنليز بنشر الصحيفة‬
‫األوغندية رولنج ستون لصورته بني لوطيني آخرين يف صفحتها الرئيسية بعنوان‬
‫املعتدين املعلومني ‪ Known Offenders‬إضافة إىل عنوان آخر هو (اشنقوهم)‬
‫قبل مدة من قتله )‪!(293‬‬
‫إذن يتعرض مسلمو العامل العربي إىل جمموعة متضافرة من مستويات اخلطاب‬
‫اإلعالمي املناصر للوطية‪:‬‬
‫‪382‬‬
‫خطاب إقليمي من اجملموعات اإلعالمية األوروبية الناطقة بالعربية‪ ،‬وقناة اجلزيرة‬
‫يف حمتواها األجنيب حتديدًا‪ ،‬وخطاب حملي أضعف يتفاوت يف الوهن والتنظيم بني‬
‫دولة وأخرى‪ ،‬لكن أنشطه املوجود يف تونس ولبنان‪.‬‬
‫وقد وصلين حاال بعد كتابيت لتلك الفقرة األخرية صور ملظاهرات لوطية يف‬
‫البلدين دعما لفرقة من اللوطيني امسها (مشروع ليلى) ضد ما وصِف بالقمع‬
‫اجملتمعي والديين والسياسي‪ ،‬مع احتفاء بهم ألن ما يفعله هؤالء اللوطيون‬
‫املتظاهرون (مستحيل أن حيدث يف دولة عربية أخرى)! أنعِم بها حرية!‬
‫واهلل موهِن كيد الكافرين‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬االضطراب االجتماعي‬
‫ناقشت يف القسم األول أوجه ضبط اجملتمع ليالئم اللوطية‪ ،‬ووسائل ومسالك ذلك‬
‫الضبط طوعا وقهرا‪ ،‬وأناقش يف هذا القسم بعض أوجه االضطراب االجتماعي لتلك‬
‫الداهية‪ ،‬وكيف أن هذا الضبط الصارم ليس إال تثبيتا لألمم على طريق اهلالك!‬
‫أوال‪ :‬اضطراب الدور االجتماعي‪.33‬‬
‫أي اهتزاز لألدوار اجملتمعية ومتاسك أنساقها‪ ،‬أكرب من اضطراب األدوار اجملتمعية‬
‫للرجال والنساء؟‬
‫‪ُ 33‬يعرف الدور االجتماعي بأنه السلوك ا لمتوقع للفرد الشاغل لمكانة أو حالة اجتماعية معينة‪ ،‬وهو منظومة من التصورات‬
‫العقلية لهذا السلوك‪ ،‬المتعارف عليها اجتماعيا‪ .‬أما توقعات الدور‪ :‬فهي تمثل ما ينتظره المجتمع من سلوكيات لالعب الدور‬
‫االجتماعي‪ .‬يمكن التمثيل لشرح التعريفين السابقين باآلتي‪ :‬فدور الوالدين االجتماعي هو سلوكهم المتوقع من رعاية ألبنائهم‬
‫ودعم وتشجيع‪ ،‬والمجتمع ينتظر منهم أن يلعبوا هذا الدور بصورة تلقائية‪ ،‬والشذوذ هو مخالفة السلوكات المتوقعة لهذا الدور‪،‬‬
‫كأن يقوم الوالدين بمحاولة قتل األبناء! هنا يحدث اضطراب للنسيج المجتمعي)‪. (32‬‬
‫‪383‬‬
‫ال تنشر اللوطية يف كل موطن تطأه إال خلال فادحا يف تصور اجملتمع للهويات‬
‫وامليول اجلنسية‪ ،‬إذ ينتقل هذا بالتنشئة االجتماعية إىل الطفل ذاته؛ فما هو دور‬
‫الذكر وما هو دور األنثى يف اجملتمع؟ ما هو املتوقع من الذكر سلوكيا وما هو‬
‫املتوقع من األنثى؟‬
‫تُسيِّل اللوطيَّة كربى مفاهيم الفِطر؛ وتورِّث األطفال خاصةً واألفراد عام ًة‬
‫االختالل؛ فالذكر من املمكن أن يتزوج ذكرا ويتعامل كأنثى‪ ،‬ومن املمكن أن‬
‫يتحول ألنثى! واألنثى سلوكها ميكن أن يصبح ذكوريا وأن تتزوج أنثى‪ ،‬أو يظل‬
‫أنثويا‪ ،‬أو تتحول إىل ذكر!‬
‫كما أن هناك حاالت غريبة غري مفهومة جيدا‪ ،‬مثل حالة حميب ارتداء مالبس النوع‬
‫اآلخر ‪Cross Dresser‬؛ وفيها حيب الرجل ارتداء مالبس األنثى والعكس‪ ،‬دون‬
‫أن يرتبط هذا مبيول جنسية لوطية!‬
‫ما هو أثر كل ذلك على أسلوب تنشئة الدور وعلى االنسجام اجملتمعي؟!‬
‫إن توقعات الدور ها هنا مستحيلة‪ ،‬ال يوجد توقع ألي شيء‪ ،‬الذكورة واألنوثة‬
‫توقفت عن أن تكون دورا اجتماعيا ثابتا له معنىً وقيمة ومعايري وسلوكيات حمددة!‬
‫تذيع اللوطية الفوضى؛ وال يعلم اآلباء كيف يُنشِّئون أوالدهم؟ لكن البد من أسلوب‬
‫للتنشئة! هنا تتدخل اللوطية فتتحدث عن مناهج للرتبية (تعزز) تلك الفوضى‪:‬‬
‫فيُخربك سدنتها أن عليك تنشئة ابنك دون نسبته إىل (جنس) معني‪ ،‬فال تشرتِ له‬
‫لعب األوالد حصرا؛ فإن اختار أن يكون خنِثا‪ ،‬توجَّب عليك دعمه ومساعدته يف ختنثه‬
‫منذ الطفولة! وإن ترجلت الصبية منذ طفولتها‪ ،‬توجَّب عليك مساندتها وتقوية تلك‬
‫النزعات فيها! لقد نُظِّمت الفوضى ذاتها يف مسارات ‪-‬حبجة رفع درجة التنوع‬
‫اجلنسي واجلندري‪ -‬تؤدي يف النهاية إىل هدم كل معاني األدوار االجتماعية من‬
‫جهة‪ ،‬ولكنها من جهة أخرى مبنية عليها! إذ كيف تُهاجم األدوار االجتماعية ويقال‬
‫عنها أنها أوهام وضالالت؛ ثم يُعتمد عليها يف تنشئة اخلنِث أو املرتجلة؟! أال تلحظ‬
‫‪384‬‬
‫كيف تُبنى سلوكيات اخلنِث على التشبه بالنساء من تثنٍّ وتزيُّن‪ ،‬والعكس لألنثى‬
‫املرتجلة؟! إنهم ال يهدمون الدور االجتماعي بصورة كاملة‪ ،‬بل يتمردون على الدور‬
‫الفطري املتوقع للجنس‪ ،‬واحلواجز األبدية بني األدوار!‬
‫ثم أنك تلحظ كيف أن اجملتمعات اإلسالمية املستقيمة غري املتأثرة بالعملنة‪،‬‬
‫تتمثل فيها األدوار اجملتمعية للذكورة واألنوثة مبا يوافق األدوار الفطرية‬
‫اإلسالمية اليت حددها اهلل سبحانه وتعاىل للذكران‪ ،‬كأدوارهم األنشط يف احلياة‬
‫العامة والصراعات والبنية اجملتمعية العليا‪ ،‬واإلناث‪ ،‬بأدوارهن األنشط يف جماالت‬
‫احلياة اخلاصة والتنشئة والبنية اجملتمعية التحتية = فال يبغي كليهما على اآلخر‪،‬‬
‫بل يُلعن كل من يتشبه سلوكيا بدور اآلخر‪ ،‬يف قول النيب صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫(لعن اهلل املتشبهني من الرجال بالنساء واملتشبهات من النساء بالرجال)‪.‬‬
‫هلذا فإن أفضل استقرار جمتمعي‪ ،‬وأمسى تنشئة لألجيال ولألفراد على‬
‫السلوكيات املتوقعة لدورهم = هو ما بُنى فوق دين ال يفصل الدور االجتماعي‬
‫للذكر أو األنثى عن الفطرة اليت خلقوا عليها؛ إذ تصبح عملية التنشئة االجتماعية‬
‫حينئذ جمرد تعزيز ملا هو مركوز بالفطرة يف اإلنسان‪ ،‬ال طمسا للفطرة‪.‬‬
‫وتلك األدوار ال تزال متماسكة عموما يف العامل اإلسالمي‪ ،‬حتى يف بعض اجملتمعات‬
‫اإلسالمية املتعلمنة = مع فارق انتقال اإلسالم من مُلزِمٍ باحلالل واحلرام‪ ،‬إىل صورة‬
‫الثقافة اجملتمعية الواحدة ضمن التنوعات الثقافية العاملية = وهي صورة ترفع من‬
‫إمكانية التأثر بل والتغيُّر‪ ،‬مالئمةً للثقافة الليربالية العاملية! فيصبح التمسك‬
‫اجملتمعي مبفاهيم الدور وتوقعاته ال يزيد عن كونه عرفا ثقافيا (التقليدية مقابل‬
‫احلداثة)‪ ،‬وهو منوذج أخف بكثري من النموذج العقدي األول‪ ،‬إذ ال يصبح التخلي عن‬
‫األدوار اجملتمعية الفطرية ختليا عن اإلسالم‪ ،‬بل ختلٍّ عن ثقافة (تقليدية) لصاحل‬
‫ثقافة (عصرية حديثة)!‬
‫‪385‬‬
‫ثانيا‪ :‬اضطراب الهوية االجتماعية‪.34‬‬
‫أحد أهم قضايا اإلنسان‪ ،‬وشغله الشاغل‪ ،‬هي اهلويَّة اليت خيتار تعريف ذاته ومكانه‬
‫يف اجملتمع بها ‪ -‬وخيتار اجملتمع نفسه تعريف أفراده بها أوال وبصورة حموريَّة‪.‬‬
‫لنضرب على ذلك مثال مبقارنة بني حمور اهلوية االجتماعية يف الغرب حاليا‪،‬‬
‫وحمور اهلوية االجتماعية املطلوبة يف اإلسالم‪ ،‬واليت جيمعها اجلدول اآلتي‪:‬‬
‫تتمحور اهلوية اجملتمعية يف دين املؤتفكات حول اجلنس!‬
‫هو كعبة الثقافة اليت تطوَّف حوهلا األفكار واهلويات؛ وذاك نتاج االنشغال باإلباحية‬
‫املعروضة يف كل موطئ قدم؛ ومل يكن مبقدور الفرد يف مثل ذاك اجملتمع وتلك‬
‫التنشئة‪ ،‬وعلى دين الليربالية بفردانيته الشهرية وعبادة التطور‪ ،‬سوى أن يتبنى‬
‫اهلوية اجملتمعية األبرز‪ ،‬ظنا منه أنه بذلك حيقق تفرده ومتيزه الفرداني! واحلق أنه‬
‫ال يتميز عن اجملتمع؛ بل ينغمس يف معايريه اجلديدة وثقافته املخرتعة!‬
‫فإنسان ينشأ يف جمتمع يثقِّفه طوال الوقت مبحتوى يفصل بني امتالكه ألعضاء‬
‫التناسل الذكرية‪ ،‬وبني هويته اجلنسية كرجل؛ بل حيفزه على التوقف وعدم‬
‫حتديد اهلوية املتفردة إال عندما يُدرك حجم التنوع اهلوياتي اجلنسي بني لوطي‬
‫وخنِث ورجل حقيقي‪ ،‬ثم بعد ذلك حيدد ميوله‪ :‬ألوطيَّة هي أم طبيعية = ليس من‬
‫املستغرب عدم انشغاله بغري تلك القضية واملسألة الكربى اليت قد يقضي فيها عمره!‬
‫‪34‬‬
‫تعرف الهوية االجتماعية بأنها فهم اإلنسان لذاته‪ ،‬وتصوره لمعتقداته الهامة في الحياة‪ ،‬وهي نوعان‪ :‬اجتماعية‪ ،‬وهي مركبة‬
‫فاإلنسان يكون أبا وأخا وموظفا – وذاتية‪ ،‬تتعلق بالفرد نفسه وصفاته وخصائصه المباينة لآلخرين (‪.)337‬‬
‫‪386‬‬
‫فأن تُغيِّب أوضح الواضحات األوَل‪ ،‬ونقطة انطالق تعريف اإلنسان هلويته وذاته منذ‬
‫الطفولة‪ ،‬وتزوِّده مبفاهيم مضطربة متناقضة خمالفة للفطرة حول اجلنس = يعين‬
‫وجوب متحور حياة ذاك اإلنسان حول اجلنس‪ ،‬ومن ثم متحور اجملتمع كله‬
‫مستقبال!‬
‫وذاك كله من فِعال دين الليرباليَّة وما شاكلها‪ ،‬كما أسلفنا‪ ،‬بزعمها أن كافة‬
‫املبادئ واملواريث اجملتمعية ليست إال تقاليدا مُخرتعة جتري عليها سنن التطور‬
‫والتقدم وميكن تبديلها بل جيب = فما اخرتعه األسالف من حياتهم إليالة حياتهم‬
‫لن يُقيِّد املعاصرين عن جتاهله وإيالة شؤونهم مبا يناسبهم‪ ،‬وما خطَّه املتقدمون‬
‫البدائيون دستورا يف عقوهلم من عقوهلم‪ ،‬ال ينبغي أن يكبح املُحدِثني عن تبديله‬
‫وتغيريه ملواكبة التطور احلتمي والالزم! ال مُقدَّس أبدي حقيقي‪ ،‬وجيب نقل مبادئ‬
‫اجملتمعات وأخالقياته الثابتة اليت يُنظر إليها باحرتام وإجالل وتقديس‪ ،‬إىل هامش‬
‫العادات والتقاليد النسبية‪ ،‬متهيدا لتطويرها!‬
‫وقد تسببت حموريَّة دور اجلنس يف حتديد اهلويات اجملتمعية والذاتية يف الفوضى‬
‫احلالية‪ ،‬ولن تزيد األمر إال فوضىً‪ ،‬وإال وقعت يف التناقض‪ :‬فما وجه منع اجلنس‬
‫مع احليوانات ومع احملارم؟ إن هي إال ترهات لن ميضي وقت طويل حتى تنتهي‬
‫كتاب من عقول البشرية‪ ،‬ويبلغوا شأوا مناسبا يتفهمون فيه وجوب إلغاء كل‬
‫تشريع مينع ذلك‪ ،‬وقد أسلفنا احلديث عن ذلك‪.‬‬
‫وقد تسببت تلك احملوريّة أيضا يف غمس عقل اجملتمع يف الشهوات اجلنسيّة؛ ولوال‬
‫انفصال اجملال السياسي عن الثقايف اجملتمعي يف األولويات لضاعت سيادة الغرب‬
‫وهيمنته‪ ،‬وهم يستبطنون ذاك بوعي أو بدونه ‪-‬فاجملتمع األمريكي الزنّاء هو نفسه‬
‫من ثار على زنا الرئيس األمريكي كلينتون! إن السياسي الغربي ليربالي واقعي‪،‬‬
‫أبوه ميكيافيللي وخاله هوبز‪ ،‬يُقدِّس القوة ويثقف وجوب جعلها حمور حياة بالده‪،‬‬
‫‪387‬‬
‫بينما اجملتمعي واحلقوقي الغربي ليربالي رومانسي يقدِّس اجلنس ويعبد آالته‬
‫وجيعله حمور حياة أناسه!‬
‫ولفحص حمور اهلوية اجملتمعية يف اإلسالم‪ ،‬جيب التفرقة بني مرحلتني منه‪:‬‬
‫اخلالفة الراشدة‪ ،‬واملمالك اليت تلتها‪.‬‬
‫فقد ابتلينا يف أعصر ممالك املسلمني‪ ،‬بغلبة مفهوم العرق والساللة كمحور للهويّة‬
‫اجملتمعية‪ ،‬فاملركز اجملتمعي للمملكة األموية فالعباسيَّة كان اهلويّة العرقية‪:‬‬
‫أعربي أم أعجمي‪ ،‬ثم ساللي‪ :‬أقرشي أم غري قرشي! وستزداد التطورات طوال عهد‬
‫العباسيني والتفريعات يف اهلوية العرقيّة والساللية‪ :‬أأعجمي تركي أم فارسي أم‬
‫رومي؟ أقرشي أموي أم عباسي أم هامشي؟ أهامشي حسيين أم غري حسيين؟!‬
‫لقد كانت اهلوية العرقية حمور بناء اجملتمع الدنيوي إضافة إىل احملور الديين ذي‬
‫التأثري املشابه يف القوة‪ ،‬ألن مركب دين تلك الدول كان (العرقية ‪ +‬اإلسالم)‪ ،‬وقد‬
‫أنتج ذلك انشغاال مبسائل العرق والسالالت حتى يف الفقه‪ ،‬فرأينا احلديث عن عدم‬
‫مناسبة تزويج العربية لغري العربي‪ ،‬وما إىل ذلك‪ .‬إن الصراع املتطرف من اجلانبني‬
‫العربي وغري العربي مل ينتج إال بسبب حمورية اهلوية العرقية يف تلك األعصر‪.‬‬
‫أما عن التغري املفاهيمي املتعلق باهلويّة فقد رأيناه سائال لينا على مستوى القرون‪،‬‬
‫صلبا على مستوى القرن الواحد أو الدولة الواحدة‪ :‬فالرتك يف قرن سيادتهم األول‬
‫وتعاملهم مع العرب وتصور العرب هلم وتصورهم هم أنفسهم هلويتهم العرقية‪ ،‬ال‬
‫يشابه الرتك يف قرن سيادتهم األخري وتصور العرب هلم وتصورهم هم هلويتهم‬
‫العرقية‪ .‬وشرح ذلك يطول وحبثه متشعب وحيتاج إىل استقالل‪ ،‬فلعل اهلل ييسر لي‬
‫النظر فيه يوما‪.‬‬
‫إذن ما اهلوية االجتماعية احملورية األصيلة يف اإلسالم؟‬
‫الدين! هو مركز بناء اهلوية اجملتمعية والذاتية‪ ،‬واهلويَّة الدينية هي احملور‬
‫اجملتمعي‪ ،‬فمنها يستمد املرء دوره‪ ،‬وبه ينشغل‪ :‬فاملسلم ينشغل باإلسالم على مستوى‬
‫‪388‬‬
‫اجملال العام السياسي واخللقي‪ ،‬وعلى املستوى الذاتي‪ ،‬فيعمل على إثبات استحقاقه‬
‫لتلك اهلوية اليت تشكل حياته كافةً باجلهاد خارجيا وباإلصالح داخليا أمرا‬
‫مبعروف وإنكارا ملنكر‪ ،‬وكذلك بالضبط العقدي والسلوكي والتعبدي الذاتي كي‬
‫يكون جديرا بهويته كمسلم؛ وال يظهر ذلك خالصا إال يف دولة اخلالفة الراشدة‬
‫حيث التوحيد اخلالص‪ ،‬ثم يف القلة املنصورة بكل عصر‪.‬‬
‫كما أن إمكان التغيُّر بالتحوُّل عن اهلوية املوروثة غري ممكن يف اإلسالم‪ ،‬فاملسلم‬
‫يرث املفاهيم خليفةً من اهلل على أرضه‪ ،‬مؤمتنا عليها‪ ،‬وتلك اهلويَّة ذات قواعد تشكيل‬
‫ابنة كتاب مقدس هو القرآن‪ ،‬وعليه يكون أرسخ وأثبت قدما من كافة ما عداه من‬
‫حماور بناء اهلوية اجملتمعية‪.‬‬
‫فأي نائبة تنزل باملسلمني أدهى من حتوُّهلم عن حمورية هويتهم اإلسالمية إىل‬
‫حمورية هويتهم اجلنسية؟‬
‫لقد ذقنا الويالت طوال عقود سيادة ليربالية النسوية اليت حادت مبحورهن إىل‬
‫اهلوية اجلنسية ذكرا وأنثى‪ ،‬فأغرق املسلمون يف مسائل الذكورة واألنوثة ومن‬
‫صاحب السيادة والفضل يف املعركة الوهمية بينهما؛ فكيف بنا يف عصر اهلوية‬
‫اجلندرية؟ وكيف يكون احلال عندما نغرق يف مسائل من نوعية‪ :‬أيكون الذكر‬
‫ذكرا‪ ،‬واألنثى أنثى؟!‬
‫وال أمثل من حالة اخلِناث للتمثيل على هذين االضطرابني معا؛ اهلوية واالجتماعية‬
‫والدور االجتماعي؛ إذ يظلُّ اخلِناث يف رأيي هم أكرب املخاطر اجلديدة يف قادم‬
‫الزمان‪ ،‬لذا نتحدث عنهم‪ ،‬لبيان أثر انتشار ظاهرتهم‪ ،‬وخطرها املاثل يف قدرة اخلنِث‬
‫احلديث على جذب الرجال الطبيعيني‪ ،‬إذ أنه (مظهريا) يُشاكل امرأة ناضجة‬
‫األنوثة‪ ،‬بل املُصممة على معايري مجالية عاملية! فما وجه االندهاش من وقوع الرجل‬
‫الطبيعي فريسة له؟‬
‫‪389‬‬
‫لكن املسألة ال تنتهي فقط عند اجلانب املظهري؛ ففي فيديو تروجيي‪ ،‬يُعدِّد أحد‬
‫اخلِناث اللوطيني فوائد وأسباب اللواط باخلِناث يف جمموعة من النقاط‪ ،‬حتتاج إىل‬
‫تدبر وتعليق؛ فيقول )‪:(328‬‬
‫إننا نُثمِّن األفعال الصغرية اليت ال تقدرها عادة الفتاة املعاصرة‪ :‬نُقدِّر بصورة أكرب‬
‫إمساك أيدينا يف العلن أو مدح مجالنا‪ ،‬وقد كنا يوما يف اجلانب اآلخر‪ ،‬جانب الرجال؛‬
‫وبالتالي نفهم جيدا مشاعر واحتياجات الرجل مبا يفوق فهم الفتاة العادية‪.‬‬
‫وحنن عادة أكثر أنوثةً من الفتاة العادية وأشبه بالفتيات تدلال وخالعةً ‪:girly‬‬
‫وهذا بسبب تقديرنا ملا مل منلكه من قبل‪ ،‬مثل الثدي! لذا نقوم بإبراز نهودنا دوما‪،‬‬
‫وكذا إرسال شعرنا الطويل‪ .‬إننا فتيات بسيطة الطبع لطيفة املعشر‪ ،‬ولكننا أقوياء‬
‫جدا من الناحية العاطفية واإلنسانية؛ فقد مررنا بالكثري حتى نصل إىل ما وصلنا‬
‫إليه اليوم (اخلنوثة الكاملة‪ ،‬مبا يقتضيه ذلك من قرارات جريئة)‪.‬‬
‫هنا ينتهي كالم اخلنِث اللوطي‪ ،‬وهو كالم موجز مركز أحلله يف نقاط لتبيني‬
‫خطورة تلك الظاهرة‪:‬‬
‫يقدِّم اخلنِث للرجل صورة (املرأة النموذجية) الذي صار مُفتقَدًا يف الغرب وأغلب‬
‫عاملنا‪ ،‬األنثى العاشقة اللطيفة اليت يغمرها احلبور بأبسط األفعال الذكورية‬
‫احملبة‪ ،‬وتقدرها وترفع معنوياتها‪ ،‬مقابل املرأة املعاصرة املدللة الفاسدة ابنة‬
‫احلركات النسوية‪ ،‬واليت تعترب كل شغف ذكوري بها سالحا تستخدمه يف‬
‫معركة إذالل الرجل وإخضاعه من أجل االنتصار يف (احلرب)! املرأة اليت تتعامل‬
‫مع تصرفات اإلعجاب الذكورية البسيطة باعتبارها حقا مكتسبا بالوالدة ال جيوز‬
‫مناقشته!‬
‫‪390‬‬
‫يُقدِّم منوذج املرأة اليت تهتم مبشاعر الرجل وتفهمها بعمق‪ ،‬واليت تدرك احتياجاته‬
‫يف إشارة لالحتياجات اجلنسية‪ -‬وتسعى يف إرضائها بكل السبل! فيقول خنِثٌ آخر‬‫ردا على سؤال ما إذا كان يصل للنشوة عن طريق دبره أثناء العملية اجلنسية مع‬
‫الرجل‪ :‬رمبا حيدث مع غريي لكنين ال أهتم بهذا‪ ،‬ما أهتم به ويثريني وأرغب فيه هو‬
‫أن أرى رجلي يصل إىل نشوته! متى وصل إليها شعرت بالسعادة والرضى )‪!(329‬‬
‫تدبر خطورة املعنى‪:‬‬
‫فاملرأة العادية ذات متطلبات جنسية مقابلة ملتطلبات الرجل‪ ،‬ويشتملها الضيق إن‬
‫صار أنانيا ال يفكر إال يف نشوته وحده‪ ،‬فهي ال تعترب إشباعها إجنازا يسعدها‬
‫ويرضيها متاما‪ ،‬إذ خلق اهلل هلا احتياجات‪ ،‬متى قصر الرجل عنها ثارت وأخذها‬
‫الضيق واالرتباك العاطفي واجلسدي‪.‬‬
‫كما أن أغلب النساء لديهن مشاكل جسدية وصحية تعيق استمرار العملية‬
‫اجلنسية وانتظامها؛ فإضافةً أليام حيضها‪ ،‬ال تتحمل النساء عادةً دوام اجلماع‬
‫وكثرته وإطالته فوق الصورة الطبيعية‪ ،‬إضافة لكثرة الطوارئ الصحية احلادثة‬
‫ألجسادهن الضعيفة‪ ،‬وهو ما أحسبه أحد أهم أسباب فتح سبل التعدد وملك اليمني‬
‫للرجال‪.‬‬
‫يف مقابل ذلك يظهر اخلنِث‪ :‬حيث يُقلِّد ويُحاكي (صورة األنثى النمطية) بل ويزايد‬
‫دوما عليها لعقدة النقص املركوزة فيه‪ ،‬وتساعد التغريات النفسية لكونه صار طرفا‬
‫سالبا يف العالقة يف حمو رغباته هو ذاته ومتحور سعادته حول الذكر الذي ميارس‬
‫اجلنس معه = إنه يُكرِّس كل ما لديه من أجل إسعاد شريكه وال يطلب شيئا يف‬
‫املقابل من الناحية اجلنسية!‬
‫أضف إىل ذلك أن اخلنِث ال حيض له‪ ،‬وال يقيده تكوين جسدي ضعيف كاألنثى‬
‫االعتيادية‪ ،‬وال ميلك مشاكلها الصحية املتكررة لغياب املهبل من األساس مبا فيه‬
‫‪391‬‬
‫هو ذاته من مشاكل تعيق االتصال اجلنسي أحيانا كثرية‪ ،‬وال يتسبب مجاعه يف‬
‫محل أو أي مسؤولية حياتية‪ ،‬كما أن طبيعته الذكورية ترشده إىل معرفة (احتياج‬
‫الرجل) أي اجلنس املستمر بصورة رئيسية‪ ،‬وهو ميلك توفريه!‬
‫إن تدبرت يف كل ذلك اكتشفت الكارثة!‬
‫فإن كانت األنثى تقضي زمن مراهقتها وبلوغها وأول شبابها يف إظهار مفاتنها سواء‬
‫للجميع إن كانت متربجة‪ ،‬أو لزوجها = إال أن أغلبهن ال يقضني ما بعد زواجهن أو‬
‫سن العشرينات يف هذه التصرفات‪ ،‬فهن ينضجن وينشغلن‪ .‬اخلنِث يف املقابل حُرِم‬
‫من هذا يف مطلع شبابه أو طفولته‪ ،‬ويريد استعراض مفاتنه طوال حياته الباقية‪،‬‬
‫وهذا هو السبب يف ولع اخلِناث الذكور بإظهار املفاتن املصنوعة والتعري باملالبس‬
‫الفاضحة أو الضيقة‪.‬‬
‫اخلنث يهرول متى جلست األنثى!‬
‫كما أن شغفهم باألنوثة وإظهارها‪ ،‬قد تساعده يف أن يفوق األنثى ذاتها اليت تصنع‬
‫ذلك طبيعةً‪ ،‬خاصةً يف عصر بنت التنسون اليت دربها اإلعالم واجملتمع كثريا على‬
‫عداء األنوثة احلقيقية باألنوثة احلديثة املشوهة!‬
‫كذلك هناك ملمح خطري قد يصدُق يف بعض أولئك اخلِناث الذين قاموا بتحوالت‬
‫جسدية‪ :‬أنهم على املستوى النفسي أقوياء وهذا حقيقي‪ !35‬لقد ذهبوا يف إصرار إىل‬
‫أبعد ما ميكن للوطي أن يذهب إليه‪ ،‬إذ غريوا هيأتهم ورمبا خسروا األهل واألصدقاء‬
‫يف سبيل حتوهلم هذا؛ فاخلنِث بالتأكيد شخص صعب املراس يستحيل تقريبا أن‬
‫تلقى دعوته إىل إعادة نفسه إىل عامل الذكور الرجال (إن كان خنِثا) أو عامل اإلناث‬
‫النساء (إن كانت مرتجلة) أي صدىً! لقد أصبح هذا الشخص آلة لوطية متخصصة‬
‫‪ 35‬ال ُيمتدح بقوة وصالبة النفس إال في خير‪ ،‬ففرعون وأبو جهل وأكثر الكافرين عداوة لإلسالم‪ ،‬كانوا ذوي صالبة نفس في طاعة‬
‫الشيطان وعدم التهاون مع المؤمنين!‬
‫‪392‬‬
‫يف إغواء البشر! وهذا أحد أهم أسباب فهم احلكم الشرعي بقتل أولئك= إن طبيعة‬
‫شخصياتهم وخاصة بعدما حتولوا إىل تلك الصورة‪ ،‬ال يكاد يسمح هلم بالعودة إىل‬
‫الصورة الطبيعية أو تقبلها من جديد!‬
‫أخريا‪ :‬يقدم اخلنِث نفسه كفتاة لطيفة‪ ،‬غري مهووسة مبا تشغل الفتاة املعاصرة‬
‫نفسها به‪ ،‬هكذا يقولون‪ ،‬واحلقيقة أن السبب بسيط‪ :‬أنه ذكر وليس أنثى! الذكر‬
‫يف العادة ال يهتم بالتصرفات الراقية واآلداب الرفيعة ولن يصيبه هوس االستعراض‬
‫ومدح الذات املتغطرسة الذي تغرسه النسوية يف بناتها = بالتالي يكون أقرب لألنثى‬
‫اللطيفة (الطيبة) من األنثى املغرورة االستعراضية املتنسونة املعاصرة!‬
‫إن اخلنِث يف مُحاكاته منوذج األنثى املثالية على فطرتها‪ ،‬أقرب إليها من بنات عصر‬
‫التنسون أنفسهن! واملُرتجِّلة يف مُحاكاتها منوذج الذكر الشهم بالفطرة‪ ،‬تُصبح‬
‫أقرب إليه من ذكر عصر التنسون نفسه!‬
‫هذه بعض خماطر تلك الظاهرة الكارثية‪ ،‬خاصةً مع تقدم وسائل وجراحات حتويل‬
‫اهليئة والشكل‪.‬‬
‫تبقى أن خنتم كالمنا عن ظاهرة اخلِناثة ببعض التعليقات‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أنه توجد نسبة ضخمة من اخلِناث واملرتجالت يرجعون إىل الصورة الطبيعية‪،‬‬
‫فقد أثبتت بعض الدراسات أن أكثر من أغلب احلاالت املضطربة يف مرحلة‬
‫الطفولة واملراهقة تصبح طبيعية تدرجييا بعد البلوغ )‪.(330‬‬
‫وهذه النسب تبني أي إجرام يصنعه الغرب‪ ،‬الذي يشجع األطفال املضطربني على‬
‫التحوُّل‪ ،‬حتى وصل األمر إىل النقاش احملموم حاليا‪ ،‬حول ضرورة إلغاء وجوب‬
‫موافقة األهل على التحول اجلنسي ألوالدهم)‪! (331‬‬
‫‪393‬‬
‫وأطروحة املؤيدين إللغاء رأي األهل‪ ،‬تتلخص يف اآلتي‪:‬‬
‫أن من واجبات الدولة محاية األقليات من األضرار اجلسيمة واإليذاء الذي يتسبب‬
‫فيه أولئك الذين يتولون الرعاية‪ .‬وأن اإليذاء الذي يؤدي إىل االنتحار هو ضرر‬
‫جسيم‪ .‬وأن األطفال اخلِناث واملرتجالت‪ ،‬الذين يعيشون مع آباء غري داعمني‬
‫لتوجهاتهم‪ ،‬يف خطر كبري جراء األضرار النفسية واليت تنتج عندهم ميوال‬
‫انتحارية‪ .‬وبالتالي‪ ،‬على الدولة أن تعتين بأولئك الذين يقع على كاهلها عبء‬
‫محايتهم ورعايتهم‪ ،‬وهم اخلِناث واملرتجالت‪ ،‬ووقايتهم من اإليذاء النفسي الذي‬
‫يتسبب فيه متولو الرعاية‪ ،‬أي‪ :‬األهل )‪!(332‬‬
‫أرأيت كيف أن األم الليربالية أشفق على الولد من أهله؟!‬
‫ثانيا‪ :‬أنه توجد شكايات من خِناث ومرتجالت كثر أبدين ندما وتأسفا عما خضعوا‬
‫له من حتويل للجنس‪ ،‬إذ أن أجسادهم قد تغريت‪ ،‬إىل األبد)‪. (333) (334‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن أكثر التغريات اليت حتدث بسبب العالجات‪ ،‬غري قابلة لالنعكاس‬
‫‪ ،irreversible‬فإن كان هذا جليا يف اجلِراحات اليت تستأصل األعضاء اجلنسية‪،‬‬
‫إال أنه ال يقل خطورة يف العالج اهلورموني‪:‬‬
‫فهو يصيب اخلنِث بالعقم‪ ،‬ويقلص خصيتيه إىل أقل من النصف‪ ،‬وينبت ثدييه‪،‬‬
‫وحتى مشاعره اجلنسية الطبيعية ال ترجع إىل فورتها السابقة‪ ،‬ولن ترتبط نشوته‬
‫باألعضاء التناسلية كباقي الذكور‪ ،‬بل يصبح أنثوي النمط‪ ،‬نشوته ال مركزية يف‬
‫جسده‪ ،‬ويتضاءل كم املين النازل منه حتى يكاد ينعدم‪ ،‬ويصبح يف خطورة دائمة إن‬
‫أوقف اهلرمون األنثوي قبل سن اخلمسني‪ ،‬ألن عظمه سيضعف حينها)‪ ! (335‬أما‬
‫‪394‬‬
‫املرتجلة فسيشتد شبقها بأخذ هرمونات الذكورة‪ ،‬وتصبح ذكورية النمط يف‬
‫النشوة‪ ،‬إثارتها مركزية يف البظر‪ ،‬ويذبل ثديها‪ ،‬ويتكاسل مبيضها عن العمل‪ ،‬وإن‬
‫كان لن يتوقف بصورة نهائية‪ ،‬وتكون عرضةً للنزيف من الرحم إن توقفت عن أخذ‬
‫جرعات اهلرمون‪ ،‬ويتبدل منط األمراض عندها ليصبح ذكوريا‪ ،‬فتكون أشد عرضة‬
‫لإلصابة بأمراض السكري‪ ،‬وارتفاع ضغط الدم‪ ،‬وتزداد خماطر اإلصابة باجللطات‪،‬‬
‫ألن التستوستريون يزيد من كثافة الدم‪ ،‬وترتفع كذلك خماطر اإلصابة‬
‫بالسرطان)‪. (336‬‬
‫فكل هذه هي (بعض) املخاطر الصحية واألعراض اجلانبية هلذه العملية‪ ،‬أي‬
‫اخلِناثة‪ .‬لذا يكثر احلديث عن الندم‪ ،‬فهو قرار ثقيل‪ ،‬وتوابعه أشد إرهابا‪ ،‬وال نفع‬
‫للندم أو الرتاجع عنه‪ ،‬خاصة إن حدثت تلك التدخالت يف سن صغرية‪ ،‬حيث لن مير‬
‫الفتى على مرحلة مراهقة وبلوغ أصال‪ ،‬وبالتالي يكون أثر هذا التدخل هائال!‬
‫ثالثا‪ :‬اضطرابات عولمة الثقافة الغربية‪.‬‬
‫هذه أحد أهم آثار اللوطية على مستوى العالقات الفردية بني األشخاص‪ ،‬ففي عصر‬
‫القطب السياسي األوحد وسيطرة اإلعالم الغربي والسينما األمريكية بشكل خاص‪،‬‬
‫فإن الثقافات املتنوعة ال تتأثر فقط بالثقافة اجملتمعية األمريكية والغربية‪ ،‬إمنا‬
‫تعيد تشكيل نفسها خاصة يف األجيال اجلديدة‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬عادة التقبيل والعناق‪ ،‬فهما يُعبِّران عن الود االجتماعي يف كثري من‬
‫الثقافات بينما يُنظر إليهما يف اجملتمعات الغربية باعتبارهما جانبا من السلوك‬
‫اجلنسي (‪!)337‬‬
‫‪395‬‬
‫فما هو أثر إشاعة وذيوع ذلك التصور للعناق والقبالت بآلة العوملة يف الشعوب‬
‫املستقبِلة؟‬
‫لقد هالين ذات يوم نقاش بني جمموعة من الشباب املصريني صغار السن‪ ،‬رأوا يف‬
‫إحدى احلفالت فتاة حتتضن أخرى‪ ،‬غامزين إياهما باللوطية دون أي قرينة سوى‬
‫ذلك احلضن فقط‪ ،‬وهما حمجبتان ليس يف سلوكهما شني!‬
‫كيف حدث ذلك؟‬
‫لقد انتقلت القبالت والعناق وكلمات احلب اللواتي تعتاد الفتيات حتديدا أن يقلنه‬
‫إىل بعضهن تفريغا لعواطفهن اليت يقمعها اجملتمع سواء بتعقيد الزواج أو بتحديد‬
‫عدد الزوجات‪ ،‬من عالمات على الصداقة احلميمة إىل عالمات على (اللوطيَّة)! ذاك‬
‫ما تسبب يف تصوُّر أولئك الشباب للوطيتيهما‪ :‬لقد متكَّن التصوُّر الليربالي الغربي‬
‫املعومل من أعماق نفوسهم؛ فصاروا يفكرون كغربيني‪ ،‬حيث تكون مظاهر‬
‫احلميمية الشرقية ذات دالالت ورموز جنسية وشهوانية!‬
‫واستبطان هذا التصور عند الفتيات أنفسهن مشكلة أكرب وأفدح! فاليت نشأت على‬
‫انتقال هذه العادات من خانة املزاح الربيء أو إظهار عواطف الصداقة واألخوة‪ ،‬إىل‬
‫خانة العشق وامليول اجلنسية‪ ،‬يعين أن الفتاة ستتساءل عن (هويتها اجلنسية) منذ‬
‫وقت مبكر! وسيكون من الصعب عليهن‪ ،‬بهذا االنتقال‪ ،‬وقف سيل اخلواطر عن‬
‫كونهن ميلن إىل النساء‪ ،‬أو‪ ،‬على األقل‪ ،‬أن هويتهن مزدوجة (حمبة للرجال‬
‫وللنساء)!‬
‫أما يف الشباب‪ ،‬فربغم أن األمر من هذه اجلهة أقل أثرا‪ ،‬إال أنه فادح كذلك‪ ،‬فإن‬
‫العناق والقبالت على الوجنتني وبعض املزاح اجلنسي الشاذ الذي يعتاده املراهقون‬
‫دون أن يعتربوه ذا داللة حقيقية على ميوهلم اجلنسية وفطرتهم اليت أنشأهم عليها‬
‫اجملتمع وثقافته‪ ،‬بل يفهمون أنها تنفيس عن كبت تغييب اجلنس الطبيعي = لن‬
‫يكون كذلك! فستنتقل تلك السلوكيات هي األخرى إىل خانة امليول اجلنسية‬
‫‪396‬‬
‫الثابتة بداخل املرء‪ ،‬وسيبدأ املراهقون يف إطالق سيل من التساؤالت التائهة عن‬
‫هوياتهم وميوهلم وحقيقتهم‪ ،‬وسيسلم الكثريون مبزاعم كونهم لوطيني باخللقة!‬
‫إن هلكة املسلمني واملشارقة والعرب‪ ،‬أن تُستحضر الدالالت الغربية اللوطية‪،‬‬
‫وتُستبطن يف أنفسهم آلة اجلنس اللوطية املعوملة يف فك رموز األفعال والسلوكيات‬
‫= وهم غارقون يف أنشطتهم احلميمية بني أهل اجلنس الواحد مما اعتاده املسلمون‬
‫واملشارقة! ستضطرب أفكارهم وتتبلبل شخصياتهم وسيكون سؤال اهلوية اجلنسية‬
‫خميف اإلجابة‪ ،‬وستوزَّع االتهامات يُمنةً ويُسرةً‪ ،‬ما سيؤدي ملزيد من االضطراب عند‬
‫املتهمني‪ ،‬الذين قد يُسائلون أنفسهم كذلك ما إذا كانت االتهامات احمليطة بهم‬
‫صحيحة‪ ،‬وأنهم لوطيون حقا باجلبلة‪ ،‬وهو ما سيودي باحلرارة يف العالقات‬
‫املشرقية بني الناس‪ ،‬وانتشار الربود بينهم‪ ،‬وذيوع القلق من املشاعر الذاتية قبل‬
‫الصورة اخلارجية‪ ،‬القلق من أن متيل النفس إلظهار حب بال معنىً جنسي‪ ،‬إذ ال حب‬
‫دون معنىً جنسي!‬
‫‪397‬‬
‫أليس الصبح بقريب؟‬
‫شُغلت الصحافة الغربية والعاملية يف إحدى ليالي عام ‪ 2017‬بصورة أُخذت من مدينة‬
‫الرقة السورية‪ ،‬سببت مزجيا من الدهشة واحلبور يف جمتمعات اللوطيني بالعامل‬
‫كله‪.‬‬
‫كان فيها جمموعة من امللثمني يف زي امليلشيات املسلحة املقاتلة‪ ،‬يقفون بني خرائب‬
‫مدينة الرقة اليت كنت يف ذلك الوقت تعيش مرحلة التنازع األخري بني قوات سوريا‬
‫الدميقراطية ذات األغلبية الكردية عميلة الغرب‪ ،‬وقوات تنظيم الدولة‪ ،‬وهم‬
‫يرفعون بني أيديهم بريقا كبريا كُتب فيه (أولئك اللوطيون حياربون الفاشيني)‬
‫ويف اخللفية أشخاص يرفعون علم اللوطيني بشرائطه امللونة‪ ،‬وعلما وردي اللون‬
‫فيه صورة سالح الكالشينكوف ‪ AK-47‬وفوقه شعار األناركية‪.‬‬
‫‪398‬‬
‫ثم نزل بيان بعد تلك الصورة اليت أذاعها املطرب اللوطي ريكي مارتني‪ ،‬ثم أعالم‬
‫الصحف واملواقع الغربية فيما بعد‪ ،‬أعلن فيه أصحاب الصورة أنهم مشروع إنشاء‬
‫جيش امسه تيكيال وهو اختصار لعبارة (جيش التمرد والتحرير اللوطي ‪Queer‬‬
‫‪ ،)Resurrection and Liberation Army‬ويهدف إىل (سحق ‪)Smash‬‬
‫الثنائية اجلنسية (ذكر وأنثى) ودعم حترير املرأة كجزء من الثورة اجلندرية‬
‫واجلنسية = ومبا أن أعضاء التيكيال مل يتحملوا االضطهاد الذي متارسه اجلماعات‬
‫املتطرفة ضد اللوطيني‪ ،‬بوصفهم باملرضى والشواذ غري الطبيعيني‪ ،‬وبعجزهم عن‬
‫الوقوف بال عمل ضد الصور اليت نشرتها (داعش) لقتل لوطيني رمجا ورميا من‬
‫أسطح مرتفعة؛ فقد قرروا إعالن احلرب)‪! (338‬‬
‫وبالرغم من االحتفاء الغربي الكبري‪ ،‬بانضمام اللوطيني إىل املعركة املسلحة ضد‬
‫اجلهاديني والشريعة اإلسالمية؛ إال أن أخبار تلك اجملموعة ستنقطع‪ ،‬وستعتذر‬
‫قوات سوريا الدميقراطية وتعلن أنها ال تعرف عن تلك اجملموعة شيئا‪ ،‬ويف السر‬
‫ستخرب أفرادها أنها أُجربت على االعتذار بسبب الغضب احمللي وحفظًا لسمعتها‪،‬‬
‫وستطلب منهم الرحيل عنها‪ ،‬كما سيعلن بعد ذلك صاحب الفكرة‪ ،‬وهو شخص‬
‫أمريكي امسه أجيت ‪ Agit‬من أصول إيرانية كردية يونانية)‪. (339‬‬
‫كان أجيت يؤمن أنه البد من الرد على مشاهد تنفيذ تنظيم الدولة ألحكام الشريعة‬
‫اإلسالمية بقتل اللوطيني؛ حتى لو مل يتجاوز الرد صورة ذات داللة موحية نفسيا‪،‬‬
‫فانضم إىل مالحدة الكرد لعنهم اهلل وخلص أحفاد صالح الدين من دنسهم‪ ،‬خللفيته‬
‫الشيوعية األناركية‪.‬‬
‫‪399‬‬
‫ثم نفذ خطته بتصميم هذا العلم يف القامشلي‪ ،‬ورفعه مع جمموعته اللوطية يف قلب‬
‫الرقة‪ ،‬على بعد مبانٍ قليلة من قناصة تنظيم الدولة حسب زعمه‪ .‬كان هذا بالنسبة‬
‫ألجيت وجمموعته حتدٍّ كبري يستحق املخاطرة! أي جمد وعزة وشجاعة للوطيني‬
‫أكرب من رفع هذه البيارق والرايات يف قلب (عاصمة اخلالفة) ومأوى اجلهاديني؟!‬
‫حتى لو كان جمدًا وشجاعةً إعالمية ليس هلا على أرض الواقع حقيقة؛ إذ حيكي‬
‫أجيت أنهم ما إن التقطوا الصور حتى هرولوا مبتعدين عن هذا املكان (القريب) من‬
‫أماكن سيطرة القناصة اجلهادية)‪! (339‬‬
‫لكن مغزى الفعل نفسه مما يستحيل إمراره!‬
‫لقد جُلتُ برؤى أغلب األديان الكربى يف العامل بهذا الكتاب؛ فأي دين فيهم لديه قواعد‬
‫واحدة صارمة وتشريعات حامسة يف وأد ال اللوطية فقط؛ بل ذرائع اللوطية‪،‬‬
‫كالتشبه باجلنس اآلخر ختنثا أو ترجُّلًا؟!‬
‫ليس إال اإلسالم وحده ال شريك له!‬
‫ال البوذية وال اهلندوسية وال الكونفوشيوسية وال األديان األفريقية احمللية وال حتى‬
‫املسيحية اليت كانت حترمها صراحةً!‬
‫اإلسالم هو أحزم دين يف مواجهتها؛ وأمة اإلسالم هي أشد األمم يف أعرافها اليت‬
‫ورثتها من التشريع والفقه‪.‬‬
‫فهياج اللوطيني واعتبارهم اجلهاديني حتديدا أول األعداء‪ ،‬ليس إال لتطبيقهم‬
‫النظري والعملي للتشريع اإلسالمي يف تلك القضية؛ ال بتعطيل فعلي ال قولي كما‬
‫يفعل أولئك الذين يُنظِّرون شرع اهلل وينفذون شرع امللك وملكُ امللك!‬
‫ونعوذ باهلل من مدح شرعه بالفم‪ ،‬وإيثار شرع أعدائه بالعمل‪.‬‬
‫ونعوذ به من متجيد ملك امللوك باألقوال‪ ،‬ومفارقته إىل أذالء امللوك باألفعال!‬
‫‪400‬‬
‫وقد نارت نائرة العامل الغربي كله قبل أشهر عندما أعلنت سلطنة بروناي إعدادها‬
‫مشروعا إلقرار عقوبة الرجم يف حق اللوطيني)‪ ، (340‬ونُظمت دعاوى من مشاهري‬
‫املمثلني واإلعالميني ملقاطعة الفنادق التابعة لسلطان بروناي –أحد أثرياء العامل‪-‬‬
‫سحِبت الدكتوراه الفخرية منه من كلية لندن‬
‫واملنتشرة يف الغرب)‪ ، (341‬و ُ‬
‫للملوك وطالب اإلعالم الربيطاني كال من القوات اجلوية والقوات البحرية‬
‫اإلجنليزية بوقف التعاون مع بروناي ومقاطعتها)‪ ، (342‬ومل تهدأ ثورة الضغوط‬
‫العاملية إال بعد تراجع السلطان نفسه يف خطاب له عن هذا املشروع العقابي)‪! (343‬‬
‫فاحلرب العاملية على الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وكل من يسعى يف تطبيقها جبد‪ ،‬صار له‬
‫منظور أقعر غوصًا من كل ما سبق‪ ،‬منظور حرب اللوطيني‪ ،‬ودين املؤتفكات‪ ،‬أسود‬
‫أديان الغرب املعاصر‪ ،‬على املؤمنني وأهل احلق!‬
‫وألن احلرب على أعمق الفِطر اإلنسانية؛ فاملقاومة تتنامى من داخل الغرب نفسه‪،‬‬
‫وقد كانت بولندا من أوائل الدول الغربية اليت أعلن رئيس أساقفتها وجوب مقاومة‬
‫األيدولوجيا اللوطية ‪ ،LGBT Ideology‬حتى لو كان اللوطيون حمرتمني من‬
‫الكنيسة؛ فال ميكن االستسالم أمام مطالبهم بكسر القيم واملعايري اجملتمعية اليت‬
‫خلقها اهلل)‪ (344‬وقد أعلنت عدة مدن بولندية‪ ،‬بتشجيع من احلزب احلاكم‪ ،‬أنها‬
‫مناطق خالية من اللوطيني وسعيدة بذلك)‪. (345‬‬
‫‪401‬‬
‫لكن حرب املبالغة يف التمدد؛ ليست كحرب أصل الوجود ذاته! والغربيون يعلمون‬
‫ذلك؛ لذا لن خيرج اإلسالم أبدًا من رأس قائمة االستهداف!‬
‫فها هي قضية كربى أخرى وجب على املسلمني التكفل بها؛ بل رمبا تكون علينا أثقل‬
‫مما كانت على سيدنا لوط عليه السالم؛ إذ كانت عند قومه شهوة‪ ،‬ال تأصيل هلا؛‬
‫ثم صارت يف زماننا دينا علمانيا‪ ،‬يؤصلون له ويتمنطقون به!‬
‫نعم إنَّا قوم مُرزَّؤون؛ لكن لعل اهلل قد مجع على أمتنا يف هذا الزمان كافة ما ابتلي‬
‫به البشر وبُعِث من أجله النبيني يف تاريخ األرض‪ ،‬ملزيد غربلة ألهل احلق ورسوخ‬
‫اخلريية فيهم‪ ،‬إذ يصريون يومًا تلو اآلخر منارة الدنيا يف كل شأنٍ‪ :‬فهم أنكى‬
‫املقاومني للطواغيت والشيوعيني والليرباليني وأخريًا اللوطيني‪ ،‬وال كفء هلم وال‬
‫نظري؛ فلعل اهلل يصلح بينهم وبهم‪ ،‬ويرضى عن قتيلهم وأسريهم ويفرج كروبهم‬
‫ويذهب أحزانهم‪ ،‬فبدونهم تُظلم الدنيا وتسود األنكاد‪ ،‬وخبفوت نشاطهم تلتقي يف‬
‫أرضنا األوحال واألقذار‪ ،‬وتعصف يف مسائنا األنواء وتزأر الشياطني‪.‬‬
‫أخريًا‪،‬‬
‫مكانك أنت يف كل ذلك‪ ،‬أين؟!‬
‫اإلسكندرية‬
‫‪ 26‬أغسطس ‪2019‬‬
‫‪402‬‬
‫ملحق‪ :‬االستبيان املُعتمد عليه يف الدراسة‬
‫لتدعيم بعض اآلراء الواردة يف مباحث هذا الكتاب املختلفة‪ ،‬وفحص رؤى الناس‬
‫املختلفة‪ ،‬نشرت على صفحيت مبوقع التواصل االجتماعي فيسبوك استبيانًا‪،‬‬
‫حرصت فيه على احلياد قدر اإلمكان‪ ،‬فاستخدمت مثال لفظ (املثلية) الرائج بني‬
‫العلمانيني والعوام وبعض اإلسالميني بدال من لفظ الشذوذ أو اللوطية؛ وحاولت‬
‫صياغة األسئلة بصورة ال تثري العداء؛ لكن مع اعرتايف أن هذا حمال متامًا‪ ،‬لوجود‬
‫أسئلة كان البد من التعرف فيها على موقف حمدد‪ ،‬كاملوقف من احلكم الشرعي‪،‬‬
‫ومثل تلك البد مثرية العلمانيني‪ .‬وحرصت كذلك على عدم طلب اإلجابة باإلمييل‬
‫أو البيانات الشخصية‪ ،‬لرفع احلرج عن املشاركني فيه‪.‬‬
‫وقد جاءت اإلجابات متوقعة يف بعض احلاالت‪ ،‬ومفاجئة يف حاالت أخرى‪ ،‬أبرزها‬
‫كان نسبة الذين يوافقون على اهلجرة إىل الغرب رغم دعمه للوطية‪ ،‬وعدة مسائل‬
‫أخرى‪.‬‬
‫وقد جاءت األسئلة واإلجابات املتاحة كاآلتي‪:‬‬
‫س‪ :1‬كيف تصنف توجهك الفكري؟‬
‫ج‪ :‬ليربالي – علماني – إسالمي – بال توجه‪.‬‬
‫وقد فرقت بني الليربالي والعلماني‪ ،‬بسبب الثقافة العجيبة عند بعض الذين‬
‫يصنفون أنفسهم ليرباليني ال علمانيني‪ ،‬وكذلك ألن الكثري من التصنيفات األخرى‬
‫كاالشرتاكية والشيوعية تُدخل نفسها تلقائيا حتت مظلة العلمانية وال ترضى‬
‫مبظلة الليربالية‪ ،‬واعتربت إجابة بال توجه داللة على انعدام االنتماء الفكري‪ ،‬أي‬
‫أنه شخص عامي‪.‬‬
‫‪403‬‬
‫وقد كانت النسب كاآلتي‪ %79.9 :‬إسالمي (‪ 905‬شخص)‪ ،‬و‪ %15.7‬بال توجه (‪178‬‬
‫شخص)‪ ،‬و‪ %3.4‬ليربالي (‪ 39‬شخص)‪ ،‬و‪ %0.8‬علماني (‪ 9‬أشخاص)‪.‬‬
‫ويُالحظ قلة عدد العلمانيني والليرباليني‪ ،‬بسبب طبيعة صفحيت اليت كانت‬
‫مصبوغة بصبغة إسالمية واضحة‪ ،‬وعدم وجود معارف أو اتصاالت لي مع علمانيني‬
‫من أي نوع ‪-‬وهلل احلمد‪ -‬ما جعل نسبة متثيلهم حمدودة على عكس ما كنت أرجو‪،‬‬
‫لكن تلك النسبة بالرغم من ذلك أتتنا مبؤشرات مهمة خاصة يف مسألة اللغة‪.‬‬
‫س‪ :2‬ما هو نوعك؟‬
‫ج‪ :‬ذكر ‪ -‬أنثى‪.‬‬
‫وقد كانت النسب كاآلتي‪ %75.9 :‬ذكور‪ ،‬و‪ %24.1‬إناث‪.‬‬
‫س‪ :3‬ما هي الفئة العمرية اليت تنتمي إليها؟‬
‫ج‪ 15 - 10 :‬أو ‪ 25 - 15‬أو ‪ 35 - 25‬أو ‪ 50 - 35‬أو أكرب من ‪.50‬‬
‫‪404‬‬
‫وقد كانت النسب كاآلتي‪ :‬الشرحية األوىل‪ :‬صفر‪ ،‬والشرحية الثانية ‪،%26.9‬‬
‫والشرحية الثالثة ‪ ،%44.5‬والشرحية الرابعة ‪ ،%26.3‬وأخريا الشرحية اخلامسة‬
‫‪.%1.9‬‬
‫بذا تنتهي أسئلة احملددات الرئيسية للعينة‪.‬‬
‫س‪ :4‬هل تشعر أن اجملتمعات العربية واإلسالمية مهددة باملثلية؟‬
‫ج‪ :‬نعم ‪ -‬ال ‪ -‬ال أدري‪ ،‬رمبا‪.‬‬
‫وكان غرضي يف هذا السؤال والذي يليه قياس حجم الوعي بالقضية واإلحساس‬
‫خبطورتها على العامل اإلسالمي والذات‪ ،‬وجاءت اإلجابات على الصورة اآلتية‪ :‬نعم‬
‫بنسبة (‪ )%67.1‬وال (‪ )%13.3‬وال أدري‪ ،‬رمبا (‪.)%19.1‬‬
‫س‪ :5‬هل تشعر بتهديد شخصي من انتشار املثلية؟‬
‫ج‪ :‬نعم ‪ -‬ال ‪ -‬رمبا‪.‬‬
‫وجاءت النسب كاآلتي‪ :‬نعم (‪ )%31‬وال (‪ )%55.4‬ورمبا (‪.)13.6‬‬
‫س‪ :6‬ما هو وصفك املفضل للمثليني؟‬
‫‪405‬‬
‫ج‪ :‬شواذ ‪ -‬مثليني ‪ -‬لوطيني‪.‬‬
‫وجاءت النسب جمملة كاآلتي‪ :‬شواذ (‪ ،)%47.3‬ولوطيني (‪ )%45.2‬ثم مثليني‬
‫(‪.)%7.3‬‬
‫وال ميكن االعتماد على تلك النتائج اجململة كثريا ألن الدراسة خرجت من صفحيت‬
‫وأغلب اجمليبني ممن يتابعونين‪ ،‬وقد شننت طوال العام املاضي محلة ضد مصطلح‬
‫(املثليني) وإعادة ترويج ملصطلح (اللوطية)؛ وعليه فمن الطبيعي أن يكون أكثر من‬
‫صنف نفسه إسالميا من مجهوري خيتار لفظ اللوطية؛ لذا اعتمدت على فحص‬
‫نتائج العوام والعلمانيني (الليرباليني) حتديدا ألنهم أبعد الناس تأثرًا بي‪ ،‬وظين أن‬
‫لو كانت الدراسة على صفحة إسالمي آخر غريي ممن يتبنون مصطلح املثلية‬
‫ألجاب أكثر اإلسالميني باختيار مصطلح الشذوذ واملثلية؛ فما أراه من مواقع‬
‫التواصل دالٌّ على أن هذين هما األكثر رواجًا إىل اآلن؛ ما مل نتبنى مجيعا ونكرر‬
‫مصطلح اللوطية حتى يرسخ يف األذهان‪.‬‬
‫س‪ :7‬أي من املصطلحات اآلتية تشعر حنوها بضيق وغضب وتريد وقف قوله؟‬
‫ج‪ :‬املثليني ‪ -‬اللوطيني ‪ -‬الشواذ ‪ -‬ال أتضايق من أي مصطلح‪.‬‬
‫وقد جاءت اإلجابات كالتالي‪ :‬املثليني (‪ )%52.7‬ثم اللوطيني (‪ )%13.9‬ثم الشواذ‬
‫(‪ )%6.6‬وأخريا ال أتضايق من أي مصطلح بنسبة (‪.)%26.7‬‬
‫ويسري على هذا السؤال ونتائجه نفس امللحوظات على السؤال السابق‪.‬‬
‫‪406‬‬
‫س‪ :8‬أي مصطلح تفضله لوصف من يريد تغيري نوعه؟‬
‫ج‪ :‬عابر اجلنس ‪ - Transgender‬خمنث أو مرتجلة ‪ -‬متحول جنسيا ‪ -‬ال أعرف‪.‬‬
‫وجاءت النتائج بالصورة اآلتية‪:‬‬
‫عابر اجلنس (‪ ،)%4.4‬وخمنث أو مرتجلة (‪ ،)%59.8‬ومتحول جنسيا (‪ )%25.5‬ثم ال‬
‫أعرف (‪ .)%10.3‬مع مالحظة أني تبنيت على صفحيت الرتويج ملصطلح املخنث‬
‫واملرتجلة‪ ،‬ما يؤثر يف دقة النتائج‪.‬‬
‫س‪ :9‬ما رأيك يف حقوق املثليني؟‬
‫ج‪ :‬لن أوافق عليها أبدًا ‪ -‬موافق عليها ‪ -‬ال أهتم‪.‬‬
‫وجاءت النسب كاآلتي‪:‬‬
‫لن أوافق (‪ ،)%90.9‬وموافق عليها (‪ )%2.4‬ثم ال أهتم (‪.)%6.7‬‬
‫س‪ :10‬ما الذي يتبادر إىل ذهنك من مصطلح اللوطية؟‬
‫ج‪ :‬قصة قوم لوط ‪ -‬ال أفهمه‪.‬‬
‫وقد جاءت النسبة لصاحل قصة قوم لوط (‪.)%98.5‬‬
‫‪407‬‬
‫س‪ :11‬أي من املصطلحات اآلتية تفضل يف وصف املثلية اجلنسية عند النساء؟‬
‫ج‪ :‬املثلية النسائية ‪ -‬الشذوذ اجلنسي ‪ -‬السحاق ‪ -‬اللوطية النسوية‪.‬‬
‫وجاءت النسب كاآلتي‪:‬‬
‫املثلية النسائية (‪ ،)%4.7‬ثم الشذوذ اجلنسي (‪ ،)%26.6‬ثم السحاق (‪ ،)%52.9‬وأخريا‬
‫اللوطية النسوية (‪ .)%15.6‬مع مالحظة أني تبنيت على صفحيت مصطلح اللوطية‬
‫النسوية طوال العام املاضي‪.‬‬
‫س‪ :12‬هل ترى أن املثلية اجلنسية (متاح اختيار عدة إجابات)‪:‬‬
‫ج‪ :‬مركبة يف املثلي مولود بها وال ذنب له ‪ -‬من حقوق اإلنسان وليس لآلخرين شأن‬
‫بها ‪ -‬احنراف سلوكي وجمتمعي جيب عالجه ‪ -‬احنراف عن الفطرة والدين‪.‬‬
‫وكانت النسب كاآلتي‪:‬‬
‫مركبة (‪ ،)%3.6‬ثم من حقوق اإلنسان (‪ ،)%2‬ثم احنراف جمتمعي جيب عالجه‬
‫(‪ )%44‬وأخريا احنراف عن الفطرة (‪ .)%83.9‬مع مالحظة أن نسبة من قالوا أنها‬
‫مركبة وال ذنب للوطي فيها من العوام هي (‪ ،)%11.7‬وحوالي (‪ )%5‬منهم قالوا هي‬
‫من حقوق اإلنسان وليس لآلخرين شأن بها‪.‬‬
‫‪408‬‬
‫س‪ :13‬هل ترى ضرورة عقاب املثليني؟‬
‫ج‪ :‬نعم ‪ -‬ال‪.‬‬
‫كانت النسب‪ :‬نعم (‪ )%84.7‬وال (‪.)%15.3‬‬
‫س‪ :14‬هل تعرف عقوبة املثلية يف الشريعة اإلسالمية؟‬
‫ج‪ :‬نعم ‪ -‬ال‪.‬‬
‫كانت النسب‪ :‬نعم (‪ )%80.3‬وال (‪.)%19.7‬‬
‫س‪ :15‬إن كانت عقوبة املثلية اجلنسية يف الشريعة اإلسالمية هي القتل؛ هل توافق‬
‫على ذلك؟‬
‫ج‪ :‬نعم ‪ -‬ال‪.‬‬
‫كانت النسب‪ :‬نعم (‪ )%85.8‬وال (‪.)%14.2‬‬
‫س‪ :16‬هل تعرف الفارق بني اخلنثى واملخنث يف الشريعة؟‬
‫ج‪ :‬نعم ‪ -‬ال ‪ -‬غري مهتم باملعرفة‪ ،‬كالهما له حقوق‪.‬‬
‫وكانت النسب‪ :‬نعم (‪ )%50.5‬ثم ال (‪ )%46.3‬وأخريا غري مهتم (‪.)%3.2‬‬
‫‪409‬‬
‫س‪ :17‬هل تعيش يف العامل العربي واإلسالمي؟‬
‫ج‪ :‬نعم ‪ -‬ال‪.‬‬
‫وصلت نعم إىل (‪.)%95.3‬‬
‫س ‪ :18‬هل يؤثر تبين الغرب للمثلية وحقوقها يف قرارك السفر أو اهلجرة إليه؟‬
‫ج‪ :‬نعم ‪ -‬ال ‪ -‬رمبا‪.‬‬
‫وجاءت النسب كاآلتي‪:‬‬
‫نع (‪ ،)%36.3‬وال (‪ ،)%38.1‬وأخريا رمبا (‪.)%25.6‬‬
‫س‪ :19‬هل تؤيد املشاركة يف أي عمل متعلق باملثلية؟‬
‫ج‪ :‬أريد املشاركة يف عمل حقوقي حلماية املثليني ‪ -‬ال أريد املشاركة يف أي عمل‬
‫متعلق بهم ‪ -‬أريد املشاركة يف عمل ملكافحة املثلية وعقاب املثليني‪.‬‬
‫وكانت النسب كآلتي‪:‬‬
‫محاية املثليني (‪ ،)%2.7‬ال أريد املشاركة (‪ ،)%47.9‬وأخريا أريد املشاركة يف املكافحة‬
‫(‪.)%49.3‬‬
‫‪410‬‬
‫وينطبق على هذا السؤال وأسئلة احلقوق عامةً أن النسب الكربى قد ترجع إىل‬
‫طبيعة املتابعني الذين يتابعون نشاطي ضد هذه القضية يف األعوام األخرية‪.‬‬
‫س‪ :20‬هل تتابع األخبار املتعلقة باملثلية؟‬
‫ج‪ :‬نعم ‪ -‬ال ‪ -‬متابعة عرضية غري دائمة‪.‬‬
‫وجاءت النسب كاآلتي‪ :‬نعم (‪ ،)%5‬وال (‪ )%37.7‬وأخريا متابعة عرضية (‪.)%56.5‬‬
‫س‪ :21‬هل تتابع صفحات أشخاص يتحدثون عن املثلية سلبا أو إجيابا على مواقع‬
‫التواصل؟‬
‫ج‪ :‬نعم ‪ -‬ال ‪ -‬ال أهتم‪.‬‬
‫وجاءت النسب كاآلتي‪ :‬نعم (‪ ،)%31.8‬وال (‪ ،)%48.3‬وال أهتم (‪.)%19.9‬‬
‫س‪ :22‬هل تغريت آراؤك يف السنوات األخرية فيما يتعلق بتلك القضية؟ (متاح اختيار‬
‫عدة إجابات)‪.‬‬
‫ج‪ :‬نعم‪ ،‬كنت أظنها قضية تافهة فوجدتها خطرية ‪ -‬ال‪ ،‬كنت أعرف أنها قضية‬
‫خطرية من قبل ‪ -‬تغري إجيابا مع املثليني بعدما كنت ضدهم ‪ -‬تغري سلبا ضد املثليني‬
‫بعدما كنت حمايدا أو مساندا هلم‪.‬‬
‫وجاءت النسب كاآلتي‪:‬‬
‫‪411‬‬
‫نعم‪ ،‬وكنت أظنها تافهة (‪ ،)%44.5‬وال‪ ،‬كنت أعرف (‪ ،)%52.1‬وتغريت إجيابا‬
‫(‪ ،)%3.2‬وتغريت سلبا (‪.)%2.4‬‬
‫س‪ :23‬هل شاهدت فيلما أو مسلسال أو حمتوىً إعالمي متعلق باملثلية وتفاعلت معه‬
‫إجيابيا؟ (مع إمكانية إضافة إجابة خمتلفة)‪.‬‬
‫ج‪ ،‬مع النسب النهائية‪:‬‬
‫شاهدت وتفاعلت باإلجياب وغريت رأيي يف املثلية = (‪.)%1.4‬‬
‫شاهدت وتفاعلت باإلجياب رغم كرهي للمثلية = (‪.)%3.9‬‬
‫شاهدت وتفاعلت سلبا= (‪.)%27.2‬‬
‫ال‪ ،‬ال أتابع احملتوى املثلي= (‪.)%56.1‬‬
‫شاهدت وظلت مشاعري حيادية معهم ال بالسلب وال باإلجياب= (‪.)%7‬‬
‫أخرى ‪ ،)%4.4( =Other‬أكثرها يدور حول الشعور بالصدمة أو املفاجئة أو‬
‫االمشئزاز من احملتوى اللوطي‪.‬‬
‫‪412‬‬
‫س‪ :24‬هل هناك فيلم أو مسلسل معني شكل الكثري من تصوراتك عن املثلية؟ اذكر‬
‫امسه‪( .‬إجابة مفتوحة)‪.‬‬
‫وكانت أكثر األفالم أو املسلسالت تكرارا يف اإلجابات هي‪:‬‬
‫‪ -1‬مسلسل ‪.Grey's Anatomy‬‬
‫‪ -2‬مسلسل صراع العروش ‪.Game of Thrones‬‬
‫‪ -3‬فيلم أسرار عائلية‪.‬‬
‫‪ -4‬فيلم عمارة يعقوبيان‪.‬‬
‫‪ -5‬مسلسل ‪.Modern Family‬‬
‫‪..‬‬
‫بذا ينتهي االستبيان‪ ،‬مع التنبيه أني مل ألزم نفسي باستخدام كافة مؤشراته‬
‫وإجاباته يف البحوث‪ ،‬فما لزم استخدامه وظفته وعلى صورة االستئناس أو حترير‬
‫إجابة حمرية؛ وما مل يلزم استغنيت عن وضعه يف املنت مطمئنا أن املهتم به سيقرؤه‬
‫يف امللحق‪.‬‬
‫وأرجو أن أكون قد وُفِّقت فيه‪.‬‬
‫‪413‬‬
‫املصادر‬
‫ صفحة‬.1993 ،‫ دار القارئ العربي‬: ‫ القاهرة‬.‫ نظريات التنمية السياسية المعاصرة‬.‫ نصر محمد عارف‬.1
.162
2. Sekulic, Dusko. Social Change. [ed.] George Ritzer. The Blackwell
Encyclopedia of Sociology. s.l. : Blackwell Publishing, 2007, pp. 4368-4372.
3. Durkheim's Evolutionary Conception of Social Change. Hinkle, Roscoe C.
3, s.l. : http://www.jstor.org/stable/4105955, 1976, The Sociological Quarterly,
Vol. 17, pp. 336-346.
4. Herbert Spencer's Four Theories of Social Evolution. Perrin, Robert G. 6,
1976, American Journal of Sociology , Vol. 81, pp. 1339-1359.
5. Bruce, Steve and Yearley, Steven . The SAGE Dictionary of Sociology.
s.l. : SAGE Publications, 2006. p. 149.
6. Liberal Feminism and Academic Feminism. Almeder, Robert. 4, s.l. :
JSTOR, 1994, Public Affairs Quarterly, Vol. 8, pp. 299-315.
7. Abercrombie, Nicholas , Hill, Stephen and Turner, Bryan Stanley . The
Penguin Dictionary of Sociology. Fifth. s.l. : Penguin Books, 2006. pp.
194,195.
: ‫ القاهرة‬.‫ [المترجمون] هناء الجوهري‬.‫ النظرية والمنهج‬:‫ علم االجتماع‬.‫ ميل تشيرتون و آن براون‬.8
.2012 ،‫المركز القومي للترجمة‬
9. What is gender? Feminist theory and the sociology of human reproduction.
Annandale, Ellen and Clark, Judith . 1, 1996, Sociology of Health & Illne,
Vol. 18, pp. 17-44.
،‫ دار الحوار‬: ‫ الالذقية‬.‫ [المترجمون] بو علي ياسين‬.‫ أصل الفروق بين الجنسين‬.‫ أورزوال شوي‬.10
.1995
11. Seabright, Paul. The war of the sexes: How Conflict and Cooperation
Have Shaped Men and Women from Prehistory to the Present. s.l. : Princeton
University Press, 2012. p. 20.
414
12. Cultural transmission and the evolution of gender roles. Hiller, Victor and
Baudin, Thomas . 2016, Mathematical Social Sciences.
13. Fricker, Miranda and Hornsby, Jennifer . The Cambridge Companion to
Feminism in Philosophy. s.l. : Cambridge University Press, 2000.
14. Press, The Associated. Trans athletes make great gains, yet resentment
still flares. [Online] 25 February 2019. [Cited: 14 March 2019.]
https://www.nbcnews.com/feature/nbc-out/trans-athletes-make-greatgains-yet-resentment-still-flares-
n975646?cid=sm_npd_nn_fb_ma&fbclid=IwAR3jZJ_r9FwFYFR2reN8Pxmisyw
BYWbXy6UvlNxxLMECfuFwP6BgLMYriDw.
15. Press, Australian Associated. Hannah Mouncey hits out at AFL as she
withdraws from AFLW draft. [Online] 10 Septembre 2018. [Cited: 14 March
2019.]
https://www.theguardian.com/sport/2018/sep/10/hannah-mouncey-
hits-out-at-afl-as-she-withdraws-from-aflw-draft.
16. WQAD DIGITAL TEAM. Male rapper identifying as female, declares he
broke female deadlift record. [Online] March 11, 2019. [Cited: September 28,
2019.]
https://wqad.com/2019/03/11/male-rapper-identifying-as-female-
informally-breaks-female-dead-lift-record-to-prove-a-point/.
17. Turner, Bryan Stanley. The Cambridge Dictionary of Sociology. [ed.]
Bryan Stanley Turner. s.l. : Cambridge University Press, 2006. pp. 282,283.
‫ مكان غير‬.‫ األولى‬.‫ [المترجمون] محمد صفار‬.‫ مدخل إلى األيدولوجيات السياسية‬.‫ أندرو هيود‬.18
.48-45 ‫ الصفحات‬.2012 ،‫ المركز القومي للترجمة‬: ‫معروف‬
.1968 ،‫ دار الكتاب العربي للطباعة والنشر‬: ‫ القاهرة‬. ‫ أصول علم النفس‬.‫ أحمد عزت راجح‬.19
20. Tyldum, Morten. The Imitation Game. Black Bear Pictures, FilmNation
Entertainment, Bristol Automotive and Others., 2014.
21. Salerno, Roger A. Beyond the Enlightenment: Live and thoughts of social
theorists. s.l. : Praeger Publishers, 2004. pp. 114-115.
415
22. Ritzer, George. The Blackwell Encyclopedia of Sociology. s.l. : Blackwell
Publishing , 2007. p. 875.
23. Malti-Douglas, Fedwa. Encyclopedia of Sex and Gender. s.l. : Thomoson
Gale, 2007. pp. 250-251.
24. Dearden, Lizzie. German ethics council calls for incest between siblings
to be legalised by Government. [Online] 9 24, 2014. [Cited: 11 3, 2018.]
https://www.independent.co.uk/news/world/europe/german-ethics-councilcalls-for-incest-between-siblings-to-be-legalised-by-government9753506.html.
25. Making Love Not War: The Wild Sexual World of Bonobos. Seeker,
2018.
26. Gruber, Thibaud and Clay, Zanna. A Comparison Between Bonobos
and Chimpanzees: A Review and Update. Evolutionary Anthropolgy.
2016, Vol. 25, 5, pp. 239-252.
27. de Waal, Frans B. M. Bonobos Use Sex to Cool Tempers. [Online]
2016. https://www.scientificamerican.com/article/bonobos-use-sex-tocool-tempers/.
28. Rethinking Reification: Marcuse, Psychoanalysis, and Gay Liberation.
Floyd, Kevin. s.l. : Duke University Press, 2001, Social Text, Vol. 19, pp.
103-128 .
: ‫ مكان غير معروف‬.‫ [المترجمون] محمد هشام‬.‫ إرادة العرفان‬:‫ تاريخ الجنسانية‬.‫ ميشال فوكو‬.29
.2013 ،‫أفريقيا الشرق‬
30. Ree, Jonathan and Urmson, J. O. The concise Encyclopedia of
western philosophy. 3rd. s.l. : Routledge, 2005. pp. 329-331.
31. Thiselton, Anthony C. Encycloedia of the Philosophy of religion. s.l. :
Oneworld, 2002. p. 288.
32. Macionis, John. Sociology. 12. s.l. : Prentice Mall, 2008. p. 512.
416
33. Callicott, J. Baird and Frodeman, Robert. Encyclopedia of
environmental ethics and Philosophy. s.l. : MACMILLAN, 2009. p. 427.
.‫ [المترجمون] قاسم عبده قاسم‬.‫ دراسة التاريخ في زماننا‬:‫ تناقضات المؤرخين‬.‫ بيتر تشارلز هوفر‬.34
.27 ‫ صفحة‬.2013 ،‫ المركز القومي للترجمة‬: ‫القاهرة‬
35. Salo, Jackie. Transracial’ man was born white, identifies as Filipino.
[Online]
13
11
2017.
[Cited:
10
11
2018.]
https://nypost.com/2017/11/13/transracial-man-was-born-whiteidentifies-as-filipino/.
36. Pasha-Robinson, Lucy. Rachel Dolezal: White woman who identifies
as black calls for ‘racial fluidity’ to be accepted. [Online] 27 3 2017.
[Cited:
10
11
2018.]
https://www.independent.co.uk/news/people/rachel-dolezal-whitewoman-black-racial-fluidity-accepted-transracial-naacpa7653131.html.
37. BBC.com. Dutchman, 69, brings lawsuit to lower his age 20 years.
[Online]
11
8,
2018.
[Cited:
11
https://www.bbc.com/news/world-europe-46133262.
10,
2018.]
38. Clary, Sasha. Facial Feminization Surgery: What You Should Know.
[Online]
19
February
2018.
[Cited:
5
July
2019.]
https://www.healthline.com/health/transgender/facial-feminizationsurgery.
39. Gralapp, Chris. The History of FTM Facial Masculinization Surgery.
Deschamps-Braly Clinic, s.l. : 2019.
40. Taylor, Chris. Transgender Surgery Can Cost More Than $100.000.
[Online]
29
10
2015.
[Cited:
10
11
http://time.com/money/4092680/transgender-surgery-costs/.
2018.]
41. Grinberg, Emanuella, Kantor, Alice and Walker, Christina. To be
herself, she needs to change her body. But first, comes the battle with
417
insurers.
[Online]
1
June
2018.
[Cited:
5
July
https://edition.cnn.com/2018/05/31/health/transgender-surgery-
2019.]
insurance/index.html.
42. Rinzler, Carol Ann. The Encyclopedia of Cosmetic and Plastic
Surgery. s.l. : Facts On File, 2009. p. 195.
43. Cheslock, Debbie and Edwards, Eric. Social Construction of Vaginal
Surgeries. UNIVERSITY OF WISCONSIN-SUPERIOR. [Online] [Cited: 5
July
2019.]
https://minds.wisconsin.edu/bitstream/handle/1793/70820/Debbie%20C
heslock%20final.pdf?sequence=4&isAllowed=y.
44. Tourjée, Diana. The Straight Men Who Have Sex with Trans Women.
[Online]
2
May
2019.
[Cited:
https://www.vice.com/en_in/article/kb4jw9/the-straight-men-whohave-sex-with-trans-women5 July 2019.]
45. Upbin, Bruce. Alexander The Great: Gay or Straight? [Online] 10
February
2011.
[Cited:
5
July
2019.]
https://www.forbes.com/sites/booked/2011/02/10/alexander-the-greatgay-or-straight/#502eee5c3447.
46. Fant, Maureen B. and Lefkowitz, Mary R. Women's Life in Greece and
Rome. s.l. : Bloomsbury Academic, 2016.
47. Tranquillus, Suetonius. The Lives of the Twelve Caesars . s.l. : Loeb
Classical Librar, 1913.
48. Hubbard, Thomas. Homosexuality in Greece and Rome. s.l. :
Uuniversity of California Press, 2003. p. 311.
49. Myers, David G. and Dewall, Nathan. Psychology. 11th. New York :
Worth Publishers, 2015. pp. 437, etc.
418
50. Homosexuality: A Mode of Adaptation in a prison for women. Ward,
David A. and Kassebaum, Gene G. 2, s.l. : University of California Press,
1964, Social Problems, Vol. 12, pp. 159-177.
51. Evans, Martin. Transgender prisoner born a male who sexually
assaulted female inmates after being jailed for rape is sentenced to life.
[Online]
11
October
2018.
[Cited:
26
August
2019.]
https://www.telegraph.co.uk/news/2018/10/11/transgender-prisonerborn-male-sexually-assaulted-female-inmates/.
: ‫ القاهرة‬.‫ [المترجمون] عبد الكريم محمد جبل‬.‫ مقدمة إلى المقدمات‬:‫ اللسانيات‬.‫ جين إتشسن‬.52
.257 ‫ صفحة‬.2016 ،‫المركز القومي للترجمة‬
،‫ المركز القومي للترجمة‬: ‫ القاهرة‬.‫ [المترجمون] محمد عناني‬.‫ اللغة والسلطة‬.‫ نورمان فيركلف‬.53
.2016
54. Cottier, Cody. From Mouth to Mind: How Language Governs Our
Perceptions of Gender. [Online] 1 June 2018. [Cited: 1 June 2019.]
http://blogs.discovermagazine.com/crux/2018/06/01/genderedlanguage-pronouns-perceptions/#.XPHCGtIzbIV.
55. Naming to empower: lesbianism in the Arab Islamicate world today.
Amer, Sahar. 2012, Lesbian studies, pp. 381-79.
.‫ [المحرر] منذر سليم محمود الدومي‬.‫ الزهد‬.‫ محمد بن إدريس بن المنذر بن الحنظلي الرازي‬.56
.71 ‫ صفحة‬.2000 ،‫ أطلس للنشر والتوزيع‬: ‫الرياض‬
،‫ دار الشروق‬: ‫ القاهرة‬.‫ [المترجمون] أحمد عبد العزيز سالمة‬.‫ علم نفس الشواذ‬.‫ شيلدون كاشدان‬.57
.14 ‫ صفحة‬.1984
58. Conte, Ron. Catholic teaching on homosexuality 3: Saint Thomas
Aquinas.
[Online]
2
April
2011.
[Cited:
7
July
2019.]
https://ronconte.com/2011/04/02/catholic-teaching-on-homosexuality3-saint-thomas-aquinas/.
419
‫‪.‬منظمة حقوق اإلنسان المصرية ترفض الدفاع عن المثليين جنسيا‬
‫]‪2019.‬‬
‫‪June‬‬
‫‪7‬‬
‫‪[Cited:‬‬
‫‪2002.‬‬
‫‪February‬‬
‫‪59. editors, BBC.‬‬
‫‪11‬‬
‫]‪[Online‬‬
‫‪http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news/newsid_1814000/1814501.stm.‬‬
‫‪. [Online] 9 May‬المثليون قد "يتزوجون" قريبا في سويس ار ‪60. editors, Swissinfo.‬‬
‫]‪2019.‬‬
‫‪June‬‬
‫‪[Cited:‬‬
‫‪7‬‬
‫‪2005.‬‬
‫‪https://www.swissinfo.ch/ara/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AB%D9‬‬
‫‪%84%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%82%D8%AF--‬‬
‫‪%D9%8A%D8%AA%D8%B2%D9%88%D8%AC%D9%88%D9%86-‬‬‫‪%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%A8%D8%A7-%D9%81%D9%8A‬‬‫‪%D8%B3%D9%88%D9%8A%D8%B3%D8%B1%D8%A7/4498754.‬‬
‫‪ .61‬عبد هللا زقوت‪ .‬العالقات الجنسية المثلية في فلسطين‪[ .‬متصل] ‪ 29‬مايو‪[ .2005 ,‬تاريخ‬
‫االقتباس‪:‬‬
‫يونيو‪,‬‬
‫‪7‬‬
‫‪.https://elaph.com/Web/Reports/2005/5/65629.html‬‬
‫‪].2019‬‬
‫‪ .62‬محمد عبد العليم‪ .‬أسباب الوقوع في الشذوذ الجنسي‪[ .‬متصل] ‪ 1‬نوفمبر‪[ .2005 ,‬تاريخ‬
‫االقتباس‪:‬‬
‫يونيو‪,‬‬
‫‪7‬‬
‫‪].2019‬‬
‫‪id=24398&https://www.islamweb.net/ar/consult/index.php?page=Details‬‬
‫‪.0‬‬
‫‪ .63‬بشرى ناصر‪ .‬المثلية أو الشذوذ الجنسي‪[ .‬متصل] ‪ 22‬سبتمبر‪[ .2005 ,‬تاريخ االقتباس‪7 :‬‬
‫يونيو‪.r=0&http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=46077 ].2019 ,‬‬
‫‪ .64‬كلود ليفي شتراوس‪ .‬العرق والتاريخ‪[ .‬المترجمون] سليم حداد‪ .‬مكان غير معروف ‪ :‬المؤسسة‬
‫الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪.2008 ،‬‬
‫‪ .65‬صابر عزت‪ ،‬محمد الشرقاوي‪ .‬مملكة الشواذ فى مصر‪ ..‬ما هى كانت ناقصاهم! [متصل] ‪,10 3‬‬
‫‪[ .2017‬تاريخ االقتباس‪.http://bit.ly/2HWXeaZ ].2019 ,5 25 :‬‬
‫‪ .66‬مهى إغبارية‪[ .mahaighbaria .‬متصل] ‪[ .2012 ,11 10‬تاريخ االقتباس‪,5 25 :‬‬
‫‪.http://bit.ly/2YKmdVv ].2019‬‬
‫‪67. Anonymous. blackgayarab - Gay And Proud. [Online] 22 6 2012.‬‬
‫‪[Cited: 25 5 2019.] http://black-gay-arab.blogspot.com/.‬‬
‫‪420‬‬
68. Olsen, Martine Berg. ‘Mum and dad’ to become ‘parent 1 and 2’
under new law in France. [Online] 18 2 2019. [Cited: 25 5 2019.]
https://metro.co.uk/2019/02/18/mum-dad-become-parent-1-2-newlaw-france-8652239/.
69. Vaughn, Natasha. 'Fireman’ or ‘policeman’: New York may soon go
to gender-neutral names. [Online] 4 May 2018. [Cited: 31 May 2019.]
https://www.democratandchronicle.com/story/news/politics/albany/2018
/05/04/fireman-policeman-new-york-may-soon-go-gender-neutralnames/580853002/.
70. BBc.com. Canada: Schools axe 'he' and 'she' in favour of 'xe'. [Online]
18 6 2014. [Cited: 25 5 2019.] https://www.bbc.com/news/blogs-newsfrom-elsewhere-27904621.
71. Chak, Avinash. Beyond 'he' and 'she': The rise of non-binary
pronouns.
[Online]
7
December 2015.
[Cited:
https://www.bbc.com/news/magazine-34901704.
1
June
2019.]
72. Durden, Tyler. 60 Different Genders? Leftist LGBTTQQ-Proposal
Ridiculed By AfD Politician In German Parliament. [Online] 13 July 2017.
[Cited: 1 June 2019.] https://www.zerohedge.com/news/2016-0713/60-different-genders-leftist-lgbttqq-proposal-ridiculed-afdpolitician-german-parlia.
,‫ يونيو‬1 :‫ [تاريخ االقتباس‬.2006 ,‫ نوفمبر‬17 ]‫ [متصل‬.‫ سقوط نوال السعداوي‬.‫ فوزية الخليوي‬.73
].2019
https://ar.islamway.net/article/2025/%D8%B3%D9%82%D9%88%D8%B7
-%D9%86%D9%88%D8%A7%D9%84-
%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D8%AF%D8%A7%D9%88%D9%8
.A
74. Dias, Elizabeth. For Rashida Tlaib, Palestinian Heritage Infuses a
Detroit Sense of Community. [Online] 14 Agust 2018. [Cited: 1 June
421
‫‪https://www.nytimes.com/2018/08/14/us/politics/rashida-tlaib-‬‬
‫]‪2019.‬‬
‫‪muslim-congress.html.‬‬
‫‪ .75‬كاتي رومي‪ .‬سويس ار تسن قانونا يعزز حماية المثليين‪[ .‬متصل] ‪ 13‬ديسمبر‪[ .2018 ,‬تاريخ‬
‫االقتباس‪:‬‬
‫مايو‪,‬‬
‫‪2019‬‬
‫‪].1‬‬
‫‪https://www.swissinfo.ch/ara/politics/%D8%AA%D9%88%D8%B3%D8%‬‬
‫‪B9%D8%A9-%D9%85%D8%AC%D8%A7%D9%84‬‬‫‪%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-‬‬
‫‪%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%81%D8%AD%D8%A9-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%86%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A‬‬
‫‪.%9_%D8%B3%D9%88%D9%8A%D8%B3%D8%B1%D8%A7-%D8%AA‬‬
‫‪ .76‬محمد أمين ابن عابدين‪ .‬رد المحتار على الدر المختار‪ .‬بيروت ‪ :‬دار الفكر‪ .1992 ،‬الصفحات‬
‫‪ .27 ,19-18‬المجلد ‪ 4‬و ‪.5‬‬
‫‪ .77‬البهوتي الخلوتي‪ .‬حاشية الخلوتي على منتهى اإلرادات‪ .‬سوريا ‪ :‬دار النوادر‪ .2011 ،‬صفحة‬
‫‪ .227‬المجلد ‪.6‬‬
‫‪ .78‬محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس األئمة السرخسي‪ .‬المبسوط‪ .‬بيروت ‪ :‬دار المعرفة‪.1993 ،‬‬
‫الصفحات ‪ .79-77‬المجلد ‪.9‬‬
‫‪ .79‬ابن نجيم المصري‪ .‬البحر الرائق شرح كنز الدقائق‪ .‬مكان غير معروف ‪ :‬دار الكتاب اإلسالمي‪،‬‬
‫‪ 970‬هجري‪ .‬صفحة ‪ .18‬المجلد ‪.5‬‬
‫‪ .80‬صدر الدين بن أبي العز الحنفي‪ .‬التنبيه على مشكالت الهداية‪[ .‬المحرر] عبد الحكيم محمد‬
‫شاكر‪ ،‬أنور صالح أبو زيد‪ .‬السعودية ‪ :‬مكتبة الرشد ناشرون‪ .2003 ،‬صفحة ‪ .157‬المجلد ‪.4‬‬
‫الرعيني‪ .‬مواهب الجليل شرح مختصر خليل‪ .‬مكان غير معروف ‪ :‬دار الفكر‪.1992 ،‬‬
‫‪ .81‬الحطاب ُّ‬
‫صفحة ‪ .296‬المجلد ‪.6‬‬
‫‪ .82‬عبد الباقي الزرقاني‪ .‬شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني‪[ .‬المحرر] عبد السالم‬
‫محمد أمين‪ .‬بيروت ‪ :‬دار الكتب العلمية‪ .2002 ،‬الصفحات ‪ .140-133‬المجلد ‪.8‬‬
‫‪ .83‬محمد بن عرفة الدسوقي‪ .‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير‪ .‬مكان غير معروف ‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫الصفحات ‪ .316 - 314‬المجلد ‪.4‬‬
‫‪422‬‬
‫‪ .84‬بن عرفة محمد‪ .‬المختصر الفقهي‪[ .‬المحرر] حافظ عبد الرحمن محمد خير‪ .‬مكان غير معروف ‪:‬‬
‫مؤسسة خلف أحمد الخبتور لألعمال الخيرية‪ .2014 ،‬صفحة ‪ .193‬المجلد ‪.10‬‬
‫‪ .85‬منهاج الطالبين‪ .‬أبو زكريا محيي الدين النووي‪[ .‬المحرر] عوض قاسم أحمد عوض‪ .‬مكان غير‬
‫معروف ‪ :‬دار الفكر‪ .2005 ،‬صفحة ‪.296‬‬
‫‪ .86‬شمس الدين محمد بن محمد الخطيب الشربيني‪ .‬مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج‪.‬‬
‫دمشق ‪ :‬دار الفيحاء‪.2009 ،‬‬
‫‪ .87‬عبد اللطيف السبكي الحجاوي‪ .‬اإلقناع‪[ .‬المحرر] موسى بن أحمد‪ .‬بيروت ‪ :‬دار المعرفة‪ .‬صفحة‬
‫‪ .253‬المجلد ‪.4‬‬
‫‪ .88‬منصور بن يونس بن صالح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى‪ .‬كشاف القناع عن متن اإلقناع‪.‬‬
‫بيروت ‪ :‬عالم الكتب‪.1983 ،‬‬
‫‪ .89‬عالء الدين المرداوي‪ .‬اإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف‪ .‬مكان غير معروف ‪ :‬دار إحياء‬
‫التراث العربي‪ .‬الصفحات ‪ .273 - 271‬المجلد ‪.26‬‬
‫‪ .90‬أبو عبد هللا محمد عليش المالكي‪ .‬منح الجليل شرح مختصر خليل‪ .‬بيروت ‪ :‬دار الفكر‪.1989 ،‬‬
‫صفحة ‪ .702‬المجلد ‪.9‬‬
‫‪ .91‬أبو الحسن الماوردي‪ .‬الحاوي الكبير‪[ .‬المحرر] علي محمد معوض و عادل أحمد عبد الموجود‪.‬‬
‫لبنان ‪ :‬دار الكتب العلمية‪ .1999 ،‬صفحة ‪ .412‬المجلد ‪.11‬‬
‫‪ .92‬جالل الدين السيوطي‪ .‬األشباه والنظائر‪ .‬مكان غير معروف ‪ :‬دار الكتب العلمية‪.1990 ،‬‬
‫‪ .93‬مجد الدين أبو الفضل‪ .‬االختيار لتعليل المختار‪ .‬القاهرة ‪ :‬مطبعة الحلبي‪.1937 ،‬‬
‫‪ .94‬مصطفى ِّ‬
‫الخن‪ ،‬مصطفى البغا‪ ،‬علي الشربجي‪ .‬الفقه المنهجي على مذهب اإلمام الشافعي‪.‬‬
‫دمشق ‪ :‬دار القلم‪ .1992 ،‬صفحة ‪ .104‬المجلد ‪.3‬‬
‫‪95. Power, Tynan. As a trans Muslim, I used to feel vulnerable all the‬‬
‫]‪2019.‬‬
‫‪May‬‬
‫‪7‬‬
‫‪[Cited:‬‬
‫‪2016.‬‬
‫‪june‬‬
‫‪17‬‬
‫]‪[Online‬‬
‫‪time.‬‬
‫‪https://www.washingtonpost.com/posteverything/wp/2016/06/17/as-a‬‬‫‪trans-muslim-i-used-to-feel-vulnerable-all-the‬‬‫‪time/?utm_term=.668e369c9148.‬‬
‫‪96. Lynn, Mahdia. So You Want to Convert to Islam: A practical primer‬‬
‫‪for those who are new to the faith. [Online] 1 March 2017. [Cited: 7 May‬‬
‫‪423‬‬
2019.] https://medium.com/@mahdialynn/so-you-want-to-convert-toislam-ee2d818ef386.
97. Gee, Tabi Jackson. Why female sex robots are more dangerous than
you
think.
[Online]
5
July
2017.
[Cited:
7
May
2019.]
https://www.telegraph.co.uk/women/life/female-robots-why-thisscarlett-johansson-bot-is-more-dangerous/.
98. Lockett, Jon. ROBOT PHWOARS World’s first brothel staffed entirely
by robot sex workers now looking for investors to go global. [Online] 30
July
2017.
[Cited:
7
MAy
2019.]
https://www.thesun.co.uk/news/4131258/worlds-first-brothel-staffedentirely-by-robot-sex-workers-now-looking-for-investors-to-goglobal/.
99. Turner, Bryan Stanley , [ed.]. The Cambridge Dictionary of Sociology.
s.l. : Cambridge University Press, 2006. p. 591.
100. Shen, Francis X. Sex robots are here, but laws aren’t keeping up
with the ethical and privacy issues they raise. [Online] 12 February 2019.
[Cited: 7 May 2019.] http://theconversation.com/sex-robots-are-herebut-laws-arent-keeping-up-with-the-ethical-and-privacy-issuesthey-raise-109852.
‫ [تاريخ‬.2005 ,9 26 ]‫ [متصل‬.‫ حكم من ينادي بالزنا والشذوذ الجنسي‬.‫ علي جمعة محمد‬.101
http://dar-
].10
,5
2019
:‫االقتباس‬
.MuftiType=0&LangID=1&alifta.org/ar/ViewFatwa.aspx?ID=13989
‫ نستقبل الحاالت‬:‫ رئيس لجنة الفتوى‬..‫ كيف يتعامل األزهر مع حاالت تغيير الجنس؟‬.‫ لؤي علي‬.102
‫ وعملنا على ثالث حاالت منذ‬..‫من نقابة األطباء ونبحثها فقهيا ثم تحول للجنة المختصة بالمجمع‬
7 :‫ [تاريخ االقتباس‬.2019 , ‫ مارس‬15 ]‫ [متصل‬.‫ ال يجوز إجراء هذه العمليات‬:‫ وعلى جمعة‬..‫عام‬
].2019
,‫يوليو‬
https://www.youm7.com/story/2019/3/15/%D9%83%D9%8A%D9%81%D9%8A%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%85%D9%84424
%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%87%D8%B1-
%D9%85%D8%B9-%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AA%D8%BA%D9%8A%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%B3.%D8%B1%D8%A6%D9%8A
:‫ [تاريخ االقتباس‬.2000 ,‫ إبريل‬26 ]‫ [متصل‬.‫ عملية تحويل الجنس من المحرمات‬.‫ إسالم ويب‬.103
].2019
,‫يوليو‬
7
https://www.islamweb.net/ar/fatwa/1771/%D8%B9%D9%85%D9%84%D
9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%8A%D9%84-
%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%B3-%D9%85%D9%86-
%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%B1%D9%85%D8%A7%D8%A
.A
104. SCIMEX.com. EXPERT REACTION: Genetic study finds possible
links to male sexual orientation. [Online] 8 December 2017. [Cited: 14
July
2019.]
https://www.scimex.org/newsfeed/while-theres-no-gay-
gene,-some-areas-of-your-play-a-role-in-sexual-development.
105. V, Jim and eHei. Dean Says Faith Swayed Decision on Gay Unions.
[Online]
8
January
2004.
[Cited:
26
June
2019.]
https://www.washingtonpost.com/archive/politics/2004/01/08/dean-
says-faith-swayed-decision-on-gay-unions/ed8c9465-2506-495a8b31-725afca8f09a/?noredirect=on&utm_term=.0273bf2caec2.
106. Boysen, G.A. and Vogel, D.L. Biased Assimilation and Attitude
Polarization in Response to Learning About Biological Explanations of
Homosexuality. Sex Roles. 2007, Vol. 57, 9-10, pp. 755-62.
107. Whitehead, Neil and Whitehead, Briar. My Genes Made Me Do It!:
Homosexuality and the Scientific Evidence. s.l. : Whitehead Associates,
2018. ISBN 978-0-473-17486-6.
425
108. O'Riordan, Kate. The life of the gay gene: from hypothetical genetic
marker to social reality. Journal of Sex Reserarch. 2012, Vol. 49, 4, pp.
362-368.
109. Hamer, Dean H., et al. A Linkage Between DNA Markers on the X
Chromosome and Male Sexual Orientation. Science. 1993, Vol. 261,
5119, pp. 321-7.
110. Rice, George, et al. Male homsexuality: Absence of linkage to
microsatellite markers at Xq28. Science. 1999, Vol. 284, 5414.
111. Bailey, JM, et al. A Family history study of male sexual orientation
using three independent samples. Behavior Genetics. 1999, Vol. 29, 2,
pp. 79-86.
112. M Lee, Philip. Review of Xq28 and the Effect on Homosexuality.
Revue interdisciplinaire des sciences de la santé - Interdisciplinary
Journal of Health Sciences. 2010, Vol. 1, 1.
113. Truth Wins Out. Dean Hamer Talks About Gay Gene Study and
Research on Sexual Orientation. s.l. : Youtube.com, 29 Octobre 2013.
114. Truth Wins Out. Dr. Alan Sanders -- Clinical Associate Professor
of Psychiatry, Northwestern. s.l. : Youtube.com, 29 Octobre 2013.
115. LeVay, Simon. A Difference in Hypothalamic Structure between
Heterosexual and Homosexual Men. Science. 1991, Vol. 253, 5023, pp.
1034-1037.
116. Zone of Brain Linked to Men's Sexual Orientation. Angier, Natalie.
s.l. : New York Times, 1991.
117. Harrub, Brad, Thompson, Bert and Miller, Dave. “This Is The Way
God Made Me” A Scientific Examination of Homosexuality. s.l. :
Apologetics Press, 2003.
426
118. Rogers, Kara. The Brain and the nervous system. New York :
Britannica Educational Publishing, 2011. pp. 158-162.
119. King, M. and McDonald, E. Homosexuals who are twins. A study of
46 probands. The British Journal of Psychiatry. 1992, Vol. 160, 3.
120. Bailey, J. Michael and Pillard, Richard C. A Genetic Study of Male
Sexual Orientation. Archives of General Psychiatry. 1991, Vol. 48, 12.
121. Bailey, J. M., et al. Sexual Orientation, Controversy, and Science.
Psychological Science in the Public Interest. 2016, Vol. 17, 2.
122. Carey, Benedict. Criticism of Gender Theory, a Scientist Under
Siege. NYTIMES.com. [Online] 22 August 2007. [Cited: 8 August 2019.]
https://www.nytimes.com/2007/08/22/health/22iht21gender.7211615.html.
123. Sudo, Chuck. Fuck Saw Fallout:" NU Launches Investigation into Sex
Toy Demo. [Online] 3 March 2011. [Cited: 8 August 2019.]
https://chicagoist.com/2011/03/03/fuck_saw_fallout_nu_launches_inves
t.php.
124. Burr, Chandler. Homosexuality and Biology. [Online] March 1993.
[Cited:
8
August
2019.]
https://www.theatlantic.com/magazine/archive/1993/03/homosexualityand-biology/304683/.
125. Allis, C. David, et al. Epigenetics. s.l. : COLD SPRING HARBOR
LABORATORY PRESS, 2007.
126. Balter, Michael. Can epigenetics explain homosexuality puzzle?
Science. 2015, Vol. 350, 6257.
127. Ngun, Tuck C. and Vilain, Eric. The Biological Basis of Human
Sexual Orientation: Is There a Role for Epigenetics? Advances in
Genetics. 2014, Vol. 86.
427
128. Osterweil, Neil. New Clues That Sexual Orientation Could Be
Epigenetic. Medscape.com. [Online] 14 Octobre 2015. [Cited: 9 August
2019.] https://www.medscape.com/viewarticle/852639#vp_1.
129. Notterman, Daniel A and Mitchell, Colter. Epigenetics and
Understanding the Impact of Social Determinants of Health. Pediatric
clinics of North America. 2015, Vol. 62, 5.
130. Lee, J, et al. An Epigenetics-Based, Lifestyle Medicine–Driven
Approach to Stress Management for Primary Patient Care: Implications
for Medical Education. American Journal of Lifestyle Medicine. 2019.
131. Cunliffe, Vincent T. The epigenetic impacts of social stress: how
does social adversity become biologically embedded? Epigenomics.
2016, Vol. 8, 12.
‫ [المترجمون] هاني خميس أحمد‬.‫ مقدمة في النظرية والبحث‬:‫ علم اجتماع النوع‬.‫ إيمي وارتون‬.132
.220-214 ‫ الصفحات‬.2014 ،‫ المركز القومي للترجمة‬: ‫ القاهرة‬.‫ األولى‬.‫عبده‬
133. Levinson-King, Robin. Children's toys: The backlash against pink
and blue branding. [Online] 19 Decembre 2018. [Cited: 9 August 2019.]
https://www.bbc.com/news/world-us-canada-46613032.
134. Engle, Michael J., et al. The attitudes of American sociologists
toward causal theories of male homosexuality. The American Sociologist.
2006, Vol. 37, 1.
135. Risman, Barbara and Schwartz, Pepper. Sociological Research on
Male and Female Homosexuality. Annual Review of Sociology. 1988, Vol.
14, pp. 125-147.
136. Biever, Joan L., et al. The social construction of gender: A
comparison of feminist and postmodern approaches. Counselling
Psychology Quarterly. 1998, Vol. 11, 2.
137. Minton, Henry L. Queer Theory: Historical Roots and Implications
for Psychology. Theory & Psychology. 1997, Vol. 7, 3, pp. 337-353.
428
.2018 ،‫ مركز دالئل‬: ‫ الرياض‬.‫ طغيان العلم‬.‫ بول فيرأبند‬.138
139. Watson, Katherine. Queer Theory. ” Group Analysis. 2005, Vol. 38,
1, pp. 67-81.
140. Slagle, R. Anthony. In defense of queer nation: From identity politics
to a politics of difference. Western Journal of Communication. 1995, Vol.
59, 2, pp. 85-102.
141. Siker, Jeffrey S. Homosexuality and Religion: An Encyclopedia.
London : GREENWOOD PRESS, 2007.
142. The ”Third Sex” Theory of Karl Heinrich Ulrichs. Kennedy, Hubert.
1-2, January 1981, Journal of Homosexuality, Vol. 6, pp. 103-111.
143. Policing Epistemic Deviance: Albert von Schrenck-Notzing and
Albert Moll. Sommer, Andreas. 2, 2012, Medical history , Vol. 56, pp.
255-76.
144. Blakemore, Erin. Gay Conversion Therapy's Disturbing 19thCentury Origins. History.com. [Online] 22 June 2018. [Cited: 11 July
2019.] https://www.history.com/news/gay-conversion-therapy-origins19th-century.
145.
Perry,
Kristin.
BRIEF
OF
AMICUS
CURIAE,
NATIONAL
ASSOCIATION FOR RESEARCH & THERAPY OF HOMOSEXUALITY
(NARTH),
IN
SUPPORT
OF
THE
INTERVENING
APPELLANTS. s.l. : Counsel Press, 2010.
DEFENDANTS-
146. Taking Prisoners: Havelock Ellis, Sigmund Freud, and the
Construction of Homosexuality, 1897-1951. Crozier, Ivan D. 3, 2000,
Social History of Medicine, Vol. 13.
147. Hoffman, Louise E. Reviewed Work: The Complete Letters of
Sigmund Freud to Wilhelm Fliess, 1887-1904 by Sigmund Freud, Jeffrey
Moussaieff Masson. Isis. 1989, Vol. 80, 3, pp. 561-562.
429
148. Simkin, John. Wilhelm Fliess. Spartacus-Educational.com. [Online]
Septembre
1997.
[Cited:
12
educational.com/Wilhelm_Fliess.htm.
July
2019.]
https://spartacus-
149. The Freudian construction of sexuality: the gay foundations of
heterosexuality and straight homophobia. de Kuper, E. 3-4, 1993, Jornal
of Homosexuality, Vol. 24, pp. 137-144.
150. Infantile bisexuality and the ‘complete oedipal complex’: Freudian
views on heterosexuality and homosexuality. Heenen-Wolff, Susann . 5,
2011, The International Journal of Psychoanalysis, Vol. 92.
151.
Bergeret,
‘NARCISSISTIC
Jean.
HOMOSEXUALITY
EROTICISM’.
Psychoanalysis. 2002, Vol. 83, 2.
The
OR
HOMOEROTICISM?:
International
Journal
of
152. American Psychological Association. Task Force on Appropriate
Therapeutic Responses to Sexual Orientation. USA : APA, 2009.
153. Drucker, Donna J. Male Sexuality and Alfred Kinsey's 0-6 Scale:
toward a sound understanding of the realities of sex. Journal of
Homosexuality. 2010, Vol. 57, 9, pp. 1105-1123.
154. LaTorre, Ronald A. and Piper, William E. The Terman-Miles M - F
Test: An Examination of Exercises 1, 2, and 3 Forty Years Later. Sex
Roles. 1979, Vol. 4, 1.
155. Allyn, David. Private Acts/Public Policy: Alfred Kinsey, the American
Law Institute and the Privatization of American Sexual Morality. Journal
of American Studies. 1996, Vol. 30, 3, pp. 405-428.
156. Kinseyinstitute.com. The Kinsey Scale. [Online] [Cited: 19 July
2019.]
scale.php.
https://kinseyinstitute.org/research/publications/kinsey-
430
157. Morantz, Regina Markell. The scientist as sex crusader: Alfred C.
Kinsey and American culture. American Quarterly. 1977, Vol. 29, 5, pp.
563-589.
158. Bullough, Vern L. Alfred Kinsey and the Kinsey report: Historical
overview and lasting contribution. The Journal of Sex Research. 1998,
Vol. 35, 2, pp. 127-131.
159. Drucker, Donna j. 'A most interesting chapter in the history of
science': intellectual responses to Alfred Kinsey's Sexual Behavior in the
Human Male. History of the Human Sciences. 2012, Vol. 25, 1, pp. 7598.
160. Bullough, Vern L. Sex Will Never Be the Same: The Contributions of
Alfred C. Kinsey. Archives of Sexual Behavior. 2004, Vol. 33, 3.
161. Kameny, Franklin. How It All Started. Journal of Gay & Lesbian
Mental Health. 2009, Vol. 13, 2, pp. 76-81.
162. Iovannone, Jeffry J. Frank Kameny: Father of the Gay Rights
Movement. [Online] 1 January 2018. [Cited: 3 August 2019.]
https://medium.com/queer-history-for-the-people/frank-kamenyfather-of-the-gay-rights-movement-891e0e993864.
.‫ [المترجمون] نخبة‬.‫ القاموس الموسوعي في العلوم النفسية والسلوكية‬.‫ جاري ر‬،‫ فاندنبوس‬.163
.1 ‫ المجلد‬.322 ‫ صفحة‬.2015 ،‫ المركز القومي للترجمة‬: ‫القاهرة‬
164. Stonewall riots. Britannica.com. [Online] 21 June 2019. [Cited: 3
August 2019.] https://www.britannica.com/event/Stonewall-riots.
165. Fried, Ronald K. How the Mafia Muscled in and Controlled the
Stonewall Inn. thedailybeast.com. [Online] 30 June 2019. [Cited: 3
August 2019.] https://www.thedailybeast.com/how-the-mafia-muscledin-and-controlled-the-stonewall-inn.
431
166. Mafia Hearings on capitol Hill. History.com. [Online] [Cited: 3 August
2019.] https://www.history.com/topics/crime/speeches-mafia-hearingson-capitol-hill-video.
167. Wallenfeldt, Jeff. Why Is Pride Month Celebrated in June? [Online]
7
June
2019.
[Cited:
3
August
2019.]
https://www.britannica.com/story/why-is-pride-month-celebrated-injune.
168. Yue, Frances. Corporate America gets on the Pride parade, and it's
appreciated, but also complicated. [Online] 28 June 2019. [Cited: 3
August
2019.]
https://www.usatoday.com/story/money/2019/06/28/pride-marketingbenefits-lgbtq-community-corporate-america/1511433001/.
169. American Psychiatric Association. Diagnostic and statistical manual
of mental mental disorders. 3rd. Washington : American Psychiatric
Association, 1980.
170. Haldeman, Douglas C. Sexual orientation conversion therapy for gay
men and lesbians: a scientific examination. Homosexuality: Research
implications for public policy. 1991, pp. 149-160.
171. American Psychiatric Association. Diagnostic and statistical manual
of mental disorders. 4th. Washington : American Psychiatric Association,
1994.
172. Nicolosi, Joseph, Byrd, A. Dean and Potts, Richard W. BELIEFS
AND
PRACTICES
OF
THERAPISTS
WHO
PRACTICE
SEXUAL
REORIENTATION PSYCHOTHERAPY. PsychologicalReports. 2000, 86.
173. Freeman, William and Meyer, Robert G. A behavioral alteration of
sexual preferences in the human male. Behavior Therapy. 1975, Vol. 6,
2, pp. 206-212.
432
174. Pattison, E.M. and Pattison, M.L. Ex-Gays": Religiously mediated
change in homosexuals. American Journal of Psychiatry. 1980, Vol. 137,
12, pp. 1553-1562.
175. Throckmorton, Warren. Who Invented the Therapy in Those Joseph
Nicolosi Books Banned by Amazon? [Online] 17 July 2019. [Cited: 5
August 2019.] https://www.wthrockmorton.com/tag/elizabeth-moberly/.
176. Nicolosi, Joseph. Reparative Therapy of Male Homosexuality. s.l. :
ROWMAN & LITTLEFIELD PUBLISHERS, INC. , 1991.
177. Nicolosi, Joseph and Byrd, A. Dean. A meta-analytic review of
treatment of homosexuality. Psychological Reports. 2002, Vol. 90, 3.
178. Myers, David G. Social Psychology. [ed.] 11. s.l. : Mc Graw Hill,
2013. p. 155.
179. Payne, Ed. Group apologizes to gay community, shuts down 'cure'
ministry.
[Online]
8
July
2013.
[Cited:
6
August
2019.]
August
2019.]
https://edition.cnn.com/2013/06/20/us/exodus-internationalshutdown/index.html.
180.
NCLRIGHTS.ORG.
[Online]
[Cited:
http://www.nclrights.org/our-work/bornperfect/.
6
181. Shear, Michael D. Obama Calls for End to ‘Conversion’ Therapies
for Gay and Transgender Youth. [Online] 15 April 2015. [Cited: 6 August
2019.] https://www.nytimes.com/2015/04/09/us/politics/obama-to-callfor-end-to-conversion-therapies-for-gay-and-transgenderyouth.html.
182. Aviles, Gwen. Amazon removes controversial books by 'father of
conversion therapy'. [Online] 3 July 2019. [Cited: 6 August 2019.]
https://www.nbcnews.com/feature/nbc-out/amazon-removescontroversial-books-father-conversion-therapy-n1026446.
433
183. AP. Rep. Omar: Gay Conversion Therapy Is ‘Torture’. [Online] 21
March
2019.
[Cited:
6
August
2019.]
https://minnesota.cbslocal.com/2019/03/21/rep-omar-gay-conversiontherapy-is-torture/.
184. Kováts, Eszter. Questioning Consensuses: Right-Wing Populism,
Anti-Populism, and the Threat of ‘Gender Ideology’. Sociological
Research Online. 2018, Vol. 23, 2, pp. 528-283.
185. Russell, Stephen T., et al. Chosen Name Use Is Linked to Reduced
Depressive Symptoms, Suicidal Ideation, and Suicidal Behavior Among
Transgender Youth. Journal of Adolescent Health. 2018, Vol. 63, pp.
503–505.
،‫ اسم غير معروف‬: ‫ القاهرة‬.‫ كشف الحقائق عن الجنسية المثلية‬:‫ شفاء الحب‬.‫ أوسم‬،‫ وصفي‬.186
.115-111 ‫ الصفحات‬.2007
187. Ford, Jeffry. Healing Homosexuals: A Psychologist's Journey
Through the Ex-Gay Movement and the Pseudo-Science of Reparative
Therapy. Journal of Gay and Lesbian Psychotherapy. , 2002, Vol. 5, 34.
188. Asencio, Marysol, et al. The prospect of prostate cancer: A
challenge for gay men’s sexualities as they age. Sexuality Research and
Social Policy. 2009, Vol. 6, 4.
189. Moskowitz, David A and Hart, Trevor A. The Influence of Physical
Body Traits and Masculinity on Anal Sex Roles in Gay and Bisexual Men.
Archive of Sexual Behavior. 2011, Vol. 40, 4.
190. American Psychiatric Association. Diagnostic and Statistical Manual
of Mental Disorders. s.l. : American Psychiatric Publishing, 2013.
191. Berryessa, Colleen M. Potential Implications of Research on Genetic
or Heritable Contributions to Pedophilia for the Objectives of Criminal
Law. Recent Advances in DNA & Gene Sequences. 2014, Vol. 8, 2.
434
192. Seto, Michael C. The Puzzle of Male Chronophilias. Archives of
Sexual Behavior. 2017, Vol. 46, 1.
193. —. Is Pedophilia a Sexual Orientation? Archives of Sexual Behavior.
2012, Vol. 41, 1.
194. Blackshield, A R. secularism and social control in the west: the
material and the ethereal. [ed.] G S Sharma. Secularism: its implication
in law and life in india 60. 1966, p. 14.
195. Cohen, Stanley. Visions of Social control. s.l. : Polity Press, 2007.
‫ مكان غير‬.‫ [المترجمون] أنسام محمد األسعد‬.‫ معجم مصطلحات علم االجتماع‬.‫ جيل فيريول‬.196
.150,157 ‫ الصفحات‬.2011 ،‫ دار ومكتبة الهالل‬: ‫معروف‬
‫ غير‬: ‫ مكان غير معروف‬.‫ محاضرات في علم االجتماع السياسي‬.‫ ممدوح محمود منصور‬.197
.2018 ،‫منشورة‬
198. Steimetz, Katy. See Obama's 20-Year Evolution on LGBT Rights.
[Online] 10 April 2015. http://time.com/3816952/obama-gay-lesbiantransgender-lgbt-rights/.
199. DiStaso, John. Sununu signs bills banning discrimination based on
gender
identity,
conversion
therapy.
[Online]
8
June
https://www.wmur.com/article/sununu-signs-bill-banning-
2018.
discrimination-based-on-gender-identity/21238908.
200. Deaton, Margaret Hoover and Tyler. Republicans are essential to
winning
full
LGBT
freedom.
[Online]
12
June
2018.
https://edition.cnn.com/2018/06/12/opinions/gop-essential-for-lgbtrights-hoover-deaton-opinion/index.html.
201. Mack, David. Trump Is The First Republican President To
Acknowledge LGBT Pride Month, And Yet.. [Online] 31 May 2019. [Cited:
16
August
2019.]
https://www.buzzfeednews.com/article/davidmack/trump-pride-monthtweet-anti-lgbt-record.
435
202. Duffy, Nick. LGBT+ Conservatives sorry for ‘calling anti-trans Tory
MP
a
c*nt’.
[Online]
30
Jan
2018.
https://www.pinknews.co.uk/2018/01/30/lgbt-conservatives-sorry-forcalling-anti-trans-tory-mp-a-cnt/.
203.
lgbt.libdems.org.
https://lgbt.libdems.org.uk/en/page/about.
[Online]
2018.
204. lgbtlabour.org. [Online] 2018. http://www.lgbtlabour.org.uk/.
205. Stadel, Florian. Outing perfekt inszeniert. [Online] 22 July 2004.
https://www.focus.de/politik/deutschland/westerwelle_aid_84757.html.
206. Bild.de. Guido Westerwelle heiratet Michael Mronz. [Online] 17 9
2010.
https://www.bild.de/politik/2010/heiratet-michael-mronz-
14003248.bild.html.
207. Ring, Trudy. The Legacy of the World's First Out Lesbian Prime
Minister.
[Online]
3
May
https://www.advocate.com/politics/politicians/2013/05/03/legacy-
2013.
worlds-first-out-lesbian-prime-minister.
208. Parker, Fiona. Husband of Luxembourg’s gay prime minister joins
Nato
leaders’
wives
in
photo.
[Online]
26
May
2017.
https://metro.co.uk/2017/05/26/husband-of-luxembourgs-gay-primeminister-joins-nato-leaders-wives-in-photo-6664770/.
209. France24. Far right threatens to hijack gay marriage protest. [Online]
2
November
2012.
[Cited:
16
August
2019.]
https://www.france24.com/en/20121102-french-national-front-wouldhijack-gay-marriage-protests-marine-le-pen-jean-francois-copeump.
210. Segalov, Michael. From Marine Le Pen to Theresa May, why do white
gay men continue to support right-wing candidates? [Online] 24 4 2017.
436
https://www.independent.co.uk/voices/theresa-may-marine-le-penhomophobia-gay-voters-islamophobia-tim-farron-a7699196.html.
211. Wildman, Sarah. Marine Le Pen wants to protect France’s LGBTQ
community — but opposes same-sex marriage. [Online] 5 May 2017.
https://www.vox.com/world/2017/5/5/15542242/marine-le-pen-frenchelections-gay-outreach.
212. osce.usmission.gov. Human Rights Abuses in Chechnya: 15 OSCE
Countries
Invoke
Vienna
Mechanism.
[Online]
30
8
2018.
https://osce.usmission.gov/human-rights-abuses-in-chechnya-15osce-countries-invoke-vienna-mechanism/.
213. Avery, Dan. [Online] 2017. http://www.newnownext.com/gauthierdestenay-xavier-bettel-luxembourg/05/2017/.
‫ رد فعل القادة العرب عندما أعلن زعيم أوروبي زواجه من‬.Mohamed Abd El Ghany .214
].October, 2019 7 :‫ [تاريخ االقتباس‬.March, 2019 2 ]‫ [متصل‬.‫رجل في قمة شرم الشيخ‬
https://arabic.sputniknews.com/arab_world/201903021039460075%D8%B1%D8%AF-%D9%81%D8%B9%D9%84-
%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%AF%D8%A9%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D8%A3%D8%B9%D9%84%D9%86-
%D8%B2%D8%B9%D9%8A%D9%85-
.%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%8A-%D8%B2%
,90 ,52 ‫ الصفحات‬.2017 .‫ الوجيز الميسر في القانون الدولي‬.‫ صالح عبد البديع شلبي‬.215
.228
http://arc- .2006 ]‫ [متصل‬.arc-international .KAOS GL Meeting .216
international.net/network-development/conference./presentations/presentation-un-mechanism
437
217. Joint Statement. Joint Statement. [Online] 2006. http://arcinternational.net/global-advocacy/sogi-statements/2006-jointstatement/.
http://arc-international.net/global- .2008 ]‫ [متصل‬.Joint Statement .218
./advocacy/sogi-statements/2008-joint-statement
.2012
]‫[متصل‬
.Reuters
.Robert
Evans
.219
https://af.reuters.com/article/topNews/idAFJOE82702T20120308?sp=tr
.ue
220. Rauch, Jonathan. Why Gay Rights May Be President Obama’s
Biggest Legacy. [Online] 11 May 2012. [Cited: 17 August 2019.]
https://www.brookings.edu/opinions/why-gay-rights-may-bepresident-obamas-biggest-legacy/.
221. Gash, Alison. How Trump Will Roll Back Obama’s Progress on Gay
Rights.
[Online]
31
January
2017.
[Cited:
17
August
2019.]
https://washingtonmonthly.com/2017/01/31/how-trump-will-roll-backobamas-progress-on-gay-rights/.
222. Evans, Robert. Islamic states, Africans walk out on UN gay panel.
[Online]
8
March
2012.
[Cited:
17
August
2019.]
https://af.reuters.com/article/topNews/idAFJOE82702T20120308?sp=tr
ue.
223. Associated Press. UN issues first resolution condemning
discrimination against gay people. [Online] 17 June 2011. [Cited: 17
August
2019.]
https://www.theguardian.com/world/2011/jun/17/un-
resolution-discrimination-gay-people.
224.
Morello,
Carol.
the
Washington
Post.
[Online]
2016.
https://www.washingtonpost.com/world/national-security/un-council-
creates-watchdog-for-lgbt-rights/2016/06/30/54976de6-3eee-11e6438
80bc-
d06711fd2125_story.html?noredirect=on&utm_term=.85af27bae13e.
225. Humanists International. IHEU criticises OIC countries and allies for
their position on LGBT rights. [Online] 30 June 2015. [Cited: 17 August
2019.]
https://humanists.international/2015/06/iheu-criticises-oic-
countries-and-allies-for-their-position-on-lgbt-rights/.
‫ إشكالية التدخل اإلنساني الدولي ومبدأ عدم التدخل في القانون‬.‫ فراس صابر عبد العزيز الدوري‬.226
.‫ رسالة ماجستير‬،17 ‫ صفحة‬.2017 ،‫ جامعة الشرق األوسط‬: ‫ عمان األردن‬.‫الدولي العام‬
227. Picq, Manuela Lavinas and Thiel, Markus. Sexualities in World
Politics: How LGBTQ claims shape the International Relations. s.l. :
Routledge, 2015.
228. Kaku, Sechiyama. Rainbow in the East: LGBT Rights in Japan.
[Online] 28 5 2015. https://www.nippon.com/en/currents/d00174/.
229. Shibun, Nagayasu. Sexual Minorities in Japan: The Myth of
Tolerance.
[Online]
21
https://www.nippon.com/en/currents/d00253/.
10
2016.
230. Jackman, Josh. Japanese city of two million becomes biggest to
recognise
same-sex
partnerships.
[Online]
1
June
2017.
https://www.pinknews.co.uk/2017/06/01/japanese-city-of-two-millionbecomes-biggest-to-recognise-same-sex-partnerships/.
231. Withnall, Adam. India's Supreme Court rules gay sex is no longer a
crime in historic Section 377 judgment. [Online] 6 9 2018.
https://www.independent.co.uk/news/world/asia/india-gay-sex-crimesupreme-court-section-377-decision-lgbt-rights-illegala8524971.html.
.2018 ,8 12 ]‫ [متصل‬."‫ انقسامات في تونس حول "اإلعدام واإلرث والمثلية‬.‫ بسام بونني‬.232
.http://www.bbc.com/arabic/middleeast-45161032
439
233.
Lifelongadoptions.com.
[Online]
https://www.lifelongadoptions.com/lgbt-adoption/lgbt-adoption-
2018.
statistics.
234. Mcdonald, Leah. Man, 30, who tore down and burned an LGBTQ
flag at an Iowa church is jailed for more than 15 years. [Online] December
19,
2019.
[Cited:
December
20,
2019.]
https://www.dailymail.co.uk/news/article-7810925/Man-tore-burnedLGBTQ-flag-flying-Iowa-church-jailed.html.
235. Bostock, Bill. A UK judge ruled that it is legal to fire workers for
saying that transgender women are not real women. [Online] December
19, 2019. [Cited: December 20, 2019.] https://www.insider.com/ukruling-legal-fire-employee-said-trans-women-not-real-women-201912?utm_content=bufferb947a&utm_medium=social&utm_source=facebo
ok.com&utm_campaign=buffer-
bi&fbclid=IwAR0lh2khzYHJIuPoqzIVEyA7JpIBb2s1AHlHmnGhwDSzlOEJt
CqPgWCWeCI.
236. Bowcott, Owen. Judge rules against researcher who lost job over
transgender tweets. [Online] December 18, 2019. [Cited: December 20,
2019.] https://www.theguardian.com/society/2019/dec/18/judge-rulesagainst-charity-worker-who-lost-job-over-transgender-
tweets?utm_term=Autofeed&CMP=fb_us&utm_medium=Social
&utm_source=Facebook&fbclid=IwAR35GY1X4KLv8Yubd22hz2Ka6
zjy5Oevb7u_oFVaWXnqtEth.
237. Innes, Martin. Understanding Social Control: Deviance, Crime and
Social order. s.l. : Open University Press, 2003. pp. 61, 58.
238. Rose, Nikolas. Governing the Soul: The Shaping of the Private Self.
Second. s.l. : FREE ASSOCIATION BOOKS., 1999. pp. 123-124, 205.
.2013 ،‫ دار السالم‬: ‫ القاهرة‬.‫ األصول االجتماعية للتربية‬.‫ سعيد إسماعيل علي‬.239
440
240. Bourdieu, Pierre and Passeron, Jean-Claude . Reproduction in
Education, Society and Culture. [trans.] Richard Nice. s.l. : Sage
Publications, 1990. pp. 7-10.
241. Stickings, Tim. Girls are banned from wearing skirts at 40
secondaries across England as schools opt for gender-neutral uniforms
to cater for transgender pupils. [Online] 1 7 2018. [Cited: 30 9 2018.]
https://www.dailymail.co.uk/news/article-5906031/Girls-banned-
wearing-skirts-40-schools-insist-gender-neutral-uniforms.html.
242. Hosie, Rachel. 40 SECONDARY SCHOOLS ACROSS ENGLAND
HAVE BANNED PUPILS FROM WEARING SKIRTS. [Online] 2 7 2018.
[Cited: 30 9 2018.] https://www.independent.co.uk/life-style/skirt-bansecondary-schools-uniform-england-gender-neutral-transgenderpupils-a8426411.html.
243. Chaplain, Chloe. Pakistan launches first school for transgender
people.
[Online]
24
4
2018.
[Cited:
30
9
https://www.standard.co.uk/news/world/pakistan-launches-first-
2018.]
school-for-transgender-people-a3821716.html.
244. Questioning Heteronormativity: Lesbian and gay challenges to
education practice in British Columbia, Canada. Smith, Miriam. 2004,
Journal of, pp. 131-145.
245. cdn-hr-reporter.ca. HOMOPHOBIC HARASSMENT BY STUDENT
BREACHES
CODE.
[Online]
2005.
https://www.cdn-hr-
reporter.ca/hr_topics/sexual-orientation/homophobic-harassmentstudent-breaches-code.
246. UNESCO. Out in the open: education sector responses to violence
based on sexual orientation or gender identity/expression. France :
UNESCO, 2016. pp. 73-75.
441
247. kayekory.com. Family Life Education Should Include Material about
LGBT
and
Questioning
Students
and
Families.
[Online]
2015.
http://www.kayekory.com/blog/family-life-education-should-includematerial-about-lgbt-and-questioning-students-and-families.
248. Lukitsch, Bill. Gay rights advocates want Illinois schools to be
required to teach LGBT history. [Online] 13 4 2018. [Cited: 30 9 2018.]
http://www.chicagotribune.com/news/local/politics/ct-met-illinoislegislature-lgbtq-20180412-story.html.
249. DeNisco, Alison. California schools adopt inclusive textbooks that
highlight
LGBT
figures
in
history.
[Online]
22
2
2018.
https://www.districtadministration.com/article/california-schools-adoptinclusive-textbooks-highlight-lgbt-figures-history.
250. AssociatedPress. NY Library Brings Drag Queens to Kids Story
Hour.
[Online]
16
https://www.youtube.com/watch?v=YOFkVZQ8etE.
May
2017.
30 ]‫ [متصل‬.‫ غرامة مالية ألب مسلم رفض ان تتعلم بناته السباحة‬،‫ في سويسرا‬.BBC.com .251
].2018
,10
5
:‫االقتباس‬
‫[تاريخ‬
.2016
,6
http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2016/06/160629_switzerland_mu
.slim
252. Euronews. ‫محكمة أوروبية تحكم بإلزامية السباحة المدرسية في سويس ار لبنات المسلمين‬.
[Online]
10
1
2017.
[Cited:
https://www.youtube.com/watch?v=sTtno37BVuE.
5
10
2018.]
]‫ [متصل‬.‫ فرنسا ترفض منح الجنسية لمغربي امتنع عن مصافحة النساء‬.maghress.com .253
].2018
,10
5
:‫االقتباس‬
‫[تاريخ‬
.2010
,7
12
.https://www.maghress.com/zapress/4651
254. DW.com. ‫جدل في هولندا بسبب امتناع العب مسلم عن مصافحة صحفية‬. [Online] 6
11 2015. [Cited: 5 10 2018.] https://p.dw.com/p/1H1Pa.
442
‫‪ .— .255‬جدل المصافحة يصل ألمانيا بعد رفض إمام مد يده لمعلمة ابنه‪[ .‬متصل] ‪.2016 ,6 23‬‬
‫[تاريخ االقتباس‪.https://p.dw.com/p/1JBjP ].2018 ,10 5 :‬‬
‫‪ .alquds.co .256‬سويسرا تعلّق تجنيس عائلة تلميذين مسلمين رفضا مصافحة معلمتهما‪.‬‬
‫[متصل]‬
‫‪20‬‬
‫‪,4‬‬
‫‪.2016‬‬
‫[تاريخ‬
‫‪.http://www.alquds.co.uk/?p=518844‬‬
‫االقتباس‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫‪].2018‬‬
‫‪,10‬‬
‫‪ .BBC.com .257‬زوجان مسلمان ُيحرمان من الجنسية السويسرية "لرفضهما مصافحة الجنس‬
‫اآلخر"‪[ .‬متصل] ‪[ .2018 ,8 18‬تاريخ االقتباس‪].2018 ,10 5 :‬‬
‫‪.http://www.bbc.com/arabic/world-45233967‬‬
‫‪ .258‬نيفين عبدالهادي‪ .‬حكم قضائي سويدي بانتزاع ‪ 4‬أطفال من أسرتهم األردنية‪[ .‬متصل] ‪,4 17‬‬
‫[تاريخ‬
‫‪.2010‬‬
‫االقتباس‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫‪https://www.addustour.com/articles/665618-‬‬
‫‪].2018‬‬
‫‪,10‬‬
‫‪%D8%AD%D9%83%D9%85-‬‬
‫‪%D9%82%D8%B6%D8%A7%D8%A6%D9%8A‬‬‫‪%D8%B3%D9%88%D9%8A%D8%AF%D9%8A-‬‬
‫‪%D8%A8%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B2%D8%A7%D8%B9-4‬‬‫‪%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84-%D9%85%D9%86-‬‬
‫‪.%D8%A3%D8%B3%D8%B1%D8%AA%D9%87%D9%85-%D8%A7‬‬
‫‪ .sverigesrost.se .259‬السوسيال يوضح أسباب سحب األطفال الثالثة من األسرة السورية‪.‬‬
‫[متصل]‬
‫‪1‬‬
‫‪,12‬‬
‫‪.2017‬‬
‫[تاريخ‬
‫‪.https://sverigesrost.se/archives/32222‬‬
‫االقتباس‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫‪,10‬‬
‫‪].2018‬‬
‫‪ .260‬نزار عسكر‪" .‬االختطاف الشرعي" متى تأخذ الدولة األطفال من عائالتهم؟ [متصل] ‪,4 13‬‬
‫‪.2014‬‬
‫[تاريخ‬
‫االقتباس‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫‪,10‬‬
‫‪].2018‬‬
‫‪https://alkompis.se/special/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AE%D8%A‬‬
‫‪A%D8%B7%D8%A7%D9%81-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D8%B9%D9%8A-‬‬
‫‪%D9%85%D8%AA%D9%89-%D8%AA%D8%A3%D8%AE%D8%B0‬‬‫‪%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9‬‬‫‪./%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B7%D9%81‬‬
‫‪443‬‬
261. DW.com. ‫إجراء قانوني بوقع الصاعقة على الالجئين‬..‫سحب حق حضانة األطفال‬.
[Online] 2 8 2017. [Cited: 5 10 2018.] https://p.dw.com/p/2X7CU.
262. Wilkinson, Laurence. Norway's Government-Abducted Children,
And Ramifications For Europe. [Online] 27 February 2017. [Cited: 18
August
https://www.forbes.com/sites/realspin/2017/02/27/norways-
2019.]
government-abducted-children-and-ramifications-foreurope/#56720b914f73.
263. mc-doualiya.com. ‫"أبناء األقليات في النرويج يتهمون الحكومة بـ "خطف أطفالهم‬.
[Online]
4
5
2016.
[Cited:
doualiya.com/articles/20160504-
5
10
2018.]
https://www.mc-
%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%AC%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%A6%D9%88%D9%86%D8%A3%D8%AC%D8%A7%D9%86%D8%A8-
%D8%A3%D9%82%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA%D8%AE%D8%B7%D9%81-
%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84.
264. paliraq.com. ‫ طفل فلسطيني ينتزعون من عائالتهم تحت ذريعة القانون‬76: ‫في السويد‬
‫يتم خطف أطفال من ذويهم‬. [Online] 11 11 2010. [Cited: 5 10 2018.]
http://www.paliraq.com/news.aspx?id=4127.
265. Rawlinson, Kevin. High court bans Birmingham school protests
against LGBT lessons. [Online] 31 ’May 2019. [Cited: 19 June 2019.]
https://www.theguardian.com/education/2019/may/31/high-courtbans-birmingham-school-protests-against-lgbt-lessons.
266. Spiegel.de. Kardinal Marx stellt Segnung homosexueller Paare in
Aussicht. [Online] 3 February 2018. [Cited: 18 August 2019.]
https://www.spiegel.de/panorama/gesellschaft/reinhard-marx-kardinalstellt-segnung-homosexueller-paare-in-aussicht-a-1191270.html.
444
267.
Roberts,
Louisa
L.
Changing
worldwide
attitudes
toward
homosexuality: The influence of global and. Social Science Researc.
2019, Vol. 80.
268. Norton, Anne Lucie. Dictionary of Ideas. s.l. : Brockhampton, 1997.
269. Collin, P. H. Dictionary of Politics and Government. 3rd. s.l. :
Bloomsbury, 2004.
270. McLean, Dorothy Cummings. TEDx speaker: ‘Pedophilia is an
unchangeable sexual orientation,’ ‘anyone’ could be born that way.
[Online]
18
7
2018.
[Cited:
29
3
2019.]
https://www.lifesitenews.com/news/ted-speaker-pedophilia-is-anunchangeable-sexual-orientation-anyone-could-b.
]‫ كيف تغير موقف المجتمع من عنف الدولة؟ [متصل‬..‫ في قضايا حريات الجسد‬.‫ نايرة أنطون‬.271
https://madamasr-
.2017
com.cdn.ampproject.org/c/s/madamasr.com/ar/2017/12/02/feature/%D9
%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%AD%D9%88%D8%A7%
D8%B1-
%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%8
8-%D9%81%D9%8A-%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7.%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8
272. Gillibrand, Kirsten. Tamika Mallory, Bob Bland, Carmen Perez and
Linda Sarsour. [Online] 2017. http://time.com/collection/2017-time100/4742711/tamika-mallory-bob-bland-carmen-perez-lindasarsour/.
273. Haqiqatjou, Daniel. Does Linda Sarsour Think Islam Accepts
Homosexuality?
[Online]
2019.
https://muslimskeptic.com/2019/02/25/does-linda-sarsour-thinkislam-accepts-homosexuality/.
445
274. Wong, Curtis M. The History And Meaning Of The Rainbow Pride
Flag.
[Online]
6
July
2018.
[Cited:
21
August
https://www.huffpost.com/entry/rainbow-pride-flag-
2019.]
history_n_5b193aafe4b0599bc6e124a0.
275. Nawaz, Maajid. Why Does Gay Sex Scare Modern Muslims? It Didn’t
in the Golden Age. [Online] 2016. https://www.thedailybeast.com/whydoes-gay-sex-scare-modern-muslims-it-didnt-in-the-goldenage?fbclid=IwAR08tGJ28MsTYfBq-
dPuFWTErJkTVFrFwpZqslTfp9Ym84j0HDnCIMslkrE.
]‫[متصل‬
.Fight
for
LGBTQIA+
Rights
.276
.https://www.ilhanomar.com/lgbtqia
277. Rep. Omar: Gay Conversion Therapy Is ‘Torture’. [Online] 3 2019.
https://minnesota.cbslocal.com/2019/03/21/rep-omar-gay-conversiontherapy-is-torture/.
278. Johnson, Chris. Keith Ellison unveils LGBT plan in bid to become
DNC
chair.
[Online]
1
2017.
https://www.washingtonblade.com/2017/01/12/exclusive-keith-ellisonveils-lgbt-plan-bid-become-dnc-chair/.
279. Johnston, Chris. London Pride parade: 30,000 march as huge
crowds
line
route.
[Online]
7
2018.
https://www.theguardian.com/world/2018/jul/07/london-pride-paradelgbt-30000-march-huge-crowds-line-route.
280. Wilford, Greg. All of Germany's Muslim MPs voted in favour of
same-sex
marriage.
[Online]
7
2017.
https://www.independent.co.uk/news/world/europe/angela-merkelchancellor-germany-same-sex-marriage-vote-lgbt-muslim-mpsberlin-bundestag-cdu-sdp-a7819391.html.
446
281. Hilton-Morrow, Wendy and Battles, Kathleen. Sexual Identities and
the Media: An Introduction. New York : Routledge, 2015.
282. Forshaw, Barry. Sex and Filam: The Erotic in British, American and
World Cinema. s.l. : Palgrave Macmillan, 2015.
283. Cleghorn, Sophie. Film: The Hollywood Production Code of 1930
and LGBT Characters. [Online] 6 November 2017. [Cited: 23 June 2019.]
https://medium.com/@sophiecleg/how-did-the-hollywood-productioncode-of-1930-shape-the-representation-of-lgbt-characters-in-film93e92a4fec62.
284. Noriega, Chon. "Something's Missing Here!": Homosexuality and
Film Reviews during the Production Code Era, 1934-1962. Cinema
Journal. 1990, Vol. 30, 1.
285. Mislak, Mikayla. From Sissies to Secrecy: The Evolution of the Hays
Code Queer. [Online] 1 August 2015. [Cited: 23 June 2019.]
https://filmicmag.com/2015/08/01/from-sissies-to-secrecy-theevolution-of-the-hays-code-queer/.
.2013 ,‫ يوليو‬31 ]‫ [متصل‬."‫ هنا شيحه تصدم الجمهور بتجسيد دور "سحاقية‬.‫ أحمد السماحي‬.286
https://www.eremnews.com/latest-
].2019
,‫يونيو‬
23
:‫االقتباس‬
‫[تاريخ‬
.news/6862
287. Cohen, Sascha. How One Movie Changed LGBT History. [Online] 17
March 2015. [Cited: 23 June 2019.] How One Movie Changed LGBT
History.
.2013 ]‫ [متصل‬.) 1 ( ‫ المثليه الجنسيه النسائيه فى السينما المصريه‬.‫ سامح سليمان‬.288
.r=0&http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=362694
289. Bartlett, Sarah. Exploring the Influence of Media on Sexual Identity
Development in Lesbian and Bisexual women. s.l. : ProQuest LLC, 2018.
290. History of Homosexuality on Film. Just write. [Online] Just write,
2015. https://www.youtube.com/watch?v=SeDhMKd83r4.
447
291. Meslow, Scott. Will Moviegoers Ever Be Comfortable Watching Two
Dudes Kiss? [Online] 17 March 2017. [Cited: 22 August 2019.]
https://www.gq.com/story/will-moviegoers-ever-be-comfortablewatching-two-dudes-kiss.
292. Puhl, Kristin. The eroticization of lesbianism by heterosexual men
(Master Thesis). s.l. : Western Washington University, 2010.
293. Pullen, Christopher. LGBT Transnational Identity and the Media.
s.l. : Palgrave Macmillan, 2012. pp. 3,..
294. Weaver, Hilary. Ellen DeGeneres’s Groundbreaking Coming Out: 20
Years Later. [Online] 28 April 2017. [Cited: 22 June 2019.]
https://www.vanityfair.com/style/2017/04/20th-anniversary-of-ellendegeneres-coming-out.
295. Flynn, Liz. 20 Things You Didn’t Know About Kate McKinnon.
[Online] May 2019. https://www.tvovermind.com/kate-mckinnon/.
296. Gebauer, Dianne. Strange facts about Ellen and Portia's marriage.
[Online]
https://www.nickiswift.com/79477/strange-facts-ellen-
degeneres-portia-de-rossis-marriage/.
297. Warn, Sarah. Erosion Media Launches Gay Political Blog. [Online]
2005. https://www.prweb.com/releases/2005/11/prweb311619.htm.
298. Osborn, Andrew. Elton John tells Russians he still wants to meet
Putin to talk gay rights. [Online] 31 May 2016. [Cited: 22 June 2019.]
https://www.reuters.com/article/us-russia-putin-elton-john/elton-johntells-russians-he-still-wants-to-meet-putin-to-talk-gay-rightsidUSKCN0YM10M.
299. Palazzo, Chiara. Vladimir Putin calls Elton John and tells him not to
'get offended' over prank call. [Online] 24 Septembre 2015. [Cited: 22
June
2019.]
https://www.telegraph.co.uk/news/worldnews/europe/russia/11888713/
448
Vladimir-Putin-tells-Elton-John-not-to-get-offended-over-prankcall.html.
300. Frei, Dana. Challenging Heterosexism from the other point of view:
Representation of Homosexuality in Queer as Folk and L Word. s.l. : Peter
Lang, 2012.
301. Rodriguez, Mathew. ‘Queer as Folk’ Rewatch: Conversion Therapy,
Top Privilege and Leather Daddies. [Online] 23 August 2018. [Cited: 21
June 2019.] https://www.intomore.com/culture/queer-as-folk-rewatchconversion-therapy-top-privilege-and-leather-daddies.
302. Kim, Jeongmin. Queer cultural movements and local counterpublics
of sexuality: a case of Seoul Queer Films and Videos Festival. [Online]
2007.
https://www.tandfonline.com/doi/abs/10.1080/14649370701568086.
303. Lee, Joseph. How Queer as Folk broke the mould for gay people on
TV.
[Online]
27
February
2019.
https://www.bbc.com/news/uk-47304685.
[Cited:
21
June
2019.]
304. Khazan, Olga. Why Straight Men Gaze at Gay Women. [Online] 2016.
https://www.theatlantic.com/health/archive/2016/03/straight-men-andlesbian-porn/472521/.
305. Hamill, Jasper. Men say lesbians are all about them. [Online] 2017.
https://nypost.com/2017/06/01/study-claiming-lesbians-evolved-toturn-men-on-evokes-outrage/.
306. Natale, Richard. 'Gaysploitation' Films Find a Nicely Profitable
Niche.
[Online]
10
December
1995.
[Cited:
21
June
2019.]
https://www.latimes.com/archives/la-xpm-1995-12-10-ca-12328story.html.
449
307. Datalounge.com. The popularity of lesbianism in Hollywood. [Online]
2015.
https://www.datalounge.com/thread/15571090-the-popularity-
of-lesbianism-in-hollywood.
308. Becoming the homovoyeur: consuming homosexual representation
in Queer as Folk, Social Semiotics. Manuel, Sheri L. 2009.
309. Bermudez, Pilar Aurelia. The Social Impact of "Brokeback Mountain:"
A
Reception
Study".
https://scholarlyrepository.miami.edu/oa_theses/125. s.l. : University of
Miami, 2008.
310. Riedel, Samantha. This Film Proves That Casting Trans Actors Isn’t
Enough — We Need Fully Fleshed-Out Characters. [Online] 19 August
2018. [Cited: 22 August 2019.] https://www.them.us/story/boy-meetsgirl.
311. Anonym. Jamie Clayton Husband, Transgender, Relationship With
Keanu Reeves. [Online] 2015. https://heightline.com/jamie-claytontransgender-keanu-reeves/.
312. Dellal, Gaby. 3 Generations. Big Beach, InFilm Productions and IM
Global, 2015.
313. Ghazvinizadeh, Anahita. They. Mass Ornament Films , 2017.
314. Howard, Silas. A Kid Like Jake. Bankside Films, Burn Later
Productions, Double Nickel Entertainment, Head Gear Films, Metrol
Technology, That's Wonderful Productions and XS Media, 2018.
315. Vigilant Citizen. Netflix is Losing Subscribers in the US: The Untold
Reason.
[Online]
18
July
2019.
[Cited:
22
August
2019.]
https://vigilantcitizen.com/latestnews/netflix-is-losing-subscribers-inthe-us-the-untold-reason/.
316. Blacklow, Jeremy. Why 2018 is a Banner Year for LGBTQ
Representation at the Oscars (Guest Column). [Online] 21 February 2018.
450
[Cited: 23 August 2019.] https://variety.com/2018/film/opinion/lgbtqgay-oscars-2018-glaad-column-1202705989/.
317. Dry, Jude. Valkyrie Will Officially Be Marvel’s First LGBTQ
Superhero.
[Online]
21
July
2019.
[Cited:
23
August
2019.]
https://www.indiewire.com/2019/07/marvel-gay-superhero-valkyrietessa-thompson-thor-lgbt-1202159737/.
.2018
]‫[متصل‬
.nypost.com
.Tyler
McCarthy
.318
https://nypost.com/2018/02/28/frozen-2-director-open-to-possibility./of-elsa-having-female-love-interest
319. Hider, Alex. Disney refuses to censor 'gay moment,' pulls 'Beauty
and the Beast' from Malaysian theaters. [Online] 14 March 2017. [Cited:
23 August 2019.] https://www.nbc26.com/news/national/disney-delaysrelease-of-beauty-and-the-beast-in-malaysia-after-gay-momentcut-from-film.
320. Robinson, Angela. D.E.B.S. Screen Gems and Others, 2004.
,‫ يونيو‬18 ]‫ [متصل‬.‫ أول إذاعة عربية تتحدث بلسان المثليين‬،‫ "شمس راد" التونسية‬.‫ إد رام‬.321
].2019
,‫أغسطس‬
23
:‫االقتباس‬
‫[تاريخ‬
.2018
.http://www.bbc.com/arabic/middleeast-44524693
322. ‫فتاة قوس قزح‬. [Online] 19 2018 ‫أبريل‬. [Cited: 23 2019 ‫أغسطس‬.]
http://www.bbc.com/arabic/media-43826443.
]‫ [متصل‬.‫ حملة "لست وحدك" تدعم حقوق المثليين وثنائيي الميول والمتحولين جنسيا العرب‬.323
].2019
,‫أغسطس‬
23
:‫االقتباس‬
‫[تاريخ‬
.2018
,‫أبريل‬
18
https://www.france24.com/ar/20180418-
%D9%85%D8%AB%D9%84%D9%8A-%D8%AC%D9%86%D8%B3%D8%B9%D8%B1%D8%A8-
%D9%85%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%84-
%D9%84%D8%B3%D8%AA-%D9%88%D8%AD%D8%AF%D9%83451
%D8%AD%D9%82%D9%88%D9%82-
.%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86
16 ]‫ [متصل‬."‫ اعتصام للمثليين للمطالبة بإلغاء قانون "يجرم العالقات المنافية للطبيعة‬:‫ لبنان‬.324
].2019
,‫أغسطس‬
23
:‫االقتباس‬
‫[تاريخ‬
.2016
,‫مايو‬
https://www.france24.com/ar/20160516-
%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-
%D8%A7%D8%B9%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D9%85-
%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AB%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%8
6-%D9%85%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A9%D8%A5%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%A1-
.%D9%85%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D
,‫ أكتوبر‬30 ]‫ [متصل‬.‫ جمعية المسلمين المثليين في فرنسا ومحاوالت إثبات الذات‬.‫ ريم‬،‫ نجمي‬.325
].2019
,‫أغسطس‬
23
:‫االقتباس‬
‫[تاريخ‬
.2012
https://www.dw.com/ar/%D8%AC%D9%85%D8%B9%D9%8A%D8%A9-
%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86
-
%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AB%D9%84%D9%8A%D9%8A%D9%8
6-%D9%81%D9%8A-%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D8%A7-
%D9%88%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%A
.A-%D8%A5%D8%A
26 ]‫ [متصل‬.‫القمع باسم حماية المقدسات‬..‫ الحملة ضد مشروع ليلى في لبنان‬.‫ رشا‬،‫ حلوة‬.326
‫ الحملة ضد مشروع ليلى في‬:‫] رشا حلوة‬.2019 ,‫ أغسطس‬23 :‫ [تاريخ االقتباس‬.2019 ,‫يوليو‬
.‫القمع باسم حماية المقدسات‬..‫لبنان‬
327. Staff. Women's World Cup Daily with Lianne Sanderson & Michelle
Heyman. [Online] June 9, 2019. [Cited: December 20, 2019.]
https://anchor.fm/beinsports/episodes/Womens-World-Cup-Dailywith-Lianne-Sanderson--Michelle-Heyman-e49p4t.
452
328. Anonymous. Benefits & Reasons To Date A Transgender Girl.
[Online] 2016. https://www.youtube.com/watch?v=IlhfiBu_N7s.
329. Ask A Transsexual: Anal Orgasm, Straight Guys and Castration.
[Online] 2011. https://www.youtube.com/watch?v=txdMQCHg8w0.
330. Wallien, Madeleine S. C. and Cohen-Kettenis, Peggy T.
Psychosexual outcome of gender-dysphoric children. Journal of the
American Academy of Child and Adolescent Psychiatry. 2008, Vol. 47,
12, pp. 1413-1423.
331. Zaczek, Zoe. Transgender children SHOULD undergo irreversible
surgery without their parents' permission or counselling, psychologists
say.
[Online]
October
1,
2019.
[Cited:
December
18,
https://www.dailymail.co.uk/news/article-7525483/Transgender-
2019.]
children-undergo-surgery-without-parents-permission-accordingpsychologists.html.
332. Smith, Wesley J. Bioethicist: Block Transgender Puberty Even If
Parents Say No. [Online] February 25, 2019. [Cited: December 18, 2019.]
https://www.nationalreview.com/corner/bioethicist-block-transgenderpuberty-even-if-parents-say-no/.
333. Lockwood, Sally. 'Hundreds' of young trans people seeking help to
return to original sex. [Online] October 5, 2019. [Cited: December 17,
2019.]
https://news.sky.com/story/hundreds-of-young-trans-people-
seeking-help-to-return-to-original-sex-11827740.
334. Heyer, Walt. Hormones, surgery, regret: I was a transgender woman
for 8 years — time I can't get back. [Online] February 11, 2019. [Cited:
December
17,
2019.]
https://www.usatoday.com/story/opinion/voices/2019/02/11/transgende
r-debate-transitioning-sex-gender-column/1894076002/.
453
335. Deutsch, Maddie. Information on Estrogen Hormone Therapy.
[Online]
[Cited:
December
17,
https://transcare.ucsf.edu/article/information-estrogen-hormone-
2019.]
therapy.
336. —. Information on Testosterone Hormone Therapy. [Online] [Cited:
December
17,
2019.]
https://transcare.ucsf.edu/article/information-
testosterone-hormone-therapy.
‫ المنظمة العربية‬: ‫ مكان غير معروف‬.‫ [المترجمون] فايز الصياغ‬.‫ علم االجتماع‬.‫ أنتوني جدنز‬.337
.2005 ،‫للترجمة‬
338. Kenish, Benjamin. 'The Queer Insurrection': Coalition forces fighting
Isis in Syria form first LGBT unit. [Online] 25 July 2017. [Cited: 25 August
2019.]
https://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/queer-
insurrection-isis-lgbt-unit-gay-islamic-state-fight-forces-coalitionsyria-middle-east-a7858651.html.
339. Barber, Ferran. “I AM ONE OF THE ‘FAGGOTS’ WHO FOUGHT
AGAINST ISIS”. [Online] 23 April 2019. [Cited: 25 August 2019.]
https://www.ferranbarber.info/i-am-one-of-the-faggots-who-foughtagainst-isis/.
340. Tan, Yvette. Brunei implements stoning to death under anti-LGBT
laws.
[Online]
3
April
2019.
[Cited:
25
https://www.bbc.com/news/world-asia-47769964.
August
2019.]
341. Holson, Laura M and Rueb, Emily S. Brunei Hotel Boycott Gathers
Steam as Anti-Gay Law Goes Into Effect. [Online] 3 April 2019. [Cited:
25
August
https://www.nytimes.com/2019/04/03/world/asia/brunei-hotel-
2019.]
boycotts.html.
342. Doward, Jamie. RAF and Royal Navy urged to cut ties to sultan of
Brunei over anti-gay law. [Online] 6 April 2019. [Cited: 25 August 2019.]
454
https://www.theguardian.com/world/2019/apr/06/oxford-universitynavy-raf-must-cut-ties-sultan-brunei-gay-death-stoning-law.
343. Begawan, Bandar Seri. Brunei says it won't enforce gay death
penalty after backlash. [Online] 5 May 2019. [Cited: 25 August 2019.]
https://www.reuters.com/article/us-brunei-lgbt-sultan/brunei-says-itwont-enforce-gay-death-penalty-after-backlash-idUSKCN1SB0FS.
344. Luxmoore, Jonathan. Polish Archbishop vows to resist 'LGBT
Ideology'.
[Online]
9
Augut
2019.
[Cited:
25
August
2019.]
https://catholicherald.co.uk/news/2019/08/09/polish-archbishop-vowsto-resist-lgbt-ideology/.
345. Noack, Rick. Polish towns advocate ‘LGBT-free’ zones while the
ruling party cheers them on. [Online] 21 July 2019. [Cited: 25 August
2019.]
https://www.washingtonpost.com/world/europe/polands-right-
wing-ruling-party-has-found-a-new-targetlgbt-
ideology/2019/07/19/775f25c6-a4ad-11e9-a767d7ab84aef3e9_story.html.
.‫ [المحرر] محمد الجوهري‬.‫ موسوعة مصطلحات علم اإلنسان‬.‫سميث‬-‫ شارلوت سيمور‬.346
.2009 ،‫ المركز القومي للترجمة‬: ‫ القاهرة‬.‫ الثاني‬.‫[المترجمون] مجموعة من أساتذة علم االجتماع‬
347. VandenBos, Gary R., [ed.]. APA Dictionary of Psychology.
Washington : American Psychological Association, 2015.
‫ لماذا رفض هيكل أن يكتب كلمة هزيمة في خطاب التنحي؟‬..»‫ «النكسة‬.‫ عبد الرحمن عباس‬.348
].2019
,‫يونيو‬
1
:‫االقتباس‬
‫[تاريخ‬
.2017
,‫يونيو‬
5
]‫[متصل‬
.https://www.vetogate.com/2734424
.‫ دار الفكر‬: ‫ مكان غير معروف‬.‫ العناية شرح الهداية‬.‫ محمد بن محمد بن محمود البابرتي‬.349
350.
Anonymous.
LGBT
+
Conservatives.
https://www.lgbtconservatives.org.uk/about-us.
455
[Online]
2018.
351. Editors, Trans Health. The Total Guide to Penile Implants For
Transsexual
Men.
[Online]
health.com/2013/penile-implants-guide/.
2013.
http://www.trans-
352. Beckstead, A. Lee. Cures versus Choices: Agendas in Sexual
Reorientation Therapy. Journal of Gay & Lesbian Psychotherapy . 2001.
353. Moskowitz, D A and Hart, T A. The influence of physical body traits
and masculinity on anal sex roles in gay and bisexual men. Archive of
Sexual Behavior . 2011, Vol. 40, 4.
.‫ محمد فتحي‬،‫ [المترجمون] خضر‬.‫ مقدمة في النظرية السياسية الدولية‬.‫ أنتوني إف النج االبن‬.354
.263 ‫ صفحة‬.2018 ،‫ المركز القومي للترجمة‬: ‫القاهرة‬
456
‫الفهرس‬
‫املقدمة ‪1 ..........................................................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تكوُّن دين اللوطية ‪5 ...................................................................‬‬
‫أوال‪ :‬األسس الكربى لظهور دين اللوطية‪6 .............................................................‬‬
‫التطور الشامل‪6 ...................................................................‬‬
‫األس األول‪:‬‬
‫ُّ‬
‫األس الثاني‪ :‬النسوية‪9 ..........................................................................‬‬
‫األس الثالث‪ :‬الفردانيَّة‪23 ........................................................................‬‬
‫األس الرابع‪ :‬ثورة حضارة البهجة‪30 ..............................................................‬‬
‫األس الخامس‪ :‬النسبوية‪ ،‬وما بعد الحداثة‪49 .................................................... .‬‬
‫ثانيا‪ :‬العوامل العرضية يف صعود دين اللوطية‪56 ..................................................... .‬‬
‫أوال‪ :‬التقدم الطبي‪57 ........................................................................... .‬‬
‫ُّ‬
‫التخنث‪ ،‬عصر الرفاه‪62 ................................. .‬‬
‫ثانيا‪ :‬توقف الحروب في الغرب وشيوع‬
‫ثالثا‪ :‬انتشار اإلتخام من الجنس‪65 ............................................................. .‬‬
‫رابعا‪ :‬انتشار مؤسسات الجبر على أحادية النوع‪ ،‬ورفع سن الزواج‪67 ............................ .‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬اللوطية واللغة‪71 .................................................................... .‬‬
‫أوال‪ :‬حاجة اللوطيني إىل لغة جديدة‪73 .............................................................. .‬‬
‫ثانيا‪ :‬مصطلحات اللوطية املعتمدة يف الكتاب‪75 ........................................................‬‬
‫أوال‪ :‬اللوطية‪75 ................................................................................ .‬‬
‫معارضة‪ :‬اللوطية يف اخلطاب الرتاثي والشرعي‪77 ...............................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬الخنث والمترجلة‪79 ........................................................................‬‬
‫ثالثا‪ :‬اللوطية النسوية‪81 .........................................................................‬‬
‫ثالثا‪ :‬املصطلحات املهجوة يف الكتاب‪82 ............................................................... .‬‬
‫أوال‪ :‬مصطلح الشذوذ الجنسي‪82 ............................................................... .‬‬
‫ثانيا‪ :‬مصطلح المثلية‪83 ....................................................................... .‬‬
‫‪457‬‬
‫رابعا‪ :‬حتليل املعاني‪85 ...............................................................................‬‬
‫أوال‪ :‬الفوارق النوعية في المعنى‪85 ...............................................................‬‬
‫‪ )1‬االختالف يف املعنى اإلضايف‪86 ...............................................................‬‬
‫‪ )2‬االختالف يف املعين األسلوبي‪86 ............................................................ .‬‬
‫‪ )3‬االختالف يف السياقات‪87 .................................................................. .‬‬
‫‪ )4‬االختالف يف املعاني النفسية‪87 ..............................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬اختالفات السلوك واالستجابة‪88 ............................................................‬‬
‫‪ )1‬االستجابة العلمانية‪89 .................................................................... .‬‬
‫‪ )2‬االستجابة اإلسالمية‪97 ....................................................................‬‬
‫‪ )3‬االستجابة العامية‪100 ................................................................... .‬‬
‫ثالثا‪ :‬تحليل معنى المصطلحات‪103 ........................................................... .‬‬
‫‪ )1‬حتليل مصطلح اللوطية‪104 .............................................................. .‬‬
‫‪ )2‬حتليل مصطلح الشذوذ‪105 ................................................................‬‬
‫‪ )3‬حتليل مصطلح املثلية‪107 .................................................................‬‬
‫دحض مغالطة زعم الكيل مبكيالني يف املساواة‪110 ............................................. .‬‬
‫خامسا‪ :‬مقاربات إصالح وحتييد اللغات‪112 ...........................................................‬‬
‫أوال‪ :‬المقاربة االخت ازلية‪113 .................................................................... .‬‬
‫ثانيا‪ :‬المقاربة التوسعية‪115 .....................................................................‬‬
‫سادسا‪ :‬أبعاد املقاربات اجلندرية على اللغة العربية‪116 ............................................... .‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الشريعة واللوطية‪121 ................................................................‬‬
‫أوال‪ :‬جبليَّة اللوطية‪122 ........................................................................... .‬‬
‫‪458‬‬
‫أوال‪ :‬رأي أهل الشريعة في الجبلية‪123 ...........................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬مناقشة قول أهل الشريعة في الجبليَّة‪125 ...................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬أحكام اللوطية‪128 ............................................................................‬‬
‫أوال‪ :‬حكم استباحة اللياطة‪128 ................................................................. .‬‬
‫المستبيحة‪129 ......................................................... .‬‬
‫ثانيا‪ :‬حكم اللياطة غير ُ‬
‫املذهب األول‪ :‬حكم الصحابة‪130 ............................................................. .‬‬
‫املذهب الثاني‪ :‬حكم األحناف‪131 ............................................................. .‬‬
‫أوال‪ :‬حكم اللوطية الذكرية‪131 ..............................................................‬‬
‫الرأي األول‪ :‬مذهب اإلمام أبي حنيفة‪131 ..................................................... .‬‬
‫الرأي الثاني‪ :‬مذهب اإلمامني أبي يوسف والشيباني‪132 ........................................ .‬‬
‫ثانيا‪ :‬حكم اللوطية النسوية‪134 ...............................................................‬‬
‫املذهب الثالث‪ :‬حكم املالكية‪134 ................................................................‬‬
‫أوال‪ :‬حكم اللوطية الذكرية‪134 ..............................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬حكم اللوطية النسوية‪135 ...............................................................‬‬
‫املذهب الرابع‪ :‬حكم الشافعية‪136 ..............................................................‬‬
‫أوال‪ :‬حكم اللوطية الذكرية‪136 ..............................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬حكم اللوطية النسوية‪137 ...............................................................‬‬
‫املذهب اخلامس‪ :‬حكم احلنابلة‪137 ........................................................... .‬‬
‫أوال‪ :‬حكم اللوطية الذكرية‪137 ..............................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬حكم اللوطية النسوية‪139 ...............................................................‬‬
‫ثالثا‪ :‬علة تفاوت العقوبة بني اللوطيتني‪139 ......................................................... .‬‬
‫أوال‪ :‬فلسفة الفقهاء في حد اللوطية‪140 ......................................................... .‬‬
‫ثانيا‪ :‬فقه نظرية اإلسالم العقابية‪142 ............................................................‬‬
‫رابعا‪ :‬إشكالية امليل للوطية‪144 ......................................................................‬‬
‫‪459‬‬
‫خامسا‪ :‬إشكالية اخلِناثة والرتجل‪145 ............................................................... .‬‬
‫الخنثى وأحكامه‪146 .................................................................‬‬
‫أوال‪ :‬ماهية ُ‬
‫ثانيا‪ :‬التخنث والترجل‪ ،‬وأحكامهما‪148 ...........................................................‬‬
‫ثالثا‪ :‬الخناثة وأحكامها‪150 .................................................................... .‬‬
‫سادسا‪ :‬اجلنس مع غري احلي‪155 ................................................................... .‬‬
‫أوال‪ :‬احلكم الفقهي‪155 .......................................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬التحديات واملخاوف املستقبلية‪155 ...................................................... .‬‬
‫سابعا‪ :‬املوقف من مسائل وتشريعات اللوطية‪157 ..................................................... .‬‬
‫ثامنا‪ :‬الفقه املعاصر واللوطية‪162 .................................................................. .‬‬
‫أوال‪ :‬الفقه في الجهات الرسمية‪162 ..............................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬المسارات المستقبلية‪163 ................................................................. .‬‬
‫املسار األول‪ :‬هيمنة الغرب‪ ،‬واستمرار اللوطية‪164 ...............................................‬‬
‫املسار الثاني‪ :‬هيمنة الغرب وانتكاس اللوطية‪164 .............................................. .‬‬
‫املسار الثالث‪ :‬هيمنة الغرب ومقاومة السياسيني العرب‪165 ..................................... .‬‬
‫املسار الرابع‪ :‬تفكك الغرب وتنازع اهليمنة مع الصني أو روسيا‪165 .................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬الفقه في الجهات غير الرسمية‪166 ....................................................... .‬‬
‫ثالثا‪ :‬معوقات صناعة فقه معاصر مناسب للوطية‪169 ...........................................‬‬
‫رابعا‪ :‬التوقعات المستقبلية ومخاطر تخلف أو تبعية فقه مواجهة اللوطية‪170 ..................... .‬‬
‫خامسا‪ :‬صفات العلماء المؤهلين إلنتاج فقه مواجه للوطيَّة‪171 ....................................‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬اللوطية والعلوم‪175 ..................................................................‬‬
‫أوال‪ :‬البيولوجيا والبحث عن أصل اللوطية‪176 ....................................................... .‬‬
‫أوال‪ :‬حجة جين اللوطية ‪180 ..................................................... .Gay Gene‬‬
‫الخلقيَّة‪189 ..............................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬حجة االختالفات َ‬
‫ثالثا‪ :‬حجة التوائم اللوطيين‪192 ................................................................ .‬‬
‫‪460‬‬
‫ما فوق الجينات ‪ :Epigenetics‬مستهل جدل جديد‪197 .........................................‬‬
‫خالصة النقاش العلمي البيولوجي ‪202 ..............................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬السوسيولوجي‪ ،‬اسرتاتيجات هدم الطبيعة‪203 ...................................................‬‬
‫تكون النوع‪203 .................................................................. .‬‬
‫أوال‪ :‬نظريات ُّ‬
‫ثانيا‪ :‬الجدال السوسيولوجي حول أسباب اللوطية‪ :‬بين الجوهريين والبنائيين‪207 ....................‬‬
‫ثالثا‪ :‬نظرية الشذوذ ‪212 .......................................................Queer theory‬‬
‫ثالثا‪ :‬السيكولوجي‪ ،‬مركز األعاصري ‪217 ............................................................‬‬
‫تمهيد‪ :‬بعض أزمات طبيعة علم النفس‪218 ......................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬أحقاب تطور مناظير السيكولوجيين للوطية‪222 ........................................... .‬‬
‫‪ )1‬عصر انفصال علم النفس عن الدين‪ ،‬من الخناثة النفسية ألولريخ إلى معركة الجبليَّة والتربوية‪.‬‬
‫‪223 ...........................................................................................‬‬
‫‪ )2‬ما قبل فرويد‪ ،‬هافيلوك إيليس وعلم نفس الجنس ‪226 ................... .Sex Psychology‬‬
‫‪ )3‬عصر فرويد والطبيعة الجنسية المزدوجة‪ ،‬تفسير التحليل النفسي ‪228 .... .Psychoanalysis‬‬
‫‪ )4‬ما قبل كينزي‪ ،‬مدرج ديفيز‪ ،‬ومدرج تيرمان ‪ -‬ميلز‪232 .......................................‬‬
‫‪ )5‬عصر كينزي‪ ،‬تشييد أسس اللوطية المعاصرة‪234 ........................................... .‬‬
‫‪ )6‬حملة فرانك كاميني‪ ،‬واضطراب السيكولوجيين‪245 ............................................‬‬
‫‪ )7‬االنقسام الكبير‪ ،‬وانقالب السيادة‪249 .........................................................‬‬
‫‪ )7‬العالجات التحويلية‪252 .....................................................................‬‬
‫‪ )8‬النموذج الفرويدي ‪ -‬المسيحي‪ :‬نظرية موبرلي ‪ -‬نيكولوسي عن االنفصال الدفاعي‪257 ........‬‬
‫‪ )9‬استخدام نموذج موبرلي – نيكولوسي في مصر والعالم العربي‪267 ........................... .‬‬
‫ثالثا‪ :‬مناقشة خاصة بالعالج النفسي للوطية‪272 .................................................‬‬
‫التناقض احملتوم‪ :‬نقاش عام للفصل ‪283 .............................................................‬‬
‫أوال‪ :‬النقاش البيولوجي عن تشهي األطفال‪283 ................................................. .‬‬
‫ثانيا‪ :‬النقاش السوسيولوجي عن تشهي األطفال‪284 ..............................................‬‬
‫‪461‬‬
‫ثالثا‪ :‬النقاش السيكولوجي عن تشهي األطفال‪285 ................................................‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬خلقُ إنسانِ اإلنسان‪291 .............................................................‬‬
‫القسم األول‪ :‬الضبط االجتماعي ‪295 ................................................................‬‬
‫مفهوم الضبط االجتماعي‪295 ...................................................................‬‬
‫أوال‪ :‬الضبط االجتماعي الرمسي‪297 .................................................................‬‬
‫‪ )1‬الضبط السياسي‪297 ........................................................................‬‬
‫أ‪ :‬السياسة الداخلية‪297 .........................................................................‬‬
‫ب‪ :‬السياسة العالمية‪301 ...................................................................... .‬‬
‫أوال‪ :‬القانون الدولي‪303 .........................................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬النصوص الكبرى‪304 .....................................................................‬‬
‫‪ )2‬الضبط التشريعي والقضائي‪316 ............................................................ .‬‬
‫‪ )3‬الضبط التعليمي ورقابة األسر‪318 ...........................................................‬‬
‫أوال‪ :‬الضبط املدرسي‪321 ....................................................................... .‬‬
‫الموسع‪323 ............................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬الضبط االجتماعي‬
‫َّ‬
‫ثانيا‪ :‬الضبط االجتماعي غري الرمسي‪328 ........................................................... .‬‬
‫‪ )1‬العائلة‪ ،‬األسرة الحارسة‪329 ................................................................ .‬‬
‫‪ )2‬المؤسسة الدينية (مؤسسات الدين الحقيقي للدولة)‪332 ........................................‬‬
‫الدين األول‪ ،‬اإلسالم‪334 ....................................................................... :‬‬
‫الدين الثاني‪ ،‬املسيحية‪334 ......................................................................:‬‬
‫الدين الثالث‪ ،‬البوذية‪337 ...................................................................... :‬‬
‫الدين الرابع‪ ،‬الهندوسية‪339 .................................................................... :‬‬
‫‪ )3‬المؤسسات الحقوقية (مؤسسات الدين العلماني للدولة)‪341 ....................................‬‬
‫أ‪ :‬مفهوما التمييز اإليجابي ‪ Positive Discrimination‬والتصويب السياسي‬
‫‪Political‬‬
‫‪342 ............................................................................Correctness‬‬
‫‪462‬‬
‫ب‪ :‬أزمة التوسع في قوائم أصحاب الحقوق‪345 ..................................................‬‬
‫ج‪ :‬الخطاب الحقوقي لمسلمي الغرب‪352 ........................................................‬‬
‫‪ )4‬المؤسسة اإلعالمية‪358 .....................................................................‬‬
‫أ‪ :‬موجز تاريخ اللوطية في اإلعالم الغربي والعربي‪359 ......................................... .‬‬
‫ب‪ :‬اللوطية في اإلعالم العربي المعاصر‪380 .................................................. .‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬االضطراب االجتماعي‪383 .............................................................‬‬
‫أوال‪ :‬اضطراب الدور االجتماعي‪383 ............................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬اضطراب الهوية االجتماعية‪386 ......................................................... .‬‬
‫ثالثا‪ :‬اضطرابات عولمة الثقافة الغربية‪395 ..................................................... .‬‬
‫أليس الصبح بقريب؟‪398 ...........................................................................‬‬
‫ملحق‪ :‬االستبيان املُعتمد عليه يف الدراسة ‪403 ........................................................‬‬
‫املصادر‪414 ........................................................................................‬‬
‫‪463‬‬
Download