Uploaded by mahmoud.ali.emar

وعد الله للمؤمنين العاملين بالاستخلاف والتمكين (خطبة)

advertisement
‫وعد هللا للمؤمنين العاملين باالستخالف والتمكين (خطبة)‬
‫‪28/05/2023, 12:44‬‬
‫شبكة األلوكة ‪ /‬آفاق الشريعة ‪ /‬منبر الجمعة ‪ /‬الخطب ‪ /‬العلم والدعوة‬
‫وعد هللا للمؤمنين العاملين باالستخالف والتمكين (خطبة)‬
‫الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد‬
‫مقاالت متعلقة‬
‫تاريخ اإلضافة‪ 23/5/2023 :‬ميالدي ‪ 3/11/1444 -‬هجري‬
‫الزيارات‪1446 :‬‬
‫وعد هللا للمؤمنين العاملين‬
‫باالستخالف والتمكين‬
‫إن الحمد هلل‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا‪ ،‬ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهِدِه هللا فال مضَّل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادَي له‪،‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمًدا عبده ورسوله‪.‬‬
‫﴿ َيا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا اَّتُقوا َهَّللا َح َّق ُتَقاِتِه َو اَل َتُم وُتَّن ِإاَّل َو َأْنُتْم ُم ْسِلُم وَن ﴾ [آل عمران‪.]102 :‬‬
‫﴿ َيا َأُّيَه ا الَّناُس اَّتُقوا َر َّبُكُم اَّلِذي َخ َلَقُكْم ِم ْن َنْفٍس َو اِح َدٍة َو َخ َلَق ِم ْنَه ا َز ْو َج َه ا َو َبَّث ِم ْنُه َم ا ِر َج ااًل َكِثيًر ا َو ِنَساًء َو اَّتُقوا َهَّللا اَّلِذي َتَساَء ُلوَن ِبِه َو اَأْلْر َح اَم‬
‫ِإَّن َهَّللا َكاَن َعَلْيُكْم َر ِقيًبا ﴾ [النساء‪.]1 :‬‬
‫﴿ َيا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا اَّتُقوا َهَّللا َو ُقوُلوا َقْو اًل َسِديًدا * ُيْصِلْح َلُكْم َأْع َم اَلُكْم َو َيْغِفْر َلُكْم ُذُنوَبُكْم َو َم ْن ُيِط ِع َهَّللا َو َر ُسوَلُه َفَقْد َفاَز َفْو ًز ا َعِظ يًم ا ﴾ [األحزاب‪:‬‬
‫‪]71 ،70‬؛ أما بعد‪:‬‬
‫فإن أصدق الحديث كتاب هللا‪ ،‬وخير الهدي هدي محمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وشر األمور محدثاتها‪ ،‬وكل محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضاللة‪ ،‬وكل‬
‫ضاللة في النار‪.‬‬
‫أعاذني هللا وإياكم وسائر المسلمين من النار‪ ،‬ومن كل عمل يقرب إلى النار‪ ،‬اللهم آمين يا رب العالمين‪.‬‬
‫هللا سبحانه وتعالى وعد وعوًدا في كتابه‪ ،‬فهل هللا سبحانه وتعالى يخلف الميعاد؟‬
‫ال وهللا؛ وقد قال سبحانه‪ِ ﴿ :‬إَّنا َلَنْنُصُر ُر ُسَلَنا َو اَّلِذيَن آَم ُنوا ِفي اْلَحَياِة الُّدْنَيا َو َيْو َم َيُقوُم اَأْلْش َه اُد ﴾ [غافر‪ ،]51 :‬وقال سبحانه‪َ ﴿ :‬و ْعًدا َعَلْيِه َح ًّقا‬
‫َو َلِك َّن َأْكَثَر الَّناِس اَل َيْعَلُم وَن ﴾ [النحل‪ ،]38 :‬وقال سبحانه وتعالى‪َ ﴿ :‬و َكاَن َح ًّقا َعَلْيَنا َنْصُر اْلُم ْؤ ِم ِنيَن ﴾ [الروم‪ ،]47 :‬فهل هذه اآليات متحققة في‬
‫زماننا هذا؟‬
‫‪1/6‬‬
‫‪/‬وعد‪-‬هللا‪-‬للمؤمنين‪-‬العاملين‪-‬باالستخالف‪-‬والتمكين‪-‬خطبة‪https://www.alukah.net/sharia/1087/162544/‬‬
‫وعد هللا للمؤمنين العاملين باالستخالف والتمكين (خطبة)‬
‫‪28/05/2023, 12:44‬‬
‫وهللا نقر ونعترف ونؤمن بأنه سبحانه ال يخلف الميعاد‪ ،‬فأين نصر هللا للمؤمنين في هذا الزمان؟‬
‫وال بد أن نعلم أمًر ا مهًّم ا؛ وهو أن هناك مقدماٍت لتصح لها النتائج‪ ،‬فإذا كانت المقدمات هشة أو ضعيفًة‪ ،‬فماذا ترتجون من النتائج؟‬
‫قال هللا سبحانه مبيًنا هذه المقدمات‪ ،‬ومبيًنا ما يترتب عليها من نتائج؛ قال سبحانه‪َ ﴿ :‬و َعَد ُهَّللا اَّلِذيَن آَم ُنوا ِم ْنُكْم َو َعِم ُلوا الَّص اِلَح اِت َلَيْس َتْخ ِلَفَّنُهْم ِفي‬
‫اَأْلْر ِض ﴾ [النور‪ ،]55 :‬هذا أول وعد من هللا عز وجل هو االستخالف‪َ ﴿ ،‬كَم ا اْس َتْخ َلَف اَّلِذيَن ِم ْن َقْبِلِهْم َو َلُيَم ِّك َنَّن َلُهْم ِديَنُه ُم اَّلِذي اْر َتَض ى َلُهْم‬
‫َو َلُيَبِّد َلَّنُهْم ِم ْن َبْعِد َخ ْو ِفِهْم َأْم ًنا َيْعُبُدوَنِني اَل ُيْش ِر ُكوَن ِبي َشْيًئا َو َم ْن َكَفَر َبْعَد َذِلَك َفُأوَلِئَك ُهُم اْلَفاِس ُقوَن * َو َأِقيُم وا الَّص اَل َة َو آُتوا الَّز َكاَة َو َأِط يُعوا‬
‫الَّر ُسوَل َلَعَّلُكْم ُتْر َحُم وَن ﴾ [النور‪.]56 ،55 :‬‬
‫فـإذا وعد هللا وعًدا فإنه ال يخلفه؛ ﴿ َأاَل ِإَّن ِهَّلِل َم ا ِفي الَّسَم اَو اِت َو اَأْلْر ِض َأاَل ِإَّن َو ْعَد ِهَّللا َح ٌّق َو َلِك َّن َأْكَثَر ُهْم اَل َيْعَلُم وَن ﴾ [يونس‪ ،]55 :‬وقال‬
‫سبحانه‪َ ﴿ :‬و َلَقْد َص َدَقُكُم ُهَّللا َو ْع َدُه ِإْذ َتُح ُّسوَنُهْم ِبِإْذِنِه ﴾ [آل عمران‪]152 :‬؛ أي‪ :‬تقتلون الكفار‪ ،‬صدق هللا ذلك‪ ،‬وتحقق ذلك‪ ،‬والخطاب للصحابة‬
‫رضي هللا تعالى عنهم‪ ،‬وقال سبحانه‪َ ﴿ :‬فاَل َتْح َسَبَّن َهَّللا ُم ْخ ِلَف َو ْعِدِه ُر ُسَلُه ِإَّن َهَّللا َعِز يٌز ُذو اْنِتَقاٍم ﴾ [إبراهيم‪ِ ﴿ ،]47 :‬إَّن َهَّللا اَل ُيْخ ِلُف اْلِم يَعاَد ﴾‬
‫[آل عمران‪.]9 :‬‬
‫﴿ َو َعَد ُهَّللا اَّلِذيَن آَم ُنوا ِم ْنُكْم ﴾ [النور‪ ،]55 :‬والخطاب موجه للصحابة وللمسلمين من بعدهم إلى يوم القيامة‪ ،‬إذا توافرت هذه المقدمات‪.‬‬
‫والصحابة رضي هللا تعالى عنهم قاموا بهذه المقدمات أحسن قيام‪ ،‬وحققوها أحسن تحقيق‪ ،‬فكانت النتائج التي ستعلمونها‪.‬‬
‫﴿ َو َعَد ُهَّللا اَّلِذيَن آَم ُنوا ﴾ [النور‪ ،]55 :‬والمؤمن هو من آمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬والقدر خيره وشره أنه من هللا سبحانه‬
‫وتعالى؛ ((والمؤمن من أِم َنُه الناس على دمائهم وأموالهم))؛ [كما رواه أحمد والترمذي والنسائي‪( ،‬حم) (‪( ،)8931‬ت) (‪( ،)2627‬س)‬
‫(‪ ،)4995‬وقال الشيخ شعيب األرنؤوط‪ :‬إسناده صحيح]‪.‬‬
‫﴿ آَم ُنوا ﴾ليس المقصود آمنوا إيماًنا مجرًدا؟ بل ﴿ َو َعِم ُلوا الَّص اِلَح اِت ﴾ [النور‪]55 :‬؛ وهي األعمال والعبادات التي ُأِم ْر نا بها؛ من صالة وزكاة‪،‬‬
‫وصيام وحج‪ ،‬وبر وإحسان‪ ،‬ورحمة خلق هللا‪ ،‬وسائر األعمال الصالحة‪ ،‬واجتناب سائر األعمال السيئة‪.‬‬
‫آمنوا وعملوا الصالحات‪ ،‬والوعد من هللا جل جالله‪َ ﴿ :‬لَيْس َتْخ ِلَفَّنُهْم ِفي اَأْلْر ِض ﴾ [النور‪]55 :‬؛ هذا هو الوعد األول لهذه المقدمات؛ مقدمات‬
‫اإليمان والعمل الصالح‪ ،‬فباإليمان والعمل الصالح يكون االستخالف في األرض‪ ،‬وامتالك مقاليد الحكم والسياسة‪ ،‬والملك والرئاسة‪.‬‬
‫﴿ َكَم ا اْس َتْخ َلَف اَّلِذيَن ِم ْن َقْبِلِهْم ﴾ [النور‪ ،]55 :‬ومن قبلنا آمنوا وعملوا الصالحات فاستخلفهم في األرض‪ ،‬كما استخلف هللا سبحانه بني إسرائيل؛‬
‫فقال‪َ ﴿ :‬و َجَعَلُكْم ُم ُلوًكا َو آَتاُكْم َم ا َلْم ُيْؤ ِت َأَح ًدا ِم َن اْلَعاَلِم يَن ﴾ [المائدة‪ ،]20 :‬ومنهم داود وسليمان عليهما السالم آتاهما هللا النبوة والملك‪ ،‬وهذا‬
‫االستخالف كان قبل نبينا محمد صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫سيستخلفهم إن آمنوا وعملوا الصالحات‪ ،‬كما استخلف الذين من قبلهم‪ ،‬وهذه ُسَّنة هللا في خلقه‪ ،‬عمل الصالحات مع اإليمان؛ كما قال سبحانه‪﴿ :‬‬
‫َو َقاَل اَّلِذيَن َكَفُر وا ِلُر ُسِلِهْم َلُنْخ ِر َج َّنُكْم ِم ْن َأْر ِض َنا َأْو َلَتُعوُدَّن ِفي ِم َّلِتَنا ﴾ [إبراهيم‪ ،]13 :‬تعودون في ملتنا‪ ،‬وترَض ون بأحكامنا وأنظمتنا وقوانينا‪،‬‬
‫وهم مستضعفون‪ ،‬هكذا ُو ِّج ه الخطاب إلى الرسل عليهم؛ ﴿ َفَأْو َح ى ِإَلْيِهْم َر ُّبُهْم ﴾ [إبراهيم‪ ،]13 :‬أوحى هللا إلى الرسل‪َ ﴿ ،‬لُنْهِلَكَّن الَّظاِلِم يَن *‬
‫َو َلُنْسِك َنَّنُكُم اَأْلْر َض ِم ْن َبْعِدِه ْم َذِلَك ِلَم ْن َخاَف َم َقاِم ي َو َخاَف َو ِعيِد ﴾ [إبراهيم‪.]14 ،13 :‬‬
‫‪2/6‬‬
‫َل‬
‫ِّك َّن َل‬
‫َّل‬
‫َل‬
‫ًك‬
‫أ‬
‫‪/‬وعد‪-‬هللا‪-‬للمؤمنين‪-‬العاملين‪-‬باالستخالف‪-‬والتمكين‪-‬خطبة‪https://www.alukah.net/sharia/1087/162544/‬‬
‫وعد هللا للمؤمنين العاملين باالستخالف والتمكين (خطبة)‬
‫‪28/05/2023, 12:44‬‬
‫قال سبحانه‪َ ﴿ :‬و َلُيَم ِّك َنَّن َلُهْم ِديَنُه ُم اَّلِذي اْر َتَض ى َلُهْم ﴾ [النور‪ ،]55 :‬وهنا وعد آخر‪ ،‬بعد االستخالف بأن يكون ملًكا حاكًم ا‪ ،‬وهو التمكين للدين‪،‬‬
‫دين هللا وهو اإلسالم‪ ،‬سيتحقق لمن آمن وعمل صالًح ا‪ ،‬وهو التمكين لهذا الدين الذي ارتضاه لنا؛ وهو اإلسالم؛ كما قال سبحانه‪َ ﴿ :‬و َر ِض يُت َلُكُم‬
‫اِإْل ْس اَل َم ِديًنا ﴾ [المائدة‪ ،]3 :‬إذا تحققت هذه األمور‪ ،‬هذه مقدمات‪ ،‬إذا ُو ِج دت حيث يكون الخليفة الممَّكن معتًّز ا بدينه‪ ،‬مفتخًر ا باإلسالم‪ ،‬وليس‬
‫كما يظن بعض الناس اليوم أن المسلمين في ذلة وهوان ونحو ذلك‪ ،‬إن هذا المسلم الذي تقول عنه ذلك هو حبيب هللا‪ ،‬ولو عنده معاٍص ‪ ،‬عنده‬
‫ذنوب‪ ،‬وأينا يخلو من ذلك‪ ،‬فيا حسرتاه على من يعتز بالكافرين‪ ،‬ويوالي المشركين! وقد حذر هللا من ذلك فقال‪ ﴿ :‬اَّلِذيَن َيَّتِخ ُذوَن اْلَكاِفِر يَن َأْو ِلَياَء‬
‫ِم ْن ُدوِن اْلُم ْؤ ِم ِنيَن َأَيْبَتُغوَن ِع ْنَدُهُم اْلِع َّز َة َفِإَّن اْلِع َّز َة ِهَّلِل َج ِم يًعا ﴾ [النساء‪ ،]139 :‬نسأل هللا السالمة‪.‬‬
‫﴿ َو َلُيَبِّد َلَّنُهْم ِم ْن َبْعِد َخ ْو ِفِهْم َأْم ًنا ﴾ [النور‪ ،]55 :‬وهذا وعد ثالث بعد االستخالف والتمكين‪ ،‬وهو حلول األمن واألمان محل الخوف‪ ،‬مضت علينا‬
‫مدة من شهر رمضان الماضي‪ ،‬والكل يتوقع الحرب‪ ،‬واجتياح غزة ونحو ذلك‪ ،‬وأبطل هللا هذا التفكير‪ ،‬ذهب رمضان والحمد هلل‪ ،‬ولن يحدث إال‬
‫ما أراد هللا‪ ،‬ثقوا بذلك يا عباد هللا‪ ،‬ال تخافوا من أي قصف جوي‪ ،‬أو بحري‪ ،‬أو بري‪ ،‬أو أي صوت انفجار قوي‪ ،‬توكلوا على هللا؛ ألنه ﴿ َلْن‬
‫ُيِص يَبَنا ِإاَّل َم ا َكَتَب ُهَّللا َلَنا ُهَو َم ْو اَل َنا َو َعَلى ِهَّللا َفْلَيَتَو َّكِل اْلُم ْؤ ِم ُنوَن ﴾ [التوبة‪.]51 :‬‬
‫﴿ َيْعُبُدوَنِني ﴾ [النور‪]55 :‬؛ يعني حال كونهم يعبدون هللا سبحانه‪ ،‬فإذا صارت عندهم الخالفة والتمكين في األرض‪ ،‬ال ينسون هللا عز وجل‪،‬‬
‫فيعبدونه عبادة خالصة ال شرك فيها؛ قال‪ ﴿ :‬اَل ُيْش ِر ُكوَن ِبي َشْيًئا ﴾ [النور‪]55 :‬؛ يعني ال يعبدون إلًه ا غيري‪ ،‬وال يراؤون بعبادتي أحًدا‪ ،‬وال‬
‫يخافون غيري‪ ،‬وال يحبون أحًدا سواي؛ [انظر‪ :‬تفسير القرطبي (‪.])300 /12‬‬
‫هذه النتائج الطيبة مع المقدمات المطلوبة‪ ،‬فأما إن حصل من المسلمين خالف ذلك؛ قال سبحانه‪َ ﴿ :‬و َم ْن َكَفَر َبْعَد َذِلَك ﴾ [النور‪]55 :‬؛ َكَفَر ُكْفَر‬
‫نعمة االستخالف والتمكين‪ ،‬واألمن واألمان‪َ ﴿ ،‬فُأوَلِئَك ُهُم اْلَفاِس ُقوَن ﴾ [النور‪]55 :‬؛ أي‪ :‬العصاة‪ ،‬الخارجون عن طاعة هللا سبحانه‪ ،‬وطاعة‬
‫رسوله صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫وفي اآلية التالية خَّص من األعمال الصالحة الصالة؛ فقال‪َ ﴿ :‬و َأِقيُم وا الَّص اَل َة ﴾ [النور‪]56 :‬؛ أي‪ :‬فال ينسينكم ما أنتم فيه من االستخالف‬
‫والتمكين‪ ،‬وفرح األمن واألمان‪ ،‬ال ينسينكم ذلك من إقامة الصالة في أوقاتها وشروطها‪ ،‬وأركانها وواجباتها‪ ،‬وهذا حق هللا سبحانه‪ ،‬وخَّص‬
‫أيًض ا حقوق الفقراء والمساكين؛ فقال‪َ ﴿ :‬و آُتوا الَّز َكاَة ﴾ [النور‪]56 :‬؛ أي‪ :‬وال تنسينكم نعمة الملك والخالفة واألمن حقوَق الفقراء والمساكين في‬
‫أموالكم‪.‬‬
‫وعَّم م بعد هذا الخصوص‪ ،‬عمم التخصيص بـطاعة الرسول صلى هللا عليه وسلم في كل ما جاء عنه‪ ،‬من كتاب هللا وسنة رسوله‪ ،‬اليوم بعض‬
‫الناس يقول لك كتاب هللا فقط‪ ،‬ال نريد السنة‪ ،‬يلغونها مطلًقا‪ ،‬نسأل هللا السالمة؛ فقال‪َ ﴿ :‬و َأِط يُعوا الَّر ُسوَل ﴾ [النور‪]56 :‬؛ أي‪ :‬وال تنسينكم نعمة‬
‫الملك والتمكين واألمن من طاعة رسول هللا الكريم صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬باتباع هديه وطريقته وُسَّنته‪.‬‬
‫﴿ َلَعَّلُكْم ُتْر َحُم وَن ﴾ [النور‪ ،]56 :‬إن فعلتم ذلك اإليمان والعمل الصالح‪ ،‬والعبادة الخالصة‪ ،‬وعدم اإلشراك به سبحانه وتعالى‪ ،‬وطاعة رسوله‬
‫صلى هللا عليه وسلم؛ باتباع سنته‪ ،‬وأقمتم الصالة‪ ،‬وآتيتم الزكاة‪ ،‬فلعلكم ترحمون‪.‬‬
‫فال رحمة للمخالف في ذلك‪ ،‬لعلكم ترحمون أنتم يا من فعلتم ذلك‪ ،‬ومن لم يفعل ذلك‪ ،‬فال رحمة للمخالف‪ ،‬فما بعد (لعل) في كتاب هللا ‪ -‬لو‬
‫وجدتها وقرأتها واستقرأتها ما بعد (لعل) ‪ُ -‬م عَّلق بما قبلها‪َ ﴿ ،‬لَعَّلُكْم ُتْر َحُم وَن ﴾ [النور‪]56 :‬؛ يعني إن فعلتم ما قبل (لعل) من طاعة هللا ورسوله‬
‫واإليمان‪ ،‬ظِفرتم بما بعدها‪.‬‬
‫"وهذا بيان لألعمال المطلوبة من المؤمنين‪ ،‬حتى يكونوا على الوصف الذي وصفهم هللا سبحانه وتعالى به‪ ،‬ووعدهم عليه االستخالف‪،‬‬
‫والتمكين واألمن واألمان؛ وهو أن يقيموا الصالة‪ ،‬وأن يؤتوا الزكاة‪ ،‬وأن يطيعوا الرسول صلى هللا عليه وسلم فيما يدعوهم إليه‪ ،‬ويندبهم‬
‫له‪"...‬؛ [التفسير القرآني للقرآن‪ ،‬لعبدالكريم يونس الخطيب (المتوفى‪ :‬بعد ‪1390‬هـ) (‪.])1317 /9‬‬
‫أقول قولي هذا‪ ،‬وأستغفر هللا لي ولكم‪.‬‬
‫‪3/6‬‬
‫‪/‬وعد‪-‬هللا‪-‬للمؤمنين‪-‬العاملين‪-‬باالستخالف‪-‬والتمكين‪-‬خطبة‪https://www.alukah.net/sharia/1087/162544/‬‬
‫وعد هللا للمؤمنين العاملين باالستخالف والتمكين (خطبة)‬
‫‪28/05/2023, 12:44‬‬
‫الخطبة اآلخرة‬
‫الحمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن وااله‪ ،‬واهتدى بهداه إلى يوم الدين؛ أما بعد‪:‬‬
‫فهذه اآليات التي ُتِليت دَّلت على عدة أمور؛ منها‪:‬‬
‫أن هللا تعالى حي قدير وقادر على جميع الممكنات سبحانه؛ لذلك وعد وحَّقق ما وعد؛ ألنه قال‪َ ﴿ :‬لَيْس َتْخ ِلَفَّنُهْم ِفي اَأْلْر ِض َكَم ا اْس َتْخ َلَف اَّلِذيَن ِم ْن‬
‫َقْبِلِهْم َو َلُيَم ِّك َنَّن َلُهْم ِديَنُه ُم اَّلِذي اْر َتَض ى َلُهْم َو َلُيَبِّد َلَّنُهْم ِم ْن َبْعِد َخ ْو ِفِهْم َأْم ًنا ﴾ [النور‪ ،]55 :‬وقد فعل ذلك‪ ،‬واستخلف المسلمين في األرض‪ ،‬ومَّكن‬
‫لهم دينهم‪ ،‬وبدلهم من بعد خوفهم أمًنا؛ فالصحابة رضي هللا عنهم كانوا في مكة في خوف شديد‪ ،‬فبدل ذلك أمًنا؛ ألنهم حققوا اإليمان‪ ،‬وعملوا‬
‫الصالحات‪ ،‬وأخلصوا هلل ولم يشركوا به شيًئا‪.‬‬
‫ودَّلت اآليات أيًض ا على أن هللا تعالى هو المستحق للعبادة وحده ال شريك له؛ لقوله‪َ ﴿ :‬يْعُبُدوَنِني ﴾ [النور‪ ،]55 :‬ال يعبدون مع هللا غيره‪.‬‬
‫وهو سبحانه منَّز ٌه عن النِّد والشبيه‪ ،‬والمثيل والشريك؛ لقوله تعالى‪ ﴿ :‬اَل ُيْش ِر ُكوَن ِبي َشْيًئا ﴾ [النور‪ ،]55 :‬فال يجوز عبادة غير هللا سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬هذا المعبود سواء كان شمًسا أو قمًر ا أو كوكًبا؛ كما يقول الصابئة‪ ،‬أو صنًم ا أو وثًنا؛ كما يقول عبدة األوثان‪ ،‬أو طاغوًتا‪ ،‬أو عبًدا‬
‫صالًح ا‪ ،‬أو نبًّيا مرساًل ‪ ،‬أو ملًكا مقرًبا‪ ،‬فال يعبدون إال هللا‪ ،‬هذه حقيقة كلمة‪ :‬أشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪.‬‬
‫ودَّلت اآليات على صحة نبوة نبينا محمد صلى هللا عليه وسلم؛ ألنه أخبر عن الغيب في قوله سبحانه وتعالى‪َ ﴿ :‬لَيْس َتْخ ِلَفَّنُهْم ِفي اَأْلْر ِض ﴾ [النور‪:‬‬
‫‪]55‬؛ اآلية‪ ،‬وقد تحقق الخبر‪ ،‬واسُتْخ ِلف المسلمون في األرض‪.‬‬
‫ودلت اآليات على إثبات خالفة األئمة األربعة؛ الخلفاء الراشدين‪ ،‬أبي بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعلي رضي هللا تعالى عنهم‪ ،‬فاآلية ﴿ َو َعَد ُهَّللا ﴾‬
‫[النور‪ ،]55 :‬أوضح دليل وأبينه؛ ألنهم المستخلفون الذين آمنوا وعملوا الصالحات‪ ،‬الذين وعدهم هللا باالستخالف بعد النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫ولكن ال تختص الخالفة بهم‪ ،‬بل تشمل غيرهم ممن اسُتْخ لفوا على المسلمين‪ ،‬ممن تحققت فيهم تلك المقدمات؛ اإليمان واألعمال الصالحات‪،‬‬
‫والعبادة الخالصة هلل‪ ،‬وعدم اإلشراك به‪.‬‬
‫إن من أتِّم النعم على الصحابة رضي هللا عنهم وتابعيهم من بعدهم رحمهم هللا‪ ،‬بعد نصرة اإلسالم ‪ -‬هو تبديل خوفهم أمًنا‪ ،‬كما وعد هللا تعالى؛‬
‫وأكده صلى هللا عليه وسلم فيما أخرجه البخاري في صحيحه‪(( :‬وهللا َلَيِتَّم َّن هذا األمر‪ ،‬حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت‪ ،‬ال يخاف‬
‫إال هللا‪ ،‬أو الذئب على غنمه‪ ،‬ولكنكم تستعجلون))؛ [(خ) (‪.])3612‬‬
‫متى قال هذا الكالم؟ قاله وهو ُم ْسِنٌد ظهره إلى الكعبة قبل الهجرة‪ ،‬وخَّباب بن األرِّت تحت التعذيب الشديد‪ ،‬فشكا إلى النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫شدة التعذيب من الناس فقال لهم‪(( :‬وهللا ليتمن هذا األمر‪ ،‬حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت‪ ،‬ال يخاف إال هللا‪ ،‬أو الذئب على غنمه‪،‬‬
‫ولكنكم تستعجلون))‪.‬‬
‫فاآلية معجزة النبوة؛ ألنها إخبار عما سيكون‪ ،‬فكان‪ ،‬وانتشر األمن واألمان في شبه الجزيرة العربية وما حولها‪.‬‬
‫أال واعلموا أن أساس العمل عبادة هللا باإلخالص‪ ،‬دون أن يشوبها شرك ظاهر‪ ،‬أو شرك خفٌّي ؛ وهو الرياء‪.‬‬
‫‪4/6‬‬
‫ُك ْف‬
‫أ‬
‫أ‬
‫‪/‬وعد‪-‬هللا‪-‬للمؤمنين‪-‬العاملين‪-‬باالستخالف‪-‬والتمكين‪-‬خطبة‪https://www.alukah.net/sharia/1087/162544/‬‬
‫وعد هللا للمؤمنين العاملين باالستخالف والتمكين (خطبة)‬
‫‪28/05/2023, 12:44‬‬
‫والمراد بُكْفِر المقصر عن الطاعات‪ ،‬يمكن أن ُيقال عن المقصر عن الطاعات كافر‪ ،‬لكن المراد بكفر المقصر هذا مع أنه مؤمن وقع في‬
‫المعاصي؛ في قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َم ْن َكَفَر َبْعَد َذِلَك ﴾ [النور‪ ،]55 :‬هو كفران النعمة‪ ،‬ال كفر خروج من الملة؛ فُيسَلب الخالفة والتمكين في‬
‫األرض‪ ،‬وُيسَلب األمن واألمان‪ ،‬نسأل هللا السالمة؛ ألنه قال سبحانه وتعالى‪َ ﴿ :‬فُأوَلِئَك ُهُم اْلَفاِس ُقوَن ﴾ [النور‪.]55 :‬‬
‫أما الكافر الحقيقي‪ ،‬فهو فاسق بعد هذا اإلنعام وقبله‪.‬‬
‫كما دلت اآليات على أن إقامة الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وإطاعة أوامر الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬واتباع سنته‪ ،‬واجتناب نواهيه‪ ،‬هذا سبب‬
‫للرحمة الشاملة من هللا الرحمن الرحيم سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫أال واعلموا عباد هللا أنه سبحانه لن يعِج َز هللا هرًبا في األرض أحٌد من الكفار‪ ،‬مهما بلغ من القوة‪ ،‬والجبروت‪ ،‬والظلم‪ ،‬والغطرسة‪ ،‬وإنما قدرة‬
‫هللا تطولهم‪ ،‬تنالهم قدرة هللا وتطولهم في أي مكان‪ ،‬وأي زمان مهما رأيت مما أعطاهم هللا من القدرة‪ ،‬ونحو ذلك هي بيد هللا‪ ،‬قال‪ :‬يسلطها‬
‫عليهم‪ ،‬قوتهم ترجع عليهم‪ ،‬نسأل هللا السالمة‪ ،‬وهم المقهورون‪ ،‬ومأواهم النار‪.‬‬
‫يؤيد ذلك قوله سبحانه وتعالى‪ ﴿ :‬اَل َتْح َسَبَّن اَّلِذيَن َكَفُر وا ُمْعِج ِز يَن ِفي اَأْلْر ِض َو َم ْأَو اُهُم الَّناُر َو َلِبْئَس اْلَم ِص يُر ﴾ [النور‪]57 :‬؛ [بتصرف من‬
‫التفسير المنير للزحيلي (‪.])288 ،287 /18‬‬
‫والنصر حليف هذه األمة إذا حققت إيمانها بربها‪ ،‬وتوحيدها وإخالصها في الطاعات والعبادات‪.‬‬
‫صلوا على رسول هللا الذي صلى هللا عليه في كتابه؛ فقال‪ِ ﴿ :‬إَّن َهَّللا َو َم اَل ِئَكَتُه ُيَص ُّلوَن َعَلى الَّنِبِّي َيا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا َص ُّلوا َعَلْيِه َو َسِّلُم وا َتْسِليًم ا ﴾‬
‫[األحزاب‪.]56 :‬‬
‫اللهم صِّل وسلم وبارك على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫وارَض اللهم عن الخلفاء األربعة؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي‪ ،‬وسائر الصحابة أجمعين‪ ،‬وارَض عنا معهم بمِّنك وكرمك يا أكرم األكرمين‪.‬‬
‫اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك‪ ،‬ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك‪ ،‬ومن اليقين ما تهِّو ن به علينا مصائب الدنيا‪.‬‬
‫اللهم مِّتْعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبًدا ما أحييتنا‪ ،‬واجعلها الوارث منا‪ ،‬واجعل ثأرنا على من ظلمنا‪ ،‬وانصرنا على من عادانا‪ ،‬وال تجعل‬
‫الدنيا أكبر هِّم نا‪ ،‬وال مبلغ علمنا‪ ،‬وال تسلط علينا بذنوبنا من ال يخافك فينا وال يرحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين‪.‬‬
‫اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك‪ ،‬وعزائم مغفرتك‪ ،‬والعزيمة على الرشد‪ ،‬والغنيمة من كل بٍّر ‪ ،‬والسالمة من كل إثم‪ ،‬والفوز بالجنة‪ ،‬والنجاة من‬
‫النار‪.‬‬
‫اللهم يا رب العالمين وأْبِر ْم لهذه األمة أمَر ُر ْش ٍد ُيَعُّز فيه أهل طاعتك‪ ،‬وُيَذُّل فيه أهل معصيتك حتى يتوبوا‪ ،‬وُيؤَم ر فيه بالمعروف‪ ،‬وُينَه ى فيه‬
‫عن المنكر‪ ،‬إنك على كل شيء قدير‪.‬‬
‫‪5/6‬‬
‫‪/‬وعد‪-‬هللا‪-‬للمؤمنين‪-‬العاملين‪-‬باالستخالف‪-‬والتمكين‪-‬خطبة‪https://www.alukah.net/sharia/1087/162544/‬‬
‫وعد هللا للمؤمنين العاملين باالستخالف والتمكين (خطبة)‬
‫‪28/05/2023, 12:44‬‬
‫اللهم وأظهر الهدى ودين الحق الذي بعثت به نبيك محمًدا صلى هللا عليه وسلم على الدين كله‪ ،‬ولو كره المشركون‪.‬‬
‫﴿ َر َّبَنا آِتَنا ِفي الُّدْنَيا َحَسَنًة َو ِفي اآْل ِخ َر ِة َحَسَنًة َو ِقَنا َعَذاَب الَّناِر ﴾ [البقرة‪.]201 :‬‬
‫﴿ َو َأِقِم الَّص اَل َة ِإَّن الَّص اَل َة َتْنَه ى َعِن اْلَفْح َشاِء َو اْلُم ْنَكِر َو َلِذ ْك ُر ِهَّللا َأْك َبُر َو ُهَّللا َيْعَلُم َم ا َتْص َنُعوَن ﴾ [العنكبوت‪.]45 :‬‬
‫حقوق النشر محفوظة © ‪1444‬هـ ‪2023 /‬م لموقع األلوكة‬
‫آخر تحديث للشبكة بتاريخ ‪8/11/1444 :‬هـ ‪ -‬الساعة‪15:19 :‬‬
‫‪6/6‬‬
‫‪/‬وعد‪-‬هللا‪-‬للمؤمنين‪-‬العاملين‪-‬باالستخالف‪-‬والتمكين‪-‬خطبة‪https://www.alukah.net/sharia/1087/162544/‬‬
Download