Uploaded by binjwon

تزوجت سادياا

advertisement
‫سلسلة ھي والشيطان‬
‫نظرة في واقع المرأة المصرية‬
‫الحكاية األولي‬
‫تزوجت ساديا‬
‫‪2‬‬
‫ﻣقدﻣة‬
‫أخبرتني بأسرارھا وطلبت ﻣني أن أروي قصتھا كما ھي دون‬
‫حذف أو إضافة‬
‫لعلھا تكون سندا إلﻣرأة أخري تمر بظروف ﻣشابھة‬
‫ورغم غرابة قصتھا إال أنني تحمست لھا‬
‫ووعدتھا بكتابتھا ‪.‬‬
‫وأردت أن أفيھا حقھا ھذه المرة ‪.‬‬
‫أرادت ﻣريم أن ألقي الضوء علي أحداث تقبع علي الجانب المظلم‬
‫وتحجبھا جدران البيوت عن الناس تحت غطاء التقاليد‬
‫ال تتھموھا بالخروج عما ھو ﻣألوف بل صبوا لعناتكم علي الوغد‬
‫الذي أفسد حياتھا ‪.‬‬
‫ال تكرروا ﻣأساة ﻣجتمعنا الشرقي وتجلدوا الضحية ألنھا باحت‬
‫كونوا عادلين وإجلدوا الجاني ألنه طغي‬
‫‪3‬‬
‫إھداء‬
‫إلي الشخص الذي حاول إحباطي والتقليل ﻣن شأني‬
‫شكرا ألنك جعلتني أثبت لنفسي أنني أستطيع أن أصل للنجوم‬
‫إن أردت ‪.‬‬
‫شكرا ألنك جعلتني أدرك أنه ﻣن السھل التخلي عنك أيضا ‪.‬‬
‫سعاد ﻣصطفي‬
‫‪4‬‬
‫إھداء‬
‫إلي ذلك الرجل الذي أردت أن أھديه روايتي فأھداني روحه ‪.‬‬
‫لم أستطع أن أصيغ لك بضع كلمات بإھداء‬
‫فنسجت أنت لي روحك وقلبك بقالدة زينت عنقي وإستقرت‬
‫بجوار قلبي ‪.‬‬
‫شكرا ألنك ﻣنحتني حياة أخري وكانت أفضل ﻣا حصلت عليه‬
‫يوﻣا ‪.‬‬
‫إليك أحمد‬
‫ورد‬
‫‪5‬‬
‫فالش‬
‫شعر طويل ﻣتداخل بشكل فوضوي ‪،‬وجه قد فسدت‬
‫زينته الثقيلة وتداخلت ألوانه لتطمس ﻣعالمه بعد أن‬
‫غسلته الدﻣوع الغزيرة وجسد قد غطته الكدﻣات بتلك‬
‫األﻣاكن التي يجب أال تكشف عنھا المالبس ‪.‬‬
‫لم تكن ھكذا دائما ‪.‬‬
‫لقد حولھا ھو لشبح إﻣرأة جميلة كانت عليھا يوﻣا ‪.‬‬
‫ذلك الجمال الذي وھبھا ﷲ إياه كان سبب لعنتھا ‪.‬‬
‫ذلك الوجه البسيط الذي يجذب اإلھتمام أصبحت تكرھه‬
‫ألنه جعله يختارھا ‪.‬‬
‫تمقت لحظات حضوره ‪ ،‬رائحته ‪ ،‬أنفاسه الدافئة‬
‫المقززة المشبعة بالنيكوتين والمشروبات الكحلية ‪.‬‬
‫فتحت المياه الدافئة لتزيل آثارعدوانه عنھا ‪ ،‬زادت‬
‫حرارتھا فلم تحاول اإلبتعاد بل تمنيت أن تصل للغليان‬
‫فقد تطھرھا ﻣن آثار الدنس الذي ألحقه بھا ‪.‬‬
‫إن إستطاعت التخلص ﻣن الدنس الجسدي فكيف‬
‫تتخلص ﻣن الدنس الروحي والنفسي؟‬
‫كان ھذا سؤالھا لي لكنني أردت أن أعرف تفاصيال أكثر‬
‫وﻣريم لم تبخل بھا عني ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫فنجان النسيان‬
‫نظرت لصورة زفافنا ودموعي تغسل وجھي ‪ ،‬كنت مخدوعة حينھا‬
‫وترتسم علي وجھي إبتسامة لم أكن أعلم أنھا ستتالشي بعد بضع‬
‫ساعات لألبد‪.‬‬
‫إكتشفت أنه من السھل أن تصدر صورة زائفة عن نفسك لآلخرين ‪،‬‬
‫يكفي فقط أن تكون كاذبا بارعا وستسير أمورك جيدا ‪.‬‬
‫ھذا ما فعله بي ھشام ‪.‬‬
‫ھكذا أوقعني بفخه ‪.‬‬
‫أذكر المرة األولي التي رأيته بھا ‪.‬‬
‫كنت يومھا حزينة لفراق أخي ‪ ،‬فلقد تم تحديد ميعاد سفره ليستلم‬
‫وظيفته بجامعة ھايدلبرغ األلمانية بعد أن حصل علي شھادة‬
‫الدكتوراه بطب األمراض العقلية الحديث منذ بضع شھور ‪.‬‬
‫عاد إلي مصر ليقضي معي أنا وأبي شھرين لم يكن يعلم أنھما آخر‬
‫شھرين بحياة أبي ‪.‬‬
‫أصر والدي قبلھا علي أن يمد أجازته لوقتا أطول كي نستمتع‬
‫بوجوده معنا لبعض الوقت ‪.‬‬
‫كانا أفضل شھرين مرا بعد وفاة أمي ‪.‬‬
‫كان حسن يصطحبنا بھما كل يوم بمكان جديد ‪.‬‬
‫بالصباح نخرج أنا وھو معا نقضي اليوم ننتقل من مكان آلخر ‪،‬‬
‫أقوم به بتقمص دور المرشدة السياحية رغم أنني ال أعرف الكثير‬
‫من المعلومات مما كان يضحكه كثيرا ‪ ،‬وبالمساء يصطحبنا حسن‬
‫ألحد المطاعم لنتناول العشاء ثم يدعونا للسينما أو نعود لنقضي‬
‫الليلة بلعب الشطرنج ‪.‬‬
‫إلي أن كاد موت أبي المفاجئ أن يقتلني ‪.‬‬
‫كان قد أخبرني أنه سيصلي العشاء ثم يعود ليقتل ملكي بثالث‬
‫حركات كما يفعل دائما ‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫أعددت القھوة التي يحبھا وأدار حسن أغنيته المفضلة " ھذه ليلتي"‬
‫وعندما تأخر دخلت ألراه ‪.‬‬
‫لقد سلم أبي روحه علي سجادة الصالة وھو يناجي ﷲ بآخر ليلة من‬
‫ليالي رمضان ‪.‬‬
‫بعد أبي رفض العيد أن يمر بمنزلنا ‪.‬‬
‫ماتت عصافيره باليوم التالي ‪ ،‬وإختفي كلبه ولم نستطع العثور عليه‬
‫‪ .‬وعندما ذھبت لقبره ألقرأ له الفاتحة وجدته يقبع ھناك ‪ .‬ھزيال‬
‫رافضا للطعام ‪.‬‬
‫أربكت خطط أخي فلم يرغب بتركي وحيدة بمصر لذا قرر‬
‫إصطحابي معه وبدأ بتجھيز األوراق الالزمة ‪.‬‬
‫ھو من أقنعني بالخروج لحضور زفاف صديقتي ‪ ،‬أوصلني للحفل‬
‫وأخبرني أنه سيعود ليصطحبني بعد ساعتين ‪.‬‬
‫ليته ما أقنعني وليتني ماذھبت ‪.‬‬
‫ھناك رآني‬
‫ھناك إختارني ضحية‬
‫ھناك وقعت بشباكه‬
‫لفتت زميلتي إنتباھي له قائلة أنه لم يرفع عينه عني وأن زفافا‬
‫جديدا يلوح باألفق ‪.‬‬
‫سخرت منھا ونظرت بساعتي فقد تأخر حسن عن الحضور ‪.‬‬
‫رفعت عيني لتصطدم بعينيه العميقتين ‪ .‬بعدھا وجدت حسن يقف‬
‫بجواري فابتسمت له وإستعديت للمغادرة لكن صوته قد قاطعني‬
‫وھو يوجه حديثه ألخي قائال " ماذا تريد منھا ؟"‬
‫نظر أخي إليه حائرا ثم سأله " من أنت؟ وماذا تريد؟"‬
‫فقال له " ھذا ما سألتك عنه منذ قليل "‬
‫إبتسم حسن قائال " حسن مصطفي ‪ ،‬أخيھا وأنت ؟ "‬
‫إبتسم ثم إعتذر قائال " آسف كنت أعتقد أنك تحاول إزعاجھا ‪ ،‬أنا‬
‫ھشام سعيد مدير مالي بشركة رسالن ‪.‬‬
‫ھز له حسن رأسه محييا وشكره علي إھتمامه بي وإستأذن لنغادر‬
‫لكنه قد عرض علينا إيصالنا إن لم يكن معنا سيارة فقبل أخي ‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫بعد يومين حضر لمنزلنا وقابل أخي وطلب منه يدي فأخبره أن‬
‫األمر يتوقف عل َي ‪.‬‬
‫كما أخبره بظروف سفره وبرغبته في إصطحابي ‪ ،‬لكنه عندما علم‬
‫ذلك عرض علي أخي أن يقيم عرسنا سريعا قبل سفره ‪.‬‬
‫حدثني حسن باألمر فلم أعرف بماذا أجيبه فإقترح عل َي أن يسمح له‬
‫بالحضور للمنزل والحديث معي كي أقرر ‪.‬‬
‫بكل المرات التي حضر بھا ھشام كان حسن يجلس بعيدا بإحدي‬
‫الزوايا يقرأ كتابا ‪.‬‬
‫أخبرني ھشام أنه يتيم قد مات والده وھو صغير وربته أمه إلي أن‬
‫رحمھا ﷲ منذ ثالث سنوات ‪.‬‬
‫وأنه يعيش وحيدا بشقة والديه وسوف يجري عليھا تعديالت كي نقيم‬
‫بھا بعد زواجنا ‪.‬‬
‫كما أنه يحتل منصبا ھاما بالشركة التي يعمل بھا والجميع يحترمه ‪.‬‬
‫أحضر حسن لنا عصيرا فشربناه ثم وضعت الكأس علي الطاولة‬
‫فغضب ھشام وأمسك الكأس الفارغ سريعا ووضعه بمحاذاة اآلخر‬
‫بالضبط ‪.‬‬
‫نظرت إليه مندھشة فقال مازحا " ھكذا لن يشتاق لرفيقه "‬
‫فضحكت ‪.‬‬
‫كنت أعتقد أنه يمزح وقتھا ولم أعرف أن ما فعله كان عرضا من‬
‫أعراض مرضه النفسي ‪.‬‬
‫عندما أخبرت حسن بموافقتي ضمني إليه وقبل رأسي وأخبرني‬
‫أنني سأكون أجمل عروس ‪ .‬وباليوم التالي بالمساء جلس بجواري‬
‫وسلمني ميراثي ‪.‬‬
‫أخبرني أن أبي قد ترك له شقة ليتزوج بھا لكنه ال يريدھا وقد كتبھا‬
‫بإسمي وسلمني عقدھا بيدي وإستأذني أن يحصل علي شقة والدينا‬
‫ھذه ألنھا تمثل له قيمة عاطفية كبيرة فوافقت بكل سرور ‪.‬‬
‫وبالنسبة للمال فقد فتح لي حسابا بالبنك ووضع به حقي من مال‬
‫أرض أبينا التي باعھا ‪.‬‬
‫وأنه سيسافر بعد زفافي مباشرة ألنه قد تأخر كثيرا علي عمله ‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫أعطاني نسخة من مفتاح شقته ھذه ألحتفظ بھا معي كي أستطيع‬
‫اإلعتناء بھا ‪.‬‬
‫وساندني بكل خطوة كنت أخطوھا كي ال يشعرني بفقدان أمي وأبي‬
‫فإختار معي فستاني ومالبسي وتصفيفة شعري ‪ ،‬حتي أن جارتي‬
‫بالشقة المقابلة قد إعتقدته زوجي‪ .‬فھشام أخبرنا أن العمال لم ينتھوا‬
‫من إعداد الشقة فإقترح حسن أن نقيم بالشقة التي كان سيتزوج بھا ‪،‬‬
‫شيئا ما دفعني لعدم إخبار ھشام أنھا قد أصبحت ملكي ‪.‬‬
‫شعرت حقا بالفرح عندما رافقني حسن وسلمني لھشام وإنھرت بكائا‬
‫وأنا أضمه قبل أن يغادر بنھاية الحفل ‪.‬‬
‫فبعد سفره فقدت كل ما يربطني بالواقع ‪ ،‬بل بالحياة ‪.‬‬
‫بمجرد دخولنا الشقة أغلق ھشام الباب بالمفتاح ‪ ،‬إعتقدت أنه يمزح‬
‫معي ويحاول إخافتي لكن ما رأيته بعينيه أكد لي أن ال يمزح ولن‬
‫يمزح مجددا ‪.‬‬
‫كانت عينيه قاسية باردة وتبدلت نظرته لي من نظرة الحب التي كان‬
‫يدعيھا إلي نظرة اإلحتقار ‪.‬‬
‫لم أستطع أن أستوعب التغير السريع الذي حدث فإبتسمت وإقتربت‬
‫منه وسألته‬
‫"ماذا بك ؟"‬
‫ضحك ضحكة مخيفة قائال " أنا بخير ‪ ،‬لقد عدت لطبيعتي لكنك لن‬
‫تستطيعي أن تعودي أبدا ‪" .‬‬
‫إبتعدت قليال قائلة " أنا ال أستطيع فھمك "‬
‫قال لي وھويخلع رابطة عنقه ويفك أذرار قميصه‬
‫"سأفھمك بالطريقة الوحيدة التي تحبيھا ‪ ،‬لقد كانت عينيك تتوسلني‬
‫منذ أول مرة رأيتك بھا أن أفعل وھا قد حان الوقت ألفعل "‬
‫إبتعدت للخلف‬
‫" أنت تخيفني"‬
‫إتسعت إبتسامته‬
‫" ھذا جيد "‬
‫ركضت الي حجرة النوم ألھرب منه فتعثرت بفستاني فوصل إل َي‬
‫وحملني ثم رماني علي الفراش بقوة‬
‫‪10‬‬
‫صرخت قائلة‬
‫" ھل أصابك الجنون؟"‬
‫إتسعت عيناه وفتحتي أنفه وقال‬
‫" سأريكي الجنون اآلن "‬
‫بدأ بتمزيق فستاني فصرخت‬
‫" أرجوك ياھشام ‪ ،‬أنت تؤلمني وتخيفني"‬
‫ضحك قائال‬
‫" عليك دائما إخباري بمشاعرك ‪ ،‬أريد أن أعرف دائما بماذا‬
‫أجعلك تشعرين "‬
‫حاولت أن أجعله يھدأ‬
‫" فقط إخبرني بما تريده مني وسأفعله ‪ ،‬أرجوك دعني ‪ ،‬ال تخيفني‬
‫"‬
‫قطب جبينه قائال‬
‫" ستفعلين ما أريده لكن ليس بإرادتك "‬
‫حاولت إبعاده لكنه كان ثقيال‬
‫خمشته بأظافري فسبني بأقذع األلفاظ‬
‫صرخت‬
‫فضحك‬
‫زاد صراخي فزادت نشوته‬
‫صفعني‬
‫فغبت عن الدنيا‬
‫وفقدت وعيي‬
‫إستيقظت علي رائحة ثقيلة تقتحم أنفي إقتحاما‬
‫فتحت عيني‬
‫فتلقيت صفعة أخري منه‬
‫" ال تتركيني مجددا‪ ،‬فال أحب مضاجعة الموتي "‬
‫كنت مرھقة جدا ‪ ،‬ال أستطيع التنفس ‪ ،‬شيئا ما يجثم فوق صدري ‪.‬‬
‫يقف بحلقي‬
‫يعوق تنفسي‬
‫يسحب مني الحياة‬
‫‪11‬‬
‫أھو الموت ؟‬
‫ليته كان‬
‫إنه ألم الخذالن ‪.‬‬
‫لقد تم إغتصابي من قبل زوجي وبليلة زفافي‬
‫أي جحيم رميت به نفسي‬
‫لقد قبلت بوجوده بحياتي بشرط وحيد ھو التقدير‬
‫وبليلتنا األولي ضرب بشرطي عرض الحائط ‪.‬‬
‫أھذا حلم؟‬
‫بل كابوس‬
‫ألم يكن بوعيه ؟‬
‫ھل شرب شيئا ما جعله يفعل بي ذلك؟‬
‫ھل سيعتذر ويقبل رأسي عندما يسترد عقله ويدرك الحماقة التي‬
‫إرتكبھا ؟‬
‫بالطبع سيفعل فال يوجد شخص عاقل يفعل ذلك بزوجته بليلتھم‬
‫األولي ‪.‬‬
‫يذيقھا كم األلم والذل والخوف واإلحتقار ھذا ‪.‬‬
‫ھل أبحث له عن مبررأم أبحث لنفس عن طوق نجاة ؟‬
‫أنا ال أعلم لكني متعبة‬
‫ومنھكة‬
‫بل منتھكة‬
‫سالت دموع عيني قبل أن أغلقھا وأتوه بدوامة ال تنتھي من‬
‫الكوابيس ‪.‬‬
‫***‬
‫عندما فتحت عيني مجددا لم أعرف كم مر من الوقت ‪ ،‬تحركت‬
‫بصعوبة من الفراش ‪ .‬شعرت بألم بأضلعي وسائر أنحاء جسدي ‪.‬‬
‫رأيت آثار فوضي األمس ‪ ،‬فستاني الممزق وحذائي ودليل طھارتي‬
‫وعفتي ‪ .‬سالت دموعي مجددا وأنا أحاول السير للحمام ألزيل آثاره‬
‫التي لوثت جسدي ‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫رأيت الكثير من الخدوش والكدمات بكل سنتيمتر منه‪.‬‬
‫إرتديت جينزا وتيشرتا ‪ ،‬جمعت شعري وخرجت خائفة من أن‬
‫يظھر لي من مكان ما بالشقة ‪.‬‬
‫إتجھت للباب حاولت فتحه لكنه كان موصدا ‪ ،‬بحثت عن المفتاح فلم‬
‫أجده ‪.‬‬
‫إتجھت للھاتف فوجدته قد إختفي ‪ ،‬حاولت فتح النوافذ لكنه كان قد‬
‫أحكم غلقھا ووضع عليھا أقفال موصدة ‪.‬‬
‫دخلت المطبخ فوجدت بابه مغلقا لكنني وجدت أيضا نافذة صغيرة‬
‫باألعلي سحبت مقعدا من الطاولة وصعدت فوقه وفتحتھا وحمدت‬
‫ﷲ أنه لم ينتبه لھا أيضا فيغلقھا ‪.‬‬
‫كانت تطل علي مساحة صغيرة تفصل بين مطبخي ومطبخ الجيران‬
‫‪.‬‬
‫إن كان باب مطبخي موصد فالبد أن بابھم ليس كذلك ‪ ،‬قد أستطيع‬
‫التواصل معھم لينقذوني ‪.‬‬
‫سمعت جلبة عند الباب فإرتعبت ‪،‬أعدت المقعد مكانه وخرجت ‪.‬‬
‫فتح ھشام الباب ودخل الشقة وھو يحمل عدة أغراض ‪ ،‬نظر لي‬
‫بشك ثم سألني‬
‫"لماذا ترتدين ھذه المالبس؟"‬
‫" ماذا عل َي أن أرتدي؟"‬
‫إقترب مني فتراجعت خوفا فصرخ بي‬
‫" تعالي إلي ھنا"‬
‫لم أستطع التحرك فقال محذرا‬
‫"بكل مرة تخالفين أوامري ستتعرضين للعقاب ‪ ،‬لقد إختبرتي عقابي‬
‫أمس ويبدو أنه قد راق لك ‪".‬‬
‫" لماذا تفعل معي ذلك؟"‬
‫صرخ بي مجددا‬
‫"مريم‪ ،‬تعالي إل َي "‬
‫تحركت تجاھه وقدماي ال تحمالني فقال‬
‫‪13‬‬
‫" لدي قواعد إن إلتزمتي بھا لن تتعرضي لغضبي وإن لم تفعلي‬
‫فتحملي عاقبة غبائك ‪ .‬ھل فھمت ؟"‬
‫ھززت رأسي فصرخ بي‬
‫" قولي نعم فھمت "‬
‫رددت جملته فإبتسم قائال‬
‫" أحبك مطيعة‬
‫القاعدة األولي ‪ :‬ال تتحديني‬
‫القاعدة الثانية ‪ :‬ال تحاولي الھرب ألنني سأعثر عليك وأقتلك‬
‫القاعدة الثالثة ‪ :‬كوني مطيعة‬
‫القاعدة الرابعة ‪ :‬سترتدين ما أحضره لك فقط‬
‫القاعدة الخامسة "ستضعين الزينة الثقيلة علي وجھھك طوال الوقت‬
‫القاعدة السادسة‪ :‬ال تحركي شيئا من مكانه ‪".‬‬
‫ذرفت دموع اإلذالل أمامه فرمي بوجھي أحد األغراض بيده‬
‫" إرتدي ھذا "‬
‫عندما نظرت للرداء المبتذل لم أستطع أن أحتفظ بما تبقي في معدتي‬
‫فركضت للحمام أفرغ ما بھا ‪.‬‬
‫أتي خلفي غاضبا وسحبني من شعري وأنا أغسل فمي فتأوھت‬
‫متألمة وشعرت أنه سينزع بصيالت شعري من رأسي‬
‫" ھل أثير تقززك ؟"‬
‫لم أجب فشدد قبضته علي شعري فصرخت‬
‫" نعم "‬
‫فابتسم وقال لي‬
‫" سأحرص علي ذلك دائما واآلن إرتدي ھذا "‬
‫منحني الرداء بيده األخري فرميته أرضا قائلة‬
‫"لست ساقطة ألرتدي ھذا "‬
‫قبض علي ذراعي وشدني إلي صدره ووضع وجھي أمام المرآة‬
‫قائال‬
‫" إنظري ‪ ،‬ماذا ترين؟"‬
‫قلت غاضبة‬
‫" أري وغدا يقف بجواري"‬
‫‪14‬‬
‫سحبني لألرض وعلي وجھه ترتسم مالمح شيطان‬
‫" كنت أعرف أنك ساقطة وأن ما أفعله بك يروق لك ‪ ،‬أنت‬
‫تتوسليني ألفعل "‬
‫ثم علمت أنني سأخوض رحلة عذاب جديدة ‪.‬‬
‫***‬
‫لم أتخيل يوما أن ذلك الرجل الطويل ذو الشعر البني والعينين‬
‫الخضراوين والبشرة البيضاء والذي كان دمث األخالق بالبداية‬
‫يخفي تحت قشرته الزائفة شخصية متسلطة مريضة ‪.‬‬
‫ھشام سادي يتلذذ بايذائي جسديا ونفسيا ‪.‬‬
‫اليتواني عن سبي بأقذع األلفاظ ليؤلمني وينتشي من ألمي ‪.‬‬
‫تردد بأذني صدي صرخاتي وتوسالتي له كي يكف عن إيذائي لكني‬
‫أدركت فيما بعد أن ذلك يثيره أكثر وأنه يتلذذ بألمي ‪.‬‬
‫أشحت بوجھھي بعيدا ونظرت للساعة فأدركت أنه أوشك علي‬
‫الوصول فنھضت سريعا ألجمع الكتب التي كنت أقرأھا وأخفيھا‬
‫بعيدا خوفا من تمزيقه لھا كما فعل بإحدي المرات عندما حضر‬
‫ووجد بيدي كتابا فجن جنونه ومزقه شر تمزيق قائال‬
‫" أنه تزوجني من أجل أن أسليه وليس من أجل أن أتسلي أنا "‬
‫وبما أنني مسجونة بشقتي دائما وال يسمح لي بمزاولة أي نشاط فقد‬
‫مررت لجارتي بطاقني اإلئتمانية كي تشتري لي الكتب وإسطوانات‬
‫الموسيقي فزادت ثقافتي وتعلمت العديد من األشياء دون علمه ‪.‬‬
‫وبرغم ما كنت أمر به من عذاب إال أنني رفضت إقتراح جارتي‬
‫بإبالغ الشرطة كي تنقذني من ذلك المختل ‪.‬‬
‫كنت خائفة من التھديدات التي يسكبھا بأذني سكبا ‪.‬‬
‫سأشوه وجھك ‪ ،‬سأبتر أصابعك ‪ ،‬سأقتلك بنھاية األمر بعد أن تذوقي‬
‫كل ألوان التعذيب ‪.‬‬
‫كنت أعرف أن بإمكانه فعل ذلك ‪ ،‬وأن الشرطة نفسھا لن تستطيع‬
‫حمايتي منه ‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫منذ تواصلت مع جارتي بإحدي المرات عبر شرفة المطبخ وحكيت‬
‫لھا قصتي أقسمت علي الكتمان وعلي مساعدتي سرا دون علمه‪.‬‬
‫***‬
‫‪16‬‬
‫تزوجت ساديا‬
‫دخلت حجرتي سريعا ألبدل مالبسي وأضع زينتي وأظھر بالمظھر‬
‫الذي يجبرني عليه ‪.‬‬
‫كم كرھت أن أكون دميته ‪ ،‬عبدة لرغباته الشاذة ‪ ،‬جارية يستخدمھا‬
‫ثم يرميھا عندما يشاء ‪.‬‬
‫لكنني أجبرت نفسي علي إطاعته كي ال أتعرض لإليذاء ‪.‬‬
‫لقد قرأت كثيرا عن مرضه ‪.‬‬
‫قبل معرفتي به كنت أجھل كل شيئ عن السادية ‪.‬‬
‫األن أستطيع إخباركم بمجلدات عنھا ‪.‬‬
‫فالسادية ھي إكتساب المتعة من رؤية األخرين يقاسون األلم أو عدم‬
‫الراحة ‪ .‬وإستخدام القسوة العاطفية والتالعب باآلخرين من خالل‬
‫إستخدام التخويف والعنف تماما كما يفعل معي ‪.‬‬
‫بت أعتقد أن ھشام يصنف كسادي إجرامي وھذا النوع ھو األكثر‬
‫وحشية فھو أكثر منھجية في إستخدام العنف ويختار ضحاياه بعناية‬
‫فائقة كي يضمن أن من وقع عليه اإلختيار لن يقاوم ‪.‬‬
‫ھل ھناك ضحايا له قبلي؟‬
‫وھل ستكون نھايتي الموت؟‬
‫بالطبع أعتقد ذلك ‪ ،‬ففي إحدي المرات سيفقد السيطرة علي نفسه‬
‫ويدق عنقي أو يغرس بقلبي سكينا أو يشغل النار بشقتي وأنا نائمة ‪.‬‬
‫كل اإلحتماالت واردة ‪.‬‬
‫لم أعد أبتغي شيئا من الدنيا فقط أتمني أن يرحمني ﷲ ويجعل موتتي‬
‫سريعة فقد سأمت األلم ‪.‬‬
‫***‬
‫‪17‬‬
‫ھشام‬
‫إنھا مجرد ساقطة‬
‫عندما نظرت إليھا ألول مرة إكتشفت خداعھا ‪.‬‬
‫كان حفل زفاف زميل لي ‪ ،‬رأيتھا تقف بحلقة تضم أربعة فتيات‬
‫غيرھا ‪ ،‬كانت أكثرھم إحتشاما وھدوءا وإبتسمت لتكشف عن صفين‬
‫من المرمر وقع علي إثر إبتسامتھا نصف شباب الحفل إعجابا‪.‬‬
‫إقترب منھا أكثر من شاب ليتحدث معھا لكنھا تجاھلتھم وكأنھا‬
‫خلقت من مادة أكثر رقيا منھم جميعا ‪.‬‬
‫كل شيئ بھا ‪ ،‬عينيھا العسليتين ‪،‬رموشھا الطويلة ‪ ،‬أنفھا المتكبر ‪،‬‬
‫شفتيھا المكتنزتين وجسدھا الرشيق كان يخبرني أنھا تريدني أنا ‪،‬‬
‫تريد أن تخضع لي ولسلطتي ‪.‬‬
‫لقد تجسدت روح أمي بھا ‪.‬‬
‫اآلن فقط أستطيع أن أنتقم ‪.‬‬
‫سأحقق العدالة التي أبي ﷲ أن يحققھا وإضطرني أن أضع خططا‬
‫مختلفة لنفسي ‪.‬‬
‫***‬
‫‪18‬‬
‫صدي الكفر‬
‫اليوم إكتشفت شيئا ال أستطيع إلي اآلن أن أقرر أھو جيدا أم سيئ ‪.‬‬
‫أنا حامل !‬
‫رددت ھذه الجملة ببالھة‬
‫وكان لوقع سمعھا صدا عجيبا بنفسي‬
‫فانھالت علي رأسي األفكار الجيدة تختلط باألفكار البائسة‬
‫أوشكت علي الجنون‬
‫ھل سأنجب بنتا تتلقي نفس معاملتي ؟‬
‫أم أنجب ولدا نسخة عن أبيه؟‬
‫أم أن حضور طفل سيجعل ھشام يرفق بي وبه ؟‬
‫ال أعرف حقا ھل أصرخ من الفرحة أم من األلم ‪.‬‬
‫كل ما أعرفه أن بقلبي يكمن إحساسا أسودا ‪.‬‬
‫ھل مازلت أصلح ألن أكون أما أم أن الرحمة قد تم نزعھا من قلبي‬
‫؟‬
‫ھل من العدالة أن أنجب طفل والده مريضا نفسيا وقد حولني لواحدة‬
‫أيضا ؟‬
‫‪19‬‬
‫ال أعلم ماذا علي أن أفعل ‪ ،‬حتي جارتي قد أصابتھا الصدمة وكل‬
‫مارددته علي مسامعي وأنا أريھا نتيجة إختبار الحمل الذي أحضرته‬
‫لي‬
‫" ال إله إال ﷲ ‪ ،‬قدر ﷲ وماشاء فعل "‬
‫ثم إدعت أنھا بحاجة إلعداد الغداء رغم أنھا كانت تحكي لي قبلھا‬
‫ببضع دقائق عن خلطة التوابل التي جعلت غدائھم رائعا ‪.‬‬
‫سمعت صوت المفتاح وھو يدور بالباب فشعرت كمجرم أوشك أن‬
‫يقبض عليه بجرمه المشھود ‪.‬‬
‫وضعت اإلختبار بجارور المطبخ ووقفت أمامه لم أستطع أن أفعل‬
‫شيئا أكثر ألن ھشام بعد ثوان كان يقف أمامي يمسح بعينيه المطبخ‬
‫ليبحث عن أي خلل ‪.‬‬
‫سقطت أنظاره علي المقعد الذي لم يوضع كما يجب ثم رفع رأسه‬
‫للنافذه الشبه مفتوحة ثم سلط عينيه عل ًي ‪.‬‬
‫سالت قطرات العرق علي جبيني فأزاحني من مكاني فأبيت أن‬
‫أتحرك ‪ .‬كنت أشعر بدقات قلبي بحلقي وكأنه يتأھب للقفز خارج‬
‫جسدي ‪ ،‬رفض جسدي تنفيذ أوامر عقلي بالتحرك كي ال أثير‬
‫شكوكه أكثر ‪.‬‬
‫شعرت بنفسي أرفع عن األرض وأوضع بمكان آخر ثم ھجم علي‬
‫محتويات الجوارير خلفي يفرغھا واحدا تلو اآلخر ‪.‬‬
‫لم يكن يعرف عما يبحث ‪.‬‬
‫نظر لألغراض المتناثرة وعثر عما حاولت إخفاؤه ‪.‬‬
‫أمسك بيده إختبار الحمل ونظر له لثوان ثم نظر للنافذة والمقعد ثم‬
‫لي ‪.‬‬
‫إتسعت عينيه وھو ينقل نظره بيني وبين اإلختبار ‪.‬‬
‫شعرت أنھا نھايتي ‪.‬‬
‫سمعت أنه قبل الموت تعرض مشاھد من حياة اإلنسان أمامه قبل‬
‫خروج روحه ‪ .‬ال أحد عاش بعدھا ليؤكد شكوكنا أو ينفيھا ‪.‬‬
‫لكنني لم أري إال تحول ھشام ‪.‬‬
‫شعرت أنه يتحول أمامي لشيطان ‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫يتسع فكه‬
‫تبرز أنيابه وقرونه‬
‫نظرت حولي ألحضر ما أدافع به عن نفسي ‪.‬‬
‫سحبني من شعري بنفس الوقت الذي سحبت به سكينا من األرض ‪.‬‬
‫لم تكن يدي وحدھا من ترتعش بل سائر جسدي ‪.‬‬
‫وصوت صراخ ھشام يصم آذاني وھو يصفعني علي وجھي بيد‬
‫ويمسك باألخري شعري ‪.‬‬
‫" خالفتي قواعدي "‬
‫شددت قبضتي علي السكين ‪.‬‬
‫" تواصلتي مع الجيران "‬
‫إستجمعت شجاعتي ألطعنه‬
‫" ستنجبين لي وغدا يشاركني مجدي أم ساقطة تزيد جحيمي ؟"‬
‫رفعت السكين وغرزته بيده ‪.‬‬
‫نظر لي غير مصدق ‪.‬‬
‫" الساقطة تضرب أيضا ؟!"‬
‫نزع السكين من يده ورماھا أرضا وبدأ يكيل لي اللكمات ببطني‪.‬‬
‫حاولت أن أحمي نفسي أو أدير له ظھري لكنه كان ھستيري بشكل‬
‫مخيف‬
‫لم يكترث للدماء التي تسيل من يده وكأنه ال يشعر بھا فقط بدأ‬
‫يصرخ بكالم غير مفھوم وھو يضربني ‪.‬‬
‫" أنا مميز "‬
‫" ﷲ لم يخلق مثلي "‬
‫" كان عليه أن يجعلني رسوال "‬
‫" بل أنا رسول "‬
‫" أنا رسول األلم "‬
‫" والساقطة تريد إنجاب وغد صغير يسرق مني مجدي "‬
‫" لن يخلق مثلي مجددا "‬
‫" ھل سمعت ؟ "‬
‫" لن أدعك تخلق مثلي "‬
‫‪21‬‬
‫" أنا فريد "‬
‫بدأ صدي كفره يبتعد عن أذني وبدأت رؤيتي تتشوش‬
‫كان آخر ما رأيته‬
‫دماء طفلي الذي قتله تختلط بدمائي‬
‫تمنيت علي ﷲ أال أري شيئا آخر ‪.‬‬
‫أن يقبض روحي كما قبض روح جنيني الذي بث به الحياة منذ‬
‫بضعة أسابيع ‪.‬‬
‫طفلي مات باليوم الذي علمت بوجوده به ‪ ،‬وعلي يد أبيه ‪.‬‬
‫لم أستطع الحفاظ عليه ‪.‬‬
‫ھل كنت أريد الحفاظ عليه؟‬
‫غاب الضوء عن عيوني كما غابت الحياة عن طفلي ‪.‬‬
‫***‬
‫‪22‬‬
‫روﻣا‬
‫لم أكن يوما إمرأة دون عقل ‪ ،‬فكل أساتذتي بالجامعة كانوا يتوقعون‬
‫لي مستقبل مشرق ويمدحون ذكائي وقدرتي علي التعلم وذاكرتي‬
‫الفالذية ‪ .‬فيكفي أن أقرأ شيئا لمرة واحدة أو أسمعه ليلتصق بعقلي‬
‫مدي الحياة ‪.‬‬
‫كان لدي نھم للمعرفة وكنت أسعي دائما إلشباعه ‪.‬‬
‫أردت التميز وسعيت لتحقيقه وخطوت أولي خطواتي عندما‬
‫إستكملت دراستي بعد الجامعة ‪.‬‬
‫كنت أود أن أبرز بالمجال األكاديمي ‪.‬‬
‫أن أضع يوما ما نظريات بعلم اإلقتصاد ‪.‬‬
‫أن أترك بصمتي بعقول عشاق ھذا العلم مثلي ‪.‬‬
‫والدي كان رجال عظيما ‪.‬‬
‫شجعني دائما علي أن أكون أفضل ‪.‬‬
‫كان يساعدني بمجموعات الكتب النادرة التي يھديني إياھا من وقت‬
‫آلخر ‪.‬‬
‫كان دائما يقول لي‬
‫" إقطفي من كل بستان زھرة لتصنعين حديقتك الخاصة "‬
‫لذلك لم أقتصر بقرائتي علي علم اإلقتصاد فقط بل أبحرت بالفلسفة‬
‫والسياسة واإلجتماعيات ‪.‬‬
‫أرسل لي حسن بعيد ميالدي الماضي مجموعة روايات ألمانية ‪.‬‬
‫كنت أعتقد أنه يود إغاظتي ألنه يجيدھا ‪.‬‬
‫لكنني فھمت فيما بعد أنه أرادني أن أتعلم األلمانية‬
‫أراد إبالغي بشكل غير مباشر ‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫حسن دائما يحب األلغاز ويبرع بحلھا ‪.‬‬
‫كان يجذب شعري بلطف دائما ويقول لي‬
‫" يوما ما ياروما ستغيرين العالم "‬
‫لم أحزن يوما أن ﷲ لم يمنحني أختا تشاركني جنوني ‪.‬‬
‫فلقد منحني حسن ‪.‬‬
‫أفضل رجل قد تحصل عليه فتاة يوما ‪.‬‬
‫محظوظة ھي من تجد رجال يدفعھا لتكون أفضل ‪ ،‬يربت علي يدھا‬
‫ليقويھا ‪ ،‬يفتح لھا ذراعيه إن إحتاجت لألمان‬
‫يحل محل وسادتھا فيمسح دموعھا ويواسيھا‪.‬‬
‫لم أندھش أن حسن يتصف بكل ھذه الصفات فوالده كذلك أيضا ‪.‬‬
‫حسن ھو أخي الكبير ‪.‬‬
‫وبالحقيقة ھو كبير قامة وقيمة ‪.‬‬
‫نشأنا معا وكنا نتنافس من منا سيصبح أفضل ليفتخر به والدانا أكثر‬
‫‪.‬‬
‫رغم أننا كنا نعلم جيدا أنھما يقبالنا كما نحن ونحظي لديھما بنفس‬
‫المكانة ‪.‬‬
‫غادرت والدتي مبكرا ‪.‬‬
‫كنت أخضع إلمتحانات الثانوية العامة عندما وافتھا المنية ‪.‬‬
‫وكان أخي يخضع إلمتحانات السنة النھائية بكليته ‪.‬‬
‫يومھا فتح أبي ذراعاه لنا وضمنا قائال‬
‫"سنكمل ما أرادته والدتكما ‪ ،‬لن ندع خسارتنا لھا تعيق تنفيذ األحالم‬
‫التي رسمناھا معا ‪.‬‬
‫كانت كلمات أبي ھي الدفعة التي كنا بحاجة إليھا ‪.‬‬
‫أنھيت إمتحاناتي وبعد بضعة أسابيع علمت أنني لم أخذل أمي ‪.‬‬
‫بعدھا قدمت أوراقي وقررت دراسة اإلقتصاد ‪.‬‬
‫***‬
‫‪24‬‬
‫ﻣريم‬
‫عندما فتحت عيني وجدت نفسي بالمشفي وھشام يجلس بجواري‬
‫يمسك يدي ويخبرني كيف أذاني السقوط عن السلم ‪.‬‬
‫كل ما كان برأسي وقتھا سؤاال عجيبا‬
‫" لماذا أبقي ﷲ علي حياتي ؟"‬
‫البد أن لديه حكمة أنا أجھلھا اآلن وال أقدرھا لكني سأعرفھا يوما ‪.‬‬
‫لم يغادر المشفي إال وأنا برفقته حوفا من أن أھرب أو أبلغ الشرطة‬
‫‪.‬‬
‫كانت ھذه ھي أطول فترة قضيناھا معا ‪.‬‬
‫كان يستخدم البيت كفندق يقضي به عدة ساعات ‪ ،‬لم أفكر يوما بأي‬
‫مكان يقضي وقته بل كنت أتمني أن يطيل البقاء به ‪.‬‬
‫لم أشعر بالحزن لوجود عشيقة له ‪ ،‬بل تمنيت أن تبعده عني لوقت‬
‫أطول ‪.‬‬
‫لم أھتم بتناول طعامي وحدي بل كان ذلك يسعدني فبالمرات القليلة‬
‫التي تناول الطعام معي كدت أختنق به ‪.‬‬
‫ھشام كان يخشي أن يأكل شيئا صنعته بيدي ‪.‬‬
‫كان يشك أنني دسست به سما ‪.‬‬
‫لذا كان يحضر طعاما جاھزا إن أراد أن يأكل أثناء تواجده بالمنزل‬
‫‪.‬‬
‫ھشام كان يمنع عني األكل ليؤدبني ‪.‬‬
‫يترك البيت فارغا دون طعام باليومين ‪ .‬فقط يحضر لي كل إثني‬
‫عشر ساعة علبه من البسكوت تطعم طفال ‪.‬‬
‫علمت فيما بعد أن ھذا اإلسلوب يتبع مع اآلسري للسيطرة عليھم‬
‫وإخضاعھم ‪.‬‬
‫ولوال الطعام الذي كانت تمرره لي جارتي لخضعت له منذ البداية ‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫كان يخشي أن يكتشف أخي حالته لذا تجنب أن يحادثه ‪ ،‬فقط كان‬
‫يقف بجواري لبضعة دقائق مرة كل شھر كي أحدثه وأطمئنه كي ال‬
‫يثير قلقه ‪.‬‬
‫بإحدي المرات حاولت تمرير رسالة باأللمانية لحسن لكنه قطع‬
‫الخط سريعا ورغم أنني أخبرته أنني كنت أقول له فقط وداعا إال أنه‬
‫لم يصدق وضربني يومھا بدرجة أعنف من المعتاد فظللت طريحة‬
‫الفراش ليومين ‪.‬‬
‫عاد بي ھشام للمنزل وعندما سقطت أنظاري علي دماء طفلي‬
‫الجافة علي األرض أقسمت أنني لن أستسلم وسأتخلص من ھذا‬
‫الكابوس بكافة الطرق حتي وإن كان بھذا نھايتي ‪.‬‬
‫ظللت باأليام التالية أفكر كيف سأدس له حبوب المخدر ‪.‬‬
‫بعد أن قررت الھرب إلي أخي ‪.‬‬
‫جواز سفري لم يتم إثبات زواجي به ‪ ،‬وتصريح إقامتي مع أخي ال‬
‫يزال ساريا ‪ .‬عل ًي فقط تخديره وسرقة مفاتيحه والخروج من ھنا ‪،‬‬
‫بل من مصر كلھا ‪.‬‬
‫الحبوب معي ‪ ،‬لكن كيف سأجعله يتناولھا دون أن أثير شكه ؟‬
‫حسنا ‪.‬‬
‫سأذيب المخدر وأحقنه بزجاجة ماء مغلقة ‪.‬‬
‫سيشرب منھا طالما وجدھا مغلفة كما ھي‪.‬‬
‫لن أجعله ينتصر علي ‪.‬‬
‫كانت ھذه خطتي إلي أن فاجأني القدر بخطته ‪.‬‬
‫***‬
‫‪26‬‬
‫ھشام‬
‫نظرت حولي لزمالئي بالشركة وأنا أعلم أن كل واحد منھم يرغب‬
‫بطعني بظھري تماما كما فعلت تلك العاھرة عندما سنحت لھا‬
‫الفرصة ‪.‬‬
‫الكل متأھب للتغيير الجديد ‪ ،‬فلقد تم شراء شركتنا من قبل مستثمر‬
‫غامض لم يعلن عن ھويته بعد ‪ ،‬الكل اآلن يرتب أوراقه وينظف‬
‫قذارته ويستعد لتملق الرئيس الجديد ‪.‬‬
‫رحل وغد وأتي اآلخر لكن عل َي أنا أن أبقي ‪.‬‬
‫وسأبذل كل جھدي كي أبقي ‪ ،‬لكن بموقع أفضل وأعلي ‪ .‬ومن‬
‫يدري فقد أزيح الوغد الجديد وأحتل مقعده يوما ما ‪.‬‬
‫***‬
‫‪27‬‬
‫الشاعر ذو اللثغة‬
‫عندما أخبرني ھشام أننا سنتناول عشائنا بالخارج نظرت إليه‬
‫مندھشة ‪ .‬فلم يفعل ذلك أبدا من قبل ‪.‬‬
‫نظر لي مھددا‬
‫" سنحضر حفلة أعدت إلستقبال رئيسي الجديد ‪ ،‬إحسني التصرف‬
‫وكوني مرحة كي أسمح لك بالخروج مجددا ‪".‬‬
‫وعندما أخبرني أنه إشتري لي فستانا جديدا كاد قلبي أن يقف‬
‫ھل سيجعل إذاللي علنيا أمام الناس أيضا ؟‬
‫نظرت للفستان الذي أحضره مندھشة ألنه يخالف ذوقه الرث ‪.‬‬
‫فلقد كان أسودا موشي بزھور زھبية اللون عند الصدر ‪.‬‬
‫إرتديته ألكتشف أنه أكثر روعة‪.‬‬
‫رفعت شعري النحاسي علي قمت رأسي وقد سقطت بعض‬
‫الخصالت علي جانبي وجھي ‪.‬‬
‫وضعت مكياجا بسيطا يكاد ال يري ‪.‬‬
‫وتدلت سلسلة ذھبية علي عنقي منحھا لي أبي بعيد ميالدي تماثل‬
‫لون خاتم الزفاف بيدي اليسري الذي أمقته ‪.‬‬
‫نظر لي نظرة تقييمية وھز رأسه موافقا‬
‫" تماما كما أردت "‬
‫زادت حيرتي فأنا أعلم أن لديه ذوقا شاذا وأنه لم يفكر يوما بشراء‬
‫ما يناسبني بل كان يشتري ما يناسب رغباته ‪.‬‬
‫عندما إقترب مني تحكمت بأعصابي كي ال أخطو بعيدا ‪ ،‬لكنه قد‬
‫وضع بيدي زجاجة عطر قائال‬
‫" ضعي ھذا اليوم فسيحقق الغرض سريعا "‬
‫‪28‬‬
‫لم أفھم إالم يرمي لكنني أخذت الزجاجة بحذر ووضعت عدة‬
‫قطرات علي رقبتي وساعدي ثم تناولت حقيبتي وسرت خلفه ‪.‬‬
‫أمام المصعد تقابلت مع جارتي التي نظرت لي مندھشة فھززت‬
‫كتفاي ألخبرھا أن ما باليد حيلة وتنفست الصعداء ألنه لم يلحظ ما‬
‫فعلت وإال كانت ستعد الليلة من أسوأ الليالي التي مررت بھا ‪.‬‬
‫***‬
‫عندما وصلنا لمكان الحفل تركني وإندمج وسط الحشد ‪ .‬لم يكلف‬
‫نفسه عناء تقديمي ألحد بل إكتفي برميي بنظرة من حين آلخر ليتأكد‬
‫من بقائي بنفس المقعد الذي إحتللته بالزاوية ‪.‬‬
‫مر كثير من الوقت وأنا ألوذ بالصمت فقد إعتدت علي قضاء‬
‫الساعات دون أن أنطق بكلمة ‪.‬‬
‫أصبحت غير واثقة بنفسي وأخشي أن أقوم بحركة خرقاء تلفت‬
‫األنظار إل َي خاصة أنني إبتعدت عن مخالطة الناس منذ سنتين ‪.‬‬
‫راقبت ھشام وسط زمالئه وكان آدميا أكثر ‪.‬‬
‫وضع علي جسده الحقير رداء البشر وإختلط بھم لكن ستظل رائحة‬
‫العفن تقطن المكان حوله ‪.‬‬
‫كنت أدرك العيون المتسائلة عني وعن سبب تركي وحيدة لكني لم‬
‫أكترث بكل ھذا بل شعرت ألول مرة منذ زمن أنني أنعم بالحرية‬
‫حتي وإن كانت لساعات قليلة ولسبب مجھول ‪.‬‬
‫تذكرت الحفل الذي قابلت به ھشام‬
‫ما أشبه اليوم بالبارحة ‪.‬‬
‫أشحت بوجھي بعيدا عنه لكنني أصطدمت بعينين فوالذيتين قد‬
‫أسرتاني ‪.‬‬
‫صاحبھما رجال طويال أسمر البشرة لم تستطع النظارة الطبية ذات‬
‫اإلطار األسود التي يرتديھا أن تحجب بريق عينيه ‪.‬‬
‫كان يحاول أن يسترد أنفاسه فأجبرت نفسي عن إبعاد نظري عنه‬
‫فلست بحاجة لسبب آخر كي أثير غضب ھشام لكنني سرعان ما‬
‫‪29‬‬
‫أدركت أنه قد الحظ وأتي صوبي فخفق قلبي وأوشكت علي فقدان‬
‫الوعي ‪.‬‬
‫" أري أنك قد أثرت إھتمام رئيسي "‬
‫قلت مرتبكة‬
‫" لم أقصد ھذا ‪ ،‬أقسم لك "‬
‫ھمس غاضبا‬
‫" أريدك أن تكوني لطيفة معه ‪ ،‬كفي عن العبوس والتتصرفي‬
‫كعجوز شمطاء ‪ ،‬إصطاديه بنفس الطريقة التي فعلتھا معي أم أنك‬
‫فقدت سحرك؟‬
‫مارسي الدالل عليه كي ينجح مخططي وإال سأريك وجھا أكثر‬
‫بشاعة مما رأيته بالعامين الماضيين "‬
‫إستمعت إليه مصدومة من أوامره المقززة ‪.‬‬
‫وراقبته وھو يمر بجوار رئيسه ويومئ ليحيه ‪.‬‬
‫لقد صبرت علي إيذائه لي وإستعباده لجسدي لكن أن يطلب مني‬
‫تسلية رئيسه ھذا يعني أنني إن وافقت سأتحول إلي ساقطة بالفعل ‪.‬‬
‫إقترب الرجل مني قائال‬
‫" أري أن الحفل يضجرك "‬
‫رفعت رأسي وعين َي تشع نارا ألخبره ماذا يفعل بحفلته لكنني لمحت‬
‫ھشام يقف بإحدي الزوايا يراقب ما يحدث فتحكمت بأعصابي‬
‫" لست من ھواة الحفالت "‬
‫نظر لي نظرة طويلة ثم قال بلسان به لثغة رائعة بحرف الراء‬
‫" عيناك ﻣقبرة الضغينة‬
‫عيناك ﻣثل باريس أجمل ﻣدينة‬
‫ولتعرفي‬
‫عيناك شمس‬
‫وإن رﻣشت فنورھا ال ينطفي "‬
‫‪30‬‬
‫أثلجت كلماته قلبي فھدأ غضبي وسألته‬
‫" لمن ھذه الكلمات ؟"‬
‫" لك"‬
‫ھززت رأسي قائلة‬
‫" من كتبھا ؟ "‬
‫" أحمد الشرقاوي "‬
‫" ال أعرفه "‬
‫إبتسم‬
‫" لكنه سيكون سعيدا بمعرفتك ‪ ،‬مرحبا بك ‪ ،‬أنا أحمد الشرقاوي "‬
‫إبتسمت‬
‫فإحتل المقعد بجواري‬
‫" أنت نارية الطباع "‬
‫"وأنت متطفل "‬
‫" ال ‪ ،‬أنا أقدر الجمال "‬
‫" إذاٍ أخبرت كل النساء الجميالت بالحفل قصائد مماثلة؟ "‬
‫" أنا لم أكتب شعرا منذ الجامعة ‪ ،‬لقد ألھمتني عيناك "‬
‫نظرت له غير مصدقة فقال لي‬
‫" أنا رجل أھتم بالمال وإدارة الشركات ‪ ،‬ال أحد رأي الشاعر غيرك‬
‫أنت "‬
‫" شكرا علي ھذا اإلستثناء "‬
‫" أنت قاسية "‬
‫" آسفة فال أجيد التمثيل ‪".‬‬
‫أجفله ردي ‪.‬‬
‫لكنني رأيت ھشام يقترب فرسمت إبتسامة جوفاء علي وجھي ‪،‬‬
‫توقف بجواري وأومأ له مديره ردا لتحيته ‪ .‬فإقترب وطبع قبلة علي‬
‫وجنتي مما جعلني أغمض عيني إمتعاضا كطفل شرب دوائا مرا‬
‫رغما عنه تجنبا لأللم الحظ مديره إشمئزازي‬
‫‪31‬‬
‫" آسف حبيبتي لتركك وحيدة لكنني سعيد أن السيد أحمد قد أبعد‬
‫عنك المتطفلين ‪ ،‬سيد أحمد ھذه مريم زوجتي وأنا ھشام سعيد المدير‬
‫المالي بشركتك "‬
‫صمت وأنا أالحظ غصب مديره المكبوت الذي تحول إلي سخرية‬
‫" سرني الحديث معك يا ھشام لكنني مضطر لإلختالط مع ضيوفي‬
‫"‬
‫أمسك يدي المرتجفة وطبع قبلة عليھا وھو يرمقني بنظرة غريبة‬
‫سرعان ما تالشت عندما نظر لھشام ‪.‬‬
‫كنت علي وشك أن أبكي عندما إلتصق ھشام بي وھمس بأذني‬
‫" فيما كنتما تتحدثان ؟"‬
‫" ليس بشيئ خاص ‪ ،‬فقط عن أجواء الحفل "‬
‫" سأجد فرصة أخري ليكون أكثرا قربا منك "‬
‫التفت إليه غاضبة‬
‫" ھشام ‪"... ،‬‬
‫" إخرسي ‪ ،‬سيبدأ العشاء بعد قليل وعلينا أن نظھر بمظھر جيد "‬
‫تحملت لمسات يده علي ذراعي بصعوبة وھو يقودني إلحدي‬
‫الطاوالت حيث أعد لي طبقا فتمتمت شاكرة ودفنت وجھي بطبقي‬
‫رغم أن معدتي قد إنقبضت كبالون نفذ ھوائه رافضة رائحة الطعام ‪.‬‬
‫رفعت وجھي ألجد عيون أحمد تحدق بي ‪.‬‬
‫***‬
‫‪32‬‬
‫أحمد الشرقاوي‬
‫كنت أتحدث مع أحد المديرين لدي لكن تركيزي كله كان منصبا‬
‫علي تلك المرأة المحيرة ‪ ،‬فرغم جمالھا وجاذبيتھا إال أن حولھا ھالة‬
‫من الغموض ‪ .‬فھي تجلس بإحدي الزوايا وعلي وجھھا كلمة ال‬
‫تلمسني ‪ ،‬تراقب الناس بإمتعاض كما نراقب نحن عالم الحيوان‬
‫مضطرين ببعض األوقات ‪ .‬لم يجرؤ أحد أن يخترق ھالتھا أو‬
‫يقترب منھا وكأنھا شيئ مقدس يخشون غضبه أو إزعاجه ‪.‬‬
‫أسرتني عينيھا العسليتين الحزينتين بجاذبيتھما التي تفوق الجاذبية‬
‫األرضية‬
‫عينيھا أكوان أشعر أنني قضيت بھما حيوات سابقة ‪.‬‬
‫نظرت لھما طويال ‪ ،‬شعرت أن جفونھا كانت لي بيتا منذ زمن‬
‫وأنني تسلقت أھدابھا من قبل ‪.‬‬
‫شعرت بالقرب منھا كمغترب آن له أوان العودة للوطن ‪.‬‬
‫رغم برودھا الظاھر إلي أن عينيھا ترسل نظرات نارية أذابت‬
‫جليدي وأحرقت قلبي ‪.‬‬
‫ورغم أنھا تدعي أن عالقتھا بزوجھا طبيعية إال أن ردات فعلھا تجاه‬
‫لمساته تكشف كذبھا الغير متقن ‪.‬‬
‫حاولت نھر نفسي علي إحساسي الغريب الطائش فھي إمرأة‬
‫متزوجة ‪.‬‬
‫كما أن زوجھا مختلس فاسد فقد إكتشفت أالعيبه ھو وغيره والتي‬
‫أدت إلي خسارة صاحب الشركة السابق ‪.‬‬
‫أعدت النظر إليھا ألجدھا وحيدة بمقعدھا المنزوي فبحثت بعيني عن‬
‫زوجھا فوجدته يتحدث مع إحدي العامالت بالشركة تدلل عليه‬
‫ويستجيب لھا ‪.‬‬
‫إلتقت عينانا من جديد فأدركت أنھا فھمت رسالتي لكنھا ھزت كتفيھا‬
‫المبالية وكأنھا تخبرني أن بإمكانه أن يفعل ما يريد فاألمر كله ال‬
‫يعنيھا ‪.‬‬
‫كنت غاضبا أردتھا أن تثور أو تعلن عن وجودھا للجميع لتوضح‬
‫لھم أنھا أكثر جماال من النساء الالتي يلتففن حوله ‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫لكنھا ظلت ھادئة تراقب السيرك بإمتعاض ‪.‬‬
‫أبعدت عين َي عنھا رغما عني وحاولت أن أقنع نفسي أنھا إمرأة‬
‫متزوجة وأنني ال أرغب بالتورط باألمر حتي وإن كانا علي خالف‬
‫‪.‬‬
‫لكن عندما نظرت لعينين ھشام أدركت جيدا ما يدور برأس ھذا‬
‫اللعين ‪.‬‬
‫إن كان رجال حقا عليه أن يأتي إل َي ليفقأ عيني ويصرخ عل َي قائال‬
‫أنه لن يسمح لي باإلقتراب من زوجته أو النظر إليھا مھما كانت‬
‫مكانتي فھذا ما كنت سأفعله لو كانت زوجتي ‪ ،‬لكن المغفل لم يفعل‬
‫شيئ ليمنعني بل أومأ لي برأسه وكأنه يعطيني اإلذن ألفعل ما أريده‬
‫‪.‬‬
‫تبا له وتبا لھا أيضا ألنھا سمحت لنفسھا أن تكون دمية بيديه ‪.‬‬
‫***‬
‫‪34‬‬
‫المزرعة‬
‫عندما شارف الحفل علي اإلنتھاء إقترب مني ھشام وھمس‬
‫" علينا أن نغادر اآلن ‪ ،‬وعلي مديري أن يتلقي وداعا حارا يجبره‬
‫علي تقديم دعوة أخري قريبا ‪".‬‬
‫ھمست معترضة فضغط علي يدي بقسوة‬
‫" نفذي أوامري دون إعتراض وإال سأتركك اليوم جثة ھامدة تماما‬
‫كطفلك ‪ ،‬ھل فھمت ما أعنيه ؟‬
‫ھززت رأسي وسيل الذكريات يؤلمني ودماء طفلي تسيل مجددا‬
‫أمام عيني ‪ ،‬كنت واثقة أنه قادر علي تنفيذ تھديده ‪.‬‬
‫من ال يخاف ﷲ لن يردعه أي شيئ آخر ‪.‬‬
‫عندما توجھنا لرئيسه سلم عليه لكنه قطب حاجبيه عندما الحظ‬
‫ھيمنة ھشام فقد ضغط علي يديه بشدة وجعل يده ھي العليا ‪.‬‬
‫" شكرا لدعوتك لنا ‪ ،‬سأتأكد من وجود السيارة أمام الباب حبيبتي "‬
‫تركني وإبتعد فإقترب مني رئيسه ونظر لدموعي التي تھدد بالنزول‬
‫ونظرة الرعب الكامنة بھما فأطبق بيديه علي كفي وھمس‬
‫" ال أعلم ماذا يفعل بك ھذا اللعين لكنني أدرك أن يراقبنا اآلن ‪ ،‬لذا‬
‫دعينا نريه ما يريد مشاھدته ‪.‬‬
‫أبعد خصلة من شعري خلف أذني وأمسك ذقني قائال‬
‫" ال تجزعي فأنا لن أؤذيك "‬
‫إرتجفت فشعر بي لذا ھمس‬
‫" أراك قريبا "‬
‫ثم أفلتني فركضت أبكي ھاربة ‪.‬‬
‫شعرت وكأنني قفزت من المقالة إلي النار ‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫عندما دخلت السيارة نظر لي ھشام نظرة منتصرة ثم أوصلني للشقة‬
‫وخرج موصدا الباب مجددا ‪.‬‬
‫بعد خروجه إنفجرت باكية وأنا أتسائل ماذا سيحدث لي باأليام‬
‫القادمة ‪.‬‬
‫أحمد الشرقاوي ھذا يبدو أذكي مما يعتقد ھشام ‪ ،‬فھو يدرك أنه‬
‫يتالعب به من خاللي ويحاول تقديمي له علي طبق مقابل أن‬
‫يحصل علي ترقيته اللعينة ويخفي قذارته ‪.‬‬
‫‪36‬‬
‫عندما مر إسبوع دون أن يحدث شيئ حمدت ﷲ علي رعايته لي‬
‫وقررت أن أنسي ما حدث بالحفل وأعود لخطتي األولي‬
‫لكن ھشام عاد بأحد األيام يأمرني بأن أعد حقيبة صغيرة ألننا‬
‫سنقضي نھاية اإلسبوع بمزرعة رئيسه ‪.‬‬
‫رفعت رأسي مندھشة وأنا أتابعه يدور حول نفسه فصرخ بي‬
‫" ال وقت لدي لردات فعلك البطيئة "‬
‫أمسك معصمي وسحبني لحجرة النوم ثم فتح خزانتي وبدأ يختار‬
‫منھا ثياب ويرميھا علي الفراش ‪.‬‬
‫" ضعي ھذه المالبس بالحقيبة "‬
‫ثم أتبعھا بأدوات للزينة ومالبس مثيرة للنوم ‪ .‬فنظرت إليه مذعورة‬
‫ثم صرخت به‬
‫" أنا لن أفعل ذلك "‬
‫توقف عما كان يفعله ساخرا‬
‫" لن تفعلي ماذا ؟"‬
‫"لن أقترب من رئيسك اللعين ولن أقوم بما يخالف ال‪"......‬‬
‫جذبني من شعري‬
‫" ستفعلين ما أمرك به "‬
‫قلت متحدية له فلم يعد لدي شيئا أخسره‬
‫" لن أفعل حتي إن كنت ستقتلني "‬
‫إنقض عل ًي غاضبا‬
‫" سألجأ لذلك إن فشلت طرقي األخري علي إجبارك "‬
‫ثم بدأ ينھال عل َي ضربا ‪.‬‬
‫لم يقترب من وجھي ھذه المرة كي ال يفسد جماله كما كان يقول بل‬
‫كان يؤذي جسدي فيترك به العديد من الجروح والكدمات والعالمات‬
‫الزرقاء ‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫عندما بدأت روحي باإلنسحاب من جسدي ببطء بدأت بالتوسل له‬
‫كي يتركني ‪.‬‬
‫" قولي إنك ستفعلين "‬
‫إلتقطت روحي قبل أن تخرج بثوان تبعتھا شھقات محملة بالھواء‬
‫أعادت قلبي للعمل‬
‫" قولي "‬
‫ذرفت دموع الذل‬
‫" سأفعل "‬
‫إبتسم‬
‫" إنھضي "‬
‫حاولت أال أترنح كي ال أثير غضبه مجددا‬
‫" قبليني وإخبريني أنك مازلت عبدة لي "‬
‫سامحني يا‬
‫إبتلعت غصة الذل‬
‫وطبعت قبلة علي شفتيه‬
‫" أنا ‪ ...‬مازلت ‪ ...‬عبدة لك ‪ ..‬ھش‪..‬ام "‬
‫من بين دموعي رأيت إبتسامة ظفر ترتسم علي وجھه وھو يرمي‬
‫لي فستانا‬
‫" إخلعي مالبسك وإرتدي ھذا "‬
‫أمسكت الفستان وسلكت طريقي للحمام فأوقفني صوته اآلمر‬
‫"إفعلي ذلك أمامي ھنا "‬
‫عندما رأي عالمات عنفه علي جسدي إتسعت إبتسامته‬
‫" إتبعيني بعد دقيقتين للسيارة ‪ ،‬إن تأخرت سأصعد ألصطحبك‬
‫بنفسي ولن يكون ذلك أمرا جيدا "‬
‫خرج وصفق الباب خلفه فتحاملت علي نفسي وجمعت األغراض‬
‫بالحقيبه وحاولت إخفاء أثر البكاء بمكياج ثم تركت الشقة وأنا أتعثر‬
‫بخطاي ‪.‬‬
‫عندما نزلت وجدته بجوار السيارة ينظر لساعته فجلست صامتة ولم‬
‫أنطق ببنت شفة إلي أن وصلنا للمزرعة ‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫كنت أتأمل الطريق عاجزة عن فتح عيني بضوء الشمس ألنني لم‬
‫أخرج يوما بالنھار منذ زواجي به ‪.‬‬
‫توقفنا أمام باب فيال حيث سارع رجال بحمل الحقائب ‪ ،‬بعدھا قابلنا‬
‫أحمد الشرقاوي فسلم علي ھشام وأومأ لي وھو يراقب حركاتي‬
‫البطيئة المتألمة بشك ‪ .‬ثم قادنا للبھو حيث جلسنا وھرع إلينا خادم‬
‫بعصير بارد فقبلته ممتنة فلقد كاد الظمأ يقتلني ولم يفكر ذلك الجاحد‬
‫بالتوقف بالطريق ليروي عطشي ‪ .‬قادنا نفس الخادم لحجرتنا كي‬
‫نستريح قبل العشاء ‪.‬‬
‫أغلق ھشام الباب فإبتعدت وبدأت بترتيب الثياب بالخزانة ثم‬
‫وضعت الحقيبة أسفلھا ‪.‬‬
‫أشار إل َي ألقترب منه ففعلت مترددة ‪.‬‬
‫"سأحاول تجنب البقاء معكما لوقت طويل وعليك أن تستخدمي‬
‫داللك وتحدثيه كي يجعل صفحتي بيضاء ويمنحني مركزا مرموقا ‪،‬‬
‫التبخلي بتقديم مايرغبه بسبيل ذلك فإن لم أحصل علي ما أريد‬
‫فسأجعلك تتمنين الموت قبل أن أنھي حياتك "‬
‫"ھل أنھيت أوامرك؟"‬
‫" أري أن عالمات التمرد قد بدأت تظھر عليك يا مريم وھذا ليس‬
‫أمرا جيدا "‬
‫إبتعدت عنه ودخلت الحمام وأغلقته جيدا ثم إسترخيت بمياه دافئة‬
‫كي تزيل توتر جسدي وتخفف آالمه وأنا ألعنه‪.‬‬
‫***‬
‫‪39‬‬
‫ضوء بآخر النفق‬
‫نزلت للعشاء وأنا أرتدي فستانا ورديا تغطي أكمامه يدي فإستقبلني‬
‫رئيسه وقبل يدي ثم سحب لي مقعدا بجواره وبدأنا تناول الطعام‬
‫وھو يحكي لنا عن مزرعته ونشاطاتھا ‪.‬‬
‫بعد العشاء غادر ھشام مدعيا أن القيادة قد أرھقته وأنه يحتاج للنوم‬
‫وطلب مني أال أتقيد به ‪.‬‬
‫تنفست الصعداء وشعرت أن ثقال قد إنزاح عن صدري ثم تذكرت‬
‫المأزق اآلخر الذي وقعت به ‪.‬‬
‫" ما رأيك أن ننتقل للمكتبة ؟"‬
‫أخرجني إقتراحه من بئر توتري فنھضت وسرت خلفه ‪.‬‬
‫عندما دخلت ونظرت لرفوف الكتب كان ھو قد أوصد الباب بنفس‬
‫الوقت الذي سحبت به كتابا ‪.‬‬
‫نظر لي مندھشا وھو يراقب البسمة علي وجھي‬
‫" لم أكن أعلم أن رؤية الكتب ستسعدك لھذا الحد "‬
‫لثوان نسيت من ھو وموقفي وقلت‬
‫" كنت أتوق لقراءة ھذا الكتاب لكن الفرصة لم تتثن لي ‪" .‬‬
‫نظر للكتاب ثم إلتفت إل َي‬
‫" أنت تدھشيني ‪ ،‬كيف تھتم إمرأة بجمالك بقراءة ھذا النوع من‬
‫الكتب ؟"‬
‫أغضبني حديثه‬
‫" ما عالقة الجمال بقراءة كتب اإلقتصاد ؟ "‬
‫أعدت فحص الكتاب ثم تابعت‬
‫‪40‬‬
‫" لم أجد مالحظة تفيد بأنه يحذر علي الجميالت قرائته "‬
‫رفع يديه مستسلما‬
‫" كف عن السخرية فقد وصلتني رسالتك ‪ ،‬لكن ھذا الكتاب يعد ‪"...‬‬
‫" الكتاب األخير ضمن سلسلة كتب من ھذا النوع تتحدث عن أسباب‬
‫األزمات اإلقتصادية العالمية وعواقبھا ‪ ،‬أعلم أنه عميق بعض‬
‫الشيئ لكنني لن أجد صعوبة بفھمه "‬
‫" أنحني لك إحتراما يامريم "‬
‫أرفق القول بالفعل ثم سحب مني الكتاب‬
‫" سأكون سعيدا بإعارتك إياه ‪ ،‬لكنني أرغب اآلن بوضع األمور‬
‫بنصابھا ‪" .‬‬
‫قادني إلحدي المقاعد وجلس بجواري قائال‬
‫" كلي آذان مصغية "‬
‫ضغطت علي شفاھي بأسناني‬
‫" أنا ال أرغب بالحديث معك عن شيئ "‬
‫عقد ذراعيه أمام صدره‬
‫" آسف إلخبارك أنك مجبرة علي ذلك والسبب أن زوجك قد تركك‬
‫معي اآلن وھو يتوقع أن نقضي وقتنا بشيئ أكثر تسلية من الحديث‬
‫"‬
‫علت الحمرة وجھي وشعرت أن حرارتي إرتفعت ذال‬
‫فإقترب مني‬
‫" إخبريني يامريم كيف يجبرك علي ذلك ؟‬
‫ما الذي جعل أميرة مثلك ترتبط بوغد كھشام سعيد ؟ "‬
‫نھضت مبتعدة فأمسك ذراعي فتأوھت متألمة مما جعله يقطب جبينه‬
‫معتذرا لكنه الحظ إستمرار ألمي فنھض‬
‫" ال أعتقد أن لمستي قد سببت ضررا كبيرا "‬
‫ثم تابع وھو يكشف عن ذراعي قائال‬
‫" إال إذا كان ھناك ضررا سابقا "‬
‫عندما الحظ العالمات الزرقاء تلفظ بسباب وھو يتمتم‬
‫" ھكذا يجبرك؟"‬
‫أعدت قماش فستاني الناعم علي ذراعي‬
‫‪41‬‬
‫" كيف سمح أھلك بحدوث ذلك ؟"‬
‫ھربت دموعي‬
‫" لم يعد لي سوي أخي حسن وھو يحاضر بجامعة ھايدلبرغ‬
‫األلمانية ‪ .‬لم أره منذ زواجي ‪.‬‬
‫ضغط علي أسنانه قائال‬
‫" منذ متي يامريم؟"‬
‫" منذ عامين وثالثة أشھر وخمسة أيام "‬
‫ضغط قبضته المغلقة حتي برزت عروقه‬
‫" لماذا لم تطلبي الطالق ؟ "‬
‫" سيقتلني إن فعلت ‪ ،‬أنا حبيسة شقتي منذ زواجي ‪ ،‬أستطيع إحصاء‬
‫عدد المرات التي خرجت بھا "‬
‫إبتعد وأدار وجھه وھو يسأل‬
‫" كم؟"‬
‫" ثالث "‬
‫إستدار ونظر لي سريعا‬
‫" ھل الحفل وھذه الزيارة منھما ؟"‬
‫أومأت موافقة‬
‫" والثالثة يا مريم ؟"‬
‫أغمضت عيني متألمة‬
‫" للمشفي "‬
‫" لماذا؟"‬
‫صرخت غاضبة‬
‫" ألنني كنت أنزف ‪ ،‬ثار غاضبا عندما إكتشف حملي فإنھال عل َي‬
‫ضربا إلي أن فقدت الوعي وعندما إستيقظت وجدت نفسي بالمشفي‬
‫وھو يجلس بجواري ويمسك يدي ويخبرني كيف فقدت طفلنا عندما‬
‫سقطت عن السلم "‬
‫أدار وجھه وتلفظ بسباب خجلت منه أذني‬
‫" ذلك المجرم المختل ‪ ،‬إنه مريض نفسي "‬
‫أومأت موافقة‬
‫" سادي "‬
‫‪42‬‬
‫ھززت كتفاي‬
‫" تزوجت ساديا "‬
‫مرر يده علي وجھه قائال‬
‫" ماذا يعني ھذا ؟"‬
‫" إستخدام الوحشية والعنف بھدف السيطرة ‪ ،‬اإلستمتاع بمعاناة‬
‫اآلخرين النفسية والجسدية ‪ ،‬الكذب من أجل إيذاء اآلخرين ‪ ،‬إجبار‬
‫اآلخرين علي القيام بما يريد عن طريق تخويفھم ‪ ،‬الھوس بالعنف‬
‫واإلصابات والتعذيب " أمسك يدي‬
‫" ھذا يكفي ‪ .‬خففي عنك ‪".‬‬
‫" ال أحد يستطيع التخفيف عني إال ﷲ ‪ ،‬لكنه لم يرد ھذا بعد "‬
‫" كيف إكتشفت ھذا ؟"‬
‫نظرت له ساخرة‬
‫" بالطريقة الصعبة "‬
‫ھز رأسه‬
‫" كيف إكتشفت أن ما يعاني منه ھو السادية "‬
‫" لقد قرأت عن األمر بعد ما فعله معي ‪ ،‬إكتشفت أنه يفعل كل‬
‫عرض لعين تحدثت الكتب عنه‪.‬‬
‫عدم القدرة علي إئتمان الغير‪ ،‬الحرص الزائد علي النظافة ‪،‬‬
‫الترتيب المفرط لألشياء ‪ ،‬حب الھيمنة وجذب اإلنتباه والمبالغة في‬
‫التعبير عن العواطف ‪ ،‬جنون العظمة واإلستھزاء باآلخرين ‪،‬‬
‫المبالغة في اإلنفتاح بالتفكير بدليل أنه سلمني لك اآلن ‪ .‬اإلعتقاد‬
‫بوجود األشباح والتقمص ‪ .‬إنه يعتقد أن روح أمه تسكنني ‪ ،‬إنه ينتقم‬
‫منھا في ‪" .‬‬
‫خلع نظارته ومسح عينيه وھو يتمتم‬
‫" يا "‬
‫قادني للمقعد مجددا‬
‫" سأخبرك اآلن بما عليك فعله ‪ ،‬لن أغامر وأخبرك بالخطة كاملة‬
‫فقد يجبرك علي البوح بھا ‪ ،‬لذا عليك أن تنفذي أوامري أول بأول "‬
‫توقفت عن البكاء وسألته بحيرة‬
‫" لماذا تساعدني ؟‬
‫‪43‬‬
‫" أنا أساعد نفسي يامريم "‬
‫نظر بعيني وشدد قبضته علي يدي‬
‫" ﻣايبكيك يبكيني‬
‫ﻣن يغضبك أقتله‬
‫بعنف يداي‬
‫لترضي أنت سيدتي‬
‫فتأتي إل َي ترضيني"‬
‫نظرت إليه غير مصدقة فھز كتفيه وإبتسم‬
‫" أنت ملھمتي ‪ ،‬منذ رؤيتك وأنا أشعر بأن ھناك أحدا يدس الكالم‬
‫بفمي دسا "‬
‫إبتسمت‬
‫فمنحني منديال ألمسح وجھي‬
‫" عندما تصعدين إليه ستجدينه بإنتظارك ليعرف ما توصلت إليه ‪،‬‬
‫إخبريه أنك مھدتي لي األمر لكنني بحاجة لمزيد من اإلقناع "‬
‫تضرج وجھي فإبتسم‬
‫" أعتقد أنك فھمت ما أعنيه "‬
‫منحني الكتاب الذي رغبت بقرائته‬
‫" إقرئي لبعض الوقت "‬
‫نظر لساعته‬
‫" لساعة تقريبا ثم إصعدي "‬
‫أمسكت الكتاب وأنا حائرة بتفسيرتصرفات ھذا الرجل لكنني وبعد‬
‫عدة لحظات نسيته كليا و إندمجت مع النظرية غير المألوفة التي‬
‫يطرحھا الكتاب ‪.‬‬
‫لم أعرف أنه كان يتأملني طوال ھذا الوقت إال عندما أتي ولمس‬
‫كتفي فإنتفضت مرتعبة ‪.‬‬
‫"ھل نسيت وجودي معك بنفس الغرفة؟ لقد جلست طوال الساعة‬
‫الماضية أتأملك ‪".‬‬
‫قمت بطي الصفحة ثم تذكرت أن الكتاب ليس لي‬
‫‪44‬‬
‫" آسفة "‬
‫أخرج من جارور مكتبه مؤشر للقراءة‬
‫ووضعه بالصفحة ثم فرد طيتھا‬
‫" ھذه قسوة من الممكن نسيانھا ألجل عيونك فقط ‪".‬‬
‫ضغطت علي شفاھي مجددا حتي كدت أدميھا‬
‫" آسفة يا سيد أحمد "‬
‫" مريم ‪ ،‬ال يمكنك مناداتي بسيد أحمد خاصة بعد ماكان مفترض أن‬
‫يحدث بيننا خالل ھذا الوقت ‪".‬‬
‫أومأت‬
‫" دعيني أصطحبك لحجرتك "‬
‫سرت معه إلي أن توقفنا أمام الباب فطبع قبلة علي يدي وتمني لي‬
‫ليلة سعيدة ‪.‬‬
‫دخلت الغرفة ألجده منتظرا‬
‫" إخبريني ما حدث "‬
‫أخبرته‬
‫فإبتعد عني‬
‫" عليك بذل مجھود أكبر غدا فليس لدي الكثير من الوقت ‪ ،‬لكنني‬
‫أعتقد أنه سيزعن بالنھاية فھو لم يرفع عينيه عنك طوال العشاء‬
‫وبالطبع لن يترك فرصة بقائكما وحدكما تضيع ھباءا "‬
‫كتمت نظرات إحتقاري وسحبت مالبس نظيفة ودخلت الحمام‬
‫وعندما خرجت تركني سالمة كي أنفذ له أھدافه حمدا  علي ذلك ‪.‬‬
‫***‬
‫‪45‬‬
‫بالصباح لم أجد ھشام بالغرفة وكان ھذا أمرا جيدا فلم أستطع النوم‬
‫طوال الليل ألن جسده يحتل مكانا بجواري ‪ ،‬يسحب أكسوجينا من‬
‫الغرفة ‪.‬‬
‫يعيق تنفسي ‪.‬‬
‫عندما نزلت درجات السلم وجدت أحمد بالبھو بإنتظاري ‪ .‬لم أعرف‬
‫حقا لماذا عل َي أن أثق به ؟‬
‫كيف أثق برجل مجددا وسبب عذابي كان رجال ؟‬
‫لكني اآلن أقف بمفترق الطرقات ال أعلم أي طريق أسلك وال بأيھم‬
‫سيكون خالصي ‪.‬‬
‫أشعر أن كل الطرق تقود للھالك ‪.‬‬
‫إبتسم لي أحمد‬
‫" عندما فاتك اإلفطار شعرت أنك ستنامين لوقت أطول "‬
‫نظر لعيني قائال‬
‫" لم ير النوم عينيك "‬
‫قلت ساخرة‬
‫" ھذه طريقة جيدة إلخباري أن مظھري بائس بالصباح ‪ ،‬وأنا لم أنم‬
‫بالفعل وال أتناول اإلفطار "‬
‫" إذن دعيني أريك مزرعتي العزيزة "‬
‫سرنا كثيرا وثم إنتھي بنا المطاف أمام سياج الخيول وضعت يدي‬
‫عليه ونظرت لألفق فسألني‬
‫" أتكرھينه كثيرا ؟"‬
‫نظرت إليه لثوان قبل أن أدرك أنه يتحدث عن ھشام‬
‫" أوشكت علي قتله يوم قتل طفلي ‪".‬‬
‫أعلنت فجأة‬
‫"أشعر بالشفقة تجاھه"‬
‫ثم سألته حائرة‬
‫"لماذا أشعر بالشفقة تجاھه؟‬
‫ھل أصاب عقلي الخلل؟‬
‫‪46‬‬
‫أم أنني تعاطفت مع معذبي كما تتعاطف الضحية مع مختطفھا طبقا‬
‫لذلك المرض اللعين الذي قرأت عنه من قبل‬
‫ماذا كان إسمه؟‬
‫آآه‬
‫متالزمة ستوكھولم‬
‫ھل حولني لمريضة نفسية مثله؟‬
‫سألني‬
‫"لماذا كففت عن المقاومة؟‬
‫لماذا إستسلمت له كشاة سلمت رقبتھا لذابحھا ؟"‬
‫أجبت وأنا أنظر لألفق مجددا‬
‫" لسبب لعين آخر بالطبع‬
‫لقد قرأت أن مقاومتي تزيد جنونه أكثر وتحفزه علي متابعة عنفه‬
‫وأنني قد أكون ضحية رغبتي بتحديه يوما ما ‪ ،‬لذا كففت عن‬
‫المقاومة وداومت علي المبالغة بتمثيل اإلستسالم ‪.‬‬
‫لكنني إن كنت سمحت له بإنتھاك جسدي فلن أسمح له أبدا بإنتھاك‬
‫عقلي ‪".‬‬
‫وضع يده علي يدي فسحبتھا سريعا وتابعت‬
‫" عندما يقترب مني أعكف علي ترديد أغنية برأسي آلالف المرات‬
‫وأركز بكالمھا كي أصرف عقلي عما يحدث لي ‪.‬‬
‫لو سمحت لعقلي بالشعور باأللم فلن أستطيع السيطرة علي محاولته‬
‫إلنھاء ھذا األلم ‪.‬‬
‫وقد أنفذ رغبته باإلنتحار فأخسر كال الحياتين ‪.‬‬
‫لكنني سأتحمل ‪.‬‬
‫سأستمد الصبر من إيماني ‪ ،‬ﷲ لن يتركني بھذا النفق المظلم لوقت‬
‫أطول ‪ ،‬البد أن يرسل لي ضوءا ‪.‬‬
‫إشارة تخبرني أنه يراقبني ويستمع لدعائي وسيجيبه يوما ما ‪.‬‬
‫ھذا ھو الشيئ الوحيد الذي مازلت أؤمن به إلي اآلن ‪.‬‬
‫عدا ﷲ فقد كفرت بكل شيئ خاصة الحب ‪" .‬‬
‫شدد قبضتيه علي السياج فكاد يخلعه‬
‫" أعدك أنك سأحررك منه نھائيا "‬
‫‪47‬‬
‫رفعت يدي معترضة‬
‫" ال تقطع وعودا لن تفي بھا ‪ ،‬فھذا سيئ "‬
‫وضع يده علي رأسي وقال‬
‫" ورب عينيك ألزيل الحزن من قلبك كما أزلت أنت رتاج قلبي‬
‫وسكنتيه "‬
‫سالت دموعي وإرتعش جسدي ‪.‬‬
‫لم أصدقه حينھا لكن ذبذبات صوته وھو يتلو القسم لمست وتيني ‪.‬‬
‫***‬
‫‪48‬‬
‫الوداع السادي‬
‫عندما عدنا بعد غروب الشمس وجدنا ھشام يجلس بالبھو فأشار له‬
‫أحمد‬
‫" أحتاج للحديث معك "‬
‫إتجھا للمكتبة وبعد فترة سمعت صوت نقاشھا يختلط ما بين‬
‫اإلعتراض واألوامر فقررت الصعود لغرفتي واإلنتظار إلي أن‬
‫غلبني النوم ‪.‬‬
‫إستيقظت علي يدان عنيفتان تجذباني فصرخت‬
‫" ماذا؟ ‪ ،‬ما الذي حدث؟"‬
‫رأيت وجه ھشام الذي يبتعد عن وجھي ببضع سنتيميترات كان قد‬
‫أمسك بيدي بقبضته ورفعھما فوق رأسي ‪ ،‬والجنون يطل بوجھه‬
‫الكريه من نظرات عينيه ‪ ،‬أشحت بوجھي وحاولت اإلبتعاد عن‬
‫أنفاسه الكريھة لكنه أجبرني علي النظر إليه‬
‫" مريم الصغيرة الجميلة الفاسدة ‪ ،‬لقد أديت مھمتك علي أكمل وجه‬
‫وأصبح الشرقاوي كخاتم بإصبعك ‪ .‬يبدو أن ماذاقه قد أعجبه ألنه‬
‫أراد أن يحتفظ بك لوقت أطول فلم يساومني علي يوم بل أرادك‬
‫حتي يمل "‬
‫لم أستطع أن أفھم عما يتحدث لكنه تابع دون أن يكترث‬
‫بإعتراضاتي‬
‫" كنت أعلم أنك ساحرة لعينة ‪ ،‬لقد ألقيت بسحرك عليه ‪.‬‬
‫أتعلمين؟‬
‫لھذا كنت أمنعك عن الخروج ‪.‬‬
‫منعتك كي ال تصطحبي رجال آخر لفراشي كما فعلت تلك اللعينة ‪.‬‬
‫أنت لعينة كأمي بالضبط ‪.‬‬
‫فقد خانته بدم بارد أمام عيني وضربتني كي أصمت لذا قتلتھا ‪".‬‬
‫‪49‬‬
‫إرتعدت صدمة ورعبا بينما إتسعت عينيه وزادت حدة تنفسه وھو‬
‫يصرخ‬
‫" نعم قتلتھا ‪ ،‬أنا قتلت الساقطة وباليوم التالي جلست بعزائھا أبكي‪.‬‬
‫ولوال أنني قايضتك بحريتي والكثير من أمواله ماكنت تركتك له وما‬
‫زال بك قلبا ينبض ‪.‬‬
‫لكنني سأترك له فتاتك ‪ ،‬سأترك له جسدا ممتأل بالجروح والكدمات‬
‫والسحجات سيصيبه باإلمتعاض فور رؤيته ‪ .‬وسيأمر خدمه برميك‬
‫للكالب خارج أسوار مزرعته العزيزة ‪.‬‬
‫لن أسمح لرجل بلمسك مجددا ‪ .‬أنت ملكي وسأضع بصمتي علي‬
‫جسدك لألبد ‪".‬‬
‫بدأت أصرخ‬
‫فضحك‬
‫" إصرخي ‪.‬‬
‫أنت مجرد جسد‪.‬‬
‫جسد دون عقل ‪.‬‬
‫ال تصلحي إال للفراش ‪.‬‬
‫دعيني أمنحك المتعة للمرة األخيرة ‪".‬‬
‫قاومته‬
‫صرخت‬
‫صفعني‬
‫مزق مالبسي‬
‫أجبرني علي ترديد كلمات بذيئة إلثارته ‪.‬‬
‫عندما إنتھي مني كانت قوتي قد خارت ‪ ،‬صوتي قد بح ووصل بي‬
‫اإلعياء إلي فقدان الوعي ‪.‬‬
‫***‬
‫‪50‬‬
‫الخالص‬
‫ھل تمنيت الموت لسبب وجيه وعاندك أمر ﷲ ؟‬
‫ھل إنتھك أحد ما كرامتك أو جسدك من قبل ؟‬
‫ھل شعرت أن كل مياه العالم لن تستطيع أن تخلصك من القذارة‬
‫التي علقت بك ؟‬
‫إن كنت لم تجرب كل ھذا فعليك أن تقضي عمرك سجودا  وشكرا‬
‫له علي عدم وضعك بإختبار كھذا ‪.‬‬
‫إن كنت لم تجرب فإياك أن تجرؤ يوما وتحكم عل َي وعلي‬
‫تصرفاتي‪.‬‬
‫إن كنت لم تجرب فإصمت‬
‫ألنني جربت ‪.‬‬
‫وألنني خرجت من التجربة بال روح أو حياة ‪.‬‬
‫لقد تم قتلي بتلك اللحظة ‪.‬‬
‫اآلن يحدثكم شبحي ‪.‬‬
‫شبح قاس عنيد ‪.‬‬
‫شبح أطل من عيوني وجلس بجوار جسدي لوقت بت أجھله حتي‬
‫سمعت دقات نافذة الصبر علي الباب الذي إنفتح سريعا ‪.‬‬
‫رأيت أحمد الشرقاوي يدخل منه أسود الوجه قلقا يتأمل ما بقي مني‬
‫‪ .‬رفع علي جسدي غطاءا كي يكسي عريي ‪.‬‬
‫تفحص وجھي الشاحب ودموعه تغطي وجھه ثم حملني بغطائي‬
‫ووضعني بمغطس الحمام وقال لي‬
‫"سأحضر زوجة سمير لتساعدك"‬
‫أمسكت يده وھززت رأسي نفيا وقلت بلسان ثقيل‬
‫"سأتخلص وحدي من قذارتي "‬
‫خرج وأغلق الباب خلفه ثم سمعت صوت شھقاته‬
‫‪51‬‬
‫حاولت التحرك ببطء وفتحت المياه فتساقطت علي ثيابي البالية‬
‫وجسدي المدنس ‪.‬‬
‫ورغم ذلك سمعت حديث أحمد الذي يخرج من بين شھقاته بصعوبة‬
‫" بعدما ترك مكتبي وإتفقنا علي توقيع أوراق خالصك بالصباح‬
‫بحضور المحامي الخاص بي ‪ ،‬كان لدي شعور بما ينوي أن يفعله‬
‫فصعدت للطابق الثاني خلفه وسمعت صرخاتك ‪.‬‬
‫سمعت صرخاتك يامريم ولم أستطع مساعدتك ‪.‬‬
‫أردت أن أكسر الباب اللعين وأنتزع قلبه من صدره لكن التعقل‬
‫غلبني بآخر دقيقة ‪.‬‬
‫خشيت أن يتراجع عن إتفاقنا وبدال من مساعدتك كنت سأزيد عذابك‬
‫‪.‬‬
‫لم أتحمل سماع ألمك فغادرت الفيال وقضيت باقي الليل ھائما‬
‫وعندما أشرقت الشمس عدت ‪،‬ووقع أمام عيني عقدا نافذا قد صاغه‬
‫صديق ‪ .‬مقابل حريتك حصل علي مبلغ كبير باإلضافة لترقيته‬
‫بمكانة مرموقة بفرع شركتي بلندن ‪.‬‬
‫لكنه حصل أيضا علي لكمة كادت تفقده عينه اليمني ولوال أن‬
‫صديق قد إنتزعه من يدي لكنت قتلته من أجلك يامريم ‪.‬‬
‫لكني أقسم أنني لن أتركه بسالم ‪".‬‬
‫خرجت برداء الحمام ونظرت بعينيه وسألته‬
‫" أنا حرة ؟"‬
‫" أنت حرة لألبد يامريم "‬
‫رددت وأنا أبكي‬
‫" أنا حرة "‬
‫" وثيقة طالقك ستكون بيدك بعد إسبوعين بإذن ﷲ "‬
‫سقطت أرضا وأنھرت بكاءا‬
‫وكان آخر ما سمعته ھو صوت أحمد يصرخ‬
‫" لما تأخر الطبيب ؟"‬
‫***‬
‫‪52‬‬
‫" تعرضت ھذه المسكينة لعنف ال يمكن السكوت عنه "‬
‫أجابه أحمد ھمسا‬
‫" إنھا تحاول أن تتخلص من زواجھا اللعين وتوريط الشرطة باألمر‬
‫اآلن ليس لصالحھا ‪ ،‬فقط سيطيل عذابھا ‪" .‬‬
‫قال الطبيب متنھدا‬
‫" لوال أني أعرفك جيدا يا أحمد ماكنت وافقت علي ھذا أبدا ‪ ،‬لكنھا‬
‫بحاجة إلي عناية طبية ونفسية أيضا ‪ ،‬إنھا اآلن تعاني صدمة وال‬
‫أعتقد أن بإمكانھا التعافي سريعا "‬
‫" إنھا قوية ‪ ،‬محاربة ‪ ،‬أقوي مما نتصور ‪ .‬لقد تحملت ھذه القسوة‬
‫لعامين ‪ .‬وستمر من ھذه األزمة ‪ ،‬لدي إيمان بذلك "‬
‫كنت أسمع كل ھذا الحوار لكن لساني كان ثقيال ‪ ،‬لم أستطع النطق ‪،‬‬
‫أردت أن أصرخ لقد قتلھا ‪.‬‬
‫ھشام قتل أمه ‪.‬‬
‫لكن صوتي خرج أنينا جعل أحمد يقترب مني يمسك بيدي ويھمس‬
‫"أنت بخير "‬
‫" أنت آمنة معي ‪ ،‬لن أسمح ألحد باإلقتراب منك مجددا "‬
‫***‬
‫‪53‬‬
‫لوال الصالة والقراءة وأحمد ما كانت جروحي ستشفي ‪.‬‬
‫وإن بدأت جروح الجسد بالشفاء فجروح الروح مازالت تنزف ‪.‬‬
‫كنت أستند علي الحاجز الخشبي أشاھد الخيول عندما سمعت صوت‬
‫خطوات نافذة الصبر فإلتفت ألري أحمد مبتسما فإبتسمت مترددة‬
‫لكنه وقف علي بعد خطوات قليلة مني وسلط عينيه علي عيني‬
‫" وصلت وثيقة طالقك اليوم "‬
‫شعرت للحظات أنني تجمدت ‪ ،‬توقفت عن التنفس وكان غير مستعد‬
‫لرد فعلي كما كنت أنا أيضا ‪.‬‬
‫لقد إرتميت بين ذراعيه وبكيت‬
‫وھمست كلمات شكر إختلطت بنشيجي ‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫أحمد الشرقاوي‬
‫شعرت بھذه اللحظة بمشاعر متضاربة ‪ ،‬فقد رغبت بأن أطبق‬
‫ذراع ًي عليھا وأقربھا مني فتصبح كجلد ثان لي ‪ ،‬لكني سيطرت‬
‫علي نفسي باللحظة التي كادت يداي أن تلمسھا بھا فأنزلتھما جانبي‬
‫وھمست بأذنھا‬
‫" إذا عريت سأحتويكي بأضلعي‬
‫أنا إن عريت رداء‬
‫وإذا عبست قد أكون ﻣھرجا‬
‫كي تكوني‬
‫سعادتي السعداء "‬
‫إبتعدت عني وكانت تبدو نادمة بعد إرتكاب حماقة ‪.‬‬
‫لم أعرف ماذا عل ًي أن أفعل ألخفف عنھا ‪ ،‬فكل ما أريد فعله سيزيد‬
‫األمور سوءا ‪ ،‬يبدو أنني قد تورطت معھا بمشاعري أكثر مما‬
‫أردت ‪ .‬حالتھا اآلن ال تسمح بأن أحدثھا ‪.‬‬
‫لكني لن أستسلم ‪.‬‬
‫سأعيد السعادة إلي حياتھا وأساعدھا علي الشفاء ثم أخبرھا بما أشعر‬
‫به تجاھھا فيما بعد ‪.‬‬
‫ھذا جيد ‪.‬‬
‫ھذا ما سأفعله ‪.‬‬
‫***‬
‫‪55‬‬
‫ﻣريم‬
‫ما الذي فعلته ؟‬
‫ھل جننت ؟‬
‫أھرب من رجل ألرتمي علي صدر اآلخر ؟!‬
‫تمتمت‬
‫" آسفة "‬
‫منحني الوثيقة فتأملتھا تسبقني دموعي الحارة ‪.‬‬
‫وھمست‬
‫" شكرا "‬
‫ثم ركضت ھاربة لحجرتي ‪.‬‬
‫شعرت أنني أمسك بيدي شھادة ميالدي ‪.‬‬
‫أنني منحت للتو حياة جديدة ‪.‬‬
‫كم أنت عادل يا ﷲ ‪.‬‬
‫إستجبت لدعواتي وأرسلت لي طوق نجاة ‪.‬‬
‫فكرت أن أحدث حسن وأخبره بكل شيئ ‪.‬‬
‫يا كم أحتاج ذراعيك يا حسن ‪.‬‬
‫سأطلب من أحمد أن يدعني أحدثه وستكون ھذه آخر خدمة أسمح له‬
‫أن يقدمھا لي ‪.‬‬
‫ال ‪ ،‬عودتي للقاھرة ستكون األخيرة ‪.‬‬
‫***‬
‫‪56‬‬
‫جمعت أغراضي بحقيبتي الصغيرة وتركتھا علي الفراش ونزلت‬
‫ألحدث أحمد ‪.‬‬
‫كنا قد إعتدنا علي الجلوس بالمكتبة لفترات طويلة نقرأ و نتناقش ‪.‬‬
‫سألني‬
‫" أي كتاب تفضلين اليوم؟"‬
‫لم أرفع عيني ألبعد من أذرار قميصه‬
‫" أرغب أن أحدث أخي حسن ‪ ،‬اآلن أستطيع إخباره دون خوف "‬
‫" مريم؟"‬
‫إقشعر بدني من اإلسم بت أمقته بالفعل لكنني رفعت عيني إليه‬
‫" ھل بحوزتك رقم أخيك ؟"‬
‫أومأت نافية‬
‫" يمكننا اإلتصال بالجامعة التي يعمل بھا وبإمكانھم أن يصلونا به "‬
‫إبتسم‬
‫" يعجبني ذكائك ‪ ،‬دعيني أجرب"‬
‫قلت له‬
‫" أنا أتحدث األلمانية "‬
‫رفع حاجبه معجبا ثم أعطاني الھاتف فبدأت اإلتصال‬
‫بعد معارضة قليلة من قبل الجامعة لمنحي بياناته ‪ ،‬طلبت منھم‬
‫إعالمه بإسمي وبأنني بحاجة للحديث معه فإن وافق لن يسبب ھذا‬
‫جيد وإن رفض فسينتھي األمر ولن أزعجھم مجددا ‪.‬وقد وعدوني‬
‫بتنفيذ ھذا ‪.‬‬
‫بعد ثوان سمعت صوت أخي علي الھاتف يھمس بأذني‬
‫" مريم؟"‬
‫" حسن ‪ ،‬إشتقت إليك "‬
‫" ھل أنت بخير؟"‬
‫" أصبحت ‪ ،‬أنا أحتاجك ياحسن "‬
‫‪57‬‬
‫" إخبريني ياروما ماذا بك ؟"‬
‫وبدأت سرد كل شيئ‬
‫***‬
‫‪58‬‬
‫أحمد الشرقاوي‬
‫راقبتھا وھي تعطي ألخيھا رؤوس أقالم عما فعله بھا الوغد ‪.‬‬
‫كانت دموعھا تسيل بإستمرار وتشير بيدھا وكأنه يراھا ‪.‬لكن ما‬
‫جعلني أفقد صوابي بالفعل‬
‫"أنه عرض عليھا أن تأتي لتقيم معه ‪ ،‬سيحصل علي إجازة بعد‬
‫شھر من اآلن وھذا ھو أقرب وقت إستطاع تدبيره فھم بمنتصف‬
‫العام الدراسي بعدھا سيأتي إلي مصر ليصطحبھا معه وھذا ما لن‬
‫أوافق عليه أبدا‪.‬‬
‫عندما أغلقت الھاتف قلت لھا‬
‫" لن أسمح لك بالسفر ‪ ،‬لن تغادري بعد أن عثرت عليك أخيرا "‬
‫نظرت لي غير مصدقة‬
‫" أحمد ؟"‬
‫" قلبي إيمان‬
‫وقلبك ﻣلحد‬
‫قد ال تحبي لكنه‬
‫قد ذاق حبك واحد "‬
‫وضعت يدھا المرتجفة علي وجھھا وقالت‬
‫" آسفة "‬
‫قلت لھا وأنا أجبرھا علي النظر بعيني‬
‫" أنا ال تسول حبك يامريم‬
‫أنا واثق أنك ستحبيني ‪ ،‬لن أطالبك بشيئ لكن ال تحجري علي حقي‬
‫بالتعبير عن حبي لك ‪".‬‬
‫‪59‬‬
‫" أنا أريد العودة للقاھرة "‬
‫" سأعيدك الليلة إن أردتي "‬
‫لمعت عينيھا‬
‫" لقد جھزت حقيبتي "‬
‫"إذن سأبدل مالبسي إلي أن يعد سمير السيارة "‬
‫خرجت وأنا أفكر أنھا تحتاج للشعور باألمان ‪ ،‬تحتاج لمعاملة‬
‫خاصة حتي تتجاوز أزمتھا ‪.‬‬
‫***‬
‫‪60‬‬
‫ﻣريم‬
‫لقد أعلن لي عن حبه بأبيات من الشعر ‪ ،‬أي جنون ھذا ؟!‬
‫ھذه الطريقة كانت ستروق لروما الفتاة المجنونة التي تحب كل ما‬
‫ھو غير تقليدي ‪.‬‬
‫لكن مريم ؟‬
‫خاصة مريم التي أصبحت عليھا اآلن لن تسمح للحب بالتسلل إليھا ‪،‬‬
‫ال يوجد ما يسمي حبا ‪.‬‬
‫إنه وھم ؟‬
‫أحمد فقط يشفق عل َي ‪ ،‬يساعدني لكنه يجھل التمييز بين التعاطف‬
‫والحب ‪.‬‬
‫سأوضح له الفارق ‪.‬‬
‫عليه أن يعود لحياته وعل َي أن أبدأ حياة جديدة دون إرتباط‪.‬‬
‫أوقف السيارة أمام المبني وفتح لي باب السيارة وسألني‬
‫" أي طابق سنصعد؟"‬
‫نظرت له مندھشة‬
‫" أنا لن أتركك تصعدين بمفردك ‪ ،‬لقد تأكدت بنفسي من رحيله‬
‫خارج مصر لكنني أعلم أن الشقة تحمل لك ذكريات سيئة ولن‬
‫أتركك تواجھينھا وحدك "‬
‫نظرت له ممتنة‬
‫بالفعل كان قلبي يرتجف من خوض ھذه التجربة وحدي ‪ .‬عندما‬
‫سألني عما أفكربه للمستقبل أخبرته‬
‫" أول شيئ سأفعله ھو بيع شقتي ‪ ،‬بعدھا سأنتظر عودة أخي لنقرر‬
‫األمر "‬
‫"لدي مخطط آخرقد يعجبك إن فكرت به طويال "‬
‫‪61‬‬
‫صعدنا للشقة وقام ھو بفتح الباب عندما إرتعشت يدي ثم تابع حديثه‬
‫وكأنه يحاول صرفي عن التذكر‬
‫" سأساعدك لتجمعين أشيائك ونغادر ھذه الشقة وغدا سيتولي‬
‫صديق المحامي الخاص بي عرضھا للبيع وتخليص كل اإلجراءت‬
‫الالزمة فقط إن قمت بصنع توكيل له ‪ ،‬بعدھا تشترين مكانا جديدا‬
‫تعيدين تأثيثه بنفسك ثم تبحثين عن عمال بمجال تخصصك ‪ .‬ما‬
‫رأيك بھذا إلي اآلن؟"‬
‫إبتسمت‬
‫" نظريا جيد ‪ ،‬أما بالنسبة للتطبيق ؟"‬
‫قاطعني‬
‫" سيكون أكثر جودة ‪ ،‬لن أجعلك تحملين ھما ‪ .‬واآلن لنكف علي‬
‫الثرثرة وإخبريني ماذا سنفعل ؟"‬
‫قلت له مبتسمة‬
‫" سأجمع كتبي "‬
‫" دعيني أساعدك "‬
‫أحضر معي صناديقا فارغة كان أخي يحتفظ بھا بإحدي الغرف‬
‫وبدأت إخراج الكتب من األماكن التي كنت أتفنن بإخفائھا بھا حتي‬
‫ال يصل إليھا ھشام ‪.‬‬
‫وأحمد يرتبھا بالصناديق ‪.‬‬
‫ضحك‬
‫" أنت كارثة ‪ ،‬كنت أعتقد أنني مثقف لكنك أثبت لي أن عل َي إعادة‬
‫النظر باألمر "‬
‫قلت مبتسمة‬
‫" أعشق القراءة ‪ ،‬إنھا بدمي ‪ ،‬كان حلمي أن أمتلك مكتبة أكبر من‬
‫أبي وحسن "‬
‫" ستفعلين "‬
‫سألته‬
‫" أتجيد صنع القھوة؟ "‬
‫" ال تشككي بقدراتي ‪ ،‬أنا طباخ ماھر ‪ ،‬لكني أعتقد أنك تصرفيني‬
‫فقط لھدف برأسك ‪" .‬‬
‫‪62‬‬
‫إحمرت وجنتاي‬
‫" سأفحص مالبسي ألختار منھا البعض "‬
‫"كيف تشربين قھوتك ؟"‬
‫" سوداء بال سكر "‬
‫قطب حاجبيه قائال‬
‫" سنغير ھذا ‪ ،‬ستشربين ما أعده بصمت "‬
‫إبتسمت فبادلني اإلبتسام وذھب للمطخ ‪ ،‬بينما إتجھت أنا لغرفة النوم‬
‫‪.‬‬
‫تجاھلت النظر للفراش وللزوايا ‪ ،‬فكل مكان لي به ذكري خبيثة ‪.‬‬
‫فتحت الخزانة وبدأت بإخراج كومة من المالبس كنت قد وضعتھا‬
‫بأسفلھا حتي ال يتخلص منھا الوغد إلجباري علي إرتداء ما يشتريه‬
‫ھو ‪ .‬كنت قد إشتريتھا ضمن جھازي لكنھا مازالت جديدة لم تمس‬
‫مألت حقيبتين وتركت باقي قذارته ‪.‬‬
‫كنت أسحب إحدي الحقيبتين خارجا عندما أتي أحمد قائال‬
‫"ستبرد القھوة وستتھميني أنني ال أجيد إعدادھا "‬
‫إبتسمت‬
‫" سأشربھا حاال "‬
‫" سأحضر حقيبتك األخري ‪.‬‬
‫***‬
‫‪63‬‬
‫أحمد الشرقاوي‬
‫عندما دخلت المطبخ ألعد القھوة تأملت النافذة التي حكت عنھا‬
‫وشعرت باإلختناق والعجز وكأن أحاسيسھا تسكن المكان وتنتقل‬
‫لكل من يدخله ‪ ،‬أو أنا الذي أصبحت أحبھا لدرجة أنني أشعر بكل ما‬
‫تشعر ھي به ‪.‬‬
‫خرجت سريعا من ذلك المكان الخبيث ‪ ،‬فلم أستطع أن أطيل النظر‬
‫للزاوية التي فقدت بھا طفلھا ‪.‬‬
‫وإنتابني إحساس عجيب ‪.‬‬
‫شعرت بالخسارة وكأن الطفل لي ‪.‬‬
‫ھذا أمر يدعو للجنون ‪.‬‬
‫أنا رجل بنھاية عقدي الثالث ‪ ،‬ناضج لدرجة التحكم بمشاعري ‪.‬‬
‫لم أواجه صعوبة من قبل بھذا األمر‬
‫كنت شابا طموحا كل ما يملكه بعد تخرجه في كلية التجارة حلم‬
‫إنشاء مصنع للمالبس ‪.‬‬
‫ساعدني أبي بمنحي قطعة األرض التي كان يملكھا بالشرقية ‪.‬‬
‫كانت آخر ما يربطه بالبلد ‪.‬‬
‫فقد أحب أبي أمي وفضلھا عن أختھا التي تحبه ‪ ،‬لذا تسببت خالتي‬
‫بفضيحة له كي تفسخ خطوبتھما لكن أمي تمسكت به مما جعل‬
‫أسرتھا تلفظھا ‪.‬‬
‫من الجدير بالذكر أن أمي وأبي أوالد عمومة واحدة ‪ .‬عقد أبي‬
‫قرانه عليھا وغادرا البلد وإنتقال للعيش بشبرا ‪.‬‬
‫ھناك أسس أبي متجرا صغيرا لبيع المالبس وساعدته أمي ‪.‬‬
‫لم أر حبا كحبھما ‪.‬‬
‫وقفا معا بأحلك المواقف وتخطيا أشد األزمات ‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫وعندما أصيبت أمي بورم خبيث إكتشفناه بعد أن فتك بجسدھا‬
‫وإنتشر به أراد أبي بيع المتجر واألرض كي يعالجھا ‪ .‬كان لديه‬
‫أمال ببقائھا حية رغم نفي األطباء ذلك ‪ ،‬لكنھا رفضت وأخبرته أن‬
‫ھذا ليس ماله كي يتصرف به بل ھو مال أحمد ‪.‬‬
‫أمي لم تحزن ألنھا سترحل ‪ ،‬بل كان كل حزنھا ألن والدي ال يجيد‬
‫اإلعتناء بنفسه وألنھا لن تري الفتاة التي ستأسر قلبي ‪.‬‬
‫كانت تخبرني دائما عندما أجلس برفقتھا ألشرب القھوة‬
‫" بفنجانك فتاة ستقلب عالمك رأسا علي عقب وستكتب الدواوين لھا‬
‫"‬
‫كنت أضحك قائال‬
‫" أنت بطلة كل دواويني "‬
‫" ورد "‬
‫" أترغبين بورد يا أمي ؟ ‪ ،‬سأحضر لك بستان "‬
‫ضربتني علي رأسي قائلة‬
‫" إسمھا ورد يا غبي ‪ ،‬وتشبه الورود "‬
‫ضحكت كثيرا‬
‫" من بين كل الفتيات بالعالم سأحب فتاة يضم إسمھا الحرف الوحيد‬
‫الذي لدي به لثغة؟‬
‫كم أنا محظوظ؟"‬
‫أضحك كالمي أمي‬
‫تمتمت‬
‫" ألول مرة ال يتحقق تأويل فنجانك ‪ .‬إسمھا مريم ‪ ،‬ھذا ال يفرق‬
‫كثيرا فحرف الراء اللعين أقسم علي مالزمتي "‬
‫ماتت أمي بعد إكتشافنا لمرضھا بشھرين ‪ ،‬لم يطل ﷲ عذابھا ‪ ،‬لم‬
‫أحزن ألنھا رحلت لكن ما أحزنني ھو خيانة أبي لي ‪.‬‬
‫لقد رحل بعدھا بإسبوع ‪.‬‬
‫لم يتحمل البيت دونھا فذھب سريعا ليسكن بجوارھا ‪.‬‬
‫تسائلت كثيرا لماذا تركوني ؟‬
‫حتي أتتني بمنامي ‪ ،‬مسحت دموعي وأخبرتني أن الخير كله‬
‫ينتظرني طالما سأمد يدي به للناس ‪ .‬ترددت مقولتھا بأذني كثيرا‬
‫‪65‬‬
‫" ساعد الناس يا أحمد ليساعدك ربھم "‬
‫أقسمت وقتھا علي أن أنفذ وصيتھا ‪.‬‬
‫طورت متجر أبي وإستغليت مال األرض لبناء المصنع ‪.‬‬
‫كنت قد درست خطتي لسنوات عندما كنت بالجامعة ‪ ،‬لذا كنت‬
‫أعرف كيف أخطو كل خطوة ‪.‬‬
‫كل عمال مصنعي جيراني ‪.‬‬
‫لقد صنعت عائلة جديدة لي ‪ ،‬سندا أتكئ عليه بشدتي ‪.‬‬
‫وعندما زاد عملي زادت عائلتي ‪.‬‬
‫حتي ربات المنازل بالبيوت إستغليت طاقتھم بتطريز التصميمات‬
‫التي أرسلھا لھم يدويا ‪.‬‬
‫أصبح لدي ماركة مسجلة بإسمي‬
‫أردت أن أصلح عالقتي بعائلتي الحقيقية فسافرت الشرقية وھناك‬
‫تعرفت علي الجميع لكن لم يدخل قلبي سوي صديق إبن عمي والذي‬
‫أصبح المحامي الخاص بي وساعدي األيمن فيما بعد ‪.‬‬
‫أما خالتي سامحھا ﷲ بمجرد أن نظرت لي تذكرت والدي حبھا‬
‫القديم ووضعت مخططا جديدا لتزوجني ھدير إبنتھا الكبري ‪.‬‬
‫وعندما أعلنت لھا أنه ال نية لدي بالزواج صرخت بي غاضبة و‬
‫ذكرتني بتاريخ جحود أمي وأبي من وجھة نظرھا ‪ .‬فآسرت‬
‫اإلبتعاد وإكتفيت بإرسال المال لھا كل شھر ‪.‬‬
‫اآلن وبعد كل ھذا أقع بحب مريم التي تحاول إقناعي أن ما أشعر به‬
‫ليس حبا ‪.‬‬
‫قررت تفقد ما تفعله مريم فوجدتھا تخرج ھاربة وھي تسحب إحدي‬
‫الحقائب وكأن ھناك أشباح تطاردھا ‪ ،‬أخبرتھا أنني سأحضر‬
‫الحقيبة األخري وكانت لدي أسباب أنانية أكثر من رغبتي‬
‫لمساعدتھا ‪.‬‬
‫تفحصت الحجرة ونظرت للثياب المبتذلة بالخزانة المفتوحة ولكم‬
‫المرض والخالعة الذي يقطن بعقل صاحبھا ‪.‬‬
‫‪66‬‬
‫ذلك السادي اللعين إن كان يريد فتاة ليل فلما لم يتزوج من إحداھن‬
‫؟!‬
‫لما تزوج أكثر الفتيات براءة ليدنسھا ؟!‬
‫ما المتعة التي حصل عليھا من تلويث روحھا النقية بشوائب مرضه‬
‫النفسي ؟‬
‫أي نشوة يحصل عليھا من إيذاء اآلخرين ؟‬
‫ھذا أمر يفوق إستيعابي ويؤذي شعوري خاصة أنه أذي مريم ‪.‬‬
‫حبيبتي مريم ‪.‬‬
‫شربنا قھوتنا وأجريت عدة إتصاالت ھاتفية بصديق شرحت له‬
‫رغبة مريم ببيع الشقة وكل مابھا ليبدأ باإلجراءات ‪.‬‬
‫وطلبت منه إرسال من يحمل أغراضھا لشقة والديھا حيث ستقيم إلي‬
‫أن تقرر ماذا ستفعل بحياتھا ‪.‬‬
‫كانت الساعة قد تخطت السابعة صباحا عندما قررنا الرحيل ‪.‬‬
‫دقت مريم علي باب جارتھا التي إندھشت فور فتحھا للباب وضمتھا‬
‫إليھا وھي تصرخ‬
‫" مريم ؟! حمدا  أنك بخير ‪ .‬كدنا نموت قلقا عليك ‪ ،‬إعتقدت أن‬
‫ذلك المجنون قد فعل بك شيئا أشد سوءا "‬
‫أتت فتياتھا علي إثر صرختھا ليطمئنوا عليھا‪.‬‬
‫شددت مريم قبضتھا عليھا قائلة‬
‫" شكرا لكل ما فعلتوه ألجلي ‪ ،‬فلوالكم لكنت فقدت األمل منذ وقت‬
‫طويل " مسحت السيدة عينيھا الدامعتين‬
‫" لقد إعتبرتك إبنة أخري لي يامريم "‬
‫" أعلم ‪ ،‬وأنا آسفة لفراقك "‬
‫" ماذا حدث ؟‪ ،‬كيف خرجتي ؟"‬
‫وآخيرا الحظت وجودي وإختلط عليھا األمر‬
‫" من الجيد أنك عدت أخيرا لتنقذ أختك المسكينة من ذلك المجنون‬
‫‪،‬أتمني أن يحترق بنار الجحيم "‬
‫إبتسمت لھا‬
‫‪67‬‬
‫" سأحرص علي أن يكون ھذا مكانه ‪ ،‬وأنا شاكر لك إھتمامك بمريم‬
‫"‬
‫إبتسمت مريم عندما لم أصلح إعتقاد جارتھا‬
‫" إحتفظي بمفتاح شقتي فسيأتي محامي إسمه صديق ليأخذه منك‬
‫وقريبا سيأتي ساكن جديدا يفتح النوافذ ويزيل الحزن الذي خيم علي‬
‫الجدران "‬
‫" سأفعل يا عزيزتي ‪ ،‬وأنا مسرورة أنك ستقيمين مع أخيك أخيرا‬
‫فھو جدير بحمايتك "‬
‫ھمست لھا مريم رغم أني سمعت صدي ھمسھا بين ضلوعي‬
‫" ھناك الكثير من المالبس بالخزانة بإمكانك التصرف بھا كما‬
‫تريدين ال أمانع إن قمتي بحرقھا رغم أني أعلم جيدا أن سارة‬
‫ستكون سعيدة بجزء منھا ‪".‬‬
‫شكرتھا السيدة ممتنة‬
‫" ستكون شاكرة لك يا طفلتي ‪ ،‬فھي تشتري جھازھا اآلن ‪ ،‬آمل أن‬
‫يكون زوجھا جيدا وإال سأحرص علي دق عنقه بنفسي "‬
‫إبتسمت مريم وودعناھم وخرجنا ‪.‬‬
‫وھا ھي صفحة سوداء أخري قمنا بطيھا لألبد ‪ ،‬آن اآلن أوان البداية‬
‫بكتاب جديد وردي اللون رغم أنف مريم ‪.‬‬
‫قمت بإيصالھا لباب منزل والديھا وفتحته لھا وأدخلت حقائبھا‬
‫وودعتھا بعد أن أعطيتھا الھاتف الذي إشتريته لھا بالطريق وسجلت‬
‫رقمي عليه ‪.‬‬
‫ثم غادرت عائدا لشقتي ‪.‬‬
‫رغم إرھاق اليوم إال أنني لم أستطع النوم ‪.‬‬
‫حاولت كثيرا وبالنھاية قررت اإلتصال بھا فإن أجابت من أول‬
‫جرس فھذا جيد و إن لم تجب سأغلق سريعا فقد تكون نائمة ‪.‬‬
‫" أحمد "‬
‫"أعشق الھمزة التي تضعيھا ببداية إسمي "‬
‫عندما صمتت سألتھا‬
‫" ماذا تفعلين ؟"‬
‫ھمست‬
‫‪68‬‬
‫" أرتاح أخيرا "‬
‫" وماذا فعلتي قبل أن ترتاحي ؟"‬
‫" نظفت الشقة ‪ ،‬لم أستطع النوم وسط تراب عامين "‬
‫" ھذا مؤسف "‬
‫قالت حائرة‬
‫" ماھو المؤسف ؟"‬
‫" أنك لم تستعيني بخبراتي ‪ ،‬أنا حاصل علي جائزة أمي التقديرية‬
‫بأعمال البيت "‬
‫ضحكت أخيرا ضحكة صافية من قلبھا وسألتني‬
‫" كيف إكتشفت قدرتك علي كتابة الشعر ؟"‬
‫ضحكت‬
‫" بإحدي المرات كانت أمي متوترة فصرخت بوجھي علي غير‬
‫عادتھا ولم تتحمل أسئلتي الكثيرة ‪ ،‬فوجدت نفسي أقول لھا‬
‫كسرت فؤادي بصوتك يازينبٌ‬
‫وتركتني من ھول غضبك أتعذبُ‬
‫ضحكت أمي وتبدد غضبھا وأمسكت يدي وخرجت ألبي قائلة‬
‫" لدينا مشروع شاعر فماذا ستفعل كي تنمي موھبته ؟"‬
‫ومنذ تلك اللحظة بدأ أبي بإمدادي بالكتب والدواوين أتذكر أنني كنت‬
‫وقتھا بنھاية المرحلة اإلبتدائية "‬
‫ضحكت مجددا‬
‫" أترتجل ؟"‬
‫قلت‬
‫" لم أعرف اإلرتجال إال عندما قابلتك ‪ ،‬لكن إعترفي‬
‫أنت تحبين شعري "‬
‫‪69‬‬
‫" أنا أحب الشعر بشكل عام وشعرك مميز لكن ال أحب أن أكون‬
‫موضوعه "‬
‫" كاذبة "‬
‫صمتت‬
‫فقلت‬
‫" أقسم با‪o‬‬
‫قلبي أصيب بعشق الحبيب فيا ويحتاه‬
‫عرق الجبين‬
‫إرتعاش األناﻣل‬
‫عطش الشفاه‬
‫ھاتي شفاھك أرتشف ﻣنھا طعم الحياة "‬
‫" أحمد "‬
‫" نعم "‬
‫" كف عن ھذا "‬
‫" ﻣغرورتي‬
‫إنسي الغرور تصدقا وتكرﻣي‬
‫إني أري نار الھوي تنير ليال ﻣعتمي "‬
‫" لست مغرورة "‬
‫قلت مغيظا لھا‬
‫" لماذا تشعرين أن الكلمات لك ؟"‬
‫" ألنك تقولھا بأذني "‬
‫ضحكت‬
‫" ال ‪ ،‬كلماتي ليست لك "‬
‫تنھدت‬
‫فأكملت‬
‫‪70‬‬
‫" كلماتي لقلبك "‬
‫" أنت ال تطاق "‬
‫" إذن دعيني أخبرك الحقيقة دون تكلف "‬
‫" وأيم الحب وأيم تلعثمي‬
‫إني أري نار الھوي تنير ليال ﻣعتم‬
‫إني أري شوقا إل َي في إرتعاش األعظم‬
‫إستسلمي"‬
‫شعرت بإرتجافھا حقا وھي تقول‬
‫" لن أفعل "‬
‫فتابعت‬
‫" إستسلمي‬
‫وتقدﻣي‬
‫ترياق ﻣرضك في فمي "‬
‫قالت بنزق‬
‫" إصمت "‬
‫فتابعت‬
‫" ﻣغرورتي‬
‫لن أرضي ﻣن غيرك األبناء‬
‫ولتعلم‬
‫لك إن عطشت ﻣن شفاھي الماء‬
‫وإذا عريت‬
‫سأحتويكي بأضلعي‬
‫أنا إن عريت رداء‬
‫‪71‬‬
‫ﻣغرورتي‬
‫تقدﻣي ال تھجري‬
‫إن جفت األنھار ﻣلكك أنھري‬
‫فعانقيني تنفسيني لتحتمي‬
‫سأواجه اآلالم كي ال تتألمي‬
‫ال تحسبيني ﻣبالغا‬
‫فالحسن يعني ﻣريم "‬
‫سمعت إنفجار بكائھا قبل أن تغلق الھاتف حاولت اإلتصال بھا‬
‫مجددا فرفضت أن تجيب ‪.‬‬
‫كانت مريم بحاجة لحديثي‬
‫لمشاعري‬
‫لحبي‬
‫كي تواجه مخاوفھا وقلقھا‬
‫كي تسمح لقلبھا أن يحب‬
‫أن يحيي ‪.‬‬
‫***‬
‫‪72‬‬
‫ﻣريم‬
‫كل كلمة نطق بھا كانت تنزع جزءا فاسدا من نفسي وتلقيه بعيدا‬
‫كنت خائفة وحزينة وقلبي قد طاله الحزن بالسواد‬
‫لما ال يتركني كما أنا؟!‬
‫لما يحاول أن يعطيني سببا للحياة مجددا ؟‬
‫أنا خائفة ‪.‬‬
‫بل مرعوبة ‪.‬‬
‫أخشي أن يتم إيذائي ‪.‬‬
‫ليس بنفس الطريقة السابقة ‪.‬‬
‫أحمد ال يشبه ھشام بشيئ‬
‫أخاف أن أسمح لنفسي بالحلم ‪.‬‬
‫أخاف أن أسقط مجددا‬
‫وھذه المرة لن أستطيع النھوض ‪.‬‬
‫ستكون النھاية ‪.‬‬
‫لقد كسبت أحمد كصديق ‪.‬‬
‫كأخ ‪.‬‬
‫كأب ‪.‬‬
‫أخشي أن أسمح له بالولوج أكثر فأخسره ‪.‬‬
‫لست الفتاة التي يستحق أن يعيش معھا ‪.‬‬
‫أنا رماد إمرأة ‪.‬‬
‫لما عليه ربط نفسه بي وبآالمي ومشاكلي؟!‬
‫أخشي إن حاول أن يسحبني للضوء فأقوده أنا للظالم ‪.‬‬
‫أحمد يستحق األفضل ‪.‬‬
‫وأنا لست األفضل ‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫لن أستسلم ‪.‬‬
‫سيمل بعد فترة ويفقد األمل بي ويعود لحياته الطبيعية‬
‫لعمله ‪.‬‬
‫لعائلته ‪.‬‬
‫أنا أكذب ‪.‬‬
‫أنا ال أحارب نفسي ‪.‬‬
‫أنا أحارب أحمد ‪.‬‬
‫أحارب كلماته التي تجلي قلبي‪.‬‬
‫أحارب مشاعره التي تنير حياتي ‪.‬‬
‫أنا أحارب الحياة مجددا‬
‫لكن أليست ھذه حماقة؟ !‬
‫أن أحارب الحياة التي كنت أدعو ﷲ أن يمنحني إياھا ‪.‬‬
‫أنا مشوشة‬
‫حائرة‬
‫عقلي يكاد ينفجر‬
‫وقلبي ينبض بجنون‬
‫ليس خوفا‬
‫بل ترقبا‬
‫شغفا‬
‫أنا مجنونة ‪.‬‬
‫أنا أشعر بالنعاس ‪.‬‬
‫***‬
‫‪74‬‬
‫الرجل الذي فقد قلبه‬
‫ھل يدق أحدھم رأسي ؟‬
‫ال‬
‫إنه الباب‬
‫كم الساعة؟‬
‫العاشرة‬
‫ألم تكن العاشرة منذ قليل ؟‬
‫ياغبية كان ھذا ليال إننا بالصباح اآلن ‪.‬‬
‫ھل نمت كل ھذا؟‬
‫توقفت عن الحديث مع نفسي عندما أدركت أن دقات الباب لم تتوقف‬
‫نھضت وخرجت وفتحت باب الشقة ألجد أحمد ‪.‬‬
‫تأملته‬
‫بنطاال من الجينز وقميصا أبيضا‬
‫ذقن غير حليقة إعتاد علي تركھا ھكذا وإستمر بتھذيبھا من وقت‬
‫آلخر نظارته ذات اإلطار األسود ووجه األسمر الذي يبدو كمن‬
‫لوحته الشمس‬
‫قطب حاجبيه وھو يتأمني قائال‬
‫" إن أغلقتي الھاتف بوجھي مجددا دون أن ننھي حديثنا فستجديني‬
‫أمامك بعد بضعة دقائق ‪ .‬منعت نفسي بصعوبة األمس أن أحضر‬
‫إليك ‪ ،‬لكن ھذا لن يحدث مجددا ‪ .‬ھل فھمت ؟‬
‫أومأت موافقة‬
‫فقال‬
‫" تبدين شھية بالصباح ‪ ،‬لم أعرف فتاة تبدو أجمل بعد البكاء غيرك‬
‫‪".‬‬
‫‪75‬‬
‫إبتسمت ثم ضحكت‬
‫" أنت كاذب "‬
‫إقترب مني أكثر وقال‬
‫" إنظري بعيني وسترين نفسك كما أراھا ‪.‬‬
‫فتاة جميلة مشعسة الشعر عينيھا المنتفختين من البكاء وقلة النوم‬
‫رائعتا الجمال ‪ ،‬تركت وسادتھا علي وجھھا عالمات ماكنت‬
‫ستحدث لو وافقت علي الزواج بي ونامت علي صدري"‬
‫قلت له غاضبة‬
‫" أحمد "‬
‫" قولوا لھا‬
‫أحمد أصابه عشقھا‬
‫إحضروا الفستان ھيئوا العمدان عندي وعندھا‬
‫أنا لن أنام حتي أقبل خدھا "‬
‫عجزت عن الحديث ‪ ،‬عن الغضب ‪ ،‬وعن طرده‬
‫وإن صارحت نفسي حقا وقلت الحقيقة فقد أسعدني كالمه لكني لن‬
‫أفعل ‪.‬‬
‫" إخبرني مجددا لماذا أتيت إلي ھنا ؟"‬
‫إبتسم‬
‫" ألصطحبك معي"‬
‫" إلي أين ؟"‬
‫" ألريك شقة جيدة لتشتريھا "‬
‫" لكني لم أقرر بعد ھل سأظل بمصر أم أغادر مع حسن "‬
‫قال نافذ الصبر‬
‫" أنا قررت عنك ‪ ،‬لن تغادري مصر "‬
‫غضبت‬
‫‪76‬‬
‫" ومن سمح لك أن تقرر عني ؟"‬
‫" أنت "‬
‫قلت مندھشة‬
‫" أنا ؟!"‬
‫" أجل ‪ ،‬لكن دعيني أخبرك بطريقة أخري ‪ ،‬تلك الطريقة التي كنت‬
‫سأسلكھا لولم تنفجري غاضبة بوجھي ‪.‬‬
‫أنت لن تذھبي مع حسن أللمانيا ألنك تعلمين جيدا أنه سينصب نفسه‬
‫مسئوال عنك وسيقضي الكثير من الوقت باإلھتمام بك والترويح‬
‫عنك ‪ ،‬ذلك الوقت ھو الوحيد المتبقي له بعد عمله والذي يجب أن‬
‫يبحث فيه عن النصف اآلخر من روحه ‪ .‬أنت ستشعرين بعد فترة‬
‫أنك عبئا عليه وأنك تعوقينه عن تحقيق أحالمه ‪ .‬وستبدئين بلوم‬
‫نفسك وقد تفكرين العودة للقاھرة وسيحزنه ھذا ألنه قد عود نفسه‬
‫علي وجودك ‪ .‬لذا أنت ستتفادين حدوث كل ھذا وستبقين بمصر‬
‫وتشترين لك مكانا خاصا وتبدئين بعمل جديد وأعتقد أنك ناضجة‬
‫كفاية لتفعلي ھذا وحدك ‪".‬‬
‫وضعت يدي علي رأسي وأنا أعلم جيدا أنه محق ‪.‬‬
‫وأن كالمه صحيح لدرجة لعينة ‪.‬‬
‫قلت له‬
‫" ھال منحتني عشر دقائق ‪ ،‬أبدل مالبسي وأحضر معك ‪ ،‬لكن قبل‬
‫أن نكمل حديثنا سأشرب قھوة ألنني حقا عاجزة عن إستيعاب كل‬
‫ھذا ‪".‬‬
‫إبتسم أخيرا‬
‫" سأنتظرك بالسيارة "‬
‫***‬
‫‪77‬‬
‫توقفنا أمام مبني شاھق فقلت مندھشة‬
‫"ھل الشقة ھنا ؟"‬
‫أومأ موافقا‬
‫"ال بد أن السكن ھنا سيكلف الكثير وال أعتقد أن نقود بيع شقتي‬
‫ستغطي تكاليف شقة بھذا المبني الفخم"‬
‫" ھال كففت عن القلق لنري الشقة أوال "‬
‫أومأ لحارس العقار مبتسما ثم دخلنا المصعد وضغط علي رقم‬
‫الطابق الثامن ‪.‬‬
‫سرنا برواق طويل ‪ ،‬يبدو أن ھذا الطابق تصميمه يختلف عن‬
‫األخرين فھو يضم شقتين فقط بخالف باقي طوابق المبني ‪.‬‬
‫فتح باب الشقة ودخلنا ‪.‬‬
‫كانت تضم بھو واسع يحوي مطبخا ثم ممر ضيق يضم ثالث غرف‬
‫وحمام ‪.‬نظرت إليه غير مصدقة ‪.‬‬
‫أنھا رائعة ومساحتھا كبيرة جدا لشخص واحد ‪.‬‬
‫كانت جدرانھا بيضاء وأرضيتھا خشبية المعة وشرفاتھا كبيرة‬
‫وموقعھا يسمح بولوج الشمس بھا فال تحتاج إلضاءة نھارا ‪.‬‬
‫كان ينتظر رأيي‬
‫فقلت‬
‫" ممتازة ‪ ،‬لكن ‪" ...‬‬
‫أشار لي ألصمت ثم أخرج الھاتف وأجري مكالمة لم يقل بھا سوي‬
‫كلمة واحدة‬
‫" نفذ"‬
‫سألته وأجاب‬
‫" لقد أعجبتك وستصبح لك ‪ ،‬صديق يجھز عقدھا اآلن "‬
‫" أنت مجنون ‪ ،‬لن أشتريھا بالطبع ‪ ،‬فھذا عبث ‪ ،‬أحتاج لمكان‬
‫أصغر وليكن بمنطقة أخري ك‪"....‬‬
‫" مريم "‬
‫" نعم"‬
‫‪78‬‬
‫" لقد تم األمر ‪ ،‬الشيئ الوحيد الذي عليك فعله اآلن ھو أن ترينا‬
‫مھارتك بالديكور ‪ ،‬لقد أصبحت ملكك بموجب التوكيل الذي قمت‬
‫بتوقيعه لصديق منذ فترة طويلة ‪ ،‬اآلن عليك أن تضعي بصمتك‬
‫عليھا وتتركين بھا جزءا من نفسك ‪ ،‬الحارس بأسفل العقار لديه‬
‫أوامر بخدمتك ‪ ،‬سأترك لك رقمه وعليك فقط اإلتصال به ليحضر‬
‫لك كل ما تريدين ويشمل ھذا العمال الذين سينقلون أغراضك والذين‬
‫سيعملون بالشقة ‪ ،‬وسأترك لك رقمي ورقم صديق أيضا "‬
‫" لما تحدثني وكأنك ستسافر ؟"‬
‫ضغط علي أسنانه قائال‬
‫" ألنني سأفعل ‪ ،‬أحتاج للسفر ألنھي بعض المشكالت ‪".‬‬
‫عندما بدا القلق علي وجھي ولمعت عيوني بالدموع أمسك يدي‬
‫" لن أتأخر ‪ ،‬سأحدثك كل يوم ‪ .‬وباليوم أكثر من مرة ‪.‬‬
‫ثم إن كنت تحبيني ھكذا فعليك اإلعتراف حاال وسألغي سفري وأبقي‬
‫بجوارك "‬
‫سحبت يدي من يده وأدرت له ظھري وأنا أضغط بأسناني علي‬
‫شفاھي‬
‫" سأنتظرك ‪ ،‬فال تتأخر "‬
‫تنھد‬
‫" حسنا ‪ ،‬لن أتأخر‪.‬‬
‫مريم‪" .‬‬
‫إلتفت إليه‬
‫" نعم "‬
‫"تزوجيني "‬
‫" مزاحك سيئ"‬
‫" أنا ال أمزح ‪ ،‬أنا أطلب منك أن تكوني زوجتي"‬
‫كان قلبي يقرع بجنون وضعت يدي عليه‬
‫" أنت ‪ ..‬تريد الزواج بي ؟"‬
‫إقترب‬
‫" ھذا ما قلته بالظبط "‬
‫" لكن أنا ال أصلح لك ‪ .‬أنا حطام أنثي"‬
‫‪79‬‬
‫أشار بيده‬
‫" ال تتفوھي بالحماقات ‪ ،‬أنت أنثي كاملة ‪ ،‬بك كل مايتمناه رجل ‪.‬‬
‫من الصعب أن تجمع أنثي بين ذكاء العقل وروعة الشخصية وجمال‬
‫الجسد ‪ ،‬أنت عملة نادرة يامريم "‬
‫أدرت له ظھري أخشي أن يثبر غور عيني‬
‫" أنا لست كما كنت من قبل يا أحمد ‪ ،‬ھل ترغب بالزواج من إمرأة‬
‫تخاف لمستك ‪ ،‬ترتعب من ‪"....‬‬
‫أرتجفت شفتاي فتابع ھو متسائال‬
‫" العالقة الحميمة ؟"‬
‫سالت دمعة علي وجھي فدار حولي ووقف أمامي ومسحھا ورفع‬
‫وجھي ونظر بعيني قائال‬
‫" إنظري إل َي"‬
‫نظرت‬
‫" سأصبر يا مريم ‪ ،‬لن أجبرك علي فعل ما ال تريدينه ‪ ،‬أنا لست‬
‫وحشا ‪ ،‬أعلم أنك تأذيت كثيرا وأثق أنني الوحيد القادر علي‬
‫مساعدتك "‬
‫ھمست‬
‫" لماذا؟"‬
‫" ألنني أحبك "‬
‫إبتعدت‬
‫" ال يمكن لھذا أن يحدث "‬
‫" لكنه حدث ‪ ،‬أنا واثق من مشاعري تجاھك ولن أتخلي عنك ألي‬
‫سبب ولن أرضي بالرفض إجابة لسؤالي ‪ ،‬سأعرض عليك الزواج‬
‫كل يوم إلي أن توافقي ‪" .‬‬
‫تنھدت ونظرت من الشرفة شعرت أنني بحاجة للتنفس‬
‫"تزوجيني "‬
‫" ال "‬
‫" ستفعلين "‬
‫***‬
‫‪80‬‬
‫غزو الورود‬
‫سافر أحمد ومازالت كلماته تتردد بأذني‬
‫كنت قد بدأت بإعداد الشقة فأشتريت طالءا وقررت أن أطليھا‬
‫بنفسي ‪.‬‬
‫سمعت جرس الباب ففتحت‬
‫وجدت باقة كبيرة من الورود مرسلة لي‬
‫إستلمتھا‬
‫كانت رائعة تتوسطھا بطاقة كبيرة‬
‫فتحتھا وقرأت‬
‫" رﻣاني رصاص الھوي ﻣعلنا قتل السالم‬
‫أحببت أنثي وطھرھا يمحو اآلثام‬
‫لكنھا‬
‫ال تعرف اإلكرام في اإلسالم‬
‫ضنت عل َي بقربھا‬
‫والبعد يقتل عاشقا بغرام "‬
‫يا‬
‫كلماته تزلزلني ‪ ،‬تفجر براكين القسوة بي ‪ ،‬تنسف جبال العند ‪.‬‬
‫تقتل رغبتي بالمقاومة ‪.‬‬
‫تنھدت وعدت لمزج األلون ألبدأ بطالء غرفة النوم الرئيسية‬
‫‪81‬‬
‫قررت أن أخصص غرفة للمطالعة سأضع بھا مكتبة كبيرة ألكرم‬
‫بھا كتبي بعد سوء التقدير الذي القته بالعامين السابقين ومكتب‬
‫أضع عليه حاسبي وركنا للصالة وأريكة مريحة ومقعدا ھزازا ‪.‬‬
‫كل أحالم المراھقة سأضعھا بھذه الغرفة ‪.‬‬
‫بنھاية اليوم كنت قد إنتھيت من طالء كل الغرف ولم يبقي إال البھو‬
‫الفسيح‬
‫قررت زخرفة جدرانه بأشكال غريبة مستعينة بأدوات أراني البائع‬
‫بالمتجر كيف أستخدمھا وحدي ‪.‬‬
‫لكنني كنت جائعة وملطخة بالدھان وليست لدي أي رغبة بالطھي ‪.‬‬
‫طلبت طعاما سريعا وغلست وجھي ويداي وجھزت المال ثم سمعت‬
‫صوت الجرس فتنھدت ‪ ،‬وصل طعامي أخيرا ‪.‬‬
‫فتحت الباب ألجد باقة أخري‬
‫يا‬
‫ألم تستسلم بعد يا أحمد ؟!‬
‫إستلمت الورد وقبل أن أغلق الباب رأيت طعامي قد أتي أخيرا ‪.‬‬
‫جلست علي األرض وسط الزھور التي مألت الشقة وبدأت بتناول‬
‫الطعام‬
‫كان لدي فضول ألري ماذا كتب لي‬
‫لكن جوعي كان أقوي من فضولي‬
‫فمعذرة يا أحمد ‪.‬‬
‫سحبت البطاقة‬
‫" قد تنسي تحبيني‬
‫لكني ﻣحب ال أنسي تالقينا‬
‫وإن أخطأت سيدتي فمعذور‬
‫وعذري بعد أيدينا "‬
‫‪82‬‬
‫يا لقد أوشكت قصائده أن تصبح ديوانا ‪.‬‬
‫ديوان !‬
‫يالھا من فكرة‬
‫سأفاجئه بھذا األمر ‪.‬‬
‫لكن عل َي أوال أن أتصرف بھذه الورود التي أصبحت بكل زاوية من‬
‫شقتي‬
‫إتصلت بحارس المبني وطلبت منه أن يرسل أحدا ليأخذ باقات‬
‫الزھور ويعيد إرسالھا للمشفي القريب من المبني إلي غرف سأخبره‬
‫بأرقامھا‪.‬‬
‫إخترت عدة أرقام كانت لھا ذكري جيدة لدي ‪.‬‬
‫يوم ميالد أبي ‪.‬‬
‫يوم حصول حسن علي الدكتوراه‬
‫يوم لقائي بأحمد‬
‫ويوم حصولي علي حريتي مجددا ‪.‬‬
‫أنھيت طالء الشقة بعد منتصف الليل علي أنغام أغنية سيرة الحب‬
‫تلك األغنية التي كان يحب أبي سماعھا عندما يكون علي خالف مع‬
‫أمي ليغيظھا فقط ‪.‬‬
‫حصلت علي حمام دافئ وإفترشت األرض ونمت وأنا أستمع إليھا ‪.‬‬
‫ولم أنتبه للھاتف الذي لم يتوقف عن الرنين وال للرسائل التي‬
‫إمتألت بھا شاشته وال لبطاريته التي فرغت بعد دقائق ‪.‬‬
‫***‬
‫‪83‬‬
‫اليوم التالي كان مشحونا بالتسوق فلقد مررت علي أكثر من متجر‬
‫وإخترت أغراضا وطلبت شحنھا لشقتي بنھاية اليوم ‪.‬‬
‫عندما عدت للشقة لم أكد ألتقط أنفاسي حتي وجدت األغراض قد‬
‫وصلت واحدة تلو األخري ‪.‬‬
‫أشرت للحمالين علي مكان وضع كل قطعة من األثاث وراقبت‬
‫حلمي يكتمل ‪.‬‬
‫لقد أصبح لدي بيتا خاصا بي‬
‫كان يراودني إحساس عجيب كلما وضعت لمسة جديدة بالشقة كنت‬
‫أشعر كمن قام بإنجاز ‪.‬‬
‫شعرت بالسعادة ألول مرة منذ عامين ‪.‬‬
‫ووضعت ھاتفي كي يشحن و إكتشفت بعدھا أن أحمد كان قلقا لحد‬
‫لعين فإتصلت به لكنه لم يجب البد أنه بإجتماع ما ‪ .‬لذا إتصلت‬
‫بالماركت القريب وطلبت قائمة باألغراض التي تنقصني ‪.‬‬
‫ثم بدأت بترتيب مالبسي بالخزانة‬
‫تالھا ترتيب الكتب وتصنيفھا بالمكتبة الجديدة التي إخترتھا ‪.‬‬
‫إستلمت مشترياتي وعدت لمتابعة العمل بالمكتبة ‪.‬‬
‫رن جرس الباب فإتجھت إليه‬
‫كان أحمد يقف مستندا علي الباب بذقن غير مھذبة وشعر أشعس‬
‫ووجه مرھق نظر إلي طويال وھمس‬
‫" تبا لك "‬
‫مددت له يدي فأمسكھا بشدة وقال لي‬
‫" إفتقدتك حد الموت‬
‫كدت أجن قلقا عليك‬
‫سأقتلك لذلك ‪.‬‬
‫لوال إتصالي بحارس األمن الذي طمئنني عليك لكنت قطعت رحلتي‬
‫وأتيت إليك "‬
‫فتحت الباب أكثر وھمست‬
‫" إفتقدك أيضا "‬
‫تنھد‬
‫‪84‬‬
‫" أنا متعب إلي حد لعين ‪ ،‬لم أنم منذ يومين سأخذ قسطا من الراحة‬
‫وأعود كي أستطيع التشاجر معك فال طاقة لي اآلن لذلك "‬
‫ترك يدي وقال لي‬
‫" سأنام لساعتين فقط ‪ ،‬إتصلي بي بعدھا لنأكل شيئا "‬
‫غادر باتجاه الباب المقابل فسألته‬
‫" إلي أين تتجه ؟"‬
‫" نسيت إخبارك أنني جارك ‪ ،‬أسكن بالشقة المقابلة "‬
‫حمل الحقيبة الصغيرة التي تركھا بجوار الباب ودخل شقته ‪.‬‬
‫جاري ؟‬
‫ياله من مجنون ‪.‬‬
‫ھل أقنعني بشراء الشقة كي أبقي قربه طوال الوقت ؟‬
‫أغلقت الباب ودخلت كي أعد شيئا نأكله عندما يستيقظ ‪.‬‬
‫***‬
‫‪85‬‬
‫حضر أحمد بعد ساعتين ونصف كان شعره مازال رطبا ورائحة‬
‫عطره تفرض سيطرتھا علي الغرفة ‪.‬‬
‫جلسنا نتناول العشاء ثم طرح عل َي سؤاال جعلني أرفع وجھي عن‬
‫طبقي مندھشة‬
‫" متي تنوين الحصول علي وظيفة ؟"‬
‫" قريبا ‪،‬كنت سأبدأ البحث منذ الغد ‪ ،‬كيف عرفت ما أفكر به ؟"‬
‫" لدي وظيفة لك "‬
‫" أحمد ‪ ،‬لقد فعلت الكثير من أجلي ولست مجبرا علي توظيفي‬
‫أيضا "‬
‫" مريم "‬
‫أعلنت غاضبة‬
‫" أنا أكره إسم مريم ‪ ،‬بكل مرة أسمعه يقشعر بدني ‪ ،‬ال أسمع‬
‫صوت من يناديني بل صوت ھشام فقط "‬
‫ربت علي يدي‬
‫" إھدئي‪،‬‬
‫لنبحث لك عن إسم جديد "‬
‫نظرت له مندھشة فتابع‬
‫" إن كان إسم مريم يضايقك فلن أناديك به ‪ ،‬سنختار لك إسما جديدا‬
‫يعجبك وسيناديك الجميع به "‬
‫" إسم جديد؟! "‬
‫لمعت عينيه وقال مبتسما‬
‫" ورد "‬
‫" ورد؟"‬
‫إبتسمت فمازالت رائحة الورود التي أرسلھا تسكن بالبيت وقد‬
‫قھرت رائحة الطالء ‪ ،‬أعجبني اإلسم بالفعل‬
‫" ورد مصطفي "‬
‫‪86‬‬
‫ھز رأسه نافيا‬
‫" ورد الشرقاوي "‬
‫" أختك ؟"‬
‫إتسعت إبتسامته‬
‫" بل زوجتي "‬
‫" يوﻣا ﻣا ستتزوجيني‬
‫وسيصبح حضني فرضا‬
‫ركنا راسخا ﻣن أركان الدين‬
‫وستعلنين للعالم إيمانك‬
‫وتنضمين لدين العاشقين ‪" .‬‬
‫أدرت وجھي الذي إحمر خجال‬
‫" أعجبني اإلسم ‪ ،‬أقبله بكل سرور "‬
‫ضحك‬
‫" رحمة ﷲ عليك يا أمي ‪ ،‬لم يكذب فنجانك قط "‬
‫قلت حائرة‬
‫" ال أفھمك "‬
‫"يوما ما سأحكي لك ‪ ،‬اآلن إصطحبيني بجولة ألري ما فعلته بشقتك‬
‫ثم أغادر وسأمر عليك بالثامنة لنذھب للعمل سويا "‬
‫***‬
‫‪87‬‬
‫أدخلني أحمد مكتبا ملحقا بمكتبه قائال‬
‫" ستتشاركين ھذا المكتب مع زميل آخر يدعي نادر سيريك ما يجب‬
‫عليك عمله "‬
‫نظر لنادر وھو شاب قصير رفيع ال تفارق اإلبتسامة وجھه‬
‫" نادر ‪ ،‬ھذه ورد الشرقاوي ستتحمل عنك عبء العمل ليتسني لك‬
‫اإلستمتاع بإجازة طويلة دون مقاطعة "‬
‫نظر إلي َ وتابع كنت مبتسمة ألنه تذكر اإلسم الجديد‬
‫" نادر يستزوج قريبا ‪ ،‬خطيبته تعمل معنا أيضا "‬
‫أومأت له‬
‫" مبارك عليك "‬
‫" كل أوراق ورد أنا المسئول عنھا‬
‫وال أرغب بأن تتعرض لإلزعاج ‪ ،‬إخبر الجميع أنھا فردا من‬
‫عائلتي " نظر لي قائال‬
‫" يمكنك الحضور إل َي عندما ترغبين "‬
‫غادر وتركني مع نادر الذي بدأ يشرح لي عملي مبتسما ‪ ،‬كنت‬
‫أتلقي كل معلومة كما تتشرب اإلسفنجة الماء ‪ ،‬كما أن نادرا مرحا‬
‫يسھل التعامل معه‪.‬‬
‫بعد بضعة أيام أصبحت ملمة بكل ما مھام وظيفتي ‪.‬‬
‫كنت أراجع دراسة الجدوي للمشروع الجديد عندما وصلت باقة‬
‫كبيرة من الورود الزرقاء التي أعشقھا مرفقة ببطاقة مكتوب عليھا‬
‫بخطه الذي بت أعرفه جيدا‬
‫قرأت أبياته‬
‫‪88‬‬
‫" ﻣسحور أنا وأنت ساحرتي‬
‫ﻣفتون حائر أرتشف العشق‬
‫وأنت فاتنتي‬
‫إن جائني الشرطي وكنت ﻣقتوال‬
‫فأنت قاتلتي "‬
‫دخل المكتب وتابع بصوته األجش‬
‫"سيدتي‬
‫ال تھجريني ‪ ،‬إستوطنيني‬
‫فأنا وطن فرض عليك تحبيني "‬
‫حاولت إخفاء إبتسامتي‬
‫" أنت ال تطاق "‬
‫ضحك وتابع‬
‫"أنت المالذ ‪ ،‬حصن علي أحدث طراز‬
‫فإحضنيني "‬
‫"أحمد ‪ ،‬إنت لم تخرج اآلن فسأرميك بماء بارد كي تستيقظ من‬
‫غفوتك ھذه "‬
‫ضحك‬
‫" إن أﻣطرت ‪ ،‬إن أثلجت ‪ ،‬عانقيني "‬
‫أمسكت كوب الماء فرفع يداه مسلسلما وھو يغادر‬
‫‪89‬‬
‫"لدي إجتماع بعد عشر دقائق قد أذھب إليھم وطالء شفاھك يلطخ‬
‫قميصي ‪ ،‬لكن مياه باردة سيكون ھذا قاسيا "‬
‫إسترخيت علي مقعدي غير قادرة علي إزالة اإلبتسامة عن وجھي ‪.‬‬
‫فلم أعرف الضحك إال عندما إقتحم حياتي ‪.‬‬
‫***‬
‫‪90‬‬
‫أعلنت إستسالﻣي‬
‫كنت أجري مع حسن كل يوم محادثة فيديو ‪ ،‬كانت تشبه جلسات‬
‫العالج النفسي ‪.‬‬
‫سألني عن كل ما حدث معي ‪ ،‬كان يخلصني من مرضي وحيرتي‬
‫‪،‬حدثته عن أحمد‬
‫عن إحساسي تجاھه‬
‫عن مخاوفي‬
‫عما فعله معي كي يساعدني ‪.‬‬
‫وعن رغبته بالزواج بي ‪.‬‬
‫كلما تحدثت أكثر ‪ ،‬كلما شعرت بالراحة أكثر ‪.‬‬
‫حسن أيضا أصبح يناديني ورد ‪.‬‬
‫فقد أعجبه اإلسم وأعجبه إقتراح أحمد بأن نخلق ذكريات جديدة‬
‫أكثر بھجة‪.‬‬
‫لكنه من وقت آلخر كان يناديني مريم ‪ ،‬ليس سھوا بل لھدف بنفسه ‪.‬‬
‫كي يثير لدي مشاعر معينة ‪.‬‬
‫كنت أعلم أنه اليريدني أن أھرب من ذكرياتي ألنھا ستظل تطاردني‬
‫‪.‬‬
‫بل يريد مني أن أواجھھا وأنتصر عليھا وأتخطاھا ثم أصنع غيرھا‬
‫أكثر بھجة ‪.‬‬
‫أنا أيضا أردت ما أراده حسن ‪ ،‬لكن التنفيذ حقا يصعب عن القول ‪.‬‬
‫لم أكن أعلم أن أحمد أيضا يحدث حسن إال عندما أخبرني بنفسه ‪.‬‬
‫أخبرني أنه معجب كثيرا بعقلية أخي وأنھما سيصبحان صديقان‬
‫جيدان ‪.‬‬
‫باأليام األخيرة بدأ بالضغط عل َي كثيرا كي أفكر بأمر الزواج ‪.‬‬
‫‪91‬‬
‫كثف زھوره وھداياه وقصائده‬
‫أصبح كل من بالشركة يعلم بأمرنا ‪.‬‬
‫بدأت تصل إلي رسائل مجھولة تتوسلني كي أقبل‬
‫تخبرني أنني إن رفضت ھدية السماء فستكف عن إرسال المزيد من‬
‫الھدايا‬
‫إكتشفت شيئا مفزعا ‪.‬‬
‫" أنا أحب أحمد "‬
‫رددتھا بصوت مرتفع غير مصدقة‬
‫" أنا أحب أحمد "‬
‫سمعت صوته الذي حرك قلبي بضعة سنتيمترات عن موضعه‬
‫" وأحمد يعشقك "‬
‫إلتفت إليه وقد لون الحياء وجھي‬
‫قرع قلبي كعازف قد فقد صوابه‬
‫فقال لي‬
‫"تزوجيني "‬
‫" إحلق لحيتك"‬
‫" سأزيلھا ‪ ،‬قد أزيل ثيابي أيضا إن أردت "‬
‫لكزته بفكه فإنفجر ضاحكا‬
‫" يا ‪ ،‬أخيرا ياورد ‪ .‬سأزف الخبر السعيد لحسن وسنعقد قراننا‬
‫يوم وصوله وسأصنع لك زفاف مبھج "‬
‫" أحمد ‪ ،‬ال أرغب بفستان أبيض"‬
‫قطب حاجبيه قائال‬
‫" من تحدث عن األبيض ؟ برأسي أفكارا أخري أكثر جنونا ‪.‬‬
‫ال أريد سوي موافقتك وقد حصلت عليھا أخيرا ‪ ،‬إتركي األمر لي‬
‫ولن أخذلك "‬
‫***‬
‫‪92‬‬
‫المفاجأة‬
‫اليوم موعد وصول حسن ‪ ،‬طائرته قادمة الساعة السادسة مساءا ‪،‬‬
‫أحمد أخبرني أننا سنذھب إلستقباله معا لكنه غائبا منذ الصباح ‪ .‬ال‬
‫أعلم أين ھو وال أحدا آخر يعرف ‪ ،‬بدأت أشعر بالقلق ‪ ،‬إتصلت به‬
‫علي ھاتفه لكنني سمعت رنينه بالمكتب يبدو أنه قد تركه ‪.‬‬
‫بالساعة الثالثة وصلني طرد كبير‬
‫فتحته ألجد فستانا ذھبيا رائع الجمال وصورة فوتوغرافية لفتاة‬
‫تشبھني وترتدي نسخة عن نفس الفستان وعلي ظھر الصورة كتب‬
‫" كوني مثلھا ‪ ،‬سأقضي الوقت في البحث عن اإلختالفات بينكما "‬
‫لم أستطع أن ألتقط مزحته لكنني سحبت الفستان من الصندوق ألجد‬
‫أسفله حذائا وعلبة صغيرة تضم مستحضرات تجميل وعطر ‪.‬‬
‫دخلت حمام مكتبي وإرتديت الفستان وجمعت شعري كما وضحت‬
‫الصورة‬
‫وبدأت بوضع زينتي ‪.‬‬
‫عندما أوشكت علي اإلنتھاء سمعت صوت جلبة بالخارج ‪.‬‬
‫وضعت العطر وخرجت ‪.‬‬
‫كان أحمدا يقف أمامي مرتديا حلته السوداء ‪ ،‬حليق الذقن ‪ .‬يخفي‬
‫شيئا ما خلف ظھره ‪.‬‬
‫تأملني قليال‬
‫ثم تقدم‬
‫ووضع إكليال صغيرا من الزھور علي رأسي قائال‬
‫" ھذا ھو الفارق الوحيد بينك وبين الفتاة التي تخيلتھا ‪،‬‬
‫أنك أنت أميرتي "‬
‫‪93‬‬
‫مد لي يده فوضعت يدي بھا ثم خرجنا من المكتب ألكتشف الرواق‬
‫الذي زينته الزھور واإلضاءة‬
‫ووقف به كل موظفين الشركة‬
‫إخترق الصفوف صديق‪ ،‬أفسحوا له مجاال ليخرج ثم وقف بالزاوية‬
‫علي اليمين ألكتشف أنه يخفي خلفه حسن‬
‫" حسن "‬
‫لم أعرف من منا ذھب لآلخر ‪ ،‬كل ما أعرفه أنني سكنت ذراعيه‬
‫ربت علي ظھري‬
‫" صغيرتي "‬
‫ضغط أحمد علي أسنانه قائال‬
‫" ھذا يكفي يا حسن ‪ ،‬إرفع يدك عن زوجتي "‬
‫ضحك حسن وأبعدني قائال‬
‫" لن تكون لك إال بموافقتي "‬
‫بالدقائق التالية وجدت نفسي أجلس علي مقعد مقابل لھم أراقبھم وھم‬
‫ينھون إجراءت عقد زواجي ‪.‬‬
‫لثوان ھاجمتني ذكريات سيئة إلي أن أخرجني منھا أحمد بقبلة علي‬
‫رأسي وھمس بأذني‬
‫ھاتي الحبال وقيدينا وكتفي‬
‫كي نقترب‬
‫كي نحتضن‬
‫كي تعرفي‬
‫إن لست أنت‬
‫فمن سواك سأصطفي "‬
‫إبتسمت‬
‫" سيسمعك أحدا ما "‬
‫وقف أمامي وأمسك يدي وقال بصوت مرتفع ليسمعه الجميع‬
‫‪94‬‬
‫" أنت التي روضتني بحسنھا المتلطف‬
‫ال تحسبوني ﻣبالغا‬
‫أنا إن قربت رحابھا أتوضأ‬
‫فجمالھا طھر كطھر المصحف‬
‫ﻣتصوف‬
‫قد صرت أھوي عينھا‬
‫ﻣھما تراني رأيتھا ال أكتفي "‬
‫تعالت أصوات الھتافات و التصفيق والصفير والضحكات‬
‫فقبل أحمد يدي قائال‬
‫" كتبت لك قصيدة أخري لكنني أخشي أن يسمعھا أحد المتلصصين‬
‫ھنا "‬
‫إقترب صديق قائال‬
‫" ھل نادي أحد عل َي؟"‬
‫غمز لي أحمد‬
‫" ألم أخبرك ؟‬
‫يرغب الجميع بمعرفة الحوار الدائر بين العريس وعروسه‬
‫وغالبا يقول لھا‬
‫" دعينا نبتسم ونھمس لنغيظ ھؤالء الحمقي "‬
‫أضحكتنا مزحته‬
‫ونادي أحد علي صديق فإنتھز أحمد الفرصة قائال‬
‫" دعينا نھرب "‬
‫قلت مندھشة‬
‫" نھرب ؟!"‬
‫" أجل ‪ ،‬سنغادر دون أن يشعر بنا أحد "‬
‫" وحسن؟"‬
‫‪95‬‬
‫" أعطيته مفتاح شقتي ليستريح بھا ‪ ،‬لقد جعلته يقدم ميعاد سفره ولم‬
‫ينم منذ األمس لذا قد ھرب قبلنا "‬
‫إبتسمت وأعطيته يدي‬
‫" ھيا بنا "‬
‫***‬
‫‪96‬‬
‫دخلت الشقة فأدھشني ما بھا ‪ ،‬اإلضاءة الساحرة والزھور المنسقة‬
‫بكل زاوية ‪ ،‬والموسيقي الرائعة والعشاء الشھي‪.‬‬
‫نظرت إليه‬
‫" لقد جعلت نادر يسرق مفتاحك بالصباح وأمدني حسن بأفكاره‬
‫النيرة "‬
‫ھمست‬
‫" شكرا لك "‬
‫" عالم؟"‬
‫" علي كل شيئ "‬
‫" لدي ھدية لك "‬
‫قالھا كل منا بنفس اللحظة فضحكنا ثم قلت له‬
‫" أنت أوال "‬
‫أخرج علبة صغيرة من جيبه وفتحھا‬
‫ووضع بإصبعي خاتما فضيا رائعا يضم حجرا أخضر اللون يميل‬
‫للزرقة‬
‫"كان ھذا ألمي ‪ ،‬أھدتني إياه كي أھديه لورد‪ ،‬أمي كانت تعرف أنك‬
‫ستظھرين بحياتي كي تنيريھا "‬
‫مسح الدمعة التي سالت من عيني قائال‬
‫" أين ھديتي ؟"‬
‫" إنتظرني لثوان "‬
‫دخلت لحجرتي سريعا وأحضرت الصندوق من الخزانة ‪.‬‬
‫وأنا أغلقھا رأيت فتاة جميلة سعيدة أمامي‬
‫نظرت لھا لثوان قبل أن أكتشف أنني أنظر لنفسي بالمرآة ‪.‬‬
‫أنا لم أعرفني ألن أحمد حولني إلنسانة أخري أفضل ‪.‬‬
‫خرجت إليه ووضعت الصندوق بيده ‪.‬‬
‫‪97‬‬
‫جلس علي األريكة وفتح الصندوق ثم أخرج منھا لفافة ‪ ،‬فض زينتھا‬
‫ثم صرخ مندھشا‬
‫" لم تفعلي"‬
‫" فعلت "‬
‫تأمل غالف الديوان الذي كان يحمل صورة مرسومة بالرصاص‬
‫لوجھه بنظارته ذات اإلطار األسود ولحيته المھذبة‬
‫والعنوان الذي توسطه‬
‫" رسائلي إلي ورد "‬
‫فتح الكتاب وتصفحه ليجد كل القصائد التي أرسلھا لي والتي‬
‫إرتجلھا أمامي منذ لقائنا‬
‫قلت له‬
‫" تنقصھا قصيدة اليوم "‬
‫تراقصت الفرحة بعينيه‬
‫"متي فعلت ھذا ؟"‬
‫" كنت أسجل قصائدك أوال بأول علي حاسبي ‪ ،‬إستعنت ببطاقات‬
‫الزھور وبذاكرتي ‪ ،‬أنا أعشق كلماتك يا أحمد "‬
‫نظر لعيني‬
‫" وأنا أعشقك أنت "‬
‫لمعت عينيه بالدموع‬
‫" أنت مرھف الحس كثيرا ‪ ،‬أنت تشبه أبي "‬
‫" حسنا ‪ ،‬ال تخبري أحدا بھذا ‪ ،‬أنت فقط لديك تأثير عجيب عل ًي"‬
‫إبتسمت‬
‫" ورد؟"‬
‫" نعم "‬
‫‪98‬‬
‫" عانقيني‬
‫بجوار قلبك إزرعيني‬
‫بين ذراعيك إحصديني‬
‫عانقيني‬
‫ﻣزقي زيف الثياب وإخلعي سجن الرداء‬
‫وإنھضي قرب الشفاة نلتھم شھد المساء‬
‫بإختصار قبليني‬
‫إجمعي دقات قلبك وإصنعي ﻣنھا تاج وتوجيني‬
‫ﻣزقيني‬
‫رتبي تفاصيل وجھي كي أشبھك وتشبھيني "‬
‫شعرت كأن أحدھم يضع الكلمات بفمي فقلت له‬
‫" أخاف أن يسحبنا الموج لعرض بحر‬
‫وأتوه ﻣنك فمن في خوفي سيواسيني ؟"‬
‫نظر إلي مندھشا ثم تابع‬
‫" أشتھي في صحاري الحب ﻣاء ﻣن شفاھك "‬
‫أعجبتني اللعبة فقلت‬
‫" قد أﻣوت إليك شوقا لكنني بإشباع ظمأك لن أشارك "‬
‫ضحك حتي دمعت عينيه ثم تابع‬
‫‪99‬‬
‫" إن ظمأت فأنت ظمأي‬
‫إن عريت سأرتديك وقت حضن كالرداء‬
‫عانقيني‬
‫تحلقي مثل الطيور بالسماء "‬
‫قضمت شفاھي وتابعت‬
‫" يال الدھاء‬
‫أتعتقد أنھم قد وصفوا شفاھك ترياقا لدائي ؟‬
‫تصم أذنك عن أنيني‬
‫وال تكف عن ترديد‬
‫عانقيني‬
‫عانقيني‬
‫عانقيني "‬
‫فتح ذراعيه لي قائال‬
‫" عانقيني "‬
‫عندما سمحت لرأسي أن ترتاح علي كتفه ھمس بأذني‬
‫" اليوم إرتجلنا قصيدتنا األولي معا "‬
‫ضحكت‬
‫" أنا ال أجيد كتابة الشعر "‬
‫قال مغيظا‬
‫" أعلم ‪ ،‬ال تعرفين الوزن وال القافية لكن لديك إحساس جيد ‪ ،‬أنا ال‬
‫أريدك أن تكتبي الشعر أنا أريدك أن تكوني ملھمتي الوحيدة "‬
‫"أحمد "‬
‫" نعم "‬
‫" أنا أريد أن أتناول العشاء ‪ ،‬فلقد فوت الغداء بسببك "‬
‫أبعدني وضغط علي أسنانه قائال‬
‫" تبا لك "‬
‫ضحكت‬
‫‪100‬‬
‫فضحك‬
‫" الحقيقة أنني أيضا أكاد أموت جوعا"‬
‫***‬
‫‪101‬‬
‫من الصعب أن تجد أحد يحاول إرضائك بكافة الطرق حتي ولو‬
‫علي حساب نفسه ‪.‬‬
‫ھشام رغم أنه حالة شاذة بمجتمعنا إال أنه إستطاع أن يجعلني أخشي‬
‫كل الرجال ‪.‬‬
‫أحمد يثبت لي يوما بعد يوم المعني الحقيقي للرجوله ‪.‬‬
‫أن تكون رجال تختلف كليا عن أن تكون ذكرا ‪.‬‬
‫الرجولة ال تعني الھدايا وقول األشعار بل تعني أن تراعي مشاعر‬
‫غيرك وظروفھم ‪ ،‬أن تساندھم وتساعدھم إن كنت تستطيع ‪.‬‬
‫المساعدة ال تعني المال فقط كما يفھمھا الجميع‬
‫المساعدة قد تكون بمحاولتك التخفيف عن آالم أحد عزيز عليك‬
‫بالحديث معه بمحاولة إضحاكه ‪ ،‬أن تكون مھرجا لشحص تحبه‬
‫بوقت ضيقه ال يقلل من كرامتك بل يرفع من قيمتك لديه ‪.‬‬
‫أن تمنح اآلمان لشخص يقتله الخوف لھو أعظم من كل ھدايا الدنيا ‪.‬‬
‫أحمد منحني اآلمان ‪.‬‬
‫صبر كثيرا علي أشياء ما كان سيصبر عليھا غيره ‪.‬‬
‫أحمد يحبني‬
‫وحين تحب أحدا فأنت تمنحه جزءا من روحك ‪ ،‬بل تمنحه نفسك ‪.‬‬
‫أنا لم أستطع أن أمنح أحمد نفسي ‪.‬‬
‫إلي اآلن قدمت له الفتات‬
‫ولم يعترض‬
‫لم يصرخ مطالبا بالمزيد ‪.‬‬
‫بل منح دون أن ينتظر المقابل ‪.‬‬
‫بليلة زفافنا إكتفي بالنوم بجواري ‪.‬‬
‫كنت أعتقد أنني لن أستطيع النوم‬
‫أن الكوابيس التي كانت تطاردني ليال ستھاجمني كالعادة وقد أخيفه‬
‫أو يؤذيه ألمي ‪.‬‬
‫‪102‬‬
‫لكنني وعلي عكس كل ظنوني نمت قريرة العين‬
‫وفتحت عيني بالصباح ألجد نفسي بين ذراعيه فأجفلت‬
‫تمتمت معتذرة‬
‫" آسفة ‪ ...‬لقد ‪"...‬‬
‫ضحك قائال‬
‫" نسيت أنك تزوجتي ‪ ،‬قد يحدث ھذا لبعض الناس باليوم األول من‬
‫زواجھم "‬
‫قضمت شفاھي وعلت الحمرة وجھي ونظرت له الئمة فقال مازحا‬
‫" أنت بالجانب الخاص بي من الفراش وھذا يعني أنك سعيت إل َي‬
‫بحثا عن الدفء وليس العكس "‬
‫ضربته علي كتفه‬
‫" يالك من لئيم "‬
‫" مازال الوقت مبكرا وبما أنه ال عمل لدينا فلما ال ننام مجددا‬
‫وأعدك بعدھا بإفطار جيد سأعده لك إن ظللت نائمة بين ذراع َي ‪".‬‬
‫غرست وجھي بالوسادة فتمتم بصوت ناعس‬
‫" زوجتي الخجولة الجميلة "‬
‫***‬
‫‪103‬‬
‫الوجه القبيح يطل ﻣجددا‬
‫عدنا للعمل مجددا ومازال أحمد محتفظا بوعده لي ‪ ،‬بدأت لمساته‬
‫تصبح مألوفة لي ‪.‬‬
‫بدأت أشعر باألمان بوجوده ‪.‬‬
‫بدأ مزاجي يحتد عندما يكون بعيدا‪.‬‬
‫لكن حدث شيئا عكر صفو حياتي من جديد‬
‫كنت أشعر أن سعادتي لن تكتمل‪.‬‬
‫لقد أطل الماضي بوجھه القبيح مجددا ‪.‬‬
‫كان أحمد بالمطبخ يعد لنا عشاء خفيفا ‪ ،‬رفض أن أساعده فجلست‬
‫أنتظره وأنا أقرأ ‪.‬‬
‫رن الھاتف فأخبرته أنني سأجيب‬
‫حينما رفعت السماعة‬
‫سمعت صوت ھشام يحدثني‬
‫كان يشبح فحيح األفاعي ‪.‬‬
‫قال لي بلھجته الحقيرة وألفاظه البذيئة‬
‫"مريم ‪ ،‬الساقطة الصغيرة ‪.‬‬
‫ھربتي من بين ذراعي لترتمي سريعا بين ذراعي رجل آخر‬
‫ال تعتقدي أنني سأتركك بين ذراعيه طويال ‪ ،‬قريبا سأخلصك منه ‪.‬‬
‫البد أنك إشتقت إل َي ‪.‬‬
‫لكن دعيني أحذرك‬
‫قبل أن تفتحي له ساقيك مجددا تأكدي أوال أنه فتح لك قلبه ‪.‬‬
‫ال أعتقد أن ھناك رجال سيحبك كما أفعل ‪.‬‬
‫حبنا مميز "‬
‫‪104‬‬
‫سألني أحمد‬
‫" حبيبتي ‪ ،‬من علي الھاتف "‬
‫عاد الصوت للفحيح مجددا‬
‫" إتلو عليه إحدي كذباتك وإال أسرعت بتنفيذ خطتي إلنتزاع قلبه‬
‫سريعا "‬
‫قلت‬
‫" إنه رقما خاطئ "‬
‫سمعت صوته يقول‬
‫" أحسنت ‪ ،‬سأحدثك مجددا ‪ ،‬إن أخبرته بأمري فال تلومي إال نفسك‬
‫"‬
‫إقترب مني أحمد وسحب الھاتف من يدي ووضعه علي أذنه فلم‬
‫يسمع شيئا فأعاده لموضعه وسحب يدي للطاولة لكنه توقف بنصف‬
‫الطريق وأعاد النظر إل َي‬
‫" يدك باردة ووجھك شاحب ‪ ،‬ھل أنت بخير ؟ "‬
‫أومأت له‬
‫وجلست وأنا أفكر بكالم الحقير‬
‫ماذا علي أن أفعل ؟!‬
‫عادت إلي الكوابيس مجددا ‪ ،‬وكنت أستيقظ ليال يغطيني العرق‬
‫البارد وتكاد صرخاتي أن تصم اآلذان ‪.‬‬
‫كان أحمد حائرا‬
‫لماذا عادت الكوابيس لمطاردتي ؟‬
‫‪105‬‬
‫لم أخبره باألمر‬
‫أكاد أموت رعبا عليه ‪.‬‬
‫***‬
‫‪106‬‬
‫أبي النوم زيارة جفوني ‪ ،‬كنت أخشي إن نمت أن تفاجأني الكوابيس‬
‫لذا بدأت أقضي جزءا كبيرا من الليل مستيقظة أراقب أحمد النائم‬
‫أتأمل قسماته الھادئة وأنفاسه المنتظمة ‪ ،‬إستقرت عيني علي شفتيه‬
‫ولسبب مجھول مررت يدي عليھا وكأنني أعيد رسمھا لكنني‬
‫صعقت عندما وجدته يفتح عينيه وينظر لي لبرھة قبل أن يقترب‬
‫مني ويقبلني علي عين َي ثم وجنتي ثم ذلك العرق الذي ينبض بجنون‬
‫برقبتي وضمني إليه بشغف فأعاد سيل الذكريات األليمة لي فبدأت‬
‫أرتجف وأحاول إبعاده ‪.‬‬
‫إنتفض واقفا وحاول السيطرة علي مشاعره ثم قال غاضبا‬
‫" ال تبدأين بلعبة ال ترغبين بإكمالھا ياورد فلم أخلق من حجر "‬
‫ثم دخل الحمام وصفق الباب وعال صوت الماء ‪.‬‬
‫فإنفجرت بالبكاء ‪.‬‬
‫بعد دقائق خرج وھو يلعن نفسه‬
‫" آسف ‪ ،‬لم أرغب بإستعجالك لكن ما فعلتيه كان دعوة مفتوحة منك‬
‫"‬
‫رفعت عيني المبللتين بالدموع‬
‫" آسفة يا أحمد ‪ ،‬لقد كنت خائفة "‬
‫سألني متألما‬
‫" مني؟"‬
‫" ال ‪ ،‬من نفسي "‬
‫إتجه للباب‬
‫" سأقضي ليلتي بحجرة أخري "‬
‫فعدت للبكاء مجددا‬
‫" أرجوك أحمد ‪ ،‬ال تتركني ‪ .‬من فضلك "‬
‫إقترب مترددا ثم بدأ يجفف عين َي‬
‫" يا إلھي الرحيم ! ‪ ،‬أقسمت أال أكون سببا لتعاستك وھا أنا أحنث‬
‫بوعدي "‬
‫‪107‬‬
‫مددت يدي له‬
‫" لم تفعل ‪ ،‬اللوم يقع عل َي ‪ ،‬البد أن أحارب ذكرياتي ‪ ،‬فقط ضمني‬
‫إليك وال تغادر "‬
‫أفسحت له مكانا بالفراش ووضعت رأسي علي صدره‬
‫" أحمد قل لي شيئا‪ ،‬أحب أن أنام علي صوتك "‬
‫" وقفت تقول أنوثتي‬
‫فتحت دوالب رجولتي‬
‫ﻣتنھدة‬
‫كشفت حدائق زھرھا ﻣتعمدة "‬
‫لكزته بكتفه‬
‫" إخرس "‬
‫فضحك‬
‫" أقسم أنني لم أتعمد ذلك "‬
‫قال مغيظا‬
‫" ماذا أردتي إذاٍ ؟‬
‫" أردت ‪..‬‬
‫ھل لك أن تصمت ‪ ،‬أرغب بالنوم "‬
‫" مجنونة "‬
‫" لئيم "‬
‫***‬
‫‪108‬‬
‫باليوم التالي أخبرني أنه بحاجة للسفر لبضعة أيام ‪ .‬عرفت أنه‬
‫يمنحني الفرصة ألراجع نفسي ‪ ،‬كما يمنح نفسه وقتا للسيطرة علي‬
‫مشاعره ‪.‬‬
‫كنت أدرك جيدا أنه يحبني وأنني أبادله شعوره ‪.‬‬
‫وأنه قد حافظ علي وعده لي منذ زواجنا ‪.‬لقد مر شھرين علي ذلك ‪،‬‬
‫وأنه قد أكرمني وأكرم أخي عندما كان بمصر ‪.‬‬
‫ومنذ رحيله وأنا أكاد أجن ‪.‬‬
‫إكتشفت أن اإلنسان ال يقدر ما كان بيده إال عندما يوشك علي‬
‫الضياع منه ‪.‬‬
‫لقد أدركت قيمة أحمد عندما إبتعد عني ‪.‬‬
‫لقد إشتقت إليه كثيرا ‪.‬‬
‫إشتقت لبسمته‬
‫لصوت ضحكاته ‪.‬‬
‫لقصائده التي يمطرني بھا من يوم آلخر ‪.‬‬
‫لمزحاته ‪.‬‬
‫أردت أن أسعده كما أسعدني ‪.‬‬
‫‪109‬‬
‫أنت لي‬
‫أمسكت ھاتفي وقررت أن أراسله‬
‫كتبت له أحبك‬
‫ثم مسحتھا سريعا‬
‫سأخبره أنني أحبه بطريقته ھو‬
‫سأحاول أن أنظم له شعرا ‪.‬‬
‫بعد محاولتي العاشرة أخيرا رضيت عما كتبته إلي حد ما‬
‫" يا أحمد‬
‫بعادك قد قطع وتيني‬
‫فال تبتعد‬
‫وإال قتلتك عشقا وحق ديني‬
‫إقترب وضمني‬
‫وإجعل ضلوعنا تشتبك كي ترضيني‪".‬‬
‫أرسلتھا وظللت أضغط علي شفتي بأسناني‬
‫ھل سيتجاھلني ؟‬
‫ھل فعلت الصواب ؟‬
‫وصلتني رسالة منه‬
‫" ماذا حدث لزوجتي الخجول ؟"‬
‫‪110‬‬
‫تمتمت‬
‫" تبا لك يا أحمد"‬
‫ثم كتبت له‬
‫" حبي لك قد منحني الجرأة كي أعبر عن مشاعري ‪ ،‬قبلك لم تكن‬
‫لدي حياة "‬
‫بعد دقيقتين إستلمت رسالة أخري‬
‫" البد أن تتعاقد معك شركات المياه فبعد كل حديث بيننا أحتاج‬
‫لحمام بارد ليطفئ نيران شوقي إليك ‪".‬‬
‫لم أستطع أن أمنع نفسي من الضحك‬
‫قطعت ضحكاتي رنات الھاتف أجبته‬
‫" إلي أي مكان تريدين إيصالي؟"‬
‫" للجنة "‬
‫" جنتي بين ذراعيك"‬
‫" متي ستعود "‬
‫"مازال لدي عمل لم ينتھي بعد ‪ ،‬لكنني قد أعود بعد ليلتين فقد كدت‬
‫أحقق ھدفي "‬
‫" غاب حبيبي مع غياب القمر وسيعودان معا مع إنتصاف الشھر ‪،‬‬
‫لكن نور القمر سيخبو مجددا ونور حبيبي مستمر أبد الدھر "‬
‫" يا ‪ ،‬ماذا فعل بك غيابي ياورد "‬
‫" قتلني "‬
‫" سأعود قريبا ‪ ،‬لكنني لن أتحمل الجفاء "‬
‫‪111‬‬
‫" وال أنا "‬
‫وعندما أسمعني كلمات غزله قرع قلبي كالطبول وشعرت به يقفز‬
‫بجنون داخل صدري ‪ ،‬فماذا سيحدث لي إن وضع كلماته قيد التنفيذ‬
‫؟‬
‫***‬
‫‪112‬‬
‫المشاكسة الصغيرة‬
‫كنت بالفراش عندما سمعت صوت باب الشقة يفتح ‪ ،‬فركضت‬
‫سريعا ألجده يقف بالباب‬
‫إندھش عندما رآني‬
‫" كنت أعتقد أنك نائمة"‬
‫تأمل شعري األشعس ووجنتي الحمراوتين وشفتي المبتسمتين‬
‫ورداء نومي القصير ‪.‬‬
‫ركضت إليه ألرتمي بين ذراعيه‬
‫" إشتقت إليك "‬
‫أطبق ذراعيه حولي مندھشا‬
‫" رويدك حبيبتي ‪ ،‬قد أفھم إستقبالك الحار بمعني آخر وأعصابي لن‬
‫تتحمل الرفض مجددا ‪.‬‬
‫قلت وأنا أدفن رأسي برقبته‬
‫"ال تحاول التحكم بھا إذاٍ "‬
‫إبعدني عنه ونظر بعيني محذرا‬
‫" ھذه المرة لن أتراجع فسأنھي ما بدأته"‬
‫قلت له‬
‫" ھل ستجعلني أتوسل ؟"‬
‫تركته وإبتعدت تجاه الغرفة‬
‫" أنت من سيعض أصابعه ندما "‬
‫كاد أن يسقط عندما تعثر بحقيبته التي تركھا أرضا‬
‫" ال يمكنك أن ترميني بجملة كھذه وتغادرين دون نقاش "‬
‫جلست علي الفراش قائلة‬
‫‪113‬‬
‫" إنظر للساعة ‪ ،‬إنھا الثانية صباحا وھذا الوقت ال يصلح للنقاش ‪،‬‬
‫لكنه يصلح لشيئ آخر يبدو أنك ال تجيده ‪ ،‬لذا دعني وشأني "‬
‫راقبته وھو يغلق الباب بقدمه قائال‬
‫" أيتھا الشيطانة الصغيرة سأريك اآلن ما أجيده "‬
‫***‬
‫‪114‬‬
‫إستند أحمد علي الوسادة قائال‬
‫" دعيني أبوح لك بسر كي ننھي قصة ذلك الوغد لألبد "‬
‫نظرت إليه فتابع‬
‫" عندما قررت شراء الشركة حذرني صاحبھا األصلي من التالعب‬
‫الذي يحدث بھا والذي قد إكتشفه مؤخرا بعد أن أصبحت كل الحلول‬
‫بال جدوي ‪ .‬فقررت مراقبة ما يحدث قبل فترة من إعالن شرائي لھا‬
‫‪،‬حيث يتصرف الجميع بال حذر وإكتشفت عددا كبيرا من الفاسدين‬
‫كان علي رأسھم ھشام ‪ .‬لكنه كان مغرورا جدا ليخفي قذارته ‪ ،‬كان‬
‫يتباھي بما يفعله ‪ .‬كان يبدو لي أنه يعاني من خلال ما لكنني لم‬
‫أكتشف ما ھو ‪.‬‬
‫كنت قد قررت التحلص منھم جميعا لكن رؤيتك قد أعاقت مخططي‬
‫‪.‬‬
‫لم أستطع إبعاد نظري عنك أو إخراجك من تفكيري ‪.‬‬
‫شعرت أن ھناك أمرا خاطئ بزواجك ولقد قدم لي الفرصة علي‬
‫طبق من ذھب عندما طمع أن يتقرب مني وينجو بفعلته ‪.‬‬
‫وعندما أجريت المقايضة معه كما كان يسميھا حريتك مقابل عدد ال‬
‫بأس به من األصفار بحسابه مع مركز مرموق بفرع الشركة بلندن‬
‫‪ ،‬كنت أعلم أنه سيعود لقذارته مجددا ‪.‬‬
‫مسح دموعي وتابع‬
‫" وسرعان ما تخلي عن حذره وعاد للعب من جديد وبما أنني‬
‫وضعته بمنصب يسمح له بالتعامل باألموال فقد سمحت له أن يلف‬
‫الحبل حول رقبته بيده ‪.‬‬
‫أخبرت السلطات بتالعبه عندما إلتقط الطعم وراقبته بنفسي وھو‬
‫يزج بالسجن ‪.‬‬
‫ال تتخيلي كم األشياء السيئة التي إعترف بھا وھو يسبني ويسبك‬
‫بأقذع األلفاظ ‪.‬‬
‫إعترف بقتل أمه وبما فعله معك ‪".‬‬
‫ثم نظر لي الئما‬
‫"وإعترف بشيئ آخر قمت أنت بإخفائه عني ‪.‬‬
‫‪115‬‬
‫إعترف أنه ھددك بإحدي المكالمات الھاتفية ‪.‬‬
‫لماذا لم تخبريني ؟‬
‫ماذا قال لك ؟ "‬
‫أغلقت عيني وھززت رأسي رافضة‬
‫" كالما سيئا ‪ ،‬لن أستطيع ترديده مجددا ‪ ،‬لكن كل ما كاد يميتني‬
‫خوفا ھو تھديده بقتلك ‪ ،‬لم أعرف كيف أتصرف وماذا عل َي أن أفعل‬
‫‪ .‬خفت لدرجة لعينة وعادت لي الكوابيس من جديد "‬
‫قال‬
‫" لوال ھذه الكوابيس ما كنت عرفت كل ھذا ‪ ،‬عندما راقبتك تتألمين‬
‫وتصرخين خوفا أقسمت أن أخلصك من ذكراه نھائيا ‪،‬لذا كلمت‬
‫األشخاص الذين وضعتھم لمراقبته وحثتھم علي اإلسراع باألمر ‪،‬‬
‫ھو اآلن يقبع بأحد سجون لندن لتتم محاكمته علي سرقة المال وبعد‬
‫إعترافاته تواصلوا مع السلطات المصرية وبدأوا بتحقيق جديد عن‬
‫مقتل والدته ‪ .‬وعن األذي الذي تعرضت له ‪ ،‬ولن ينجو من ھذه‬
‫الجرائم أبدا ‪ ،‬قريبا ياحبيبتي سينفذون به حكم اإلعدام ويتبدد خوفك‬
‫لألبد "‬
‫بكيت فضم رأسي لصدره‬
‫" ھذه آخر مرة سأسمح لك بالبكاء ‪ ،‬فال دموع بعد اليوم "‬
‫" ھل أخبرتك من قبل ألي حد أحبك؟"‬
‫ھز رأسه نافيا‬
‫" إذاٍ سأثبت لك لما تبقي من حياتي مقدار حبي لك "‬
‫***‬
‫النھاية‬
‫***‬
‫تمت بحمد ﷲ‬
‫‪2016/6/20‬‬
‫‪116‬‬
‫ﻣلحوظة‬
‫* ورد تعيش األن مع زوجھا وطفليھما المشاغبين خارج مصر‬
‫وتحرص كل عام علي زيارتھا لتسمح ألطفالھا بالتعرف علي بلدھم‬
‫الحبيبة‬
‫*تم تنفيذ حكم اإلعدام بحق ھشام سعيد بعد ثبوت إرتكابه لجريمة‬
‫قتل والدته ‪.‬‬
‫• كل األسامي بالعمل غير حقيقية‬
‫‪117‬‬
‫شكر خاص‬
‫للشاعر الدكتور أحمد عادل‬
‫إستأذنته أن أستعير أبيات ﻣن إحدي قصائده فأذن لي‬
‫ألكتشف بالنھاية أنني سطوت علي نصف قصائده ‪.‬‬
‫شكرا لك ألنك سمحت لي بتزيين عنق إبنتي األولي بماساتك القيمة‬
‫‪.‬‬
‫‪118‬‬
‫القصائد التي إستعرت ﻣنھا كاﻣلة‬
‫)‪(1‬‬
‫مغرورتى‬
‫انسى الغرور تص ُدقا ً وتكرمى‬
‫معتم‬
‫إنى أرى نار الھوى تنير ليالً ِ‬
‫فأيم الحب وأيم تلعثمى‬
‫معتم‬
‫إنى أرى نار الھوى تنير ليالً ِ‬
‫األعظم‬
‫إنى أرى شوقاً إلى فى ارتعاش‬
‫ِ‬
‫استسلمى‬
‫وتقدمى‬
‫ترياق مرض ِك فى فمى‬
‫مغرورتى‬
‫لن أرتضى من غيرك األبناء‬
‫ولتعل ِم‬
‫ت من شفاھى الماء‬
‫لك إن عطش ِ‬
‫ت‬
‫واذا عري ِ‬
‫سأحتوي ِك بأضلعى‬
‫ت رداء‬
‫أنا إن عري ٍ‬
‫مغرورتى‬
‫تقدمى ال تھجرى‬
‫إن جفت األنھار مل ُك ِك أنھرى‬
‫فعانقينى تنفسينى لتحتمى‬
‫سأواجه اآلالم كى ال تتألمى‬
‫ال تحسبينى مبالغا ً‬
‫مريم‬
‫فالحسن يعنى‬
‫ِ‬
‫مغرورتي‬
‫‪119‬‬
‫لن أرتضى من غير ِك األبناء‬
‫ت من شفاھى الماء‬
‫ل ِك إن عطش ِ‬
‫ت‬
‫واذا عري ِ‬
‫سأحتوي ِك بأضلعى‬
‫ت رداء‬
‫أنا إن عري ِ‬
‫ت‬
‫وإذا بكي ِ‬
‫أصعد للسماء‬
‫فأصلى ركعةً  ليزيل كربك‬
‫وأصلى ركعةً أخرى مطولّة الدعاء‬
‫حتى أكون بدا ِئك كدواء‬
‫طبيبة قلبى مارى‬
‫ت إليك فى رحاب الالجئين‬
‫آ ٍ‬
‫ت إلي ِك بعد حين‬
‫آ ٍ‬
‫فداوى جُرحى بقبل ٍة من شفاه الياسمين‬
‫أنت األمان‬
‫يأتى الي ِك جموع كل النازحين ‪.‬‬
‫‪120‬‬
‫)‪(2‬‬
‫فلتعرفى‬
‫عيناك شمسٌ‬
‫ِ‬
‫ت فنورھا ال ينطفى‬
‫وإن رمش ِ‬
‫فأنيرى قلبى وطبّبيه وأسعفى‬
‫وتعطفى‬
‫ت الحياه‬
‫أن ِ‬
‫فإن رحلتى سأختفى‬
‫بمسرف‬
‫أنا إذ أقول فدا ِك لست‬
‫ِ‬
‫وأال أكتفى أن أحب الحب يعنى‬
‫فرح اللقاء العطاء جھد‬
‫ب‬
‫لوم الحبي ِ‬
‫إذ يكون ُمعنّفى‬
‫ھاتى الحبال وقيدينا وكتّفى‬
‫كى نقترب‬
‫كى نحتضن‬
‫كى تعرفى‬
‫ت‬
‫ت أن ِ‬
‫إن لس ِ‬
‫فمن سوا ِك سأصطفى‬
‫المتلطف‬
‫ت التى قد روضتنى بحسنھا‬
‫ِ‬
‫أن ِ‬
‫ال تحسبونى مبالغا ً‬
‫انا إن قربت رحابھا أتوضأ‬
‫المصحف‬
‫ھر‬
‫ِ‬
‫فجمالھا طُھ ٌر كطُ ِ‬
‫ٌ‬
‫متصوف‬
‫قد صرت أھوى عينھا‬
‫مھما ترانى رأيتھا ال أكتفى‬
‫‪121‬‬
‫)‪(3‬‬
‫قد تنسى ووع ٌد منى لن أنسى‬
‫ليال قد قضيناھا‬
‫وأياما ً أضعناھا‬
‫دروبا ً كنا نخشاھا‬
‫سلكناھا‬
‫قد تنسى ووع ٌد منى لن أنسى‬
‫حديثا ً كان يجمعنا‬
‫حتى ظھور الشمس فى َغ ِدنا‬
‫عناقا ً كان يمنعنا‬
‫ھروب الحلم من ي ِدنا‬
‫قد تنسى ليالينا‬
‫لكنى نشأت فى بيئه تعلمنى‬
‫أن بشائر الصدمه‬
‫تأتى من محبينا‬
‫ب ھكذا‬
‫سحقا ً لح ٍ‬
‫ح ّكم األھواء فينا‬
‫فال تنسى‬
‫ليالينا‬
‫وإن تنسى تحبينى‬
‫فإنى محب ال أنسى تالقينا‬
‫وإن أخطأت سيدتى فمعذور‬
‫‪122‬‬
‫وعذرى بعد أيدينا‬
‫ال تنسي‬
‫ما يبكيك يبكيني‬
‫من يغضبك أقتله بعنف يداي‬
‫لترضي أنت سيدتي‬
‫فتأت إلي ترضيني‬
‫أحبيني لتحييني‬
‫أنا لست شيئا أحمقا‬
‫كي في الزحام تنسيني‬
‫أنا إن طلبت رؤياكي‬
‫فكيف بال تذليني؟‬
‫قد تنسي‬
‫و لن أنسي‬
‫أن الھوي قد جعل مني مھرجا‬
‫أعمل لديك‬
‫أنا لست أبدا أفتري حبا إليك‬
‫فلتسألي كل الفتات من الثري‬
‫كم قبلة قبلته إذا المسته بحسنھا قدميكي‬
‫قد تنسي‬
‫‪123‬‬
‫وال أنسي ‪.‬‬
‫)‪(4‬‬
‫السالم‬
‫رمانى رصاص الھوى معلنا ً قتل‬
‫ِ‬
‫اآلثام‬
‫أحببت أنثى وطھرھا يمحو‬
‫ِ‬
‫لكنھا‬
‫االسالم‬
‫التعرف اإلكرام فى‬
‫ِ‬
‫ضنّت عل ّي بقربھا‬
‫والبعد يقتل عاشقاً‬
‫بغرام‬
‫ِ‬
‫وقت يمر عل ّى ُمر‬
‫وحبى زائ ٌد نامى‬
‫فال تقذفينى بنظر ٍة على إثرھا‬
‫أسرع إلي ِك ألعلن استسالمى‬
‫ولتضربينى‬
‫العظام‬
‫بقبل ٍة قد خدرّت كل‬
‫ِ‬
‫للتواصل مع الشاعر أحمد عادل‬
‫لينك صفحته علي الفيس بوك‬
‫‪https://www.facebook.com/profile.php?id=1000005‬‬
‫‪65726196&fref=nf‬‬
‫‪124‬‬
‫تعريف بالكاتبة ‪:‬‬
‫سعاد ﻣصطفي ‪:‬‬
‫تخرجت في كلية البنات قسم اإلجتماع شعبة اإلعالم‬
‫جاﻣعة عين شمس‬
‫حاصلة علي دبلوﻣة عاﻣة في التربية ﻣن ﻣركز التأھيل‬
‫التربوي ‪،‬جاﻣعة األزھر بالمنوفية‬
‫حاصلة علي السنة التمھيدية للماجستير بكلية البنات‬
‫جاﻣعة عين شمس‬
‫***‬
‫ﻣواليد ﻣحافظة المنوفية‬
‫أشمون ) أرض القمر ( ‪ 20‬يونيو‬
‫***‬
‫للتواصل ﻣع الكاتبة علي فيس بوك‬
‫‪https://www.facebook.com/soadever?fref=ts‬‬
‫تزوجت ساديا علي الجودريدز‬
‫بإنتظار أرائكم‬
‫‪125‬‬
‫أعمال الكاتبة‬
‫• تزوجت ساديا ‪pdf‬‬
‫) قصة طويلة ( يونيو ‪2016‬‬
‫أعمال ستصدر قريبا‬
‫• ھالوس ﻣا بعد ﻣنتصف الليل ) كتاب ساخر( عن دار‬
‫ديسمير ‪2016‬‬
‫حروف ﻣنثورة للنشر اإللكتروني‬
‫• ﻣالﻣح روح ) رواية( عن ﻣؤسسة زحمة كتاب للنشر‬
‫والتوزيع‬
‫ﻣعرض الكتاب ‪2017‬‬
‫‪126‬‬
‫إھداء‬
‫• إلي أﻣي التي قالت لي يوﻣا " ال تكف عن كتابة تفاھاتك ھذه‬
‫فقد تغير حياة البعض "‬
‫• إلي أبي الذي عرف أنني أكتب بالصدفة عندﻣا أخبرته أن‬
‫روايتي المطبوعة األولي ستصدر قريبا‬
‫• إلي شقيقتي ھبه ﻣصطفي التي أتوسل لھا لتقرأ ﻣا أكتبه‬
‫فترفض حينا وتقبل حينا وبكل األوقات تسبني‬
‫• إلي خطيب أختي وشقيقي األصغر ﻣحمد رشاد الذي كان يقرأ‬
‫ﻣا أكتبه أوال بأول " تذكر أنك ساھمت بتشجيع فتاة ﻣجنونة‬
‫علي الكتابة يوﻣا "‬
‫• إلي شقيقتي الصغري التي تكره القراءة وال أعرف كيف‬
‫تنجح كل عام " ذكرت إسمك باإلھداء كما طلبت وبما أنك ال‬
‫تقرأين فقد كتبت ﻣا يحلو لي "‬
‫• إلي أعضاء المافيا عادل وآدم ولوجين " لوال ﻣساھماتكم‬
‫العظيمة لكنت قدﻣت ھذه الرواية بوقت أبكر ﻣن ھذا بكثير "‬
‫• إلي جدتي أطال ﷲ عمرھا وجدي رحمه ﷲ " علمتوني أن‬
‫نور القلوب وإيمانھا قادران علي تبديد الظالم القاسي "‬
‫***‬
‫‪127‬‬
‫إلي صديقاتي الالتي كن يتشاجرن دائما علي ترتيب أسمائھن‬
‫بمشروع التخرج كل عام ‪ ،‬أقسم أن ترتيب أسمائكمن باإلھداء‬
‫ال يعني درجات حبي ‪ ،‬جميعكن تسكن قلبي ‪.‬‬
‫) حنان عالء ‪ /‬ياسمين ﻣحمود ‪ /‬أﻣيرة السيد ‪/‬ھالة شبل ‪ /‬سمر‬
‫سعيد ‪ /‬سمر أحمد ‪ /‬عزيزة شعبان ‪ /‬آية صالح‪ /‬غادة عالء ‪/‬‬
‫وسام سعيد ‪ /‬رغدة تاج ‪ /‬دينا رأفت ‪ /‬داليا رأفت ‪ /‬أﻣيرة‬
‫زقزوق ‪ /‬ﻣنة ﷲ رأفت ‪ /‬ھناء حسين ‪ /‬إلھام عاشور ‪ /‬ھالة‬
‫جمال ‪ /‬ھبه عمار ‪ /‬وسام عبد الناصر ‪ /‬ھالة ﻣحمود ‪/‬‬
‫‪ / shosho sinai‬ﻣروة ﻣحمود ‪/‬سارة حسن ‪ /‬ھبه ﻣسعد ‪/‬‬
‫ھبه ‪ /‬أﻣل الحياة ‪ /‬أسماء أحمد ‪ /‬إيمان شاھين ‪ /‬حنين الروح ‪/‬‬
‫ھبه رجب ‪ /‬خلود النقيب ‪ /‬الﻣان ﻣحمد ‪/‬أسماء البدري ‪ /‬ﻣي‬
‫ﻣحمود ‪ /‬ﻣريم فھيم ‪ /‬ﻣريھان عمر‪ /‬نادية ثروت ‪ /‬نجالء‬
‫حسين‪ /‬ناھد الجندي ‪/‬‬
‫وديان تاج الدين‪ /‬أسماء جبريل ‪/‬رفيف العربي ‪/‬ﻣريم سالﻣة(‬
‫‪128‬‬
‫• إلي أستاذي الجليل وأبي الروحي دكتور عبد الرحيم درويش‬
‫• إلي كل ﻣن أ‪ ) /‬ﻣحمد عبد الحميد ‪ /‬أحمد عطية (‬
‫• إلي أستاذي ﻣاھر طاحون رحمه ﷲ " خطوت أولي خطواتي‬
‫بتحقيق حلمي الذي كنت تشجعني عليه دوﻣا"‬
‫***‬
‫شكر لكل ﻣن‬
‫) أحمد طارق ‪ /‬توﻣا ‪ /‬ﻣحمد النوبي ‪ /‬ﻣحمد جابر‪ /‬إبراھيم أبو‬
‫يوسف ‪ /‬حسام حسن ‪ /‬خالد شوقي ‪ /‬خالد فتاح ‪ /‬ﻣحفوظ أحمد ‪/‬‬
‫أحمد الطاھر ‪ /‬عمرو سماكه ‪ /‬ھشام عصام ‪ /‬ﻣجدي عبده ‪/‬‬
‫ﻣحمد علي ‪ /‬أحمد حسن ‪ /‬يوسف ﻣحمد ‪ /‬ﻣحمود شلبي ‪ /‬أحمد‬
‫ﻣحمد شلبي ‪/‬الشاعر ﻣصطفي ھالل ‪/‬أﻣير جادو‪ /‬ﻣروان‬
‫فجر‪/‬كاتب علي قد حاله ‪ /‬نفحات االيمان والھدي (‬
‫أعتذر‬
‫إلي كل ﻣن لم تسعف ٍن ذاكرتي لكتابة إسمه‬
‫‪129‬‬
130
Download