بورخس ومصادره االستشراقيت ِ أ.باهرة محمذ عبذ اللطيف ِ بورخ س ومصادره االستشراقية أ.باهرة محمد عبد اللطيف جامعة أوتونوما بمد ريد Abstract: Throughout his life, Borges was interested in the Orient in its widest sense, especially the cultural, dedicating to the Islamic Arab Orient a generous extension of his readings and writings, in prose and poetry. Although the world has celebrated his literary production through a huge number of studies, analyzing it from distinct perspectives, however, the Arab world -with few exceptions –still lack such kind of efforts about Borges as Orientalist. Therefore, the idea of this work intents to analyze the orientalist literary and intellectual sources of Borges. Borges, with his universal fondness, reding about various cultures and civilizations, the Arab and Islamic were one of them and its influence in his work are obvious. He was keen to follow the example of his favorite philosophers and writers fascinated by the Islamic Arab Orient who, mostly, represented a literary and epistemological Orientalism. Borges's example is unique in the Latin American Orientalism, thanks to his diverse sources; theme of this research. Key words: Borges, Orientalism, Arabism , Orient, Islam, Arabic Literature, Thousand and One Nights ملخص: اىتم بورخس (Jorge Luis ) Borgesبالشرق ،مبعناه الثقايف الواسع ،طوال كرس لو ولًتاثو الكثَت من أعمالو اإلبداعية، حياتو و ّ وخص الشرق العريب اإلسالمي مبساحة سخيّة من ّ قراءاتو ومن نتاجو األديب شعراً ونثراً. كم ىائل ومع أ ّن العامل قد احتفى بو عرب ّ من الدراسات اظتتنوعة لرصد وحتليل أعمالو من كافة جوانبها؛ فإن العامل العريب -باستثناءات قليلة -ال يزال يفتقر إىل الدراسات اطتاصة ببورخس مستشرقاً .من ىنا تنطلق فكرة ىذا البحث الذي يتناول بالتحليل مصادر بورخس األدبية والفكرية االستشراقية. ب ورخس هباجسو الثقايف الكوين ،هنل من حضارات وثقافات شىت وكان اىتمامو بالشرق العريب اإلسالمي واضح البصمة يف جزء كبَت من أعمالو، مقتفياً هبذا النهج خطى ونتاج مفكرين وفالسفة وأدباء عاظتيُت -أحبهم -كان الشرق قد اجتذهبم ومثّلوا يف أغلبهم رموزا لالستشراق األديب واظتعريف (.)1وىو يطرح فتوذجا فريداً يف االستشراق األمريكي الالتيٍت والعاظتي؛ ألنّو حظي مبصادر استشراقية متنوعة قلّما حظي هبا سيتطرق إليها كاتب أو مستشرق آخر صتملة أسباب ّ البحث يف الصفحات القادمة. الكلمات المفتاحية: بورخس ،االستشراق ،االستعراب ،الشرق، اإلسالم ،األدب العريب ،ألف ليلة وليلة مجلت رؤى فكريت – مخبر الذراساث اللغويت واألدبيت – جامعت سوق أهراس 59 أ.باهرة محمذ عبذ اللطيف بورخس ومصادره االستشراقيت ِ تمهيد: لقد ُكتب عن بورخس منذ أواسط القرن العشرين وحىت يومنا ىذا مئات الكتب والدراسات اليت تناولت شىت أوجو حياتو وإبداعو .وأخضعت أعمالو األدبية كل إىل حتليالت نقدية من ؼتتلف اظتنظورات األدبية والفلسفية والتارمتية واىتمت بو ّ ألهن ا وجدت نفسها بنحو أو آخر منعكسة يف مرآة أدبو الشعوب والثقافات ّ الكوزموبولييت .وكذلك فعلت حبذ ر ثقافتنا العربية اليت ال تزال تقف مًتددة على أعتاب عوامل بورخس اإلبداعية وتضميناتو واقتباساتو وإشاراتو القادمة من الًتاثُت العريب واإلسالمي .ىذا على الرغم من جهود بعض الكتاب يف اظتغرب ومصر والعراق وسوريا ،على وجو التحديد ،يف تررتة قلة من أعمالو – عن الفرنسية واإلؾتليزية وقليل منها عن اإلسبانية -ويف نشر بعض الدراسات األولية اظتًترتة أو اظتوضوعة حول نتاجو األديب والفكري .ومع التأكيد على ضرورة تررتة اظتزيد من أعمال بورخس وإعادة تررتة بعض كتبو اليت قدمت للقراء العرب على ؿتو أخفق يف تقدًن حقيقة ىذا الكاتب ،فإ ن موضوع الدراسة ىذه يأمل يف لفت أنظار الدارسُت إىل مستوى آخر من أدبو ،هبدف قراءة بورخس مستشرقاً أدبياً ومعرفياً عرب مصادره االستشراقية -موضوع البحث. بطبيعة اضتال لن نشَت ىنا إىل االستشراق مبعناه الواسع الذي يضم ثقافات الصُت واليابان واعتند -وىي أيضاً كانت من بُت اىتماماتو وإن كان ذلك على ؿتو أقل -بل نقصد التنبيو إىل نزعة بورخس االستشراقية من خالل اىتمامو بالثقافتُت العربية واإلسالمية .وذلك أوالً ألن ىذا الوجو نتثّل ملمحاً أساسياً من مالمح أدب بورخس ( ،)2وأل ّن الباحث أو الناقد الغريب قد أقتلو لعقود طويلة واكتفى باإلشارة إىل البُت يف كتاباتو ،ثانياً .ولعل السبب يف إقتال الباحث "ألف ليلة وليلة" ضتضورىا ّ العدة اظتعرفية اليت تتيح لو القيام مبهمة الغريب أو عدم تنبهو يعود إىل عدم توفره على ّ التحليل والكشف عن ىذه اآلثار العربية اإلسالمية يف نتاج ىذا الكاتب،ـ ليظل ىذا اصتانب مهمالً حىت وقت قريب .إذ ظهرت يف السنوات األ خَتة دراسات متفرقة مجلت رؤى فكريت – العذد السابع – فيفري 8102 60 أ.باهرة محمذ عبذ اللطيف بورخس ومصادره االستشراقيت ِ لباحثُت ومستعربُت ،من إ سبانيا وأمريكا الالتينية على وجو اطتصوص ،حبكم اطّالعهم وترسخو يف تكوينهم الثقايف واظتعريف ،وىذا ما جعلهم يفطنون إىل على تراث األندلس ّ ىذا اصتانب من نتاج بورخس اضتافل بالعناصر العربية واإلسالمية .يذكر اظتستعرب اإلسباين خوسيو رامَتيث ديل ريّو ) (José Ramírez Del Ríoهبذا الصدد: "إن شغف خورخو لويس بورخس باألدب العريب ىو أمر شائع لدى حتليل يبسط ،بل أعمالو ،ومع أنو أمر ال جدال فيو؛ فإنو على غرار كل األقوال الشائعة ّ ومتفي جزئياً ،ذلك الكم اعتائل من األعمال واظتوضوعات اظتستقاة من األدب العريب الكالسيكي الذي استخدمو ىذا الكاتب كأساس لبعض أعمالو .كما أن االستعانة مبوضوعات أدبية عربية يف أعمال بورخس كانت تتجاوز بكثَت مسألة توظيف كتاب ألف ليلة وليلة يف أعمالو" (.)3 أما بالنسبة للباحثُت العرب فقد كانت ىناك مبادرات لنشر مقاالت أو القصة أو ذاك اظتقال بالتحليل واإلشارة السريعة إىل األثر العريب دراسات تناولت ىذه ّ كتاب عرب ولكنها بقيت الزمن ،قام هبا ّ لدى بورخس منذ أكثر من عقدين من ّ معمقة وذلك لعدم اإلظتام مبجمل نتاج بورخس األديب ،وىو واسع دراسات غَت ّ متشعب -أكثر من ذتانُت مؤلفاً -فضالً عن صعوبتو وغموضو وتعدد مصادره اظتعرفية يصد القارئ والباحث. على ؿتو ّ بورخس واالستشراق :البيئة األولى: كان لوالدة بورخس عام 1899يف مدينة بوينوس آيريس () Buenos Aires يف كنف عائلة مستنَتة متعددة الثقافات ومنفتحة على ما سواىا ،أكرب األثر يف توجهو ؿتو األ دب والقراءة ،اخاصة ؿتو األدب اإلؾتليزي الذي مثل يف مطلع حياتو ّبوابة أوىل انطلق منها ؿتو الثقافات األخرى ،بسبب من جدتو –لوالده -اإلؾتليزية اليت علّمتو أوىل اضتروف هبذه اللغة ،وقادتو منذ الطفولة إىل عوامل حكايات مجلت رؤى فكريت – مخبر الذراساث اللغويت واألدبيت – جامعت سوق أهراس 61 بورخس ومصادره االستشراقيت ِ أ.باهرة محمذ عبذ اللطيف ستيفنسن )(Stevenson وكبلنغ )(Kipling والسَت أدوين أرنولد (Edwin )Arnoldاليت كانت تقرأىا لو باإلؾتليزية. ويعود الفضل يف توجهو يف وقت مبكر ؿتو الشرق لوالده خورخو غيَتمو بورخس )1938-1874( Guillermo Borges) (Jorgeاظتث ّقف احملامي الليربايل (الفوضوي اظتؤمن بأفكار الفيلسوف ىربرت سبنسر ( )Herbert Spencerوالكاتب واظتًتجم اظتولع باظتؤلفات اإلؾتليزية واإلسبانية .وكان اؾتذاب األب الشديد ؿتو الشرق، قد دفعو لنقل رباعيات اطتيام بًترتة فيتزجَتالد ) (Edward Fitzgeraldمن اإلؾتليزية إىل اإل سبانية ،فضالً عن رواية كتبها مستلهماً فيها طاغية من الشرق ،وغتموعة قصص شرقية كتبها على غرار "ألف ليلة وليلة" وعمل مسرحي ضاع ومل يصلنا ( .)4ومل يكن غريباً اىتمام الوالد بالشرق أل ّن مثقفي األرجنتُت يف ذلك الوقت كانوا قد شرعوا يف استكشافو منذ زمن كما سنرى الحقاً .مث إ ّن جذوره اإلؾتليزية وتواصلو مع االستشراق الربيطاين ش ّكل بالنسبة لو -والبنو بورخس الحقاً -معيناً ال ينضب يوم كانت اإل مرباطورية الربيطانية وحشد مستشرقيها يتوجهان بكل ثقلهما ؿتو الشرق يف أوج مرحلة االستعمار الربيطاين. حتدث بورخس يف سَتتو الذاتية الصادرة باإلؾتليزية عام 1970 وقد ّ ()5 عن تعُت علي أن أشَت إىل اضتدث األعظم يف تأثَت والده وعاظتو الثقايف فيو بقولو" :لو ّ يفصل لنا قراءات حيايت لقلت بأنو كان مكتبة والدي" .ويف موضع آخر من سَتتو ّ اظتفضلة يف األدب والفلسفة (بَتكلي) (Berkeleyوىيوم ) (Humeوويليام والده ّ جيمس )(William James والكتب اليت تتحدث عن الشرق للُت )(Lane وبَتتون ) (Burtonوباين ) )..(Payneوكلها غدت الحقاً قراءات واىتمامات بورخس الكاتب. مجلت رؤى فكريت – العذد السابع – فيفري 8102 62 أ.باهرة محمذ عبذ اللطيف بورخس ومصادره االستشراقيت ِ بورخس والقراءات االستشراقية: الثرية بتنوعها الثقايف ،نشأ بورخس ثنائي اللغة يقرأ يف ىذه البيئة األوىل ّ باإلسبانية واإلؾتليزية وتفتّح وعيو يف مكتبة والده اضتافلة بالكتب اإلؾتليزية اليت سيبقى يتحدث عنها طوال حياتو .ومن ىناك انطلق ولعو الشديد بالكتب ورغبتو اظتتصلة يف اإلحبار يف عوامل الثقافات واللغات اظتتعددة اليت أتقنها يف مراحل حياتو اظتبكرة .وىذه الرغبة ستجعل منو أسطورة يف عامل القراءة اليت فضلها على الكتابة مراراً سواء عرب حواراتو ،أو تأمالتو الغزيرة هبذا الصدد .فقد حلم بورخس بـ"الكتاب الكّلي" الذي كتمع تراث البشرية كلها ،وتاقت روحو لـ"كتاب الرمل" الذي " ليس فيو صفحة أوىل ()6 والبد لدارس أدب بورخس من أن يدرك بأن "كتاب الرمل" كان أو أخَتة" ّ . كرس لو بشكل أو آخر ىو كتاب "ألف ليلة وليلة" الذي افتنت بو ىذا الكاتب و ّ كتابات مطولة شعراً ونثراً. كان بورخس هبذا اظتعٌت قارئاً استثنائياً للثقافات األخرى ،استطاع أن لتيل قراءاتو إىل كتابات مشرق ة .وكان يعزو الفضل يف ذلك إىل اظتنجز اإلنساين العظيم الذي قرأه وتأثّر بو فأعاد توليده أو كتابتو وفق رؤية خاصة بو ،إذ كان يؤمن بأن الكتاب - أي كتاب -إفتا يعاد ابتكاره مع كل قراءة جديدة لو .وقد ختيل بورخس الفردوس على ّ ظل يعاصتها يف كتاباتو حىت شكل مكتبة وأحاعتا إىل واحدة من ثيماتو اظتتعددة ،اليت ّ رحيلو عن اضتياة .كما أعلى شأن القراءة واعتز ببورخس قارئاً أكثر منو كاتباً ،تعينو يف ذلك ذاكرة ثاقبة ،وولع استثنائي بالقراءة والتوغل يف اظتوضوعات الفلسفية واألدبية والتارمتية حىت أن النقاد كانوا لترضونو على اضتديث بأسئلة وحوارات ال تنتهي ليستزيدوا من معارفو .ومل يكن ليخيب ظنهم أبداً إذ كان يدىش اظتستمعُت واحملاورين دوماً بذاكرتو اليت تتنقل بتلقائية وألفة ما بُت األفكار والفلسفات القدنتة واألشعار أحب من الشعراء اطتالدةّ ، مر العصور ،وما أكثر من ّ لكتاب وفالسفة ومبدعُت على ّ الكتاب .لقد كان يردد بعفوية على مسامع ػتدثيو أبياتاً من الشعر اإلؾتليزي ،وأخرى و ّ مجلت رؤى فكريت – مخبر الذراساث اللغويت واألدبيت – جامعت سوق أهراس 63 أ.باهرة محمذ عبذ اللطيف بورخس ومصادره االستشراقيت ِ من الفرنسي أو األظتاين ،والعريب أيضاً .فقد كان اىتمامو بالشعر العريب واضحاً حُت ينشد ألصدقائو تررتة إسبانية لبيت شعري كان قد ذكره ىو يف إحدى مقاالتو -نقالً عن بَتتون -للعظيم اظتتنيب (:)7 القرطاس والقلم الرمح و الليل والبيداءُ تعرفٍت و ُ السيف و ُ ُ اطتيل و ُ ُ أو حُت يبحث يف قصتو اظتعروفة " حبث ابن رشد" ،حول مضمون بيت شعري لزىَت بن أيب سلمى (:)8 ط عشواء من تُ ِ صب ر ُ أيت اظتنايا َخب َ َ َ َ ِ ِ يهرِم ُدتتوُ ومن ُختطئ يـُ َع َّمر فَ َ ىذا فضالً عن إشاراتو لشعراء آخرين من أصحاب اظتعلقات وشعراء األندلس .وأوىل اىتماماً خاصاً بعمر اطتيام ورباعياتو -سَتاً على خطى والده -وبًتاث الصوفية العريب والفارسي الذي كتب وحاضر فيو أيضاً عندما عمل أستاذاً يف اصتامعات األرجنتينية واألمريكية واألوروبية. إىل جانب بيئتو األوىل تلك ،ومواىبو الف ّذة فقد سافر بورخس وتن ّقل بُت عدة منذ صباه األول ،وأقام مع أسرتو يف جنيف ( )1919-1914حيث تعّلم بلدان ّ الكتاب األظتان والفرنسيُت من فالسفة وأدباء األظتانية والفرنسية، وتشبع بًتاث ّ ّ ومف ّكرين .مث ارحتل ىو وأسرتو إىل إسبانيا (1921-1919و )1924-1923واختلط مبثقفيها يف مطلع عشرينات القرن اظتاضي .وىناك انفتح على الًتاث العريب اإلسالمي يشق طريقو يف عامل من خالل حضارة األندلس ،قبل أن يعود إىل األرجنتُت كاتباً شاباً ّ الشعر واظتقالة والًترتة والسرد القصصي الحقاً. ال يفوتنا ىنا التذكَت بعمل بورخس أميناً ظتكتبة ػتلية يف شبابو ،ومع فقدان عُت مديراً للمكتبة الوطنية يف بوينوس آيريس (،)1955 بصره يف أواسط ستسيناتو ّ وكانت تلك واحدة من مفارقات ال قدر الذي أىداه الليل والكتب معاً على حد قولو. وقد زاده عملو ىذا شغفاً بالقراءة وإقباالً على الثقافات األخرى ،ومن بينها الثقافة مجلت رؤى فكريت – العذد السابع – فيفري 8102 64 أ.باهرة محمذ عبذ اللطيف بورخس ومصادره االستشراقيت ِ العربية واإلسالمية وحضارات الشرق العريقة الرافدينية واظتصرية القدنتة والفارسية ،إضافة إىل اىتمامو حبضارات الشرق األقصى الصينية واليابانية واعتندية .وبورخس قرأ وكتب كثَتاً يف الفلسفات واألديان التوحيدية كاليهودية واظتسيحية واإلسالم ،واألديان القدنتة األخرى كالصابئة اظتندائية واليزيدية والزرادشتية والبوذية واعتندوسية ،وعٍت بتجلياهتا األدبية بوجو خاص .كما كتب عن الشعر الصويف اإلسالمي واظتسيحي ،واىتم بالتيارات والطوائف الدينية األخرى كاإلشتاعيلية والدرزية والبهائية والعلوية وأىل اضتق. وقد وظّف ىذا كلو أدبياً يف شعره وقصصو ومل يكتف فقط بتناولو يف مقاالتو وػتاضراتو (.)9 ذتة سبب آخر من بُت األسباب اليت زتلت بورخس على االؾتذاب ؿتو "الشرق" الذي ظهر كواحد من أبرز ثيماتو-إضافة إىل موضوعاتو األخرى األثَتة كاظتكتبة والعمى والزمن واظتتاىة والفلسفة واللغات واألديان والشعر -دتثّل يف عملو ػترراً يف غتلة (سور .)SURوىي غتلة أدبية فكرية أسستها الكاتبة واظتثقفة األرجنتينية فيكتوريا أوكامبو(Victoria Ocampo Aguirre ) ،فتحت أبواهبا لعدد كبَت من الكتاب العاظتيُت وتررتات أعماعتم .وكان االىتمام بالشرق اآلسيوي واضحاً يف ّ منشوراهتا ،رمبا بتأثَت من صداقة احتفظت هبا الكاتبة أوكامبو مع شاعر اعتند الكبَت كتاهبا طاغور ) (Tagoreأو ألن االىتمام بالشرق يف تلك اجمللة كان قاشتاً مشًتكاً بُت ّ وػترريها .ويف ىذه اجمللة نشر بورخس عدداً كبَتاً من اظتوضوعات الشرقية العربية ّ اإلسالمية اليت كان يًترتها مباشرة من مصادره اإلؾتليزية بالدرجة األوىل ،أو يستلهمها من قراءاتو باإلسبانية أو بلغات أخرى ظتؤلّفُت عنوا هبذا اظتوضوع(.)10 ومن بُت األسباب األخرى اليت دعت بورخس لالىتمام بالشرق ونتاجو يف األرجنتُت ،بوسعنا أن نذكر اعتجرة العربية إىل أمريكا الالتينية ،األرجنتُت على وجو اطتصوص ،واضتضور الثقايف العريب لبعض اظتغًتبُت العرب يف تلك األعوام .فقد نشطت على الساحة األدبية األرجنتينية شخصية دبل وماسية عربية استثنائية كان عتا حضورىا مجلت رؤى فكريت – مخبر الذراساث اللغويت واألدبيت – جامعت سوق أهراس 65 أ.باهرة محمذ عبذ اللطيف بورخس ومصادره االستشراقيت ِ اظتؤثر ،ىو األمَت أمُت أرسالن ) (Emin Arslanودوره يف نشر الثقافة العربية والدفاع عدة من بينها" :حقيقة اضترًن" ( )1916و" ذكريات الشرق" ()1930 عنها عرب كتب ّ و"أسرار الشرق" ( )1932و"الثورة السورية ضد االنتداب الفرنسي" ( )1933وكتاب "العرب" (.)1941 كان األمَت أرسالن من الطائفة الدرزية – وىي طائفة دينية استهوت بورخس يف كتاباتو -وقد وصل األرجنتُت قنصالً مبعوثاً من الدولة العثمانية ( )1910إال أنو وقرر البقاء ىناك مغًتباً ،بعد أن ّ غَت مساره إثر اهنيارىا يف أعقاب اضترب العاظتية األوىل ّ صدر حبقو حكماً باإلعدام ظتعارضتو الشديدة للسياسة العثمانية يف البالد العربية .وقد أسس غتلة "النوتا" ))1921-1916( (La Nota نشر الكثَت من األعمال واظتؤلّفات و ّ اليت استقطبت أقالماً مهمة من األدباء كليوبولدو لوغونيس )(Leopoldo Lugones والفونسينا ستورين ) (Alfonsina Storniوأرتورو كانثيال ).)11((Arturo Cancela يهمنا ىنا ىو أن بورخس قد تعرف إىل ىذه الشخصية العربية االستثنائية ما ّ يف قاعة حترير غتلة (أوغار) ،حيث عمل بورخس كاتباً ،والتقاه أيضاً يف غتلة (سور) إذ ارتبط كالقتا بصداقة مع الكاتبة فيكتوريا أوكامبو )Ocampo . (Victoriaوقد استلهم بورخس شخصية األمَت أرسالن يف واحدة من قصصو اظتعروفة اليت ألّفها اظتفضل أدولفو بيوي كاساريس) (Adolfo Bioy Casaresيف باالشًتاك مع صديقو ّ كتاب":ست مشكالت للدون إيسيدرو بارودي" ( ،)12وأطلق على الشخصية الرئيسية ،رئيس طائفة الدروز ،اسم "ابن خلدون" .وذلك كنوع من التوازي بُت حياة األمَت أرسالن الدبلوماسي والكاتب وصاحب القضية -وكان رئيساً للطائفة الدرزية يف األرجنتُت -وحياة اظتؤرخ وعامل االجتماع اظتف ّكر والدبلوماسي أيضاً ابن خلدون. تقدم وألسباب أخرى ال ّيتسع اجملال لسردىا ىنا ،فقد أتيحت لكل ما ّ ّ لبورخس فرصة ىائلة لالطالع على ثقافات الشرق وكانت كتاباتو تزخر مبعلومات دقيقة عن العرب واظتسلمُت وتراثهم .وما كان يبدو حكراً معرفياً على مستشرقُت من مجلت رؤى فكريت – العذد السابع – فيفري 8102 66 أ.باهرة محمذ عبذ اللطيف بورخس ومصادره االستشراقيت ِ ىذا البلد أو ذاك كان يف متناول عقلو اظتنفتح على ثقافات العامل .وقد أخضع رتيع مصادر معرفتو لذاكرة ذلك الضرير الف ّذة ولعبقريتو يف دتثّل وإعادة إنتاج قراءاتو خدمة ألدبو اإلنساين .لذا أيضاً بدت نتاجاتو مستعصية على الفهم ،ألنّو يتحرك يف مدارات معرفية كونية كتهلها القارئ ،مع أن ىذا األخَت غالباً ما كتد نفسو مأخوذاً هبا بسبب من روعة أسلوب بورخس ولغتو اظتشرقة اظتستفزة بتقشفها. بورخس واكتشاف الشرق: "لقد كان اضتدث العظيم يف تاريخ األمم الغربية ىو اكتشاف الشرق" .ىكذا أوجز بورخس اكتشاف الشرق بالنسبة للغربيُت -وىو ما يذ ّكرنا باضتدث األعظم يف ال: حياتو أيضاً باكتشاف مكتبة والده -ويضيف قائ ً "عندما نقول "الشرق" أحسب أننا رتيعاً نفكر مبدئياً بالشرق اإلسالمي، ومن مث بالشرق اظتتمثّل بشمال اعتند .ىذا ىو اظتعٌت األول الذي تستدعيو ىذه اظتفردة وىو بفعل تأثَت "ألف ليلة وليلة" .وذتة شيء ما نستشعره من خاللو "الشرق" شيء مل أحس بو يف إسرائيل ولكٍت أحسست بو يف غرناطة وقرطبة .لقد أحسست حبضور ّ "الشرق" وىو أمر ال أدري إن كان بوسعنا تعريفو ،وبأية حال ال أعرف إن كان من اجملدي وضع تعريف لشيء ؿتن رتيعاً نستشعره على ؿتو زتيم .فنحن مدينون بإلتاءات ىذه اظتفردة لكتاب "ألف ليلة وليلة" وىذا ىو أول ما متطر ببالنا ،بعد ذلك لنا أن نف ّكر يف ماركو بولو أو أساطَت الكاىن يوحنا وبأهنار الرمال وأشتاك الذىب تلك .فنحن يف اظتقام األول نف ّكر يف اإلسالم" (.)13 اكتشف الغرب الشرق من خالل "ألف ليلة وليلة" بًترتة أنطوان غاالن ) ،(Antoine Gallandبيد أن بورخس اكتشف الشرق (العريب اإلسالمي) يف طفولتو اظتب ّكرة حُت قرأ ،وىو مل يبلغ بعد العاشرة من العمر كتاب "ألف ليلة وليلة" بًترتة ريتشارد بَتتون .لقد أعتب ىذا العمل خيال بورخس الطفل وسكن ذاكرتو وظل يهذي بو حىت آخر ضتظة يف حياتو .يقول عن ىذا العمل اطتالد ،يف سَتتو: مجلت رؤى فكريت – مخبر الذراساث اللغويت واألدبيت – جامعت سوق أهراس 67 أ.باهرة محمذ عبذ اللطيف بورخس ومصادره االستشراقيت ِ يعد آنذاك من " كان كتاب "ألف ليلة وليلة" بًترتة بَتتون – اضتافلة مبا كان ّ علي ،وكان ال بد يل من قراءتو خفية على سطح الدار .لكٍت يف الفواحش -ػتظوراً ّ ذلك الوقت كنت متأثراً جداً بسحر الكتاب حىت أين مل أتنبو لتلك األجزاء اظتمنوعة وقرأت اضتكايات ،ومل أكن أعي أي معٌت آخر سوى ذلك السحر" (.)14 خص بورخس ىذا اظتؤلف بدراسات واستلهمو كثَتاً يف الشعر من ىنا فقد ّ أىم ما كتبو ىو تلك الدراسة اليت تناول فيها تررتات ىذا العمل والقصة والنقد .ومن ّ االستثنائي واظتقارنة اليت عقدىا ما بُت تررتات اظتستشرقُت اظتعروفُت :ريتشارد بَتتون وإدوارد لُت باإلؾتليزية ،وأنطوان غاالن والدكتور ماردروس وكانسينوس أسينس )(Cansinos Asséns )(Mardrus بالفرنسية، باألسبانية ،وليتمان )(Littmann عدة يف بالده وخارجها للحديث عن ىذا األثر اطتالد، كرس ػتاضرات ّ باألظتانية .وقد ّ وكان يستشهد بو مراراً يف حواراتو وكتاباتو .كما أنو استفاد أيضاً من البناء الروائي واألسلوب اضتكائي للعمل ،بل وانتحل بعضاً من قصصو ومتاىاتو أيضاً يف أسلوب غدا واحداً من شتات بورخس يف السرد القصصي :االنتحال األديب. لعل من اظتناسب أن نشَت ىنا إىل أن بورخس –الصيب -قرأ العمل وافتنت بو يتحدث عن كل ما لو صلة من قبل أن يتش ّكل وعي الكاتب بورخس ،لذا فهو حُت ّ بالعرب وبثقافتهم ،ال يفعل ىذا فقط من خالل وعي اظتثقف الكوين ،بل ىو يستعيد أيضاً بعضاً من جتربتو الروحية مع عامل "ألف ليلة وليلة" وأجوائو وبيئاتو العربية واإلسالمية ،ورتيعاً نعرف ما للقراءات األوىل من أثر باق يف النفس -ويف التواصل مع جزء من الطفولة والشباب اظترتبط هبا .أي أنو يف ىذا اإلقبال ؿتو الشرق العريب اظتسلم عد عتا لكتّاب غربيُت ال ينطلق من مواقف براغماتية استشراقية ميزت كتابات ال ّ ومواقفهم اليت ارتبطت يف كثَت من األحيان بالعقلية االستعمارية أو بالرؤية التبشَتية اظتنطلقة من اظتسيحية اظتتشددة ،اليت رأت يف اإلسالم خطراً داقتاً وعدواً ال بد من ػتاربتو ،وفتوذجاً حسياً يتهدد طهرانيتها .رمبا ألن بورخس مل يعش يف كنف عائلة مجلت رؤى فكريت – العذد السابع – فيفري 8102 68 أ.باهرة محمذ عبذ اللطيف بورخس ومصادره االستشراقيت ِ مسيحية تقليدية بل ترىب على أفكار أبيو الفوضوي الليربايل .وىو نفسو كان الأدرياً متشككاً ومل يتوان عن نقد الفكر اظتسيحي يف أعمالو وحواراتو .لذا فإن تقبلو لألفكار واظتعتقدات الدينية األخرى مل يكن باألمر اظتستغرب ،ألنو يتعامل مع رتيع الفلسفات واألديان من منظور اظتعرفة ال اإلنتان بالفكرة أو األيديولوجيا ( .)15وىكذا فإن ّقراءه من اليسار واليمُت ومن شىت اظتشارب الفكرية واظتعتقدات الدينية والثقافات ،يقبلون على قراءة أعمالو بشغف عظيم ألنو أوالً وأخَتاً قد أعلن انتماءه لقيم رواقية ثقافية خالدة ،وانتمى طواعية لزمان قدًن .فهو يعًتف ببساطة وقناعة قائالً" :ال أعرف شيئاً معاصري ىم اإلغريق" (.)16وقد ّبرر نظرتو عن األدب اظتعاصر ،ومنذ زمن بات ّ الرجعية ىذه وميولو اليمينية بقولو :إنو حُت فقد بصره يف عام 1955مل يعد قادراً على التواصل مع معاصريو من الكتاب ،ومبا أنو كان يستعُت بآخرين للقراءة لو فإنو كان لتبذ أن يقرؤوا لو – أو يعيدوا قراءة -كتب األدب والفلسفة والتاريخ اليت أحبها .وكان ّ يهمٍت ألين أعتقد أنو سيشبهٍت ،فأنا أوالً وأخَتاً معاصر أيضاً، يعًتف بأن "اظتعاصر ال ّ يف حُت أن اظترء عندما يدرس آداب العصور األخرى نتكن لو أن يعثر على () 17 يكرر باستمرار أ ّن ما من كاتب يرغب يف أن يكون مديناً مستجدات" .وكان ّ بشيء ظتعاصريو. كان بورخس لتلم بأن يصبح كاتباً ينتمي لساللة كبار شخصيات التاريخ اليت أسرتو منذ طفولتو واحتلت أفق حياتو الفكرية .وكان يعرف أن الطبيعة قد سلبتو الكثَت على صعيد القوة اصتسدية وقابلياتو االجتماعية – وىو اطتجول اعتش اظتنطوي يف فًتة طفولتو وشبابو .وكان يوقن بأنو لن يكون صانع تاريخ مبعٌت الفعل أو اضتدث كما فعل أسالفو من القادة العسكريُت ،بل عرب الكتابة .لذا فقد تنبو منذ مطالع حياتو ألثر قوة وتأثر هبم وحلم العقل ،وحاول أن لتاور من خاللو ّ كتابو وفالسفتو الذين عشقهم ّ بق در ؽتاثل لقدرىم .ومل يًتدد طوال حياتو يف التصريح بإعجابو هبم ،وتأثره بنتاجهم الفكري بغض النظر عن اظتكان أو الزمان أو الثقافة اليت ينتمي إليها ىؤالء ألنو كان تشبو بو يف كثَت من خصالو ( .)18وحُت شعر بدنو كوين النزعة ،كوالده الذي لطاظتا ّ مجلت رؤى فكريت – مخبر الذراساث اللغويت واألدبيت – جامعت سوق أهراس 69 أ.باهرة محمذ عبذ اللطيف بورخس ومصادره االستشراقيت ِ أجلو أراد أن يؤكد نزعتو الكونية ىذه ،فقرر أن نتوت ويدفن يف مدينة جنيف ،مرتع صباه ،قائال لصديق عمره الكاتب أدولفو بيوي كاساريس الذي أعرب عن استغرابو لفكرة رحيلو عن الوطن وقد استفحل لديو اظترض العضال عام :1986إن أية بقعة يف األرض تصلح كي نتوت اظترء فيها. بورخس ومصادره االستشراقية: قدر لبورخس بسبب من كونو كاتباً أرجنتينياً من أمريكا الالتينية من أب لقد ّ يطل ذي أصل إؾتليزي وأم من أصول إسبانية برتغالية ،أن يتحاور مع ثقافات شىت وأن ّ على الشرق العريب اإلسالمي من مصادر استشراقية متنوعة .لذا فهو نتثل فتوذجاً يف االستشراق الرامي إىل اظتعرفة اإلنسانية لذاهتا واالكتفاء بلذة النص واكتشافو بغض النظر عن انتمائو ألي من الثقافات أو الشعوب .وبسبب من نزعتو اظتعرفية اظتتشككة فهو ال يأخذ مضمون القراءة أياً كان على ؿتو قاطع ،بل يبقيو ضمن نطاق اظتمكن واحملتمل. وبوجو عام ؿتن ال ؾتد يف كتابات بورخس ميالً لسإسراف يف اإلطراء أو الذم بل نراه يعتمد اضتجة اظتنطقية اظتستندة إىل الشواىد والنصوص عرب حتليالت مفتوحة النهايات .وبورخس اظتتشكك الالأدري ال يسّلم بالفكرة على عواىنها مهما بدت ويتعمق ،وغالباً ما يطرح تساؤالت ويربز معضالت فكرية ،لكنو جذابة بل ين ّقب فيها ّ عدتو يف اظتسائل الشرقية آنذاك كانت يف كثَت يقدم حلوالً بل خيارات .ومع أن ّ أبداً ال ّ من األحيان تستند إىل غتلدات اظتوسوعات اظتتنوعة -وخصوصاً اإلنسكلوبيديا الربيطانية واألظتانية والفرنسية -اليت رافقتو منذ طفولتو حىت آخر حياتو ،فإنو كان يضاىي تلك اظتعلومات مبصادر من لغات أخرى أتقنها وصوالً إىل االستنتاج اظتناسب. وىذا ما فعلو مثالً يف دراستو اظتهمة "مًترتو ألف ليلة وليلة"اليت قام من خالعتا مبراجعة تررتات ؼتتلفة بلغات عدة عتذا العمل اإلنساين العظيم الذي عشقو وبالغ يف استثمار عناصره (.)19 مجلت رؤى فكريت – العذد السابع – فيفري 8102 70 أ.باهرة محمذ عبذ اللطيف بورخس ومصادره االستشراقيت ِ ولعل أعظم ما أتيح لو ىو فرصة قراءة آداب الشعوب األخرى بلغاهتا فهو مل يقف على أعتاب الثقافات األخرى بل تو ّغل فيها وارحتل مستكشفاً الكثَت ؽتا يفوت عادة على قراء الًترتات فقط .وهبذا كان يتفادى التسليم مبا تنطوي عليو تلك الًترتات من أحكام ومن أخطاء بريئة -أو متعمدة -باستثناء بعض اللغات اليت كان كتهلها ومن بينها العربية .مع ذلك فقد خصص ،ومنذ وقت مبكر ،مساحة من جهده لفهم اللغة العربية وألفاظها وقواعدىا ومعانيها ،فضالً عن النتاج األديب والفكري اظتكتوب هبا .بل وحاول مذ كان يف العشرين من عمره أن يتعلمها يوم كان يعيش يف أشبيلية بإسبانيا مع والديو (.)20 بورخس واالستشراق البريطاني: لقد كان االستشراق اإلؾتليزي ىو فاحتة الطريق الذي وصل بورخس بشرق توارث االفتتان بو عن أبيو .ومنذ الطفولة األوىل كان تراث اظتستشرقُت اإلؾتليز الذي أىم زخرت بو مكتبة والده اضتافلة مبؤلفاهتم ىو اظتعُت األول ،ورأينا كيف أ ّن من أوىل و ّ األعمال اليت قرأىا يف صغره كان كتاب "ألف ليلة وليلة" بًترتة بَتتون .والالفت لالنتباه أن أول عمل تررتو بورخس يف طفولتو ونشره لو والده ،وىو مل يتجاوز الثانية عشرة من عمره بعد كان قصة "األمَت السعيد" ألوسكار وايلد ) .(Oscar Wildوىي حكاية رتيلة فيها عناصر شرقية تتحدث عن دتثال األمَت والطائر الذي يريد أن يرحتل إىل مصر ،وفيها إشارات إىل النيل واألىرامات وأيب اعتول .مث قرأ يف شبابو وكهولتو مؤلفات ال حتصى لكبار األدباء اظتهتمُت بالشرق واظتستشرقُت اإلؾتليز ،وأعجب بكثَت مطولة من كتاباتو وحتليالتو النقدية .وال ننسى ىنا كا راليل منهم وأفرد عتم صفحات ّ ) (Thomas Carlyleالذي أعجب بو وكتب عن عملو اظتعروف "عن األبطال وعبادة حتدث فيو عن شخصية النيب ػتمد (ص) .وال يسعنا يف ىذه العجالة إال البطل" الذي ّ رحالة ومغامرين بريطانيُت ،ؽتن أن نورد بعض تلك األشتاء اظتعروفة ّ لكتاب وأدباء أو ّ اىتموا بالشرق وانعكس ذلك يف كتاباهتم ،منهم من جاب الشرق ووضع كتباً مجلت رؤى فكريت – مخبر الذراساث اللغويت واألدبيت – جامعت سوق أهراس 71 أ.باهرة محمذ عبذ اللطيف بورخس ومصادره االستشراقيت ِ ودراسات فيو ألغراض متعددة ،بعضها يتجاوز اعتاجس األديب ليصبح أداة للسياسي: ريتشارد بَتتون ،توماس كا راليل ،أتش جي ويلز ) ، (H.G.Wellsبرناردشو (Bernad ) ،Shawإدوارد لُت ،مونتجمري وات ) Watt ،(Montgomeryإدوارد جيبون ) ،(Edward Gibbonتشيسًتتون )،(Chestertonدي كنس)، (Di Quincey يت أي لورنس) ،(T.E.Lawrenceاللورد بايرون () 21 )Byron ، (Lord شيللي)...(Shelly القائمة تطول إال أ ّن ما يعنينا ىنا ىو أ ّن بورخس اطّلع على كتابات اظتستشرقُت اظتتحاملُت على اإلسالم ،ؽتن غمطوا العرب ح ّقهم كصناع ثقافة وشركاء يف اضتضارة اإلنسانية ،بيد أنّو مل يقع أسَت النظرة الشوفينية اظتناوئة للعرب واظتسلمُت وتراثهم ،بل راح يعرض الكثَت من أفكار اظتستشرقُت اظتنصفُت ويفرد عتا مساحات من كتاباتو ويرددىا يف حواراتو ،ألنو يدرك حجم اإلسهام الفكري اإلنساين الذي خلفتو معٍت باصتانب الثقايف - اضتضارة العربية واإلسالمية ،وأل ّن بورخس ّ ظل طوال حياتو ّ وصرح بو يف أحاديثو الصحفية. اظتعريف أكثر من السياسي يف كل ما قرأ وكتب ّ بورخس واالستعراب اإلسباني: مل يكن بورخس ككاتب أرجنتيٍت ينتمي إىل اظتركزية األوروبية واستشراقها دتاماً، بل كان ينتمي أو ًال إىل االستشراق اإلسباين -األمريكي الالتيٍت ،أما االستشراق الربيطاين فقد فتح أبواب الشرق اظتعرفية أمامو على مصراعيها منذ طفولتو األوىل قبل أن يتعرف عليو الحقاً ك شرق (مشرقن) على يد حركة االستشراق الكولونيالية .وبوسعنا القول إ ّن االستعراب – وليس االستشراق -اإلسباين ،من خالل تراث العرب اظتسلمُت وما خلفوه من شواىد آثارية قائمة يف األندلس حىت يومنا ىذا ،كان التجسيد األول لقراءاتو اإلؾتليزية عن الشرق الفانتازي الذي سكن خيال الصيب مبغامرات "ألف ليلة وليلة" .وىكذا راحت قصائده حتفل بإشارات لًتاثهم ،وىو بعد يف مطلع عشريناتو وصارت تًتدد أشتاء ظتعامل عربية إسالمية ،كقصر اضتمراء وجامع قرطبة ،وإشارات إىل مجلت رؤى فكريت – العذد السابع – فيفري 8102 72 بورخس ومصادره االستشراقيت ِ أ.باهرة محمذ عبذ اللطيف ضمها شخصيات من تاريخ اإلسالم ورسولو وخلفائو .ومل يًتدد يف القول يف قصيدة ّ ديوانو الشعري األول الذي أصدره لدى عودتو من إسبانيا عام 1923بأ ّن يف عروقو تسري دماء أسالف ىم: "الساكسون والعرب والقوط /الذين من غَت أن أدرك أؾتبوين" (.)22 يف إسبانيا التقى بورخس بتاريخ العرب واظتسلمُت وقصصهم ومالزتهم وعما رهتم ،بفالسفتهم وشعرا ئهم وأبطاعتم ،بانتصاراهتم وانكساراهتم ،واستلهم من كل مهمة أثّرت فيو ،ىو تعرف على شخصية ّ ذلك الكثَت يف قصصو وقصائده .ىناك أيضاً ّ الكاتب اإلسباين اإلشبيلي رافائيل كانسينوس أسينس Rafael Cansinos Assens ( )1964-1882الشاعر والروائي والناقد واظتًتجم الذي رتع ثقافة الشرق والغرب، حتول إ ىل وكان يزىو بقدرتو على "حتية النجوم بأربع عشرة لغة" .كان ىذا الكاتب قد ّ اليهودية بعد أن اكتشف أن جذوره تعود إليها ،وأن أسالفو قد حتولوا إىل اظتسيحية خوفاً من بطش ػتاكم التفتيش .وقد كتب وترجم يف غتاالت ؼتتلفة حبكم تنوع قراءاتو بلغات عدة من بينها ،العربية اليت كتب هبا أجزاء من مذكراتو حول اضترب األىلية اإلسبانية .وقد ترجم لغوتو Goethe ودستويفسكي Dostoïevski وبلزاك Balzac وباربوس بلغاهتم ،وترجم أيضاً من العربية ؿتو اإلسبانية القرآن الكرًن وكتاب "ألف ليلة وليلة" ،ووضع كتاباً يف سَتة الرسول ػتمد (ص) بعنوان "ػتمد والقرآن" حتدث فيها بتقريض كبَت وإعجاب بشخصية الرسول بوصفو واحداً من أعظم العباقرة – كموسى وزرادشت Zoroastre وبوذا Bouddha وكونفوشيوس - Confuciusالذين أؾتبتهم متص اصتميع ( .)23كما نقل عن الفارسية البشريةّ ، وحث على قراءة القرآن كونو مرجعاً ّ قصائد من الشعر الصويف للخيام وشَتازي وجامي وسعدي والعطار وآخرين .وكان ىذا اظتستشرق اإل سباين من أىم الشخصيات اليت أثرت يف بورخس حُت التقاه يف إسبانيا خصو بورخس فيما بعد بأكثر من قصيدة ومقال ،من بينها يف مطلع عشريناتو .وقد ّ مقالو "كانسينوس وألف ليلة وليلة" ( ،)1960واحتفظ معو بصداقة واحًتام دفعاه ألن مجلت رؤى فكريت – مخبر الذراساث اللغويت واألدبيت – جامعت سوق أهراس 73 أ.باهرة محمذ عبذ اللطيف بورخس ومصادره االستشراقيت ِ يناديو طوال حياتو بـ" معلّمي" ألنّو كان يرى فيو عاظتاً معرفياً مصغراً رتع الشرق والغرب يف ثقافتو ونتاجو الفكري ،عاظتاً يليب تطلّعاتو ؿتو الكونية. من تراث األندلس أيضاً استلهم بورخس شخصيات معروفة يف التاريخ العريب اإلسالمي كابن خلدون -كما رأينا آنفاً -كما وظّف رواية ابن رشد وموقف اظتستشرق قصتو اظتعروفة "حبث رينان ) (Ernest Renanمنو يف كتابو "ابن رشد والرشدية" ،يف ّ ابن رشد" .وأفاد من الًتاث الفلسفي اإلسالمي فاستلهم اظتذىب الظاىري يف قصتو اظتشهورة "الظاىر" ( .)24وكذلك أشار يف كتاباتو إىل الكثَت من الشخصيات العربية واإلسالمية كهارون الرشيد واظتأمون وعمر بن اطتطاب (رضي اهلل عنو) وطارق بن زياد وموسى بن نصَت وسواىم من الشخصيات التارمتية ،اليت نسج منها قصائد وقصصاً ومقاالت .دتاماً كما أفاد من قبل من شخوص وعناصر السرد يف "ألف ليلة وليلة" (شهرزاد ،شهريار ،السندباد ،طائر الرخ ،جبل قاف )..وأعمل فيها قلمو النقدي عده األرتل يف العامل ،ويف بناء ىذا العمل مفسراً وشارحاً ومتأمالً يف العنوان الذي ّ الفٍت وأسلوبو ومضامينو. الثري هنل بورخس من تأثَتات الثقافتُت العربية ومن الًتاث األديب اإلسباين ّ واإلسالمية ،فأعجب برواية سربانتس " Cervantesالدون كيخوتة" اليت قرأىا يف طفولتو باإلؾتليزية وكتب عنها نقداً واستلهمها يف عملو القصصي "بيار مينارد مؤلف الكيخوتة"( .)25وكما ىو معروف فإ ّن ىذا العمل اإلنساين اطتالد حافل يف مواضع كثَتة بتأثَتات الثقافة العربية واإلسالمية ،وكان ثربانتس ؽتن تعاملوا باحًتام مع الدين اإلسالمي برغم أعوام األسر اليت قضاىا يف اصتزائر ( .)26كما أن بورخس قرأ وتفاعل مع مؤلفات إ سبانية أخرى كثَتة زاخرة باألجواء والتأثَتات العربية اإلسالمية ،من بينها "ملحمة السيد القمبيطور" ()27 وكتاب "اضتب احملمود" طتوان رويث Juan Ruiz وىو العمل اظتتأثّر مبؤلّف "طوق اضتمامة" البن حزم األندلسي (.)28 مجلت رؤى فكريت – العذد السابع – فيفري 8102 74 ، بورخس ومصادره االستشراقيت ِ أ.باهرة محمذ عبذ اللطيف لقد قرأ بورخس –وىذا ما نستنتجو من خالل كتاباتو -مؤلفات لكبار أقتهم: اظتميزة ومن ّ اظتستعربُت من نتاج حركة االستعراب اإلسباين ذي اطتصوصيات ّ آسُت باالثيوس ) ( Miguel Asín Palaciosالذي ّنبو إىل التأثَتات اإلسالمية يف "الكوميديا اإلعتية" من خالل كتابو "دانيت واإلسالم" ( )1927كما أصدر كتاب "آثار اإلسالم" عام .1941وكذلك دراسات أمَتكو كاسًتو ) (Américo Castroاظتهمة اليت ّنبهت اإل سبان لتاريخ العرب يف األندلس ،واظتستعرب أميليو غارثيا غوميث ) (Emilio García Gómezالذي ترجم إىل اإلسبانية مؤلف "طوق اضتمامة" والكثَت من الشعر العريب األندلسي واصتاىلي. بورخس واالستشراق الفرنسي: مل يقتصر ىذا الولع االستشراقي البورخسي على النهل من اظتصدرين اإلؾتليزي أطل بورخس على النتاج واإلسباين فقط يف التعرف على الشرق العريب اإلسالمي ،بل ّ االستشراقي الفرنسي وخصوصاً ما ألّفو كبار الكتاب الفرنسيُت حول ىذا الشرق .فقد تعلم بورخس الفرنسية يف اطتامسة عشرة من عمره حُت أقام مع أسرتو يف جنيف وأتقنها إىل جانب األظتانية ،وتعرف على أعمال كبار األدباء واظتفكرين بكلتا اللغتُت. وىناك أيضاً قرأ بالفرنسية عتوغو) (Victor Hugoوالكساندر دوماس (Alexandre ) Dumasوفلوبَت)Flaubert وفَتلُت )Verlaine (Paul (Gustaveوموباسان ورامبو)Rimbaud ) De Maupassant (Arthurوبودلَت (Guy (Charles )Baudelaireوالمارتُت Lamartine) (Alphonse deوغوستاف لوبون (Gustave وخصهم باىتمامو يف الكثَت ) Le Bonولويس ماسينيون )ّ ..،(Louis Massignon الكتاب على موضوعة الشرق ،مع اختالف من مقاالتو ،ومعلوم مدى انكباب ىؤالء ّ الرؤى. تذكر الكاتبة أليثيا خورادو ) (Alicia Juradoيف كتاهبا عن بورخس ،وكانت حد ثها عن أول رواية قرأىا بالفرنسية يف جنيف ،عندما مقربة لو ،أ ّن بورخس ّ صديقة ّ مجلت رؤى فكريت – مخبر الذراساث اللغويت واألدبيت – جامعت سوق أهراس 75 أ.باهرة محمذ عبذ اللطيف بورخس ومصادره االستشراقيت ِ سن اطتامسة عشرة ،وىي رواية "تارتاران من تاراسكون" أللفونس دوديو كان يف ّ ) )1872((Alphonse Daudetاليت تدور أحداثها ومغامرات بطلها يف اصتزائر (.)29 وىذا االختيار يؤكد من جديد اىتمامات بورخس الفىت اظتبكرة .رمبا ألهنا بأجوائها الشرقية مثّلت لو امتداداً لعوامل "ألف ليلة وليلة" اليت عشقها منذ طفولتو ولشرقها الذي اؾتذب إليو. بورخس واالستشراق األلماني أما اخصوص مصادره االستشراقية األخرى ،ونعٍت هبا األظتانية حتديداً ،فقد قرأ بورخس يف جنيف أيضاً باألظتانية ويف سن مبكرة مؤلفات كانت )(Immanuel Kant وشوبنهاور )(Arthur Schopenhauer وأقبل على قراءة األعمال األدبية لغوتو ) . (Goetheومعروف مدى إعجاب غوتو بالشعر العريب والًتاث اإلسالمي واىتمامو باظتتنيب وأيب دتام وشعراء اظتعّلقات وسواىم ،وببعض الشعراء الفرس بنحو خاص ّ كحافظ الشَتازي والفردوسي وجالل الدين الرومي ،وىو اظتسار الذي انتهجو بورخس الحقاً باالىتمام هبذه الرموز الشعرية العربية واإلسالمية عرب قراءاتو األظتانية وتوظيف ىذه الشخصيات ونتاجها األديب يف كتاباتو واإلشارة إليها يف أحاديثو (.)30 وال متفى على اظتعنيُت بشؤون وشجون االستشراق الغريب ،أن االستشراق األظتاين نأى دوماً بنفسو عن اظتشروع الكولونيايل يف منطقتنا .وىكذا تشرب بورخس كتاب أظتانيا ومستشرقيها بعيداً ىذه اظتوضوعات الشرقية عرب قراءاتو واىتمامو بفالسفة و ّ عن النظرة االستشراقية التقليدية السالبة ،والنربة الشوفينية اظتتعالية لبعض اظتستشرقُت الغربيُت .وقد ساعده يف ذلك أنو استوعب نتاجات الفالسفة والكتاب األظتان بلغتهم، دتاماً كما فعل مع كتابات اظتستشرقُت اإلؾتليز واألمريكان -واشنطن إيرفنج -ومع الفرنسيُت واإليط اليُت ،واإلسبان بطبيعة اضتال. ختص العامل ومل يكتف بورخس بقراءة نتاج ىؤالء اظتستشرقُت وموضوعاهتم اليت ّ العريب واإلسالمي ،بل تأثّر هبم وكتب عنهم وعنها مراراً وذكرىم يف حواراتو ولقاءاتو مجلت رؤى فكريت – العذد السابع – فيفري 8102 76 أ.باهرة محمذ عبذ اللطيف بورخس ومصادره االستشراقيت ِ قدم للًترتات اليت صدرت عن أعماعتم باللغة الصحفية وػتاضراتو ،وترجم لبعضهم أو ّ اإلسبانية. بورخس واالستشراق األمريكي الالتيني: غالباً ما يُقرن االستشراق بالعامل الغريب ،األورويب والواليات اظتتحدة األمريكية، إال أ ّن الواقع يثبت أ ّن ىذه الظاىرة امتدت لتشمل العامل كلو مبا يف ذلك القارة األمريكية الالتينية (الناطقة باإلسبانية والربتغالية) على الرغم من بعد اظتسافة اصتغرافية. القارة وقد بدأ ذلك االىتمام مب ّكراً نظراً لوجود تأثَتات إسالمية وعربية واضحة يف ىذه ّ يرجح طروحات القائلُت بانتقال ىذه العناصر إليها مع منذ زمن بعيد ،األمر الذي ّ زتالت ماجالن Fernand de Magellan وكرستوفر كولومبس Christophe ()31 حتدثت عن . Colombوالحقاً ذتّة الكثَت من األعمال األدبية واظتؤلفات اليت ّ للحج إىل األرض ومبشرون قصدوا الشرق ورحالة ّ الشرق وضعها أدباء ومثقفون ّ ّ اظتقدسة يف فلسطُت ،أو لزيارة مصر أو مشال أفريقيا .ولعل أول ىؤالء ىو فرانثيسكو مَتاندا Francisco de Miranda الذي زار مليلة يف عام 1774م ،ومن مث زار مصر والدولة العثمانية عام 1786وكتب الكثَت من التعليقات اليت امتدح فيها روعة اظتدن، وحسن التنظيم وقارن بُت ما رأى من نظافة األتراك وقذارة الفرنسيُت (.)32 ويف القرن التاسع عشر ذىب دومينغو فاوستينو سارميينتو (Domingo )Faustino Sarmiento الكاتب والسياسي -ورئيس األرجنتُت (- )1874-1868 إىل اصتزائر وكتب "رحالت يف أوروبا وأفريقيا وأمريكا" ،وأصدر أيضاً كتابو الشهَت "فاكوندو" الذي عكس الكثَت من العناصر الشرقية .كذلك قام الكاتب الصحفي مانسيا )(1831-1913) (Lucío Victorio Mansilla لوثيو بيكتوريو ّ والدبلوماسي ّ بزيارة البحر األزتر ومصر وألّف كتاباً بعنوان "زيارة إىل األىرامات" (.)33 الكتاب الذين اىتموا بالشرق، ّأما يف القرن العشرين ،فقد ظهر عدد كبَت من ّ خاصة يف األرجنتُت حيث برزت أشتاء ظتث ّقفُت من أمثال :أـتل أسًتادا (Ángel de مجلت رؤى فكريت – مخبر الذراساث اللغويت واألدبيت – جامعت سوق أهراس 77 أ.باهرة محمذ عبذ اللطيف بورخس ومصادره االستشراقيت ِ ) )1918-1840(Astradaالذي أظهر ولعاً شرقياً يف عدة أعمال من بينها "صوت حتدث عن رحلتو إىل مصر ،وألبارو ميليان الفينور (Álvaro النيل" ( )1903وفيو ّ ) Millán Lafinurوكارلوس ألداو ) (Carlos Aldaoوأرنيستو كيسادا (Ernesto )Quesada )Galvéz وريكاردو غويرالديس )(Ricardo Güiraldes ومانويل غالبيث .)34(...(Manuelوقد استأثر عامل الشرق باىتمامهم ووجدوا أنفسهم مدفوعُت برغبة اكتشاف ذاك العامل الذي مثّلت "ألف ليلة وليلة" ّبوابتو ،وىو ما حدث مع الكاتب ليوبولدو لوغونيس ) (Leopoldo Lugonesوجيل اضتداثة األدبية الناطقة باإلسبانية ،ورمزىا األشهر الشاعر روبن داريّو باستدعاءاتو وإحاالتو الشرقية .كانت رغبة ىؤالء تتخطى مسألة االؾتذاب العابر ؿتو )Darío (Rubénاظتعروف غرابة الشرق أو البحث عن معادل روحي أو صويف ،يستعيضون بو عن مادية الغرب أو أفول قيمها يف أعقاب اضترب العاظتية األوىل؛ إذ كانوا كلهم تقريباً قد جابوا ؼتتلف البالد ال شرقية يف الوقت عينو الذي زاروا فيو أوروبا أو الواليات اظتتحدة األمريكية. وكانت نقطة االنطالق بالنسبة إليهم أيضاً ،ىي قراءة العمل اطتالد "ألف ليلة وليلة" بًترتاتو اظتتعددة ابتداء بغاالن ومروراً ببَتتون ولُت وماردروس .وذتة الكثَت من تبُت مدى االىتمام األعمال االستشراقية اليت مل ختضع بعد للدراسات اظتعمقة ،وكلها ّ بالعرب وثقافتهم وباظتسلمُت وديانتهم .وقد تنبهت عتذا األمر بعض اصتامعات يف توجو اىتمامها ؿتو دراسات االستشراق وذلك يف أعقاب أمريكا الالتينية فأخذت ّ التحول الذي طرأ على األصداء الكبَتة اليت أحدثتها آراء اظتف ّكر الراحل إدوارد سعيد ،و ّ كرد فعل على كتابو "االستشراق". الدراسات االستشراقية ّ على أية حال فإن "الشرق" الذي طرحو استشراق "األطراف" األمريكي ظل يًتاوح ما بُت الواقعي واظتتخيل ،مالػتو تكاد دتاثل يف بعض األوجو الالتيٍت ّ االستشراق الغريب ،ولكنو يبقى ؼتتلفاً من حيث األىداف ،فهو ال يشاطر االستشراق مجلت رؤى فكريت – العذد السابع – فيفري 8102 78 أ.باهرة محمذ عبذ اللطيف بورخس ومصادره االستشراقيت ِ "الكالسيكي" طروحاتو االستعمارية واإلمربيالية اليت وشتت حركة االستشراق الغريب اظتركزي. ويف ىذا السياق برز االىتمام برموز الثقافة العربية واإلسالمية ،من خالل مؤلفات روبن داريّو النيكاراغوي ( )1867وخوليو ّإريرا إي ريسيغ (Julio Herrera )(Y Reissigأوروغواي) ولوغونيس وسارميينتو (األرجنتُت) وخوسيو ماريت (José كتاب الحقُت كبورخس (األرجنتُت) وجورج أمادو )( Martíكوبا) .وتواصل على يد ّ )((Jorge Amadoالربازيل) واوكتافيو باث )( (Octavio Pazاظتكسيك) وغابرييل غارثيا ماركيث )Lima )Cohello )García Márquez ( (Gabrielكولومبيا) وليثاما ليما (Lezama وأليخو كاربنتيَت ) ((AlejoCarpentierكوبا) وباولو كويللو (Paulo الربازيلي اظتعاصر .وكان للهجرة العربية إىل أمريكا الالتينية يف هناية القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين ،أثر كبَت يف لفت األنظار إىل الشرق مع وصول اظتهاجرين العرب الذين كانوا لتملون جنسية الدولة العثمانية ،األمر الذي حدا بالس ّكان األصليُت يف بلدان أمريكا الالتينية على مناداهتم بـ"األتراك" ،وىو ما يسهل تقصيو يف أعمال الكثَت من الكتاب الذين وردت أشتاؤىم آنفاً (.)35 ّ الخاتمة أطل على الشرق عرب بوابات يبقى بورخس فتوذجاً فريداً يف عامل االستشراق ،ألنو ّ االستشراق األديب اظتتعددة ،األوروبية واألمريكية الالتينية ،واغًتف من تراثو لذا فهو ال يقف فيو موقف اظتهيمن اظتتعايل على اآلخر ،بل وظف معارفو لصاحل األدب واظتعرفة وحسب .هبذا يصلح أن يكون فتوذجاً لالستشراق الالنفعي ،االستشراق اظتعريف الذي يكتفي باظتعلومة لذاهتا هبدف االستمتاع الفكري واللذة األدبية اليت ينشدىا القارئ. وما إعجابو الشديد بـ"ألف ليلة وليلة" بدءاً بالعنوان ومروراً باظتضمون واألسلوب وصو ًال إىل تقليد بعض حكايات ىذا العمل أو انتحال مقاطع منو ،إال فتوذج ساطع عتذه اظتتعة اليت حبث عنها يف قراءاتو ( .)36وىذا ما أوضحو يف كتاباتو ،خصوصاً حول مجلت رؤى فكريت – مخبر الذراساث اللغويت واألدبيت – جامعت سوق أهراس 79 أ.باهرة محمذ عبذ اللطيف بورخس ومصادره االستشراقيت ِ كتاب "ألف ليلة وليلة" فهو مل يوظّفو لسإساءة للعرب واظتسلمُت على غرار ما فعل قدموا من خاللو "اضتياة العربية واإلسالمية وكأهنا كينونة كثَت من اظتستشرقُت الذين ّ قدرية نتتطيها سالطُت قساة ،وتنخرىا شهوانية تعدد الزوجات واضترًن ،كينونة ال يتوفر () 37 حتدث عنو ككتاب يهدف إىل اظتتعة اضتد األدىن من األمان أو التي ّقن" ،بل ّ فيها ّ اطتالصة والتسلية وهبجة االستكشاف .كما أ ّن بورخس اليميٍت بأفكاره احملافظة مل يتعامل مع ىذا اظتؤلف كوثيقة اجتماعية وتارمتية ،بل كنمط قصصي فولكلوري يراد منو اإلمتاع والتسلية واضتكمة .وىو يف حديثو عن الشرق والغرب ينطلق من فكرة اضتوار بُت االثنُت ،مردداً أن "ألف ليلة وليلة" قد مثّلت "حواراً" بُت الشرق والغرب ،حواراً مل متل من بعض اضتلقات الدامية باعًتافو ىو. تقدم بوسعنا القول إ ّن مصادر بورخس االستشراقية اظتتعددة بكل ما لكل ما ّ قرأه واطّلع عليو من نتاجات أدبية وفنية وفكرية ،تنتمي إىل العاظتُت العريب واإلسالمي وتأثّره هبا وتفاعلو معه ا من خالل قصصو وشعره ومقاالتو ،نتكن أن يندرج حتت عنوان االستشراق اظتعريف وجتسيده األرقى :األدب .وقد ذىب إىل أبعد من ذلك حُت شعر حباجتو إىل التعمق يف معرفة ىذا الشرق ،من خالل تعّلم لغتو العربية يف أخريات أيامو مدرس مصري ( ،)38إال أن اظتوت قطع مشروعو يف قراءة تراث شرق يف جنيف على يد ّ عرفو وهنل منو الكثَت عرب لغات أخرى (.)39 الهوامش: معدة تبحث يف دوافع ىذا -1بورخس واالستشراق األديب واظتعريف :ىو عنوان دراسة أخرى ّ االستشراق ومظاىره لدى بورخس ،انطالقا من طروحات اظتستعرب األسباين الكبَت الربوفيسور بيدرو مارتينيث مونتابيث اليت تؤكد على تعدد أشكال ودوافع االستشراق وضرورة التعامل مع كل نوع من االستشراق حسب طبيعتو وأىدافو. -2كتب بورخس زاخرة هبذه اآلثار من بينها دواوينو الشعرية" :توىج بوينوس آيريس"" ، اآلخر والذات"" ،الصانع"" ،مديح الظل"" ،ذىب النمور"" ،العملة اظتعدنية"، "الرقم "" ،اظتتآمرون" . ..وكذلك أعمالو القصصية" :التاريخ الكوين للعار"، مجلت رؤى فكريت – العذد السابع – فيفري 8102 80 بورخس ومصادره االستشراقيت ِ باهرة محمذ عبذ اللطيف.أ "حجم: ومن كتبو النقدية. .." "كتاب الرمل،" "تقرير برودي،" "األلف،""قصص " "سبع ليال،" "استقصاءات أخرى،" "تاريخ األبدية،" "لغة األرجنتينيُت،"أملي .وسواىا من األعمال فضالً عن تلك اليت كتبها باالشًتاك مع كتاب آخرين 3- José Ramírez del Río; “Borges, Al- Mundir de Hira y La Lotería de Babilonia”, Variaciones Borges, 16/ 2003, p. 16, Universityof Aarhus, Dinamarca. 4- Barnatán, Marcos- Ricardo, Borges, Biografía Total, Temas de Hoy, Biografías, 1995, España, pág. 51. 5- Norman Thomas, Di Giovanni, Autobiografía (1899-1970). Título original AutobiographicalEssay, El Ateneo, Argentina, 1999, p. 29. 6- Borges, Jorge Luis, ObrasCompletas III, EMECE Editores, Barcelona, 1997, P. 68. 7- Borges, Jorge Luis,Museo, ObrasenColaboración, EMECÉ, Argentina, 2002, p. 94. 8- Borges, Obras Completas I, p.582. 9- Borges, Jorge Luis. Borges, libros y lecturas, Catálogo de la colección Jorge Luis Borges en la Biblioteca Nacional. Edición, estudio preliminar y notas: Laura Rosato y Germán Álvarez. Biblioteca Nacional, Buenos Aires, 2011 10- Borges en SUR, 1931-1980, EMECE, 1ª edición, España, 1999. 11- Ortiz, Lautaro. Árabes 1: Poemas, crónicas y relatosenSudamerica, EIMFC, p. 17. 12- Borges, Jorge Luis y Casares, Adolfo Bioy: Seis problemas para don Isidro Parodi. EMECÉ, Argentina,1995. 13- Borges, Jorge Luis, Siete Noches, Las Mil y Una Noche, Obras completas, p. 232. 14- Borges, Autobiografía. P. 25- 26. : من أقتهم،كتاب سَتة بورخس كثَتون -15 Emir Rodríguez Monegal, María Esther Vázquez, Alicia Jurado, Roberto Alifano Alejandro Vaccaro, Woscoboinik, SilvinaBulrich, Estela Cano, Sara Kriner de Haines, … 16- Matamoro, Blas: Diccionario privado de JLB, Ediciones Altalena, Madrid 1979 17- Bravo, Pilar y Paoletti, Mario: Borges Verbal. EMECÉ, España, 1999, p.62- 63. 18- Monegal, Rodríguez: Borges. Una biografía literaria,México, fondo de Cultura Económica, 1987 81 مجلت رؤى فكريت – مخبر الذراساث اللغويت واألدبيت – جامعت سوق أهراس بورخس ومصادره االستشراقيت ِ باهرة محمذ عبذ اللطيف.أ 19- Borges, Jorge Luis: Obras Completas I, EMECE Editores, Barcelona, 1997, 793 p. 20- Borges, Textos recobrados (1956-1986), “El taller del escritor”, Buenos Aires, 2003, p. 353. 21- British RomanticWriters and the East: AnxietiesofEmpire, byNigel Leask, James Chandler (Editor), Marilyn Butler (Editor). 22- Borges, Jorge Luis, Obras Completas I, EMECE Editores, Barcelona, 1997, p. 51. 23- Assens, Rafael Cansinos, Mahoma y el Korán, Arca Ediciones, Madrid 2006, p. 11. 24- Borges, Jorge Luis, El Aleph, El Zahir, Obras Completas I, p. 589. 25- Borges, J. L. ObrasCompletas I, P.444. 26- Medina, Antonio: Cervantes y el Islam, El Quijote a Cielo Abierto. CARENA, 2005. نتكن أيضاً مراجعة أطروحة الدكتوراه للباحث الدكتور ػتسن الرملي من العراق ." "تأثَتات الثقافة اإلسالمية يف الكيخوتة:حول وقدم عتا بدراسة قيّمة صدرت عن دار ّ قام بًترتتها الدكتور الطاىر أزتد مكي-27 حتت عنوان "ملحمة السيد أول ملحمة أندلسية1970 اظتعارف بالقاىرة عام ."كتبت باللغة القشتالية :"تنظر دراسة الدكتور وليد صاحل اطتليفة "البصمة العربية يف كتاب اضتب احملمود -28 http://www.hottopos.com/collat6/waleed.htm 29- Jurado, Alicia, Borges. Genio y Figura de Jorge Luis Borges, EUDEBA S. E. M., Buenos Aires, 1997, p 40. تنظر الًترتة العربية لكتاب "جوتو وبعض شعراء العصر اإلسالمي" تأليف كاتارينا .2005 بغداد، تررتة الدكتور عدنان عباس علي ديوان اظتسار،مومسزن -30 31- Macías Brevis, Sergio, InfluenciaÁrabeen las LetrasIberoamericanas, Fundación CajaRual. Spain, 2009. 32- De Miranda Francisco, Colombia, Caracas, Presidencia de la república, 1979. 33- Taboada, Hernán G. H., Un Orientalismo Periférico: Viajeros Latinoamericanos, 1786-1920. Estudios deAsia y Africa XXXIII, 2, 1998. 82 8102 مجلت رؤى فكريت – العذد السابع – فيفري أ.باهرة محمذ عبذ اللطيف بورخس ومصادره االستشراقيت ِ 34- Gasquet, Axel:TRANSMODERNITY: JournalofPeripheral Cultural Productionofthe Luso-HispanicWorld, 2(2), 2013. http://escholarship.org/uc/item/5b75d9bd#page 35- G. H. Taboada, Hernán, Los orientales y el nombre. Estudios de Asia y África, vol. XLV, núm. 1, enero-abril, 2010, pp. 201208, El Colegio de México. México. 36-Jorge Luis Borges, Siete Noches, “Las Mil y Una Noches” O.C. IV, EMECÉ, p. 232. -37 ينظر كتاب الدكتور ػتمد الدعمي "االستشراق ،االستجابة الثقافية الغربية للتاريخ العريب اإلسالمي" ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بَتوت ،2006ص. 208 -39 ىذا الوجو االستشراقي اظتعريف ال ينفي اصتانب اآلخر من شخصية بورخس واىتمامو صب يف الشديد باليهودية كأفق معريف إنساين يف بادئ األمر ،ليغدو الحقاً موقفاً ّ 38-Fernández- Santos, Elsa, “Borges se agranda después de Borges”, El País, el 11 de junio de 2011. مصلحة الكيان الصهيوين الذي احتفى كثَتا ببورخس ما أدى إىل حجب الوجو االستشراقي اظتعريف (العريب-اإلسالمي) لو .وىو موضوع دراسة معمقة ال يتسع عتا اجملال يف ىذا البحث. مجلت رؤى فكريت – مخبر الذراساث اللغويت واألدبيت – جامعت سوق أهراس 83