ﻛﻠﻤﻪ ﻣﮫﻤﺔ: ھﺬا اﻟﻌﻤﻞ )ﺗﺤﻮﻳﻞ ﻛﺘﺎب :أوراق ﺷﻤﻌﻮن اﻟﻤﺼﺮي ..ﻟﻠﻜﺎﺗﺐ أﺳﺎﻣﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﺮءوف اﻟﺸﺎذﻟﻲ اﻟﻲ ﺻﯿﻐﺔ ﻧﺼﯿﺔ( ھﻮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺧﺪﻣﺔ ﺣﺼﺮﻳﺔ ﻟﻠﻤﻜﻔﻮﻓﯿﻦ ،ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻠﻖ ﺣﺮص اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻣﺎ أﻣﻜﻦ ﻣﻦ دﻋﻢ ﻟﻺﻧﺴﺎن اﻟﻜﻔﯿﻒ ،اﻟﺬي ﻳﺤﺘﺎج أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻏﯿﺮه ﻟﻠﺪﻋﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﻌﻠﻤﻲ واﻟﺘﻘﻨﻲ ﺑﺤﯿﺚ ﺗﻌﯿﻨﻪ ﺧﺪﻣﺎﺗﻨﺎ ھﺬه ﻋﻠﻰ ﻣﻤﺎرﺳﺔ ﺣﯿﺎﺗﻪ ﺑﺎﺳﺘﻘﻼﻟﯿﺔ وراﺣﺔ ،وﺗﻌﺰز ﻟﺪﻳﻪ اﻟﺜﻘﺔ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ واﻻﻧﺪﻣﺎج ﺑﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺸﻜﻞ طﺒﯿﻌﻲ. وﺑﺴﺒﺐ ﺷﺢ اﻟﺨﺪﻣﺎت اﻟﻤﺘﻮﻓﺮة ﻟﻠﻤﻜﻔﻮﻓﯿﻦ ﺣﺮﺻﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﻓﯿﺮ ھﺬا اﻹﻧﺘﺎج ﺑﻘﻨﺎة )ﻣﺘﻤﯿﺰون( ﻟﻠﻜﺘﺐ اﻟﻨﺼﯿﺔ ،وﻧﺤﻦ ﺑﺘﻘﺪﻳﻢ ھﺬه اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻨﻮﻋﯿﺔ ﻧﻄﻤﺢ اﻟﻰ ﻣﺴﺎﻋﺪة اﻟﻜﻔﯿﻒ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎﻻت اﻟﺘﻌﻠﯿﻤﯿﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﯿﺔ وذﻟﻚ ﺑﺘﺴﺨﯿﺮ ﻣﺎ ﻳﺘﻮﻓﺮ ﻣﻦ ﺗﻘﻨﯿﺎت ﺧﺎﺻﺔ ﻟﺘﺤﻮﻳﻞ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻲ ﻧﺼﻮص ﺗﻜﻮن ﺑﯿﻦ أﻳﺪﻳﮫﻢ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺠﺎﻧﻲ ،وﻳﻤﻜﻦ ﻟﺒﺮاﻣﺞ اﻟﻘﺮاءة اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻤﻜﻔﻮﻓﯿﻦ ﻗﺮاءﺗﮫﺎ. أوراق ﺷﻤﻌﻮن اﻟﻤﺼﺮي أﺳﺎﻣﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﺮءوف اﻟﺸﺎذﻟﻲ اﻟﻜﺘﺎب اﻷول َ ﺤﱠﺮَﻣ ٌ ﺳَﻨًﺔ ﻳَِﺘﯿُﮫﻮ َ ﺔ َﻋﻠَْﯿِﮫ ْ ض َﻓَﻼ ﺗَْﺄ َ ﻦ َ ﻢ أَْرﺑَِﻌﯿ َ ل َﻓِﺈﻧﱠَﮫﺎ ُﻣ َ }َﻗﺎ َ س َﻋﻠَﻰ اْﻟَﻘْﻮِم ن ﻓِﻲ اْﻷْر ِ ﺳِﻘﯿ َ ﻦ{ اْﻟَﻔﺎ ِ )ســــــورة اﻟﻤﺎﺋﺪة – (26 ∞∞∞∞∞ }أَﻧَﺎ اﻟﱠﺮ ﱡ ْ ْ َ ب َﻗْﺪ ﺗَ َ ﱠ ﺖ .ﻷَْﻓَﻌﻠَ ﱠ ﻤ ُ ﺸ ِﺮّﻳَﺮِة اﻟ ُ ﻜﻠﱠ ْ ﻦ ھَﺬا ﺑُِﻜ ِ ّ ﺔ َﻋﻠ ﱠ ﺠ َ ﻞ ھِﺬِه اﻟ َ ﻲ. ﻤﺘِﻔَﻘ ِ ﺔ اﻟ ّ ِ ﻤﺎَﻋ ِ ﻓِﻲ ھَﺬا اْﻟَﻘْﻔِﺮ ﻳَْﻔَﻨْﻮ َ ﻪ ﻳﻤﻮﺗﻮن{ نَ ،وﻓِﯿ ِ )ﺳﻔﺮ اﻟﻌﺪد(14 : ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻷوﻟﻰ رددت ﺟﻨﺒﺎت اﻟﻮادي أﺻﻮات اﻷﺑﻮاق اﻟﺘﻲ اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﻦ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻓﻮق ﺟﯿﻞ )ﻧﺒﻮه( ،ﺗﺪﻋﻮ اﻟﻨﺎس ﻻﺳﺘﺌﻨﺎف اﻟﺮﺣﯿﻞ .ﻣﻀﺖ ﺳﻮﻳﻌﺎت ﻗﻠﯿﻠﺔ ﺗﺤﺮﻛﺖ ﺑﻌﺪھﺎ ﺟﻤﻮع اﻟﺸﻌﺐ ﻟﺘﻘﻄﻊ اﻟﺸﻮط اﻷﺧﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﺮﺣﻠﺔ إﻟﻰ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ. اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻐﺮﻗﺖ ﻣﺎ ﻳﻘﺮب ﻣﻦ ﺧﻤﺴﯿﻦ ﻋﺎﻣﺎ .وﻟﻢ ﻳﺘﺒﻖ ﻣﻨﮫﺎ ﺳﻮى ﺑﻀﻌﺔ أﻳﺎم ﻳﻌﺒﺮون ﺑﻌﺪھﺎ ﻧﮫﺮ اﻷردن إﻟﻰ أرض اﻟﻤﯿﻌﺎد .ﺣﻤﻞ زﻋﯿﻢ ﻛﻞ ﺳﺒﻂ ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎط راﻳﺘﻪ وﺳﺎروا ﻓﻲ ﺗﺮﺗﯿﺒﮫﻢ اﻟﻤﻌﮫﻮد .ﺗﻘﺪم ﺑﻨﻮ )ھﺎرون اﻟﺮﻛﺐ ﻳﺤﻤﻠﻮن ﺗﺎﺑﻮت اﻟﻌﮫﺪ ﻋﻠﻰ اﻷﻛﺘﺎف وﻳﻨﻔﺨﻮن اﻷﺑﻮاق ﺑﯿﻦ اﻟﻔﯿﻨﺔ واﻟﻔﯿﻨﺔ .وﻗﺪ اﻧﺴﻞ ﻣﻦ وراﺋﮫﻢ ﻣﺌﺎت اﻷﻟﻮف ﻣﻦ ﺷﻌﺐ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ .ﻳﺜﯿﺮون ﺧﻠﻔﮫﻢ ﺳﺤﺎﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﺎل ھﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ ذﻛﺮﻳﺎت ﻋﺎﺷﻮھﺎ ﻓﻮق ﺟﺒﻞ اﻷﺣﺰان. اﺧﺘﻠﻂ ﺣﻨﯿﻦ اﻟﻨﻮق وﺧﻮار اﻷﺑﻘﺎر ﺑﺒﮑﺎء اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء .ﻓﻸول ﻣﺮة ﻳﺘﺤﺮك اﻟﺮﻛﺐ دون اﻟﻤﻌﻠﻢ واﻟﻤﺨﻠﺺ .ﻓﻘﺪ ﻣﺎت اﻟﻨﺒﻲ )ﻣﻮﺳﯽ(؛ ﻣﺎت ﺑﻌﺪ أن أراه ﷲ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ أﻣﺎم ﻋﯿﻨﯿﻪ ﻣﻦ ﻓﻮق اﻟﺠﺒﻞ اﻷﺣﻤﺮ ﺛﻢ ﻗﺒﻀﻪ إﻟﯿﻪ .ﺗﺎرًﻛﺎ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺬي أﺧﻔﻖ ﻛﺜﯿﺮا ﻣﻦ ﻗﺒﻞ وﺣﺪه .أﻣﺎم اﻻﺧﺘﺒﺎر اﻷﻋﻈﻢ واﻻﻣﺘﺤﺎن اﻷھﻢ .ﻟﻢ ﻳﺪر ﺑﺨﻠﺪھﻢ ﻗﻂ أﻧﻪ ﻣﻔﺎرق .وﻟﺸﺪ ﻣﺎ ﺟﺰﻋﮫﻢ أن ﻳﻐﺎدروا ﻣﻨﺎزﻟﮫﻢ دون أن ﻳﻠﻘﻮا ﻋﻠﻰ ﻧﺒﯿﮫﻢ اﻟﻨﻈﺮة اﻷﺧﯿﺮة .ودون أن ﻳﻌﻠﻤﻮا ﻣﻮﺿﻊ دﻓﻨﻪ .ﻓﻘﺪ أﻣﺮ ﺧﻠﯿﻔﺘﻪ ﯾﻮﺷﻊ ﺑﻦ ﻧﻮﻧﻪ ﺑﺄﻻ ﻳﻌﻠﻢ أﺣﺪ ﻣﻮﺿﻊ ﻗﺒﺮه .وأﻻ ﻳﻮﺿﻊ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﺮه ﺷﺎھﺪ. ذاﺑﺖ ﺳﺤﺎﺑﺔ اﻟﺮﻣﺎل ﺗﺤﺖ طﯿﺎت اﻟﻐﺮام اﻟﻤﺘﺮاﻛﺒﺔ أﺳﻔﻞ اﻟﺴﻔﺢ .وﺗﺒﺪدت أﺻﻮات اﻟﺠﻤﻮع أﻣﺎم ﺻﻔﯿﺮ اﻟﺮﻳﺎح اﻟﻤﺘﺴﺎرﻋﺔ ﻓﻮق اﻟﺠﺒﻞ اﻟﻤﻮﺣﺶ .وﻟﻢ ﺗﻤﺾ دﻗﺎﺋﻖ ﺣﺘﻰ ﻣﺎﻟﺖ اﻟﺸﻤﺲ إﻟﻰ اﻟﻐﺮوب .ﺗﻮﻛﺄ ﻋﻠﻰ ﻋﺼﺎه ﺛﻢ ﻗﺎم ﻣﻦ ﺟﻠﺴﺘﻪ واﺗﺠﻪ إﻟﻰ ﺑﺎب اﻟﻐﺎر اﻟﺬي آوي إﻟﯿﻪ طﻮال ﺷﮫﺮ ﻣﻀﻰ ﻣﻨﺬ وﻓﺎة اﻟﻨﺒﻲ .ﺳﺎر ﻓﻲ وھﻦ ﺑﻈﮫٍﺮ أﺣﻨﺘﻪ اﻟﺴﻨﻮن إﻟﻰ ﺧﺎرج اﻟﻐﺎر .ﺣﻤﻞ ﺑﯿﺪﻳﻪ اﻟﻤﻌﺮﻗﺘﯿﻦ ﻛﻮﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﻄﺐ أﺷﻌﻠﮫﺎ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ .ﺛﻢ ﺟﻠﺲ ﻳﺴﺘﻀﻲء ﺑﻨﻮرھﺎ وﻳﺴﺘﺪﻓﺊ ﺑﻨﺎرھﺎ. اﻣﺘﺪت ﻳﺪه إﻟﻰ ُ ﺻﺮة ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش .ﻓﺘﺤﮫﺎ ﻟﯿﺨﺮج ﻣﻨﮫﺎ أﻧﯿﺴﯿﻪ ﻓﻲ ﻋﻤﺮه اﻟﺬي ﻣﻀﻰ :اﻟﺪواة واﻟﻘﻠﻢ .ﺗﻨﺎول ﻟﻔﺎﺋﻔﻪ اﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ أوراق اﻟﺒﺮدي ﺑﺠﮫﺪ ﻳﺸﻲ ﺑﺤﺠﻤﮫﺎ اﻟﻀﺨﻢ ،ﺗﺤﺴﺴﺖ ﻳﺪاه اﻟﺴﺠﻞ اﻟﺬي أﻓﻨﻰ ﻋﻘﻮدا ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺘﻪ ﻓﻲ ﺣﻨﺎن .ﺛﻢ ﻓﺘﺤﻪ ﺑﺮﻓﻖ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺘﻪ اﻷﺧﯿﺮة .ﻏﻤﺲ ﻗﻠﻤﻪ ﻓﻲ اﻟﺪواة وﺷﺮع ﻳﻜﺘﺐ ﺑﯿﺪ أرﻋﺸﺘﮫﺎ ﺳﻨﻮات اﻟﻌﻤﺮ وﺑﺮودة اﻟﺠﻮ: »وﺑﻌﺪ .ﻓﮫﺬا ﺧﺘﺎم ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ )ﺷﻤﻌﻮن ﺑﻦ زﺧﺎري( .واﻟﻤﻠﻘﺐ ﺑﺸﻤﻌﻮن اﻟﻤﺼﺮي، ﻋﻦ أﺧﺒﺎر ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻓﻲ أرض ﺳﯿﻨﺎء .وﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ أﻣﺮھﻢ ﻣﻨﺬ ﻋﺒﻮر اﻟﺒﺤﺮ وﺣﺘﻰ وﻓﺎة ﻧﺒﻲ ﷲ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻋﻤﺮان ،وأﻋﻠﻢ أﻧﻲ ﻣﺎ ﻛﺘﺒﺖ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺮﻗﺎع إﻻ أ َ ﺣﺪ أﻣﺮﻳﻦ؛ أﻣﺮا ﺷﮫﺪﺗﻪ ﺑﻌﯿﻨﻲ أو أﻣﺮا ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻣﻦ رﺟﻞ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺜﻘﺎت، وأﺷﮫﺪ اﻟﺮب )إﻳﻞ( أﻧﻲ ﻣﺎ ﺑﻐﯿﺖ ﺑﮫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻣﺠﺪا وﻻ ﺷﺮﻓﺎ .وإﻧﮫﺎ إظﮫﺎر ﺷﮫﺎدﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﺟﯿﻞ ﻣﻦ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،اﺻﻄﻔﺎه ﷲ وأﻧﺠﺎه ﺑﻤﻌﺠﺰة ﻣﻦ ﻋﺪوه .ﺛﻢ ﻏﻀﺐ ﻋﻠﯿﻪ وأھﻠﻜﻪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﺮﻳﺔ اﻟﻘﻔﺮاء ﺑﻌﺪ أن أذاﻗﻪ ﺷﻘﺎء اﻻرﺗﺤﺎل وﻣﺮارة اﻟﺘﯿﻪ .ھﺬا ﻛﺘﺎب ﻻ أدري ﻣﻦ ﺳﯿﻜﻮن ﻗﺎرﺋﻪ .ﻓﺄﻳًﺎ ﻣﻦ ﺗﻜﻦ أرﺟﻮ أن ﺗﺘﺬﻛﺮ ﻛﺎﺗﺐ ھﺬه اﻷﺑﻮاب ﺑﺎﻟﺮﺣﻤﺔ وأن ﺗﺪﻋﻮ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻐﻔﺮان« ﺷﻤﻌﻮن ﺑﻦ زﺧﺎري ﺑﻦ رأوﺑﯿﻦ اﻟﻤﻠﻘﺐ ﺑﺸﻤﻌﻮن اﻟﻤﺼﺮي. ﺗﻢ ﻓﻲ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻷﺧﯿﺮة ﻣﻦ اﻟﺸﮫﺮ اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻟﺴﻨﺔ ﺳﺘﯿﻦ ﺑﻌﺪ اﻟﺨﺮوج. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻟﻢ أﻛﻦ ﻗﺪ ﺟﺎوزت اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮي ﻳﻮم أن ﺣﺪث اﻟﻌﺒﻮر .وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻣﺎ زﻟﺖ أذﻛﺮ ﺑﻌﺾ أﺣﺪاث ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﺑﻮﺿﻮح وﻛﺄﻧﻲ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻌﮫﺪ ﺑﮫﺎ ،وﻟﻌﻞ ﻛﺜﺮة اﻟﺘﺮاﻧﯿﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﻐﻨﯿﻨﺎ ﺑﮫﺎ ﻣﻨﺬ اﻟﺼﻐﺮ ﺗﻤﺠﯿﺪا ﻟﻠﺮب ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺠﺎة ﻣﻦ ﻓﺮﻋﻮن اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺖ ذﻛﺮﻳﺎت ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم راﺳﺨﺔ ﻓﻲ وﺟﺪاﻧﻲ ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﻌﮫﺪ اﻟﺒﻌﯿﺪ ،وﺳﺄﻗﺺ ﻣﺎ اﻟﺘﺼﻖ ﺑﺬاﻛﺮﺗﻲ ﻋﻦ ھﺬا اﻟﯿﻮم .ﺑﻌﯿﺪا ﻋﻦ ﺗﺮاﻧﯿﻢ اﻟﺼﻼة وأﻧﺎﺷﯿﺪ ﺑﯿﺖ اﻟﻌﺒﺎدة .ﻓﻤﮫﻤﺎ ﻗﺮأت أﻧﺖ ﻓﻲ ﺻﻼﺗﻚ .ﻓﻠﻦ ﺗﺘﺨﯿﻞ ﻣﺸﺎﻋﺮ طﻔﻞ ﺻﻐﯿﺮ ﻋﺎش ﻣﻌﺠﺰة ﻟﻢ ﺗﺤﺪث ﺳﻮى ﻣﺮة واﺣﺪة ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻷرض .إن أول ﻣﺎ أﺗﺬﻛﺮه ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ھﻮ ذﻟﻚ اﻟﺰﺣﺎم اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس اﻟﺬي ﺟﺎوز ﻋﺸﺮات اﻵﻻف ﻣﻦ اﻟﺒﺸﺮ .أﺗﺬﻛﺮ أﻳﻀﺎ أﺑﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺘﺼﺒﺐ ﻋﺮﻗﺎ وھﻮ ﻳﺴﺤﺐ اﻟﺤﻤﺎر اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻠﻨﻲ وﻳﺤﻤﻞ أﻣﻲ ﺑﺈﺣﺪى ﻳﺪﻳﻪ ،وﺑﯿﺪه اﻷﺧﺮى ﻳﺴﺤﺐ ﺷﺎة ﻧﺤﯿﻔﺔ ھﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎع أن ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﯿﻪ ﻣﻦ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﺑﺄرض اﻟﺠﻮﺷﻦ .ﻛﺎن اﻟﺠﻮ ﺣﺎرا ﻗﺎﺋﻈﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﻣﻦ أﻳﺎم اﻟﺼﯿﻒ .وﻟﻮﻻ ﻏﻤﺎﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﺤﺎب ظﻠﻠﺖ اﻟﺠﻤﻮع وراﻓﻘﺘﻨﺎ طﻮال اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻟﮫﻠﻜﻨﺎ ،ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﻀﻤﺔ أﻣﻲ إﻟﻰ ﺻﺪرھﺎ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﺤﻤﯿﻨﻲ ﻣﻦ ﻋﺪو ﺗﺘﺮﻗﺒﻪ ،وﺑﯿﻦ اﻟﻔﯿﻨﺔ واﻟﻔﯿﻨﺔ ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﻘﻄﺮات دﻣﻮﻋﮫﺎ ﺗﺘﺴﺎﻗﻂ ﻋﻠﻰ رأﺳﻲ ،ﻓﺠﺄة اﺷﺘﺪ اﻟﮫﺮج ﺑﺎﻟﺠﻤﻮع ﺣﯿﻨﻤﺎ ﻋﻼ ﺻﻮت رؤﺳﺎء اﻟﻌﺸﺎﺋﺮ ﻳﺄﻣﺮون اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻹﺳﺮاع ﻧﺤﻮ اﻟﺒﺤﯿﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ ﻋﻨﺪ ﻣﻮﺿﻊ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﺤﺮ ﻳﻘﺎل ﻟﻪ »ﻓﻢ اﻟﺤﯿﺮوث« .رأﻳﺖ اﻟﻨﺎس ﻳﻠﻘﻮن ﺑﺄﺟﻮﻟﺔ اﻟﻄﺤﯿﻦ وأﻣﺘﻌﺘﮫﻢ إﻟﻰ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺴﻨﻰ ﻟﮫﻢ اﻹﺳﺮاع ﻓﻲ اﻟﺴﯿﺮ .أﻣﺎ أﺑﻲ اﻟﺬي اﺣﺘﺎط ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻤﻮﻗﻒ ﻓﻘﺪ ﺷﻖ اﻟﺼﻔﻮف ﺑﺤﻤﻮﻟﺘﻪ اﻟﯿﺴﯿﺮة ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮن ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﻒ اﻟﺬي ﻳﺴﯿﺮ ﻓﯿﻪ اﻟﻨﺒﻲ. ﺳﺄﻟﺘﻪ أﻣﻲ ﻓﻲ وﺟﻞ: ھﻞ ﺳﯿﺘﺒﻌﻨﺎ ﻓﺮﻋﻮن؟ﻟﻢ ﻳﻠﺘﻔﺖ إﻟﯿﮫﺎ وظﻞ ﻣﮫﺮوﻻ ﻓﻲ ﺳﯿﺮه .وﻗﺎل: ﻳﻘﻮﻟﻮن إﻧﻪ ﻗﺪ ﺧﺮج ﺑﻤﺮﻛﺒﺎﺗﻪ ﻣﻦ ﺣﺎﻣﯿﺔ )إﻳﺜﺎم(.اﺷﺘﺪت ﺿﻤﺔ أﻣﻲ ﻟﻲ إﻟﻰ ﺻﺪرھﺎ .وﺗﻼﺣﻘﺖ أﻧﻔﺎﺳﮫﺎ ودﻣﻮﻋﮫﺎ وھﻲ ﺗﻠﮫﺞ ﻟﻠﺮب ﺑﺎﻟﺪﻋﺎء. اﻗﺘﺮﺑﺖ اﻟﺠﻤﻮع ﻣﻦ اﻟﻤﻮﺿﻊ اﻟﺬي أﻣﺮ ﺑﻪ اﻟﻨﺒﻲ .وﺑﺪت ﺑﺤﯿﺮة اﻟﻤﺎء اﻟﮫﺎدﺋﺔ وﺳﻂ اﻟﺼﺤﺮاء ﻛﻤﺮآة ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺔ ﺗﻌﻜﺲ أﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ .ھﺪأ اﻟﺴﯿﺮ ،وﺗﻘﺎرﺑﺖ اﻟﺼﻔﻮف ﻣﻊ اﻗﺘﺮاب اﻟﺠﻤﻮع ﻣﻦ ﻣﯿﺎه اﻟﺒﺤﯿﺮة .وﺗﻌﺎﻟﺖ ﺻﯿﺤﺎت اﺳﺘﻨﻜﺎر ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس: ﻛﯿﻒ ﺳﻨﻌﺒﺮ اﻟﺒﺤﯿﺮة؟ ھﻞ ﺳﺘﺴﺒﺢ اﻟﻨﺴﺎء واﻷطﻔﺎل واﻟﻤﻮاﺷﻲ؟رأﻳﺖ اﻟﺤﯿﺮة واﻟﻘﻠﻖ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ أﺑﻲ اﻟﺬي ﻻذ ﺑﺎﻟﺼﻤﺖ اﻧﺘﻈﺎرا ﻟﻤﺎ ﺳﯿﺄﻣﺮ ﺑﻪ اﻟﻨﺒﻲ .وﻓﺠﺄة ﻋﻼ ﺻﺮاخ ﻓﻲ اﻟﺼﻔﻮف اﻟﺨﻠﻔﯿﺔ .ﻧﻈﺮ اﻟﺠﻤﯿﻊ إﻟﻰ اﻟﺨﻠﻒ ﻓﺮأوا ﺳﺤﺎﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﺎل ﻗﺪ ﻏﻄﺖ اﻟﺴﻤﺎء ،وﺑﺪا أن ﺟﻨﻮد ﻓﺮﻋﻮن ﻗﺪ اﻗﺘﺮﺑﻮا ﺑﻤﺮﻛﺒﺎﺗﮫﻢ. ﻋﻼ ﺻﺮاخ اﻟﻨﺴﺎء .ﻓﺒﻜﻰ اﻷطﻔﺎل .واﺷﺘﺪت ﺻﯿﺤﺎت اﻟﺮﺟﺎل: ھﯿﺎ ﻳﺎ )ﻣﻮﺳﯽ(! اﻓﻌﻞ ﺷﯿﺌﺎ .ﺳﯿﺪرﻛﻨﺎ ﺟﯿﺶ اﻟﻔﺮﻋﻮن!ﺗﻄﻮر اﻷﻣﺮ إﻟﻰ ﻟﻮم وﺗﻘﺮﻳﻊ .وأﺗﺖ ﺻﯿﺤﺎت ﻣﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﺼﻔﻮف ﺗﺴﺘﻨﻜﺮ اﻟﻮﺿﻊ اﻟﺬي آﻟﻮا إﻟﯿﻪ: ﻣﺎذا ﺻﻨﻌﺖ ﺑﻨﺎ ﺣﺘﻰ أﺧﺮﺟﺘﻨﺎ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ؟ .أﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻤﺼﺮ ﻗﺒﻮر ﺣﺘﻰ ﻧﺪﻓﻦ ﺑﮫﺎ؟ أﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺧﯿﺮ ﻟﻨﺎ أن ﻧﺨﺪم اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ ﺑﺪﻻ ﻣﻦ أن ﻧﻤﻮت ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳﺔ؟ﺗﺰاﻳﺪت ﺳﺤﺎﺑﺔ اﻟﺮﻣﺎل وﺣﻤﻞ اﻟﮫﻮاء أﺻﻮات ﺳﻨﺎﺑﻚ اﻟﺨﯿﻞ وﺻﺮﻳﺮ اﻟﻌﺠﻼت، اﻣﺘﻘﻌﺖ اﻟﻮﺟﻮه .وﻣﺎﺗﺖ اﻟﻘﻠﻮب ﺑﯿﻦ اﻟﻀﻠﻮع .ﻓﺠﺄة ﺟﺎء ﺻﻮت اﻟﻜﻠﯿﻢ اﻟﺠﮫﻮري ﻳﻤﻸ ﺟﻨﺒﺎت اﻟﺼﺤﺮاء وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﮐﻼ.ﺛﻢ ﻟﻢ ﻧﻠﺒﺚ أن رأﻳﻨﺎ اﻟﻌﺼﺎ ﺗﺸﻖ اﻟﮫﻮاء ﺛﻢ ﺗﮫﺒﻂ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ﻟﺘﺮﺗﻄﻢ ﺑﺴﻄﺢ اﻟﺒﺤﯿﺮة .أي ﻣﻌﺠﺰة ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﺮ اﻟﺒﺸﺮ ﻣﺜﻠﮫﺎ؟! ﻟﻢ ﺗﻜﺪ ﺗﻤﺲ اﻟﻌﺼﺎ ﺳﻄﺢ اﻟﺒﺤﯿﺮة اﻟﺴﺎﻛﻦ .ﺣﺘﻰ ﺗﻘﻠﺐ ﻣﺎؤھﺎ ﻛﻘﺪر ﻳﻐﻠﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎر .ھﺒﺖ رﻳﺢ ﻋﺎﺗﯿﺔ ﻓﺎﺷﺘﺪ اﻟﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﻲ اﻟﺒﺤﯿﺮة .ﺛﻢ ﻋﻼ اﻟﻤﻮج واﻧﻔﺮق اﻟﻤﺎء إﻟﻰ ﻓﺮﻗﯿﻦ ﻋﻈﯿﻤﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﯿﮫﺎ .ﺑﺪا اﻟﻄﯿﻦ اﻟﻠﺰج ﻓﻲ ﻗﻌﺮ اﻟﺒﺤﯿﺮة أﻣﺎم أﻋﯿﻨﻨﺎ ﻛﻄﺮﻳﻖ ﻣﻌﺒﺪ ﻟﻠﻤﺮور. وﺻﺮخ رؤﺳﺎء اﻟﻌﺸﺎﺋﺮ ﻓﻲ اﻟﺠﻤﻮع ﻟﯿﺴﺮﻋﻮا ﺑﺎﻟﻤﺮور .ﺗﺪاﻓﻊ اﻟﻘﻮم ﻣﮫﺮوﻟﯿﻦ ﺧﺸﯿﺔ أن ﻳﺮﺗﺪ اﻟﻤﺪ ﻋﻠﯿﮫﻢ .أﻓﻠﺖ أﺑﻲ اﻟﺸﺎة اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﺘﻲ ﺧﺮج ﺑﮫﺎ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ وﺟﺬب اﻟﺤﻤﺎر اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻠﻨﺎ ﺑﻘﻮة ﻛﺎدت أن ﺗﺮﻗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﯿﻦ اﻟﻼزب ﻋﺪة ﻣﺮات. ﻣﻸ رذاذ اﻟﻤﺎء اﻟﻤﺎﻟﺢ وﺟﮫﻲ وأﻧﻔﻲ .وﺷﻌﺮت ﺑﻘﻮة اﻟﺮﻳﺢ ﺗﻜﺎد أن ﺗﻘﺬف ﺑﻲ ﻣﻦ ﻓﻮق اﻟﺤﻤﺎر .ﻓﺘﺸﺒﺜﺖ ﺑﺮداء أﻣﻲ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺼﺮخ ﻓﺰﻋﺎ وھﻠﻌﺎ وأﻧﺎ أﺑﻜﻲ ﻟﺒﻜﺎﺋﮫﺎ .وﺻﻞ اﻟﻨﺎس ﺗﺒﺎﻋﺎ إﻟﻰ اﻟﺸﺎطﺊ اﻵﺧﺮ .ﺗﺴﺎﻗﻂ اﻟﺸﯿﻮخ ﻣﻦ اﻹﺟﮫﺎد واﻟﺘﻌﺐ .وﻋﺎون اﻟﺸﺒﺎب اﻟﻨﺴﺎء واﻷطﻔﺎل واﻟﺪواب ﻓﻲ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﺑﺮ اﻷﻣﺎن. اﻗﺘﺮﺑﺖ ﺳﺤﺎﺑﺔ اﻟﺮﻣﺎل ﺑﺸﺪة .وﺻﺎرت اﻟﻤﺮﻛﺒﺎت اﻟﺤﺮﺑﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻣﻰ اﻟﺒﺼﺮ واﻟﻄﺮﻳﻖ ﻻ ﻳﺰال ﻣﻔﺘﻮﺣﺎ .رأﻳﺖ ﺑﻌﯿﻨﻲ اﻟﺠﻨﻮد ﻓﻮق اﻟﻌﺮﺑﺎت ﻳﺤﻤﻠﻮن اﻟﺮﻣﺎح واﻷﺗﺮاس ،وﻳﺘﺄھﺒﻮن ﻟﻠﻌﺒﻮر ﻟﻠﻔﺘﻚ ﺑﻨﺎ .ﺗﻌﺎﻟﺖ ﺻﺮﺧﺎت اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻤﻮﺷﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﮫﻼك ﻳﺮﺟﻮن ﻣﻦ ﻧﺒﻲ ﷲ أن ﻳﻌﯿﺪ اﻟﺒﺤﺮ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن .أﻏﻤﻀﺖ أﻣﻲ ﻋﯿﻨﻲ ﺑﻌﺼﺎﺑﺔ ﺷﻌﺮھﺎ ﺣﺘﻰ ﻻ أرى ﻣﺎ ﺳﯿﺤﺪث .ﺛﻢ أﺣﺎطﺘﻨﻲ ﺑﺬراﻋﯿﮫﺎ .وأدارت ظﮫﺮھﺎ ﻟﻠﺒﺤﺮ وﻗﺪ اﺳﺘﺴﻠﻤﺖ ﻟﻠﻤﻮت ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺄﺗﯿﻨﺎ .ﻓﺠﺄة ﺳﻤﻌﻨﺎ ﺻﻮت ارﺗﻄﺎم اﻟﻤﺎء ﮐﺮﻋﺪ ھﺰ ﺟﻨﺒﺎت اﻟﺼﺤﺮاء .اﺷﺘﺪت ﺿﻤﺔ أﻣﻲ ﻟﻲ ﺣﺘﻰ ﻛﺎدت أن ﺗﺤﻄﻢ ﺿﻠﻮﻋﻲ .ﺑﻜﯿﺖ ﻣﻦ ﺧﻮف ورﻋﺐ ﻟﻤﺎ أﺷﻌﺮ ﺑﮫﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ .وﻟﻜﻨﻲ ﺗﻮﻗﻔﺖ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ اﻟﺘﻤﺠﯿﺪ واﻟﺘﮫﻠﯿﻞ ﻣﻦ ﺷﻌﺐ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ .اﺳﺘﺪارت أﻣﻲ ورﻓﻌﺖ اﻟﻌﺼﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﻋﯿﻨﻲ .ﻓﺮأﻳﻨﺎ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻼطﻢ اﻟﺬي أطﺒﻖ ﻋﻠﻰ ﺟﯿﺶ اﻟﻔﺮﻋﻮن .وﻗﺪ طﺎﻓﺖ ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺤﻪ ﻋﺮﺑﺎت اﻟﺠﯿﺶ اﻟﻤﺤﻄﻤﺔ .وأﺗﺮاس اﻟﺠﻨﺪ اﻟﻐﺮﻗﻰ .ﻟﻢ ﺗﺘﺮك اﻷﻣﻮاج ﻣﻨﮫﻢ أﺣﺪا .ﺣﺘﻰ اﻟﺨﯿﻞ واﻟﺒﻐﺎل .ھﻠﻜﺖ ﻣﻊ اﻟﺠﻨﻮد واﻟﻔﺮﺳﺎن. وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﻳﺘﻌﺎﻧﻘﻮن ﻓﺮﺣﺎ .أﻟﻘﺖ اﻷﻣﻮاج ﺑﻘﺒﻌﺔ أﺣﺪ اﻟﻔﺮﺳﺎن إﻟﻰ اﻟﺸﺎطﺊ .ﻓﻘﻤﺖ ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻲ ﻣﺴﺮﻋﺎ .وذھﺒﺖ ﻧﺤﻮ اﻟﻘﺒﻌﺔ ﻓﺎﻟﺘﻘﻄﮫﺎ ﺛﻢ ارﺗﺪﻳﺘﮫﺎ ،ﻏﺎﺻﺖ رأﺳﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﺒﻌﺔ ،ﺣﺘﻰ أﺧﻔﺖ ﻋﯿﻨﻲ ،ﺿﺤﻚ أﺑﻲ وأﻣﻲ، واﻧﺘﺰﻋﮫﺎ أﺣﺪ أﻗﺮاﻧﻲ ﻣﻦ ﻓﻮق رأﺳﻲ ،ﻓﮫﺮوﻟﺖ ﺧﻠﻔﻪ واﻧﺘﺰﻋﺘﮫﺎ ﻣﻨﻪ ،وﻟﻘﺪ ظﻠﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺒﻌﺔ رﻓﯿﻘﺘﻲ ﻟﺴﻨﻮات ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،وﻟﻌﻠﮫﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺒﺒﺎ ﻓﻲ أن ﻳﻄﻠﻖ ﻰ أﻗﺮاﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎ ﻟﻘﺐ »ﺷﻤﻌﻮن اﻟﻤﺼﺮي« ﻛﻠﻤﺎ رأوھﺎ ﻣﻌﻲ ،ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻋﻠ ّ أﻧﻲ ﻛﻨﺖ اﻟﻄﻔﻞ اﻟﻮﺣﯿﺪ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ اﻟﺬي ﺣﻈﻲ ﺑﺄم ﻣﺼﺮﻳﺔ. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ اﻟﻠﯿﻠﺔ ھﻲ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﺨﺮوج وھﻲ ﻟﯿﻠﺔ اﻻﺣﺘﻔﺎل واﻟﺸﻜﺮ .ﻛﺎن اﻟﻘﻤﺮ ﺑﺪرا ﻣﻨﯿﺮا .واﻟﺴﻤﺎء اﻟﺼﺎﻓﯿﺔ ﺗﺘﻸﻷ ﺑﺎﻟﻨﺠﻮم .وﻛﺄﻧﮫﺎ اﻧﻘﺸﻌﺖ ﻏﯿﻮﻣﮫﺎ .وﺳﻜﻨﺖ رﻳﺤﮫﺎ ﺧﺸﻮﻋﺎ ﻷﺻﻮات اﻟﺘﺮاﻧﯿﻢ اﻟﺘﻲ ﺷﻘﺖ ھﺪوء اﻟﻠﯿﻞ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻘﻌﺔ اﻟﻤﺒﺎرﻛﺔ ﻣﻦ ﺳﯿﻨﺎء .أﺿﯿﺌﺖ وﺟﻮه اﻟﻘﻮم ﺑﺎﻟﺤﺒﻮر واﻟﻔﺮح .وﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﻣﺮﻳﻢ أﺧﺖ )ھﺎرون( ﺣﺮﺟﺎ ﻓﻲ أن ﺗﻤﺴﻚ اﻟﺪف وﺗﻨﻘﺮ ﻋﻠﯿﻪ ﺑﯿﺪھﺎ ﻧﻘﺮات أﻳﻘﻈﺖ اﻟﻔﺮح ﻓﻲ اﻟﻘﻠﻮب وھﻲ ﺗﻘﻮل: اﻧﺸﺪوا ﻟﻠﺮب .اﻓﺮﺣﻮا وارﻗﺼﻮا .اﺟﻌﻠﻮا اﻟﻮﺣﻮش ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳﺔ ﺗﻌﻠﻢ أن اﻟﺮب إﻟﻪإﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻗﺪ ﻗﻀﻰ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﻋﻮن إﻟﻪ اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ! ﺗﺒﺎرى اﻟﻐﻠﯿﺎن واﻟﻔﺘﯿﺎن ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺪف وﺿﺮب اﻟﺼﻨﻮج .وأﻧﺸﺪت ﺑﻌﺾ اﻟﻔﺘﯿﺎت أﻧﺎﺷﯿﺪ أﺛﺎرت اﻟﺒﮫﺠﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻔﻮس .ﺛﻢ وزﻋﺖ ﺻﺤﺎف اﻟﻄﻌﺎم .وأﻛﻞ اﻟﺸﻌﺐ ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺰ وﻟﺤﻮم اﻟﺬﺑﺎﺋﺢ اﻟﺘﻲ أﻋﺪت ﻣﻦ ﻗﺮاﺑﯿﻦ اﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﺎﻟﺨﺮوج .ﻓﻘﺪ ﻗﺪم ﻛﻞ ﺳﺒﻂ ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎط ﻓﻲ ﺻﺒﺎح ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﻗﺮﺑﺎﻧﺎ ﻟﻠﺸﻜﺮ؛ ﻛﺒﺸﺎ أﻗﺮن. وﺻﺤﺘﯿﻦ ﻛﺒﯿﺮﻳﻦ أﺣﺪھﻤﺎ ﻣﻤﻠﻮء ﺑﺎﻟﺪﻗﯿﻖ .واﻵﺧﺮ ﻣﻤﻠﻮء ﺑﺎﻟﺰﻳﺖ .وﻋﺸﺮة أﻋﻮاد ﻣﻦ اﻟﺒﺨﻮر .ﺑﺤﺖ اﻷﻛﺒﺎش ﻋﻠﻰ ﻣﺬﺑﺢ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ .وﺷﻨﻊ اﻟﺨﺒﺰ ﻣﻦ ﻋﺠﯿﻦ ﻏﯿﺮ ﻣﺤﻤﺮ ﻣﻦ اﻟﺪﻗﯿﻖ واﻟﺰﻳﺖ .ﺛﻢ أﻗﯿﻤﺖ اﻟﻤﺄدﺑﺔ ﻋﻠﻰ راﺋﺤﺔ اﻟﺒﺨﻮر اﻟﻤﺒﺎرﻛﺔ. ﻓﺄﻛﻞ اﻟﻨﺎس .واﻣﺘﻸت اﻟﺒﻄﻮن ﺑﻌﺪ اﻟﺠﻮع .وﺳﻜﻨﺖ اﻟﻨﻔﻮس ﺑﻌﺪ اﻟﻘﻠﻖ .أﻣﺎ اﻟﯿﻮﻣﺎن اﻟﺘﺎﻟﯿﺎن ﻓﻘﺪ ﻗﻀﺎھﻤﺎ اﻟﺸﻌﺐ ﻓﻲ ﺟﮫﺪ وﺗﻌﺐ .ﻓﻘﺪ ﺣﺼﺮت ﻛﻞ ﻗﺒﯿﻠﺔ ﻣﺎ ﻟﺪﻳﮫﺎ ﻣﻦ أﻏﻨﺎم وأﺑﻘﺎر وﺣﺒﻮب وطﺤﯿﻦ .ﺛﻢ ُﻗ ّ ﺴﻢ اﻟﻤﺠﻤﻮع ﺑﺎﻟﺘﺴﺎوي ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻻﺛﻨﺘﻲ ﻋﺸﺮة .ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ اﻟﺮﺟﺎل أن ﺧﺮﺟﻮا ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻤﯿﺎه .وﺑﻌﺪ ﺟﮫﺪ ﻣﻀﻦ ﻟﻢ ﻳﺠﺪوا ﺳﻮى ﺑﺌﺮ ﻣﺎء وﺣﯿﺪة ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺼﺪر اﻟﺤﯿﺎة ﻵﻻف اﻷﻧﻔﺲ ﻣﻨﮫﻢ اﻟﺸﯿﻮخ واﻟﻨﺴﺎء واﻷطﻔﺎل. واﺣﺘﻤﻞ اﻟﻨﺎس ﻧﻘﺺ اﻟﻄﻌﺎم وﻟﻜﻨﮫﻢ ﻟﻢ ﻳﺼﺒﺮوا ﻋﻠﻰ ﺷﺢ اﻟﻤﺎء .ﺗﺰاﺣﻤﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺸﺮ وﻧﺸﺒﺖ ﺑﯿﻨﮫﻢ اﻟﻤﺸﺎﺣﻨﺎت واﻟﻤﻌﺎرك .وأﺳﻔﺮ اﻟﺰﺣﺎم ﻋﻦ ﺑﻐﻀﻲ .ﻧﺎل أﻣﻲ ﻧﺼﯿﺐ ﻣﻨﻪ. اﺳﺘﯿﻘﻈﺖ ذات ﺻﺒﺎح ﻋﻠﻰ ﺻﻮت ﺑﻜﺎﺋﮫﺎ .واﻧﺘﺒﮫﺖ ﻣﻦ ﺗﻌﺎﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﻠﻤﺎﺗﮫﺎ اﻟﺘﻲ اﺿﻄﺮﺑﺖ ﺣﺮوﻓﮫﺎ ﻣﻦ اﻟﻐﻀﺐ وھﻲ ﺗﻘﻮل ﻷﺑﻲ: ُأھﯿﻨﺖ زو ُﺟﻚ ﻋﻠﻰ ﻣﺮأى وﻣﺴﻤﻊ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس وﻟﻢ ﺗﺮد ﻋﻨﮫﺎ .ﻛﺎن أﻛﺮم ﻟﻲ أن أظﻞ ﺑﯿﻦ أھﻠﻲ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ. أﻣﺴﻚ ﺑﯿﺪﻳﮫﺎ وﻗﺎل ﻣﮫﺪﺋﺎ ﻣﻦ روﻋﮫﺎ: ﻚ. ﻚ وﻗﻮﻣ ِ ﺖ ﺑﯿﻦ أھﻠ ِ ﺑﻞ أﻧ ِاﺷﺘﺪ ﺑﻜﺎؤھﺎ وﻗﺎﻟﺖ: ﻏﺎدرت ﺟﻨﺎت ﻣﺼﺮ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺤﺮاء اﻟﻘﺎﺣﻠﺔ .وﻛﺪت أﻣﻮت أﻧﺎ وطﻔﻠﻲ ﻏﺮﻗﺎُ ﻓﺪاء ﻟﺪﻳﻨﻲ .وﻓﻲ اﻟﻨﮫﺎﻳﺔ أرد ﻋﻦ اﻟﺒﺌﺮ .ﺛﻢ ﺗﻌﯿﺮﻧﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻌﻰ )ﺗﻘﺼﺪ ﻋﻤﺘﻲ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ﺑﺄﻧﻨﻲ ﻣﺼﺮﻳﺔ! ﻣﺎ اﻟﺬي ﻳﺠﻌﻠﮫﺎ أﻓﻀﻞ ﻣﻨﻲ ﻋﻨﺪ اﻟﺮب؟! ﺿﻤﮫﺎ أﺑﻲ إﻟﯿﻪ ﻓﺄﻟﻘﺖ ﺑﺮأﺳﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ ﺑﺎﻛﯿﺔ .ﻣﺴﺢ ﻋﻠﻰ رأﺳﮫﺎ ﻓﻲ رﻓﻖ وﻗﺎل: ﻚ أﻓﻀﻞ ﻣﻨﮫﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﺮب .أﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﯽ( أن ﻛﻞ ﻣﻦ آﻣﻦ وﷲ إﻧ ِﻚ ﻗﻠﺒﺎ ﺑﺎﻟﺮب .وﺟﺎء ﺑﻘﻠﺐ ﻧﻘﻲ ﻳﻜﻦ اﻟﺮب ﺣﻠﯿﻔﻪ؟! وھﻞ ھﻨﺎك ﻣﻦ ھﻮ أﻧﻘﻰ ﻣﻨ ِ ﻳﺎ )روﻣﺎﻧﺎ(؟! دﻋﻲ أﻣﺮ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( .وﻻ ﺗﻠﺘﻔﺘﻲ إﻟﻰ ﺣﺪﻳﺜﮫﺎ .ﻓﺈن )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( إن ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﻣﻦ ﺗﻜﺮھﻪ ﻛﺮھﺖ ﻧﻔﺴﮫﺎ؟ واﻟﺤﻘﯿﻘﺔ أن ﺣﺪﻳﺚ اﻟﺒﺌﺮ ھﺬا ﺟﻌﻠﻨﻲ أدرك ﻣﻨﺬ اﻟﺼﻐﺮ أﻧﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ اﻵﺧﺮﻳﻦ .وﺟﻌﻠﻨﻲ أدرك ﻛﺬﻟﻚ أن ﻛﺜﺮة اﻟﺨﻀﻮع واﻟﻤﺬﻟﺔ ﻻ ﻳﻮرﺛﺎن ﻗﻠﺐ اﻟﻤﺮء ﺷﻔﻘﺔ وﻋﻄﺎ .وإﻧﮫﺎ ﻳﻤﻶن ﻗﻠﺒﻪ ﻏﻠﻈﺔ وﻗﺴﻮة .واﺳﺘﻜﺒﺎرا ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ھﻢ دوﻧﻪ. وﻣﮫﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﺷﻲء ﻓﺈن ﻗﺼﺔ أﺑﻲ وأﻣﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﻧﯿﻤﺔ ﺣﺐ ﺗﻨﺎﻗﻠﮫﺎ اﻟﻨﺎس ﻟﻌﻘﻮد ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﮫﺎ .ﻓﻤﻦ ذا اﻟﺬي ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﺑﻘﺼﺔ اﻟﺤﺐ اﻟﺘﻲ ﺟﻤﻌﺖ ﺑﯿﻦ زﺧﺎري اﻟﻨﺠﺎر واﻟﺠﺎرﻳﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ »روﻣﺎﻧﺎ«؟ اﺳﻤﮫﺎ ﻳﺮادف ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ اﻟﺤﺐ واﻟﻌﻄﺎء .وﻳﻌﻨﻲ ﻓﻲ ﻟﻐﺔ ﻗﻮﻣﮫﺎ »اﻟﻤﺮأة اﻟ ُ ﻤﺤﺒﺔ« .ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺎرﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺰل اﻟﺴﯿﺪ اﻟﻨﺒﯿﻞ )ﺑﯿﻨﻮ( ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻻ ﻳﻔﺼﻠﮫﺎ ﻋﻦ ﻗﺮﻳﺔ أﺑﻲ ﺳﻮی ﯾَ ٍ ّ ﻢ ﺻﻐﯿﺮ ﻳﺘﻔﺮع ﻋﻦ ﻧﮫﺮ أﻋﻈﻢ ﻳﺸﻖ أرض ﻣﺼﺮ اﺳﻤﻪ اﻟﻨﯿﻞ. ورﻏﻢ ﻗﺮب اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﻜﺎﻧﯿﻦ إﻻ أن اﻟﻔﺎرق ﺑﯿﻨﮫﻤﺎ ﻛﺎن ﺷﺎﺳﻌﺎ .ﻓﺸﺘﺎن ﻣﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﺤﻲ اﻟﻔﻘﯿﺮ ذي اﻟﻤﻨﺎزل اﻟﺨﺮﺑﺔ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻘﯿﻢ ﻓﯿﻪ أﺑﻲ ﺷﺮﻗﻲ اﻟﯿﻢ. وﺑﯿﻦ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺜﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﯿﻢ ﺑﮫﺎ أﺑﻲ ﻏﺮﺑﻲ اﻟﯿﻢ .ﻛﺎن أﺑﻲ ﻳﻌﺒﺮ اﻟﯿﻢ ﻳﻮﻣﯿﺎ ﻣﻊ أﻗﺮاﻧﻪ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﺑﺎﻟﻤﺮاﻛﺐ .ﻓﯿﻌﻤﻠﻮن ﻓﻲ أﻋﻤﺎل اﻟﺒﻨﺎء ﻣﻊ ﺷﺮوق اﻟﺸﻤﺲ ﺛﻢ ﻳﻌﻮدون إﻟﻰ ﻗﺮﻳﺘﮫﻢ ﻗﺒﯿﻞ اﻟﻐﺮوب ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﻄﻌﺎم .ﻛﺎن آﻧﺬاك ﺷﺎﺑﺎ ﻗﻮﻳﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه .ﻳﺘﻘﻦ ﻋﻤﻠﻪ ﻛﻨﺠﺎر .وﻳﺒﺪع ﻓﯿﻪ ﻛﻔﻨﺎن ﺣﺘﯽ طﻠﺒﻪ اﻟﻨﺒﻼء واﻷﻏﻨﯿﺎء ﻟﺼﻨﻊ أﺛﺎث ﻣﻨﺎزﻟﮫﻢ ﻣﻦ اﻵراﺋﻚ وﺻﻨﺎدﻳﻖ اﻟﻤﻼﺑﺲ .وذات ﻳﻮم أﻣﺮه ﻣﻼﺣﻆ اﻟﻌﻤﺎل ﺑﺄن ﻳﺼﻨﻊ أﺛﺎﺛًﺎ ﻟﻤﻨﺰل اﻟﺴﯿﺪ اﻟﻨﺒﯿﻞ )ﺑﯿﻨﻮ( ﻓﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة .ﻛﺎن اﻟﺴﯿﺪ )ﺑﯿﻨﻮ( رﺟﻼ طﺎﻋﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻦ .ﻟﻢ ﻳﺮزق ﺑﺎﻷوﻻد .وﻳﺤﯿﺎ ﻣﻊ زوﺟﺘﻪ اﻟﻌﺠﻮز ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﮫﻤﺎ اﻟﻔﺴﯿﺢ .وﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮ ﻋﺎدة اﻟﻨﺒﻼء ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻛﺎن اﻟﺮﺟﻞ ﻛﺮﻳﻤﺎ ﻋﻄﻮﻓﺎ .ﻻ ﻳﻜﺮه ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ .وﻻ ﻳﻘﺴﻮ ﻋﻠﯿﮫﻢ .ﻓﻜﺎن ﻳﺠﺰل اﻟﻌﻄﺎء ﻷﺑﻲ وﻳﺴﺘﺪﻋﯿﻪ ﻳﻮﻣﯿﺎ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺰل .ﺑﻌﯿﺪا ﻋﻦ أﻋﯿﻦ ﻣﻼﺣﻆ اﻟﻌﻤﺎل اﻟﺒﻐﯿﺾ اﻟﺬي ﻳﻜﺮه ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ. وﻳﺸﺎء اﻟﺮب أن ﻳﺠﺘﻤﻊ اﻟﻘﻠﺒﺎن اﻟﻨﻘﯿﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺐ .ﻓﺄﺣﺐ اﻟﺸﺎب اﻟﻌﺒﺮاﻧﻲ )زﺧﺎري( اﻟﻔﺘﺎة اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﻐﯿﺪاء )روﻣﺎن( .واﺣﺘﻀﻦ ﻣﻨﺰل اﻟﺴﯿﺪ )ﺑﯿﻨﻮ( ذﻟﻚ اﻟﺤﺐ ،ﺣﺘﻰ ﻧﻤﺎ وﺗﺮﻋﺮع وﺻﺎر ﻋﺸﻘﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﻘﻠﺒﯿﻦ اﻟﯿﺎﻓﻌﯿﻦ .وﺷﻌﺮ ﺟﺪي ﻷﻣﻲ .واﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻌﻤﻞ ﻛﺒﯿﺮا ﻟﻠﺨﺪم ﺑﻤﻨﺰل اﻟﺴﯿﺪ )ﺑﯿﻨﻮ( ﺑﻤﺎ ﺗﺸﻲ ﺑﻪ اﻟﺨﻠﺠﺎت واﻟﻨﻈﺮات ﺑﯿﻦ اﻟﺸﺎﺑﯿﻦ اﻟﻌﺎﺷﻘﯿﻦ .ﻓﺨﺸﻲ أن ﺗﺘﺰوج اﺑﻨﺘﻪ ﺑﺎﻟﺸﺎب اﻟﻘﺎدم ﻣﻦ وراء اﻟﯿﻢ .وذات ﺻﺒﺎح طﺮق أﺑﻲ اﻟﺒﺎب ﻟﻠﺪﺧﻮل .ﻓﻄﺎﻟﻌﻪ وﺟﻪ ﺟﺪي ﻣﻦ ﺧﻠﻒ اﻟﺒﺎب ﻗﺎﺋﻼ: ﻗﺪ أﺗﺎﻧﺎ ﻣﻼﺣﻆ اﻟﻌﻤﺎل ﺑﻨﺠﺎر ﺟﺪﻳﺪ .ﻓﻌﺪ ﻣﻦ ﺣﯿﺚ أﺗﯿﺖ!وﻣﺰق اﻟﺸﻮق ﻗﻠﺐ أﺑﻲ .اﻋﺘﻜﻒ ﻓﻲ داره أﻳﺎﻣﺎ ﻻ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺨﺮج .وزھﺪ ﻓﻲ اﻟﻄﻌﺎم واﻟﺸﺮاب .وﺗﻤﻨﻰ ﻟﻮ ﻳﺨﺮج ﻣﻦ أرض ﻣﺼﺮ :.ﺗﻠﻚ اﻷرض اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳََﺮ ﻓﯿﮫﺎ ﺳﻮى اﻟﺬل واﻟﺨﻀﻮع وﻓﺮاق اﻟﻤﺤﺒﻮب .وﻟﻢ ﻳﺪم اﻷﻣﺮ طﻮﻳﻼ .ﻓﻘﺪ ﺳﺮت اﻷﻧﺒﺎء ﺑﺄن )ﻣﻮﺳﯽ( ﺑﻦ ﻋﻤﺮان ﻣﻦ ﺳﺒﻂ ﻻوي ﻗﺪ ﻋﺎد إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﺑﻌﺪ أن ھﺮب ﻣﻨﮫﺎ ﻟﺴﻨﻮات وأﻧﻪ ﻗﺪ ُﺑﻌﺚ ﻧﺒﯿﺎ إﻟﻰ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ .وأن اﻟﺮب ﻗﺪ أرﺳﻠﻪ وأﺧﺎه )ھﺎرون( إﻟﻰ ﻓﺮﻋﻮن ﻟﯿﺮﺳﻞ ﻣﻌﮫﻤﺎ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ .وﺗﺒﺪل اﻟﺤﺎل ﻓﻲ ﺑﺮ ﻣﺼﺮ. وﺟﺮى ﻋﻠﻰ أﻟﺴﻨﺔ اﻟﻨﺎس أن ﺳﺎﺣﺮا ﻣﻦ اﻟﻌﺒﯿﺪ اﻟﻌﺒﺮاﻧﯿﯿﻦ ﻳﺘﺤﺪى اﻟﻔﺮﻋﻮن. وأن ﻳﻮم اﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﺎﻟﺠﻠﻮس ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮش ﺳﯿﻜﻮن ﻳﻮﻣﺎ ﻓﺎرﻗﺎ ﻓﻲ ﺣﯿﺎة ھﺆﻻء اﻟﻌﺒﯿﺪ .ﻓﺈﻣﺎ أن ﻳﺄذن ﻟﮫﻢ اﻟﻔﺮﻋﻮن ﺑﺎﻟﺨﺮوج .وإﻣﺎ ﻳﺒﯿﺪھﻢ ﻋﻦ آﺧﺮھﻢ. وﺗﺤﺪﺛﻨﻲ أﻣﻲ ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﻓﺘﻘﻮل: ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﻣﻨﺰل اﻟﺴﯿﺪ ﺑﯿﻨﻮ( ﻋﻨﺪ اﻟﻀﺤﯽ .ﺷﻘﻘﺖ طﺮﻳﻘﻲ ﺑﯿﻦ ﺻﻔﻮفاﻟﺠﻤﺎھﯿﺮ اﻟﺘﻲ اﺣﺘﺸﺪت ﻣﻨﺬ اﻟﺼﺒﺎح اﻟﺒﺎﻛﺮ ﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﺴﺤﺮة .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ھﻤﮫﻢ أن ﻳﺮوا ﻟﻤﻦ ﺳﺘﻜﻮن اﻟﻐﻠﺒﺔ .أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ھﻤﻲ أن أری )زﺧﺎري( ﻟﻠﻤﺮة اﻷﺧﯿﺮة. ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﺄﻧﻲ ﻟﻦ أراه ﻣﺮة أﺧﺮى ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ اﻷﺣﻮال .ﻓﻠﻮ أذن اﻟﻔﺮﻋﻮن ﻟﺒﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﺑﺎﻟﺨﺮوج ﻓﻠﻦ أراه .وﻟﻮ ُ ھﺰم )ﻣﻮﺳﯽ( أﻣﺎم اﻟﺴﺤﺮة ﻓﻠﻦ أراه. ﻦ .ورأﻳﺘﻪ ﻳﻘﻒ ﻣﻊ ﺷﻌﺐ ﺑﻨﻲ وﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﻣﻘﺪﻣﺔ اﻟﺼﻔﻮف ﺑﻌﺪ ﺟﮫﺪ ﻣﻀ ٍ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻵﺧﺮ .رآه ﻗﻠﺒﻲ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺮاه ﻋﯿﻨﺎي .وﺷﻌﺮت ﺑﺮھﺒﺔ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﻌﻈﯿﻢ ﻣﻦ ﻧﻈﺮات ﻋﯿﻨﯿﻪ اﻟﺸﺎﺧﺼﺔ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء .ﻟﻢ أﻓﻖ ﻣﻦ ھﯿﺎﻣﻲ إﻻ ﻣﻊ ﺻﺮاخ اﻟﻨﺎس ﺣﯿﻨﻤﺎ رأوا ﻋﺼﻲ اﻟﺴﺤﺮة وھﻲ ﺗﺘﻠﻮى ﻛﺎﻟﺜﻌﺎﺑﯿﻦ .وﻛﺪت أﺳﻘﻂ ﻓﺎﻗﺪة اﻟﻨﻄﻖ .ﺣﯿﻨﻤﺎ رأﻳﺖ ﻋﺼﺎ )ﻣﻮﺳﯽ( وھﻲ ﺗﻠﻘﻒ ﻣﺎ ﺻﻨﻌﻮا. ﺳﺎﻋﺘﮫﺎ أدرﻛﺖ أن )ﻣﻮﺳﯽ( ھﻮ ﻧﺒﻲ ﷲ .وﺳﺎﻋﺘﮫﺎ دﻋﻮت رب ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أن ﻳﺠﻤﻌﻨﻲ ﺑﻤﻦ أﺣﺒﺒﺖ .وظﻞ اﻟﻔﺮاق ﻗﺎﺋﻤﺎ ﺑﯿﻨﮫﻤﺎ إﻟﻰ أن ﺟﺎء ﻳﻮم ﺣﻤﻠﺖ ﻓﯿﻪ اﻟﺮﻳﺎح اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ اﻟﻤﺤﻤﻠﺔ ﺑﺎﻟﺮﻣﺎل أﺻﻮات اﻟﻨﻮاح واﻟﺒﻜﺎء إﻟﻰ أرض اﻟﺠﻮﺷﻦ .ﻓﻘﺪ اﻧﺘﺸﺮ داء اﻟﺪﻣﺎﻣﻞ واﻟﺒﺜﻮر ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس وﻟﻢ ﻳﻌﺮف اﻟﻜﮫﻨﺔ ﻟﻪ دواء .ﻛﺎن ﻻ ﻳﻤﺮ اﻟﯿﻮم ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻠﻮ اﻟﻌﻮﻳﻞ ﻓﻲ ﺑﯿﺖ ﻣﻦ اﻟﺒﯿﻮت .ﺛﻢ ﺗﺒﺤﺮ اﻟﻤﺮاﻛﺐ إﻟﻰ اﻟﺒﺮ اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻣﻦ اﻟﻨﯿﻞ ﺣﺎﻣﻠﺔ ﺟﺜﺎﻣﯿﻦ اﻟﻤﻮت ﻣﻌﮫﺎ إﻟﻰ ﻣﺴﺘﻘﺮھﺎ اﻷﺑﺪي .واﺳﺘﺒﺪ اﻟﻘﻠﻖ ﺑﺄﺑﻲ .واﻧﻔﻄﺮ ﻗﻠﺒﻪ ﺧﺸﯿﺔ أن ﻳﻜﻮن اﻟﺪاء ﻗﺪ أﺻﺎب )روﻣﺎﻧﺎ( .وﻟﻢ ﻳﮫﺪأ ﻟﻪ ﺑﺎل ﺣﺘﻰ ﻋﺒﺮ اﻟﻨﮫﺮ وﻳﻤﻢ ﺷﻄﺮ ﻣﻨﺰل اﻟﺴﯿﺪ )ﺑﯿﻨﻮ( .وھﻨﺎك اﺷﺘﻢ راﺋﺤﺔ اﻟﻤﻮت ﺣﻮل اﻟﻤﻜﺎن .طﺮق اﻟﺒﺎب ﺑﺄﺻﺎﺑﻊ ﻣﺮﺗﺠﻔﺔ .ﻓﻔﺘﺤﺖ ﻟﻪ )روﻣﺎﻧﺎ( وھﻲ ﺑﺎﻛﯿﺔ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ: ﺧﻄﻒ اﻟﻤﻮت اﻟﺴﯿﺪ )ﺑﯿﻨﻮ( .ﻗﻞ ﻟﻨﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﯽ( أن ﻳﺪﻋﻮ اﻟﺮب أن ﻳﺮﻓﻊ ﻋﻨﺎاﻟﺒﻼء. ﻓﺄطﻤﺄن أﺑﻲ .وإن اﺷﺘﺪت ﻟﻮﻋﺔ ﻗﻠﺒﻪ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻋﻠﻢ ﺑﺈﻳﻤﺎﻧﮫﺎ .ورآه ﺟﺪي ﻓﻨﮫﺮه ﻋﻦ اﻟﻌﻮدة .ﻗﺎل ﻟﻪ أﺑﻲ ﺻﺎدﻗﺎ :ﺳﺘﻤﻮت ﻛﻞ ﺑﻜﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ .وﺗﺮﺟﺎه أن ﻳﺰوﺟﻪ ﻣﻦ أﻣﻲ .ﻗﺒﻞ أن ﻳﺤﻞ اﻟﻌﻘﺎب! ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻌﻨﯿﺪ آذان ﺻﺎﻏﯿﺔ .وﻋﺎد أﺑﻲ إﻟﻰ ﻗﺮﻳﺘﻪ ﻛﺴﯿﺮ اﻟﻨﻔﺲ ﻣﺤﻄﻢ اﻟﻔﺆاد .وﻓﻲ ﻣﺴﺎء اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ﻋﻼ اﻟﺼﺮاخ ﻓﻲ اﻟﺒﺮ اﻟﻐﺮﺑﻲ وﺑﺪا أن اﻟﻮﻋﯿﺪ ﻗﺪ ﺗﺤﻘﻖ .وﯾﮑﯽ أﺑﻲ ﺑﻜﺎء ﻣﺮا .وﻗﺪ أﻳﻘﻦ أﻧﻪ ﻗﺪ ﻓﻘﺪ ﺣﺒﯿﺒﺘﻪ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ .اﻧﺘﺒﻪ ﻣﻦ ﺑﻜﺎﺋﻪ ﻋﻠﻰ ﺻﻮت طﺮﻗﺎت ﻋﻠﻰ ﺑﺎب داره .ﻣﺴﺢ دﻣﻮﻋﻪ ﺛﻢ ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎب .ﻓﺈذا ﺑﺠﺪي واﻗﻔﺎ ﺑﺎﻟﺒﺎب وﻣﻌﻪ أﻣﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﺻﺮة ﻣﻦ ﻗﻤﺎش ﺑﮫﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻼﺑﺲ .ﻗﺎل ﻟﻪ ﺟﺪي: ﻻ أﺧﺸﻰ وﻋﯿﺪ اﻟﺴﺎﺣﺮ .وﻟﻜﻨﻲ أراك ﺻﺎدﻗﺎ ﻓﻲ ﺣﺐ اﺑﻨﺘﻲ.وھﻜﺬا ﺗﺰوج )زﺧﺎري( اﻟﻨﺠﺎر ﻣﻦ )روﻣﺎﻧﺎ( اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻗﺒﻞ اﻟﺨﺮوج. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ اﺳﺘﻤﻌﺖ اﻟﯿﻮم إﻟﻰ ﺻﻮت اﻟﺒﻮق ﻟﻠﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ .ﺗﺮدد ﺻﺪاه ﻓﻲ أرﺟﺎء اﻟُﻨُﺰل ﺑﺸﺪة .ﻓﮫﺮوﻟﺖ إﻟﻰ ﺧﺎرج اﻟﺨﯿﻤﺔ .ﻷﺟﺪر أطﻔﺎل اﻟﻌﺸﺎﺋﺮ وﻗﺪ وﻗﻔﻮا ﻳﻨﻈﺮون ﺑﺪھﺸﺔ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻵﻟﺔ اﻟﻌﺠﯿﺒﺔ اﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻗﺮن ﺛﻮر .واﻟﺘﻲ ﻳﺨﺮج ﻣﻨﮫﺎ اﻟﺼﻮت ھﺎدرا ﻗﻮﻳﺎ وﻛﺄﻧﻪ ﺻﺮﺧﺔ ﻣﺎرد ﺗﻤﻼ اﻟﻔﻀﺎء .ﺗﻌﻠﻤﺖ ﻳﻮﻣﮫﺎ أن ﺻﻮت اﻟﺒﻮق ﻳﻌﻨﻲ اﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻠﺮﺣﯿﻞ إﻟﻰ ﻣﻜﺎن آﺧﺮ. ﺗﺤﺮك اﻟﺮﻛﺐ ﻣﻦ )إﻳﻠﯿﻢ( ﻗﺒﻞ زوال اﻟﺸﻤﺲ .ﻋﺒﺮت اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻛﺜﺒﺎن اﻟﺼﺤﺮاء ﻣﻦ ﺟﮫﺔ اﻟﺠﻨﻮب .ﻟﻢ ﻧﺴﻠﻚ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﻤﻌﺘﺎد ﻟﻠﻘﻮاﻓﻞ ﻓﻲ اﻟﺸﻤﺎل؛ ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ ﺣﺎﻣﯿﺎت اﻟﻔﺮﻋﻮن اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ھﻨﺎك .ﻓﻼ ﺷﻚ أن وﻋﻮرة اﻟﻄﺮﻳﻖ أھﻮن ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﻮع ﻓﻲ أﺳﺮ اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ ﻣﺮة أﺧﺮى. آه ﻳﺎ »ﺑﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ«! ﻛﻢ طﻮﻳﻨﺎ ﻓﻲ ﺛﺮاك ﻣﻦ ذﻛﺮﻳﺎت ﻣﻦ اﻷﻣﻞ واﻷﻟﻢ؟ ﺳﺄﻟﺖ أﻣﻲ ذات ﻳﻮم ﻟﻤﺎذا ﻳﺴﻤﻮﻧﮫﺎ »ﺑﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ« ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻨﻲ ﺑﺄﻧﮫﺎ أرض اﻹﻟﻪ »ﺳﯿﻦ« إﻟﻪ اﻟﻘﻤﺮ .وإﻧﻤﺎ ﺳﻤﯿﺖ ﺑﮫﺬا اﻻﺳﻢ ﺗﯿﻤﻨﺎ ﺑﮫﺬا اﻹﻟﻪ اﻟﺬي ﻋﺒﺪه ﺑﺪو اﻟﺼﺤﺮاء ﻟﯿﻨﯿﺮ ﻟﮫﻢ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺤﺮاء اﻟﻤﺨﯿﻔﺔ .وﻟﯿﻜﻮن ﻟﮫﻢ أﻧﯿﺴﺎ ﻓﻲ ﻟﯿﺎﻟﯿﮫﺎ اﻟﻤﻈﻠﻤﺔ. ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻞ أﺳﺮة ﺗﺴﯿﺮ ﺗﺤﺖ ﻟﻮاء اﻟﺴﺒﻂ اﻟﺬي ﺗﻨﺘﻤﻲ إﻟﯿﻪ .ﻛﻨﺖ أﻧﺎ وأﺑﻲ وأﻣﻲ واﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ﻧﺴﯿﺮ ﺧﻠﻒ راﻳﺔ ﺳﺒﻂ )رأوﺑﯿﻦ( .أﻣﺎ زوج ﻋﻤﺘﻲ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ﻓﺮﻏﻢ أﻧﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﯿﻠﺔ )ﺷﻤﺮون( ﻓﺈﻧﻪ َﻓ ّ ﻀﻞ أن ﻳﺴﯿﺮ ﻣﻌﻨﺎ ﺧﻠﻒ راﻳﺔ رأوﺑﯿﻦ .وﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻋﺸﯿﺮﺗﻨﺎ ﻳﻤﺎزﺣﻮﻧﻪ ﻗﺎﺋﻠﯿﻦ: ﻣﺎ ﺧﻄﺒﻚ ﻳﺎ )ﺷﺎﻣﺮي(؟ زوﺟﻨﺎك ﻣﻦ ﻋﺸﯿﺮﺗﻨﺎ أﻣﻼ ﻓﻲ أن ﺗﺮﺣﻞ ﻋﻨﺎ)ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( .إذا ﺑﮫﺎ ﺗﺰرﻋﻚ ﺑﯿﻨﻨﺎ .وﺗﻨﺰﻋﻚ ﻋﻦ )ﺷﻤﺮون( اﻧﺘﺰاﻋﺎ! ﻓﻜﺎن ﻻ ﻳﺒﺎدﻟﮫﻢ اﻟﻤﺰاح .ﺑﻞ ﻳﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﺮد ﻋﻠﯿﮫﻢ ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ھﻲ أﻗﺮب إﻟﻰ اﻻﻣﺘﻌﺎض ﻳﻌﺰوه ﺗﺨﻠﻒ ﻓﻲ طﺒﻌﻪ .واﻋﺘﺪاد ﺑﻨﻔﺴﻪ أﻣﺎم اﻵﺧﺮﻳﻦ .وﻛﻨﺖ ﻻ أﻋﺮف ﻟﺰوج ﻋﻤﺘﻲ ھﺬا اﺳﻤﺎ ﺳﻮى ﻟﻘﺒﻪ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﻧﺴﺒﺔ إﻟﻰ ﺳﺒﻄﻪ ﺷﻤﺮون .وﻟﻌﻞ ﺑﻨﻲ رأوﺑﯿﻦ ﻛﺎن ﻳﻨﺎدوﻧﻪ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻠﻘﺐ ﻟﯿﺬﻛﺮوه داﺋﻤﺎ ﺑﺄﻧﻪ دﺧﯿﻞ ﻋﻠﯿﮫﻢ ..وﻋﻠﻤﺖ ﻣﻦ أﻣﻲ أﻧﻪ ﻛﺎن أﺣﺪ اﻟﻜﺎرھﯿﻦ ﻟﻠﺨﺮوج ﻣﻦ ﻣﺼﺮ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻧﺤﺎﺗﺎ ﺛﺮﻳﺎ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ »ﻓﯿﺜﻮم« .ﻳﻨﺤﺖ ﻣﻦ أﺣﺠﺎرھﺎ ﺗﻤﺎﺛﯿﻞ اﻟﻌﺠﻞ أﺑﯿﺲ. ﻓﺘﺤﻤﻠﮫﺎ اﻟﻤﺮاﻛﺐ ﻋﺒﺮ اﻟﻨﯿﻞ إﻟﻰ اﻟﻤﻌﺎﺑﺪ ﻓﻲ طﻮل ﻣﺼﺮ وﻋﺮﺿﮫﺎ. أﺳﻠﻤﺘﻨﺎ ﺷﻤﺲ اﻟﻤﻐﯿﺐ إﻟﻰ ﻗﻤﺮ اﻟﺒﺮﻳﺔ اﻟﺬي اﻧﻌﻜﺲ ﻧﻮره ﻋﻠﻰ رﻣﺎل اﻟﺼﺤﺮاء .ﻓﺒﺪت ﺣﺒﺎت اﻟﺮﻣﺎل ﻛﺄﺣﺠﺎر اﻟﻔﯿﺮوز اﻟﻤﺘﻸﻟﺌﺔ .ﻛﺎن اﻟﺨﺮﻳﻒ ﻗﺪ اﻧﺘﺼﻒ. وﻧﺴﻤﺎت اﻟﻠﯿﻞ اﻟﺒﺎردة ﺗﺠﺒﺮ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ إﺷﻌﺎل اﻟﻨﯿﺮان ﻓﻲ اﻟﻠﯿﻞ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺘﺪﻓﺌﺔ ،وﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﺟﻠﺲ أي وزوج ﻋﻤﺘﻲ أﻣﺎم ﺧﯿﻤﺘﻨﺎ وﻣﻌﮫﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ .وﻗﺪ اﻟﺘﻔﻮا ﺣﻮل ﺟﻤﺮات اﻟﻨﺎر اﻟﻤﺸﺘﻌﻠﺔ .ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ ھﻲ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻲ اﻟﺘﻲ أرى ﻓﯿﮫﺎ )ﻗﻮرح( .و )ﻗﻮرح( ھﺬا ھﻮ اﺑﻦ ﻋﻢ ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﯽ( ،رﺟﻞ ﻣﮫﯿﺐ اﻟﻄﻠﻌﺔ .أﻧﯿﻖ اﻟﺜﯿﺎب .وأﺣﺪ اﻷﺛﺮﻳﺎء اﻟﺬﻳﻦ ذاﻗﻮا رﻏﺪ اﻟﻌﯿﺶ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ،وﻣﺜﻠﻪ ﻣﺜﻞ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻜﺎرھﯿﻦ ﻟﻠﺨﺮوج .رﻏﻢ ﻗﺮاﺑﺘﻪ ﻟﻨﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﯽ(. أﺛﺎرت اﻟﻨﺴﻤﺎت اﻟﮫﺎدﺋﺔ وطﻘﻄﻘﺎت اﻟﺠﻤﺮات ذﻛﺮﻳﺎت ﻟﯿﺴﺖ ﺑﺒﻌﯿﺪة ﻋﻠﯿﮫﻢ. ﻓﻜﻢ ﻣﻦ ﻣﺮة ﺗﺠﻤﻌﺖ ﻓﯿﮫﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺤﺒﺔ دون واﻟﺪي ﻓﻲ ﻣﻨﺰل )ﻗﻮرح( اﻟ ُ ﻤﻘﺎم ﻋﻠﻰ ﺷﺎطﺊ اﻟﺒﯿﻠﻮز ﻓﻲ ﻣﺼﺮ .ﺗﺤﺪث رﺟﻞ اﺳﻤﻪ )داﻧﺎن( ﻓﺄﺛﺎرت ﮐﻠﻤﺎﺗﻪ ﻣﺸﺎﻋًﺮا ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ اﺳﺘﻘﺮت ﻓﻲ ﺧﺒﯿﺌﺔ أﻧﻔﺴﮫﻢ ﻣﻨﺬ أن ﺧﺮﺟﻮا ﻣﻦ أرض اﻟﺠﻮﺷﻦ .ﻓﻜﺸﻔﻮا ﻋﻨﮫﺎ اﻟﻐﻄﺎء وﻟﻢ ﻳﺠﺪوا ﻏﻀﺎﺿﺔ ﻓﻲ أن ﻳﺒﻮﺣﻮا ﺑﮫﺎ أﻣﺎم واﻟﺪي .اﻟﺬي ﻛﺎن ﺣﺘﯽ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻏﺮﻳﺒﺎ ﻋﻨﮫﻢ .ﻗﺎل )داﺛﺎن( وھﻮ ﻳﻔﺮك ﻳﺪﻳﻪ ﻓﻮق ﻛﻮﻣﺔ اﻟﺠﻤﺮات: أﺷﺘﺎق إﻟﻰ ﻣﻨﺰﻟﻲ ﻓﻲ أوﻓﺎرﯾﻮس .ﺗﺪاﻋﺐ أﻧﻔﻲ راﺋﺤﺔ أﺷﺠﺎر اﻟﻠﯿﻤﻮنواﻟﺒﺮﺗﻘﺎل ﻓﻲ ﻟﯿﺎﻟﻲ ﺗﻤﻮز. ﺗﻨﮫﺪ )ﻗﻮرح( وﻗﺎل ﻓﻲ ﺣﻨﯿﻦ: وﻣﻦ ﻣﻨﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﺮك ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻪ ﻓﯿﻪ..ﻗﺎل رﺟﻞ ﺑﺪﻳﻦ اﺳﻤﻪ )أﺑﯿﺮام(: أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﺄﺷﺘﺎق إﻟﻰ طﻌﺎﻣﮫﺎ .ﻓﻘﺪ ﺳﺌﻤﺖ ﻣﻌﺪﺗﻲ اﻟﻠﺤﻢ واﻟﻠﺒﻦ! أﻳﻦ راﺋﺤﺔاﻟﺨﺒﺰ؟ أﻳﻦ ﻗﺪور اﻟﻌﺪس اﻟﺴﺎﺧﻨﺔ ﻣﻊ ﻗﻀﻤﯿﺎت اﻟﺒﺼﻞ اﻟﻼذع. ﺿﺤﻚ اﻟﺮﺟﺎل .وﻧﻈﺮوا إﻟﻰ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( وﻛﺄﻧﻪ ﻗﺪ ﺣﺎن دوره ﻟﯿﺒﻮح ﺑﺴﺮه ﻓﻲ ﻟﻌﺒﺔ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت .ﺻﻤﺖ اﻟﺮﺟﻞ ﻟﺤﻈﺎت ﺛﻢ ﻗﺎل: أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﺄﺷﺘﺎق إﻟﻰ )أﺑﯿﺲ(!!أﻟﺠﻤﺖ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ اﻷﻟﺴﻨﺔ .ورأﻳﺖ اﻻﺳﺘﻨﻜﺎر ﻋﻠﻰ وﺟﻪ أﺑﻲ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺮﺟﻞ ﺗﺎﺑﻊ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻓﻲ ھﯿﺎم اﻟﻌﺎﺷﻖ: ﻛﻢ ﺗﺸﺘﺎق ﻳﺪاي إﻟﻰ أن ﻳﺼﻮﻏﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﯿﻦ ﻧﺼﺒﺎ ﻟﻪ .أو أن ﻳﻨﺤﺘﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮرﺳﻤﺎ ﻟﻪ .ﻛﻢ أﺷﺘﺎق إﻟﻰ ﻧﻈﺮات اﻹﻋﺠﺎب ﻓﻲ ﻋﯿﻮن أھﻞ ﻣﺼﺮ اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﺼﺪﻗﻮا أن رﺟﻼ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻗﺪ ﻓﺎﻗﮫﻢ إﺑﺪاﻋﺎ. ﺗﻨﮫﺪ ﺛﻢ ﻗﺎل وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺤﺪث ﻧﻔﺴﻪ .وﻳﺠﯿﺐ أﺳﺌﻠﺔ ﺗﺪور ﻓﻲ رءوﺳﮫﻢ: ﻛﻨﺖ أﻧﺘﺸﻲ ﺟﯿﻦ أرى اﻟﺠﺒﺎه ﺗﻨﺤﻨﻲ أﻣﺎﻣﻪ .ﻟﻢ أﻛﻦ أرى ﻓﻲ ﺳﺠﻮدھﻢﻋﺒﺎدة ﻟﻪ .وإﻧﻤﺎ اﺣﺘﺮاﻣﺎ وﺗﺒﺠﯿﻼ ﻟﺼﻨﻌﺔ ﻳﺪي. ﻟﻢ ﻳﻌﻘﺐ أﺣﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﻓﻲ ﺣﯿﻦ ﻧﻈﺮ )داﻧﺎن( إﻟﻰ أﺑﻲ وﻗﺎل ﻟﻪ: وأﻧﺖ أﻳﮫﺎ اﻟﺸﺎب .ﻣﺎ اﻟﺬي ﺗﻔﺘﻘﺪه ﻓﻲ ﻣﺼﺮ؟رأﻳﺖ اﻟﺠﺪ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ أﺑﻲ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻟﻢ أﺗﺮك ﻓﯿﮫﺎ ﻣﺎ أﺣ ّﻦ إﻟﯿﻪ .ﻓﻘﺪ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻨﮫﺎ ﺑﻤﻦ أﺣﺐ) :زوﺟﺘﻲ( و )اﺑﻨﻲ(. وﻻ أﺗﺬﻛﺮ ﻓﯿﮫﺎ إﻻ ﻓﻘﺮا ﻋﺸﺘﻪ .أو ذﻻ ﻋﺎﻧﯿﺘﻪ. ﻟﻢ ﺗﺮق ﺣﻤﺎﺳﺘﻪ إﻟﻰ )أﺑﯿﺮام( اﻟﺒﺪﻳﻦ ﻓﻘﺎل ﺳﺎﺧﺮا .:ﻣﺎ زﻟﺖ ﻳﺎﻓﻌﺎ أﻳﮫﺎ اﻟﺸﺎب. وﻋﺬرك أﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﻌﺶ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ أﻳﺎﻣﺎ ﻛﺎن أھﻞ ﻣﺼﺮ ﻳﻘﺘﺴﻤﻮن ﻓﯿﮫﺎ طﻌﺎﻣﮫﻢ ﻣﻊ ﺟﯿﺮاﻧﮫﻢ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ. رد أﺑﻲ ﻣﺪاﻓﻌﺎ: رأﻳﺖ ﻣﻦ ﻋﻄﻒ اﻟﺴﯿﺪ )ﺑﯿﻨﻮ( وﻣﻦ زوﺟﺘﻲ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ )روﻣﺎﻧﺎ( ﻣﺎ ﻳﺸﻔﻊ ﻟﻲﺣﺪاﺛﺔ ﺳﻨﻲ .وﻣﺎ ُﻛﺮه اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ أﺷﻜﻮ .ﺑﻞ أﺗﺤﺪث ﻋﻦ إذﻻل اﻟﻔﺮﻋﻮن ﻟﻨﺎ .ﻓﺄي ﻋﺎر ﻗﺪ ﻟﺤﻖ ﺑﻨﺎ وﻗﺪ ﻛﻨﺎ ﻧﺒﻨﻲ ﻟﮫﻢ اﻟﻤﻌﺎﺑﺪ وﻧﺼﻨﻊ ﻟﮫﻢ ﺗﻤﺎﺛﯿﻞ اﻵﻟﮫﺔ! وﻧﺤﻦ أﺣﻔﺎد )إﺑﺮام( و )إﺳﺤﻖ( و )ﻳﻌﻘﻮب(! ﻋﺒﺲ وﺟﻪ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( .ﻓﻲ ﺣﯿﻦ ﻻذ )داﻧﺎن( وأﺧﻮه ﺑﺎﻟﺼﻤﺖ ،وﻣﻀﺖ ﻟﺤﻈﺎت ﻣﻦ اﻟﺼﻤﺖ ﻗﻄﻌﮫﺎ )ﻓﻮرح( ﺑﻘﻮﻟﻪ: ﻗﻞ ﻟﻲ أﻳﮫﺎ اﻟﻨﺠﺎر اﻟﺸﺎب؛ ﻷي ﺷﻲء ﺗﺮﻛﺖ ﺻﻨﻌﺘﻚ وﺑﯿﺘﻚ؟أﺟﺎﺑﻪ أﺑﻲ: ﻷﻣﺮ اﻟﺮب.ﻗﺎل )ﻗﻮرح(: ﺑﻞ ﻗﻞ ﻷﻣﺮ )ﻣﻮﺳﯽ(! ﻓﻘﺪ ﻋﺎش آﺑﺎؤﻧﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷرض ﻣﻨﺬ أن ھﺎﺟﺮوا إﻟﯿﮫﺎﻣﻊ ﻳﻮﺳﻒ وأﺧﻮﺗﻪ .وﻟﻢ ﻳﺄﻣﺮھﻢ اﻟﺮب ﺑﺎﻟﺨﺮوج. ﻗﺎل أﺑﻲ: ھﻜﺬا ﻗﺎل اﻟﺴﯿﺪ اﻟﺮب :ﻧﺪﺧﻞ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،وﻧﺮث اﻷرض اﻟﺘﻲ ﺗﻔﯿﺾ ﻟﺒﻨﺎوﻋﺴﻼ. ﺿﺤﻚ )ﻗﻮرح( ﺳﺎﺧﺮا ﺛﻢ ﻗﺎل: اﻟﻠﺒﻦ واﻟﻌﺴﻞ!! ھﺬا ﻣﺎ ﻏﺮّ ﺑﻪ )ﻣﻮﺳﯽ( أﻣﺜﺎﻟﻜﻢ ﻟﯿﺼﻨﻊ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻣﻠﻜﺎ.ﺛﻢ أردف: ﻟﻌﻠﻚ ﺗﻌﻠﻢ أﻳﮫﺎ اﻟﻨﺠﺎر ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ اﻟﻘﺎﺋﻞ »ﻻ ﺗﻌﺪ ﺑﺼﻨﻊ اﻟﺼﻨﺪوق ﻗﺒﻞ أن ﺗﻘﻄﻊاﻟﺨﺸﺐ ﻣﻦ اﻟﺸﺠﺮة« .وھﺬا ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ )ﻣﻮﺳﯽ( ﺑﻜﻢ .وﻋﺪﻛﻢ ﺑﺎﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﯿﺾ ﻟﺒﺘﺎ وﻋﺴﻼ وھﻮ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﯿﮫﺎ. ﺛﻢ ﻗﺎم واﻗﻔﺎ وﻗﺎل: ﻟﻮ أن ھﻨﺎك أرﺿﺎ ﺗﻔﯿﺾ ﻟﺒًﻨﺎ وﻋﺴﻼ ﻓﮫﻲ ﺗﻠﻚ اﻷرض اﻟﻘﺎﺑﻌﺔ ﺧﻠﻒ ذﻟﻚ اﻟﺒﺤﺮ.ﻞ ﮐﺎذب! وﺳﯿﺄﺗﻲ ﻳﻮم ﻳﻨﺪم ﻓﯿﻪ ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أن ﺗﺮﻛﻮھﺎ ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻞ أﻣ ٍ رد ﻋﻠﯿﻪ أﺑﻲ وھﻮ ﻳﻘﻮم ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻪ أﻳﻀﺎ وﻳﺴﺘﻌﺪ ﻟﻼﻧﺼﺮاف: ﻟﻮ ﻣﻸ اﻹﻳﻤﺎن ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ ﻟﺮأﻳﺘﻤﻮه ﻛﻤﺎ أراه .ﻓﺒﺤﻖ اﻟﺮب إﻳﻞ .إﻧﻲ ﻷرى اﻷرضاﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺑﻘﻠﺒﻲ ﻗﺒﻞ أن أراھﺎ ﺑﻌﯿﻨﻲ. ﺛﻢ اﻧﺼﺮﻓﻮا ﻛ ٌ ﻞ ﻣﻦ طﺮﻳﻖ .وﻗﺪ ﺗﺮﻛﻮا ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﺳﺆاﻻ ظﻞ ﻳﺤﯿﺮﻧﻲ ﺑﻌﺪھﺎ ﻟﺴﻨﻮات :ﻟﻤﺎذا ھﺬا اﻟﺼﺮاع اﻟﺪاﺋﻢ ﻣﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﻌﻘﻞ واﻻﯾﻤﺎن؟ ∞∞∞∞∞ ﻗﻄﻌﻨﺎ اﻟﯿﻮﻣﯿﻦ اﻟﺘﺎﻟﯿﯿﻦ ﻓﻲ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻷرض ﻗﺎﺣﻠﺔ ﻻ ﻳﻨﺒﺖ ﻓﯿﮫﺎ إﻻ ﺑﻌﺾ اﻟﻜﻸ واﻟﻌﺸﺐ اﻟﺬي ﻳﻜﻔﻲ ﺑﺎﻟﻜﺎد ﻹطﻌﺎم اﻷﻏﻨﺎم واﻟﻤﺎﺷﯿﺔ ،ﻛﺎدت ﺣﺼﺺ اﻟﻤﺎء أن ﺗﻨﻔﺪ .وﻟﻢ ﺗﻌﺪ أﻟﺒﺎن اﻟﻤﺎﺷﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﻔﺖ ﺿﺮوﻋﮫﺎ وھﺰﻟﺖ ﺷﺤﻮﻣﮫﺎ ﻣﻦ ﻗﻠﺔ اﻟﻤﺮﻋﻰ وﺷﺢ اﻟﻤﯿﺎه ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ﺳﺪ اﻟﺠﻮع .ورى اﻟﻈﻤﺄ. ﺗﻮﻗﻔﻨﺎ ﻋﻨﺪ »دﻓﻘﺔ« ﺛﻢ »أﻟﻮش« وﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮة ﻛﺎن ﺑﻌﺾ اﻟﺮﺟﺎل ﻳﺘﻔﺮﻗﻮن ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ﻳﻨﻘﻠﻮن أﺑﺼﺎرھﻢ ﻣﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﺴﻤﺎء واﻷرض .ﻋﻠﮫﻢ ﻳﺒﺼﺮون ﺳﺤﺎﺑﺔ ﺣﺒﻠﻰ ﺑﺎﻟﻐﯿﺚ ،أو ﻋﯿﻦ ﻣﺎء ﺗﺮوي ظﻤﺄ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻤﺠﮫﺪ ﻣﻦ اﻻرﺗﺤﺎل. وﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺜﺎﻟﺚ وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻌﻄﺶ ﻳﺒﻠﻎ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﻣﺒﻠﻐﻪ ﻟﻤﺢ أﺣﺪھﻢ ﺻﻮﻣﻌﺔ ﻓﻮق إﺣﺪى ﻗﻤﻢ اﻟﺠﺒﺎل ﻳﺤﯿﻂ ﺑﮫﺎ ﺑﻀﻌﺔ ﻣﻨﺎزل ﺧﺸﺒﯿﺔ .وﻳﻘﺒﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻨﮫﺎ ﺑﯿﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ .ﺗﻮﻗﻒ اﻟﻤﺴﯿﺮ .وﺻﻌﺪت ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل إﻟﻰ ﺻﻮﻣﻌﺔ اﻟﺠﺒﻞ ﻟﻌﻠﮫﻢ ﻳﺠﺪون ﻓﯿﮫﺎ ﻣﻦ ﻳﺮﺷﺪھﻢ إﻟﻰ ﻋﯿﻦ ﻣﺎء ﻗﺮﻳﺒﺔ .ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺼﻮﻣﻌﺔ ﺧﺎﻟﯿﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺸﺮ .وﺑﺪا أﻧﮫﺎ ﻣﺨﺰن ﻷﺣﺠﺎر اﻟﻔﯿﺮوز .وأن اﻟﻤﻨﺎزل اﻟﻤﺤﯿﻄﺔ ﺑﮫﺎ ھﻲ ﻣﻨﺎزل ﻋﻤﺎل اﻟﻤﻨﺎﺟﻢ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ .طﺮق اﻟﺮﺟﺎل أﺑﻮاب اﻟﻤﻨﺎزل ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪوا أﺣﺪا .ﻳﻤﻤﻮا ﺷﻄﺮ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺤﺠﺮي .وھﻨﺎك وﺟﺪوا اﻟﻌﻤﺎل ﻓﻲ ﺻﺤﻦ اﻟﺒﯿﺖ وﻗﺪ ﻋﻜﻔﻮا ﻋﻠﻰ ﺻﻨﻢ ھﺎﺋﻞ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺑﻘﺮة ﻋﻈﯿﻤﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﺑﯿﻦ ﻗﺮﻧﯿﮫﺎ ﻛﺮة ﻣﻦ ذھﺐ .وﻋﻠﻰ اﻟﺠﺪران ﺗﺮﺳﻢ ﺻﻮر أﺧﺮى ﻻﻣﺮأة ﻓﺎﺗﻨﺔ ﻟﮫﺎ ﻗﺮﻧﺎن. وﻳﺒﺮز ﻣﻦ ﺟﺴﺪھﺎ اﻷﻏﺼﺎن اﻟﺘﻲ ﺗﻈﻠﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس وﺗﺴﻘﻲ اﻟﻈﻤﺂﻧﯿﻦ .ﻋﻠﻤﺖ ﻣﻦ أﻣﻲ ﻓﯿﮫﺎ ﺑﻌﺪ أﻧﮫﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻹﻟﮫﺔ )ﺣﺘﺤﻮر( رﺑﺔ اﻟﺤﺐ واﻟﺤﻨﺎن .ورﻣﺰ اﻟﻌﻄﺎء واﻟﻨﻤﺎء ﻋﻨﺪ أھﻞ ﻣﺼﺮ. اﻧﺘﻈﺮ اﻟﺮﺟﺎل ﺣﺘﻰ ﻓﺮغ اﻟﻌﻤﺎل ﻣﻦ ﺻﻼﺗﮫﻢ .ﺛﻢ ﺳﺄﻟﻮھﻢ ﻋﻦ ﻋﯿﻦ ﻣﺎء ﻗﺮﻳﺒﺔ. ﻓﺄﺟﺎﺑﻮھﻢ ﺑﻤﺎ زادھﻢ ﻳﺄ ً ﺳﺎ: ﻟﻢ ﻧﺰل ﻋﺎﻛﻔﯿﻦ ﻋﻠﻰ رﺑﺔ اﻟﺤﻨﺎن ﻣﻨﺬ ﺷﮫﺮ .ﻓﻠﻢ ﻳﮫﺒﻂ ﻋﻠﯿﻨﺎ اﻟﻤﻄﺮ.ﻋﺎد اﻟﺮﺟﺎل ﻣﺤﻤﻠﯿﻦ ﺑﺎﻟﯿﺄس واﻟﻘﻨﻮط .وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﺤﻮل ذﻟﻚ اﻟﯿﺄس إﻟﻰ ﺗﺬﻣﺮ ﻓﻲ ﻧﻔﻮس اﻟﻨﺎس ﺑﻌﺪ أن ﺷﻌﺮوا ﺑﺘﺰاﻳﺪ اﻟﻤﺤﻨﺔ دون ﺑﺎرﻗﺔ أﻣﻞ .وﺗﺴﺎﻗﻂ اﻟﺒﻌﺾ ﻓﻲ ﺑﺮاﺛﻦ اﻟﺮﻳﺒﺔ .ﻗﺎﻟﻮا ھﺬه أرض اﻹﻟﻪ )ﺳﺒﯿﻦ( واﻵﻟﮫﺔ )ﺣﺘﺤﻮر( .وﻟﻦ ﻳﺴﻘﻂ اﻟﻤﻄﺮ إﻻ ﺑﺮﺟﺎﺋﮫﻢ .ﻟﻤﺎذا ﻻ ﻳﺠﻌﻞ ﻟﻨﺎ )ﻣﻮﺳﯽ( آﻟﮫﺔ ﻛﻤﺎ ﻟﮫﻢ آﻟﮫﺔ؟ وﺗﮫﻜﻢ اﻟﺸﺎﻣﺘﻮن ﻣﻨﮫﻢ واﻟﻜﺎرھﻮن ﻟﻠﺨﺮوج .ﻗﺎﻟﻮا :ﻋﺸﻨﺎ أرﺑﻌﯿﻦ ﻋﺎﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ .ﻧﺘﻘﻲ زﺧﺎت اﻟﻤﻄﺮ ﺑﺴﻌﻒ اﻟﻨﺨﯿﻞ .وﻧﻐﺘﺮف اﻟﻤﺎء ﻣﻦ ﺗﺤﺖ أﻗﺪاﻣﻨﺎ .وھﺎ ﻧﺤﻦ ﻧﻤﻮت ﻋﻄﺸﺎ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ. ووﺻﻠﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻠﻤﺎت إﻟﻰ أﺑﻲ .ﻓﻠﻢ ﻳﺰد ﻋﻦ ﻗﻮﻟﻪ: إﻧﮫﻢ ﻗﻮم ﻳﺠﮫﻠﻮن.وﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺮاﺑﻊ ﻛﻨﺎ ﻗﺪ اﻗﺘﺮﺑﻨﺎ ﻣﻦ وادي رﻓﯿﺪﻳﻢ .ﻛﻨﺖ أﻣﺘﻄﻲ ظﮫﺮ اﻷﺗﺎن وﺧﻠﻔﻲ أﻣﻲ ﺗﺘﺄرﺟﺢ ﻋﻠﻰ ظﮫﺮه ﺗﮑﺎد ﺗﺴﻘﻂ ﻣﻦ اﻹﻋﯿﺎء .أﻣﺎ أﺑﻲ ﻓﻜﺎن ﻳﺴﯿﺮ إﻟﻰ ﺟﻮارﻧﺎ ﻳﺘﻈﺎھﺮ ﺑﺎﻟﺘﻤﺎﺳﻚ .وﺗﻔﻀﺤﻪ ﺧﻄﻮاﺗﻪ اﻟﺜﻘﯿﻠﺔ وﺟﻔﻨﺎه اﻟﻠﺬان ﺗﮫﺪﻻ ﻣﻦ ﺷﺪة اﻟﺘﻌﺐ واﻹﺟﮫﺎد .واﻟﺤﻖ أﻧﮫﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﺬوﻗﺎ اﻟﻄﻌﺎم أو اﻟﻤﺎء ﻣﻨﺬ ﺗﺮﻛﻨﺎ »إﻳﻠﯿﻢ«. ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺎ ﻳﺆﺛﺮاﻧﻲ ﺑﻤﺎ ﺗﺠﻮد ﺑﻪ اﻟﺸﺎة ﻣﻦ ﻟﺒﻦ .وﻛﺎن ﻧﺬرا ﻳﺴﯿﺮا .وﺳﻘﻄﺖ أﻣﻲ ﻣﻦ ﻓﻮق ظﮫﺮ اﻷﺗﺎن ﻓﺘﻠﻘﻔﮫﺎ أﺑﻲ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺮﺗﻄﻢ ﺑﺎﻷرض .وأراح رأﺳﮫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻣﺎل .ﻛﺎن ﻟﻮﻧﮫﺎ ﺷﺎﺣﺒﺎ وﻗﺪ ﻏﺎرت ﻋﯿﻨﺎھﺎ وﺗﺸﻘﻘﺖ ﺷﻔﺘﺎھﺎ .اﺑﺘﺴﻤﺖ ﻓﻲ إﻋﯿﺎء وﻗﺎﻟﺖ: ﻳﺒﺪو أﻧﮫﺎ ﻧﮫﺎﻳﺔ رﺣﻠﺘﻲ ﻳﺎ )زﺧﺎري(.دﻟﻚ ﻳﺪھﺎ ﺑﺮاﺣﺘﯿﻪ وﻗﺎل ﻟﮫﺎ: ﺗﻤﺎﺳﻜﻲ ﻳﺎ أم )ﺷﻤﻌﻮن( ﻓﮫﺎ ﻗﺪ وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ رﻓﯿﺪﻳﻢ.ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ وھﻦ: ﻛﻢ ﻛﻨﺖ أﺷﺘﺎق إﻟﻰ رؤﻳﺔ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ.ﻗﺎل ﻟﮫﺎ ﻓﻲ ﻳﻘﯿﻦ: ﺳﺘﺮﯾﻨﮫﺎ ﻳﺎ ﻧﻘﯿﺔ اﻟﻘﻠﺐ ﻓﻤﻦ أﻧﺠﺎﻧﺎ ﻣﻦ ﻓﺮﻋﻮن ﻟﻦ ﻳﮫﻠﻜﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳﺔ .ﺛﻢ ﻋﺼﺮﻋﻠﻰ ﺷﻔﺘﯿﮫﺎ ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻦ ﻟﺤﺎء اﻟﻌﺸﺐ .وأﺳﻘﺎھﺎ رﺷﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﺒﻦ .ﺛﻢ ﺣﻤﻠﮫﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻓﻮق ظﮫﺮ اﻷﺗﺎن. وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ رﻓﯿﺪﻳﻢ ﻗﺒﻞ ﺣﻠﻮل اﻟﻤﺴﺎء .ﻧﻈﺮ اﻟﻨﺎس إﻟﻰ اﻟﻮادي اﻟﻔﺴﯿﺢ ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪوا ﺟﺪوﻻ وﻻ ﺑﺌﺮا .ﺑﻠﻎ ﺑﮫﻢ اﻟﻐﻀﺐ ﻣﺒﻠﻐﻪ .ﻋﻠﺖ ﺻﺮﺧﺎﺗﮫﻢ ﻋﻠﻰ )ﻣﻮﺳﯽ(: ﻟﻤﺎذا أﺗﯿﺖ ﺑﻨﺎ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﻮادي ھﻞ ﺟﺌﺖ ﺑﻨﺎ ﻟﺘﮫﻠﻜﻨﺎ؟رأﻳﺖ اﻟﺨﻮف ﻋﻠﻰ وﺟﻪ أﺑﻲ وﺳﻤﻌﺘﻪ ﻳﻠﮫﺞ ﺑﺎﻟﺮﺟﺎء إﻟﻰ اﻟﺮب إﻳﻞ .وﺗﻌﻠﻘﺖ ﻋﯿﻮن اﻟﺼﺎﻟﺤﯿﻦ ﺑﺎﻟﻨﺒﻲ اﻟﺬي ﺗﺮك اﻟﺠﻤﻊ وﺻﻌﺪ ﺑﺎﺗﺠﺎه اﻟﺠﺒﻞ .ﺧﺸﻌﺖ اﻷﺻﻮات ﻓﻼ ﺻﻮت إﻻ دﻗﺎت اﻟﻘﻠﻮب .وھﻤﺲ اﻷﻧﻔﺎس .وﺗﻌﻠﻘﺖ اﻷﺑﺼﺎر ﺑﻌﺼﺎ اﻟﻤﻌﺠﺰات اﻟﺘﻲ ﺣﻤﻠﮫﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻓﻲ ﻳﺪه ﻋﻨﺪﻣﺎ ارﺗﻔﻌﺖ اﻟﻌﺼﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﺛﻢ ھﺒﻄﺖ ﻓﻲ ﻗﻮة ﻓﻮق اﻟﺼﺨﺮة اﻟﺼﻠﺪة ﻓﺈذا ﺑﺎﻟﻤﺎء ﻳﻨﻔﺠﺮ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﺛﻨﺎﻳﺎ اﻟﺤﺠﺮ ﻛﺎﻟﺒﺮﻛﺎن. ﺗﺘﺎﺑﻌﺖ اﻟﯿﻨﺎﺑﯿﻊ اﻟﻮاﺣﺪة ﺗﻠﻮ اﻷﺧﺮى .اﺛﻨﺘﺎ ﻋﺸﺮة ﻋﯿﻨﺎ ﻳﺘﺪﻓﻖ ﻣﻨﮫﻦ اﻟﻤﺎء ﻋﺬﺑﺎ رﻗﺮاﻗﺎ ،وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻳﺼﺒﻪ ﻣﻠﻚ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء .ﻗﻔﺰ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﻤﯿﺎه وﺳﺒﺤﻮا ﻓﻲ اﻟﯿﻨﺎﺑﯿﻊ ﻓﺮﺣﺎ ،ﺷﺮﺑﻮا وارﺗﻮا ﺑﻌﺪ اﻟﻤﺸﻘﺔ واﻟﺤﺮﻣﺎن .وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن أﺑﻲ ﻳﺼﺐ اﻟﻤﺎء ﻓﻮق رأﺳﻲ ﻓﺮﺣﺎ ﺗﺬﻛﺮت ﻗﻮﻟﻪ »إن ﻣﻦ أﻧﺠﺎﻧﺎ ﻣﻦ ﻓﺮﻋﻮن ﻟﻦ ﻳﮫﻠﻜﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳﺔ« .وأدرﻛﺖ ﻋﻠﻰ ﺻﻐﺮي أن اﻹﻳﻤﺎن واﻟﻌﻘﻞ ﻗﺪ ﻻ ﻳﺠﺘﻤﻌﺎن أﺣﯿﺎﻧﺎ! ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ُ »رﻓﯿﺪﻳﻢ« اﺳﻢ ﻳﻌﻨﻲ ﺑﻠﻐﺘﻨﺎ »اﻟﺮاﺣﺔ« .وﻻ أدري إن ﻛﺎن ھﺬا اﻻﺳﻢ ﻗﺪ أطﻠﻖ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أن ﻧﻄﺄھﺎ أم إﻧﻪ اﺳﻢ اﺑﺘﺪﻋﻪ ﻗﻮﻣﻲ ﺣﯿﻨﮫﺎ .واﻟﺤﻖ أن اﻷﻳﺎم اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﻗﻀﯿﻨﺎھﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮادي اﻟﻔﺴﯿﺢ ھﻲ أﺳﻌﺪ اﻷﻳﺎم اﻟﺘﻲ ﻗﻀﯿﻨﺎھﺎ ﻓﻲ ﺳﯿﻨﺎء وأﻛﺜﺮھﺎ راﺣﺔ ﻋﻠﻰ اﻹطﻼق .ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻷول ﺟﻤﻊ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺤﺠﺎرة .ﺛﻢ ﻗﺎﻣﻮا ﺑﺒﻨﺎء اﻵﺑﺎر وظﻠﻠﻮا ﺟﺪراﻧﮫﺎ ﺑﺎﻟﻄﯿﻦ واﻟﺠﺺ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻐﯿﺾ اﻟﻤﺎء ﻓﻲ اﻟﺮﻣﺎل .ورﻏﻢ ذﻟﻚ وﺟﺪ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺎء طﺮﻳﻘﻪ ﺑﯿﻦ اﻟﺸﻘﻮق ﻓﺘﻠﻘﻔﺘﻪ ﺑﺬور ﻋﻄﺸﯽ اﺧﺘﺒﺄت ﺑﯿﻦ طﯿﺎت اﻟﺜﺮى ﺑﻤﻨﺄى ﻋﻦ أﻳﺪي اﻟﺮﻳﺎح اﻟﻌﺎﺑﺜﺔ ﻓﻨﺒﺖ اﻟﻌﺸﺐ واﻟﻜﻸ ،وﻧﻤﺖ ﺑﻀﻊ ﺷﺠﯿﺮات ﻣﻦ اﻟﻄﻠﺢ واﻷراك وﻧﺒﺎت اﻟﻌﻮﺳﺞ .وﻗﺎم ﺑﻌﺾ اﻟﺰراع اﻟﻤﮫﺮة ﺑﻨﺸﺮ ﺑﺬور اﻟﻌﻮﺳﺞ ﻓﻲ اﻟﺮﻣﺎل وﺳﻘﻮھﺎ ﺑﻤﯿﺎه اﻵﺑﺎر ﻓﻠﻢ ﺗﻤﺾ أﺳﺎﺑﯿﻊ ﺣﺘﻰ ﻧﺒﺘﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﺬور .ﺛﻢ اﺳﺘﻄﺎﻟﺖ إﻟﻰ ﺷﺠﯿﺮات ﺑﻠﻎ طﻮﻟﮫﺎ اﻟﺬراﻋﯿﻦ .واﻛﺘﻨﺰﻧﺖ ﺛﻤﺎرھﺎ اﻟﺤﻤﺮاء اﻟﯿﺎﻧﻌﺔ ﺑﻌﺼﯿﺮ ﺣﻠﻮ اﻟﻤﺬاق وﻛﺄﻧﻪ اﻟﻌﺴﻞ اﻟﻤﺼﻔﻰ. ُ ووﺟﺪ أﺑﻲ ﺿﺎﻟﺘﻪ ﻓﻲ ﺷﺠﺮ اﻟﻐﺎب .وﺻﺎرت ﺑﯿﻨﻪ وﺑﯿﻦ أﻋﻮاد اﻟﺒﻮص أﻟﻔﻪ .ﻓﻜﺎن ﻳﺠﻮب اﻟﻮاﺣﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﮫﺎر ﻳﺠﻤﻊ أﻏﺼﺎن اﻟﺒﻮص اﻟﺨﻀﺮاء .ﺛﻢ ﻳﻨﺰع ﻋﻨﮫﺎ ﻟﺤﺎءھﺎ وﻳﺘﺮﻛﮫﺎ ﻟﺘﺠﻒ ﻓﻲ أﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ .ﺛﻢ ﻳﺄﺧﺬ اﻟﻌﯿﺪان اﻟﺠﺎﻓﺔ ﻓﯿﻄﻮﻋﮫﺎ ﺑﯿﺪﻳﻪ وﻳﺤﺪھﺎ ﻣﻌﺎ ﻟﯿﺼﻨﻊ ﻣﻨﮫﺎ اﻟﻤﺸﺎﻧﻲ واﻟﺼﻨﺎدﻳﻖ .وﺑﺮع أﺑﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻨﻌﺔ وﻋﻠﻤﮫﺎ ﻟﻲ وﻷﻣﻲ .ﻓﻜﻨﺎ ﻧﻘﻀﻲ اﻷﻳﺎم واﻟﻠﯿﺎﻟﻲ ﻧﺠﺪل اﻟﺤﺒﺎﺋﻞ وﻧﺤﯿﻚ اﻷﻏﺼﺎن ﻣﻌﺎ .ﺣﺘﻰ ﺗﺠﻤﻊ ﻟﺪﻳﻨﺎ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺸﺎﻧﻲ واﻟﺼﻨﺎدﻳﻖ .ﺣﻤﻠﮫﺎ أﺑﻲ إﻟﻰ ﺳﻮق اﻟُﻨُﺰل وﻗﺎﻳﻀﮫﺎ ﺑﺎﻟﺴﻤﻦ واﻟﻠﺒﻦ .ﻓﺎﻣﺘﻸت ﻗﺪورﻧﺎ ﺑﺎﻟﻄﻌﺎم وﺗﺤﺴﻨﺖ أﺣﻮاﻟﻨﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻔﺎﻗﺔ واﻟﺠﻮع. واﺳﺘﻄﺎع أﺑﻲ أن ﻳﺼﻨﻊ ﻟﻨﺎ ﻛﻮ ً ﺧﺎ ﻣﻦ أﻋﻮاد اﻟﺒﻮص ﺗﻤﯿﺰ ﻋﻦ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﺨﯿﺎم ﻓﻲ اﻟُﻨُﺰل ﺑﺎﻟﺪفء واﻟﺴﻌﺔ .وأﺛﺜﻪ ﺑﺴﺮﻳﺮ ﻣﻦ اﻟﻐﺎب ﻛﻨﺎ ﻧﻨﺎم ﻋﻠﯿﻪ ﻣًﻌﺎ .وﺗﺒﺎھﺖ أﻣﻲ ﺑﻤﻨﺰﻟﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺴﺎء اﻟﺴﺒﻂ .وﻟﻢ ﺗﺨﻒ ﻓﺨﺮھﺎ ﺑﻪ أﻣﺎﻣﮫﻦ وﺑﺎﻷﺧﺺ أﻣﺎم اﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( .ﻓﺎﻟﻤﺮأة ﺑﻔﻄﺮﺗﮫﺎ ﻻ ﺗﻨﺴﻰ اﻟﻜﯿﺪ ﻟﮫﺎ .ﺣﺘﻰ وإن ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻤﻞ ﻗﻠﺒﺎ ﻋﻄﻮﻓﺎ ﻣﺜﻞ )روﻣﺎﻧﺎ( .ﻛﻨﺖ أرى اﻟﺤﺐ رﻓﯿﻘﺎ راﺑﻌﺎ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﻛﻮﺧﻨﺎ اﻟﺠﻤﯿﻞ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن أﺑﻲ ﻳﺒﺬل ﻣﺎ ﻓﻲ وﺳﻌﻪ ﻹﺳﻌﺎد أﻣﻲ .ﻳﺤﻮطﮫﺎ ﺑﻌﻄﻔﻪ وﺣﻨﺎﻧﻪ .وﻳﻌﻮﺿﮫﺎ ﻋﻦ ﻓﻘﺪان اﻷھﻞ ﺑﺎﻟﻤﻮدة واﻟﺘﺪﻟﯿﻞ .أﺣﻀﺮ ذات ﻳﻮم ﻋﻮدا ﺳﻤﯿﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻮص .ﺛﻢ ﺷﺬﺑﻪ وأﺛﻘﺒﻪ .وﺗﺮﻛﻪ ﻓﻲ اﻟﺸﻤﺲ ﺣﺘﻰ ﻳﺠﻒ .ﺳﺄﻟﺘﻪ ﺣﯿﻦ رأﻳﺘﻪ ﻓﻲ ﻳﺪه: ﻣﺎ ھﺬا ﻳﺎ أﺑﻲ؟ﻗﺎل ﻣﺒﺘﺴﻤﺎ ﻓﻲ ﺣﻤﺎس: اﺳﻤﻪ ﻧﺎي! ﺳﺘﺴﻌﺪ أﻣﻚ ﺑﻪ.وﺣﯿﻦ ﻗﺪﻣﻪ إﻟﻰ )روﻣﺎﻧﺎ( ﺑﻜﺖ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﺣﺔ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ أﻣﻲ ﺗﻌﺸﻖ اﻟﻌﺰف ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎي ﻣﺜﻠﮫﺎ ﻣﺜﻞ أي ﺟﺎرﻳﺔ ﻣﺼﺮﻳﺔ ﺷﺒﺚ ﻓﻲ ﻣﻨﺰل أﺣﺪ اﻟﻨﺒﻼء .أﻣﺴﻜﺖ أﻣﻲ ﺑﺎﻟﻨﺎي وھﻤﺴﺖ ﻓﻲ طﺮﻓﻪ ﺑﺸﻔﺘﯿﮫﺎ ﺛﻢ داﻋﺒﺖ أﻧﺎﻣﻠﮫﺎ اﻟﺜﻘﻮب .ﻓﺈذا ﺑﺎﻟﻨﻐﻤﺎت ﺗﺨﺮج وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﺴﺎﺑﯿﺢ طﯿﺮ .ﺗﮫﺐ ﻟﻠﺠﻤﺎد روﺣﺎ وﺗﻀﻔﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﯿﺎة اﻟﺼﺤﺮاء دﻓﺌﺎ وﺷﺠﻮﻧﺎ .وﺣﻤﻞ اﻟﻨﺴﯿﻢ ﺻﻮت اﻟﻨﺎي ﻓﻲ أرﺟﺎء اﻟﺤﻲ ﻓﺼﺎرت اﻟﻨﺴﺎء ﻳﻔﺪن إﻟﻰ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻟﯿﻠﺔ .ﻟﯿﺴﻤﻌﻦ ﻧﻐﻤﺎت )روﻣﺎﻧﺎ( اﻟﺴﺎﺣﺮة. وﺑﻌﯿﺪا ﻋﻦ اﻟﻜﻮخ اﻟﺬي أظﻠﺘﻪ اﻟﻄﻤﺄﻧﯿﻨﺔ واﻟﺮﺿﻰ .وﺑﻌﯿﺪا ﻋﻦ أﺑﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺤﯿﺎة اﻟﺠﺪﻳﺪة ﺑﻘﻠﺐ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﺎﻹﻳﻤﺎن .ﻛﺎن ھﻨﺎك ﺻﻨﻒ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻳﻨﻈﺮون ﺑﺄﺳﻒ إﻟﻰ ﺣﯿﺎة ﻣﻀﺖ .ﻳﺘﺮﺑﺼﻮن ﻓﻲ ﻗﻠﻖ ﻟﻤﺎ ﺳﺘﺴﻔﺮ ﻋﻨﻪ أﻳﺎم اﻻرﺗﺤﺎل ،وﻳﻀﺠﻮن ﺑﺎﻟﺸﻜﻮى ﻋﻨﺪ أي ﺣﺎدﺛﺔ .اﺳﺘﯿﻘﻈﺖ ذات ﺻﺒﺎح ﻋﻠﻰ ﺟﻠﺒﺔ ﻋﺎﻟﯿﺔ ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﺴﻮق اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻮﺳﻂ اﻟُﻨُﺰل .اﻣﺮأة ﻣﻦ ﺳﺒﻂ »أﻓﺮاﻳﻢ« ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺎﻳﺾ رﺟﻼ ﻣﻦ ﺳﺒﻂ »زﺑﻮﻟﻮن« .ﺻﺎﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﺪﻗﯿﻖ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻗﺪح ﻣﻦ اﻟﺴﻤﻦ .رأى اﻟﺮﺟﻞ ﺻﺎع اﻟﺪﻗﯿﻖ ﻓﺴﺎل ﻟﻌﺎﺑﻪ .ﻓﻘﺪ ﻧﻔﺪ اﻟﺪﻗﯿﻖ ﻣﻦ اﻟُﻨُﺰل ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ﻣﻨﺬ أن ﻏﺎدرﻧﺎ »إﻳﻠﯿﻢ« .وﻣﺮت ﺷﮫﻮر ﺑﺄﻛﻤﻠﮫﺎ ﻟﻢ ﻳﺬق ﻓﯿﮫﺎ أﺣﺪ طﻌﻢ اﻟﺨﺒﺰ أو اﻟﻔﻄﯿﺮ .ﺗﺘﺒﻊ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻤﺮأة إﻟﻰ ﺣﯿﮫﺎ وﺗﺮﺑﺺ ﺑﮫﺎ ﻟﺤﻈﺎت ﻏﻔﻠﺖ ﻓﯿﮫﺎ ﻋﻦ اﻟﺨﯿﻤﺔ .ﺛﻢ دﺧﻞ وﺳﺮق ﻗﺪرا ﻣﻤﻠﻮءة ﺑﺎﻟﺪﻗﯿﻖ .ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ أﻻ ﺗﻌﻠﻢ اﻟﻤﺮأة وزوﺟﮫﺎ ھﻮﻳﺔ اﻟﺴﺎرق ﻟﻮﻻ أن ﻓﻀﺤﺘﻪ راﺋﺤﺔ اﻟﺨﺒﺰ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﺎﻋﺪت ﻣﻦ ﺧﯿﻤﺘﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻟﯿﻠﺔ ،ﻓﺠﻤﻊ زوج اﻟﻤﺮأة رﺟﺎﻻ ﻣﻦ ﻋﺸﯿﺮﺗﻪ وذھﺐ إﻟﻰ اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ﺣﯿﻪ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺴﺘﺮد دﻗﯿﻘﻪ أو ﻣﺎ ﻳﻘﺎﺑﻠﻪ .وﻛﺎدت ﻣﻌﺮﻛﺔ أن ﺗﻨﺸﺐ ﺑﯿﻦ رﺟﺎل اﻟﺴﺒﻄﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺣﺔ .واﺳﺘﻐﻞ اﻟﻤﺮﺟﻔﻮن واﻟﺤﺎﻗﺪون ﺗﻠﻚ اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﻓﻨﻔﺜﻮا ﻓﻲ ﻧﺎرھﺎ ووﻗﻒ )داﺛﺎن ﺑﻦ أﻟﯿﺎب( ﺑﯿﻨﮫﻢ ﻗﺎﺋﻼ: َﻋﻼم ﺗﺘﻘﺎﺗﻠﻮن؟ ﻋﻠﻰ ﺻﺎع ﻣﻦ دﻗﯿﻖ!! ﻟﺒﺌﺲ ﻣﺎ ﻏﻨﻤﺘﻢ ﻣﻦ ﺧﺮوﺟﻜﻢ وراء)ﻣﻮﺳﯽ(. ﺛﻢ ﻗﺎل ﺷﻘﯿﻘﻪ )أﺑﯿﺮام( اﻟﺒﺪﻳﻦ: ﻟﯿﺘﻜﻢ ِﻣﺘﻢ ﺑﯿﺪ اﻟﺮب ﻓﻲ أرض ﻣﺼﺮ؛ إذ ﻛﻨﺘﻢ ﺗﺠﻠﺴﻮن ﻋﻠﻰ ﻗﺪور اﻟﻠﺤﻢوأواﻧﻲ اﻟﺨﺒﺰ ﺗﺄﻛﻠﻮن ﻣﻨﮫﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺸﺒﻌﻮا. ﻧﻜﺲ اﻟﺮﺟﺎل رءوﺳﮫﻢ .ﺛﻢ ﻧﻔﺜﻮا ﻣﺘﺬﻣﺮﻳﻦ وﻗﺎل أﺣﺪھﻢ: ﺻﺪﻗﺘﻤﺎ ﻓﻘﺪ أﺧﺮﺟﻨﺎ )ﻣﻮﺳﯽ( إﻟﻰ ھﺬا اﻟﻘﻔﺮ ﻛﻲ ﻳﻤﯿﺘﻨﺎ ﺟﻮﻋﺎ!ﻛﺎن )ﯾﻮﺷﻊ( ﻓﺘﯽ )ﻣﻮﺳﯽ( .ﻳﻘﻒ ﻏﯿﺮ ﺑﻌﯿﺪ ﻳﺴﺘﻤﻊ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﺤﺪﻳﺚ وﻳﺸﻌﺮ ﻣﺜﻞ أﺑﻲ ﺑﺄن ﻧﺎرا ﺗﻮﺷﻚ أن ﺗﻨﺪﻟﻊ وﻋﻠﯿﻪ أن ﻳﻄﻔﺌﮫﺎ .ﻟﻢ ﻳﺠﺎدل اﻟﺒﺪﻳﻦ وﻻ أﺧﺎه. ﺑﻞ ﺧﺎطﺐ اﻟﻨﺎس ﺑﺤﻜﻤﺔ ﺗﻔﻮق ﻋﻤﺮه .ذﻛﺮھﻢ ﺑﺮﺣﻤﺔ اﻟﺮب اﻟﺘﻲ أﺣﺎطﺖ ﺑﮫﻢ وﺑﺎﻟﻤﻌﺠﺰات اﻟﺘﻲ أﺟﺮاھﺎ اﻟﺮب ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﻧﺒﯿﻪ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺷﻌﺐ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻓﻘﺎل ﻟﮫﻢ: ﯾﺎ ﻗﻮم! ﻻ ﺗﺘﻌﺠﻠﻮا اﻟﺸﻜﻮى واﻟﺴﺨﻂ ﻋﻨﺪ أول ﻧﺎزﻟﺔ ﺗﺤﻞ ﻗﺮﻳﺒﺎ ﻣﻨﻜﻢ!وﺗﺬﻛﺮوا أن ﻣﻦ أﺧﺮج ﻟﻜﻢ اﻟﻤﺎء ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﺛﻨﺎﻳﺎ اﻟﺤﺠﺮ .ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ أن ﻳﻄﻌﻤﻜﻢ ﻣﻦ ﻓﻮﻗﻜﻢ وﻣﻦ ﺗﺤﺖ أرﺟﻠﻜﻢ. اﺳﺘﺨﻒ اﻟﻨﺎس ﺑﻜﻼم اﻟﻔﺘﻰ .وﻗﺎل )داﻧﺎن( ﻓﻲ ﺳﺨﺮﻳﺔ: ھﺎ ﻗﺪ أرﺳﻞ ﻟﻨﺎ )ﻣﻮﺳﯽ( ﻏﻼم ﺳﺒﻂ )ﻻوي( ﮐﻲ ﻳﻤﻦ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﺑﻨﻌﯿﻢ ﺳﯿﺪهاﻟﺰاﺋﻒ. ﺛﻢ ﺻﺮخ ﻓﻲ ﻏﻀﺐ ھﺎدر: اذھﺐ ﯾﺎ ﻏﻼم إﻟﻰ ﺳﯿﺪك وﻗﻞ ﻟﻪ إن اﻟﻨﺎس ﻗﺪ أوﺷﻜﺖ أن ﺗﺄﻛﻞ اﻟﺮﻣﺎل ﺑﺪﻻﻣﻦ اﻟﻄﺤﯿﻦ. وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺟﻤﻌﺖ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ اﻟﻤﺘﻌﺎرﻛﯿﻦ وأﻟﻔﺖ ﺑﯿﻦ ﻗﻠﻮﺑﮫﻢ .ﻓﻘﺎﻟﻮا ﻓﻲ ﺻﻮت واﺣﺪ: ۔ ﺑﻞ ﻧﺬھﺐ ﻧﺤﻦ إﻟﯿﮫﺎ. وﻟﻢ ﺗﻤﺾ ﻟﺤﻈﺎت ﺣﺘﻰ أﺣﺎط اﻟﻤﺌﺎت ﺑﺨﯿﻤﺔ اﻟﻨﺒﻲ .ﺗﺘﻌﺎﻟﻰ ﺻﯿﺤﺎﺗﮫﻢ اﻟﺜﺎﺋﺮة. ﻏﯿﺮ ﻧﺎظﺮﻳﻦ أن ﻳﺨﺮج إﻟﯿﮫﻢ اﻟﻤﺸﺎﻳﺦ اﻟﺬﻳﻦ اﺟﺘﻤﻌﻮا ﺑﻤﻮﺳﻰ وھﺎرون .وﺑﻌﺪ وﻗﺖ طﻮﻳﻞ ﺧﺮج اﻟﻤﺸﺎﻳﺦ ﻣﻦ اﻟﺨﯿﻤﺔ ﺻﺎﻣﺘﯿﻦ .اﻧﺘﻈﺮ اﻟﻨﺎس أن ﻳﻨﻄﻖ أﺣﺪھﻢ ﺑﻤﺎ ﻗﺎﻟﻪ )ﻣﻮﺳﯽ( .وﻟﻜﻨﮫﻢ ﻟﺰﻣﻮا اﻟﺼﻤﺖ إﻟﻰ أن ﺧﺮج )ﯾﻮﺷﻊ( ﻣﻦ اﻟﺨﯿﻤﺔ. وﻛﺄﻧﻤﺎ أﻣﺮھﻢ )ﻣﻮﺳﯽ( ﺑﺄﻻ ﻳﺘﻜﻠﻢ أﺣﺪ ﻏﯿﺮه. ﻗﺎل ﻳﻮﺷﻊ: ﻳﺎ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ! ﻳﻘﻮل ﻟﻜﻢ ﻧﺒﯿﻜﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ﺳﺘﺄﻛﻠﻮن ﻟﺤﻤﺎ طﺮﻳﺎ .وﻓﻲاﻟﺼﺒﺎح ﺳﺘﺸﺒﻌﻮن ﺧﺒﺮا ﺣﺘﻰ ﺗﻌﻠﻤﻮا أن اﻟﺮب إﻟﮫﻜﻢ ﻳﺮﻋﺎﻛﻢ. ﻟﻢ ﻳﺼﺪق اﻟﺮﺟﺎل ﻣﺎ ﻗﯿﻞ ﻟﮫﻢ .وﻟﻜﻨﮫﻢ ﻟﻢ ﻳﺠﺪوا ﺑﺪا ﻣﻦ أن ﻳﻨﺘﻈﺮوا ﺣﺘﻰ اﻟﻐﺮوب .ﻓﺎﻧﺼﺮﻓﻮا إﻟﻰ ﺧﯿﺎﻣﮫﻢ .ﻋﻠﻰ أن ﻳﺠﺘﻤﻌﻮا ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺣﺔ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻗﺒﻞ اﻟﻐﺮوب. ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﻗﺪ ﻏﺎﺑﺖ ﻓﻲ اﻷﻓﻖ وﻟﻢ ﻳﺘﺒﻖ ﻣﻨﮫﺎ ﺳﻮی ﺷﻔﻖ أﺣﻤﺮ ﺗﺴﻠﻞ ﺳﻨﺎه ﻣﻦ ﻓﻮق رءوس اﻟﺠﺒﺎل .ﻓﺄﻟﻘﻲ ﺑﻈﻼﻟﮫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻮادي اﻟﻔﺴﯿﺢ .اﻛﺘﻈﺖ آﺧﺮھﺎ ﺑﺄﺑﻨﺎء اﻟﺸﻌﺐ .ووﻗﻒ أﺑﻲ وﺑﻌﺾ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء ﻟﯿﺸﮫﺪوا آﻳﺔ أﺧﺮى ﻣﻦ آﻳﺎت اﻟﺮب. ﮐﻨﺎ ﻓﻲ أواﺧﺮ اﻟﺨﺮﻳﻒ وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﺗﺸﻌﺮﻧﺎ اﻟﺮﻳﺢ اﻟﺴﺎﻛﻨﺔ ﺑﺒﺮودة اﻟﺠﻮ اﻟﻤﻌﺘﺎدة ﻓﻲ ﻟﯿﺎﻟﻲ ﺷﮫﺮ آب .وﻣﻊ اﺧﺘﻔﺎء آﺧﺮ ﺿﻮء ﻟﻠﺸﻔﻖ ھﺒﺖ رﻳﺢ ﻣﻦ ﺟﮫﺔ اﻟﺸﻤﺎل .ﺷﻌﺮﻧﺎ ﻣﻌﮫﺎ ﺑﺎﻹﺛﺎرة واﻟﺘﺮﻗﺐ .وﻣﻊ اﺷﺘﺪاد اﻟﺮﻳﺢ ﺳﻤﻌﻨﺎ ﺳﺠﻌﺎ ﻳﻤﻸ اﻟﻔﻀﺎء وﻛﺄﻧﻪ زﻗﺰﻗﺎت ﻣﺌﺎت اﻟﻌﺼﺎﻓﯿﺮ .وﻓﺠﺄة ھﺒﻄﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﺣﺔ ﻣﺌﺎت اﻟﻄﯿﻮر! ﻛﺎﻧﺖ طﯿﻮر ﺑﻨﯿﺔ اﻟﻠﻮن ﻣﻨﻘﻮﺷﺔ اﻟﺮﻳﺶ ﻟﻢ ﻳﺮ ﺷﻌﺐ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻣﺜﻠﮫﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ. ﻛﺎن اﻟﻄﺎﺋﺮ ﻳﺤﻂ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻓﻼ ﻳﺮﺗﻔﻊ ﺣﺘﻰ ﻳﻤﺴﻚ ﺑﻪ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ. وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺑﺬل اﻟﻄﺎﺋﺮ ﻧﻔﺴﻪ طﺎﻋﺔ ﻷﻣﺮ اﻟﺮب .وھﻠﻞ أﺑﻨﺎء اﻟﺸﻌﺐ وﻣﺠﺪوا اﻟﺮب اﻟﺬي أطﻌﻤﮫﻢ ﻣﻦ ﺟﻮع وآﻣﻨﮫﻢ ﻣﻦ ﺧﻮف. وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻠﺤﻮم ﺗﻨﻀﺞ ﻓﻲ اﻟﻘﺪور .وﺳﻤﺎء اﻟُﻨُﺰل ﺗﺘﻌﺒﻖ ﺑﺮاﺋﺤﺔ اﻟﻤﺮق ودﺧﺎن اﻟﻄﮫﻮ ﻧﺎدى ﻣﻨﺎٍد ﻓﻲ أرﺟﺎء اﻟُﻨُﺰل: ﻳﺎ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ إن ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻲ( ﻳﻘﻮل ﻟﻜﻢ ﻛﻠﻮا ﻣﻦ ﺳﻠﻮى اﻟﺮب .وﻻﺗﺪﺧﺮوا ﻣﻨﮫﺎ ﻟﺤﻤﺎ ﻓﻲ ﺑﯿﻮﺗﻜﻢ .وﻟﯿﺄﺧﺬ ﻛﻞ إﻧﺴﺎن ﻛﻔﺎﻳﺔ ﻳﻮﻣﻪ ﻓﺈﻧﻪ آﺗﯿﻜﻢ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻟﯿﻠﺔ .إﻻ ﻳﻮم اﻟﺴﺒﺖ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﺄﺗﯿﻜﻢ. وﻗﻀﻰ اﻟﻨﺎس ﻟﯿﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺪفء واﻟﺸﺒﻊ .ﻧﺎم ﻓﯿﮫﺎ اﻟﺠﻮﻋﻰ ﺑﺒﻄﻮن ھﺎﻧﺌﺔ .أﺛﻘﻠﺖ رءوﺳﮫﻢ ﻓﻠﻢ ﻳﺴﺘﯿﻘﻈﻮا ﻟﺮؤﻳﺔ اﻵﻳﺔ اﻷﺧﺮى .أﻣﺎ أﻧﺎ وأﺑﻲ وﻗﻠﯿﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻓﻘﺪ اﺳﺘﯿﻘﻈﻨﺎ ﻗﺒﻞ ﺷﺮوق اﻟﺸﻤﺲ ﮐﻲ ﻧﺸﮫﺪ اﻵﻳﺔ اﻟﺘﻲ وﻋﺪ ﺑﮫﺎ اﻟﻜﻠﯿﻢ .ﺳﺄﻟﺖ أﺑﻲ: ﻛﯿﻒ ﺳﯿﮫﺒﻂ ﻋﻠﯿﻨﺎ اﻟﺨﺒﺰ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء؟ﻓﺄﺟﺎﺑﻨﻲ وھﻮ ﻳﺸﺨﺺ ﺑﺒﺼﺮه إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء: -إذا ﺗﻌﻠﻖ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﺮب ﻓﻼ ﺗﺴﺄل ب) -ﮐﯿﻒ(. اﻧﺤﺴﺮت دﺟﻰ اﻟﻠﯿﻞ أﻣﺎم أﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ اﻟﻤﻨﺒﺜﻘﺔ ﻣﻦ ﺧﻠﻒ اﻟﺠﺒﻞ .وﺗﻜﺜﻔﺖ ﺣﺒﺎت اﻟﻨﺪى ﻋﻠﻰ أوراق اﻟﺸﺠﺮ وﻋﻠﻰ اﻷرض اﻟﻔﺴﯿﺤﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟُﻨُﺰل. وارﺗﻔﻌﺖ اﻟﺸﻤﺲ روﻳﺪا روﻳﺪا وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻧََﺮ ﻋﻼﻣﺎت ﻟﻨﺰول ﺧﺒﺰ اﻟﺮب.. طﺎل اﻻﻧﺘﻈﺎر ﺣﺘﻰ ﺷﻌﺮ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﻤﻠﻞ وﻛﺎد ﺑﻌﻀﮫﻢ أن ﻳﻨﺼﺮف .وﻟﻜﻦ ﻓﺠﺄة ﻋﻼ ھﺘﺎف اﻷطﻔﺎل وھﻢ ﻳﺸﯿﺮون إﻟﻰ رﻗﺎﺋﻖ ﺑﯿﻀﺎء ﻏﻄﺖ اﻷرض واﻷﺷﺠﺎر ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﺒﺨﺮت ﻗﻄﺮات اﻟﻨﺪى .ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮﻗﺎﺋﻖ ﺗﺒﺪو ﻛﻘﻄﻊ اﻟﺒﺮد اﻟﺼﻐﯿﺮة .اﻣﺘﺪت ﻳﺪي إﻟﻰ إﺣﺪاھﺎ وﺗﺬوﻗﺘﮫﺎ ﻓﻮﺟﺪﺗﮫﺎ ﻛﺎﻟﺨﺒﺰ اﻟ ُ ﻤﺤﻠﻰ ﺑﺎﻟﻌﺴﻞ .ﻓﮫﺘﻔﺖ: ﻣﺎ أﺣﻠﻰ ﺧﺒﺰ اﻟﺮب ﻳﺎ أﺑﻲ؟وﺗﮫﺎﻓﺖ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻗﺎﺋﻖ .ﺣﺘﻰ أﻳﻘﻆ ﺿﺠﯿﺠﮫﻢ ﻣﻦ ﻓﻲ اﻟُﻨُﺰل. ﻓﮫﺮول اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺧﯿﺎﻣﮫﻢ إﻟﻰ اﻟﺴﺎﺣﺔ .وﺗﺴﺎﺑﻘﻮا ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻊ اﻟﺮﻗﺎﺋﻖ ﻓﻲ اﻟﻘﺪور. ﻓﺈذا ﺑﺼﻮت )ﯾﻮﺷﻊ( ﻳﺮﺗﻔﻊ ﻣﺮة أﺧﺮى وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﱠ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ! ﻳﻘﻮل ﻟﻜﻢ ﻧﺒﯿﻜﻢ ﻛﻠﻮا ﻣﻤﺎ »َﻣﻦ« ﺑﻪ اﻟﺮب ﻋﻠﯿﻜﻢ .وﻻ ﺗﺪﺧﺮواﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﻗﺪورﻛﻢ .ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺄﺗﯿﻜﻢ ﻛﻞ ﺻﺒﺎح إﻻ ﻳﻮم اﻟﺴﺒﺖ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﺄﺗﯿﻜﻢ. وﻟﻢ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﺠﻮع أو اﻟﻌﻄﺶ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻳﺄﺗﯿﮫﻢ »اﻟﻤﻦ« ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح و»اﻟﺴﻠﻮی« ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء .وأﻛﻠﻮا ﻣﻦ ﻓﻮق رءوﺳﮫﻢ وﻣﻦ ﺗﺤﺖ أرﺟﻠﮫﻢ ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﻟﮫﻢ )ﯾﻮﺷﻊ ﺑﻦ ﻧﻮن( ﻣﻦ ﻗﺒﻞ. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ اﻷﻳﺎم اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻨﺴﻰ ﻛﺜﯿﺮة .وﻟﻜﻦ اﻟﻘﻠﯿﻞ ﻣﻨﮫﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﻓﻲ ذھﻦ اﻟﻤﺮء ﺑﻜﻞ ﺗﻔﺎﺻﯿﻠﮫﺎ .وﺣﯿﻨﮫﺎ ﻧﺘﺬﻛﺮھﺎ ﺗﻌﺶ أﺣﺪاﺛﮫﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺣﺎﺿﺮة أﻣﺎﻣﻨﺎ رأي اﻟﻌﯿﻦ .ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺎح ﺧﺮج أﺑﻲ إﻟﻰ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﺴﻮق ﻟﯿﻘﺎﻳﺾ ﺑﻀﺎﻋﺘﻪ ﺑﯿﻨﻤﺎ اﺳﺘﻀﺎﻓﺖ أﻣﻲ ﺻﺪﻳﻘﺘﮫﺎ اﻟﻤﻘﺮﺑﺔ إﻟﻰ ﻗﻠﺒﮫﺎ )ﺳﻮﻻف( واﺑﻨﮫﺎ اﻟﺼﻐﯿﺮ )ﺳﯿﺤﻮن( ﻓﻲ ﻛﻮﺧﻨﺎ اﻟﺼﻐﯿﺮ .ﺟﻠﺴﺖ )ﺳﻮﻻف( ﻋﻠﻰ أرﻳﻜﺔ ﺻﻨﻌﮫﺎ أي ﻣﻦ ﺟﺬوع اﻷراك وإﻟﻰ ﺟﻮارھﺎ ﺟﻠﺲ اﻟﻄﻔﻞ )ﺳﯿﺤﻮن( اﻟﺬي ﻳﺼﻐﺮﻧﻲ ﺑﺴﻨﻮات ﻗﻠﯿﻠﺔ ﻳﻌﺒﺚ ﻓﻲ ﺛﻤﺮة ﻋﻮﺳﺞ ﻛﺒﯿﺮة .ﻳﻠﻄﺦ ﺑﻌﺼﯿﺮھﺎ وﺟﮫﻪ وﻣﻼﺑﺴﻪ .ﻛﺎن اﻟﻄﻔﻞ ﻏﺮﻳﺐ اﻷطﻮار. ﻛﺜﯿﺮ اﻟﻀﻮﺿﺎء .ﺗﺘﺸﻨﺞ أطﺮاﻓﻪ وﻳﺼﺮخ ﻛﻠﻤﺎ ﺣﺎوﻟﺖ واﻟﺪﺗﻪ أن ﺗﺄﺧﺬ ﻣﻨﻪ ﺛﻤﺮة اﻟﻌﻮﺳﺞ أو أن ﺗﺴﺎﻋﺪه ﻓﻲ أﻛﻠﮫﺎ .ﻋﻠﻤﺖ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن )ﺳﯿﺤﻮن( ھﺬا ھﻮ اﻟﻄﻔﻞ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﻧﺠﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻮت ﻓﻲ أﺣﺸﺎﺋﮫﺎ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻷﺟﻨﺔ ﺗﻤﻮت ﻓﻲ رﺣﻤﮫﺎ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻠﺪھﻢ. رأﻳﺖ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ واﻟﺪﺗﻪ ﻧﻈﺮات اﻻﻋﺘﺬار واﻷﺳﻰ وھﻲ ﺗﻘﻮل ﻷﻣﻲ: ﻟﻢ ﻳﻔﻠﺢ ﻣﻌﻪ اﻟﺘﺪاوي وﻻ اﻟﻘﺮاﺑﯿﻦ .وﻗﺪ ﺳﺌﻢ أﺑﻮه اﻟﺤﯿﺎة ﻣﻌﻨﺎ.ﻗﺪﻣﺖ إﻟﯿﮫﺎ أﻣﻲ ﻗﺪﺣﺎ ﻣﻦ اﻟﻤ ّ ﻦ اﻟﻤﺬاب ﻓﻲ اﻟﻠﺒﻦ اﻟﺴﺎﺧﻦ .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻮﺟﺒﺔ إﺣﺪى أﻓﻜﺎر أﻣﻲ اﻟﻤﺘﻌﺪدة ﻓﻲ اﻟﻄﻌﺎم .ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﮫﺎ: ﻚ؟ ﺖ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻳﺎ )ﺳﻮﻻف( ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺄم )أﺷﻜﻮل( ﻣﻦ اﻟﺤﯿﺎة ﻣﻌ ِ ﻚ أﻧ ِ وﻣﺎ ذﻧﺒ ِإﻧﻪ ﻋﻄﯿﺔ اﻟﺮب ﻟﻜﻤﺎ. ﻗﺎﻟﺖ ﺣﺰﻳﻨﺔ: ﻟﯿﺘﻨﻲ ﻟﻢ أﺗﺰوج )أﺷﻜﻮل( ﯾﺎ )روﻣﺎﻧﺎ( .أﺟﺒﺮﺗﻨﻲ أﻣﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺰواج ﺑﻪ إرﺿﺎًءﻟﺸﻘﯿﻘﺘﮫﺎ وھﻲ ﺗﻌﻠﻢ أن أﺧﺎه ﻛﺎن ﻣﺼﺎﺑﺎ ﺑﺬات اﻟﺪاء وﻣﺎت ﺻﻐﯿﺮا ﻓﻲ ﻣﮫﺪه. واﺳﺘﮫﺎ أﻣﻲ ﻗﺎﺋﻠﺔ: ﺗﻠﻚ ﻣﺸﯿﺌﺔ اﻟﺮب ﯾﺎ )ﺳﻮﻻف( .وﻻ ﺗﺴﯿﺌﻲ اﻟﻈﻦ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﺘﻲ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن)أﺷﻜﻮل( ﻣﺘﯿ ً ﻚ. ﻤﺎ ﺑ ِ ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺘﮫﻜﻤﺔ: ﺖ »ﻛﺎن« ﻣﺘﯿ ً ﻤﺎ! أﻣﺎ اﻵن ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺪ ﻛﺬﻟﻚ. ﺻﺪﻗ ِﺛﻢ ﺣﺒﺴﺖ دﻣﻌﺘﮫﺎ وھﻲ ﺗﻘﻮل: ﺗﺪﻓﻌﻪ أﻣﻪ ﻟﻠﺰواج ﻣﻦ أﺧﺮى .وﻗﺪ أﺧﺒﺮﺗﻨﻲ إﺣﺪاھﻦ أﻧﻪ داﺋﻢ اﻟﺘﺮدد ﻋﻠﻰﻣﻨﺰل ﻓﻲ ﺳﺒﻂ دان. رﺑﺘﺖ أﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﮫﺎ وﻗﺎﻟﺖ: ﻚ ﻓﺮﺟﺎ. ﻻ ﺗﺤﺰﻧﻲ ﻳﺎ )ﺳﻮﻻف( ﺳﯿﺠﻌﻞ اﻟﺮب ﻟ ِﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻣﻠﻄﻔﺔ: أﻟﻦ ﺗﺘﺬوﻗﻲ ھﺬا اﻟﻤﺰﻳﺞ اﻟﺬي ﺻﻨﻌﺘﻪ .ﻟﻘﺪ ﻛﺎد اﻟﻠﺒﻦ أن ﻳﺒﺮد؟!رﺷﻔﺖ )ﺳﻮﻻف( ﻣﻨﻪ رﺷﻔﺎت ﻓﺎﺳﺘﻄﺎﺑﺖ طﻌﻤﻪ .ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻣﻤﺘﻨﺔ: ﻣﺎ أروﻋﻚ ﻳﺎ )روﻣﺎﻧﺎ(! ﻟﻢ أﺟﺪ ﻓﻲ ﺑﻨﺎت إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻣﻦ ﺗﺤﻤﻞ ﻗﻠﺒﺎ رﻗﯿﻘﺎ ﻣﺜﻞﻚ ﻧﺴﺎء اﻟُﻨُﺰل ﺖ ﺗﺒﺪﻋﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﻌﺰف واﻟﻄﻌﺎم ﺣﺘﻰ ﻏﺎرت ﻣﻨ ِ ﻚ .وﻣﺎ زﻟ ِ ﻗﻠﺒ ِ أﺟﻤﻌﯿﻦ. ﺿﺤﻜﺘﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﻠﺐ .واﺳﺘﺄﻧﻔﺘﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ .ﺛﻢ اﺳﺘﺄذﻧﺖ )ﺳﻮﻻف( ﻟﻼﻧﺼﺮاف .ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺧﯿﻤﺘﮫﺎ ﻓﻲ طﺮف اﻟُﻨُﺰل ﻣﻦ ﺟﮫﺔ اﻟﺠﺒﻞ .وﻟﻌﻠﮫﺎ اﺧﺘﺎرت ذاك اﻟﻤﻜﺎن ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺄى ﺑﻄﻔﻠﮫﺎ اﻟﺪاﺋﻢ اﻟﺼﺮاخ ﻋﻦ ﺑﺎﻗﻲ ﺳﻜﺎن اﻟُﻨُﺰل. وﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء أﻳﻘﻈﻨﺎ ﺻﻮت ﻳﻨﺎدي ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻣﻦ وراء اﻟﻜﻮخ: ﻳﺎ أھﻞ اﻟﺪار! ﻳﺎ أھﻞ ﺑﯿﺖ زﺧﺎري اﻟﻨﺠﺎر!اﺳﺘﯿﻘﻆ أﺑﻲ ﻣﻦ ﻧﻮﻣﻪ .ﺛﻢ اﺳﺘﯿﻘﻈﺖ أﻧﺎ وأﻣﻲ .ﺧﺮج أﺑﻲ ﻣﻦ اﻟﻜﻮخ ﻟﯿﺴﺘﻄﻠﻊ اﻷﻣﺮ .ﻓﺈذا ﺑﻪ )أﺷﻜﻮل( زوج )ﺳﻮﻻف( ﻳﻘﻒ ﻣﺮﺗﻌﺸﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺮد وﻳﺒﺪو ﻋﻠﯿﻪ اﻟﻘﻠﻖ .دﻋﺎه أﺑﻲ ﻟﻠﺪﺧﻮل ﻣﻦ اﻟﺒﺮد .وﻟﻜﻨﻪ اﻋﺘﺬر ﺷﺎﮐﺮا وﻗﺎل ﻟﻪ: .ﻣﻌﺬرة ﻳﺎرب اﻟﺪار .وﻟﻜﻨﻲ أﺗﺴﺎءل :ھﻞ ﺗﺒﯿﺖ ﻋﻨﺪﻛﻢ زوﺟﺘﻲ )ﺳﻮﻻف( ووﻟﺪي )ﺳﯿﺤﻮن(؟! اﻧﻘﺒﺾ ﻗﻠﺐ أﻣﻲ وﻗﺎﻟﺖ ﻣﻠﺘﺎﻋﺔ: ﻟﻘﺪ اﻧﺼﺮﻓﺎ ﻣﻨﺬ اﻟﺼﺒﺎح.ﺑﺎن اﻟﯿﺄس واﻟﺤﺰن ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ ،ﻓﻘﺎل: ﻟﻢ أﺟﺪ ﻟﮫﺎ أﺛﺮا ﻓﻲ اﻟُﻨُﺰل ﻛﻠﻪ .وﻛﻨﺘﻢ أﻧﺘﻢ اﻷﻣﻞ اﻷﺧﯿﺮ.وﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ﺷﺎع ﺧﯿﺮ اﻻﺧﺘﻔﺎء ﻓﻲ اﻟُﻨُﺰل .وﺧﺮج ﺑﻌﺾ اﻟﺮﺟﺎل ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻤﻔﻘﻮدﻳﻦ .ﻓﺴﺎرت ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻨﮫﻢ ﻓﻲ اﺗﺠﺎه اﻟﻮادي .ﺑﯿﻨﮫﺎ ﺻﻌﺪ أﺑﻲ و)أﺷﻜﻮل( وﺑﻌﺾ ﻗﺼﺎﺻﻲ اﻷﺛﺮ إﻟﻰ اﻟﺠﺒﺎل .وﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﺘﺼﻒ اﻟﻨﮫﺎر ﻋﺎد اﻟﺮﺟﺎل ﻣﻦ اﻟﺠﺒﻞ ﻣﺤﻤﻠﯿﻦ ﺑﻨﺒﺄ ﻋﻈﯿﻢ أﺿﺞ ﻣﻀﺠﻌﻨﺎ وزﻟﺰل اﻟﺤﯿﺎة ﻓﻲ »رﻓﯿﺪﻳﻢ« .ﻓﻘﺪ ﺧﻄﻒ »اﻟﻌﻤﺎﻟﯿﻖ« )ﺳﻮﻻف( وذﺑﺤﻮا وﻟﺪھﺎ )ﺳﯿﺤﻮن(. ﻛﺎن ﻳﻮﻣﺎ ﻋﺼﯿﺒﺎ اﺧﺘﻠﻂ ﻓﯿﻪ اﻟﺤﺰن ﺑﺎﻷﻟﻢ .ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ﺷﯿﻌﺖ ﺟﻨﺎزة اﻟﻄﻔﻞ )ﺳﯿﺤﻮن( ﺛﻢ ُدﻓﻦ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ﻓﻲ ﺣﻔﺮة ﻓﻲ اﻟﺮﻣﺎل .وﺣﺴﺒﻤﺎ أذﻛﺮ ﻓﺈن )ﺳﯿﺤﻮن( ﻛﺎن أول ﻗﺘﯿﻞ ﻟﺒﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أﺳﻤﻊ ﻋﻨﻪ .وﻛﺎﻧﺖ ﺟﻨﺎزﺗﻪ أول ﺟﻨﺎزة أراھﺎ أﻳﻀﺎ .ﻓﺄﻧﺎ ﻟﻢ أﺷﮫﺪ ﺟﻨﺎزة أﺧﺮى ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم .وﻟﻢ ﺗﻜﻒ أﻣﻲ ﻋﻦ اﻟﺒﻜﺎء ﻋﻠﻰ ﺻﺪﻳﻘﺘﮫﺎ )ﺳﻮﻻف( طﯿﻠﺔ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم .وﺗﻤﺰق ﻗﻠﺒﮫﺎ ﺣﺰﻧﺎ ﻋﻠﻰ وﻟﺪھﺎ اﻟﻤﺴﻜﯿﻦ .أﻣﺎ أﺑﻲ ﻓﻘﺪ ﻣﮑﺚ اﻟﯿﻮم ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ﻓﻲ ﻣﻨﺰل اﻟﻌﻢ )أﺷﻜﻮل( ﻳﺘﻠﻘﻰ اﻟﻌﺰاء ﻣﻌﻪ ﻓﻲ اﻟﻮﻟﺪ اﻟﻔﻘﯿﺪ .وﻳﺸﺎرك ﺑﺎﻗﻲ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ أداء اﻟﺼﻠﻮات واﻟﺘﺴﺎﺑﯿﺢ .ورﻏﻢ اﻟﺤﺰن واﻟﺒﻜﺎء واﻻﻧﮫﻤﺎك ﻓﻲ اﻟﺼﻼة واﻟﺪﻋﺎء .وﺟﺪ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﺘﺴﻌﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﺨﻄﺮ اﻟﻘﺎﺑﻊ ﺧﻠﻒ اﻟﺠﺒﻞ .ودارت ﺑﯿﻨﮫﻢ أﺣﺎدﻳﺚ ﻣﻸت اﻟﻘﻠﻮب ھﻠﻌﺎ ﻣﻦ ھﺆﻻء اﻟﻌﻤﺎﻟﯿﻖ .ﻛﺎن اﻟﻌﻤﺎﻟﯿﻖ ﺷﻌﺒﺎ ﺑﺪوﻳﺎ. ﻳﺘﺠﻮل ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء وﻳﺴﻜﻦ اﻟﺠﺒﺎل واﻟﻮدﻳﺎن .ﻳﻤﺘﮫﻨﻮن اﻟﺼﯿﺪ واﻟﺤﺮب .وﻻ ﻳﺘﻮرﻋﻮن ﻋﻦ ﻗﻄﻊ اﻟﻄﺮﻳﻖ وﺳﻠﺐ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ واﻟﻘﻮاﻓﻞ .اﺳﺘﻔﺎض اﻟﺸﯿﻮخ ﻓﻲ ذﻛﺮ ﻣﺜﺎﻟﺒﮫﻢ .وﻣﺰﺟﻮا اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﺑﺎﻟﺨﯿﺎل واﻟﺮواﻳﺎت اﻟﺼﺎدﻗﺔ ﺑﺎﻷﺳﺎطﯿﺮ .ﻓﻘﺎﻟﻮا إن اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﮫﻢ ﻳﻨﺎھﺰ طﻮﻟﻪ ﺷﺠﺮة اﻷرز .وإﻧﮫﻢ ﻳﺄﻛﻠﻮن أﻛﺒﺎد أﻋﺪاﺋﮫﻢ .ﺣﺘﻰ ﺗﻤﻜﻦ اﻟﺮﻋﺐ ﻣﻦ اﻟﻘﻠﻮب وﺷﻌﺮ اﻟﻨﺎس ﺑﻨﺬﻳﺮ ﺷﺮ ﻳﻘﺘﺮب .وﺑﺪا أﻧﻪ ﻻ ﺳﺒﯿﻞ إﻟﻰ اﻟﻨﺠﺎة ﻣﻨﻪ إﻻ ﺑﻤﻌﺠﺰة ﻳﺠﺮﻳﮫﺎ اﻟﺮب ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﻧﺒﯿﻪ ﻛﻤﺎ أﺟﺮى اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺠﺰات ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ. وﻗﺒﻞ اﻟﻤﺴﺎء ﻋﺎد أي إﻟﻰ اﻟﻜﻮخ وﻓﻲ ﺻﺤﺒﺘﻪ اﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( .ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺼﺮاﻣﺔ ﺑﺎدﻳﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﻌﻤﺔ اﻟﻌﺠﻮز .وﻳﺒﺪو أﻧﮫﺎ ﻗﺪ ﺑﺪأت ﺣﺪﻳﺜﺎ ﻣﻊ أﺑﻲ ﺑﺎﻟﺨﺎرج وأرادت أن ﺗﻜﻤﻠﻪ داﺧﻞ اﻟﻤﻨﺰل .أﻟﻘﺖ ﺑﺠﺴﺪھﺎ اﻟﻤﺘﺮھﻞ ﻓﻮق أرﻳﻜﺔ اﻷرك اﻟﺘﻲ آﻧﺖ ﻋﯿﺪاﻧﮫﺎ ﺗﺤﺖ وطﺄة اﻟﺠﺴﺪ اﻟﻤﮫﻮل .رﻣﻘﺖ أﻣﻲ اﻟﺒﺎﻛﯿﺔ ﺑﻨﺎظﺮﻳﮫﺎ وﻟﻢ ﺗﻠﻖ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﺗﺤﯿﺔ اﻟﻤﺴﺎء .وﻟﻢ ﺗﻜﻦ أﻣﻲ ﻓﻲ ﺣﺎل ﻳﺴﻤﺢ ﻟﮫﺎ ﺑﺘﺤﻤﻞ ﻏﻠﻈﺔ ﻋﻤﺘﻲ وﻧﻈﺎﻓﺘﮫﺎ .ﻓﺠﻔﻔﺖ دﻣﻮﻋﮫﺎ وﺗﺮﻛﺖ اﻟﻜﻮخ دون اﺳﺘﺌﺬان أو ﺗﺤﯿﺔ. رﻣﻘﺘﮫﺎ ﻋﻤﺘﻲ ﺑﻐﯿﺮ اﻛﺘﺮاث ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻷﺑﻲ: ﻗﺪ ﺣﻞ ﺷﺆﻣﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻋﺮﻓﮫﺎ .ﺣﺘﻰ ﺻﺎﺣﺒﺘﮫﺎ اﻟﻤﻘﺮﺑﺔ ﻟﻢ ﺗﻨﺞ ﻣﻦ ﻓﺄﻟﮫﺎاﻟﺴﯿﺊ. ﺑﺎن اﻟﻐﻀﺐ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ أﺑﻲ .وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻔﺼﺢ ﻋﻨﻪ .ﺧﺸﯿﺔ ﻟﺴﺎن ﻋﻤﺘﻲ اﻟﺴﻠﯿﻂ. واﻛﺘﻔﻰ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﻣﺘﺒﺮﻣﺎ: ﻚ أﻣﺮ )روﻣﺎﻧﺎ( ﯾﺎ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( .ﻓﯿﻜﻔﯿﮫﺎ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﮫﺎ ﻣﻦ أﺣﺰان. دﻋﻲ ﻋﻨ ِأﻧﺒﺌﯿﻨﻲ ﺑﻤﺎ ﻋﺰم ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ »رأوﺑﯿﻦ«. ﻗﺎﻟﺖ: أﻣﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﺑﮫﺎ ﻳﺪور ﻓﻲ اﻟُﻨُﺰل؟ ﻗﺪ ﺗﺮﺑﺺ ﺑﻨﺎ اﻟﺸﺮ ﺧﻠﻒ ذﻟﻚ اﻟﺠﺒﻞ.وﻗﺮﻳﺒﺎ ﻳﻐﯿﺮ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﺷﻌﺐ ﻋﻤﺎﻟﯿﻖ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ. ﻗﺎل أﺑﻲ ﻓﻲ ﻏﯿﺮ اﻛﺘﺮاث: ﻋﻠﻤﺖ ﺑﺎﻷﻣﺮ .وﻧﺒﻲ ﷲ ﺑﯿﻦ أظﮫﺮﻧﺎ .وﻟﻦ ﻳﻀﯿﻌﻨﺎ اﻟﺮب.ﻗﺎﻟﺖ ﻣﻘﺎطﻌﺔ -ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻔﺎﺟﺌﻪ: ﻟﻦ ﻳﻜﻮن ﺑﯿﻦ أظﮫﺮﻛﻢ .ﻓﻘﺪ ﻋﮫﺪ )ﻣﻮﺳﯽ( ﻟﻔﺘﺎه )ﯾﻮﺷﻊ( ﺑﺠﻤﻊ اﻟﺮﺟﺎلواﻟﺨﺮوج ﻟﺤﺮب ﻋﻤﺎﻟﯿﻖ .وﻗﺪ أﺧﺒﺮ ﺷﯿﻮخ اﻷﺳﺒﺎط أﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﺨﺮج ھﻮ وأﺧﻮه )ھﺎرون( ﻟﻠﺤﺮب. ﻓﻮﺟﺊ ﺑﻘﻮﻟﮫﺎ .ﻓﺼﻤﺖ ﻗﻠﯿﻼ ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻣﺎ دام ﻗﺪ أﻣﺮ اﻟﺮب ﺑﮫﺬا .ﻓﺴﻤﻌﺎ ﻟﻪ وطﺎﻋﺔ.اﺣﺘﺪت ﻗﺎﺋﻠﺔ: أﻣﺎ ﺗﺪري ﻣﻦ ھﻢ اﻟﻌﻤﺎﻟﯿﻖ؟ ﻟﻮ ﺳﻤﻌﺖ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ اﻟﺮﺟﺎل .ﻻﻣﺘﻸ ﻗﻠﺒﻚﺑﺎﻟﺮﻋﺐ. ﻗﺎل أﺑﻲ ﻣﺘﺒﺮﻣﺎ: وﻣﺎذا ﺗﺮﻳﺪﻳﻦ ﻣﻨﻲ ﻳﺎ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ(؟ﻗﺎﻟﺖ وﻗﺪ أﺧﻔﻀﺖ ﺻﻮﺗﮫﺎ ﻗﻠﯿﻼ: ﻏﺪا ﻗﺒﻞ ﺷﺮوق اﻟﺸﻤﺲ ﺳﺘﺨﺮج ﻋﯿﺮ ﻣﻦ اﻟُﻨُﺰل ﺳﺮا .ﻓﯿﮫﺎ ﻛﺒﺮاء اﻟﻘﻮم ﻣﻦ»ﺷﻤﺮون« و»رأوﺑﯿﻦ« .وﺳﺘﺘﺠﻪ ﺷﻤﺎﻻ إﻟﻰ »أﻟﻮش« .وﺳﺘﺄﺧﺬ ﻣﻌﻨﺎ ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻲ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم واﻟﺸﺮاب ﻓﻨﻤﻜﺚ ﻓﯿﮫﺎ ﻋﺪة أﻳﺎم .ﻓﺈذا اﻧﺘﺼﺮ )ﯾﻮﺷﻊ( ﻋﺪﻧﺎ إﻟﻰ اﻟُﻨُﺰل. وإن ھﺰﻣﻪ ﻋﻤﺎﻟﯿﻖ ھﺮﺑﻨﺎ ﺷﻤﺎﻻ إﻟﻰ »ﺑﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ« .وﻣﻨﮫﺎ إﻟﻰ »إﻳﻠﯿﻢ« ﺛﻢ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ .وﻻ ﺗﻘﻠﻖ ﻓﻤﻌﻨﺎ دﻟﯿﻞ ﻳﻌﻠﻢ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء! ﻓﻐﺮ أﺑﻲ ﻓﺎه وﻗﺎل ﻣﺸﺪوھﺎ: -ﺗﻌﻮدون إﻟﻰ أرض ﻣﺼﺮ؟! ھﻞ اﺷﺘﻘﺘﻢ إﻟﻰ ذل اﻟﻔﺮﻋﻮن وﻋﺬاﺑﻪ. ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺪاﻓﻌﺔ: ﺑﻞ اﺷﺘﻘﻨﺎ إﻟﻰ اﻷﻣﻦ واﻟﻄﻤﺄﻧﯿﻨﺔ! ﻓﻤﺎذا ﺟﻨﯿﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺮوج ﻣﻊ )ﻣﻮﺳﯽ(ﺳﻮى أن ﺻﺮﻧﺎ ﻣﻄﺎردﻳﻦ .ﻳﺘﺨﻄﻒ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺑﯿﻨﻨﺎ .وﺗﺬﺑﺢ ﻧﺴﺎؤﻧﺎ وأطﻔﺎﻟﻨﺎ ﻛﺎﻟﺨﺮاف .ﺛﻢ ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ )ﻣﻮﺳﯽ( ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﻘﺘﺎل! ﻗﺎل ﻣﺴﺘﻨﻜﺮا: ھﻞ ﻋﺴﯿﺘﻢ إن ﻛﺘﺐ ﻋﻠﯿﻜﻢ اﻟﻘﺘﺎل ﻳﺎ ﺑﻨﻲ »ﺷﻤﺮون« و »رأوﺑﯿﻦ« أﻻ ﺗﻘﺎﺗﻠﻮا؟ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺘﮫﻜﻤﺔ: وﷲ ﻟﻮ ﻧﻌﻠﻢ ﻗﺘﺎﻻ ﻻﺗﺒﻌﻨﺎه .وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻗﻮم ﻻ ﻧﻌﺮف ﺳﻮى اﻟﺰراﻋﺔ واﻟﺘﺠﺎرة وﻻ ﻗِﺒﻞﻟﻨﺎ ﺑﺤﺮب اﻟﻌﻤﺎﻟﯿﻖ. ﺗﺄﻓﻒ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺜﮫﺎ .وﻗﺎل: ﺑﺌﺲ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﯿﻦ ﻳﺎ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ(! رأﻳﺘﻢ ﻣﻌﺠﺰات اﻟﺮب ﺑﺄﻋﯿﻨﻜﻢ .ﺛﻢ ﺗﺘﻮﻟﻮن ﻋﻨﮫﺎ.وﺣﻖ اﻟﺮب إﻳﻞ إﻧﻜﻢ ﺟﺎﺣﺪون! ﻳﺌﺴﺖ ﻣﻨﻪ ﻋﻤﺘﻲ ﻓﻘﺎﻣﺖ ﻓﻲ ﺣﺪة ارﺗﺠﺖ ﻣﻌﮫﺎ أﺟﺰاؤھﺎ .وﻗﺎﻟﺖ: ﻗﺪ أﺧﺒﺮﺗﻚ ﻳﺎﺑﻦ أﺑﻲ ﺑﻤﺎ ﻋﺰﻣﻨﺎ ﻋﻠﯿﻪ! ﻓﺈن ﺷﺌﺖ ﻟﺤﻘﺖ ﺑﻨﺎ ﻋﻨﺪ طﺮف اﻟُﻨُﺰلﻗﺒﻞ اﻟﺸﺮوق .وإن ﺷﺌﺖ ﻣﻜﺜﺖ ﻓﻲ ﺣﻀﻦ ﺟﺎرﻳﺘﻚ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ .وأرﺟﻮ أﻻ ﻳﺼﻠﻨﻲ ﻧﺒﺄ ﻣﺼﺮﻋﻜﻤﺎ ﻋﻤﺎ ﻗﺮﻳﺐ. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ وﻓﻲ اﻷﻳﺎم اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ اﺳﺘﻌﺪ اﻟﺸﻌﺐ ﻟﺤﺮﺑﻪ اﻷوﻟﻰ .ﺟﺎد ﻛﻞ ﺑﯿﺖ ﻓﻲ اﻟُﻨُﺰل ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺼﻠﺢ أن ﻳﻜﻮن ﺳﻼﺣﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺮب .اﻣﺘﻸت ﺳﺎﺣﺔ اﻟُﻨُﺰل ﺑﺎﻟﺨﺮاب واﻟﺴﮫﺎم واﻟﺴﯿﻮف واﻟﻔﺌﻮس واﻟﺒﻠﻂ واﻟﺴﻜﺎﻛﯿﻦ .وﺷﺤﺬ أﺑﻲ ھﻤﺘﻪ وﺻﻨﻊ وﺣﺪه ﻋﺸﺮات اﻟﺤﺮاب واﻟﺴﮫﺎم واﻷﻗﻮاس ﻣﻦ اﻷﻏﺼﺎن اﻟﺨﺸﺒﯿﺔ .وﺗﻌﺎون ﻣﻊ اﻟﺤﺪادﻳﻦ ﻓﻲ ﺻﻨﻊ اﻷﺗﺮاس واﻟﺪروع اﻟﺘﻘﯿﮫﻢ ﺿﺮﺑﺎت اﻟﻌﻤﺎﻟﯿﻖ .وأﻣﺮ ﻧﺒﻲ ﷲ ﻓﺘﺎه )ﯾﻮﺷﻊ( ﺑﺄن ﻳﺼﻨﻊ أﺑﻮاﻗﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺤﺎس ﻛﻲ ﻳﻨﻔﺦ ﺑﮫﺎ اﻟﺠﻨﻮد ﺣﯿﻦ ﻳﺒﺪأ اﻟﻨﺰال. ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻠﻢ اﻟﻌﻤﺎﻟﯿﻖ أن ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أﻛﺜُﺮ ﻗﺪ ﺻﺎر ﻟﮫﻢ ﻧﻔﯿﺮ. ودﻗﺖ طﺒﻮل اﻟﺤﺮب .وﺧﺮج اﻟﺮﺟﺎل ﻟﻼﺻﻄﻔﺎف ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻨﺰال اﺳﺘﻌﺪادا ﻟﻠﻤﺴﯿﺮ .ارﺗﺪي أﺑﻲ ﺳﺘﺮة ﻣﻦ ﺟﻠﺪ اﻟﺒﻘﺮ .وﻧﻄﻖ ﺑﺤﺰام ﺗﺪﻟﺖ ﻣﻨﻪ ﺑﻠﻄﺔ ﻣﺸﺤﻮﻧﺔ .وﻋﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ ﻗﻮﺳﺎ وﻛﻨﺎﻧﺔ ﺑﮫﺎ ﻋﺸﺮات اﻟﺴﮫﺎم اﻟﺨﺸﺒﯿﺔ. اﺣﺘﻀﻨﺘﻪ أﻣﻲ طﻮﻳﻼ .وودت أﻻ ﺗﻔﺎرق ﺣﻀﻨﻪ ﻟﻮﻻ أن أزاﺣﮫﺎ ﺑﺮﻓﻖ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻗﺪ ﺣﺎن وﻗﺖ اﻟﺮﺣﯿﻞ ﻳﺎ )روﻣﺎﻧﺎ( .ﻓﺈﻣﺎ اﺣﺘﻔﺎل ﺑﻨﺼﺮ .وإﻣﺎ ﻟﻘﺎء ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ.ﺑﻜﺖ ﻛﺜﯿﺮا .وﺑﻜﯿﺖ أﻧﺎ ﻟﺒﻜﺎﺋﮫﺎ .ﻓﺎﺣﺘﻀﻨﻨﻲ أﺑﻲ .وﻗﺒﻠﻨﻲ ﻓﻲ رأﺳﻲ ﻗﺎﺋﻼ: ﻻ ﺗﺒﻚ ﻳﺎ ﻓﺎرس »رأوﺑﯿﻦ« .ﻓﺎﻟﺮﺟﺎل ﻻ ﻳﺒﻜﻮن.ﺗﺬﻛﺮت ﺷﯿﺌﺎ ﻛﻨﺖ أﻧﻮي أن أھﺪﻳﻪ ﻟﻪ .ﻓﻨﺰﻟﺖ أﺳﻔﻞ اﻟﺴﺮﻳﺮ .وأﺣﻀﺮت ﻗﺒﻌﺔ اﻟﻔﺎرس اﻟﻤﺼﺮي اﻟﺘﻲ ﻗﺬﻓﺘﮫﺎ اﻷﻣﻮاج ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺒﻮر .أﻋﻄﯿﺘﮫﺎ ﻟﻪ ﻓﺎرﺗﺪاھﺎ ﻣﺒﺘﺴﻤﺎ وﻗﺎل: أﻋﺪك أن أﺣﺎﻓﻆ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﺣﺘﻰ أﻋﻮد.ﺛﻢ ﻗﺒﻠﻨﻲ واﻧﺼﺮف. واﻟﺤﻖ أن ﻣﺎ ﺳﺄذﻛﺮه اﻵن ﻟﻢ أﺷﮫﺪه ﺑﻌﯿﻨﻲ .وﻟﻜﻨﻲ ﺳﻤﻌﺖ أﺑﻲ ﻳﻘ ﱡ ﺼﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻣﻊ أﻣﻲ ﺑﻜﻞ ﺗﻔﺎﺻﯿﻠﻪ ﻓﺸﻌﺮت وﻛﺄﻧﻲ أرى ﺳﺎﺣﺔ اﻟﺤﺮب أﻣﺎﻣﻲ رأي اﻟﻌﯿﻦ. ﺧﺮج اﻟﺠﯿﺶ ﻣﻦ وادي »رﻓﯿﺪﻳﻢ« وﺳﺎر اﻷﺳﺒﺎط ﺟﻤﯿﻌﺎ ﺧﻠﻒ راﻳﺔ واﺣﺪة ﺣﻤﻠﮫﺎ اﻟﺸﺎب )ﮐﺎﻟﺐ ﺑﻦ ﻳﻔﻨﻪ( ﻣﻦ ﺳﺒﻂ »ﻳﮫﻮذا« .ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺳﺎر ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺪﻣﺔ ﻗﺎﺋﺪ اﻟﺠﯿﺶ اﻟﺸﺎب )ﯾﻮﺷﻊ ﺑﻦ ﻧﻮن( ﻣﻦ ﺳﺒﻂ »إﻓﺮاﯾﻢ« .ﺟﺎوز اﻟﺠﯿﺶ ﺟﺒﺎل »رﻓﯿﺪﻳﻢ« ﻗﺒﻞ ﺣﻠﻮل اﻟﻤﺴﺎء .ﺛﻢ ﻋﺴﻜﺮ اﻟﺠﻨﻮد ﻓﻲ أرض ﻓﺴﯿﺤﺔ ﻻ ﺗﺒﻌﺪ ﻛﺜﯿﺮا ﻋﻦ أرض اﻟﻌﻤﺎﻟﯿﻖ ﺣﺘﻰ اﻧﺒﻠﺞ اﻟﺼﺒﺎح. وﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح وﺻﻞ ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﯽ( وأﺧﻮه )ھﺎرون( وزوج أﺧﺘﻪ )ﺣﻮر( .ﻓﺨﻄﺐ ﻓﻲ اﻟﻘﻮم .وﺣﺚ اﻟﺼﺒﺮ واﻟﺠﻠﺪ .ﺛﻢ ﺻﻌﺪ ﺛﻼﺛﺘﮫﻢ إﻟﻰ رأس اﻟﺘﻠﺔ .ورﻓﻊ )ﻣﻮﺳﯽ( ﺑﺪه ﺑﺎﻟﻌﺼﺎ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء .ﻓﮫﻠﻞ اﻟﻨﺎس .وﺻﺎح )ﯾﻮﺷﻊ( ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮد: ﻳﺎ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ! ھﺬا :ﷲ ﺑﻨﻈﺮ إﻟﯿﻜﻢ .وھﺬي ﻋﺼﺎه اﻟﺘﻲ أﻧﺠﺎﻛﻢ ﺑﮫﺎ اﻟﺮبﻣﻦ ﻓﺮﻋﻮن ﺑﺎﺳﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﺣﺘﻰ ﺗﻌﻠﻤﻮا أن اﻟﺮب ﻳﺮﻋﺎﻛﻢ .وﷲ ﻻ ﺗﮫﺒﻄﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺼﺎ ﻣﻦ ﻳﺪ اﻟﻜﻠﯿﻢ إﻻ وﻗﺪ ھﺰﻣﻨﺎ ﻋﻤﺎﻟﯿﻖ وﺷﻌﺒﻪ.. واﻣﺘﻸت اﻟﺴﻤﺎء ﺑﺼﻮت اﻟﻨﻔﯿﺮ .ودﻗﺖ اﻟﻄﺒﻮل .وﻋﻠﺖ ﺻﯿﺤﺎت اﻟﺮﺟﺎل .واﺷﺘﻌﻠﺖ اﻟﺼﺤﺮاء ﺑﺤﻤﺎس ﻻ ﻣﺜﯿﻞ ﻟﻪ .وﻟﻢ ﺗﻤﺾ ﻟﺤﻈﺎت ﺣﺘﻰ اﻣﺘﻸت اﻟﺴﻤﺎء ﺑﺎﻟﻐﺒﺎر. وﺳﻤﻊ اﻟﺮﺟﺎل طﺮق اﻟﻌﻤﺎﻟﯿﻖ ﻷﺗﺮاﺳﮫﻢ ﺑﻨﺼﺎل اﻟﺴﯿﻮف .وأﺻﻮات أﻗﺪاﻣﮫﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﺰﻟﺰل أرﺿﺎ اﻟﺼﺤﺮاء .ﻓﺼﺎح )ﯾﻮﺷﻊ( ﻓﻲ ﺟﻨﻮده: اﺛﺒﺘﻮا أﻳﮫﺎ اﻟﺮﺟﺎل .ﻓﺄي ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺧﻠﻒ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺜﺒﺎن ﻓﻨﺤﻦ ﻗﺎﺗﻠﻮه ﺑﺈذن ﷲ.واﻧﻘﺸﻌﺖ ﺳﺤﺎﺑﺔ اﻟﺮﻣﺎل وﺑﺎن ﺟﯿﺶ اﻟﻌﻤﺎﻟﯿﻖ .وأدرك ﺷﺒﺎب ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أن ﺷﯿﻮﺧﮫﻢ ﻗﺪ ﺧﺪﻋﻮھﻢ أﻋﻮاﻣﺎ طﻮﻳﻠﺔ .وأن ﻣﺎ رواه اﻟﺸﯿﻮخ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﺎﻟﯿﻖ ﻛﺎن وھﻤﺎ وﺧﯿﺎﻻ! ﻟﻢ ﻳﺠﺪوا ﻣﺴﻮﺧﺎ ﺗﻄﺎول ﻗﺎﻣﺎﺗﮫﺎ أﺷﺠﺎر اﻷرز .وﻟﻢ ﻳﺠﺪوا وﺣﻮﺷﺎ ﺗﺄﻛﻞ ﻟﺤﻮم اﻟﺒﺸﺮ وأﻛﺒﺎدھﺎ .وﺟﺪوا ﻓﻘﻂ ﻓﺮﺳﺎﻧﺎ ﻳﻤﺘﻄﻮن اﻟﺨﯿﻮل ،وﻣﺸﺎة ﻳﺘﺮﺟﻠﻮن وﻳﺤﻤﻠﻮن اﻟﺴﯿﻮف واﻷﺗﺮاس .وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻛﻔﯿﻼ ﺑﺄن ﻳﺴﺘﺒﺸﺮ ﺑﻪ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ .ﻓﺼﺮخ )ﯾﻮﺷﻊ(: اﻵن ﻳﺎ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ! رﺟﻞ ﺑﺮﺟﻞ .وﺗﺮس ﺑﺘﺮس .وﺳﯿﻒ ﺑﺴﯿﻒ!واﻟﺘﺤﻢ اﻟﺠﯿﺸﺎن ﻛﺎﻟﻤﻮج اﻟﻤﺘﻼطﻢ .ﺗﻜﺴﺮت اﻟﻨﺼﺎل ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺼﺎل .واﺧﺘﺮﻗﺖ اﻟﺴﮫﺎم اﻟﻘﻠﻮب واﻟﺤﻨﺎﺟﺮ .ﺷﺠﺖ اﻟﺮءوس ﺑﺎﻟﻔﺌﻮس .وﺑﻘﺮت اﻟﺒﻄﻮن ﺑﺎﻟﺤﺮاب. واﺧﺘﻠﻄﺖ ﺻﯿﺤﺎت اﻟﻘﺘﺎل ﺑﺼﺮاخ اﻟﻘﺘﻠﻰ وأﻧﺎت اﻟﻤﺠﺮوﺣﯿﻦ .ﻛﻞ ھﺬا ورﺳﻮل ﷲ ﻓﻮق اﻟﺘﻠﺔ ﻳﺸﮫﺮ ﻋﺼﺎه ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﯿﺮاھﺎ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻘﺘﺎل ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ .ﻓﺘﺸﺘﻌﻞ ﻗﻠﻮﺑﮫﻢ ﺑﺎﻟﺤﻤﺎﺳﺔ .وﻧﻔﻮﺳﮫﻢ ﺑﺎﻟﺜﻘﺔ ﻓﻲ وﻋﺪ اﻟﺮب .وﻣﺎﻟﺖ اﻟﺸﻤﺲ إﻟﻰ اﻟﻤﻐﯿﺐ .وأدرك ﺷﻌﺐ ﻋﻤﺎﻟﯿﻖ أﻧﮫﻢ ھﺎﻟﻜﻮن ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ .ﻓﺄﻟﻘﻮا أﺳﻠﺤﺘﮫﻢ واﺗﺮاﺳﮫﻢ .وﻓﺮت ﻓﻠﻮﻟﮫﻢ ھﺎرﺑﺔ إﻟﻰ دﻳﺎرھﻢ .وﺗﺒﻌﺘﮫﻢ ﺟﻨﻮد )ﯾﻮﺷﻊ( .ورأى أﺑﻲ اﻟﻌﻢ )أﺷﻜﻮل( ﻳﻘﻔﺰ ﻋﻠﻰ ﺻﮫﻮة ﻓﺮس .وﻳﻌﺪو ﺑﻪ ﺧﻠﻒ اﻟﻔﻠﻮل اﻟﮫﺎرﺑﺔ .ﻓﺎﻣﺘﻄﻰ أﺑﻲ ﻓﺮﺳﺎ آﺧﺮ وﺗﺒﻌﻪ .ﻛﺎن )أﺷﻜﻮل( ﻳﺴﺎﺑﻖ اﻟﺮﻳﺢ ﺑﻔﺮﺳﻪ .ﻋﻠﻪ ﻳﺼﻞ إﻟﻰ دﻳﺎر اﻟﻌﻤﺎﻟﯿﻖ .ﻓﯿﺠﺪ زوﺟﺘﻪ )ﺳﻮﻻف( ﻣﺎ زاﻟﺖ ﺣﯿﺔ. ودﺧﻞ ﺟﯿﺶ )ﯾﻮﺷﻊ( دﯾﺎر اﻟﻌﻤﺎﻟﯿﻖ دﺧﻮل اﻟﻔﺎﺗﺤﯿﻦ .ﺗﺴﺎﻗﻂ أﻣﺎﻣﮫﻢ رﺟﺎل اﻟﻌﻤﺎﻟﯿﻖ ﻛﺎﻟﺬﺑﺎب .وأﺷﻌﻞ اﻟﻌﻤﺎﻟﯿﻖ اﻟﻨﯿﺮان ﺑﻤﻨﺎزﻟﮫﻢ .ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺴﻜﻨﮫﺎ ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ .ﺛﻢ ﻓﺮت ﺷﺮاذﻣﮫﻢ ھﺎرﺑﺔ .ﺗﺎرﻛﺔ أﻣﻮاﻟﮫﻢ وأﻣﺘﻌﺘﮫﻢ ﻏﻨﯿﻤﺔ ﻟﺠﯿﺶ )ﯾﻮﺷﻊ( اﻟﻤﻨﺘﺼﺮ .واﻗﺘﺤﻢ )أﺷﻜﻮل( اﻟﻤﻨﺎزل واﻟﺪروب ﻛﺎﻟﻤﺠﻨﻮن .ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ زوﺟﺘﻪ اﻟﻤﺨﻄﻮﻓﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ رﻛﻦ ودرب .وأﺧﯿﺮا وﺟﺪھﺎ ﺗﺨﺘﺒﺊ ﻓﻲ رﻛﻦ آﻣﻦ ﺑﻌﯿﺪا ﻋﻦ أﻋﯿﻦ اﻟﻔﺮﺳﺎن وأﻟﺴﻨﺔ اﻟﻨﯿﺮان .ﻓﻤﺎ أن رآھﺎ ﺣﺘﻰ ھﺮول ﻧﺤﻮھﺎ. وﺣﻤﻠﮫﺎ ﻣﻦ ﻣﺨﺒﺌﮫﺎ وﺿﻤﮫﺎ إﻟﻰ ﺻﺪره ﻓﻲ ﻗﻮة .ﻓﺎﺧﺘﻠﻄﺖ دﻣﻮﻋﮫﺎ ودﻗﺎت ﻗﻠﺒﯿﮫﺎ .وﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﺒﻜﻲ ﻣﺮﺗﺠﻔﺔ: ﻗﺘﻠﻮا وﻟﺪﻧﺎ )ﺳﯿﺤﻮن( .ذﺑﺤﻮه أﻣﺎم ﻋﯿﻨﻲ ﻳﺎ )أﺷﻜﻮل(.اﺣﺘﻀﻨﮫﺎ أﻛﺜﺮ وﻗﺎل ﻓﻲ ﺻﻮت ﻳﻠﮫﺞ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء: ﺣﻤﺪا ﻟﻠﺮب أﻧﻚ ﻣﺎزﻟﺖ ﺣﯿﺔ .ﺣﻤﺪا ﻟﻠﺮب أﻧﻚ ﻣﺎ زﻟﺖ ﺣﯿﺔ.ﺛﻢ أﻟﻘﻰ )أﺷﻜﻮل( ﺳﯿﻔﻪ وﺗﺮﺳﻪ .وﺣﻤﻞ زوﺟﺘﻪ وﺧﺮج ﻣﻌﮫﺎ وھﻮ ﻳﻘﻮل: اﺷﮫﺪوا ﻳﺎ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ .اﺷﮫﺪوا ﯾﺎ ﺷﻌﺐ إﻳﻞ .ﻗﺪ ﺣﺎرب )أﺷﻜﻮل( اﻟﻌﻤﺎﻟﯿﻖوأﻋﺎد زوﺟﺘﻪ اﻟﻤﺨﻄﻮﻓﺔ إﻟﻰ دﻳﺎرھﺎ. وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﺘﻐﻨﻰ ﻓﺮ ً ﺣﺎ اﻧﻄﻠﻘﺖ ﺣﺮﺑﺔ ﻏﺎدرة ﺷﻘﺖ طﺮﻳﻘﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﮫﻮاء ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ .ﺛﻢ ﺷﻘﺖ ﺻﺪره .ﻟﺘﻘﻀﻲ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺣﺔ ﻗﻠﺒﻪ اﻟﻤﻜﻠﻮم .وﺳﻂ ﺻﺮاخ زوﺟﺘﻪ .وأﻣﺎم ﻋﯿﻨﻲ واﻟﺪي اﻟﻤﺬھﻮل. ∞∞∞∞∞ وﻋﺎد اﻟﻤﺤﺎرﺑﻮن ﻣﺤﻤﻠﯿﻦ ﺑﺎﻟﻐﻨﺎﺋﻢ وﻓﺮﺣﺔ اﻟﻨﺼﺮ .ﺗﻌﺎﻧﻖ اﻟﻨﺎس .وﺗﻐﻨﻮا واﺑﺘﮫﻠﻮا. اﺗﺼﻠﺖ ﺗﺮاﻧﯿﻤﮫﻢ ﺑﺎﻟﺴﻤﺎء .وﻣﻸت ﺗﺴﺎﺑﯿﺤﮫﻢ ﺟﻨﺒﺎت اﻟﻮادي ﻓﻲ »رﻓﯿﺪﯾﻢ«. ﻣﺠﺪوا اﻟﺮب ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء... ﻣﺠﺪوا اﻟﺸﻌﺐ ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳﺔ.. ھﺰم )ﯾﻮﺷﻊ( ﻋﻤﺎﻟﯿﻖ ﺑﺤﺪ اﻟﺴﯿﻒ.. وﻏﺪا ﻳﮫﺰﻣﮫﻢ ﻣﻦ دور إﻟﻰ دور.. وأﻗﺎم )ﻣﻮﺳﯽ( ﻣﺬﺑﺤﺎ ﻟﻠﺮب ﻓﻲ وﺳﻂ اﻟُﻨُﺰل ﻟﻢ ﻧﺸﮫﺪ ﻣﺜﻠﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ .وﺳﺎﻋﺪ أﺑﻲ ﻓﻲ ﺻﻨﻌﻪ ﻣﻦ ﺧﺸﺐ اﻟﺴﻨﻂ .ﻛﺎن ارﺗﻔﺎﻋﻪ ﺛﻼث أذرع .وﻋﺮﺿﻪ ﺧﻤﺲ وﻟﻪ ﻏﻄﺎء ﻣﻦ اﻟﻨﺤﺎس .ﺗﻮﺿﻊ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺬﺑﯿﺤﺔ .ﺛﻢ ﺗﻮﻗﺪ اﻟﻨﺎر أﺳﻔﻠﮫﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻀﺞ ﻟﺤﻤﮫﺎ .وﻟﻢ ﺗﻨﻄﻔﺊ ﻧﺎر اﻟﻤﺬﺑﺢ ﻷﺳﺎﺑﯿﻊ ﻋﺪﻳﺪة ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﻛﻲ ﺗﻘﱠﺪم اﻟﻘﺮاﺑﯿﻦ ﺷﻜﺮا ﻟﻠﺮب ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻨﺼﺮ اﻟﻜﺒﯿﺮ. ورﻏﻢ اﻟﻔﺮﺣﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌ ّ ﻢ أرﺟﺎء اﻟُﻨُﺰل .ﻛﺎن اﻟﺤﺰن ﻳﺨﯿﻢ ﻓﻲ ﻛﻮﺧﻨﺎ اﻟﺼﻐﯿﺮ. ﻓﺒﻌﺪ أن ﻋﺎدت )ﺳﻮﻻف( ﻣﻦ أرض اﻟﻌﻤﺎﻟﯿﻖ ﻟﻢ ﺗﻨﺰل ﻓﻲ ﺣﯿﮫﺎ .وﻻ ﻓﻲ دار زوﺟﮫﺎ اﻟﻤﻘﺘﻮل .ﺑﻞ طﻠﺒﺖ أن ﺗﻤﻜﺚ ﻋﻨﺪ ﺻﺪﻳﻘﺘﮫﺎ )روﻣﺎﻧﺎ( .ﻓﺎﺳﺘﻀﺎﻓﺘﮫﺎ أﻣﻲ ﻓﻲ ﻛﻮﺧﻨﺎ .ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺒﯿﺖ إﻟﻰ ﺟﻮار أﻣﻲ .ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﺑﯿﺖ أﻧﺎ وأﺑﻲ ﻓﻲ ﻋﺮﻳﺸﺔ ﺻﻨﻌﮫﺎ ﻟﻨﺎ وأﻟﺤﻘﮫﺎ ﺑﺎﻟﻜﻮخ. وﻣﺮت اﻷﻳﺎم واﻟﺤﺰن واﻟﺴﻮاد ﻻ ﻳﻔﺎرﻗﺎن )ﺳﻮﻻف( .ذﺑﻞ ﺟﺴﺪھﺎ .وﺷﺤﺐ ﻟﻮﻧﮫﺎ .ﺑﻌﺪ أن ﻋﺰﻓﺖ ﻋﻦ اﻟﺰاد .وﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﻜﻮخ إﻻ ﻟﻘﻀﺎء اﻟﺤﺎﺟﺔ. وﺗﺼﻮم ﻋﻦ اﻟﻜﻼم إﻻ ﻣﻦ ھﻤﮫﺎت ﻳﺼﺪرن ﻋﻨﮫﺎ ﻣﻦ ﺣﯿﻦ إﻟﻰ آﺧﺮ ﺛﻢ ﻳﺘﺒﻌﮫﺎ ﺑﻜﺎء ﺣﺎر وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﺬﻛﺮت وﻟﺪھﺎ وزوﺟﮫﺎ اﻟﻘﺘﯿﻠﯿﻦ .ﻓﺘﻀﻤﮫﺎ أﻣﻲ إﻟﻰ ﺻﺪرھﺎ. ﺗﻮاﺳﯿﮫﺎ وﺗﺪﻋﻮ ﻟﮫﺎ ﺑﺎﻟﺼﺒﺮ واﻟﺴﻠﻮان. وطﺎل ﺑﻘﺎء )ﺳﻮﻻف( ﻓﻲ ﺑﯿﺘﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﺟﺎء وﻗﺖ اﺳﺘﺸﻌﺮت ﻓﯿﻪ اﻟﺤﺮج وطﻠﺒﺖ ﻣﻦ أﻣﻲ أن ﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﺣﯿﮫﺎ .وﻟﻜﻦ أﻣﻲ رﻓﻀﺖ وأﺻﺮت ﻋﻠﻰ أن ﺗﺒﻘﯽ )ﺳﻮﻻف( إﻟﻰ ﺟﻮارھﺎ .ﺛﻢ أوﺣﺖ أﻣﻲ إﻟﻰ أﺑﻲ ﺑﺄن ﻳﻘﯿﻢ ل) -ﺳﻮﻻف( ﮐﻮﺧﺎ ﻓﻲ ﺣﯿﻨﺎ. ﺗﻤﻜﺚ ﻓﯿﻪ وﺣﺪھﺎ وﺗﻜﻮن ﺗﺤﺖ رﻋﺎﻳﺘﻨﺎ .ﻓﺎﺳﺘﺤﺴﻦ أﺑﻲ اﻟﻔﻜﺮة .وﺷﺮع ﻓﻲ ﺑﻨﺎء اﻟﻜﻮخ وﺗﺄﺛﯿﺜﻪ وﻋﺎد ذات ظﮫﯿﺮة .ﻟﯿﺄﺧﺬ )ﺳﻮﻻف( إﻟﻰ ﻛﻮﺧﮫﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪ. واﺳﺘﻌﺎدت )ﺳﻮﻻف( ﻧﺒﺾ اﻟﺤﯿﺎة ﻓﻲ اﻟﻜﻮخ اﻟﺠﺪﻳﺪ روﻳﺪا روﻳﺪا .وﺷﻌﺮت ﺑﺎﻻﻣﺘﻨﺎن ﻟﺼﺪﻳﻘﺘﮫﺎ اﻟﻮﻓﯿﺔ .وزوﺟﮫﺎ اﻟﻤﺨﻠﺺ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻻ ﻳﻤﺮ اﻟﯿﻮم دون أن ﺗﻤﻜﺚ أﻣﻲ ﻣﻌﮫﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ .ﺗﺘﺤﺪث إﻟﯿﮫﺎ ﻓﻲ ﺷﺌﻮن اﻟﻨﺴﺎء .وﺗﮫﺪﻳﮫﺎ ﻣﻦ ﺛﯿﺎﺑﮫﺎ .وﻣﻦ طﻌﺎﻣﮫﺎ .أﻣﺎ آﺑﻲ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻳﺮﻋﺎھﺎ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻔﻌﻞ زوﺟﮫﺎ اﻟﺮاﺣﻞ )أﺷﻜﻮل( .ﻳﺤﻀﺮ ﻟﮫﺎ ﻗﺪر اﻟﻤﻦ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺻﺒﺎح .وﻳﺄﺗﯿﮫﺎ ﺑﻨﺼﯿﺒﮫﺎ ﻣﻦ طﺎﺋﺮ اﻟﺴﻠﻮى ﻋﻨﺪ اﻟﻤﺴﺎء .وﻗﺪ ﻳﻤﺮ ﻋﻠﻰ ﻛﻮﺧﮫﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻨﮫﺎر ﻟﯿﻤﻼ ﻟﮫﺎ ﺟﺮار اﻟﻤﺎء ﻣﻦ اﻟﺒﺌﺮ أو ﻟﯿﻌﻄﯿﮫﺎ ﻗﺪﺣﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﻦ أو اﻟﻠﺒﻦ. وﻳﻮم ﺑﻌﺪ ﻳﻮم ﺗﺒﺪل اﻟﺤﺎل ﺑﺎﻷرﻣﻠﺔ اﻟﺜﻜﻠﻰ .ﻓﺨﻠﻌﺖ اﻟﺴﻮاد .وﺻﺎرت أﻛﺜﺮ إﺷﺮاﻗﺎ وإﻗﺒﺎﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﯿﺎة ﻋﻦ ذي ﻗﺒﻞ .واﻟﺤﻖ أن اﻟﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف( ﻛﺎﻧﺖ اﻣﺮأة ﺟﻤﯿﻠﺔ .ﺗﺸﻊ ﺑﯿﺎﺿﺎ .وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺳﻘﯿﺖ ﺑﺸﺮﺗﮫﺎ ﺑﻠﺒﻦ .أﻣﺎ ﻋﯿﻨﺎھﺎ ﻓﻜﺎﻧﺘﺎ ﻓﻲ زرﻗﺔ اﻟﺒﺤﺮ ﻗﺒﻞ اﻟﻐﺮوب .وﻳﻠﻤﻊ ﺷﻌﺮھﺎ اﻟﻤﺘﻤﻮج ﻓﻮق رأﺳﮫﺎ ﻛﺨﯿﻮط ﻣﻦ اﻟﺬھﺐ. ﺗﻨﺴﺪل إﻟﻰ ﻛﺘﻔﯿﮫﺎ ﺳﻠﺴﺔ ﺑﻐﯿﺮ ﺟﺪاﺋﻞ وﻻ ﺗﺼﻔﯿﻒ .ﻛﻨﺖ أراﻓﻖ أﺑﻲ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻪ ذات ﻳﻮم .وﻋﻨﺪ اﻟﻈﮫﯿﺮة ﺣﻤﻞ ﺟﺮﺗﻲ اﻟﻤﺎء اﻟﻔﺎرﻏﺘﯿﻦ إﻟﻰ اﻟﺒﺌﺮ ﻓﻤﻸھﻤﺎ ﺑﺎﻟﻤﺎء .ﺛﻢ ﺧﻠﻊ ﻗﻤﯿﺼﻪ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺒﺘﻞ .وﺣﻤﻞ اﻟﺠﺮﺗﯿﻦ اﻟﺜﻘﯿﻠﺘﯿﻦ ﻋﻠﻰ طﺮﻓﻲ ﻋﺼﺎ أﺳﻨﺪھﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﯿﻪ اﻟﻌﺮﻳﻀﯿﻦ .وﺳﺎر ﺑﮫﺎ إﻟﻰ ﻛﻮخ اﻟﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف(. اﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻨﺎ اﻟﻌﻤﺔ ﺳﻮﻻف( ﻣﺮﺣﺒﺔ وﺷﺎﻛﺮة .وﺧﯿﻞ إﻟﻰ أﻧﮫﺎ ﻗﺪ أرﺧﺖ أھﺪاﺑﮫﺎ ﻓﻮق ﺧﺪﻳﮫﺎ ﺧﺠﻼ ﺣﯿﻦ رأت ﺻﺪر أﺑﻲ اﻟﻌﺎري .وﻟﻜﻨﮫﺎ اﺧﺘﻠﺴﺖ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ ظﮫﺮه ﺣﯿﻦ ﻣﺎل ﻛﻲ ﻳﻀﻊ اﻟﺠﺮﺗﯿﻦ ﻋﻠﻰ اﻷرض داﺧﻞ اﻟﻜﻮخ .اﻧﺒﻌﺜﺖ داﺧﻞ اﻟﻜﻮخ راﺋﺤﺔ طﻌﺎم ﺷﮫﻲ .وﺑﺪا أن اﻟﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف( ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﻗﺪ اﻟﻨﺎر ﻋﻠﻰ طﻌﺎم ﺗﻄﮫﻮه .أﺛﺎرت راﺋﺤﺔ اﻟﻄﻌﺎم ﺷﮫﯿﺘﻲ .ﻓﺴﺄﻟﺖ اﻟﻌﻤﺔ: ﻣﺎذا ﺗﻄﮫﯿﻦ؟ﺿﺤﻜﺖ ﺿﺤﻜﺔ ﻣﺸﺮﻗﺔ أﺑﺪت ﺟﻤﺎل ﺛﻨﯿﺘﯿﮫﺎ وﻗﺎﻟﺖ: ھﻞ أﻧﺖ ﺟﺎﺋﻊ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(؟ﻗﻠﺖ ﻣﺴﺮﻋﺎ: ﻧﻌﻢ .إﻧﻲ أﺗﻀﻮر ﺟﻮﻋﺎ وأﺑﻲ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻌﻮد ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ دون ﻏﺪاء..ﺗﺤﺮّج أﺑﻲ ﻣﻤﺎ ﻗﻠﺘﻪ ﻓﻮﮐﺰﻧﻲ ﻓﻲ ﻣﺆﺧﺮة رأﺳﻲ ﺑﻠﻄﻒ وﻗﺎل: أﻟﻢ ﺗﻜﺒﺮ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ؟ ﻟﻢ ﻳﺒﻖ أﻣﺎﻣﻨﺎ ﺳﻮى ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻧﻌﻮد ﺑﻌﺪھﺎ إﻟﻰاﻟﻜﻮخ. ﻗﻠﺖ ﻣﺤﺘﺠﺎ: إﻧﻲ ﺟﻮﻋﺎن .وﻻ أﺳﺘﻄﯿﻊ اﻟﻌﻤﻞ دون طﻌﺎم.ﻰ اﻟﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف( وﻗﺎﻟﺖ: أﺷﻔﻘﺖ ﻋﻠ ّ ﻗﺪ ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻦ طﮫﻮ اﻟﻄﻌﺎم ﯾﺎ )زﺧﺎري( .أﻣﻜﺜﺎ ﺑﺮھﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻟﺘﺄﻛﻼ ﺷﯿﺌﺎ.ﺷﮑﺮھﺎ أﺑﻲ ورﻓﺾ ﻣﺘﺤﺮﺟﺎ.. وﻟﻜﻨﮫﺎ أﺻﺮت ﻗﺎﺋﻠﺔ: إن ﺑﯿﺘﻲ أﻗﺮب إﻟﯿﻜﻢ ﻣﻦ ﺑﯿﺖ )روﻣﺎﻧﺎ( .وﺣﺮام أن ﻳﻌﻤﻞ )ﺷﻤﻌﻮن( ﻓﻲاﻟﺤﺮ وھﻮ ﺟﺎﺋﻊ. ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪ أﺑﻲ ﺑﺪا ﻣﻦ أن ﻳﺮﺿﺦ ﻟﺪﻋﻮﺗﮫﺎ أﻣﺎم إﻟﺤﺎﺣﻲ وإﺻﺮارھﺎ .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ أﺟﺘﻤﻊ ﻓﯿﮫﺎ أﻧﺎ وأﺑﻲ واﻟﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف( ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺪة طﻌﺎم وﺣﺪﻧﺎ .وﻟﻜﻨﮫﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻷﺧﯿﺮة .ﻓﻘﺪ ﺗﻜﺮر اﻷﻣﺮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺮة .وﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮة ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف( ﺗﺘﻔﻨﻦ ﻓﻲ إﻋﺪاد اﻟﻤﺎﺋﺪة ﺑﺄﺻﻨﺎف ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم ﺗﻔﻮق ﺳﺎﺑﻘﺘﮫﺎ .ﺣﺘﻰ ﺻﺮت أﺗﺮﻗﺐ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮات اﻟﺘﻲ ﻧﺄﻛﻞ ﻓﯿﮫﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف(. ﺷﻲء ﻣﺎ ﻟﻢ أﻛﻦ أﻓﻄﻦ إﻟﯿﻪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻦ اﻟﺼﻐﯿﺮة .وھﻮ ﻟﻤﺎذا ﺗﺘﺰﻳﻦ اﻟﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف( وﺗﺒﺪو أﻛﺜﺮ إﺷﺮاﻗﺎ وﺟﻤﺎﻻ ﺣﯿﻨﮫﺎ ﺗﺪﻋﻮﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﻐﺪاء ﻓﻲ ﺑﯿﺘﮫﺎ .وﻻ ﺗﺒﺪو ﻛﺬﻟﻚ ﺣﯿﻨﮫﺎ ﺗﺄﺗﻲ إﻟﻰ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ؟ وﻓﻲ ﻟﯿﻠﺔ ﻗﻤﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﻟﯿﺎﻟﻲ ﺷﮫﺮ أﻳﺎر .اﺳﺘﯿﻘﻈﺖ ﻓﺰﻋﺎ ﻣﻦ ﻧﻮﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﺻﺮاخ أﻣﻲ )روﻣﺎﻧﺎ( وھﻲ ﺗﻠﻄﻢ ﺧﺪھﺎ ﺑﻜﻔﯿﮫﺎ .وﺗﺒﻜﻲ ﺑﻜﺎء أﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﻌﻮﻳﻞ .ﻓﻘﺪ أﺧﺒﺮھﺎ أﺑﻲ ﺑﺮﻏﺒﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺰواج ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف(. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ وﻓﻲ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻨﻰ ﻓﯿﮫﺎ )زﺧﺎري( ﺑﺰوﺟﺘﻪ اﻟﺠﺪﻳﺪة )ﺳﻮﻻف( .ﻛﻨﺖ أﻧﺎ وأﻣﻲ ﻧﺒﯿﺖ وﺣﺪﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻜﻮخ ﻟﻠﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ﻣﻨﺬ اﻟﺨﺮوج .ﺟﻠﺴﺖ )روﻣﺎﻧﺎ( ﻋﻠﻰ أرﻳﻜﺔ اﻷراك .وﻗﺪ أﺣﺎطﺖ رﻛﺒﺘﯿﮫﺎ ﺑﺬراﻋﯿﮫﺎ .اﻧﻜﻤﺸﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﮫﺎ ﻛﻄﻔﻞ ﻳﺮﺗﻌﺪ ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ اﻟﻈﻼم .ﺣﺪﻗﺖ ﻓﻲ اﻟﻔﺮاغ ﺑﻌﯿﻨﯿﻦ ﻻ ﻳﻄﺮﻓﺎن وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﺘﺼﻔﺢ ﻟﻮﺣﺎ ﺷﻄﺮت ﻋﻠﯿﻪ ذﻛﺮﻳﺎت ﺳﻨﻮاﺗﮫﺎ اﻟﻔﺎﺋﺘﺔ .وﻣﻀﺖ أﺷﻌﺔ اﻟﻘﻤﺮ اﻟﻤﺘﺴﻠﻠﺔ ﻋﺒﺮ ﻓﺮﺟﺎت اﻟﺠﺪار ﻋﻠﻰ دﻣﻌﺔ ﺗﺤﺠﺮت ﻋﻠﻰ ﻣﻘﻠﺘﮫﺎ ﻟﺒﺮھﺔ .ﺛﻢ اﻧﺴﺎﺑﺖ ﻋﻠﻰ وﺟﻨﺘﮫﺎ ﻓﻲ ھﺪوء ﻳﺤﺘﺮم ﺻﻤﺘﮫﺎ اﻟﺤﺰﻳﻦ .ﻛﻨﺖ أﺗﻈﺎھﺮ ﺑﺎﻟﻨﻮم وأﻧﺎ أﺗﻄﻠﻊ إﻟﯿﮫﺎ ﻣﻔﻄﻮر اﻟﻘﻠﺐ .ﻟﻢ أﻓﮫﻢ ﺳﺒﺐ ﺟﺮﺣﮫﺎ .وﻟﻜﻨﻲ ﻛﻨﺖ أراه ﻳﺪﻣﻲ ،ﺗﺴﻠﻠﺖ ﻣﻦ ﻓﺮاﺷﻲ ﻓﻲ ھﺪوء وﺟﻠﺴﺖ إﻟﻰ ﺟﻮارھﺎ ﻣﺴﺖ ﻳﺪي ﻳﺪاھﺎ .ﻓﻮﺟﺪﺗﮫﺎ ﺑﺎردة ﻛﺎﻟﺜﻠﺞ .ﻗﺒ ّﻠﺖ ﻳﺪھﺎ وﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ ﻓﻲ ﺑﺮاءة: ﻻ ﺗﺨﺎﻓﻲ أﻧﺎ إﻟﻰ ﺟﻮارك.ﻓﺎﺣﺘﻀﻨﺘﻨﻲ .ﺛﻢ أﺟﮫﺸﺖ ﺑﺒﻜﺎء ﻣﺤﻤﻮم. ﻛﺎن اﻟﻮﻗﺖ ﺑﯿﻦ ﻋﺘﻤﺔ اﻟﻠﯿﻞ واﻟﺴﺤﺮ ﺣﯿﻨﮫﺎ ﺳﻤﻌﻨﺎ طﺮﻗﺎ ﺧﻔﯿﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﺎب اﻟﻜﻮخ وﺟﺎءﻧﺎ ﺻﻮت أﺑﻲ ﻣﻨﺎدﻳﺎ ﻓﻲ رﻓﻖ: ﻳﺎ أم )ﺷﻤﻌﻮن(!ﻣﺴﺤﺖ أﻣﻲ -اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﺰال ﻣﺘﯿﻘﻈﺔ -دﻣﻮﻋﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ واﻋﺘﺪﻟﺖ ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺘﮫﺎ .أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻘﺪ اﻧﺘﺒﮫﺖ ﻣﻦ ﻏﻔﻮﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﺠﺮھﺎ وﻗﻤﺖ ﻣﺴﺮﻋﺎ ﻷﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎب .ﺗﻠﻘﻔﻨﻲ أﺑﻲ ﻓﻲ ﺣﻀﻨﻪ .ودﺧﻞ ﺑﻲ إﻟﻰ اﻟﻜﻮخ .أﺿﺎء ﺷﻤﻌﺔ أﻧﺎرت اﻟﻈﻼم .ﺛﻢ ﻧﻈﺮ إﻟﻰ أﻣﻲ ﻓﻲ ﻋﻄﻒ وإﺷﻔﺎق .أﺷﺎﺣﺖ ﺑﻮﺟﮫﮫﺎ ﻋﻨﻪ .وارﺗﻔﻊ أﻧﻔﮫﺎ ﻓﻲ ﺷﻤﻢ ﻟﯿﺨﻔﻲ اﻧﻜﺴﺎر ﻋﯿﻨﯿﮫﺎ اﻟﻠﺘﯿﻦ ﺗﻮرﻣﺘﺎ ﻣﻦ ﺷﺪة اﻟﺒﻜﺎء .ﻗﺎل أﺑﻲ ﻓﻲ ﺻﻮت ﻣﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﺨﺠﻞ واﻻﻋﺘﺬار: ﻛﯿﻒ ﺣﺎﻟﻜﻤﺎ؟ ﻟﻢ أﺣﺘﻤﻞ اﻻﻧﺘﻈﺎر ﺣﺘﻰ ﺑﺰوغ اﻟﻨﮫﺎر.ﻟﻢ ﺗﺮد ﻋﻠﯿﻪ .ﻓﺘﻘﺪم ﻣﻨﮫﺎ ﺛﻢ ﻗﺒﻞ رأﺳﮫﺎ ﻓﻲ رﻓﻖ وﻗﺎل ﻣﻌﺘﺬرا: ﺳﺪدت ﺑﺎﺑﺎ ﻗﺪ دﻟﻔﻨﻲ اﻟﺸﯿﻄﺎن ﻣﻨﻪ.اﻧﮫﺎﻟﺖ دﻣﻮﻋﮫﺎ ﻏﺼﺒﺎ ﻋﻨﮫﺎ وﻗﺎﻟﺖ: ﺑﻞ ﻓﺘﺤﺖ ﻟﻪ ﺑﺎﺑﺎ ودﻋﻮﺗﻪ ﻟﻠﺪﺧﻮل.ﻗﺎل ﻓﻲ ﺻﺪق: ﻛﻨﺖ أﻛﺮﻣﮫﺎ ﻷﺟﻠﻚ.ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺆﻧﺒﺔ: وھﻞ ﺗﺰوﺟﺘﮫﺎ ﻷﺟﻠﻲ؟!ھﻤﮫﻢ ﻓﻲ ﺧﻔﻮت: ﺗﺰوﺟﺘﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻳﻌﺔ اﻟﺮب.ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺴﺘﻨﻜﺮة: ﻻ ﻳﺄﻣﺮ اﻟﺮب ﺑﺎﻟﺨﯿﺎﻧﺔ.ﻗﺎل ﻣﺘﻌﺠﺒﺎ: -اﻟﺰواج ﺧﯿﺎﻧﺔ؟! ﻗﺎﻟﺖ ﺑﺎﻛﯿﺔ: وأﺷﺪ ﻣﻨﮫﺎ اﻟﻐﺪر ﻣﻊ اﻟﺼﺪﻳﻘﺔ.ﻗﺎل ﻣﺘﺮاﺟﻌﺎ أﻣﺎم دﻣﻮﻋﮫﺎ: أﺧﺒﺮﺗﻚ ﻗﺒﻞ أن أﺗﺰوج ﺑﮫﺎ؟ﻗﺎﻟﺖ ﺑﺎﻛﯿﺔ: ﮐﻤﻦ أﺧﺒﺮ اﻟﺬﺑﯿﺢ ﻣﺘﻰ ﻳﺤﯿﻦ ﻣﻮﻋﺪ ذﺑﺤﻪ!ﺛﻢ أﺟﮫﺸﺖ ﻓﻲ ﺣﺮﻗﺔ .ﻓﺎﻗﺘﺮب ﻣﻨﮫﺎ وﻣﺴﺢ رأﺳﮫﺎ ﻓﻲ رﻓﻖ ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻚ ﻳﺎ أم )ﺷﻤﻌﻮن( .ﻓﻘﺪ ﺗﺰوج أﺑﻮﻧﺎ )إﺑﺮام( ﻣﻦ ﺟﺎرﻳﺔ ﻣﺼﺮﻳﺔ ﻋﻠﻰ ھﻮﻧﻲ ﻋﻠﯿ ِأﻣﻨﺎ ﺳﺎرة .وﺗﺰوج )إﺳﺮاﺋﯿﻞ( ﻣﻦ راﺣﯿﻞ ﻋﻠﻰ أﻧﺘﺎﻟﯿﺎ .وﺗﺰوج أﺑﻲ ﻣﻦ أﻣﻲ ﻋﻠﻰ أم )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ۔ ﻟﻢ ﻳﻨﻘﻄﻊ ﺑﻜﺎؤھﺎ ﻓﻀﻤﮫﺎ إﻟﻰ ﺻﺪره وﻗﺎل: ﻚ ﻳﺎ أم ﺷﻤﻌﻮن(. ﻟﮫﺎ ﻣﻨﻲ رﻋﺎﻳﺘﮫﺎ ﻛﻤﺎ ﻛﻨﺖ أرﻋﺎھﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ .أﻣﺎ ﻗﻠﺒﻲ ﻓﮫﻮ ﻟ ِﻚ ﻋﻮﻧﺎ ﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم. وﻣﻦ ﻳﺪري ﻟﻌﻞ اﻟﺮب ﻳﺒﺪﻟﻚ ﺑﺎﻟﺼﺪﻳﻘﺔ أﺧﺘﺎ .ﺗﻜﻮن ﻟ ِ وﻟﻢ ﻳﺘﺨﻠﻒ أﺑﻲ ﻋﻦ اﻟﻤﺒﯿﺖ ﻓﻲ ﻛﻮﺧﻨﺎ ﻣﻨﺬ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ .وﻣﺮت اﻷﻳﺎم وﺗﻌﻠﻤﺖ ﻣﻨﮫﺎ أن اﻷﺣﺰان ﻻ ﺗﺪوم .وأن اﻟﺠﺮوح ﻣﮫﻤﺎ ﻏﺎرت ﻻ ﺑﺪ ﻟﮫﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺌﺎم .وأن اﻟﮫﻤﻮم اﻟﺘﻲ ﺗﻮﻟﺪ ﻛﺎﻟﺠﺒﺎل ﻻ ﺗﻠﺒﺚ أن ﺗﺠﺮﻓﮫﺎ ﻣﻮﺟﺎت اﻟﻨﺴﯿﺎن .ﻛﺒﺤﺮ ﻳﻨﺤﺮ ﻓﻲ ﺷﺎطﺊ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﺎل .ﻓﻼ ﻳﺘﺒﻘﻰ ﻣﻨﻪ ﺳﻮى ذرات ﺗﻌﻠﻖ ﻓﻲ اﻟﻤﺎء.. ﻓﺒﻌﺪ أﺳﺎﺑﯿﻊ أﺗﺖ اﻟﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف( ﻟﺰﻳﺎرة واﻟﺪﺗﻲ ﻓﻠﻢ ﺗﻘﺎﺑﻠﮫﺎ .ﺛﻢ ﻋﺎودت اﻟﺰﻳﺎرة ﺛﺎﻧﯿﺔ .ﻓﻘﺎﺑﻠﺘﮫﺎ وﻟﻜﻨﮫﺎ ﻟﻢ ﺗﺤﺪﺛﮫﺎ .ﺛﻢ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻓﻲ وﺟﻮد أﺑﻲ ﻓﺘﺒﺎﻛﯿﺎ وﺗﻌﺎﺗﺒﺎ واﺣﺘﻤﻠﺖ زﻻت أﻣﻲ اﻟﻐﺎﺿﺒﺔ ﺛﻢ اﻓﺘﺮﻗﺎ .وﻗﺪ ﺗﺠﺪدت ﺑﯿﻨﮫﺎ ﺷﻌﺮة ﻣﻦ اﻟﻮد ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺻﺎرت ﺣﺒﻼ وﺻﻞ ﻣﺎ اﻧﻘﻄﻊ ﺑﯿﻨﮫﻤﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ .وأﺻﺒﺢ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف( ﻓﻲ دارﻧﺎ ﻣﻤﺘﺪا طﯿﻠﺔ اﻟﻨﮫﺎر .ﺗﻌﺎون أﻣﻲ ﻓﻲ أﻋﻤﺎل اﻟﺒﯿﺖ وﺗﻄﮫﻮ ﻣﻌﮫﺎ اﻟﻄﻌﺎم ﻓﺈذا اﻧﺘﺼﻒ اﻟﻨﮫﺎر ﺟﻤﻌﺘﻨﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎ ﻣﺎﺋﺪة واﺣﺪة ﻧﺄﻛﻞ ﻋﻠﯿﮫﺎ وﻧﺸﺮب .وﻧﺘﺒﺎدل اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت واﻟﻀﺤﻜﺎت .ﺣﺘﻰ إذا ﻣﺎﻟﺖ اﻟﺸﻤﺲ إﻟﻰ اﻟﻤﻐﯿﺐ اﺳﺘﺄذﻧﺖ ھﻲ ﻟﻠﻌﻮدة إﻟﻰ ﻛﻮﺧﮫﺎ ﻓﺘﺒﯿﺖ ﻓﯿﻪ وﺣﺪھﺎ ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻧﺒﯿﺖ ﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﻛﻮﺧﻨﺎ اﻟﺪاﻓﺊ اﻟﺠﻤﯿﻞ ﮐﻤﺎ ﮐﻨﺎ ﻧﻔﻌﻞ ﻓﻲ اﻷﻳﺎم اﻟﺨﻮاﻟﻲ. واﻟﺤﻖ أن اﻟﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف( ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺪﻳﺪة اﻻﻣﺘﻨﺎن ﻷﻣﻲ .وﺷﺪﻳﺪة اﻟﺮﺿﻰ ﻛﺬﻟﻚ ﺑﺤﯿﺎﺗﮫﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻣﻌﻨﺎ .ﻟﻢ ﻳﺴﺆھﺎ أن ﺗﻜﻮن ﺣﯿﺎﺗﮫﺎ ﻓﺮﻋﺎ ﻷﺻﻞ .وﻟﻢ ﺗﺸﻚ ﻳﻮﻣﺎ وﺣﺸﺔ اﻟﻤﺒﯿﺖ ﻓﻲ اﻟﻜﻮخ وﺣﺪھﺎ .ﻛﺎن ﻳﺮﺿﯿﮫﺎ أن ﺗﻨﻌﻢ ﺑﺪفء اﻟﺤﯿﺎة ﺑﯿﻨﻨﺎ وأن ﺗﻠﻘﻰ اﻟﺮﻋﺎﻳﺔ ﻣﻦ رﺟﻞ ﻋﻄﻮف ﻛﺄﺑﻲ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ وﻓﺎة زوﺟﮫﺎ )أﺷﻜﻮل( .وظﻞ اﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ إﻟﻰ أن ﺟﺎء ﻳﻮم ﺗﺤﺮﻛﺖ ﻓﻲ أﺣﺸﺎﺋﮫﺎ ﻋﻠﻘﺔ ﻣﻨﻪ .أﻋﺎدت إﻟﻰ أذھﺎﻧﮫﺎ ذﻛﺮﻳﺎت ﻣﻦ اﻟﺤﺰن واﻷﻟﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻤﻨﻰ أﻻ ﺗﻌﯿﺸﮫﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى .ﻓﻘﺪ ﺗﺬﻛﺮت ﻣﺮات ﺣﻤﻠﮫﺎ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ .وأﺻﺎﺑﮫﺎ اﻟﮫﻠﻊ ﻣﻦ أن ﻳﻐﯿﺾ رﺣﻤﮫﺎ ﺑﻤﺴﺦ ﮐﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﺤﺪث ﻣﻦ ﻗﺒﻞ .أو أن ﻳﺄﺗﻲ طﻔﻠﮫﺎ إﻟﻰ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻣﺮﻳﻀﺎ ﮐﻤﺎ ﻛﺎن وﻟﺪھﺎ )ﺳﯿﺤﻮن( .وﻣﺮت اﻷﻳﺎم ﻋﻠﯿﮫﺎ ﺛﻘﯿﻠﺔ ﺑﻄﯿﺌﺔ .وأﺻﺎﺑﮫﺎ اﻟﺤﻤﻞ واﻟﮫﻢ ﺑﺎﻟﻀﻌﻒ واﻟﮫﺰال .ﻓﻈﻠﺖ ﻓﻲ ﻛﻮﺧﮫﺎ ﺑﺌﯿﺴﺔ وﺣﯿﺪة ﺗﺘﺮﻗﺐ اﻷﻳﺎم ﻛﻤﻦ ﻳﺘﺮﻗﺐ ﺳﺒﯿﻼ ﻟﻠﻨﺠﺎة. ∞∞∞∞∞ وﻋﺎدت اﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( وزوﺟﮫﺎ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺰل ﺑﻌﺪ ﻏﯿﺎب دام ﻋﺪة أﺳﺎﺑﯿﻊ .ﻛﻨﺎ ﻗﺪ ظﻨﺎ أﻧﮫﺎ ﻗﺪ وﺻﻼ إﻟﻰ أرض ﻣﺼﺮ .ﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن طﺎﻟﺖ ﻣﺪة ﻏﯿﺎﺑﮫﺎ .وﻟﻜﻨﮫﻤﺎ رﺟﻌﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺰل ﻣﺤﺠﻠﯿﻦ ﺑﺎﻟﺨﺰي واﻟﻌﺎر وﻣﺤﺎطﯿﻦ ﺑﻨﻈﺮات اﻟﺸﻤﺎﺗﺔ واﻻﺳﺘﮫﺠﺎن ﻣﻦ ﺳﻜﺎن اﻟﺤﻲ ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎب اﻟﺬﻳﻦ ﺷﺎرﻛﻮا ﻓﻲ اﻟﺤﺮب ﺿﺪ اﻟﻌﻤﺎﻟﯿﻖ. واﺻﺤﺒﻨﻲ أﺑﻲ ﻟﺰﻳﺎرة اﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( وزوﺟﮫﺎ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( .اﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻨﺎ اﻟﻌﻤﺔ ﺑﻮﺟﻪ ﻣﺮھﻖ ﻳﻌﻠﻮه اﻟﺸﻘﺎء وﻗﺪ ﺑﺪث أﻛﺒﺮ ﻋﻤﺮا ﻣﻦ وﺟﮫﮫﺎ اﻟﺬي ﺧﺮﺟﺖ ﺑﻪ ﻣﻨﺬ أﺷﮫﺮ .ﻣﻸ ﺟﺴﺪھﺎ رﻛﻦ اﻟﺨﯿﻤﺔ ﺑﯿﻨﮫﺎ ﺟﻠﺲ زوﺟﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﻄﺮف اﻵﺧﺮ ﻳﻤﺴﻚ ﻓﻲ ﻳﺪﻳﻪ ﻗﻨﯿﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺰﺟﺎج اﻟﻤﻠﻮن اﺳﺘﻘﺮت ﺑﮫﺎ ﺣﻔﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﺎل ﺑﻤﻘﺪار ﻗﺒﻀﺔ اﻟﯿﺪ ﻳﻘﻠﺒﮫﺎ ﺑﯿﻦ ﻳﺪﻳﻪ ﻓﻲ اھﺘﻤﺎم وﻳﺘﺄﻣﻠﮫﺎ ﻓﻲ ﺷﺮود أذھﻠﻪ ﻋﻨﺎ. ﻗﺎل أﺑﻲ ﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺎت ﻟﯿﻘﻄﻊ اﻟﺼﻤﺖ اﻟﺜﻘﯿﻞ: ﺣﻤﺪا ﻟﻠﺮب ﻋﻠﻰ ﺳﻼﻣﺘﻜﻤﺎ ﯾﺎ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ(.ھﻤﮫﻤﺖ ﺷﺎﻛﺮة ﺛﻢ ﺑﺎدرﺗﻪ ﻗﺎﺋﻠﺔ: ﺳﻤﻌﻨﺎ ﺑﻨﺒﺄ زواﺟﻚ ﻣﻦ أرﻣﻠﺔ )أﺷﻜﻮل(.ﻗﺎل ﻣﺆﻛﺪا: ھﻮ ﺻﺤﯿﺢ.ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺴﺘﮫﺠﻨﺔ وﻗﺪ اﺳﺘﺪﻋﺖ روﺣﮫﺎ اﻟﺸﺮﻳﺮة: ﻟﯿﺲ ﻟﻚ ﺣﻆ ﻓﻲ اﻟﻨﺴﺎء ﻳﺎ )زﺧﺎري( ﺟﺎرﻳﺔ ﻣﺼﺮﻳﺔ ﺧﺒﯿﺜﺔ ﺛﻢ أرﻣﻠﺔ ﺗﻌﯿﺴﺔﺗﻠﺪ ﻣﺴﻮﺧﺎ وﻣﮫﺎﺑﯿﻞ. أراد أﺑﻲ أن ﻳﺼﺮﻓﮫﺎ ﻋﻦ ﺷﺄﻧﻪ ﻓﻘﺎل: ﻚ ﻋﻠﻰ ﺣﻈﯽ ﺑﺎ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ﻓﺈﻧﻲ ﺳﻌﯿﺪ ﺑﻪ .وأﺧﺒﺮﻳﻨﻲ ھﻞ ﺿﻠﻠﺘﻢ ﻻ ﺗﺒ ِاﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ؟ ﻋﺒﺲ وﺟﮫﮫﺎ ﻓﺄﺿﺎف إﻟﻰ ﻋﻤﺮھﺎ أﻋﻮاﻣﺎ أﺧﺮى .وﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﻨﻈﺮ ﺷﺬرا إﻟﻰ )اﻟﺸﺎﻣﺮي(: ﻛﻼ ﺑﻞ وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ ﻓﻢ اﻟﺤﯿﺮوث ﻣﻊ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ .وﻛﺪﻧﺎ ﻧﺪور ﺣﻮل اﻟﺒﺤﺮ وﻧﺼﻞ إﻟﻰﺑﺮ ﻣﺼﺮ .ﻟﻮﻻ أن ﺗﺮاﺟﻊ ھﺬا اﻟﻤﺨﺒﻮل وأﺻﺮّ ﻋﻠﻰ أن ﻳﻌﻮد ﺑﻨﺎ إﻟﻰ »رﻓﯿﺪﯾﻢ«. ﺗﻄﻠﻊ أﺑﻲ ﺑﺘﻌﺠﺐ إﻟﻰ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( اﻟﺬي ظﻞ ﻣﺤﺪﻗﺎ إﻟﻰ ﻗﻨﯿﻨﺔ اﻟﺮﻣﺎل دون أن ﻳﻜﺘﺮث ﻟﺤﺪﻳﺜﮫﺎ ﻓﺘﺎﺑﻌﺖ اﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ(: ﻟﻢ ﻧﻜﺪ ﻧﺼﻞ إﻟﻰ ﻓﻢ اﻟﺤﯿﺮوث ﺣﺘﻰ أﻓﻠﺖ ﻣﻦ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ وﻋﺎد ﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺎت ﺑﺘﻠﻚاﻟﻘﻨﯿﻨﺔ وﻻ ﻳﺰال ﻳﺘﻄﻠﻊ إﻟﯿﮫﺎ ﻛﺎﻟﻤﺴﺤﻮر ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﺤﯿﻦ. ﺑﺪأ اﻻھﺘﻤﺎم ﻋﻠﻰ وﺟﻪ أﺑﻲ ﺑﯿﻨﮫﺎ أردﻓﺖ ھﻲ ﻓﻲ ﻏﯿﻆ: ﻋﺒﺮت اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﻣﻦ دوﻧﻨﺎ ودﻓﻌﻨﺎ أﻣﻮاﻻ طﺎﺋﻠﺔ ﻟﻠﺪﻟﯿﻞ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮد ﺑﻨﺎإﻟﻰ »رﻓﯿﺪﻳﻢ«. ﺗﻌﺠﺐ أﺑﻲ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺜﮫﺎ ﺛﻢ ﻗﺎل ﺳﺎﺧﺮا وھﻮ ﻳﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ )اﻟﺸﺎﻣﺮي(: ﻟﻌﻠﻪ وﺟﺪ ﮐﻨﺰا ﻣﻦ ﻛﻨﻮز اﻟﻔﺮاﻋﯿﻦ؟ھﻨﺎ اﺳﺘﺪار )اﻟﺸﺎﻣﺮي( واﻋﺘﺪل ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺘﻪ ﻟﯿﻮاﺟﻪ أﺑﻲ ﺛﻢ ﻗﺎل: ھﻲ أﻛﺒﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻳﺎ ﻧﺠﺎر ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ .ﺑﻞ ھﻲ أﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﻋﺼﺎ ﻧﺒﯿﻚ اﻟﺘﻲﺗﺄﺗﯿﻪ ﺑﺎﻟﻤﻌﺠﺰات. ﺗﮫﻜﻤﺖ ﻋﻤﺘﻲ ﻗﺎﺋﻠﺔ: ھﺬا ﻣﺎ ﻳﺮدده ﻣﻨﺬ ﻏﺎدرﻧﺎ ﻓﻢ اﻟﺤﯿﺮوث.ﺛﻢ ﺗﺎﺑﻌﺖ ﻓﻲ ﻏﻀﺐ: أﻗﺴﻢ ﺑﺎﻟﺮب إﻳﻞ إﻧﮫﺎ ﻟﺴﺤﺮ أﺳﻮد أﻟﻘﻰ ﺑﻪ أﺣﺪھﻢ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء .ووﻗﻊ ﻓﻲﻳﺪ ھﺬا اﻟﻤﺘﻌﻮس ﻟﯿﻜﺪر ﺑﻪ ﺣﯿﺎﺗﻨﺎ. اﻧﺘﺎﺑﺘﻨﻲ اﻟﻘﺸﻌﺮﻳﺮة ﻣﻦ ﻗﻮﻟﮫﺎ ﺑﯿﻨﮫﺎ ﺳﺄﻟﻪ أﺑﻲ ﻣﺴﺘﻔﮫﻤﺎ ﻓﻲ ﺻﺪق: ھﻞ ﺣﻘﺎ ﻋﺪت إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺰل ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻔﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﺎل ﯾﺎ )ﺷﺎﻋﺮي(؟ﻓﺎﺟﺄه ﺑﻘﻮﻟﻪ: ﺑﻞ ﺧﺮﺟﺖ ﻳﻮم ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ أﺟﻠﮫﺎ!ﺛﻢ أوﺿﺢ ﻓﻲ ﺛﻘﺔ أرﻋﺒﺘﻨﻲ: ﺑﺼﺮت ﻳﻮم اﻟﺨﺮوج ﺑﮫﺎ ﻟﻢ ﺗﺒﺼﺮوا ﺑﻪ .رأﻳﺖ أﺛﺮه ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻣﺎل .وﺷﻌﺮت ﺑﻪ وأﻧﺘﻢﻋﻨﻪ ﻏﺎﻓﻠﻮن. ﺳﺄﻟﻪ أﺑﻲ ﻣﺴﺘﻐﺮﺑﺎ: ﻣﺎ اﻟﺬي ﺑﺼﺮت ﺑﻪ؟ﻟﻢ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪ ﺳﺆاﻟﻪ ﺑﻞ ﺗﺎﺑﻊ ﻛﺎﻟﻤﻔﺘﻮن: ﻛﺎن ﺑﯿﻨﻨﺎ ﻟﻢ ﻳﻔﺎرﻗﻨﺎ ﻟﺤﻈﺔ .ھﻮا اﻟﺬي ﻋﺒﺮ ﺑﻨﺎ وﻟﯿﺲ )ﻣﻮﺳﯽ( .ﻛﻨﺖ أرىﺟﻨﻮد اﻟﻔﺮﻋﻮن ﻳﺘﺴﺎﻗﻄﻮن ﺗﺤﺖ أﻗﺪام ﻓﺮﺳﻪ اﻟﻤﮫﻮل .ﮐﻨﺘﻢ ﺗﺴﯿﺮون ﺧﻠﻒ )ﻣﻮﺳﯽ( .وﻛﻨﺖ أﺳﯿﺮ أﻧﺎ وراء آﺛﺎر أﻗﺪاﻣﻪ. اﺳﺘﺤﻮذ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻮﻟﻨﺎ ﻓﻠﺬﻧﺎ ﺑﺎﻟﺼﻤﺖ .ﺣﺘﻰ اﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ﻻذت ﺑﺎﻟﺼﻤﺖ. ﻓﺘﺎﺑﻊ ﻣﺸﺪوھﺎ: ﻛﻨﺖ أراه ﻓﻲ أﺣﻼﻣﻲ وأﻧﺘﻈﺮ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي أﻋﻮد ﻓﯿﻪ إﻟﻰ ﻓﻢ اﻟﺤﯿﺮوث ﻷﺗﺤﻘﻖﻣﻤﺎ رأﻳﺘﻪ .ﻓﻠﻤﺎ وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ ھﻨﺎك وﺟﺪت آﺛﺎره ﮐﻤﺎ ھﻲ ﻟﻢ ﺗﻤﺤﮫﺎ رﻳﺢ وﻟﻢ ﺗﻄﻤﺴﮫﺎ اﻟﺮﻣﺎل وھﺬه ﻗﺒﻀﺔ ﻣﻦ أﺛﺮه. ﻧﻈﺮ إﻟﯿﻪ أﺑﻲ ﻓﻲ إﺷﻔﺎق ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻧﺪت ﻋﻦ ﻋﻤﺘﻲ ﺻﺮﺧﺔ اﺳﺘﻨﻜﺎر وﻗﺎﻟﺖ: وﺣﻖ اﻟﺮب إﻧﻚ ﻟﻤﺠﻨﻮن أو رﺑﻤﺎ أﺻﺎﺑﺘﻚ ﺷﻤﺲ اﻟﺼﺤﺮاء ﺑﻠﻮﺛﺔ.ﻟﻢ ﻳﺒﺪ ﻋﻠﯿﻪ اﻻﻛﺘﺮاث ﻹھﺎﻧﺘﮫﺎ .ﻓﻘﺎل واﻟﺪي اﺳًﻔﺎ: ﺗﻮﻟﯿﺖ ﻋﻦ ﺣﺮب اﻟﻌﻤﺎﻟﯿﻖ وﻋﺼﯿﺖ أﻣﺮ اﻟﺮب ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻔﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﺎل ﻻ ﺗﻀﺮوﻻ ﺗﻨﻔﻊ؟ ﻗﺎل )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﻓﻲ ﺷﺮود ﮐﻤﻦ ﺑﺘﻮﻋﺪ: ھﺬا ظﻨﻚ ﻳﺎ ﻧﺠﺎر اﻟُﻨُﺰل وﺳﯿﺄﺗﻲ ﻳﻮم ﻳﻌﻠﻢ ﻓﯿﻪ ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أﻧﮫﺎ ﺗﻀﺮ وﺗﻨﻔﻊ.وﺳﺘﻌﻠﻢ ﺣﯿﻨﮫﺎ ﻣﻦ أﺷﺪ إﻋﺠﺎزا .أﻧﺎ أم ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻌﺼﺎ! ∞∞∞∞∞ وﺣﺎن وﻗﺖ اﻟﺮﺣﯿﻞ ﻣﻦ »رﻓﯿﺪﯾﻢ« .ﺟﻠﺠﻠﺖ أﺻﻮات اﻷﺑﻮاق ﻓﻲ أرض اﻟﻮاﺣﺔ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﻨﻌﯽ ذﮐﺮﯾﺎت ﺳﯿﻄﻮﻳﮫﺎ اﻟﻨﺴﯿﺎن ﻋﻤﺎ ﻗﺮﯾﺐ .ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﻮﺟﺪ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺷﺮع أﺑﻲ ﻓﻲ ﺣ ّ ﻞ أﻋﻤﺪة اﻟﻜﻮخ .وطﻲ ﺟﺪراﻧﻪ اﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺼﯿﺮ واﻟﺨﻮص. ﻧﻘﻠﺖ ﺑﺼﺮي ﻓﻲ أرﻛﺎن اﻟﻤﻨﺰل اﻟﺬي دﺧﻠﻨﺎه ﺻﺤﺮاء ﺟﺮداء وﺗﺮﻛﻨﺎه واﺣﺔ ﺧﻀﺮاء ﺗﺘﻔﺠﺮ ﻣﻨﮫﺎ اﻟﯿﻨﺎﺑﯿﻊ واﻟﺠﺪاول .ﻓﺎرﺗﺴﻤﺖ ﻓﻲ ﻣﺨﯿﻠﺘﻲ ﺻﻮرة أﺧﯿﺮة ﻟﻠﻨﺰل ﻣﺎ زﻟﺖ أذﻛﺮھﺎ ﺣﺘﻰ اﻵن .وﺗﺸﻜﻞ ﻓﻲ وﺟﺪاﻧﻲ أول إﺣﺴﺎس ﺑﺎﻟﺤﻨﯿﻦ إﻟﻰ اﻟﻤﻜﺎن .وﺷﻌﺮت وﻗﺘﮫﺎ رﻏﻢ اﻟﺼﻐﺮ -ﺑﻘﺴﻮة ﺣﯿﺎة اﻟﺘﻨﻘﻞ واﻟﺘﺮﺣﺎل .واﺷﺘﺎﻗﺖ ﻧﻔﺴﻲ إﻟﻰ اﻻﺳﺘﻘﺮار ﻓﻲ أرض اﻟﻤﯿﻌﺎد. واﻟﺤﻖ أن اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻗﺪ ﺗﺜﺎﻗﻠﻮا ﻓﻲ ﺑﺎدئ اﻷﻣﺮ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎءھﻢ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﺮﺣﯿﻞ .ﻟﻜﻨﮫﻢ أﺳﺮﻋﻮا ﻓﻲ ﺗﺠﮫﯿﺰ ﻣﺘﺎﻋﮫﻢ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺗﺮدد ﻓﻲ اﻟُﻨُﺰل أن ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ اﻟﻘﺎدم ﺳﯿﻜﻮن ﻋﻨﺪ ﺟﺒﻞ اﻟﺮب ﺑﺎﻟﻮادي اﻟﻤﻘﺪس .وﺣﯿﻦ ﻋﻠﻤﻮا ﺑﺄن ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﯽ( ﻋﻠﻰ ﻟﻘﺎء ﻣﻊ رﺑﻪ ﻓﻮق ﺟﺒﻞ ﺣﻮرﻳﺐ. ﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﻦ وادي »رﻓﯿﺪﻳﻢ« إﻟﻰ »اﻟﺒﺮﻳﺔ« ﻗﺒﻞ زوال اﻟﺸﻤﺲ .ﻛﻨﺎ ھﺬه اﻟﻤﺮة أﻓﻀﻞ ﺣﺎﻻ .ﻓﻘﺪ ﺣﻤﻞ أﺑﻲ ﻣﺘﺎﻋﻨﺎ ﻛﻠﻪ ﻓﻮق راﺣﻠﺔ ﻛﺮاھﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ﺟﯿﺮان اﻟُﻨُﺰل وﺳﺎر ﺑﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺪﻣﺔ .ﺑﯿﻨﻤﺎ اﻣﺘﻄﺖ أﻣﻲ ﺣﻤﺎرا وﻛﺬﻟﻚ اﻟﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف( اﻟﺘﻲ اﻧﺘﻔﺨﺖ ﺑﻄﻨﮫﺎ وﺑﺪا ﻋﻠﯿﮫﺎ وھﻦ اﻟﺤﻤﻞ وإرھﺎﻗﻪ .أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻘﺪ ﺳﺮت ﺧﻠﻒ ﻗﻄﯿﻊ ﻣﻦ اﻟﻤﺎﻋﺰ واﻷﻏﻨﺎم أھ ّ ﺶ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎردة ﻣﻨﮫﻢ .وأدﻓﻌﮫﻢ دﻓﻌﺎ ﻟﻠﺴﯿﺮ ﺧﻠﻒ اﻟﺮﻛﺐ. وﺑﻌﺪ ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ أطﺮاف اﻟﻮادي اﻟﻤﻘﺪس .وﺑﺪا ﺟﺒﻞ ﺣﻮرﻳﺐ أﻣﺎﻣﻨﺎ ﺷﺎھﻘﺎ ﺑﺎﺳﻘﺎ .ﻛﺎن اﻟﺴﻜﻮن ﻳﺨﯿﻢ ﺣﻮل اﻟﻮادي اﻟﻤﻘﺪس .وﻛﺎﻧﺖ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ﺗﺰداد رھﺒﺔ وﺳﻜﯿﻨﺔ ﻛﻠﻤﺎ اﻗﺘﺮﺑﻨﺎ ﻣﻨﻪ .ﺣﺘﻰ اﻟﺒﮫﺎﺋﻢ واﻟﻨﻮق ﻛﻔﻔﻦ ﻋﻦ اﻟﺤﻮار واﻟﺮﻏﺎء وﻛﺄﻧﻤﺎ أرھﺒﮫﺎ اﻟﻮادي اﻟﻤﮫﯿﺐ .أﻣﺮﻧﺎ ﻧﺒﻲ ﷲ أن ﻧﺤﻂ اﻟﺮﺣﺎل ﻋﻠﻰ ﺳﮫﻞ ﺿﯿﻖ ﻋﻠﻰ طﺮف اﻟﻮادي ﻳﻘﻊ إﻟﻰ اﻟﺸﻤﺎل ﻣﻦ اﻟﺠﺒﻞ .وﺟﺎء اﻟﺘﺤﺬﻳﺮ ﺟﻠﯿﺎ واﺿﺤﺎ: ﻛﻞ ﻣﻦ ﺗﺨﻄﻮ ﻗﺪﻣﻪ إﻟﻰ اﻟﻮادي اﻟﻤﻘﺪس أو ﺗﻤﺲ ﻳﺪه ﺻﺨﺮة ﻣﻦ اﻟﺠﺒﻞُﻳﻘﺘﻞ ﻗﺘﻼ إﻧﺴﺎﻧﺎ ﻛﺎن أم ﺑﮫﯿﻤﺔ. وﺗﺤﺴﺒﺎ ﻟﺬﻟﻚ اﻷﻣﺮ ﻋﻜﻒ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﻨﺬ اﻟﯿﻮم اﻷول ﻋﻠﻰ ﺑﻨﺎء ﺳﻮر ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎرة ﺣﻮل اﻟﻤﻨﺰل ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺸﺮد ﺑﮫﯿﻤﺔ إﻟﻰ اﻟﻮادي أو ﻳﻨﺴﻰ أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﺗﺤﺬﻳﺮ اﻟﻜﻠﯿﻢ .وﻟﻢ ﻳﺴﻤﺢ ﺿﯿﻖ اﻟُﻨُﺰل اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺑﺮﻓﺎھﯿﺔ اﻟﺘﻮﺳﻊ ﻓﻲ ﺿﺮب اﻟﺨﯿﺎم واﻷﻛﻮاخ .ﻓﻨﺼﺐ أﺑﻲ ﻛﻮﺧﺎ وﺣﯿﺪا ﺟﻤﻊ ﻓﯿﻪ زوﺟﺘﯿﻪ وأﻟﺤﻖ ﺑﻪ ﻋﺮﯾﺸﺎ ﮐﻨﺖ أﺗﺒﺎدل ﻣﻌﻪ اﻟﻤﺒﯿﺖ ﻓﯿﻪ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﻤﺎﻋﺰ واﻷﻏﻨﺎم. واﻗﺘﺮب ﻣﻮﻋﺪ اﻟﻤﯿﻘﺎت .ﻓﺠﻤﻊ ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﯽ( اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟُﻨُﺰل وﺧﻄﺐ ﻓﯿﮫﻢ وأﺧﺒﺮھﻢ ﺑﺄن اﻟﺮب ﻗﺪ وﻋﺪه ﺑﺄن ﻳﺄﺗﯿﻪ ﺑﻜﺘﺎب ﻣﻦ ﻋﻨﺪه ﻓﯿﻪ ﺷﺮﻳﻌﺔ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ وأﺣﻜﺎم ﺣﯿﺎﺗﮫﻢ .وذﻛﺮھﻢ ﺑﻔﻀﻞ اﻟﺮب ﻋﻠﯿﮫﻢ .وﻛﯿﻒ أﻧﺠﺎھﻢ ﻣﻦ ﻋﺪوھﻢ ورزﻗﮫﻢ ﺑﺄطﯿﺐ اﻟﻄﻌﺎم واﻟﺸﺮاب وذﻛﺮھﻢ ﺑﻮﻋﺪ اﻟﺮب ﻟﮫﻢ ﺑﺪﺧﻮل اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺷﺮﻳﻄﺔ أن ﻳﻄﯿﻌﻮه وأن ﻳﻜﻔﻮا ﻋﻦ اﻟﺘﺬﻣﺮ واﻟﻤﻌﺎﺻﻲ .ﺛﻢ أﺧﺒﺮھﻢ ﺑﺄﻧﻪ ﺳﻮف ﻳﺼﻌﺪ ﻓﻮق اﻟﺠﺒﻞ وﺳﯿﻈﻞ ﻓﻮﻗﻪ ﺛﻼﺛﯿﻦ ﻟﯿﻠﺔ ﻳﺘﻠﻘﻰ ﻓﯿﮫﻢ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺮب ﺛﻢ ﻳﻌﻮد إﻟﯿﮫﻢ ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺜﻼﺛﯿﻦ .ﺣﺎﻣﻼ ﻣﻌﻪ أﻟﻮاح اﻟﺮﺣﻤﺔ واﻟﮫﺪاﻳﺔ .وأوﺻﺎھﻢ ﺑﺄن ﻳﻄﯿﻌﻮا أﺧﺎه اﻟﻜﺎھﻦ )ھﺎرون( وأوﺻﻲ أﺧﺎه ﺑﺄن ﻳﺼﻠﺢ ﺑﯿﻨﻨﺎ وأﻻ ﻳﻨﺼﺎع ﻟﻠﻤﻔﺴﺪﻳﻦ. وﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﻤﻮﻋﻮد أﻗﯿﻤﺖ ﺻﻼة ﺟﺎﻣﻌﺔ .وأﻗﯿﻢ ﻣﺬﺑﺤﺎ ﻟﻠﺮب ﺛﻢ ودﻋﻨﺎ ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﯽ( ﻗﺒﻞ أن ﻳﮫﺒﻂ وﺣﺪه إﻟﻰ اﻟﻮادي اﻟﻤﻘﺪس ﻣﯿﻤ ً ﻤﺎ ﺷﻄﺮ اﻟﺠﺒﻞ اﻟﻌﻈﯿﻢ .وﻣﺮت اﻷﻳﺎم اﻷوﻟﻰ وﻛﺄن ﻧﺒﻲ ﷲ ﺑﯿﻦ أظﮫﺮﻧﺎ .ﻧﺴﺘﯿﻘﻆ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ﻓﻨﺠﻤﻊ رﻗﺎﺋﻖ اﻟﻤﻦ ﻓﻲ اﻷﻗﺴﺎط .وﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ﺗﺄﺗﯿﻨﺎ اﻟﺴﻠﻮى ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟُﻨُﺰل .ﻓﯿﺠﻤﻊ ﻛﻞ ﻓﺮد ﻣﻨﺎ ﻣﻘﺪار ﺣﺎﺟﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻘﺪور .إﻟﻰ أن وﻗﻊ ﺣﺪث ﺻﺒﯿﺤﺔ ﻳﻮم ﻣﻦ أﻳﺎم اﻵﺣﺎد أﺛﺎرت اﻟﻠﻐﻂ ﻓﻲ اﻟُﻨُﺰل .اﺳﺘﯿﻘﻈﻨﺎ ﻓﻮﺟﺪﻧﺎ اﻟﻤﻦ وﻗﺪ أﻛﻠﺖ ﻣﻌﻈﻤﻪ اﻟﺪﻳﺪان .وﺗﻘﻠﺼﺖ ﺣﻮﻟﻪ ﻳﺮﻗﺎت ﻣﻘﺰزة ﺗﺜﯿﺮ اﻟﻐﺜﯿﺎن .ﻓﻌﺎﻓﺖ أﻧﻔﺲ اﻟﻨﺎس ﻋﻦ ﺟﻤﻌﻪ وﻟﻢ ﻳﺄﻛﻠﻮا اﻟﻤﻦ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺎح واﻧﺘﻈﺮوا ھﺒﻮط اﻟﺴﻠﻮى ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء .ﻓﺄﺗﻲ اﻟﻤﺴﺎء وإذ ﺑﻄﯿﻮر اﻟﺴﻠﻮي ﺗﮫﺒﻂ ﻧﺎﻓﻘﺔ وﻗﺪ أﻧﺘﻨﺖ ﻟﺤﻮﻣﮫﺎ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﻘﯿﺄﺗﮫﺎ َ ﺣِﺪﺛﺎت ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء. وﺗﻌﺠﺐ اﻟﻨﺎس ﻣﻤﺎ ﺣﺪث! وذھﺒﻮا إﻟﻰ اﻟﻜﺎھﻦ )ھﺎرون( ﻳﺸﻜﻮن إﻟﯿﻪ ﻣﺎ ﺣﺪث. ﻓﺠﻤﻊ اﻟﻜﺎھﻦ ﺷﯿﻮخ اﻷﺳﺒﺎط .وأﺧﺒﺮھﻢ ﺑﺄن ﻣﺎ ﺣﺪث إﻧﻤﺎ ھﻮ ﻋﻘﺎب ﻣﻦ اﻟﺮب؛ ﻷن ھﻨﺎك ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻣﻦ ﺟﻤﻊ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﻤ ّ ﻦ واﻟﺴﻠﻮى وﺧﺰﻧﻪ ﻓﻲ ﺑﯿﺘﻪ ﻟﯿﻮم اﻟﺴﺒﺖ .ﺛﻢ أﻣﺮ ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ ﻣﺤﺮﻗﺔ وﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﻘﺮاﺑﯿﻦ واﻟﺼﻠﻮات ﺣﺘﻰ ﻳﺮﻓﻊ اﻟﻌﻘﺎب ﻓﻔﻌﻠﻮا ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ .ﻓُﺮﻓﻊ اﻟﻌﻘﺎب ﻋﻨﺎ .ورﺟﻊ ﻧﺰول اﻟﻤﻦ وطﯿﻮر اﻟﺴﻠﻮی ﮐﻤﺎ ﮐﺎن .وﻛﺎن ﺛﻤﺔ ﻣﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﺣﻘﺪ ﺑﻌﺾ ﻛﺒﺮاء ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺎھﻦ )ھﺎرون( .وﻟﺮﺑﻤﺎ اﺳﺘﻀﻌﻔﻪ ﺑﻌﻀﮫﻢ ورأى ﻧﻔﺴﻪ أﺣﻖ ﺑﺎﻟﺰﻋﺎﻣﺔ ﻣﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ .وﻛﺎن )ﻗﻮرح ﺑﻦ إﻟﯿﺼﮫﺎر( ﻳﺘﺮﺑﺺ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻓﺼﺎر ﻳﻘﻠﺐ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ )ھﺎرون( .وﻛﻠﻤﺎ اﺷﺘﺒﻚ اﺛﻨﺎن ﻓﻲ أﻣﺮ ﻣﻦ أﻣﻮر اﻟﺪﻧﯿﺎ رﻓﻌﻮه إﻟﻰ )ھﺎرون( .ﻓﺈذا ﺣﻜﻢ ﻷﺣﺪھﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺮض اﻵﺧﺮ ﺑﺤﻜﻤﻪ .ﺛﻢ ﻳﺬھﺐ اﻟﻤﺤﻜﻮم ﻋﻠﯿﻪ إﻟﻰ زﻋﯿﻢ ﺳﺒﻄﻪ ﻓﯿﺸﻜﻮ إﻟﯿﻪ اﻟﻐﺒﻦ اﻟﺬي أوﻗﻌﻪ ﻋﻠﯿﻪ )ھﺎرون( .وھﻜﺬا ﺗﻔﺸﺖ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﺑﯿﻦ اﻷﺳﺒﺎط .وﻛﺎدت أن ﺗﺤﺪث ﻓﺮﻗﺔ ﺑﯿﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ .واﺗﮫﻢ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻐﺮﺿﯿﻦ اﻟﻜﺎھﻦ )ھﺎرون( ﺑﻤﺤﺎﺑﺎة أﻗﺎرﺑﻪ ﻣﻦ ﺳﺒﻂ ﻻوي .ﻓﺠﻤﻊ )ھﺎرون( اﻟﻘﻮم وﺧﻄﺐ ﻓﯿﮫﻢ .وأوﺻﺎھﻢ ﺑﺄن ﻳﺤﻔﻈﻮا اﻟﻌﮫﺪ وأن ﻳﺘﺠﻨﺒﻮا اﻟﺸﻘﺎق ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﻟﮫﻢ وﻋﺪ ﷲ وﻳﻌﻮد )ﻣﻮﺳﯽ( إﻟﯿﮫﻢ ﺑﺎﻷﻟﻮاح ،وﻟﻜﻦ ھﯿﮫﺎت ﻓﻘﺪ ﺷﺮد ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻛﺎﻟﺨﺮاف اﻟﺘﻲ رﻓﻌﺖ ﻋﻨﮫﺎ ﻋﺼﺎ اﻟﺮاﻋﻲ. وﺗﺠﺮأ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﻐﺎة ﻣﻨﮫﻢ ﻋﻠﻰ ﻳﻮم اﻟﺴﺒﺖ .واﻣﺘﻨﻊ اﻟﻨﺎس ﻋﻦ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﺬﺑﺎﺋﺢ واﻟﻘﺮاﺑﯿﻦ ﺣﺘﻰ ﻛﺎدت ﻧﺎر اﻟﻤﺤﺮﻗﺔ أن ﺗﻨﻄﻔﺊ .وﺗﻔﺸﺖ اﻟﺴﺮﻗﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس ﺑﺤﺠﺔ اﺳﺘﺮداد اﻟﺤﻘﻮق .وﺻﺎرت اﻟﺤﯿﺎة ﻓﻲ اﻟُﻨُﺰل ﻣﻦ ﺑﻌﺪ )ﻣﻮﺳﯽ( ﻛﺤﯿﺎة اﻟﻐﺎب .ﻓﺎﻋﺘﺰل اﻟﺼﺎﻟﺤﻮن ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ اﻟﻔﺘﻦ .ودﻋﻮا اﻟﺮب ﺑﺄن ﻳﻌﺠﻞ ﻟﮫﻢ ﺑﻌﻮدة )ﻣﻮﺳﯽ( ﺣﺘﻰ ﻳﻌﯿﺪ ﺧﺮاف ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ اﻟﻀﺎﻟﺔ إﻟﻰ ﺣﻈﯿﺮة اﻹﻳﻤﺎن. وﻛﺎن أﺑﻲ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺘﻌﺎﺳﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم .أﺻﺎﺑﻪ اﻟﻐﻢ ﻣﺎ ﺣﺎق ﺑﺒﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ. ﻓﻜﺎن ﻳﻤﻜﺚ ﻓﻲ اﻟﻜﻮخ ﺣﺰﻳﻨﺎ وﻳﻘﻮل ﻷﻣﻲ وﻟﻠﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف(: ﺑﺌﺲ ھﺆﻻء اﻟﻘﻮم وﻛﺄﻧﮫﺎ أﻗﺎم ﻟﮫﻢ )ﻣﻮﺳﯽ( ﻣﻨﺰﻻ ﻣﻦ ﻗﺶ .إن ﻟﻢ ﺗﺸﻌﻠﻪﺷﺮارة ﻣﻦ ﻧﺎر .ذرﺗﻪ ھﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﻳﺢ! ﻛﯿﻒ ﻟﻢ ﻳﺼﺒﺮوا ﻋﻠﻰ ﻓﺮاﻗﻪ ﺷﮫﺮا واﺣﺪا؟ وﻛﺎن ﻳﺒﻜﻲ وﻳﻘﻮل: ﯾﺎ ﻟﺨﻮﻓﻲ ﻣﻦ أن ﻳﺤ ّﻞ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻋﻘﺎب ﷲ! وﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ أﺑﻲ .اﺳﺘﻌﺎد زوج ﻋﻤﺘﻲ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﻧﺸﺎطﻪ ودﺑﺖ ﻓﯿﻪ اﻟﺤﯿﺎة ﻛﻨﺒﺘﺔ ﻏﻤﺮﺗﮫﺎ ﻗﻄﺮات اﻟﻤﻄﺮ ﺑﻌﺪ طﻮل اﻟﺠﻔﺎف .ﻓﺼﺎرت ﺧﯿﻤﺘﻪ ﻗﺒﻠﺔ ﻟﻜﺒﺮاء ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ وزﻋﻤﺎﺋﮫﺎ اﻟﺠﺪد .ﺣﺘﻰ إن اﻟﻌﻮام ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺤﻜﻤﻮﻧﻪ وﺻﺤﺒﻪ ﻓﯿﻤﺎ ﺷﺠﺮ ﺑﯿﻨﮫﻢ وﻳﺘﺮﻛﻮن ﺧﯿﻤﺔ اﻟﻜﺎھﻦ اﻟﺬي اﺳﺘﺨﻠﻔﻪ ﻧﺒﻲ ﷲ ﻋﻠﯿﮫﻢ .واﺗﻔﻘﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻋﻠﻰ أن ﻳﺮاﺟﻌﻮا )ﻣﻮﺳﯽ( ﻓﻲ أﻣﺮ اﻟﻜﮫﺎﻧﺔ إذا ﻋﺎد .ﻓﮫﺎرون ﻟﯿﺲ أﺣﻜﻤﮫﻢ .وﻗﺪ ﻓﺮق ﻓﻲ ﺣﻜﻤﻪ ﺑﯿﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ .وﻟﻢ ﻳﺤﻜﻢ ﺑﯿﻨﮫﻢ ﺑﺎﻟﻌﺪل .ﮐﻤﺎ أﻣﺮه )ﻣﻮﺳﯽ(. وﺟﺎء اﻟﯿﻮم اﻟﺜﻼﺛﻮن .ﻓﺎﺳﺘﯿﻘﻆ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻓﻲ اﻟُﻨُﺰل ﻗﺒﻞ ﺷﺮوق اﻟﺸﻤﺲ .واﻣﺘﻸ اﻟﺴﻔﺢ ﺑﺎﻵﻻف ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻳﺠﻤﻌﮫﻢ ھﺪف واﺣﺪ وﻗﻠﻮب وﺿﻤﺎﺋﺮ ﺷﺘﯽ.. ﻳﻤﻤﻮا وﺟﻮھﮫﻢ ﺷﻄﺮ اﻟﻮادي اﻟﻤﻘﺪس .وﺗﻮﺟﮫﺖ أﻧﻈﺎرھﻢ ﺻﻮب اﻟﺠﺒﻞ اﻟﻤﮫﯿﺐ واﻟﻜﻞ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺤﺎﺳﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﮫﺒﻂ ﻓﯿﮫﺎ اﻟﻜﻠﯿﻢ ﻣﻦ ﻓﻮق اﻟﺠﺒﻞ ﺣﺎﻣﻼ ﻣﻌﻪ اﻷﻟﻮاح اﻟﺘﻲ أﻧﺰﻟﮫﺎ ﷲ رﺣﻤﺔ ﻟﺒﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻣﺮت اﻟﺴﺎﻋﺎت ﺛﻘﯿﻠﺔ ﺑﻄﯿﺌﺔ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺻﻔﺪت أﻗﺪام اﻟﺰﻣﻦ ﺑﺴﻼﺳﻞ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺪ، وﻛﻠﻤﺎ ﺧﻄﺎ اﻟﻨﮫﺎر اﻟﻤﻜﺒﻞ ﺑﺎﻷﻣﻨﯿﺎت ﺧﻄﻮة ﻓﻲ طﺮﻳﻘﻪ ﻧﺤﻮ اﻟﻤﻐﯿﺐ .ﻛﻠﯿﺎ ﺛﺎر اﻟﻘﻠﻖ ﻓﻲ اﻟﻨﻔﻮس .وﻋﺒﺴﺖ وﺟﻮه ﻗﻮم ﺗﻠﮫﻔﻮا ﻟﺮؤﻳﺔ ﻧﺒﯿﮫﻢ ﻋﺎﺋﺪا إﻟﯿﮫﻢ ﺑﺄﻟﻮاح اﻟﺮﺣﻤﺔ واﻟﮫﺪاﻳﺔ ﺑﻌﺪ طﻮل اﻟﻐﯿﺎب .ﺟﻠﺴﻨﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎ ﻋﻠﻰ أرض اﻟﺴﮫﻞ ﻻ ﻧﺤﺮك ﺳﺎﻛﻨﺎ ،ﻛﺘﻤﺎﺛﯿﻞ ﻧﺼﺒﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮف اﻟﻮادي ﺗﻨﺘﻈﺮ أن ﺗﺄﺗﯿﮫﺎ ﻧﻔﺨﺔ اﻟﺤﯿﺎة ﻣﻦ ﻓﻮق اﻟﺠﺒﻞ اﻟﻤﺸﺮف ﻋﻠﻰ اﻟﻮادي اﻟﺤﺰﻳﻦ .اﺣﺘﺠﺒﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﺧﻠﻒ اﻟﺠﺒﻞ. وﻟﻤﻠﻤﺖ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ أﺷﻌﺘﮫﺎ ﻓﻲ ﺷﻔﻖ أﺣﻤﺮ ﺑﺎھﺖ ﺗﺄﻛﻠﺖ أطﺮاﻓﻪ ﺑﻈﻠﻤﺔ اﻟﻤﺴﺎء .وﻣﻊ اﺧﺘﻔﺎء آﺧﺮ ﺷﻌﺎع ﻟﻠﺸﻔﻖ .ارﺗﻔﻊ ﺻﺮاخ اﻟﻨﺴﻮة ﻓﻲ اﻟﻮادي واﻧﮫﺎر ﺛﺒﺎت اﻟﺮﺟﺎل .وﻋﻼ اﻟﺒﻜﺎء واﻟﻨﺤﯿﺐ .وﺛﺎر ﺑﻌﺾ اﻟﺸﺒﺎب وأرادوا أن ﻳﺘﺠﺎوزوا ﺳﻮر اﻟﻤﻨﺰل إﻟﻰ أرض اﻟﻮادي اﻟﻤﻘﺪس ﻟﯿﺒﺤﺜﻮا ﻋﻦ ﻧﺒﯿﮫﻢ اﻟﻤﻔﻘﻮد .وﻟﻜﻦ )ﯾﻮﺷﻊ( وأﺻﺤﺎﺑﻪ دﻓﻌﻮھﻢ ﻋﻦ ذﻟﻚ دﻓﻌﺎ وذﻛﺮوھﻢ ﺑﻮﺻﯿﺔ ﻧﺒﯿﮫﻢ وھﺘﻒ )ﯾﻮﺷﻊ( ﻗﺎﺋﻼ: اﺛﺒﺘﻮا ﻳﺎ رﺟﺎل وﺗﺬﻛﺮوا وﺻﯿﺔ ﻧﺒﯿﻜﻢ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺗﻤﺲ ﻗﺪﻣﻪ أرض اﻟﻮادي ﻓﺈﻧﻪﻳﻘﺘﻞ ﻗﺘﻼ. وﻣﻊ ھﺒﻮط اﻟﻈﻼم اﺷﺘﺪت اﻟﺮﻳﺢ ﻓﻲ ﻓﻀﺎء اﻟُﻨُﺰل .وﺗﻜﺎﺛﻔﺖ اﻟﺴﺤﺐ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء .وﺗﺴﺎﻗﻄﺖ زﺧﺎت ﻣﻦ اﻟﻤﻄﺮ .ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﺰاﻳﺪت ﻗﻮﺗﮫﺎ .ﻓﺎﺣﺘﻤﻲ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﺨﯿﺎم .وﻗﺪ ﺿﺎﻋﻒ اﻟﻄﻘﺲ ﻛﺂﺑﺘﮫﻢ .وﻗﻀﻮا ﻟﯿﻠﺔ ﺣﺰﻳﻨﺔ ﻣﻤﻄﺮة وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺑﻜﺖ ﻋﻠﯿﮫﻢ اﻟﺴﻤﺎء. واﺳﺘﯿﻘﻈﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ﻻ ﻧﺪري ﻣﺎذا ﻧﻔﻌﻞ؟! ﻛﺎن ﺷﻌﻮرا ﻟﻢ ﻧﺨﺘﺒﺮه ﻣﻦ ﻗﺒﻞ! ﻓﻘﺪ ﻋﺸﻨﺎ ﻗﺮوﻧﺎ ﻋﺒﯿﺪا ﻟﻔﺮﻋﻮن ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ ﻓﻨﻄﯿﻊ .ﺛﻢ أﺗﺎﻧﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻧﺒﻲ ﻣﺆﻳﺪ ﺑﺎﻟﻤﻌﺠﺰات وﻳﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﺴﻤﺎء .ﻓﻜﺎن أﻳﻀﺎ ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ ﻓﻨﻄﯿﻊ وﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﺎ ﻣﺸﻘﺔ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ وﺗﺒﻌﺔ ﺗﻘﺮﻳﺮ اﻟﻤﺼﯿﺮ .وﻟﻜﻦ ھﻜﺬا ﺻﺎرت اﻷﻣﻮر! وأﺻﺒﺢ ﻟﺰاﻣﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺬي ﻋﺎش ﻣﺪﻟﻼ ﻓﻲ ﻛﻨﻒ ﻧﺒﯿﻪ ﮐﺎﻟﺮﺿﯿﻊ أن ﻳﺬوق ﻣﺮارة اﻟﻔﻄﺎم وأن ﻳﺘﺤﻤﻞ ﺗﺒﻌﺔ اﺧﺘﯿﺎره .وﻳﺎ ﻟﮫﺎ ﻣﻦ ﺗﺒﻌﺔ! ﺗﺠﻤﻊ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟُﻨُﺰل اﻟﺘﻲ رﻛﺪت ﻓﯿﮫﺎ ﻣﺴﺘﻨﻘﻌﺎت ﺻﻐﯿﺮة ﻣﻦ ﻣﯿﺎه أﻣﻄﺎر اﻷﻣﺲ .وﺗﺸﺒﻌﺖ رﻣﺎﻟﮫﺎ ﺑﺎﻟﻤﺎء ﻓﺘﻌﺴﺮ ﻋﻠﯿﮫﻢ اﻟﺠﻠﻮس .وﻗﻔﻮا ﻟﺴﺎﻋﺎت ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﻣﺎ ﻳﺴﻔﺮ ﻋﻨﻪ اﺟﺘﻤﺎع اﻟﻤﺸﺎﻳﺦ ﻣﻊ اﻟﻜﺎھﻦ )ھﺎرون( ﻓﻲ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع .ﻛﻨﺎ ﻧﻘﻒ أﻧﺎ وأي واﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﯿﻤﺔ .ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺟﻠﺲ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻏﯿﺮ ﻣﺒﺎﻟﻲ ﺑﺮطﻮﺑﺔ اﻟﺮﻣﺎل .وﻗﺪ أﻣﺴﻚ ﻓﻲ ﻳﺪه اﻟﯿﺴﺮى ﺑﺼﺨﺮة ﻣﻠﺴﺎء ﻏﺴﻠﺘﮫﺎ ﻣﯿﺎه اﻷﻣﻄﺎر .وأﻣﺴﻚ ﻓﻲ ﻳﺪه اﻟﯿﻤﻨﻲ ﺑﺸﻔﺮة ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺪ أﺧﺬ ﻳﻨﻘﺶ ﺑﮫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺨﺮة رﺳﻤﺎ ﻟﻢ أﻓﮫﻢ ﻟﻪ ﻣﻌﻨﻰ. وﺑﻌﺪ أن اﻧﺘﺼﻒ اﻟﻨﮫﺎر ﺧﺮج )ھﺎرون( وﻣﻌﻪ اﻟﻤﺸﺎﻳﺦ ﻣﻦ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع .وﻗﺪ ﺑﺪا أن ﺷﻘﺎﻗﺎ ﻗﺪ وﻗﻊ ﺑﯿﻨﮫﻢ .ﺻﻌﺪوا إﻟﻰ ﺗﺒﻪ ﻋﺎﻟﯿﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﺎل .وﻧﺎدی )ﯾﻮﺷﻊ( ﻓﻲ اﻟﻘﻮم .ﻓﺘﺠﻤﻊ اﻟﻨﺎس ﻟﯿﺴﻤﻌﻮا ﻣﺎ ﻳﻤﻠﯿﻪ ﻋﻠﯿﮫﻢ ﻛﺎھﻨﮫﻢ .ﻗﺎل )ھﺎرون(: أﻳﮫﺎ اﻟﻨﺎس! ﻗﺪ أظﻠﺘﻨﺎ أﻳﺎم ﻓﺘﻨﺔ وﺑﻼء ،وﻻ ﻧﺠﺎة ﻣﻨﮫﺎ إﻻ ﺑﺎﻟﺘﻮﺑﺔ واﻻﺳﺘﻐﻔﺎر. ﻓﻤﻦ ﻛﺎن ﻣﻨﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﯿﺌﺔ ﻓﻠﯿﺪﻋﮫﺎ .ﻻ ﻳﻤﺪن أﺣﺪﻛﻢ ﻋﯿﻨﯿﻪ إﻟﻰ زوﺟﺔ ﺟﺎره. وﻣﻦ اﻏﺘﺼﺐ ﻣﻨﻜﻢ ﻣﺎﻻ ﻓﻠﯿﺮده .ﻋﺴﻰ اﻟﺮب أن ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻨﺎ ذﻟﻚ اﻟﺒﻼء. ﻟﻢ ﻳﻜﺪ ﻳﻜﻤﻞ ﻛﻼﻣﻪ ﺣﺘﻰ ﺿﺞ اﻟﻘﻮم اﺣﺘﺠﺎﺟﺎ ﻋﻠﯿﻪ .وﻋﻼ ﺻﻮت ﻣﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﺼﻔﻮف ﻣﯿﺰت ﻓﯿﻪ ﺻﻮت )ﺟﺪﻋﻮن( اﻟﺤﺪاد .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﺻﻮﺗﻪ أﺟﺶ ﻛﻨﺎﻗﺔ ﺗﺮﻏﻲ ﻋﻠﻰ وﻟﯿﺪھﺎ وھﻮ ﻳﻘﻮل: دع ﻋﻨﻚ اﻟﻨﺼﺢ أﻳﮫﺎ اﻟﻜﺎھﻦ وﻗﻞ ﻟﻨﺎ ﻣﺘﻰ ﻳﻌﻮد )ﻣﻮﺳﯽ(؟اﺳﺘﻨﻜﺮ )ھﺎرون( اﻟﺴﺆال ﻓﻘﺎل: ھﻞ طﺎل ﻋﻠﯿﻜﻢ اﻟﻌﮫﺪ؟! ﻗﺎل )ﺟﺪﻋﻮن(: ﻛﻼ .وﻟﻜﻨﺎ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر اﻟﻮﻋﺪ .ﻓﺄﺿﺮب ﻟﻨﺎ ﻣﻮﻋﺪا ﻳﺄﺗﯿﻨﺎ ﻓﯿﻪ ﺑﺎﻷﻟﻮاح؟ﻗﺎل )ھﺎرون(: اﻟﻌﻠﻢ ﻋﻨﺪ رﺑﻲ .وھﻞ ﻋﺴﯿﺘﻢ إن ھﻠﻚ )ﻣﻮﺳﯽ( ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳﺔ أن ﺗﻀﻠﻮا ﺑﻌﺪهوﺗﻌﺼﻮا أﻣﺮ رﺑﻪ! ﺛﺎر اﻟﻨﺎس أﻛﺜﺮ .وﺗﺤﺪث رﺟﻞ ﻣﻦ ﺳﺒﻂ زوﺑﻠﻮن ﺑﻔﻢ ﻳﻔﯿﺾ ﻗﺒﺤﺎ ﻗﺎﺋﻼ: ﺑﻞ ﺿﻠﻠﻨﺎ ﻳﻮم ﺗﺒﻌﻨﺎﻛﻢ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﻘﻔﺮ.وﻋﻘﺐ ﻋﻠﯿﻪ رﺟﻞ ﻣﻦ ﺳﺒﻂ ﻳﺴﺎﮐﺮ: ﺻﺪﻗﺖ ﻗﺪ أﺿﻼﻧﺎ اﺑﻨﺎ ﻋﻤﺮان .ﺛﻢ ورﺛﻨﺎ أﺣﺪھﻤﺎ ﻟﻶﺧﺮ ﻛﻤﺎ ﻳﻮرث اﻟﺮﺟﻞ ﺑﻌﯿﺮه.ﺛﻢ ﻧﺎدى اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ﻗﻮﻣﻪ: ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ﻳﺴﺎﮐﺮ! ﻗﺪ وﻋﺪﻧﺎ )ﻣﻮﺳﯽ( ﻓﺄﺧﻠﻒ ﻣﻮﻋﺪه .وﻻ طﺎﻋﺔ ﻷﺧﯿﻪ ﻋﻠﯿﻨﺎﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮد ﺑﺎﻷﻟﻮاح ،وﻻﻗﺖ دﻋﻮﺗﻪ اﺳﺘﺤﺴﺎﻧﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس .وﻏﻀﺒﺎ ﻣﻦ آﺧﺮﻳﻦ .وﻗﺎل )ھﺎرون( ﻣﺴﺘﻨﻜﺮا: أﺗﺮﻳﺪون أن ﺗﻔﺮﻗﻮا ﺑﯿﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ؟ﻗﺎل )ﻋﺰرا( ﻣﻦ ﺳﺒﻂ ﺟﺎد: ﺑﻞ ﻓﺮﻗﺘﻢ أﻧﺘﻢ ﺑﯿﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻳﻮم ﺟﻌﻠﺘﻢ اﻟﻜﮫﺎﻧﺔ ﻓﻲ ﺳﺒﻂ ﻻوي ،ﺛﻢأردف ﻓﻲ ﺗﮫﺪﻳﺪ: ﻟﻜﻢ ﻣﻨﺎ ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم ﻓﺈن ﻟﻢ ﻳﻌﺪ )ﻣﻮﺳﯽ( .أﻗﯿﻤﺖ ﻣﺤﺮﻗﺔ ﻟﻠﺮب وﻗﺪم ﻛﻞ ﺳﺒﻂﻗﺮﺑﺎﻧﻪ .وﻣﻦ ﺗﺄﻛﻞ اﻟﻨﺎر ﻗﺮﺑﺎﻧﻪ ﺗﻜﻦ ﻟﻪ اﻟﻜﮫﺎﻧﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ. ﻏﻀﺐ )ھﺎرون( وﻗﺎل: ﻛﯿﻒ ﺗﺤﺘﻜﻤﻮن إﻟﻰ اﻟﺮب وأﻧﺘﻢ ﺗﻌﺼﻮن أﻣﺮ ﻧﺒﯿﻪ؟ أن ﻳﺴﺘﺨﻠﻔﻨﻲ )ﻣﻮﺳﯽ(ﻋﻠﯿﻜﻢ؟ ﻗﺎل )ﻋﺰرا( ﻓﻲ ﺗﺤ ٍّ ﺪ: إن ﷲ ﻗﺪ ﻋﮫﺪ إﻟﯿﻨﺎ أﻻ ﻧﺆﻣﻦ ﻟﻜﺎھﻦ وﻻ رﺳﻮل ﺣﺘﻰ ﻳﺄﺗﯿﻨﺎ ﺑﻘﺮﺑﺎن ﺗﺄﻛﻠﻪ اﻟﻨﺎر.رد ﻋﻠﯿﮫﻢ: ﻗﺪ ﺟﺎء ﮐﻢ )ﻣﻮﺳﯽ( ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻗﻠﺘﻢ .وھﺄﻧﺘﻢ ﺗﺮﺗﺪون ﻋﻠﻰ أﻋﻘﺎﺑﻜﻢ .وﺗﻜﻔﺮونﺑﺎ وﻋﺪﻛﻢ ﺑﻪ. ﻗﺎل اﻟﺮﺟﻞ: .أطﻌﻨﺎ )ﻣﻮﺳﯽ( ﻣﺎ دام ﻓﯿﻨﺎ .أﻣﺎ أﻧﺖ ﻓﻼ طﺎﻋﺔ ﻟﻚ ﻋﻠﯿﻨﺎ. ﻗﺎل )ھﺎرون( اﺳًﻔﺎ: ﻗﺪ ﺿﻠﻠﺘﻢ إذا ،وﺣﻖ ﻋﻠﯿﻜﻢ اﻟﺒﻼء ﻣﻦ اﻟﺮ ّب! وھﻨﺎ ﺑﺮز )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﻣﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﺼﻔﻮف .وھﺮول ﺻﺎﻋﺪا إﻟﻰ اﻟﺘﺒﺔ وھﻮ ﻳﮫﺘﻒ: ﻳﺎ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ! اﺳﻤﻌﻮا إﻟﻲ! اﺳﻤﻌﻮا إﻟﻲ!ﺗﻌﺠﺐ أﺑﻲ ﺣﯿﻨﻤﺎ رآه .وﺷﮫﻘﺖ ﻋﻤﺘﻲ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻒ إﻟﻰ ﺟﻮار أﺑﻲ وﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﻗﻠﻖ: ﻣﺎذا ﻳﻔﻌﻞ ھﺬا اﻟﺒﺎﺋﺲ؟ﺻﻤﺖ اﻟﻨﺎس اﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻨﺪاﺋﻪ .ﻓﻘﺎل: أﺗﺪرون ﻟﻤﺎذا ﻧﺴﻲ )ﻣﻮﺳﯽ( ﻣﯿﻘﺎت رﺑﻪ؟ وﻟﻤﺎذا أﺧﻠﻒ ﻣﻮﻋﺪه؟ ﻷﻧﻜﻢﻟﺼﻮص! وﻷن ﻟﻌﻨﺔ آﻟﮫﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ ﻗﺪ ﺣﻠﺖ ﻋﻠﯿﻜﻢ. اﺳﺘﻨﻜﺮ اﻟﻨﺎس ﻗﻮﻟﻪ .وﺿﺤﻚ ﺑﻌﻀﮫﻢ ﺳﺎﺧﺮا .وﺗﻤﺘﻤﺖ ﻋﻤﺘﻲ ﻗﺎﺋﻠﺔ ﻓﻲ ﺧﻔﻮت: ﺣﻠﺖ ﻋﻠﯿﻚ اﻟﻠﻌﻨﺔ أﻳﮫﺎ اﻟﺘﻌﺲ! ﻓﻀﺤﺘﻨﺎ أﻣﺎم اﻟﻘﻮم!وﻟﻜﻦ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﺑﺪا أﻛﺜﺮ إﻗﻨﺎﻋﺎ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻗﺪ ﺣﻤﻠﺘﻢ أوزارا ﻣﻦ ُﺣﻠﻰ ﺟﯿﺮاﻧﻜﻢ اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ وذھﺒﮫﻢ ﻋﻨﺪ اﻟﺨﺮوج .وﻣﺎ ﻣﻦ ﺑﯿﺖ ﻣﻦ ﺑﯿﻮت اﻟُﻨُﺰل إﻻ وﻓﯿﻪ ﻣﺎ اﻏﺘﺼﺒﻪ أﺣﺪﻛﻢ ﻣﻦ ﺟﺎره اﻟﻤﺼﺮي .ﻓﻜﯿﻒ ﺗﺮﺟﻮن ﻣﻦ اﻟﺮب أن ﻳﻨﺰل ﻋﻠﯿﻜﻢ أﻟﻮاﺣﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء وﻗﺪ دﻧﺴﺘﻢ ﺑﯿﻮﺗﻜﻢ ﺑﺬھﺐ ﻣﺴﺮوق! ﺻﻤﺖ اﻟﻨﺎس ﺛﻢ ﻧﮑﺴﻮا رءوﺳﮫﻢ .ﻓﻘﺪ ﺻﺪﻗﮫﻢ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻘﻮل .ﻓﺘﺎﺑﻊ اﻟﺸﺎﻣﺮي( وﻗﺪ ﻓﺎرت ﺣﻤﺎﺳﺘﻪ: طﮫﺮوا ﺑﯿﻮﺗﻜﻢ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﺲ .اﺣﺮﻗﻮا اﻟﺬھﺐ اﻟﻤﺴﺮوق واﺟﻌﻠﻮه ﻗﺮﺑﺎﻧﺎ ﻟﻠﺮب .ﻣﻦﻲ أن أﻗﯿﻢ ﻣﺤﺮﻗﺔ ﻟﻢ ﺳﺮق ﻗﺮطﺎ أو أﺳﻮرة ﻓﻠﯿﻠﻖ ﺑﮫﺎ إﻟﻰ اﻟﻨﺎر .وﻟﻜﻢ ﻋﻠ ّ ﻳﺸﮫﺪ ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻣﺜﻠﮫﺎ. اﺳﺘﺤﺴﻦ )ھﺎرون( وﻣﺸﺎﻳﺦ اﻷﺳﺒﺎط رأﻳﻪ ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﯿﻪ أي ﻣﺘﺸﻜﻜﺎ .وﻗﺎﻟﺖ اﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ﻓﻲ ﻗﻠﻖ: ﯾﺎ ﻟﺨﻮﻓﻲ ﻣﻨﻚ ﻳﺎ )ﺷﺎﻣﺮي(.وﻋﺎود اﻟﻤﻄﺮ ﺳﻘﻮطﻪ ﻓﻌﺪﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﻜﻮخ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺸﺘﺪ ھﻄﻮﻟﮫﺎ. ﻛﺎﻧﺖ أﻣﻲ ﺗﻨﺘﻈﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﻖ .ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف( ﺗﻨﺎم ﺟﺎﻟﺴﺔ إﻟﻰ اﻟﺤﺎﺋﻂ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﻘﻮى ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻮم ﻋﻠﻰ ظﮫﺮھﺎ ﻣﻨﺬ أن ﻛﺒﺮت ﺑﻄﻨﮫﺎ وﺻﺎرت ﺗﻄﺒﻖ ﻋﻠﻰ ﺻﺪرھﺎ أﺛﻨﺎء اﻟﻨﻮم .ﺑﺎدرھﺎ أﺑﻲ ﺑﻘﻮﻟﻪ وھﻮ ﻳﺨﻠﻊ رداءه اﻟﻤﺒﺘﻞ: ﺷﻌﺐ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ إﻻ ذل اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ!اﺑﺘﺴﻤﺖ أﻣﻲ ﻟﺘﺨﻔﻒ ﻋﻨﻪ ﻋﺒﻮﺳﻪ وﻗﺎﻟﺖ ﺗﻨﺎوﻟﻪ رداء ﺟﺎﻓﺎ: أھﺬا ذ ٌم ﻓﻲ ﻗﻮﻣﻚ أم ﻗﺪح ﻓﻲ ﻗﻮﻣﻲ؟ ﻗﺎل ﺣﺎﻧﻘﺎ وھﻮ ﻳﺮﺗﺪي اﻟﺮداء .ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻣﻲ ﺗﺒﺪل ﺛﯿﺎﺑﻲ اﻟﻤﺒﺘﻠﺔ: ﻳﺜﻮرون ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻠﯿﻢ )ھﺎرون( .وﻳﺼﻤﻮن آذاﻧﮫﻢ ﻋﻨﻪ .ﺛﻢ ﻳﺴﺘﻤﻌﻮن إﻟﻰ)اﻟﺸﺎﻣﺮي( .ﻓﯿﺄﻣﺮھﻢ ﺑﺄن ﻳﺤﺮﻗﻮا ذھﺐ اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺤﻞ اﻟﻠﻌﻨﺔ ﻋﻠﯿﮫﻢ! ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺘﻌﺠﺒﺔ: أﺣﻘﺎ ﻗﺎل ھﺬا؟ﻗﺎل ﺳﺎﺧﺮا: ﻧﻌﻢ .واﻷدھﻰ أﻧﮫﻢ أطﺎﻋﻮه؟رأﻳﺖ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮫﺎ ﺗﺼﺪﻳﻘﺎ وﺧﻮﻓﺎ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺘﺮددة: -ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ُﻣﺤﻘﺎ! ﻧﮫﺮھﺎ ﻏﺎﺿﺒﺎ: أي ﻟﻌﻨﺔ؟ واي آﻟﮫﺔ؟ إﻧﮫﺎ أﺻﻨﺎم ﻻ ﺗﻀﺮ وﻻ ﺗﻨﻔﻊ!ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺘﻮﺟﺴﺔ: ھﻲ ﻻ ﺗﻀﺮّ .وﻟﻜﻦ ﺳﺤﺮ اﻟﻜﮫﻨﺔ ﻗﺪ ﻳﻀﺮّ!ﻗﺎل ﻣﺴﺘﺨًﻔﺎ: ھﺮاء! ﻗﺪ رأﻳﺖ ﺑﻌﯿﻨﯿﻚ ﻋﺠﺰ اﻟﺴﺤﺮة أﻣﺎم آﯾﺎت اﻟﺮب إﻳﻞ.ﺛﻢ أردف: وﷲ ﻣﺎ ﻗﺎل اﻟﺸﺎﻣﺮي ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻮﻟﺔ إﻻ وھﻮ ﻳﺒﻐﻲ ﻣﻦ وراﺋﮫﺎ ﺑﺎطﻼ.ﻗﺎﻟﺖ ﻣﻠﻄﻔﺔ: ھﻮّن ﻋﻠﯿﻚ ﻳﺎ )زﺧﺎري( ﻓﻐﺪا ﻧﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻳﺒﺘﻐﯿﻪ.ﺛﻢ أردﻓﺖ ﺑﺎﺳﻤﺔ: ﱠ وإﻳﺎك أن ﺗﻤﺪ ﻳﺪك ﻋﻠﻰ ذھﺒﻲ .وإﻻ ﺣﻠﺖ ﻋﻠﯿﻚ ﻟﻌﻨﺘﯽ.ﺟﺎھﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﯿﺒﺘﺴﻢ ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ .ﺛﻢ ﺳﺄﻟﮫﺎ: ھﻞ ﺗﻤﻠﻚ )ﺳﻮﻻف( ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻦ ذھﺐ اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ؟ﻗﺎﻟﺖ أﻣﻲ: ﻛﻼ .ﻓﻘﺪ ﺗﺮﻛﺘﻪ ﻛﻠﻪ ﻓﻲ دار أم )أﺷﻜﻮل(.ﻓﻘﺎل ﻓﻲ وﺟﻮم: ﺣﻤﺪا ﻟﻠﺮب أن ﺟﻌﻞ ﺑﯿﺘﻨﺎ ﻣﺤﻔﻮظﺎ ﻣﻦ اﻟﻮزر واﻟﺨﻄﯿﺌﺔ.∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﻌﺎﺷﺮة وﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ﺧﺮج اﻟﻨﺎس ﺗﺒﺎﻋﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﻮﺿﻊ اﻟﺬي أﻗﺎم ﻓﯿﻪ )اﻟﺸﺎﻣﺮي اﻟﻤﺤﺮﻗﺔ. ﺣﺎﻣﻠﯿﻦ ﻓﻲ أﻳﺪﻳﮫﻢ أﻗﺮاط وأﺳﺎور وﺳﻼﺳﻞ ﻣﻦ اﻟﺬھﺐ واﻟﻔﻀﺔ .ﺗﻌﺠﺒﺖ ﻛﺜﯿﺮا ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻜ ّ ﻢ ﻣﻦ اﻟﺠﻮاھﺮ اﻟﺘﻲ أﻋﺎرھﺎ اﻟﻤﺼﺮﻳﻮن ﻟﺠﯿﺮاﻧﮫﻢ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻋﻦ طﯿﺐ ﺧﺎطﺮ ﻟﯿﺘﺰﻳﻨﻮا ﺑﮫﺎ ﻓﻲ ﻋﯿﺪھﻢ .وﺗﺮدد ﻓﻲ راﺳﻲ ﺳﺆال :إن ﻛﺎن اﻟﻤﺼﺮﻳﻮن ﺑﮫﺬا اﻟﻌﻄﻒ .ﻓﻠﻤﺎذا ﻛﺎن ﻳﻜﺮھﻨﺎ اﻟﻔﺮﻋﻮن إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺤﺪ؟! ﺻﻌﺪﻧﺎ إﻟﻰ ھﻀﺒﺔ ﻓﺴﯿﺤﺔ ﻋﺎﻟﯿﺔ ﺧﺎرج اﻟُﻨُﺰل أﻗﺎم ﻓﯿﮫﺎ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﻣﺤﺮﻗﺘﻪ. ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﺤﺮﻗﺔ ﻓﻲ ﻓﺠﻮة ﺑﯿﻦ ﺻﺨﺮﺗﯿﻦ ﻋﺎﻟﯿﺘﯿﻦ ﻓﻮق اﻟﮫﻀﺒﺔ .ﻣﻸ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( اﻟﻔﺠﻮة ﺑﺎﻟﺤﻄﺐ .وﺑﻨﻰ ﺳﻮرا ﺑﯿﻦ اﻟﺼﺨﺮﺗﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎرة .ﺛﻢ ﺻﻨﻊ ُ ﺳﻠ ً ﻤﺎ ﻳﺼﻌﺪ ﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﻔﻮھﺔ ﻋﻠ ّﻖ ﻓﻲ ﻧﮫﺎﻳﺘﻪ ﺣﻠﻘﺔ ﺗﺘﺪﻟﻰ ﻣﻨﮫﺎ ﺳﻠﺴﻠﺔ إﻟﻰ داﺧﻞ اﻟﻤﺤﺮﻗﺔ .ﻓﺒﺪت اﻟﻤﺤﺮﻗﺔ ﻛﻤﺮﺟﻞ ﻣﮫﻮل ﺗﺘﺼﺎﻋﺪ ﻣﻨﻪ أﻟﺴﻨﺔ اﻟﻠﮫﺐ وأﻋﻤﺪة اﻟﻨﺎر واﻟﺪﺧﺎن .وﻗﻒ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( إﻟﻰ ﺟﻮارھﺎ ﻳﻐﺬي ﻧﺎرھﺎ ﺑﺎﻟﺰﻳﺖ واﻟﺨﻄﺐ .وﻗﺪ ﺛﺎر ﺷﻌﺮه .وﺗﻌﻔﺮت ﻟﺤﯿﺘﻪ .واﺣﻤﺮت ﻋﯿﻨﺎه ﺣﺘﻰ ﺑﺪا ﻛﺸﯿﻄﺎن ﻣﺮﻳﻊ. ﻣﺘﻰ وﻛﯿﻒ أﻋﺪ )اﻟﺸﺎﻣﺮي ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺤﺮﻗﺔ؟! ﻛﺎﻧﺎ ﺳﺆاﻟﯿﻦ ﻳﺠﻮﻻن ﺑﺨﺎطﺮ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻓﻲ اﻟُﻨُﺰل .وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻠﻒ أﺣﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻨﺎء اﻟﺠﮫﺮ ﺑﮫﺎ .ﺻﻌﺪ اﻟﻨﺎس اﻟﻮاﺣﺪ ﺗﻠﻮ اﻵﺧﺮ إﻟﻰ ﺳﻠﻢ اﻟﻤﺤﺮﻗﺔ .ﻳﻌﻄﻮن )اﻟﺸﺎﻣﺮي اﻟﻮاﻗﻒ أﻋﻠﻰ اﻟﺪرج اﻟﺤﻠﻲ. ﻓﯿﻠﻘﻲ ﺑﮫﺎ ﻓﻲ أﺗﻮن اﻟﻨﺎر وھﻮ ﻳﻘﻮل: طﮫﺮوا أﻧﻔﺴﻜﻢ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﯿﺌﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺄﺗﯿﻜﻢ اﻟﺮب ﺑﻮﻋﺪه.وظﻞ اﻟﻨﺎس ﻳﺘﺒﺎدﻟﻮن اﻟﺼﻌﻮد ﺣﺘﻰ ﻛﺎد اﻟﻨﮫﺎر أن ﻳﺰول .وأﻟﻘﻰ آﺧﺮ ﻣﻦ ﻓﻲ اﻟُﻨُﺰل ﺑﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﺬھﺐ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺮﻗﺔ ﻓﻨﺎدى )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﻓﻲ اﻟﻨﺎس - :أﺑﺸﺮوا أﻳﮫﺎ اﻟﻨﺎس ﻏﺪا ﻳﺄﺗﯿﻜﻢ اﻟﺮب ﺑﻮﻋﺪه .ﻓﻨﺎدی ﻋﻠﯿﻪ )ﺟﺪﻋﻮن( اﻟﺤﺪاد ﺑﺼﻮﺗﻪ اﻷﺟﺶ: وأﻧﺖ ﯾﺎ )ﺷﺎﻣﺮي( أﻟﻦ ﺗﺘﻄﮫﺮ ﻣﻦ ﺧﻄﯿﺌﺘﻚ؟!ﻗﺎل )اﻟﺸﺎﻣﺮي(: ﺑﻠﻲ أﺗﻄﮫﺮ ﻣﻨﮫﺎ؟ﺛﻢ أﺧﺮج ﻣﻦ ﺟﯿﺒﻪ اﻟﻘﻨﯿﻨﺔ اﻟﻤﻠﻮﻧﺔ .ﻓﻈﻨﮫﺎ اﻟﻨﺎس ﻟﺆﻟﺆة ﻣﻦ ﺟﻮاھﺮ اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ. ﻓﺄﻣﺴﻚ ﺑﮫﺎ وﻗﺎل )ﻟﮫﺎرون(: ﻳﺎ أﺧﺎ )ﻣﻮﺳﯽ(! ھﻞ اﻟﻘﻲ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻳﺪي؟ﺗﻌﺠﺐ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺳﺆاﻟﻪ .ﻓﻘﺎل )ھﺎرون(: ﻖ. ﻧﻌﻢ .أﻟ ِﻓﺘﻤﺘﻢ ﻋﻠﯿﮫﺎ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﺑﻜﻠﻤﺎت ﻟﻢ ﻧﺴﻤﻌﮫﺎ ﺛﻢ أﻟﻘﻰ ﺑﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﺎر .ﻓﮫﻠﻞ اﻟﻨﺎس وﻣﺠﺪوا اﻟﺮب .وﺑﺎت اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ أﻣﻞ أن ﻳﺄﺗﯿﮫﻢ اﻟﺮب ﺑﻮﻋﺪه ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح. وﺣﺪھﺎ ﻣﻦ دون اﻟﻨﺎس .ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺣﺰن وﻛﺮب ﻋﻈﯿﻤﯿﻦ .ﺛﻨﺎء ﻛﺎھﻠﮫﺎ ﺑﺎﻟﺴﺮ اﻟﺬي ﻋﺮﻓﺘﻪ ﻗﺒﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﺣﺪاث ﺑﺄﻳﺎم .وﺗﻤﻨﺖ ﻟﻮ ﺗﺼﺮخ ﻛﻲ ﺗﺤﺬر اﻟﻨﺎس ﻣﻨﻪ. ﻟﻜﻨﮫﺎ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ .ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺰﻳﻨﺔ ﻟﻤﺎ آل إﻟﯿﻪ ﺣﺎل زوﺟﮫﺎ ﻣﻨﺬ ﻋﺎدا إﻟﻰ »رﻓﯿﺪﻳﻢ«. أﻗﻠﻘﮫﺎ وﻟﻌﻪ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻘﻨﯿﻨﺔ اﻟﻤﺴﺤﻮرة .وذھﻮﻟﻪ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺳﻮاھﺎ ،ﺛﻢ ﺳﺎورھﺎ اﻟﺸﻚ ﺣﯿﻨﻤﺎ رأﺗﻪ ﻳﻜﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﺨﺮوج إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﮫﻀﺒﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﺎم ﻓﯿﮫﺎ ﻣﺤﺮﻗﺘﻪ .دﻓﻌﮫﺎ اﻟﻔﻀﻮل إﻟﻰ أن ﺗﺘﺒﻌﻪ ذات ﻳﻮم إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﮫﻀﺒﺔ .ﻓﻮﺟﺪﺗﻪ ﻳﻠﺠﺄ إﻟﻰ ﻏﺎر .ﯾﻤﮑﺚ ﻓﯿﻪ طﯿﻠﺔ اﻟﻨﮫﺎر .ﺷﻌﺮت ﺑﺄن ﺳﺮا ﻳﻨﺘﻈﺮھﺎ ھﻨﺎك .ﺗﺮﻛﺘﻪ ﻧﺎﺋﻤﺎ ذات ظﮫﯿﺮة وذھﺒﺖ إﻟﻰ اﻟﻐﺎر .وﺣﯿﻦ دﺧﻠﺖ ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﻌﺠﺐ واﻟﻐﻀﺐ واﻟﺸﻔﻘﺔ ﻓﻲ آن واﺣﺪ .وﺟﺪت ﻋﻠﻰ اﻷرض أدوات اﻟﻨﺤﺖ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻌﻤﻞ ﺑﮫﺎ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻗﺒﻞ اﻟﺨﺮوج ..اﻹزﻣﯿﻞ .اﻟﺒﺮاﻏﻲ .اﻟﻤﻄﺮﻗﺔ .ﺳﺒﺎﺋﻚ اﻟﻨﺤﺎس واﻷﻟﻮان! ﺗﻌﺠﺒﺖ ﻛﯿﻒ أﺧﻔﻰ ﻋﻨﮫﺎ زوﺟﮫﺎ ﺗﻠﻚ اﻷدوات طﯿﻠﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪة دون أن ﺗﻌﻠﻢ .ﻋﻠﻰ ﺟﺪران اﻟﻐﺎر وﺟﺪت ﻧﻘﺸﺎ ﺿﺨﻤﺎ ﻟﻺﻟﮫﺔ ﺣﺘﺤﻮر وﻗﺪ طﻠﻲ ﺑﺄﻟﻮان ﺑﺪﻳﻌﺔ ﺧﻼﺑﺔ. وإﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﺤﺎﺋﻂ وﺟﺪت ﻋﺪة أﻳﻘﻮﻧﺎت وﺗﻤﺎﺛﯿﻞ ﺻﻐﯿﺮة ﻟﻠﻌﺠﻞ أﺑﯿﺲ ﻣﻨﺤﻮﺗﺔ ﺑﺈﺗﻘﺎن ﻣﻦ ﻗﻄﻊ ﺻﻐﯿﺮة ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎرة واﻟﺮﺧﺎم .وﻻ ﺗﺰﻳﺪ اﻟﻮاﺣﺪة ﻣﻨﮫﺎ ﻋﻦ ﻗﺒﻀﺔ اﻟﯿﺪ .وﻟﻜﻦ أﺷﺪ ﻣﺎ أﺛﺎر دھﺸﺘﮫﺎ ﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﻘﺎﻟﺐ اﻷﺟﻮف اﻟﻀﺨﻢ اﻟﻤﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻨﺤﺎس واﻟﺬي ُ ﺳﺒﻚ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺗﻤﺜﺎل اﻟﻌﺠﻞ أﺑﯿﺲ .أﺻﺎﺑﮫﺎ اﻟﺬھﻮل .ودار ﻓﻲ ذھﻨﮫﺎ ﺳﺆال ﻣﺘﻰ ﺻﻨﻊ زوﺟﮫﺎ ﺗﻠﻚ اﻷﺷﯿﺎء؟ واﻷھﻢ ﻟﻤﺎذا ﺻﻨﻌﮫﺎ؟ إﻧﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﻳﻘﯿﻦ ﺑﺄن زوﺟﮫﺎ ﻳﻌﺒﺪ اﻟﺮب إﻳﻞ .ﻓﻠﻤﺎذا ﻳﺪﻧﺲ ﻗﻠﺒﻪ ﺑﮫﻮى ذﻟﻚ اﻟﻌﺠﻞ اﻟﻠﻌﯿﻦ؟! ﻋﺎدت إﻟﻰ اﻟُﻨُﺰل ﻛﺴﯿﺮة اﻟﻨﻔﺲ ﺣﺰﻳﻨﺔ .ﻓﻮﺟﺪﺗﻪ ﻗﺪ اﺳﺘﯿﻘﻆ ﻣﻦ ﻧﻮﻣﻪ .ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ أن ﺗﻮاري ﻋﻨﻪ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫﺎ ﻣﻦ ﺛﻮرة ﻓﻮاﺟﮫﺘﻪ ﻏﺎﺿﺒﺔ: أﻻ ﻳﺰال ﻗﻠﺒﻚ ﻣﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻌﺠﻞ ﯾﺎ )ﺷﺎﻣﺮي(؟ﻋﻠﻢ أﻧﮫﺎ ﻓﻀﺤﺖ أﻣﺮه .ﻓﻘﺎل ﻓﻲ ﺣﺪة: ﻛﻼ .وﻟﻜﻨﻲ أﺷﺘﺎق إﻟﻰ ﺣﺠﺮ أﻧﺘﺤﺘﻪ.ﻗﺎﻟﺖ ﻻﺋﻤﺔ: وﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﺳﻮى اﻟﻌﺠﻞ ﻟﺘﻨﺤﺘﻪ.ﻗﺎل ﻓﻲ ﺣﺴﺮة: ﻟﻢ أﻧﺤﺖ ﻏﯿﺮه ﻣﻨﺬ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺷﺮة ﻣﻦ ﻋﻤﺮي.أﺷﻔﻘﺖ ﻋﻠﯿﻪ .ﻓﻘﺎﻟﺖ: اﺣﺬر ﯾﺎ )ﺷﺎﻋﺮي( .ﻓﻠﻮ ﻋﻠﻢ )ﻣﻮﺳﯽ( ﺑﻤﺎ ﺗﻔﻌﻠﻪ ﻟﻘﺘﻠﻚ ﻗﺘﻼ.ﻗﺎل ﻏﯿﺮ ﻣﺒﺎل: ﺻﻨﻌﺖ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ اﻟﻤﺌﺎت .وﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﻳﺴﺠﺪون ﻟﻤﺎ أﺻﻨﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﺮأىوﻣﺴﻤﻊ ﻣﻦ )ﻣﻮﺳﯽ(. ﺻﺮﺧﺖ ﻳﺎﺋﺴﺔ: ﻣﺎ ﻟﻨﺎ واﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ! ﺗﺮﻛﻨﺎ ﻟﮫﻢ دﻳﺎرھﻢ وﻋﺠﻮﻟﮫﻢ.ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺴﺘﻌﻄﻔﺔ: دع ﻋﻨﻚ أﻣﺮ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻳﺎ )ﺷﺎﻣﺮي( .اﻧﺰع ﻣﻦ ﻋﻘﻠﻚ ﺗﻠﻚ اﻷوھﺎم .وﻳﻜﻔﯿﻨﺎ ﻣﺎﻟﺤﻘﻨﺎ ﻣﻦ ﺧﺰي ﻳﻮم ھﺮﺑﻨﺎ ﻣﻦ اﻟُﻨُﺰل ﻗﺒﻞ ﺣﺮب اﻟﻌﻤﺎﻟﯿﻖ. رﻓﻊ ﻳﺪﻳﻪ أﻣﺎم وﺟﮫﻪ وﻗﺎل ﺻﺎرﺧﺎ: ﻧﺰﻋﺘﻪ ﻣﻦ ﻋﻘﻠﻲ .وﻟﻜﻨﻲ ﻻ أﺳﺘﻄﯿﻊ أن أﻧﺰﻋﻪ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻲ! ھﺎﺗﺎن اﻟﯿﺪانﺗﻤﻮﺗﺎن إن ﻟﻢ ﻳﻤﺴﺴﮫﺎ ﺣﺠﺮ! ﺛﻢ اﻧﮫﺎر ﺟﺎﻟﺴﺎ وھﻮ ﻳﻘﻮل: -ﺑﻠﻐﺖ اﻟﺴﺘﯿﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮي .ﻻ ﺷﺒﺎب وﻻ ﻣﺎل وﻻ وﻟﺪ .ﻗﺒﯿﻠﺘﻲ )ﺷﻤﺮون( .ھﻢ أﺿﻌﻒ اﻷﺳﺒﺎط وأﺣﻘﺮھﻢ .ﺛﻢ ﺗﻘﻮﻟﯿﻦ دع ﻋﻨﻚ أﻣﺮ اﻟﻤﺎﺿﻲ واﻧﻈﺮ ﻟﻠﻤﺴﺘﻘﺒﻞ؟! ﺛﻢ طﻔﺮت اﻟﺪﻣﻮع ﻣﻦ ﻋﯿﻨﻪ وﻗﺎل: ﻣﺜﻠﻲ ﻻ ﻳﺤﯿﺎ إﻻ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻳﻮم أن ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻲ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﺻﻨﻌﺘﮫﺎﺑﻤﻮھﺒﺘﻲ. ﻚ اﻵن! ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻮھﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺘﻘﺮھﺎ ﻗﻮﻣ ِ ﻳﺌﺴﺖ ﻣﻦ اﻟﻜﻼم ﻣﻌﻪ ووﺧﺰﺗﮫﺎ إﺷﺎرﺗﻪ ﻟﻌﺪم إﻧﺠﺎﺑﮫﺎ .ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻣﺘﺒﺮﻣﺔ: ﺶﺑ َ ﺴﻜﺮة اﻟﻔﻦ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﺸﻒ )ﻣﻮﺳﯽ( أﻣﺮك ِﻋﺶ ﻣﻌﺰوﻻ ﻋﻦ اﻟﻨﺎس .واﻧﺘ ِ ﻋﺒﺮة ﻟﻤﻦ ﻻ ﻳﻌﺘﺒﺮ. ﺛﻢ ﻳﺠﻌﻠﻚ ِ ∞∞∞∞∞ أﻣﺎ أﺑﻲ ﻓﻘﺪ ذﻛﺮﺗﻪ ﻗﻨﯿﻨﺔ اﻟﺮﻣﺎل اﻟﺘﻲ أﻟﻘﻰ ﺑﮫﺎ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺮﻗﺔ ﺑﺤﺪﻳﺜﻪ اﻟﺬي أﻓﺼﺢ ﻋﻨﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ .ﺗﺮددت ﻓﻲ ذھﻨﻪ ﻋﺒﺎرة )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﺳﯿﺄﺗﻲ ﻳﻮم ﻳﻌﻠﻢ ﻓﯿﻪ ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أﻳﻨﺎ أﺷﺪ إﻋﺠﺎزا وأﻗﻮى .أﻧﺎ أم »ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻌﺼﺎ« .ﻟﻢ ﻳﻨﻢ أﺑﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ .ﻛﺎن ﻳﺘﻘﻠﺐ ﻓﻲ ﻓﺮاﺷﻪ ﻛﺎﻟﻤﺤﻤﻮم .ﺗﺮك اﻟﻔﺮاش واﺳﺘﻠﻘﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺮﻳﺸﺔ اﻟﻤﺠﺎورة ﻟﻠﻜﻮخ .ﺧﺮﺟﺖ إﻟﯿﻪ أﻣﻲ وﺗﺒﻌﺘﮫﺎ اﻟﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف( .وﻗﺪ أﻗﻠﻘﮫﺎ ﺧﺮوﺟﻪ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺒﺮد اﻟﻘﺎرس. ﻗﺎﻟﺖ أﻣﻲ: ﻣﺎ اﻟﺬي أﺿ ّﺞ ﻣﻀﺠﻌﻚ ﻳﺎ )زﺧﺎري(؟ ﻗﺎل ﻓﻲ اﻗﺘﻀﺎب: ﻻ ﺷﻲءﺟﻠﺴﻨﺎ إﻟﻰ ﺟﻮاره .وﻗﺎﻟﺖ اﻟﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف(: ﺗﺒﺪو ﺣﺰﻳﻨﺎ ﻗﻠﻘﺎ ﻣﻨﺬ ﻋﺪت ﻣﻊ اﻟﻘﻮم ﻋﻨﺪ اﻟﻤﺴﺎء.زﻓﺮ ﻓﻲ ﻗﻮة ﻟﯿﺰﻳﺢ ﻋﻦ ﺻﺪره ھﺎ ﻛﺎﻟﺠﺒﺎل ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻻ ﻣﻘﺎم ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ھﺬا اﻟُﻨُﺰل ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮد إﻟﯿﻪ )ﻣﻮﺳﯽ( .أو ﺗﻨﻜﺸﻒ ﺗﻠﻚ اﻟﻐﻤﺔ!ﻧﻜﺖ ﻋﻦ أﻣﻲ ﺷﮫﻘﺔ .وﻗﺎﻟﺖ اﻟﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف(: ﻧﺘﺮك اﻟُﻨُﺰل! ﻟﻤﺎذا؟ﻗﺎل أﺑﻲ: ﺗﺤﻮم اﻟﻔﺘﻨﺔ ﺣﻮل اﻟُﻨُﺰل .وﻻ أدري ﻣﺎ اﻟﺬي ﻳﻨﺘﻈﺮﻧﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﺼﺒﺎح؟ﻗﺎﻟﺖ أﻣﻲ: ﻣﺜﻠﻚ ﻻ ﻳﺨﺸﻰ اﻟﻔﺘﻨﺔ وﻗﺪ ﻏﻤﺮ ﻗﻠﺒﻪ ﺑﺎﻻﯾﻤﺎن..ﻗﺎل ﻓﻲ ﺻﺮاﻣﺔ: ﺑﻞ أﻓﺮّ ﻣﻨﮫﺎ .ﻛﻤﺎ ﻳﻔﺮ اﻟﻤﺮء ﻣﻦ اﻷﺳﺪ.ﻗﺎﻟﺖ اﻟﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف(: وإﻟﻰ أﻳﻦ ﻧﺬھﺐ؟ﻗﺎل أﺑﻲ: ﺳﻤﻌﺖ ﻋﻦ ﻣﻮﺿﻊ ﻳﻘﺎل ﻟﻪ »ر ّﺳﻪ« ﻳﺒﻌﺪ ﻋﻨﺎ ﻣﺴﯿﺮة ﺑﻀﻌﺔ أﻳﺎم إﻟﻰ اﻟﺸﻤﺎل. وﺟﻤﺖ اﻟﻤﺮأﺗﺎن وﻗﺪ أذھﻠﮫﺎ ﻛﻼم أﺑﻲ .ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ أﻣﻲ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺨﻮف: -ﻧﻌﯿﺶ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء وﺣﺪﻧﺎ .ﺑﻼ أھﻞ وﻻ ﻛﺎھﻦ ﻳﺮﻋﺎﻧﺎ. ﻗﺎل أﺑﻲ: ﺳﻨﻔﺮ ﺑﺪﻳﻨﻨﺎ ﺣﺘﻲ ﻳﻌﻮد إﻟﯿﻨﺎ )ﻣﻮﺳﯽ(.ﻗﺎﻟﺖ )ﺳﻮﻻف(: وﻛﯿﻒ ﺳﻨﻌﻠﻢ ﺑﻌﻮدﺗﻪ؟ﻗﺎل: أﺳﺮرت ﺑﺄﻣﺮي إﻟﻰ »إﻳﻠﯿﺎ« اﺑﻦ ﻋﻤﻲ .وﺳﯿﺄﺗﻲ إﻟﯿﻨﺎ ﻟﯿﺨﺒﺮﻧﺎ ﺑﻌﻮدة )ﻣﻮﺳﯽ( أو اﻧﻜﺸﺎف اﻟُﻐﻤﺔ.. ﺳﺎد اﻟﺼﻤﺖ ﻟﺤﻈﺎت .ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ أﻣﻲ: اﻓﻌﻞ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺢ ﻗﻠﺒﻚ.ﻧﻈﺮ أﺑﻲ إﻟﻰ اﻟﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف( ﻓﻘﺎﻟﺖ: ﻻ ﻳﺮﺑﻄﻨﻲ ﺑﺎﻟﺘﻞ ﺷﻲء ﺳﻮاﻛﻢ .وأﻧﺎ ﻣﻌﮑﻢ اﯾﻨﻤﺎ ﮐﻨﺘﻢ.ﺗﻨﮫﺪ ﻓﻲ ارﺗﯿﺎح ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻋﻠﻰ ﺑﺮﻛﺔ ﷲ ﻏًﺪا ﻧﺨﺮج ﻗﺒﻞ اﻟﺸﺮوق.وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻗﺮص اﻟﺸﻤﺲ ﻳﺘﻠﺼﺺ ﺻﺎﻋﺪا ﻣﻦ وراء ﺟﺒﻞ ﺣﻮرﻳﺐ .ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮاﺣﻠﺔ ﺗﺒﺘﻌﺪ ﻋﻦ اﻟﻮادي اﻟﻤﻘﺪس إﻟﻰ ﻗﻠﺐ اﻟﺼﺤﺮاء .اﺳﺘﺪار أﺑﻲ وأﻟﻘﻰ ﻧﻈﺮة ﻋﻠﻰ ﺣﻮرﻳﺐ واﻟﻮادي اﻟﺴﺎﻛﻦ أﻣﺎﻣﻪ ﺛﻢ ﻗﺎل: اﻟﻠﮫﻢ ﻋ ّﺠِﻞ ﻟﻨﺎ ﺑﻌﻮدة )ﻣﻮﺳﯽ( .واﺣﻔﻆ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻣﻦ ﻓﺘﻨﺔ ﻳﺒﻐﯿﮫﺎ )اﻟﺸﺎﻣﺮي(؟ ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺤﺎدﻳﺔ ﻋﺸﺮة ھﺬا ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ أﺑﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﻔﺎرق ﻓﻲ ﺣﯿﺎة ﺑﻨﻲ اﺳﺮاﺋﯿﻞ .ﻟﻢ ﻳﻄﻖ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺒﻘﺎء ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺰل وﻗﺪ أوﺷﻚ اﻟﺒﻼء ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻗﻮع .وﻟﻢ ﻳﺪﻓﻌﻪ إﻳﻤﺎﻧﻪ إﻟﻰ أن ﻳﻈﻦ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﻤﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺼﺪي ﻟﻠﻔﺘﻨﺔ ﺣﺎل ﺣﺪوﺛﮫﺎ .ﻓﺠﻤﻊ زوﺟﺘﯿﻪ ووﻟﺪه وﺟﻨﯿًﻨﺎ ﻓﻲ رﺣﻢ أﻣﻪ .ﺛﻢ ﺧﺮج ﻓﺎرا ﺑﺪﻳﻨﻪ ﺑﻌﯿﺪا ﻋﻦ أرض اﻟﻨﻔﺎق .ﺳﺎرت ﺑﻨﺎ اﻟﺮاﺣﻠﺔ ﺑﻼ اﻧﻘﻄﺎع ﺑﯿﻦ ﻋﻮاﺻﻒ اﻟﺮﻣﺎل اﻟﺜﺎﺋﺮة ﻛﺴﻔﯿﻨﺔ ﺗﺘﺄرﺟﺢ ﻋﻠﻰ أﻣﻮاج أﺛﺎرﺗﮫﺎ ﻟﻄﻤﺎت اﻟﺮﻳﺎح .وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ »رﺳﻪ« ﻗﺒﻞ ﺣﻠﻮل ﻣﺴﺎء اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ .ﺑﻠﻐﻨﺎ ﻣﻨﺰﻻ ﻳﻘﻄﻦ ﻓﯿﻪ ﺑﻌﺾ اﻷﻋﺮاب .ﻓﺎﺳﺘﺄذﻧﮫﻢ أﺑﻲ ﻟﻠﻤﻜﻮث إﻟﻰ ﺟﻮارھﻢ ﺑﻀﻌﺔ أﻳﺎم ﻓﺄذﻧﻮا ﻟﻪ .وﻟﻌﻠﮫﻢ أﺷﻔﻘﻮا ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻣﻦ وﻋﺜﺎء اﻟﺴﻔﺮ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﺰﻣﮫﺮﻳﺮ. أﻧﺎخ أﺑﻲ اﻟﻨﺎﻗﺔ ﻓﮫﺒﻄﺖ ﻣﻦ ﻓﻮﻗﮫﺎ اﻟﻤﺮأﺗﺎن .وﻗﻔﺰت أﻧﺎ ﻣﺘﺪﺛﺮا ﺑﺮداء .أﺣﻜﻤﺖ أﻣﻲ أطﺮاﻓﻪ ﺣﻮل رأﺳﻲ .ﺣﺘﻰ ﻳﻘﯿﻨﻲ ﻟﻔﺤﺎت اﻟﮫﻮاء اﻟﺒﺎردة .ﺗﺨﯿﺮ أﺑﻲ ﻣﻜﺎﻧﺎ ﻣﻨﺰوﻳﺎ ﺧﻠﻒ ﻋﺎﺻﻔﺔ اﻟﺼﺤﺮاء .ﺛﻢ ﺷﺪ أطﺮاف اﻟﺨﯿﻤﺔ ﻋﻠﻰ أوﺗﺎد أﺣﺎطﮫﺎ ﺑﻘﻄﻊ ﻣﻦ اﻷﺣﺠﺎر ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺠﺮﻓﮫﺎ رﻳﺎح اﻟﻠﯿﻞ اﻟﻤﺘﺴﺎرﻋﺔ .اﺻﻄﻠﯿﻨﺎ ﺑﺠﺬوات اﻟﺤﻄﺐ أﺷﻌﻠﮫﺎ أﺑﻲ ﻓﻲ ﻗﺼﻌﺔ وﻗﻀﯿﻨﺎ ﻟﯿﻠﺘﻨﺎ اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ »رﺳﻪ« ﺑﯿﻦ ﺻﻔﯿﺮ اﻟﺮﻳﺢ وطﻘﻄﻘﺎت اﻟﺤﻄﺐ وﻟﻄﻤﺎت اﻟﮫﻮاء ﻋﻠﻰ ﺟﺪران اﻟﺨﯿﻤﺔ. وﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ھﺪأت اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ ﻗﻠﯿﻼ .ﺳﻤﻌﻨﺎ ﺻﻮﺗﺎ ﻳﻨﺎدي ﺧﺎرج اﻟﺨﯿﻤﺔ .ﻓﺨﺮج أﺑﻲ ﻟﯿﺠﺪه اﺑﻦ ﺷﯿﺦ اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ .ﻳﺤﻤﻞ ﺻﺤﯿﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم .ﺗﺤﺪث إﻟﯿﻪ أﺑﻲ ﻗﻠﯿﻼ ﺛﻢ ﻋﺎد إﻟﯿﻨﺎ ﺣﺎﻣﻼ ﻓﻲ ﻳﺪﻳﻪ ﺻﺤﯿﻔﺔ اﻟﻄﻌﺎم .ﻓﻮﺿﻌﮫﺎ ﺑﯿﻨﻨﺎ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ھﻠﻤﻮا إﻟﻰ اﻟﻄﻌﺎم ﻓﻘﺪ رزﻗﻨﺎ اﻟﺮب ﺛﺮﻳﺪا وﺟﯿﺮاﻧﺎ ذوي ﻗﺮﺑﻲ.اﻧﮫﻠﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻌﺎم ﻓﻲ ﻧﮫﻢ .ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺎ ﻧﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺠﻮع اﻟﺸﺪﻳﺪ .وﺳﺄﻟﺘﻪ أﻣﻲ: ﻣﻦ ھﺆﻻء اﻷﻋﺮاب؟ﻗﺎل أﺑﻲ: ھﻢ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ(.ﻗﺎﻟﺖ اﻟﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف( ﻋﺠﺒﺎ ﻣﺎ اﻟﺬي أﺗﻰ ﺑﮫﻢ إﻟﻰ ھﻨﺎ؟ أﻻ ﻳﻘﻄﻨﻮن ﻓﻲ واٍد ﺑﻌﯿﺪ اﺳﻤﻪ ﺑﻜﺔ!ﻗﺎل أﺑﻲ: ﻧﻌﻢ وﻟﻜﻦ ﺑﻄﻮﻧﮫﻢ ﺗﻨﺘﺸﺮ ﻓﻲ رﺑﻮع اﻷرض .وھﺆﻻء اﻟﻘﻮم ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر ﺑﻦ)إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( .ھﻢ ﻳﻌﻤﻠﻮن ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺎرة واﻟﺮﻋﻲ .وﻳﻨﺰﻟﻮن ﺣﯿﺚ ﻳﻜﻮن اﻟﻤﺎء. ﺳﺄﻟﺘﻪ أﻣﻲ ﻣﺘﻌﺠﺒﺔ: وﻟﻤﺎذا ﻳﻀﯿﻔﻮﻧﺎ؟ﻗﺎل أﺑﻲ: ھﻢ أﺑﻨﺎء ﻋﻤﻮﻣﺔ ﻳﺎ )روﻣﺎﻧﺎ( .وﻳﻌﺒﺪون اﻟﺮب إﻳﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﺔ أﺑﯿﻨﺎ )إﺑﺮام(.ﻟﻢ أﻓﮫﻢ ﺣﯿﻨﮫﺎ ﻛﯿﻒ ُﻳﻌﺒﺪ اﻟﺮب إﻳﻞ ﺑﺪﯾﻦ ﻏﯿﺮ دﯾﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ .وﻟﻜﻨﻲ اﺳﺘﻤﻌﺖ ﺑﺸﻐﻒ إﻟﻰ ﺣﺪﻳﺚ أﺑﻲ ﻋﻦ ﺣﯿﺎة )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( و )إﺑﺮام( .وﺷﻌﺮت ﺑﺎﻹﺛﺎرة ﺣﯿﻨﻤﺎ ﻋﻠﻤﺖ أن أم )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺎرﻳﺔ ﻣﺼﺮﻳﺔ ﻣﺜﻞ أﻣﻲ )روﻣﺎﻧﺎ(. وﻗﻀﯿﻨﺎ ﻳﻮﻣﻨﺎ اﻷول ﺿﯿﻮﻓﺎ ﻋﻠﻰ ھﺆﻻء اﻷﻋﺮاب .ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺎﺣﺔ ﻧﺰﻟﮫﻢ ﻓﺴﯿﺤﺔ. ﻳﺘﻮﺳﻄﮫﺎ ﺑﺌﺮ ﻛﺒﯿﺮة ﻳﺸﺮب ﻣﻨﮫﺎ اﻟﻨﺎس واﻟﺪواب وﻳﺤﯿﻂ ﺑﮫﺎ ﺑﯿﻮت ﺑﻨﯿﺖ ﺑﺎﻟﺤﺠﺮ. واﻟﺤﻖ أﻧﻨﺎ ﻟﻤﺴﻨﺎ ﻣﻦ ھﺆﻻء اﻟﻘﻮم ﻛﺮﻣﺎ وﺟﻮدا .ﻟﻢ ﻧﺮ ﻣﺜﻠﻪ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ. دﻋﺎﻧﺎ ﺷﯿﺦ اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ وﻛﺎن رﺟﻼ ﺣﻜﯿﺎ ﻳﺪﻋﻰ »ﻋﺎﺑﺮ« إﻟﻰ داره وﻗﺺ أﺑﻲ ﻋﻠﯿﻪ. ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ أﻣﺮ )ﻣﻮﺳﯽ( وﻛﯿﻒ ﺧﺮج ﺑﺒﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ ﺣﺘﻰ وﺻﻞ ﺑﮫﻢ إﻟﻰ ﻣﻦ اﻟﻮادي اﻟﻤﻘﺪس .ﺛﻢ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺻﻌﻮده إﻟﻰ ﺟﺒﻞ ﺣﻮرﻳﺐ واﺧﺘﻔﺎﺋﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ. ﻗﺎل اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ﺳﻜﯿﻨﺔ: ﻻ ﻳﻀ ّﻞ ﻧﺒﻲ وھﻮ ﻓﻲ ﺣﻀﺮة اﻟﺮب .ﺳﯿﻌﻮد ..ﺳﯿﻌﻮد إﻟﯿﻜﻢ ﻧﺒﯿﻜﻢ. ﺛﻢ ﺣﻜﻲ ﻟﻨﺎ اﻟﺮﺟﻞ أن ﺟﺪه ﻳﻄﻮر ﺑﻦ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( .ﻗﺪ ﺗﺮك ﺑﻜﺔ ﻣﻊ أھﻠﻪ وأﺗﯽ إﻟﻰ ھﺬا اﻟﻤﻜﺎن .وأﻧﻪ أول ﻣﻦ رﻋﻰ اﻹﺑﻞ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺠﺒﻞ .ﺣﺘﻰ إن اﻷﻋﺮاب ﻗﺪ أﺳﻤﻮه ﺟﺒﻞ »اﻟﻄﻮر« ﻧﺴﺒﺔ إﻟﻰ ﺟﺪه .وأن ﺟﺪه ھﻮ ﻣﻦ ﻗﺎم ﺑﻐﺮس أﺷﺠﺎر اﻟﺘﯿﻦ واﻟﺰﻳﺘﻮن ﻓﻮق اﻟﺠﺒﻞ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻈﻞ ﺑﮫﺎ اﻟﺮﻋﺎة واﻷﻧﻌﺎم .وﺣﯿﻦ ﻧﺼﺐ اﻟﻤﺎء ﻓﻮق اﻟﺠﺒﻞ .ھﺒﻂ أﺟﺪاده إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﺣﯿﺚ أﻗﺎﻣﻮا ﺑﮫﺎ وﻋﻤﻠﻮا ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺎرة واﻟﺮﻋﻲ. وﺷﻌﺮﻧﺎ ﺑﺎﻷﻟﻔﺔ ﻣﻊ ھﺆﻻء اﻟﻘﻮم .وﻗﻀﯿﻨﺎ أﻳﺎﻣﺎ ﻻ ُﺗﻨﺴﻰ ﻓﻲ ﺻﺤﺒﺘﮫﻢ .وﻛﺎن ﻟﻠﺸﯿﺦ »ﻋﺎﺑﺮ« ﺣﻔﯿﺪة ﺗﺼﻐﺮﻧﻲ ﺑﺴﻨﻮات ﻗﻠﯿﻠﺔ اﺳﻤﮫﺎ )أروی( .ﺳﻤﺮاء اﻟﺒﺸﺮة .ﺟﻤﯿﻠﺔ اﻟ ُ ﻤﺤﯿﱠﺎ وﻧﺤﯿﻔﺔ اﻟﻘﻮام .ﺳﺄﻟﺘﮫﺎ ﻋﻦ ﻣﻌﻨﯽ اﺳﻤﮫﺎ ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻨﻲ أﻧﮫﺎ ﺗﻌﻨﻲ اﻟﺮﺷﯿﻘﺔ اﻟﺤﺮﻛﺔ ﻛﺄﻧﺜﻰ اﻟﻮﻋﻞ! واﻟﺤﻖ أﻧﮫﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺧﻔﺔ اﻟﻨﺴﯿﻢ وﺳﺮﻋﺔ اﻟﺮﻳﺢ .ﻛﻨﺎ ﻧﻠﮫﻮ وﻧﺘﺴﺎﺑﻖ إﻟﻰ اﻟﺠﺒﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺻﺒﺎح .ﻓﺘﻨﻄﻠﻖ ﻗﺒﻠﻲ إﻟﻰ أﻋﺎﻟﻲ اﻟﺼﺨﺮ ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻻ أزال أﻧﺎ ﻓﻲ أﺳﻔﻞ اﻟﺴﻔﺢ ﺗﺘﻌﺜﺮ أﻗﺪاﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﺮﻣﺎل! وذات ﻳﻮم ﻛﻨﺎ ﻧﻠﮫﻮ ﻓﻮق اﻟﺠﺒﻞ .ﻓﺈذا ﺑﺎﻟﺴﻤﺎء وﻗﺪ ﺗﻠﺒﺪت ﺑﺎﻟﻐﯿﻮم. ﻤﺰن ُ وﺗﻜﺎﺛﻔﺖ ﺑﮫﺎ اﻟﺴﺤﺐ ﺣﺘﻰ دﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﺮءوس .وﺑﺪت ﺑﻄﻮن اﻟ ُ ﺣﺒﻠﻰ ﺑﺎﻟﻤﻄﺮ .وﻛﺎن اﻷﻋﺮاب ﻳﺨﺸﻮن اﻟﻤﻄﺮ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﯿﻮل ﺗﺠﺮف ﻛﻞ ﺷﻲء ﻓﻲ طﺮﻳﻘﮫﺎ .ﻓﻠﻤﺎ رأوا اﻟﻤﻄﺮ وﻗﺪ أوﺷﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﮫﻄﻮل ﺟﻤﻌﻮا اﻟﺨﯿﺎم اﻟﻤﺘﻨﺎﺛﺮة وﻣﻦ ﺑﯿﻨﮫﻢ ﺧﯿﻤﺘﻨﺎ .وﺳﺎﻗﻮا اﻟﻤﻌﺰ واﻷﻏﻨﺎم إﻟﻰ رﺑﻮة ﻗﺮﻳﺒﺔ ﺑﻤﻨﺄى ﻋﻦ ﻣﺠﺮى اﻟﺴﯿﻞ .وظﻨﺖ أﻣﻲ أﻧﻲ أﻟﮫﻮ ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟُﻨُﺰل ﻣﻊ أﺑﻨﺎء اﻟﺤﻲ .ﻓﻠﻤﺎ ﺑﺪأ اﻟﺠﻤﻊ ﻓﻲ اﻟﺘﺤﺮك .ﻓﻄﻨﻮا إﻟﻰ ﻏﯿﺎﺑﻲ وﻏﯿﺎب )أروى( .وﻋﻠﻤﻮا ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﺤﻲ أﻧﻨﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﻠﮫﻮ ﻓﻮق اﻟﺠﺒﻞ .وﻓﻘﺪت أﻣﻲ ﺻﻮاﺑﮫﺎ ﻲ .واﻧﻄﻠﻖ أﺑﻲ وﻣﻌﻪ واﻟﺪ )أروى( ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻨﺎ .وﻟﻢ ﺗﻤﺾ وظﻠﺖ ﺗﺼﺮخ ﺧﻮﻓﺎ ﻋﻠ ّ ﻟﺤﻈﺎت ﺣﺘﻰ ﺗﻘﺎطﺮ اﻟﻤﺎء ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء .وﻏﺎﻣﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﺧﻠﻒ اﻟﺴﺤﺐ وﻛﺎد اﻟﻨﮫﺎر أن ُﻳﻈِﻠﻢ. ﺷﻌﺮت )أروی( ﺑﺎﻟﺨﻮف وﻗﺎﻟﺖ: ھﯿﺎ ﺑﻨﺎ ﻧﻌﻮد ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( .ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻧﺘﺤﺮك ﺑﻀﻊ ﺧﻄﻮات ﺣﺘﻰ ﺗﺰاﻳﺪت ﺣﺪةاﻟﻤﻄﺮ .واﻧﺰﻟﻘﺖ اﻷرض ﻣﻦ ﺗﺤﺖ أﻗﺪاﻣﻨﺎ .وﻛﺪﻧﺎ ﻧﺘﻌﺜﺮ ﻋﺪة ﻣﺮات .ﺑﮑﺖ )أروى( ﻣﻦ اﻟﺨﻮف وﺗﻤﺴﻜﺖ ﺑﯿﺪي ﻓﻲ ﻗﻮة ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻨﺤﺪر ﻋﻠﻰ اﻷرض اﻟﺰﻟﻘﺔ .رأﻳﺖ اﻟﻤﻄﺮ ﻳﺘﺰاﻳﺪ .وﺷﻌﺮت أﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺘﺤﯿﻞ أن ﻧﺼﻞ إﻟﻰ أﺳﻔﻞ اﻟﺠﺒﻞ ﺳﺎﻟﻤﯿﻦ .وھﺪاﻧﻲ ﻋﻘﻠﻲ اﻟﺼﻐﯿﺮ إﻟﻰ أن اﻟﺒﻘﺎء ﻋﻠﻰ ﻗﻤﺔ اﻟﺠﺒﻞ أﻛﺜﺮ أﻣﺎﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺰول إﻟﻰ اﻟﺴﻔﺢ اﻟﻤﻨﺠﺮف .أطﺒﻘﺖ ﻳﺪي ﻋﻠﻰ ﻳﺪ )أروى( ﻓﻲ ﻗﻮة وﺳﺮت ﺑﮫﺎ ﻓﻲ ﺣﺮص ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺨﺮ اﻟﻼزب ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﻨﺎ ﻓﺠﻮة ﺑﯿﻦ ﺻﺨﺮﺗﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﻗﻤﺔ اﻟﺠﺒﻞ .اﻧﻜﻤﺸﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﺠﻮة ﺑﻌﯿﺪا ﻋﻦ اﻷﻣﻄﺎر اﻟﺠﺎرﻓﺔ .وأﻟﺼﻘﺖ )أروى( ﻧﻔﺴﮫﺎ ﺑﺠﺴﺪي وھﻲ ﺗﺒﻜﻲ ﻣﻦ اﻟﺬﻋﺮ .ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻧﻔﺎﺳﻲ ﺗﺘﻼﺣﻖ ﻣﻦ اﻟﺨﻮف واﻟﺘﻌﺐ .ﺗﻮﻗﻒ اﻟﻤﻄﺮ ﺑﻌﺪ دﻗﺎﺋﻖ .ﺛﻢ ھﺪأت اﻟﺮﻳﺎح واﻧﻘﺸﻌﺖ اﻟﻐﯿﻮم ﻓﻲ ﺑﻂء .وﻋﺎدت اﻟﺸﻤﺲ ﻟﻠﻈﮫﻮر .وﻧﻈﺮت إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﻮﺟﺪﺗﮫﺎ وﻗﺪ ﺗﻠﻮﻧﺖ ﺑﻘﻮس ﻗﺰح وﻛﺄﻧﮫﺎ ﻟﻢ ﺗﻐﻀﺐ ﻋﻠﻰ أھﻞ اﻷرض ﻣﻨﺬ ﻗﻠﯿﻞ. ھﺪأ روﻋﻨﺎ وﻗﻤﺖ ﻷرى ﺳﺒﯿﻼ ﻟﻠﻨﺰول ﻣﻦ اﻟﺠﺒﻞ .ﻋﺜﺮت ﻋﻠﻰ ﻏﺼﻦ ﺷﺠﺮة ﺳﻤﯿﻚ ﻛﺴﺮﺗﻪ اﻷﻣﻄﺎر .ﻓﻮﺟﺪت ﻓﯿﻪ ﺿﺎﻟﺘﻲ .ﺷﺬﺑﺖ اﻟﻐﺼﻦ ﻣﻦ ﻓﺮوﻋﻪ ﺑﺤﺠﺮ ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﻛﺎﻟﻌﺼﺎ .طﻮﻗﺖ )أروی( ﺑﺬراﻋﻲ ﺛﻢ ﺷﺮﻋﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﮫﺒﻮط ﻓﻲ ﺣﺮص. ﻛﻨﺖ أﻏﺮس اﻟﻐﺼﻦ ﻓﻲ اﻷرض ﺑﯿﻦ اﻟﺼﺨﻮر واطﻤﺌﻦ ﻟﺜﺒﺎﺗﻪ .ﻗﺒﻞ أن أﺧﻄﻮ ﺧﻄﻮة ﺟﺪﻳﺪة ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﻤﻨﺤﺪر .ﻣﻀﻲ وﻗﺖ طﻮﻳﻞ ﺣﺘﻰ وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﺴﻔﺢ .ﺗﻨﻔﺴﻨﺎ اﻟﺼﻌﺪاء .وأﺳﺮﻋﻨﺎ إﻟﻰ ﺧﯿﻤﺘﻨﺎ ﻓﻠﻢ ﻧﺠﺪھﺎ وﻟﻢ ﻧﺠﺪ أﺣﺪ ﺣﻮﻟﮫﺎ .ﺷﻌﺮﻧﺎ ﺑﺎﻟﺨﻮف وﺑﻜﺖ )أروی( ﻣﺠﺪدا وﻟﻜﻦ ﻓﺠﺄة ﺟﺎءﻧﺎ ﺻﻮت أﺑﻲ ﻣﻨﺎدﻳﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﯿﺪ: ﺖ ﻳﺎ )أروى(؟ أﻳﻦ أﻧﺖ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(؟ أﻳﻦ أﻧ ِﻓﮫﺮوﻟﻨﺎ ﻧﺎﺣﯿﺔ اﻟﺼﻮت .ﻟﻨﺠﺪ أﺑﻲ وواﻟﺪ )أروى( .وﻗﺪ اﺑﺘﻠﺖ ﻣﻼﺑﺴﮫﺎ ﺗﻤﺎﻣﺎ .وﻣﻊ ذﻟﻚ أﻟﻘﯿﻨﺎ ﺑﺠﺴﺪﻳﻨﺎ أﻧﺎ وأروى ﻓﻲ ﺣﻀﻨﯿﮫﻤﺎ .ﻗﺒﻞ أن ﻳﻌﻮدا ﺑﻨﺎ إﻟﻰ اﻟُﻨُﺰل. واﻟﺤﻖ أن ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎدﺛﺔ ظﻠﺖ ﻋﺎﻟﻘﺔ ﻓﻲ ذھﻨﻲ ﻟﺴﻨﻮات ﺑﻌﺪھﺎ .وﻛﻨﺖ ﺑﯿﻦ اﻟﻔﯿﻨﺔ واﻟﻔﯿﻨﺔ أﺗﺬﻛﺮھﺎ واﺑﺘﺴﻢ وأﺗﺴﺎءل ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﻋﻤﺎ ﻓﻌﻠﺘﻪ اﻷﻳﺎم ﺑﻔﺘﺎة ﺳﻤﺮاء رﺷﯿﻘﺔ اﻟﺤﺮﻛﺔ ﻣﻦ ﻧﺴﻞ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( اﺳﻤﮫﺎ )أروی( .رﺑﻂ اﻟﻘﺪر ﺑﯿﻦ ﻣﺼﯿﺮﯾﻨﺎ ﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم ﺛﻢ اﻓﺘﺮق ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﻓﻲ طﺮﻳﻖ. ∞∞∞∞∞ وﻣﺮت اﻷﻳﺎم ﺗﻠﻮ اﻷﻳﺎم دون أن ﻳﺄﺗﻲ إﻟﯿﻨﺎ ﺧﺒﺮ ﻣﻦ ﺣﻮرﻳﺐ .ﻛﺎن أﺑﻲ ﻳﺤﺪوه اﻷﻣﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺻﺒﺎح ﻓﻲ أن ﻳﺮى )إﻳﻠﯿﺎ( اﺑﻦ ﻋﻤﻪ آﺗﯿﺎ ﻣﻦ ﺟﮫﺔ اﻟﺼﺤﺮاء ﺑﺎﻟﺒﺸﺮی. ﻓﯿﻤﺮ اﻟﻨﮫﺎر دون أن ﻳﻈﮫﺮ اﻟﺒﺸﯿﺮ ﻓﻲ اﻷﻓﻖ ﻓﯿﺰداد أﺑﻲ ﺑﺆﺳﺎ وﺣﺰﻧﺎ .وأﺷﻔﻘﺖ ﻋﻠﯿﻪ أﻣﻲ ﻣﻤﺎ ﻳﻌﺎﻧﯿﻪ .ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻠﺐ اﻟﺸﺎة ذات ﻳﻮم ﺣﯿﻨﮫﺎ رأﺗﻪ ﻣﮫﻤﻮﻣﺎ ﺣﺰﻳﻨﺎ. ﻓﻘﺎﻟﺖ: ﺟﺴﺪك ﻓﻲ »رﺳﺔ« وﻗﻠﺒﻚ ﻓﻲ ﺣﻮرﻳﺐ إن ﺷﺌﺖ ﻋﺪﻧﺎ إﻟﻰ ﺣﻮرﻳﺐ ﻟﻨﻘﻒﻋﻠﻰ ﺣﻘﯿﻘﺔ اﻷﻣﺮ. ﻗﺎل ﻓﻲ إﺻﺮار: ﻻ أﻋﻮد إﻟﯿﮫﻢ وﻧﺒﻲ ﷲ ﻏﺎﺋﺐ .وﻟﻮ ﻋﺎد )ﻣﻮﺳﯽ( ﻷﺗﻲ إﻟﯿﻨﺎ )إﻳﻠﯿﺎ( ﺑﺎﻟﺨﺒﺮ.وﻣﻜﺜﻨﺎ ﻓﻲ »رﺳﺔ« ﻗﺮاﺑﺔ اﻟﺸﮫﺮ .ﻋﻠﻤﻨﺎ ﻓﯿﻪ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻋﻦ ﺣﯿﺎة ھﺆﻻء اﻟﺒﺪو ﻣﻦ ﺑﻨﻲ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( .وﻋﺮﻓﻨﺎ أﺷﯿﺎء ﻛﺜﯿﺮة ﻋﻦ ﻣﻠﺔ )إﺑﺮام( اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺒﻌﻮﻧﮫﺎ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺨﺘﺘﻨﻮن ﻣﺜﻠﻨﺎ .وﻳﺘﺠﮫﻮن ﻓﻲ ﺻﻼﺗﮫﻢ إﻟﻰ اﻟﺮب إﻳﻞ .وﻳﻘﺪﻣﻮن ﻟﻪ اﻟﺬﺑﺎﺋﺢ واﻟﻘﺮاﺑﯿﻦ .وﻟﻜﻨﮫﻢ ﻻ ﻳﻘﺪﺳﻮن ﻳﻮم اﻟﺴﺒﺖ ﻣﺜﻞ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ .وﻳﺘﺤﺪﺛﻮن داﺋﻤﺎ ﻋﻦ ﺑﯿﺖ ﺑﻨﺎه أﺑﻮﻧﺎ )إﺑﺮام( وﺟﺪھﻢ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﻓﻲ واٍد ﺑﺼﺤﺮاء ﻓﺎران ،ﻳﻘﺪﺳﻮﻧﻪ وﻳﺮﺣﻠﻮن إﻟﯿﻪ ﺑﯿﻦ آن وآﺧﺮ ﻟﻠﺘﺒﺮك واﻟﺘﺠﺎرة .وﻛﺎن أﺑﻲ رﻏﻢ ﺗﻌﻈﯿﻤﻪ ﻟﻜﺮﻣﮫﻢ وﺳﻤﺎﺣﺘﮫﻢ .ﻳﺴﺘﺎء ﻛﺜﯿﺮا ﻣﻦ ﻋﺪم ﺗﻘﺪﻳﺴﮫﻢ ﻟﯿﻮم اﻟﺴﺒﺖ .وﺣﯿﻦ دﻋﺎه ﺷﯿﺦ اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ ﻷن ﻳﺘﺮك ﺧﯿﻤﺘﻪ .وأن ﻳﻤﻜﺚ ﻓﻲ دار ﺣﺠﺮﻳﺔ داﺧﻞ اﻟﻨﺰل .رﻓﺾ أﺑﻲ ﻛﻲ ﻻ ﺗﺴﺘﺎء ﻋﯿﻨﻪ ﺑﺎﻧﺘﮫﺎﻛﮫﻢ ﻟﯿﻮم اﻟﺴﺒﺖ .ﻓﻜﺎن ﻳﻤﻜﺚ ﻓﻲ ﺧﯿﻤﺘﻪ وﻳﻘﻮل: أﻻ ﻳﺨﺸﻰ ھﺆﻻء اﻟﻘﻮم أن ﺗﺤ ّﻞ ﻋﻠﯿﮫﻢ اﻟﻠﻌﻨﺔ ووھﻢ ﻳﻌﺘﺪون ﻋﻠﻰ ﺣﺮﻣﺔ اﻟﺴﺒﺖ. أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻳﺜﻮر ﻓﻲ رأﺳﻲ ﺳﺆال آﺧﺮ ﻟﻢ ﻳﺠﺒﻨﻲ أﺑﻲ ﻋﻠﯿﻪ وھﻮ: ﻟﻤﺎذا ﺣﺮم اﻟﺮب اﻟﺴﺒﺖ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ .وﻟﻢ ﻳﺤﺮﻣﻪ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻗﻲ ﺑﻨﻲ)إﺑﺮام(؟ وﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم ﺳﻤﻌﻨﺎ ﺻﻮﺗﺎ ﻳﻨﺎدي ﻋﻠﻰ أﺑﻲ ﻣﻦ ﺧﺎرج اﻟﺨﯿﻤﺔ .ﻓﺈذا ﺑﻪ )إﻳﻠﯿﺎ( اﺑﻦ ﻋﻤﻪ ﻗﺪ أﺗﻲ إﻟﯿﻨﺎ ﻣﻦ ﺣﻮرﻳﺐ .اﺣﺘﻀﻨﻪ أﺑﻲ .وﺗﮫﻠﻞ ﻟﻤﻘﺪﻣﻪ ﻛﺜﯿﺮا. وﻗﺒﻞ أن ﻳﺪﻋﻮه ﻟﻠﺠﻠﻮس ﺳﺄﻟﻪ ﻓﻲ ﻟﮫﻔﺔ: ھﻞ ﻋﺎد ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﯽ(؟ﻗﺎل )إﻳﻠﯿﺎ( واﺟﻤﺎ: ﻧﻌﻢ ﻗﺪ ﻋﺎد إﻟﻰ اﻟُﻨُﺰل ﻣﻨﺬ ﻗﺮاﺑﺔ اﻟﺸﮫﺮ.ﺗﻌﺠﺐ أﺑﻲ ﻣﻦ ذﻟﻚ وﺗﻮﺟﺲ ﺷﺮا ﻣﻦ اﻟﺤﺰن اﻟﺒﺎدي ﻋﻠﻰ وﺟﻪ )إﻳﻠﯿﺎ( .ﻓﻘﺎل ﻟﻪ: ت إﻟﯿﻨﺎ ﻓﻮرا ﮐﻤﺎ وﻋﺪﺗﻨﺎ؟ وﻟﻤﺎذا ﻟﻢ ﺗﺄ ِﻓﺎل )اﻳﻠﯿﺎ( ﻓﻲ وﺟﻮم: ﺟﺴﺎم ﻓﻲ اﻟُﻨُﺰل .وﻟﺘﺤﻤﺪ اﻟﺮب أن أﻧﺠﺎك ﻣﻨﮫﺎ. ﻗﺪ وﻗﻌﺖ أﺣﺪاث ِوﻗﻊ اﻟﺬﻋﺮ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ أﺑﻲ ..ﻓﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ ﺻﺨﺮة إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﺨﯿﻤﺔ وأﺟﻠﺲ )إﻳﻠﯿﺎ( إﻟﻰ ﺟﻮاره ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻲ ﻳﺎ )إﻳﻠﯿﺎ( ﻣﺎ وﻗﻊ ﻓﻲ اﻟُﻨُﺰل ﻣﻨﺬ ﺧﺮﺟﻨﺎ وﺣﺘﻰ اﻵن. ُﻗﺺ ﻋﻠ ّﺗﻨﮫﺪ )إﻳﻠﯿﺎ( ﺗﻨﮫﯿﺪة طﻮﻳﻠﺔ ﻛﻤﻦ ﻳﻠﻘﻲ ﻋﻦ ﺻﺪره ﺣﻤﻼ ﺛﻘﯿﻼ .ﺛﻢ ﻗﺎل: وددت ﻟﻮ ﻧﺴﯿﺖ ﻣﺎ ﺣﺪث!! وﻟﻜﻦ ﻣﺎ اﻟﺴﺒﯿﻞ إﻟﻰ ﻧﺴﯿﺎﻧﻪ وﻗﺪ ﺻﺎر ﻣﺨﺘﻮﻣﺎﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ! ﺻﻤﺖ أﺑﻲ .وأﻧﺼﺖ ﺑﻜﻞ ﺟﻮارﺣﻪ إﻟﯿﻪ .وﻗ ّ ﺺ ﻋﻠﯿﻨﺎ )إﻳﻠﯿﺎ( ھﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ: ﻛﺎن اﻟﻮﻗﺖ ﺑﯿﻦ اﻟﻀﺤﯽ واﻟﻈﮫﯿﺮة ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺗﻮاﻓﺪ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ اﻟﮫﻀﺒﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﺎم ﻓﯿﮫﺎ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﻣﺤﺮﻗﺘﻪ .ﻛﺎﻧﻮا ﻋﻠﻰ ﺣﺎل ﻣﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﺸﻚ واﻟﻔﻀﻮل .ﺷﻚ ﻓﯿﻤﺎ وﻋﺪھﻢ ﺑﻪ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( .وﻓﻀﻮل ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﺴﺮّ اﻟﺬي ﻳﺨﻔﯿﻪ .ﻟﻢ ﻳﺒﻖ أﺣﺪ ﻓﻲ اﻟُﻨُﺰل .ﺧﺮج اﻟﺠﻤﯿﻊ إﻟﻰ اﻟﮫﻀﺒﺔ ﺣﺘﻰ )ھﺎرون( وﺳﺒﻂ ﻻوي ﺧﺮﺟﻮا ﻣﻊ اﻟﻨﺎس. ﺣﻠﺔ ﺗﺸﺒﻪ ُ ﻛﺎن )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﻳﻘﻒ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﻤﺤﺮﻗﺔ ﻣﺮﺗﺪﻳﺎ ُ ﺣﻠﺔ اﻟﻜﮫﻨﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ .وﻗﺪ ﺣﻠﻖ رأﺳﻪ ﺑﺎﻟﻤﻮﺳﻰ .وﻗﺼّﺮ ﻟﺤﯿﺘﻪ وﺷﺎرﺑﻪ ﺣﺘﻰ ﺑﺪا ﻛﻜﺎھﻦ ﻣﻦ ﻛﮫﻨﺔ آﻣﻮن. ﺗﻌﺠﺐ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ھﯿﺌﺘﻪ .وﺳﺨﺮ اﻟﺒﻌﺾ ﻣﻨﮫﺎ .وﻟﻜﻦ اﻟﺮﺟﻞ ﻛﺎن ﻳﺸﺮف ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﺧﯿﻼء وﺗﺒﺮق ﻋﯿﻨﺎه ﻓﻲ ﺛﻘﺔ ﻛﻤﻦ ﻳﺤﻤﻞ ﺧﺒﯿﺌﺔ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﻘﺪارھﺎ ﺟﯿﺪا .ﻣﻀﻲ وﻗﺖ طﻮﻳﻞ ﺣﺘﻰ ﺗﺠﻤﻊ اﻟﻨﺎس ﻓﮫﺘﻒ أﺣﺪھﻢ ﻣﻀﻄﺠﺮا: ﻓﯿﻢ ﺟﻤﻌﺘﻨﺎ ﻳﺎ )ﺷﺎﻣﺮي(؟ﺗﺤﺪث ﻓﻲ ﺻﻠﻒ وﻏﺮور -ﺟﻤﻌﺘﻜﻢ ﺣﺘﻰ أھﺪﻳﻜﻢ ﺳﺒﯿﻞ اﻟﺮﺷﺎد. ﻗﺎل اﻟﺮﺟﻞ ﻣﺴﺘﻨﻜﺮا: ﻻ ﺗﺘﻌﺎل ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻳﺎﺑﻦ راﺣﯿﻞ ﻓﻠﺴﺖ ﮐﺎھﻨﺎ وﻻ ﻧﺒﯿﺎ ۔ ﺿﺤﻚ اﻟﻨﺎس ﺳﺎﺧﺮﻳﻦ ﻓﻘﺎل: اﺿﺤﻜﻮا واﺳﺨﺮوا اﻵن .ﻓﻐﺪا ﺗﺒﮑﻮن ﮐﻤﺎ ﺗﺒﻜﻲ اﻟﻨﺴﺎء .وﺗﺪﻋﻮﻧﻨﻲ ﻓﻼأﺳﺘﺠﯿﺐ ﻟﻜﻢ. ﺛﻢ ذھﺐ إﻟﻰ اﻟﺴﻠﺴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻟ ّﺖ ﻓﻮق اﻟﻤﺤﺮﻗﺔ .ﺛﻢ ﺟﺬﺑﮫﺎ ﻓﻲ ﻗﻮة أوﺣﺖ ﺑﺜﻘﻞ ﻣﺎ ﻳﺮﻓﻌﻪ .وﻣﻊ ﻛﻞ ﺟﺬﺑﺔ إﻟﻰ أﺳﻔﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﻠﻮب اﻟﻨﺎس ﺗﺮﺗﻔﻊ ﺧﻔﻘﺎ ﻣﻦ اﻹﺛﺎرة .ﺣﺘﻰ ظﮫﺮ ﻟﺒﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻄﻤﻮرا ﻓﻲ ﺟﻮف اﻟﻤﺤﺮﻗﺔ .أﺧﺮج ﻋﺠﻼ ذھﺒﯿﺎ ﻣﮫﻮﻻ ﻳﺘﻸﻷ ﺟﺴﺪه اﻟﺬھﺒﻲ اﻷﺣﻤﺮ ﺗﺤﺖ ﺿﻮء ﻟﮫﻢ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ِ اﻟﺸﻤﺲ وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗﺴﺮي ﺑﻪ دﻣﺎء اﻟﺤﯿﺎة .ﺷﮫﻖ اﻟﻨﺎس ﺷﮫﻘﺔ ﻋﺎﻟﯿﺔ ﺟﻤﻌﺖ ﻣﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﺬھﻮل واﻟﺮھﺒﺔ ﻓﻘﺪ أذھﻠﺘﮫﻢ ﻣﻔﺎﺟﺄة )اﻟﺸﺎﻣﺮي( اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺪر ﺑﺨﻠﺪھﻢ. وأرھﺒﮫﻢ أن ﻳﺨﺮج إﻟﯿﮫﻢ إﻟﻪ اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﺤﻠﻲ اﻟﺘﻲ اﻏﺘﺼﺒﻮھﺎ .وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻋﺎد إﻟﯿﮫﻢ اﻟﻌﺠﻞ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻻﻧﺘﻘﺎم .وأدار اﻟﮫﻮاء اﻟﺠﺴﺪ اﻟﺬھﺒﻲ اﻟﻤﺘﺪﻟﻲ ﻣﻦ اﻟﺴﻼﺳﻞ .وﺗﺄرﺟﺢ ﻓﻮق اﻟﺮءوس اﻟﺘﻲ اﻧﺤﻨﺖ ﻣﻦ اﻟﺨﻮف واﻟﺮھﺒﺔ .وواﺟﻪ ﻓﻤﻪ ﻣﮫ ّ ﺐ اﻟﺮﻳﺢ ﻓﺼﺪر ﻣﻨﻪ ﺧﻮار .زﻟﺰل أﺟﺴﺎد اﻟﻨﺎس رﻋﺒﺎ وﻓﺮﻗﺎ .ﻓﺨﺮوا ﻟﻪ ﺳﺎﺟﺪﻳﻦ. اﻧﺘﺸﻲ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﻓﻮق اﻟﺼﺨﺮة وظﻞ ﻳﺼﺮخ ﻓﻲ ﺟﻨﻮن: ۔ اﺳﺠﺪوا ﻟﻪ .اﺑﻜﻮا ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺎﻳﺎﻛﻢ .ھﺬا إﻟﮫﻜﻢ وإﻟﻪ )ﻣﻮﺳﯽ( .ھﺬا إﻟﮫﻜﻢ وإﻟﻪ )ﻣﻮﺳﯽ(! اﺷﺘﺪ اﻟﻐﻀﺐ ب) -ھﺎرون( وزوج أﺧﺘﻪ )ﺣﻮر( وﺻﺮخ )ھﺎرون( ﻗﺎﺋﻼ: ﻛﺬﺑﺖ ﻳﺎ ﻋﺪو اﻟﺮب! إﻧﻪ ﻋﺠﻞ ﺟﺴﺪ ﻟﻪ ﺧﻮار! ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ إﻟﻰ اﻟﻨﺎس وﺻﺮخﻓﯿﮫﻢ ﻗﺎﺋﻼ: ﯾﺎ ﻗﻮم ﻻ ﻳﻔﺘﻨﻜﻢ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﻋﻤﺎ ﺟﺎءﻛﻢ ﺑﻪ )ﻣﻮﺳﯽ(.ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻤﻊ إﻟﯿﻪ أﺣﺪ .ﻓﻘﺪ ﺗﻌﻠﻘﺖ أﺑﺼﺎر اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻹﻟﻪ اﻟﻤﺘﺄرﺟﺢ .وأﻓﺴﺤﻮا ﻟﻪ ﻣﻮﺿﻌﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﮫﻢ .وﺗﺤﻤﺲ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﺒﺎب ﻣﻦ ﺳﺒﻂ ﻻوي .وأرادوا أن ﻳﺼﻌﺪوا إﻟﻰ اﻟﺼﺨﺮة ﺣﺘﻰ ﻳﻔﺘﻜﻮا ب) -اﻟﺸﺎﻣﺮي( .وﻟﻜﻦ ﺣﺎل اﻟﺪھﻤﺎء ﻣﻦ ﺑﺎﻗﻲ اﻷﺳﺒﺎط ﺑﯿﻦ اﻟﺸﺒﺎب وﺑﯿﻦ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( .ووﻗﻌﺖ ﺑﯿﻨﮫﻢ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎرة واﻟﻌﺼﻲ ﺣﺘﻰ أوﺷﻚ ﺑﻌﻀﮫﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﮫﻼك .ﻓﺼﺮخ )ھﺎرون( ﻓﻲ اﻟﻨﺎس: ﻳﺎ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ! اﺗﻘﻮا اﻟﺮ ّب .وﻻ ﺗﺘﻔﺮﻗﻮا .وﻻ ﻳﻘﺘﻠﻦ ﺑﻌﻀﻜﻢ ﺑﻌﻀﺎ. وﺗﺪﺧﻞ ﺑﻌﺾ ﻣﺸﺎﻳﺦ اﻷﺳﺒﺎط .وﺣﺎﻟﻮا ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺘﻘﺎﺗﻠﯿﻦ ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻗﻒ اﻟﻌﺮاك .وﻋﺎد ﺷﺒﺎب ﻻوي إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﻜﺎھﻦ )ھﺎرون( وﻗﺪ ﺳﺎﻟﺖ دﻣﺎؤھﻢ .وﺗﻘﻄﻌﺖ ﺛﯿﺎﺑﮫﻢ. ووﻗﻒ )ﻋﺰرا( ﻣﻦ ﺳﺒﻂ ﺟﺎد ﻣﺘﺤﺪﯾﺎ .وﻗﺎل: إن ﺷﺌﺘﻢ ﻗﺘﺎﻻ ﻟﻘﺎﺗﻠﻨﺎﻛﻢ .وأﻧﺘﻢ ﻣﻦ ﺑﺪأ ﺑﺎﻟﻌﺪاء!ﻗﺎل )ھﺎرون( ﻳﺎﺋﺴﺎ ﺑﺎﺋﺴﺎ: ﻏﯿﺎ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ .وﺣﻖ اﻟﺮب إﻳﻞ ﻟﻘﺪ ﻓﺘﺘﻢ ﺑﻪ .وأﺿﻠﻜﻢ ﻛﻔﺎﻛﻢ ِ)اﻟﺸﺎﻣﺮي(. ﻗﺎل )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﻣﺪاﻓﻌﺎ: -ﺑﻞ أﺿﻠﻜﻢ )ﻣﻮﺳﯽ( وأﺧﻠﻒ ﻣﻮﻋﺪه! ﺛﻢ اﻧﺒﺮى ﻗﺎﺋﻼ: أﻟﯿﺲ ھﺬا اﻹﻟﻪ اﻟﺬي ﻟﺒﺜﺘﻢ إﻟﻰ ﺟﻮاره ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻛﻢ ﺳﻨﯿﻦ؟ أﻟﯿﺲ ھﺬا اﻹﻟﻪاﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻤ ّ ﺪ اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ وﻳﻤﺪﻛﻢ ﺑﺎﻟﻘﻮت واﻟﺮزق ﻓﻲ ﺑ ِﺮّ ﻣﺼﺮ؟ أﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﻜﻢ آﻳﺔ أن ﻋﺎد إﻟﯿﻜﻢ ﻟﯿﺮﻋﺎﻛﻢ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻘﻔﺮ ﺑﻌﺪ أن ﺧﺬﻟﻜﻢ )ﻣﻮﺳﯽ( وأﺿﻠﻜﻢ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء .اﺳﺘﻤﻌﻮا إﻟﯿﻪ ﺑﻘﻠﻮﺑﻜﻢ وھﻮ ﻳﺘﺤﺪث ﺑﺨﻮاره إﻟﯿﻜﻢ. ھﺘﻒ )ﺣﻮر( زوج )ﻣﺮﯾﻢ( ﻏﺎﺿﺒﺎ: ﻛﺬﺑﺖ ﯾﺎ ُﻣﻀ ّﻞ! ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻠﻨﺎس: ﻻ ﻳﻔﺘﻨﻜﻢ اﻟﻜﺬاب ﺑﻪ .إﻧﻤﺎ ھﻮ ﺻﻨﻢ ﺻﻨﻌﻪ ﺑﯿﺪﯾﻪ ﮐﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﺼﻨﻊ اﻟﺘﻤﺎﺛﯿﻞ ﻓﻲﻓﯿﺜﻮم .أﻓﻼ ﺗﺮون أﻧﻪ ﻻ ﻳﺮﺟﻊ اﻟﻘﻮل إﻟﯿﻜﻢ! وﻋﻢ اﻟﺼﻤﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻜﺎن إﻻ ﻣﻦ ﺧﻮار اﻟﺘﻤﺜﺎل اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻌﻠﻮ ﻛﻠﻤﺎ ھﺒﺖ اﻟﺮﻳﺢ. وﺳﻜﺖ اﻟﺸﯿﻄﺎن اﻟﺬي ﺗﺤﺪث ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن )اﻟﺸﺎﻣﺮي( .وﺳﻜﺖ اﻟﺤﻖ اﻟﺬي ﻖ ﺟﺮى ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن )ھﺎرون( .وﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أن ﻳﺨﺘﺎروا ﺑﯿﻦ ﺣ ٍ وﺑﺎطﻞ .وﻣﺮت ﻟﺤﻈﺎت ﻛﺎﻟﺪھﺮ ﺟﺎء ﺑﻌﺪھﺎ ﺻﻮت )ﺟﺪﻋﻮن( اﻷﺟﺶ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس ﻛﺄﻗﺒﺢ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻟﻦ ﻧﺒﺮح ﻋﻠﯿﻪ ﻋﺎﻛﻔﯿﻦ ﺣﺘﯽ ﯾﺮﺟﻊ )ﻣﻮﺳﯽ( .ﻓﻠﻦ ﻧﺤﯿﺎ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻘﻔﺮ دونإﻟﻪ! ﻓﮫﻠﻞ ﻟﻪ اﻟﻨﺎس ﻣﺆﻳﺪﻳﻦ .واﻧﻔﺮﺟﺖ أﺳﺎرﻳﺮ اﻟﺸﺎﻣﺮي( .ﺑﯿﻨﮫﺎ ﻧَ َ ﻜﺲ )ھﺎرون( رأﺳﻪ وھﻮ ﻳﻘﻮل: .أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﺄﻋﺘﺰﻟﻜﻢ وﻣﺎ ﺗﻌﺒﺪون ﻣﻦ دون ﷲ. ﺛﻢ اﻧﺼﺮف وﺗﺒﻌﻪ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ ﺳﺒﻂ ﻻوي واﻟﻘﻠﯿﻞ ﻣﻦ ﺑﺎﻗﻲ اﻷﺳﺒﺎط. ∞∞∞∞∞ وﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء أﻗﯿﻢ ﻗﺪاس ﻋﻈﯿﻢ ﻟﻺﻟﻪ أﺑﯿﺲ ﻓﺎق ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺼﻨﻌﻪ اﻟﻤﺼﺮﻳﻮن ﻓﻲ اﻟﺮاﻣﺴﯿﻮم .ﻓﻘﺪ وﺿﻊ )اﻟﺸﺎﻣﺮي اﻟﺘﻤﺜﺎل ﻓﻮق ﺑﻨﺎء ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ وواﺟﻪ ﺑﻪ اﻟﺮﻳﺢ ﺣﺘﻰ ﻳﻈﻞ ﺧﻮاره ﻣﺘﺼﻼ أﻣﺎم اﻟﻨﺎس .وأﺗﯽ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﺑﺠﻮار ﻣﻦ أﻗﺎرﺑﻪ ُﻛﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺸﺪات ﻓﻲ ﻣﻌﺎﺑﺪ ﻣﺼﺮُ .ﻳﺠﺪن اﻟﺮﻗﺺ واﻟﻌﺰف ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺎرة واﻟﻄﺒﻮل. وﺿﻌﺖ اﻟﻤﺒﺎﺧﺮ ﺣﻮل اﻟﺘﻤﺜﺎل ﻓﺘﺼﺎﻋﺪت ﻣﻨﮫﺎ راﺋﺤﺔ اﻟﻄﯿﺐ اﻟﻤﻌﻄﺮ .وُوزع ﺷﺮاب ﻣﻦ اﻟﻌﻮﺳﺞ اﻟﻤﺨﻤﺮ ﻓﻲ ﻛﺆوس دارت ﻋﻠﻰ ﻛﺒﺮاء اﻟﻘﻮم وﻣﺸﺎﻳﺨﮫﻢ. ﻻﻣﺴﺖ اﻷﻟﺤﺎن أوﺗﺎر اﻟﻘﻠﻮب .واﻧﺘﺸﺖ اﻟﻌﻘﻮل ﺑﺎﻟﺨﻤﺮ واﻟﻄﯿﺐ .وﺣﺮﮐﺖ اﻟﺠﻮاري اﻟﺪﻣﺎء ﻓﻲ اﻟﻌﺮوق .وﺗﺴﻠﻠﺖ اﻟﺘﺮاﻧﯿﻢ اﻟﻌﺬﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻨﻔﻮس: ﺷﺠﻊ ﻓﺆادك ﻋﻠﻰ أن ﻳﻨﺴﻰ أﺣﺰاﻧﻚ وﻟُﺘﺴﺮّ ﺑﺎﺗﺒﺎع رﻏﺒﺎﺗﻚ وأﻧﺖ ﻻ ﺗﺰال ﻋﻠﻰ ﻗﯿﺪ اﻟﺤﯿﺎة ﺿﻊ اﻟﻌﻄﻮر ﻋﻠﻰ رأﺳﻚ وارﺗِﺪ أﻓﻀﻞ ﻣﻼﺑﺴﻚ وﺿﻤﺨﮫﺎ ﺑﺎﻟﻌﻄﻮر اﻟﺠﻤﯿﻠﺔ ﻓﺘﻠﻚ أﺷﯿﺎء اﻹﻟﻪ اﻷﺻﯿﻠﺔ وِزد ﻛﺜﯿﺮا ﻓﯿﻤﺎ ﻳﻔﺮﺣﻚ وﻻ ﺗﺠﻌﻠﻦ ﻗﻠﺒﻚ ﻳﺒﺘﺌﺲ اﺗﺒﻊ ﻣﺎ ﺗﺸﺘﮫﻲ وﻣﺎ ﻳﻄﯿﺐ ﻟﻚ ﺣﺴﺒﻤﺎ ﻳﻤﻠﯿﻪ ﻋﻠﯿﻚ ﻗﻠﺒﻚ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺄﺗﻲ ﻳﻮم ﻣﻐﯿﺒﻚ ﺣﯿﻦ ﻻ ﻳﺴﻤﻊ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺴﺎﻛﻦ ﻧﻌﯿﮫﻢ وﻻ اﻟﺬي ﻓﻲ اﻟﻘﺒﺮ إﻟﻰ ﻋﻮﻳﻠﮫﻢ اﻏﺘﻨﻢ اﻟﺘﻤﺘﻊ ﺑﯿﻮﻣﻚ وﻻ ﺗﺠﮫﺪن ﻧﻔﺴﻚ ﻓﯿﻪ ﻓﻠﻢ ﻳﺄﺧﺬ إﻧﺴﺎن ﻣﺘﺎﻋﻪ ﻣﻌﻪ وﻟﻢ ﻳﻌﺪ أﺣﺪ ﻣﻤﻦ رﺣﻠﻮا إﻟﻰ دﻧﯿﺎﻧﺎ وﻣ ّ ﺴﺖ ﻛﻠﻤﺎﺗﮫﻦ ﺷﻐﺎف اﻟﻘﻠﻮب اﻟﺘﻲ أﺿﻨﺎھﺎ اﻟﺸﻘﺎء واﻟﺘﻌﺐ .ﻓﮫﺎﻣﺖ اﻟﻨﻔﻮس اﻟﻤﺸﺘﺎﻗﺔ إﻟﻰ اﻟﺮاﺣﺔ ﻓﻲ رﺣﺎب اﻹﻟﻪ اﻟﺬي ﻳﺪﻋﻮا اﻟﺴﻌﺎدة واﻟﻤﺮح .وﺑﮑﯽ اﻟﻨﺎس ﺑﻜﺎء اﻟﻮﺟﺪ إﻟﻰ اﻟﺮب اﻷﺑﻜﻢ اﻷﺻﻢ .اﻟﺬي ﻳﻐﻔﺮ اﻟﺰﻻت .وﻻ ﻳﻜﻠﻒ ﺑﺎﻟﺘﺒﻌﺎت .ﻓﺄھﺮﻗﻮا اﻟﺪﻣﺎء ﻗﺮﺑﺎﻧﺎ ﻟﻪ .وﻋﻘﺮوا اﻟﺨﺪود واﻟﺠﺒﺎة ﻣﺬﻟﺔ ﻟﺮﺿﺎه. وﺷﮫﺪت اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ ﻗﺪاﺳﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﺠﻮﻧﺎ ﻣﻤﺎ ﺣﺪث ﻓﻲ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ. اﻣﺘﻸت ﺳﺎﺣﺔ اﻟُﻨُﺰل ﺑﺄﻟﻮان اﻟﺨﻤﻮر .ﻣﻦ ﻋﺼﯿﺮ اﻟﺘﻤﺮ وﻋﺼﯿﺮ اﻟﺸﻌﯿﺮ وﺷﺮاب اﻟﻌﻮﺳﺞ واﻟﻨﺒﯿﺬ .واﻧﺪﻓﻊ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ رﻗﺺ ﻣﺤﻤﻮم ﻋﻠﻰ إﻳﻘﺎع اﻟﻄﺒﻮل واﻟﻤﺰاﻣﯿﺮ. ﺗﻼﺣﻤﺖ اﻷﺟﺴﺎد اﻟﻌﺎرﻳﺔ .وﺗﻌﺎﻟﺖ اﻟﺼﺮﺧﺎت .واﻧﺘﺜﺮت اﻷرواح اﻟﻔﺎﻧﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﺸﻮة ﻛﺬرات ﺗﺴﺒﺢ ﻓﻲ اﻟﮫﻮاء .وطﺎﻓﺖ ﻣﻊ أرﻳﺞ اﻟﺒﺨﻮر ﻓﻲ أﺟﻮاء اﻟُﻨُﺰل. وﺑﯿﻨﻤﺎ ھﻢ ﻛﺬﻟﻚ .إذا ﺑﺎﻟﻐﯿﻮم ﺗﺘﻜﺎﺛﻒ وإذا ﺑﺎﻟﺴﻤﺎء ﺗﺮﻋﺪ .وإذا ﺑﻨﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﯽ( ﻓﻮق رءوﺳﮫﻢ .ﻳﻘﻒ ﻛﺎﻟﺠﺒﻞ اﻟﺸﺎﻣﺦ .وُﻳﻄﻞ ﻋﻠﯿﮫﻢ ﻓﻲ ﺣﺴﺮة وﻏﻀﺐ.. ﺻﺮخ )ﻣﻮﺳﯽ( ﺻﺮﺧﺔ .زﻟﺰﻟﺖ أرﺟﺎء اﻟُﻨُﺰل .ﻓﺘﻮﻗﻔﺖ اﻟﻤﻌﺎزف .وﺗﺠﻤﺪ اﻟﺮاﻗﺼﻮن ﻋﺮاﻳﺎ .وطﺎرت ﻧﺸﻮة اﻟﺨﻤﺮ ﻣﻦ أذھﺎﻧﮫﻢ وﺗﻨﺒﮫﻮا ﻣﻦ ﻏﻔﻠﺘﮫﻢ .ﻓﺘﻮاروا ﻋﻦ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﻛﻤﻦ ﻳﻮاري ﺳﻮءﺗﻪ .أﻟﻘﻰ )ﻣﻮﺳﯽ( ﻟﻮﺣﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﺠﺺ ﻛﺎﻧﺎ ﺑﺤﻮزﺗﻪ ﻓﻲ ﻏﻀﺐ ﻓﺘﺒﺪدا ﺗﺮاﺑﺎ .ﺛﻢ ھﺒﻂ إﻟﯿﮫﻢ ﻛﺎﻟﺴﯿﻞ اﻟﮫﺎدر ﻳﺸﺞ رءوﺳﮫﻢ ﺑﻌﺼﺎه ،وﻳﺮﻛﻞ ﻣﻦ ﺗﻄﻮﻟﻪ ﻗﺪﻣﺎه .واﻟﻨﺎس ﺗﻔﺮّ ﻣﻦ أﻣﺎﻣﻪ ﻛﻤﺎ ﺗﻔﺮّ اﻟﺨﺮاف ﻣﻦ راﻋﯿﮫﺎ. وﺟﺎء )ھﺎرون( إﻟﻰ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﺘﺮف ﺣﯿﻨﻤﺎ ﻋِﻠﻢ ﺑﻌﻮدة )ﻣﻮﺳﯽ( .ﺣﻤﻠﺘﻪ ﻗﺪﻣﺎه إﻟﻰ أن ﻳﻘﻒ أﻣﺎم أﺧﯿﻪ اﻟﺜﺎﺋﺮ ﻛﺎﻟﺒﺮﻛﺎن .ﻓﺎﻣﺘﺪت اﻟﯿﺪ اﻟﻘﻮﻳﺔ إﻟﻰ ﻟﺤﯿﺘﻪ ورأﺳﻪ. ﺗﻨﺘﺰﻋﻪ ﻣﻦ اﻷرض اﻧﺘﺰاﻋﺎ .وﺗﺠﺮه ﻋﻠﻰ أرض اﻟُﻨُﺰل أﻣﺎم أﻋﯿﻦ اﻟﻨﺎس اﻟﺬﻳﻦ ارﺗﻌﺪوا ﺚ ﻳﻮﺷﻚ أن ﻳﻔﺘﻚ ﺑﻔﺮﻳﺴﺘﻪ: ﺧﻮﻓﺎ .ﺛﻢ ﺻﺮخ )ﻣﻮﺳﯽ( ﻛﻠﯿ ٍ ﺗﺮﻛﺘﻚ َﺧﻠَﻔﺎ ﻟﻲ ﻟﺘﻤﻨﻌﮫﻢ! ﺟﺎء ﺻﻮت )ھﺎرون( ﺑﺎﻛﯿﺎ ﻣﺘﺄﻟﻤﺎ ﻣﺨﻨﻮﻗﺎ وھﻮ ﻳﺮﻓﻊ ﻳﺪ أﺧﯿﻪ ﻋﻨﻪ ﻗﺎﺋﻼ: دع ﻟﺤﯿﺘﻲ.وﻛﺄﻧﻤﺎ أﺷﻔﻖ )ﻣﻮﺳﯽ( ﻋﻠﻰ أﺧﯿﻪ ﻣﻦ اﻷﻟﻢ ﻓﺨﻔﻒ ﻋﻨﻪ ﻗﺒﻀﺘﻪ .وﺗﺮﻛﻪ ﻟﯿﺪاﻓﻊ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻣﺴﺢ )ھﺎرون( اﻟﺘﺮاب ﻋﻦ رأﺳﻪ وﻗﺎل ﻛﺴﯿﺮ اﻟﻨﻔﺲ ﺣﺰﻳﻨﺎ وھﻮ ﻳﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ اﻷرض: ﻻ ﺗﻠﻮﻣﻨﻲ .ﻓﻠﻮﻻ ﺧﺸﯿﺘﻲ ﻣﻨﻚ ﻟﻘﺎﺗﻠﺘﮫﻢ.ﺛﻢ أﺷﺎر ﺑﯿﺪه ﻧﺤﻮ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( وﻗﺎل: ۔ ﺳﻞ ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي أﺿﻠﮫﻢ ﺑﻌﺠﻠﻪ اﻟﺬي ﺻﻨﻌﻪ ﺑﯿﺪه. ﻟﻢ ﻳﻠﺘﻔﺖ )ﻣﻮﺳﯽ( ﻧﺤﻮ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﺑﻞ اﻟﺘﻔﺖ إﻟﻰ اﻟﺠﻤﻮع اﻟﺘﻲ وﻗﻔﺖ ﻣﻨﻜﺴﺮة ﺗﺴﺘﺮ أﺟﺴﺎدھﺎ اﻟﻌﺎرﻳﺔ ﺑﺄﻳﺪﻳﮫﺎ .وﻳﺨﺘﺒﺊ اﻟﺴﻜﺎرى ﻣﻨﮫﻢ ﺧﻠﻒ اﻟﺰﺣﺎم. ﺛﻢ ﻗﺎل ﻣﺬھﻮﻻ: .أھﺬه ھﻲ اﻟﻮﺻﯿﺔ؟! أھﺬا ھﻮ اﻟﻮﻋﺪ؟! ﻧﮑﺴﻮا رءوﺳﮫﻢ .وارﺗﻌﺪت ﻓﺮاﺋﺼﮫﻢ .وﺗﺤﺪث )ﺟﺪﻋﻮن( اﻟﺤﺪاد وﻗﺪ ارﺗﻌﺶ ﺻﻮﺗﻪ اﻷﺟﺶ ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﻛﻨﺒﺎح ﺟﺮو ﻗﺎﺋﻼ: وﻣﺎذا ﻋﺴﺎﻧﺎ أن ﻧﻔﻌﻞ ﯾﺎ )ﻣﻮﺳﯽ(؟!ﻧﻈﺮ اﻟﯿﻪ )ﻣﻮﺳﯽ( ﻏﺎﺿﺒﺎ .ﻓﺘﺮاﺟﻊ )ﺟﺪﻋﻮن( ﺧﻄﻮة إﻟﻰ اﻟﻮراء ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻨﺎﻟﻪ ﺻﻔﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﯿﺪ اﻟﻐﺎﺿﺒﺔ .وﻗﺎل وﻗﺪ ارﺗﻌﺶ ﺻﻮﺗﻪ أﻛﺜﺮ: ﻟﻘﺪ وﻋﺪﺗﻨﺎ ﺑﺎﻟﻌﻮدة ﺑﻌﺪ ﺛﻼﺛﯿﻦ ﻟﯿﻠﺔ .وﻟﻢ ﺗﻌﺪ.ﻗﺎل )ﻣﻮﺳﯽ ﻣﺬھﻮﻻ: ﻋﺸﺮ ﻟﯿﺎل! ﻟﻢ ﺗﺤﺘﻤﻠﻮا اﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ وﻋﺪ اﻟﺮب ﻋﺸﺮ ﻟﯿﺎﻟﻲ!ﺛﻢ ﻗﺎل ﺣﺴﯿﺮا ﮐﻤﻦ ﺑﻨﯽ ﺑﻨﯿﺎﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺶ .ﻋﺼﻔﺖ ﺑﻪ اﻟﺮﻳﺎح: ﺑﺌﺴﺎ ﺧﻠﻔﺘﻤﻮﻧﻲ ﻣﻦ ﺑﻌﺪي!ﻗﺎل )ﻋﺰرا( .وﻛﺎن أﺣﺪ ﻛﺒﺮاء ﺳﺒﻂ رأوﺑﯿﻦ وﻳﺠﯿﺪ اﻟﺤﺪﻳﺚ: ﯾﺎ )ﻣﻮﺳﯽ( ﻟﻘﺪ وﻗﻌﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﺘﻨﺔ .وأﺿﻠﻨﺎ ذﻟﻚ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( .ﻗﺎل إﻧﻨﺎ ﻗﺪ ﺣﻤﻠﻨﺎﺧﻄﯿﺌﺔ ﻣﻦ ذھﺐ اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ وأوﺻﺎﻧﺎ ﺑﺎﻟﺘﻜﻔﯿﺮ ﻋﻨﮫﺎ ﺑﺤﺮﻗﮫﺎ! ﻓﺈذا ﺑﻪ ُﻳﺨﺮج ﻟﻨﺎ ذﻟﻚ اﻟﻌﺠﻞ ﻣﻦ ﻣﺤﺮﻗﺔ اﻟﻨﺎر ﻟﯿﺴﺤﺮﻧﺎ ﺑﻪ اﻟﺮﺟﻞ وﺳﺤﺮﻧﺎ ﺑﺴﺤﺮ اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ.. ھﺘﻒ اﻟﻨﺎس وﻛﺄﻧﮫﺎ وﺟﺪوا ﻓﻲ إﻟﻘﺎء اﻟﺘﺒﻌﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻣﺮي ﺳﺒﯿﻼ ﻟﻠﻨﺠﺎة: ﻧﻌﻢ ﻟﻘﺪ أﺿﻠﻨﺎ )اﻟﺸﺎﻣﺮي(! ﻟﻘﺪ أﺿﻠﻨﺎ )اﻟﺸﺎﻣﺮي(!ﻛﺎن )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﻳﻘﻒ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﻌﺠﻞ ﻏﯿﺮ ﻋﺎﺑﺊ ﺑﮫﺘﺎف اﻟﺠﻤﺎھﯿﺮ .ﻓﻘﺎل ﻟﻪ )ﻣﻮﺳﯽ(: ﻣﺎ ﺧﻄﺒﻚ أﻳﮫﺎ اﻟﺮﺟﻞ؟!اﻧﺘﺒﻪ إﻟﻰ ﺳﺆال )ﻣﻮﺳﯽ( وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻛﺎن ﻓﻲ ﻏﻔﻠﺔ ﻋﻦ اﻟﺤﺪﻳﺚ .ﻓﺮﻓﻊ ﻛﺘﻔﯿﻪ ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ اﻋﺘﺪاد وِﻛﺒﺮ: ﺧﻄﺒﻲ أﻧﺎ؟! ﻻ أظﻨﻚ ﺗﺠﮫﻠﻨﻲ ﻳﺎ رﺑﯿﺐ اﻟﻔﺮﻋﻮن! أﻧﺎ )اﻟﺸﺎﻣﺮي(؛ ﻓﻨﺎن ﻓﯿﺜﻮموﻣﺒﺪﻋﮫﺎ! أﻧﺎ ﻣﻦ ﻳﺨﻠﻖ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎرة آﻳﺎت ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل .وأﻧﺎ ﻣﻦ إذا ﻣ ّ ﺴﺖ ﻳﺪاه اﻟﺘﺮاب ﺻﺎر ﺣﯿﺎ .أﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻌﺮف ﻣﺎ ﺧﻄﺒﻲ؟ ﻗﺪ ﺑﺼﺮت ﺑﮫﺎ ﻟﻢ ﺗﺒﺼﺮوا ﺑﻪ وﻣﺴﺖ ﻳﺪي أﺛﺮ اﻟﺮﺳﻮل. ﺛﻢ اﻧﺤﻨﯽ ﺑﺮأﺳﻪ ﻧﺤﻮ )ﻣﻮﺳﯽ( وﻗﺎل: اﻟﺮﺳﻮل اﻟﺬي ﻋﺒﺮ ﺑﻨﺎ! وﻟﯿﺲ أﻧﺖ ﯾﺎﺑﻦ ﻋﻤﺮان..ل: ﺛﻢ ﻗﺒﺾ أﺻﺎﺑﻌﻪ ﻓﻲ ﻗﻮة وھﻮ ﻳﻘﻮل ﺑﺼﻮت ﻋﺎ ٍ رأﻳﺖ أﺛﺮه ﻓﻲ اﻟﺮﻣﺎل .ﻓﻘﺒﻀﺖ ﻣﻨﮫﺎ ﻗﺒﻀﺔ ﺻﻨﻌﺖ ﻣﻨﮫﺎ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻘﺪر ﺑﺸﺮ ﻋﻠﻰﺻﻨﻌﻪ .ﺣﺘﻰ أﻧﺖ ﻳﺎ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻌﺼﺎ. ُذھﻞ اﻟﻨﺎس ﻣﻤﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( .ﺳﺎورھﻢ اﻟﺸﻚ ﻓﻲ أن ﻳﻜﻮن اﻟﺮﺟﻞ ﻻ ﻳﺰال ﻳﺤﺘﻔﻆ ﺑﻌﻘﻠﻪ .وﺗﺄﻛﺪ ﻟﺪﻳﮫﻢ ذﻟﻚ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺗﺤﺴﺲ اﻟﺠﺴﺪ اﻟﺬھﺒﻲ ﻓﻲ ﻋﻄﻒ وﺣﻨﻮّ .وﻗﺎل ﻛﺎﻟﻤﺠﺬوب: اﻧﻈﺮوا إﻟﻰ ﺻﻨﻌﺔ ﻳﺪي! أرأﻳﺘﻢ ﻓﻲ ﺑﺮ ﻣﺼﺮ ﺗﻤﺜﺎﻻ ﺑﮫﺬا اﻟﺠﻤﺎل أﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖھﺬا اﻟﺠﻤﺎل أن ُﻳﻌﺒﺪ .أﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ أن ﻳﻜﻮن إﻟﮫﻚ وإﻟﻪ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ؟! ﻗﺎل )ﻣﻮﺳﯽ(: ﺑﻞ اﻧﻈﺮ أﻧﺖ إﻟﻰ إﻟﮫﻚ .ﺣﯿﻦ ﻧﺤﺮﻗﻪ أﻣﺎم ﻋﯿﻨﯿﻚ!ﺻﺮخ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﻛﺎﻟﻤﺠﻨﻮن: ﻟﻦ ﻳﻤﺴﻪ أﺣﺪ .ﻟﻦ ﻳﻤﺴﻪ أﺣﺪ.ﻗﺎل )ﻣﻮﺳﯽ(: اﺻﺮخ ﮐﻤﺎ ﺷﺌﺖ.ﺻﺮخ )اﻟﺸﺎﻣﺮي(: ﻗﻠﺖ ﻟﻚ ﻻ ﻣﺴﺎس.ﻗﺎل )ﻣﻮﺳﻰ(: رددھﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺴﻤﻌﮫﺎ اﻟﻮﺣﻮش ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳﺔ!ﺛﻢ أﺷﺎر إﻟﻰ )ﯾﻮﺷﻊ( .ﻓﺎﻧﻄﻠﻖ )ﯾﻮﺷﻊ( وﻣﻌﻪ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﻦ ﺳﺒﻂ ﻻوي ﻳﺤﻄﻤﻮن اﻟﺘﻤﺜﺎل ﺑﺎﻟﻤﻌﺎول .و )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﻳﺠﺮي ﻛﺎﻟﻤﺠﻨﻮن وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻻ ﻣﺴﺎس! ﻻ ﻣﺴﺎس!ﺛﻢ ﺣﻤﻞ اﻟﺮﺟﺎل ﺣﻄﺎم اﻟﺘﻤﺜﺎل .وأﺣﺮﻗﻮه ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟُﻨُﺰل أﻣﺎم أﻋﯿﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ. وﺣﺎﻧﺖ ﻟﺤﻈﺔ اﻟﺤﺴﺎب اﺟﺘﻤﻊ رءوس اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻓﻲ ﺣﻀﺮة )ﻣﻮﺳﯽ( .ﻧﮑﺴﻮا ُ وأﺳﻘﻂ ﻣﺎ ﻓﻲ أﻳﺪﻳﮫﻢ .وﻋﻠﻤﻮا أﻧﮫﻢ ﻗﺪ ﺿﻠﻮا .ﻗﺪﻣﻮا )ﻋﺰرا( ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ .ﻓﻔﻀﻼ ﻋﻦ ﻛﻮﻧﻪ ﻣﻔﻮھﺎ طﯿﺒﺎ .ﻛﺎن ھﻮ ﻣﻦ ﺗﺰﻋﻢ اﻟﺜﻮرة ﺿﺪ )ھﺎرون( ﻣﻦ ﻗﺒﻞ .ﻓﻮﻗﻒ أﻣﺎم )ﻣﻮﺳﯽ( .وﻗﺎل ﻓﻲ ذﻟﺔ واﻧﻜﺴﺎر: ﻳﺎ ﻧﺒﻰ ﷲ! ﻗﺪ ُﻓﺘﻨّﺎ .وﺿﻠﻠﻨﺎ .وظﻠﻤﻨﺎ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﺑﻌﺒﺎدة اﻟﻌﺠﻞ .ﻓﺎدع ﻟﻨﺎ رﺑﻚ ﻳﻐﻔﺮﻟﻨﺎ ذﻧﻮﺑﻨﺎ .ﻓﻘﺪ اﻋﺘﺮﻓﻨﺎ ﺑﮫﺎ. ﻗﺎل )ﻣﻮﺳﯽ(: ﻧﻌﻢ ﻗﺪ ظﻠﻤﺘﻢ أﻧﻔﺴﻜﻢ ﺑﺎﺗﺨﺎذﻛﻢ اﻟﻌﺠﻞ.ﻗﺎل )ﻋﺰرا( وﻗﺪ ﺗﮫﻠﻞ وﺟﮫﻪ وظﻦ أن )ﻣﻮﺳﯽ( ﻗﺪ ﻋﻔﺎ ﻋﻨﻪ: إن ﺷﺌﺖ ﻗﱠﺪم ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﻗﺮﺑﺎﻧﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻐﻔﺮ اﻟﺮب ﻟﻨﺎ .وﻳﺘﻮب ﻋﻠﯿﻨﺎ.ﻗﺎل ﻟﻪ )ﻣﻮﺳﯽ(: أﺗﺮﻳﺪون أن ﺗﺘﻮﺑﻮا إﻟﻰ ﺑﺎرﺋﻜﻢ؟ﻗﺎل )ﻋﺰرا(: ﻧﻌﻢ.ﻗﺎل )ﻣﻮﺳﯽ(: اﻗﺘﻠﻮا أﻧﻔﺴﻜﻢ!ُﺑِﮫﺖ )ﻋﺰرا( وﻗﺎل: -ﻣﺎذا؟ ﻗﺎل )ﻣﻮﺳﯽ(: ﻛﻞ ﻣﻦ ﺳﺠﺪ ﻟﻠﻌﺠﻞ ُﻳﻘﺘﻞ .ﻓﯿﺘﻮب اﻟﺮب ﻋﻠﯿﻪ وﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ؟ﺗﺮاﺟﻊ ﻋﺰرا وﻣﻦ ﻣﻌﻪ ﻣﺬﻋﻮرﻳﻦ ﻓﻮﻗﻒ )ﻣﻮﺳﯽ( ﻋﻠﻰ ﺑﺎب اﻟﺨﯿﻤﺔ وﻧﺎدی ﻓﻲ اﻟﻨﺎس: ﻲ. ﻣﻦ ﻛﺎن ﻣﺨﻠﺼﺎ ﻟﻠﺮب ﻓﻠﯿﺄ ِت إﻟ ّ ﻓﺘﺠﻤﻊ إﻟﯿﻪ ﺳﺒﻂ ﻻوي .وﻗﺪ ﺗﻤﻨﻄﻖ ﺑﻌﻀﮫﻢ ﺑﺎﻟﺴﯿﻮف واﻟﺨﻨﺎﺟﺮ .ﻓﻘﺎل )ﻣﻮﺳﯽ(: ھﻜﺬا ﻗﺎل اﻟﺴﯿﺪ اﻟﺮب :ﻻ ﻳﺤﻨﻮ أﺣﺪ ﻣﻨﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﻗﺮﻳﺐ أو ﺑﻌﯿﺪ .ﻛﻞ ﻣﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻌﺠﻞ ُﻳﻘﺘﻞ ﻓﺘﻜﻦ ﻛﻔﺎرة ﻟﻪ وﻟﻤﻦ ﺑﻘﻲ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ. وﺷﻌﺮ ﻋﺒﺪة اﻟﻌﺠﻞ أﻧﮫﻢ ھﺎﻟﻜﻮن ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ .ﻓﺮﻓﻊ ﺑﻌﻀﮫﻢ اﻟﺴﻼح .ﺑﯿﻨﮫﺎ ﻓﺮّ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻣﻨﮫﻢ دون ﺳﻼح ھﺎرﺑﺎ ﻓﻲ طﺮﻗﺎت اﻟُﻨُﺰل .ووﻗﻌﺖ ﻣﻘﺘﻠﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺣﺔ .ﻟﻢ ﻳﻨﺞ ﻓﯿﮫﺎ رﺟﻞ أو اﻣﺮأة ﻣﻤﻦ ﻋﺒﺪوا اﻟﻌﺠﻞ ﻣﻦ اﻟﻘﺘﻞُ .ﻗﻄﻌﺖ اﻟﺮءوس واﻟﺮﻗﺎب .واﻣﺘﻸت اﻟﺴﺎﺣﺔ ﺑﺮاﺋﺤﺔ اﻟﺪﻣﺎء .وﻗﺒﻞ أن ﻳ ِ ّ ﺤﻞ اﻟﻤﺴﺎء ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺠﻮارح ﺗﺤﻠﻖ ﻓﻲ ﺳﻤﺎء اﻟُﻨُﺰل .وھﻲ ﺗﺘﻄﻠﻊ ﺑﻨﮫﻢ إﻟﻰ وﻟﯿﻤﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ آﻻف ﻗﺘﯿﻞ. ورﻏﻢ أﻧﻲ ﻟﻢ أَر ﺗﻠﻚ اﻟﻮاﻗﻌﺔ .ورﻏﻢ ﺻﻐﺮي .ﻓﺈﻧﻨﻲ ﺷﻌﺮت ﺣﯿﻨﮫﺎ ﺑﺄن إﻟﻪ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻗﺪ ﺿﺎق ذرﻋﺎ ﺑﺸﻌﺒﻪ اﻟﻤﻔﻀﻞ .وﺑﺪا أن اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺬي أﻓﺴﺪه اﻟﺘﺪﻟﯿﻞ .ﻗﺪ ﺣﻖ ﻋﻠﯿﻪ أن ﻳﺬوق ﻗﺴﻮة اﻟﻌﻘﺎب .وﻳﺎ ﻟﮫﺎ ﻣﻦ ﻗﺴﻮة! وﻟﻤﺎ ﻓﺮغ )إﻳﻠﯿﺎ( ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺜﻪ .ﺑﮑﯽ أﺑﻲ ﺑﻜﺎء ﺷﺪﻳﺪا .وﺳﺄﻟﻪ: وﻣﺎذا ﺣﻞ ب) -اﻟﺸﺎﻣﺮي(؟ﻗﺎل )إﻳﻠﯿﺎ(: أﺻﺎﺑﻪ داء ﻓﻲ ﺟﺴﺪه .ﻓﺎﻣﺘﻸ ﺟﻠﺪه ﺑﺎﻟﺒﺜﻮر .وﻓﻘﺪ ﻧﻮر ﻋﯿﻨﯿﻪ .وظﻞ ﻳﮫﯿﻢ ﻓﻲاﻟﺼﺤﺮاء وھﻮ ﻳﻘﻮل :ﻻ ﻣﺴﺎس .ﻻ ﻣﺴﺎس .ﺣﺘﻰ ﻓﻘﺪﻧﺎ أﺛﺮه. ﻗﺎل أﺑﻲ ﻣﺘﻮﺟﻌﺎ: وﻛﯿﻒ ﺣﺎل )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ(؟ﻗﺎل )إﻳﻠﯿﺎ(: ﱠ ھﺰﻟﺖ .واﻧﻜﺴﺮ ﻓﺆادھﺎ .وﻗﺪ ﺣﻠﺖ ﺿﯿﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﯿﺖ ﻣﻦ ﺑﯿﻮت رأوﺑﯿﻦ.ﻗﺎل أﺑﻲ ﺣﺰﻳﻨﺎ: ك. ﻟﮫﻔﻲ ﻋﻠﯿﻜﻲ ﻳﺎ أﺧﺘﺎه .ﻟﯿﺘﻨﻲ ﻣﺎ ﺗﺮﻛﺘﻚ ﻓﻲ اﻟُﻨُﺰل وﺣﺪ ِﺛﻢ ﻧﺎدى أﺑﻲ ﻋﻠﻰ زوﺟﺘﯿﻪ وﻗﺎل: ﻳﺎ أھﻞ اﻟﺪار اﺟﻤﻌﻮا اﻟﻤﺘﺎع .ﻓﻘﺪ آن وﻗﺖ اﻟﺮﺣﯿﻞ. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻋﺸﺮة ﻋﺪﻧﺎ إﻟﻰ وادي ﺣﻮرﻳﺐ ﻗﺒﻞ ﻣﺴﺎء اﻟﯿﻮم اﻟﺜﺎﻧﻲ .اﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻨﺎ وﺟﻮه ﻳﻜﺴﻮھﺎ اﻟﺨﺰي واﻷﻟﻢ وﻧﻔﻮس ﺗﺮزح ﺗﺤﺖ وطﺄة اﻟﺬل واﻻﻧﻜﺴﺎر .ﺗﻜﻠﻒ اﻟﻨﺎس اﻻﺑﺘﺴﺎم ﻟﻠﺘﺮﺣﯿﺐ ﺑﻘﺪوﻣﻨﺎ .وأﻓﺴﺤﻮا اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﻠﺮﺟﻞ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﻟﻢ ﺗﻘﻊ ﻋﯿﻨﺎه ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( .أﻧﺎخ أﺑﻲ اﻟﺮاﺣﻠﺔ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﻜﻮخ .ﺛﻢ أﺧﺬﻧﻲ واﻧﻄﻠﻖ إﻟﻰ دار اﺑﻦ ﻋﻤﻪ )ﻣﻼﺧﻲ( اﻟﺘﻲ ﺣﻠﺖ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ﺿﯿﻔﺔ ﺑﻌﺪﻣﺎ اﺧﺘﻔﻰ زوﺟﮫﺎ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء .ﻧﺎدي أﺑﻲ ﻋﻠﻰ أھﻞ اﻟﺪار .ﻓﺨﺮﺟﺖ إﻟﯿﻪ زوﺟﺔ ﻣﻼﺧﻲ اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ اﻷطﻮار وﻗﺪ ﻋﺼﺒﺖ رأﺳﮫﺎ ﺑﻌﺼﺎﺑﺔ ﺳﻮداء .وﺗﻌﻔﺮ وﺟﮫﮫﺎ وﺟﻠﺒﺎﺑﮫﺎ ﺑﻨﺨﺎﻟﺔ اﻟﺪﻗﯿﻖ .ﺣﯿﺎھﺎ أﺑﻲ ﻗﺎﺋﻼ: ﻣﺮﺣﺒﺎ ﻳﺎ أم )إﻟﯿﺎس( .أﯾﻦ )ﻣﻼﺧﻲ(؟ﻟﻢ ﺗﺮﺣﺐ ﺑﻨﺎ وﻛﺄﻧﻨﺎ ﻟﻢ ﺗﻔﺎرق اﻟﺤﻲ ﺷﮫﺮا .وﻗﺎﻟﺖ ﺑﺼﻮﺗﮫﺎ اﻟﺤﺎد: ھﻞ ﺟﺌﺖ ﻟﺘﺒﺤﺚ ﻋﻦ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ(؟أﺟﺎﺑﮫﺎ ﻣﺘﻠﮫﻔﺎ: ﻧﻌﻢ.أﺷﺎرت ﺑﯿﺪھﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﺼﺤﺮاء .ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ: ﺗﺨﺮج ﻣﻊ اﻟﻀﺤﻰ إﻟﻰ طﺮف اﻟﺼﺤﺮاء وﺗﻌﻮد ﻋﻨﺪ اﻟﻤﺴﺎء .ﻣﺎ زاﻟﺖ ﺗﺄﻣﻞ ﻓﻲﻋﻮدة زوﺟﮫﺎ اﻟﻤﻌﺘﻮه .ﻟﻌﻨﺔ اﻟﺮب ﻋﻠﯿﻪ؟ رأﻳﺖ اﻷﻟﻢ ﻳﻌﺘﺼﺮ وﺟﻪ أﺑﻲ .ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﺣﺰن: وأﻳﻦ )ﻣﻼﺧﻲ(؟ﻗﺎﻟﺖ: ﻗﺪ ذھﺐ ﻣﻊ اﻟﺮﺟﺎل إﻟﻰ ﺧﯿﻤﺔ اﻟﻜﻠﯿﻢ .ﻳﻘﻮﻟﻮن إن )ﻣﻮﺳﯽ( ﺳﯿﺨﺘﺎر ﻣﻦاﻷﺳﺒﺎط ﺳﺒﻌﯿﻦ رﺟﻼ .ﺳﯿﺼﻌﺪ ﺑﮫﻢ إﻟﻰ ﺟﺒﻞ اﻟﺮب ﻟﻼﻋﺘﺬار ﻋﻦ ﻋﺒﺎدة اﻟﻌﺠﻞ. ﺗﻌﺠﺐ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺜﮫﺎ وأراد أن ﻳﺴﺘﻮﺿﺤﮫﺎ أﻛﺜﺮ .وﻟﻜﻨﮫﺎ أﺷﺎرت إﻟﻰ اﻣﺮأة ﺗﺮﺗﺪي اﻟﺴﻮاد .دﺧﻠﺖ ﻗﺒﺎﻟﺘﻨﺎ ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺤﻲ وﻗﺎﻟﺖ: ھﺎ ﻗﺪ ﻋﺎدت )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ(ﻓﺎﻟﺘﻔﺘﻨﺎ ورأﻳﻨﺎھﺎ ..اﻣﺮأة ﺗﺮﻓﻞ ﻓﻲ رداء أﺳﻮد .ﺷﺪﻳﺪ اﻻﺗﺴﺎخ .وﻗﺪ اﻧﺤﻨﻰ ظﮫﺮھﺎ .وﻧﺤﻒ ﺟﺴﺪھﺎ .وﺑﺪت أﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﻋﻤﺮھﺎ ﺑﻌﺸﺮات اﻷﻋﻮام .ﻟﻢ أر ﺣﺰﻧﺎ وﺷﻔﻘﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ أﺑﻲ ﻣﺜﻠﻤﺎ رأﻳﺖ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ .ﺳﺎﻟﺖ دﻣﻮﻋﻪ ﻓﯿﺎﺿﺔ. ﺣﯿﻨﻤﺎ رأى أﺧﺘﻪ اﻟﻮﺣﯿﺪة .وﻗﺪ وطﺌﺘﺎ أﻗﺪام اﻟﻘﺪر .ﻓﺘﺒﺪل ﻏﻨﺎھﺎ ﻓﻘﺮا .وﻋﺰھﺎ ذﻻ، وﺗﺤﻄﻢ ﻛﺒﺮﻳﺎؤھﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﺨﺮة اﻟﻔﺎﻗﺔ واﻟﺠﻮع. ھﺮول أﺑﻲ ﻧﺤﻮھﺎ وﻧﺎداھﺎ: ﺖ وأﻣﻲ ﻳﺎ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ(! ﻚ ﻳﺎ أﺧﺘﺎه .ﺑﺄﺑﻲ أﻧ ِ ﻟﮫﻔﻲ ﻋﻠﯿ ِاﻧﺘﺒﮫﺖ إﻟﯿﻪ .ﺗﻤﻌﻨﺖ ﻓﻲ وﺟﮫﻪ ﻟﺤﻈﺎت .وﻛﺄﻧﮫﺎ ﻻ ﺗﺼﺪق أﻧﮫﺎ ﺗﺮاه .ﺛﻢ أﻟﻘﺖ ﺑﻨﻔﺴﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﺪره ﺑﺎﻛﯿﺔ .واﻧﺘﺤﺒﺖ ﻓﻲ ﺷﺠﻮن وھﻲ ﺗﻘﻮل ﻣﻦ ﺑﯿﻦ دﻣﻮﻋﮫﺎ: آآه ﯾﺎ )زﺧﺎري( .ﺧﺴﺮت أﺧﺘﻚ زوﺟﮫﺎ وﺣﯿﺎﺗﮫﺎ .وﺳﺌﻤﺖ اﻟﻌﯿﺶ .ﺣﺘﯽ ﺻﺎراﻟﻤﻮت أﻗﺼﻰ أﻣﺎﻧﯿﮫﺎ. اﺣﺘﻀﻨﮫﺎ ﺑﺎﻛﯿﺎ وﻗﺎل: ﻚ اﻟﺮب ﯾﺎ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( .ھﻮﻧﻲ ﻋﻠﯿﻚ .ﻓﺈﻧﮫﺎ ھﻲ اﻷﻗﺪار .وﻻ ﻳﻈﻠﻢ رﺑﻨﺎ ﺣﻔﻈ ِأﺣﺪا. ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺘﺮﺟﯿﺔ: ادغ اﻟﺮب ﻟﻨﺎ ﻳﺎ )زﺧﺎري( .ﻓﺄﻧﺖ رﺟﻞ ﺻﺎﻟﺢ .أﻧﻪ أن ﻳﻘﻀﻲ ﻋﻠﻲ وﻋﻠﻰ)اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﺑﺎﻟﻤﻮت .ﻓﺈﻧﻨﻲ أﻣﻮت ﻓﻲ اﻟﯿﻮم ﻣﺎﺋﺔ ﻣﺮة ﻛﻠﻤﺎ ﺗﺬﻛﺮﺗﻪ ھﺎﺋﻤﺎ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء .ﻳﻔﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻛﻠﻤﺎ اﻗﺘﺮﺑﻮا ﻣﻨﻪ وﻳﻘﻮل :ﻻ ﻣﺴﺎس. رﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﮫﺎ وﻗﺎل: ﺑﻞ أدﻋﻮه أن ﻳﻐﻔﺮ ﻟﻨﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎ .ﺛﻢ ﺳﺤﺒﮫﺎ ﻣﻦ ﻳﺪھﺎ ﻗﺎﺋﻼ:ﻚ إﻻ ﻓﻲ دار أﺧﯿﻚ. ھﯿﺎ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( .ﻓﻼ ﻣﻘﺎم ﻟ ِﺗﺮددت ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء .ﻓﻘﺎل ﻣﺸﺠﻌﺎ: ھ ّ ھﯿﺎ أﺧﺘﺎه .وﻻ ﺗﺤﻤﻠﻲ َﻢ )روﻣﺎﻧﺎ( .ﻓﺈن ﻓﻲ ﻗﻠﺒﮫﺎ رﺣﻤﺔ .ﻟﻮ وزﻋﺖ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻟﻜﻔﺘﮫﻢ! ﻓﺘﺒﻌﺘﻪ إﻟﻰ اﻟﺪار .واﺟﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﻛﻮﺧﻨﺎ ﻧﺴﺎء ﺛﻼث .ﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﯿﺠﻤﻌﮫﻦ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﺎﻗﻀﮫﻦ ﺳﻮی ﻗﻠﺐ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﺎﻟﺼﺪق .ﻣﺜﻞ ﻗﻠﺐ زﺧﺎري( .واﻣﺮأة ﺷﺪﻳﺪة اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻣﺜﻞ )روﻣﺎﻧﺎ(. وﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ اﺟﺘﻤﻊ اﻟﺸﻌﺐ ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟُﻨُﺰل .ﻓﻘﺪ اﺧﺘﺎر )ﻣﻮﺳﯽ( ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﺳﺒﻌﯿﻦ رﺟﻼ وﻣﻌﮫﻢ )ھﺎرون( ووﻟﺪاه )ﻧﺎداب( و )أﺑﯿﮫﻮ( .ﺣﺘﯽ ﻳﺼﻌﺪوا إﻟﻰ اﻟﺠﺒﻞ ﻟﻄﻠﺐ اﻟﻤﻐﻔﺮة ﻟﺒﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ .واﻻﻋﺘﺬار ﻋﻦ ﻓﺘﻨﺔ اﻟﻌﺠﻞ. أﻣﺮھﻢ )ﻣﻮﺳﯽ( أن ﻳﻐﺘﺴﻠﻮا وأن ﻳﻄﮫﺮوا ﺛﯿﺎﺑﮫﻢ .وأن ﻳﺼﻮﻣﻮا ﻋﻦ اﻟﻄﻌﺎم واﻟﺸﺮاب .وأﻻ ﻳﻜﻒ ﻟﺴﺎن اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﮫﻢ ﻋﻦ اﻟﺘﻮﺑﺔ واﻻﺳﺘﻐﻔﺎر .وودع اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺒﻌﺜﺔ اﻟﻤﺒﺎرﻛﺔ ﺑﺎﻟﺪﻋﺎء واﻷﻣﻨﯿﺎت اﻟﻄﯿﺒﺔ. ورأﻳﺖ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺨﺘﺎرﻳﻦ ﻟﻠﻤﯿﻘﺎت )ﻣﻼﺧﻲ( وأﺑﻲ .ﻳﺴﯿﺮ ﻣﺨﺘﺎﻻ ﻓﺮ ً ﺣﺎ وزوﺟﺘﻪ ﻏﺮﻳﺒﺔ اﻷطﻮار أم )إﻟﯿﺎس( ﺗﻮدﻋﻪ ﺑﺎﻟﺰﻏﺎرﻳﺪ وﺗﻘﻮل ﻟﻪ: ھﻨﯿﺌﺎ ﻟﻚ رؤﻳﺔ اﻟﺮب ﯾﺎ )ﻣﻼﺧﻲ(!! ھﻨﯿﺌﺎ ﻟﻚ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ رأوﺑﯿﻦ!!وﺗﺠﺎوزت ﺑﻌﺜﺔ اﻻﺳﺘﻐﻔﺎر اﻟﻮادي اﻟﻤﻘﺪس ووﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﺳﻔﺢ اﻟﺠﺒﻞ .ﻓﺄوﻗﻔﮫﻢ )ﻣﻮﺳﯽ( ﻋﻨﺪ ﺳﻔﺢ اﻟﺠﺒﻞ اﻟﻤﻘﺪس .وطﻠﺐ ﻣﻨﮫﻢ أن ﻳﺴﺠﺪوا ﻟﻠﺮب .وأﻻ ﻳﻜﻔﻮا ﻋﻦ طﻠﺐ اﻟﻌﻔﻮ .واﻟﻤﻐﻔﺮة ﻣﮫﺎ ﺣﺪث وﻣﮫﺎ ﺳﻤﻌﻮا .ﻓﻲ ﺣﯿﻦ ﺳﯿﺼﻌﺪ ھﻮ إﻟﻰ ﻗﻤﺔ اﻟﺠﺒﻞ اﻟﻤﻨﺎﺟﺎة رﺑﻪ .واﻻﺳﺘﻐﻔﺎر ﻟﮫﻢ .وﻧﮫﺎھﻢ ﻋﻦ ﺗﺘﺒﻌﻪ .أو أن ﻳﺒﺮح أﺣﺪ ﻣﻨﮫﻢ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺄذن اﻟﺮب ﻟﻪ. ﻳﻘﻮل )ﻣﻼﺧﻲ(: ﻓﻔﻌﻠﻨﺎ ﻣﺜﻠﻤﺎ أﻣﺮ )ﻣﻮﺳﯽ( .وظﻠﻠﻨﺎ ﻧﻠﮫﺞ ﺑﺎﻟﺪﻋﺎء واﻻﺳﺘﻐﻔﺎر .وﻣﺮت اﻟﺴﺎﻋﺎتﺣﺘﻰ ﺟﺎوزت اﻟﺸﻤﺲ ﺳﻔﺢ اﻟﺠﺒﻞ .وﺑﺪأ اﻟﺠﻮ ﻳﺒﺮد .واﻟﺴﺤﺎب ﻳﺘﺜﺎﻗﻞ ﻋﻠﻰ ﻗﻤﺔ اﻟﺠﺒﻞ .وﻟﻢ ﻧﻠﺒﺚ أن رأﻳﻨﺎ ﺑﺮوﻗﺎ وﺳﻤﻌﻨﺎ رﻋﻮدا ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﺨﺎف اﻟﻨﺎس وارﺗﻌﺒﻮا .ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺼﻮاﻋﻖ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻨﺎ .وﺻﻮت اﻟﺮﻋﺪ ﻳﺰﻟﺰل اﻟﺠﺒﻞ ﻣﻦ أﺳﻔﻠﻨﺎ .ﻓﺸﺪد )ھﺎرون( ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻗﺎﺋﻼ: ﻻ ﻳﺒﺮﺣﻦ اﺣﺪﮐﻢ ﻣﻜﺎﻧﻪ .وﻻ ﺗﻜﻔﻮا ﻋﻦ اﻟﺘﺴﺒﯿﺢ واﻻﺳﺘﻐﻔﺎر.ﻓﮫﻤﺲ إﻟﻰ )ﺷﺎﻓﺎط ﺑﻦ ﺣﻮري( ﻣﻦ ﺳﺒﻂ )ﺷﻤﻌﻮن( وﻛﺎن ﻳﺠﺎورﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻮد ﻗﺎﺋﻼ: ھﻞ أﺗﻰ اﻟﺮب إﻟﻰ اﻟﺠﺒﻞ؟ھﻤﺴﺖ إﻟﯿﻪ ﻗﺎﺋﻼ: ﻻ أدري؟ﺟﺎء ﺻﻮت )ﻧﺤﯿﺎ( ﻣﻦ وراﺋﻨﺎ ﻣﺸﺎرﻛﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﮫﺎﻣﺲ: ﻻ ﺑﺪ أﻧﻪ ﻣﻮﻛﺐ اﻟﺮب .أﻻ ﺗﺴﻤﻌﻮن ﺻﻮت اﻟﺮﻋﺪ اﻟﺬي ﻳﺸﺒﻪ ﺻﻮت اﻷﺑﻮاق.ﻗﺎل )ﺷﺎﻓﺎط( ﻣﺘﻤﻨﯿﺎ: ﻟﯿﺘﻪ ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻟﻨﺎ ﺟﮫﺮة .إذن ﻷﺻﺎﺑﻨﺎ ﻓﻀﻞ ﻟﻢ ﻳﻨﺎﻟﻪ أﺣﺪ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ.ﻓﻘﻠﺖ ﻣﺘﺸﮑ ً ﻜﺎ: ﻗﺪ أﺗﯿﻨﺎ ﻟﻼﻋﺘﺬار وطﻠﺐ اﻟﻤﻐﻔﺮة .ﻓﮫﻞ ﻳﺘﺠﻠﻰ اﻟﺮب ﻋﻠﻰ ﻗﻮم ﻣﻦ اﻟﻌﺼﺎة؟! ﻗﺎل )ﻧﯿﻤﯿﺎ(: وﻣﺎ اﻟﻀﺮر إذا ﺳﺄﻟﻨﺎھﺎ ﻛﻤﺎ ﺳﺄﻟﮫﺎ )ﻣﻮﺳﯽ(؟! أﻟﻢ ﻳﺴﺄل )ﻣﻮﺳﯽ( رﺑﻪ أنﻳﺘﺠﻠﻰ ﻟﻪ؟ ﻗﺎل )ﺷﺎﻓﺎط(: ﺑﻠﯽ! وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻘﻮّ ﻋﻠﻰ رؤﻳﺘﻪ.ﻗﺎل )ﺷﺎﻓﺎط(: ﻧﺤﻦ ﺳﺘﺮاه ..ﻓﻤﮫﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﻮة )ﻣﻮﺳﯽ( .ﻓﮫﻲ ﻟﻦ ﺗﺒﻠﻎ ﻗﻮة ﺳﺒﻌﯿﻦ رﺟﻼﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ. ﺟﺎءﻧﺎ ﺻﻮت )ﻣﺎﺋﯿﺮ( ﺧﻔﯿﻔﺎ ﻟﺌﯿﻤﺎ ﻛﺎﻟﻔﺤﯿﺢ: وﺣﯿﻨﮫﺎ ﺳﻨﻌﻠﻢ إن ﻛﺎن )ﻣﻮﺳﯽ( ﺻﺎدﻗﺎ .أم ﻛﺎذﺑﺎ..ُﺑﮫﺖ اﻟﺴﺎﻣﻌﻮن ﻣﻦ ﮐﻼم )ﻣﺎﺋﯿﺮ( .وﺗﻼﻗﺖ ﻧﻈﺮاﺗﮫﻢ ﻓﻲ ﺗﻮﺟﺲ .وﻗﻠﺖ أﻧﺎ ﻣﺴﺘﻨﻜﺮا: ﺣﺬار ﺑﺎ رﺟﺎل .ﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﺣﻀﺮة اﻟﺮب وﻻ ﺑﺪ أﻧﻪ ﻳﺴﻤﻌﻨﺎ وﻳﺮاﻧﺎ.. ﻗﺎل )ﻣﺎﺋﯿﺮ( ﻓﻲ ﻟﮫﺠﺔ ذات ﻣﻐﺰی: ﻻ ﺗﺨﻒ .ﻓﺎﻟﺮب ﻳﺴﺘﻤﻊ ﻓﻘﻂ ﻟﻤﻮﺳﯽ وﻳﺮاه!ﺛﻢ أردف: وﻳﻮﺣﻲ إﻟﯿﻪ ﺑﻘﺘﻞ ﺛﻼﺛﺔ آﻻف ﻣﻦ رﺟﺎﻟﻨﺎ..ادارت ﮐﻠﻤﺎﺗﻪ رءوس اﻟﺮﺟﺎل .وأﻟﻘﺖ ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺳﮫﻢ اﻟﺴﺎﻛﻨﺔ ﺑﺄﺣﺠﺎر ﻣﻦ اﻟﺸﻚ. ﻓﺴﻜﺘﺖ ھﻤﮫﻤﺎت اﻟﺘﺴﺎﺑﯿﺢ واﻻﺳﺘﻐﻔﺎر .وﺷﻌﺮ )ھﺎرون( ﺑﺬﻟﻚ ﻓﻨﺎدی ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻮم: اﺳﺄﻟﻮا اﻟﺮب أن ﻳﺮﻓﻊ ﻣﻘﺘﻪ وﻏﻀﺒﻪ ﻋﻨﺎ .وﻻ ﺗﻐﻔﻠﻮا ﻋﻦ اﻟﺘﺴﺒﯿﺢ واﻻﺳﺘﻐﻔﺎر.وﻟﻢ ﺗﻤﺾ دﻗﺎﺋﻖ ﺣﺘﻰ ﺳﻜﻨﺖ اﻟﺴﻤﺎء .واﻧﻘﺸﻌﺖ اﻟﺴﺤﺐ .وﺗﻮﻗﻔﺖ اﻟﺮﻋﻮد اﻟﺒﺮوق .وﻋﺎدت اﻟﺸﻤﺲ ﻟﻠﻈﮫﻮر .ﺛﻢ ﺗﻠﺘﮫﺎ ﺳﺎﻋﺔ أﺧﺮى .ﻗﺒﻞ أن ﻧﺮى )ﻣﻮﺳﯽ( ھﺎﺑﻄﺎ ﻣﻦ ﻓﻮق ﻗﻤﺔ اﻟﺠﺒﻞ إﻟﻰ اﻟﺴﻔﺢ .وﻗﺪ ﺗﮫﻠﻞ وﺟﮫﻪ .وﺑﺪا ﻋﻠﯿﻪ اﻟﻔﺮح واﻟﺤﺒﻮر .وﺣﯿﻨﻤﺎ وﺻﻞ إﻟﻰ اﻟﺴﻔﺢ ﺑﺎدرﻧﺎ ﺑﺎﻟﺒﺸﺮى ﻗﺎﺋﻼ: أﺑﺸﺮوا! أﺑﺸﺮوا! ﻗﺪ ﻏﻔﺮ اﻟﺮب ﻟﺒﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ .وﺗﺠﺎوز ﻋﻦ ﻓﺘﻨﺔ اﻟﻌﺠﻞ.ھﻠﻞ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺸﺎﻳﺦ ﻓﺮﺣﯿﻦ .وﻛﺒ ّﺮ )ھﺎرون( ووﻟﺪاه .ﺛﻢ ﺧﺮوا ﻟﻠﺮب ﺳﺎﺟﺪﻳﻦ. وﺑﻌﺪ أن ھﺪأت اﻟﺠﻠﺒﺔ .ﻗﺎل )ﻣﺎﺋﯿﺮ( ﻣﺘﺨﺎﺑﺜﺎ: وددﻧﺎ ﻟﻮ ﺳﻤﻌﻨﺎھﺎ ﺑﺂذاﻧﻨﺎ ﮐﻤﺎ ﺳﻤﻌﺘﮫﺎ أﻧﺖ ﻳﺎ ﻧﺒﻲ ﷲ.ﻟﻢ ﻳﻌﻠﻖ )ﻣﻮﺳﯽ( .ﻓﻘﺎل )ﺷﺎﻓﺎط(: وﷲ ﻟﻘﺪ اﺳﺘﺒﺸﺮﻧﺎ ﺧﯿﺮا ﺣﯿﻨﻤﺎ رأﻳﻨﺎ ﻣﻮﻛﺐ اﻟﺮب ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء .وﺳﻤﻌﻨﺎأﺻﻮات رﻋﺪه .وأﻧﻮار ﺑﺮﯾﻘﻪ. ﻗﺎل )ﻣﻮﺳﯽ(: ﻟﯿﺲ ھﺬا ﺑﻤﻮﻛﺐ اﻟﺮب .إﻧﻤﺎ اﻟﺮﻋﺪ واﻟﺒﺮق ﺟﻨﺪﻳﺎن ﻣﻦ ﺟﻨﻮده .وﻟﺘﻌﻠﻢ ﯾﺎ)ﺷﺎﻓﺎط( أﻧﻪ ﻻ ﻳﺮى ﻣﻮﻛﺐ اﻟﺮب إﻧﺴﺎن ﻓﯿﻌﯿﺶ.. ﻗﺎل )ﻧﺤﯿﺎ( ﻓﻲ ﺳﺬاﺟﺔ: ﻳﺎ ﻧﺒﻲ ﷲ ﻗﺪ وﻋﺪﺗﻨﺎ ﺑﺎﻟﻤﻐﻔﺮة ﻣﻦ ﻗﺒﻞ .وأﻣﺮﺗﻨﺎ ﺑﺄن ﻳﻘﺘﻞ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﺑﻌﻀﺎ ﺣﺘﻰﻳﺘﻮب ﷲ ﻋﻠﯿﮫﻢ .ﻓﻘﺘﻞ اﻷخ أﺧﺎه .وﻗﺘﻞ اﻷب اﺑﻨﻪ .وظﻨﻨﺎ أن ﷲ ﻗﺪ ﻏﻔﺮ ﻟﻨﺎ ذﻟﻚ .ﺛﻢ أﻣﺮﺗﻨﺎ ﺑﺎﻟﺼﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﺠﺒﻞ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻮب اﻟﺮب ﻋﻠﯿﻨﺎ .ﻓﮫﻼ أﺳﻤﻌﺘﻨﺎ ﻋﻔﻮ اﻟﺮب ﺑﺂذاﻧﻨﺎ؟ ﻏﻀﺐ )ﻣﻮﺳﯽ( وﻗﺎل: أﺗﻜﺬﺑﻮﻧﻨﻲ ﻓﯿﻤﺎ أﻗﻮل؟ﻗﺎل )ﺷﺎﻓﺎط(: أﻳﮫﺎ اﻟﻜﻠﯿﻢ .وﻟﻜﻦ ﻟﺘﻄﻤﺌﻦ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ .وﻻ ﺗﻐﻀﺐ! ﻓﻘﺪ ﺳﺄﻟﺖ أﻧﺖ رﺑﻚ ﺣﺎﺷﺎﻣﺎ ھﻮ أﻛﺒﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ. وﻣﻀﺖ اﻟﺴﻤﺎء ﺑﺴﻨﺎ ﺑﺮق ﺧﺎطﻒ ﺛﻢ أرﻋﺪت ﻟﺤﻈﺎت .ﺛﻢ ﻗﺎل )ﻣﻮﺳﯽ( ﻓﻲ ﻏﻀﺐ: ﻗﺪ ﺳﺄﻟﺘﮫﺎ وﻗﻠﺒﻲ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﺎﻹﻳﻤﺎن .أﻣﺎ أﻧﺘﻢ ﻓﺘﺴﺄﻟﻮﻧﮫﺎ وﻗﻠﻮﺑﻜﻢ ﻣﻸى ﺑﺎﻟﺸﻚ!ﻗﺎل )ﻣﺎﺋﯿﺮ( وﻗﺪ ﻛﺸﻒ ﻋﻦ وﺟﮫﻪ اﻟﻘﺒﯿﺢ: وﻛﯿﻒ ﻳﺆﻣﻦ اﻟﻤﺮء ﺑﻤﺎ ﺗﻜﺬﺑﻪ ﻋﯿﻨﺎه!!ﻗﺎل )ﻣﻮﺳﯽ( ﻣﺤﺘًﺪا: وﻣﺎذا أﻧﮑﺮت ﻋﯿﻨﺎك ﻳﺎ )ﻣﺎﺋﯿﺮ(؟ﻗﺎل )ﻣﺎﺋﯿﺮ(: ﺗﺮﻛﺘﻨﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﺴﻔﺢ .وﺻﻌﺪت وﺣﺪك إﻟﻰ اﻟﺠﺒﻞ .ﺛﻢ ﻋﺪت ﻟﺘﺨﺒﺮﻧﺎ أناﻟﺮب ﻗﺪ ﺗﺤﺪث إﻟﯿﻚ وﻏﻔﺮ ﻟﺒﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ .ﻓﻜﯿﻒ ﻧﺸﮫﺪ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ وﻧﺤﻦ ﻟﻢ ﻧﺴﻤﻊ ﻟﻪ ﺻﻮﺗﺎ .وﻟﻢ ﻧﺮ ﻟﻪ أﺛﺮا. اﺷﺘﺪت اﻟﺒﺮوق واﻟﺮﻋﻮد ،وﺟﺎء ﺻﻮت )ﻣﻮﺳﻰ( ھﺎدًرا: َ -وْﻳ َﺤُﻜﻢ!! إﻧﻜﻢ ﺳﻔﮫﺎء ﺑﻼ ﻋﻘﻮل ،أﺑﻌﺪ اﻟﻤﻐﻔﺮة ﺗﻨﻜﺜﻮن؟ ﻗﺎل )ﻣﺎﺋﯿﺮ( ﻣﺘﺤﺪﻳًﺎ وﻗﺪ اﻧﻌﻜﺴﺖ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ أﻧﻮار اﻟﺒﺮق اﻟﺘﻲ ﻣﻸت اﻟﺴﻤﺎء: اﺳﻤﻊ ﻳﺎﺑﻦ ﻋﻤﺮان ﻗﺪ ﺻﺪﻗﻨﺎك ﻓﯿﻤﺎ ﻣﻀﻰ ،أﻣﺎ اﻵن ﻓﻠﻦ ﻧﺆﻣﻦ ﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻧﺮىﷲ ﺟﮫﺮة ،و ...ﻟﻢ ﻳﻜﻤﻞ )ﻣﺎﺋﯿﺮ( ﺣﺪﻳﺜﻪ ،وﻟﻢ ﻧﺸﮫﺪ ﻧﺤﻦ ﻣﺎ ﺣﺪث ﺑﻌﺪھﺎ ،ﻓﻘﺪ اﻧﻘﻀﺖ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﺻﺎﻋﻘﺔ اﻟﺒﺮق ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ،اﻧﺘﻔﺾ ﺟﺴﺪي ﻛﻠﻪ ﻛﻤﻦ ﻟﺴﻌﺘﻪ ﻣﺌﺎت اﻟﺴﯿﺎط ،وﺳﻘﻄ ُ ﺖ ﺻﺮﻳًﻌﺎ وﻣﻌﻲ ﺳﺒﻌﻮن رﺟًﻼ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻓﻲ اﻟﺘﻮ واﻟﻠﺤﻈﺔ. ﻛﻢ ﻣﻀﻰ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ؟ ﻟﻢ ﻧﺪِر ،وﻟﻜﻦ )ھﺎرون( أﺧﺒﺮﻧﺎ ﺑﻤﺎ ﺣﺪث أﺛﻨﺎء ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ أﺻﺎﺑﻪ اﻟﺬھﻮل ،وﻛﺎد أن ﻳﺴﻘﻂ ﻣﻐﺸﯿﺎ ﻋﻠﯿﻪ ﺣﯿﻨﻤﺎ رأى ﺳﺒﻌﯿﻦ رﺟًﻼ ﻣﻦ ﺷﯿﻮخ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻳﺴﻘﻄﻮن ﺻﺮﻋﻰ ﻓﻲ ﻟﻤﺢ اﻟﺒﺼﺮ ،أﻣﺎ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻓﻘﺪ ﺟﺜﻰ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﯿﻪ ،واﻧﮫﺎر ﺑﺎﻛﯿًﺎ ،ﻟﻢ ﻳﺼﺪق أن ﻳﺤﺪث ھﺬا ﺑﻌﺪ أن ﻧﺎل اﻟﻌﻔﻮ ﻣﻦ اﻟﺮب ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ، وﺑﺪًﻻ ﻣﻦ أن ﻳﻌﻮد إﻟﻰ ﺷﻌﺒﻪ ﺑﺎﻟﺒﺸﺮى ،ﺳﯿﻌﻮد إﻟﯿﮫﻢ ﺑﺠﺜﺎﻣﯿﻦ ﺷﯿﻮﺧﮫﻢ ﺻﺮﻋﻰ ﻣﺮة أﺧﺮى ،رﻓﻊ ﻳﺪﻳﻪ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء ،وﻋﻼ ﺻﻮت ﺗﻀﺮﻋﻪ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﺣﺘﻰ ﻓﺎق ﺻﻮت اﻟﺮﻋﺪ وظﻞ ﻳﺼﺮخ ﻓﻲ رﺟﺎء: إﻟﮫﻲ ،رﺟﻮﺗﻚ أن ﺗﻐﻔﺮ ﻟﮫﻢ ﺧﻄﯿﺌﺘﮫﻢ وإﻻ ﻓﻠﺘﻤﺤﻨﻲ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﻚ اﻟﺬي ﻛﺘﺒﺖ،ﻓﻐﻔﺮت ﻟﮫﻢ ،وﻗﺒﻠﺘﮫﻢ ﻛﻤﺎ ﻗﺒﻠﺘﮫﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ. أﻟﻢ ﺗﻨﺠﮫﻢ ﻣﻦ ﺳﻨﺎﺑﻚ اﻟﻔﺮﻋﻮن؟ أﻟﻢ ﺗﻨﺠﮫﻢ ﻣﻦ اﻟﻐﺮق ﻓﻲ اﻟﯿﻢ؟ أﻟﻢ ﺗﻨﺠﮫﻢ ﻣﻦ اﻟﮫﻼك ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ؟ إن ﺷﺌﺖ أھﻠﻜﺘﮫﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ وإﻳﺎي أﺗﮫﻠﻜﻨﺎ اﻵن ﺑﻤﺎ ﻓﻌﻞ ھﺆﻻء اﻟﺴﻔﮫﺎء ﻣﱠﻨﺎ؟ أﻟﯿﺴﺖ ھﻲ ﻓﺘﻨﺘﻚ ﺗﻀﻞ ﺑﮫﺎ ﻣﻦ ﺗﺸﺎء وﺗﮫﺪي ﺑﮫﺎ ﻣﻦ ﺗﺸﺎء؟ اﻏﻔﺮ ﻟﻨﺎ أﻳﮫﺎ اﻟﺴﯿﺪ وارﺣﻤﻨﺎ ،اﻏﻔﺮ ﻟﻨﺎ ﻓﺄﻧﺖ ﺧﯿﺮ اﻟﻐﺎﻓﺮﻳﻦ. وظﻞ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻳﺒﻜﻲ وﻳﺘﻀﺮع ﺣﺘﻰ ارﺗﺠﻔﺖ أﺟﺴﺎدﻧﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى ،وأﻓﻘﻨﺎ ﻣﻦ ﺻﺮﻋﺘﻨﺎ ،وﻗﺪ ﻋﻠﻤﻨﺎ أن اﻟﺮب إﻟﻪ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،ﻗﺪ ﺻﺎر ﻋﺪﻟﻪ أﻗﺮب إﻟﯿﻨﺎ ﻣﻦ رﺣﻤﺘﻪ! ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻋﺸﺮة وﺑﺪأ اﻟﻌﺎم اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ اﻟﺨﺮوج ﺑﺤﺪث ﻣﺜﯿﺮ ﻓﻲ ﻛﻮﺧﻨﺎ اﻟﺼﻐﯿﺮ ،ﻓﻘﺪ أﻧﺠﺒﺖ اﻟﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف( ﺑﻨًﺘﺎ ﺟﻤﯿﻠﺔ ،أﺳﻤﺎھﺎ أﺑﻲ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ،واﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻲ ﻓﻲ ﻟﻐﺘﻨﺎ )أﻣﺔ ﷲ(، ﻛﺎﻧﺖ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﻓﺎﺋﻘﺔ اﻟﺤﺴﻦ ،ﻣﺜﻞ أﻣﮫﺎ )ﺳﻮﻻف( ،ﺑﯿﺎﺿﮫﺎ ﻛﻔﻠﻘﺔ اﻟﺼﺒﺢ ،وﻋﯿﻨﺎھﺎ ﻓﻲ زرﻗﺔ اﻟﺴﻤﺎء ووﺟﮫﮫﺎ ﻻ ﻳﻜﻒ ﻋﻦ اﻻﺑﺘﺴﺎم ،ﻻ ﺗﻨﻔﺮ ﻣﻦ اﻟﻐﺮﺑﺎء ،وﺗﺴﺘﺠﯿﺐ ﻟﻜﻞ ﻣﺪاﻋﺐ ﺑﻤﻨﺎﻏﺎٍة وﺿﺤﻜﺎت ﺗﺮﻗﻖ اﻟﻘﻠﻮب ،وﺗﻤﻸ اﻟﻮﺟﺪان ﻓﺮ ً ﺣﺎ وﺑﮫﺠﺔ، وأﺛﺎرت اﻟﻄﻔﻠﺔ اﻟﺤﺴﻨﺎء ﻣﺸﺎﻋﺮ ﺷﺘﻰ ﻓﻲ ﻧﻔﻮس ﻧﺴﺎء اﻟﺪار ،ﻓﻘﺪ ﺷﻌﺮت أﻣﻲ )روﻣﺎﻧﺎ( اﻟﺘﻲ اﻧﻘﻄﻊ ﺣﻤﻠﮫﺎ ﺑﻌﺪﻣﺎ أﻧﺠﺒﺘﻨﻲ ﺑﺎﻟﻐﯿﺮة واﻟﺤﻨﯿﻦ إﻟﻰ اﻟﻮﻟﺪ، وازدادت اﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ﺣﺰﻧًﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﮫﺎ وﻋﺰﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﺪار ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﻜﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﯿﺒﺘﮫﺎ اﻟﺘﻲ أﺻﺎﺑﺘﮫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺒﺮ وﺗﺮﻛﺘﮫﺎ ﺑﻼ زوج وﻻ وﻟﺪ ،أﻣﺎ )ﺳﻮﻻف( ﻓﻘﺪ أﺻﺎﺑﺘﮫﺎ اﻟﻔﺮﺣﺔ ﺑﻄﻔﻠﺘﮫﺎ -اﻟﺘﻲ ﺟﺎءت ﺑﻌﺪ طﻮل اﺷﺘﯿﺎق -ﺑﮫﻮس اﻟﺨﻮف ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺿﯿﻌﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺨﺸﻰ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺮد واﻟﺤﺮ واﻹﻧﺴﺎن واﻟﺤﯿﻮان ،ﺑﻞ ﺻﺎرت ﺗﺨﺸﻰ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﮫﺎ ،وﺗﺴﺒﺐ ذﻟﻚ اﻟﺨﻮف ﻓﻲ ﻣﺸﺎﺣﻨﺎت ﺷﺘﻰ ﺑﯿﻨﮫﺎ وﺑﯿﻦ اﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ،وﻓﺘﻮر ﺑﯿﻨﮫﺎ وﺑﯿﻦ واﻟﺪﺗﻲ )روﻣﺎﻧﺎ( ،واﺳﺘﺒﺪ اﻟﻘﻠﻖ ﺑﮫﺎ ﺣﺘﻰ أﺻﺎﺑﮫﺎ اﻟﺸﻚ ﻓﯿﻤﻦ ﺣﻮﻟﮫﺎ ﺑﺎﻟﺠﻨﻮن وﺳﻮء اﻟﻈﻦ ،ﻋﺪﻧﺎ أﻧﺎ وأﺑﻲ ذات ظﮫﯿﺮة إﻟﻰ اﻟﻜﻮخ ،ﻓﺎﺳﺘﻘﺒْﻠَﻨﺎ ﺻﺮا ٌ خ ﻳﻤﺘﺪ إﻟﻰ طﺮف اﻟﺤﻲ ،وﻗﺪ ﺗﺠﻤﮫﺮ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺴﻮة أﻣﺎم اﻟﻜﻮخ ،دﺧﻞ أﺑﻲ ﻓﻮﺟﺪ اﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ﺗﺒﻜﻲ ﻓﻲ اﻧﮫﯿﺎر ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻣﻲ ﺗﺤﺘﻀﻨﮫﺎ ﻣﻮاﺳﯿﺔ ،و)ﺳﻮﻻف( ﺗﺼﺮخ ﻛﺎﻟﻨﻤﺮة اﻟﮫﺎﺋﺠﺔ ،وﻧﺴﺎء اﻟﺤﻲ ﻳﻤﻨﻌﻨﮫﺎ ﻋﻦ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ﻓﻲ ﺻﻌﻮﺑﺔ ،ﺻﺮخ أﺑﻲ ﻧﺎھًﺮا: ﻛﻔﻲ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻳﺎ )ﺳﻮﻻف(.ﺻﺮﺧﺖ ﻓﻲ ھﯿﺎج: ﺑﻞ ﻣﺮھﺎ أن ﺗﻜﻒ ﻋﻦ اﺑﻨﺘﻲ اﻟﻮﺣﯿﺪة.ﻗﺎل أﺑﻲ ﻣﺘﺒﺮًﻣﺎ وﻗﺪ اﻋﺘﺎد ﺷﻜﮫﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﻔﻌﻠﻪ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ(: ك أﻧﺖ ﺳﻮء ظﻦ ﻓﯿﻤﻦ ﺣﻮﻟﻚ. ﺑﻞ ﻛﻔﺎ ِﻗﺎﻟﺖ ﻣﺼﺪوﻣﺔ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ: ﻛﱠﺬﺑﺘﻨﻲ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺴﻤﻌﻨﻲ!ﺛﻢ اﻧﮫﺎرت ﺑﺎﻛﯿﺔ وﻗﺎﻟﺖ: وﻣﻦ ﻳﺴﻤﻊ ﻟﻠﻤﺮأة اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺪار!أﺷﺎر أﺑﻲ ﻟﻠﻨﺴﻮة ﺑﺎﻟﺨﺮوج ،ﺛﻢ اﻗﺘﺮب ﻣﻦ )ﺳﻮﻻف( ورﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﮫﺎ ﻗﺎﺋًﻼ: -اھﺪﺋﻲ ﻳﺎ )ﺳﻮﻻف( ،ﻓﻠﻦ ﻳﺆذي )ﺑﺎﺗﯿﺎ( إﻻ ﺧﻮﻓﻚ ﻋﻠﯿﮫﺎ. ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺤﺘﺪة: أرﻳﺪ داًرا أﻗﯿﻢ ﻓﯿﮫﺎ وﺣﺪي.ﻧﻈﺮ أﺑﻲ إﻟﻰ أﻣﻲ ،ﻓﺄﺷﺎرت إﻟﯿﻪ أﻣﻲ ﺧﻠﺴﺔ ﺑﺎﻟﻨﻔﻲ. ﻓﻘﺎل أﺑﻲ: وﻣﻦ ﻳﺮﻋﺎك وﻳﺮﻋﻰ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﻳﺎ )ﺳﻮﻻف( إذا ﻣﺎ ﻣﻜﺜﺖ وﺣﺪك.ﻗﺎﻟﺖ ﻛﻤﻦ ﺗﺘﯿﻘﻦ ﻣﻦ أﻣﺮ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﻪ وﻻ ﺗﺼﺪﻗﻪ: ھﻞ أﺻﺎﺑﻨﻲ اﻟﺠﻨﻮن ﻳﺎ )زﺧﺎري(؟اﺣﺘﻀﻨﮫﺎ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻛﱠﻼ ﻳﺎ أم )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﻓﻘﺪ ﺳﺄﻟﺖ اﻟﯿﻮم اﻟﻄﺒﯿﺐ )ﻳﻌﻘﻮب( ،وأﺧﺒﺮﻧﻲ أﻧﻪ ﻗﺮأ ﻓﻲأوراق )اﻣﺤﻮﺗﺐ( أن ﻧﺴﺎًء ﻗﺪ ﻳﺼﯿﺒﮫﻦ ﻋﺼﺎﺑًﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻮﻻدة ،وأﻋﻄﺎﻧﻲ ﺣﻨﻄﺔ وﺧﻤﯿًﺮا ،وﻳﻮﺻﯿﻚ ﺑﺸﺮﺑﮫﻤﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺻﺒﺎح. ھﺪأت ﺛﻢ اﺳﺘﻜﺎﻧﺖ ﻧﺎﺋﻤﺔ إﻟﻰ ﺟﻮار اﺑﻨﺘﮫﺎ ،ﻓﻘﺎم أﺑﻲ وأﺧﺬ ﺑﯿﺪ اﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ،وﺗﺒﻌﺘﮫﻤﺎ أﻣﻲ إﻟﻰ ﺧﺎرج اﻟﻜﻮخ. ﻗﺎﻟﺖ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ﺑﺎﻛﯿﺔ وھﻲ ﺗﺪاﻓﻊ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﮫﺎ: ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻄﻔﻠﺔ ﺗﺒﻜﻲ ﻣﻦ ﺷﺪة اﻟﺠﻮع ،ﻓﮫﻲ ﻟﻢ ﺗﺮﺿﻌﮫﺎ ﻣﻨﺬ اﻟﺼﺒﺎح ،ﻓﺄﺳﻘﯿﺘﮫﺎرﺷﻔﺎت ﻣﻦ ﻟﺒﻦ اﻟﻤﺎﻋﺰ ﻟﯿﺴﺪ رﻣﻘﮫﺎ ،ﻓﺮأﺗﻨﻲ وظﻨﺖ أﻧﻲ أﺿﻤﺮ اﻟﺸﺮ ﻟﻠﻄﻔﻠﺔ. رﺑﺖ أﺑﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﮫﺎ وﻗﺎل: أﻋﻠﻢ ﻳﺎ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( أﻧﻚ ﻻ ﺗﺮﻳﺪﻳﻦ ﺳﻮى اﻟﺨﯿﺮ ،وﺣﻖ اﻟﺮب ﻟﻮﻻ ﺧﺸﯿﺘﻲ ﻋﻠﯿﮫﺎوﻋﻠﻰ اﻟﻄﻔﻠﺔ ،ﻷﻗﻤﺖ ﻟﮫﻤﺎ ﻛﻮ ً ﺧﺎ ﻓﻲ طﺮف اﻟﺤﻲ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻻ آﻣﻦ ﻋﻠﯿﮫﺎ اﻟﺒﻘﺎء وﺣﺪھﺎ. ﻗﺎﻟﺖ أﻣﻲ: أﺣﻘﺎ ﻣﺎ ذﻛﺮه اﻟﻄﺒﯿﺐ )ﻳﻌﻘﻮب(؟ﻗﺎل: ﻧﻌﻢ ،ﻛﻤﺎ أﺧﺒﺮﻧﻲ أن أﻋﺰﻟﮫﺎ ﻋﻦ اﺑﻨﺘﮫﺎ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻨﺘﻘﻞ إﻟﯿﮫﺎ اﻟﺠﻨﻮن.ﺷﮫﻘﺖ أﻣﻲ ﻓﺰﻋﺔ ،وﻗﺎﻟﺖ ﻋﻤﺘﻲ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( وﻗﺪ اﺳﺘﻌﺎدت ﺷﯿًﺌﺎ ﻣﻦ طﺒﻌﮫﺎ اﻟﻘﺪﻳﻢ: ﺣ ً ﻤﺎ ﻷﻣﻪ! -ظﻨﻨﺎ اﻟﺠﻨﻮن ﻓﻲ )ﺳﯿﺤﻮن( َﻋﺼﺒًﺎ ﻷﺑﯿﻪ ،ﻓﺈذا ﺑﻪ َر ِ ﻟﻢ ﻳﻌﻠﻖ أﺑﻲ وأوﺻﺎھﻤﺎ ﺑﺄﱠﻻ ﻳﻐﻔﻼ ﻋﻦ اﻟﻄﻔﻠﺔ وأﻣﮫﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻀﻲ ﷲ أﻣًﺮا ﻛﺎن ﻣﻔﻌﻮًﻻ. واﺳﺘﯿﻘﻈﻨﺎ ذات ﺳﺒﺖ ﻋﻠﻰ ﺑﻜﺎء اﻟﻄﻔﻠﺔ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( اﻟﺬي اﺳﺘﻤﺮ طﻮﻳًﻼ ﺑﻼ اﻧﻘﻄﺎع، أطﻠﺖ أﻣﻲ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﻓﻮﺟﺪﺗﮫﺎ وﺣﺪھﺎ وﻟﻢ ﺗﺠﺪ )ﺳﻮﻻف( ﻓﻲ ﻓﺮاﺷﮫﺎ اﻟﺬي ﻛﺎن ﺑﺎرًدا وﻛﺄﻧﮫﺎ ﻟﻢ ﺗﺒﺖ ﻓﯿﻪ ،اﺳﺘﯿﻘﻈﻨﺎ ﺟﻤﯿًﻌﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺪاء أﻣﻲ وھﻲ ﺗﻘﻮل: أدرك )ﺳﻮﻻف( ﻳﺎ )زﺧﺎري( ﻓﻘﺪ ﺧﺮﺟﺖ وﺣﺪھﺎ وﺗﺮﻛﺖ اﻟﻄﻔﻠﺔ.ھﺮوﻟﺖ وراء أﺑﻲ ،ودرﻧﺎ ﺣﻮل اﻟﻜﻮخ ﻟﻌﻠﻨﺎ ﻧﻌﺜﺮ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﻓﻠﻢ ﻧﻌﺜﺮ ﻟﮫﺎ ﻋﻠﻰ أﺛﺮ، ﺗﻮﺟﺲ أﺑﻲ ﺷﺮا ،ﻓﻌﺎد وأﻣﺮ أﻣﻲ ﺑﺄن ﺗﻄﻌﻢ اﻟﻄﻔﻠﺔ ،ﺛﻢ أﺧﺬﻧﻲ ﻣﻌﻪ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻦ )ﺳﻮﻻف( ﻓﻲ اﻟﻨﺰل ،طﻔﻨﺎ ﺷﻮارع اﻟﻨﺰل اﻟﺨﺎﻟﯿﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﻤﺒﻜﺮة ﻣﻦ ﻳﻮم اﻟﺮاﺣﺔ ،ﺳﺄﻟﻨﺎ أﻗﺎرﺑﮫﺎ ،وﺟﯿﺮاﻧﮫﺎ اﻟﻘﺪاﻣﻰ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺪﻟﻨﺎ أﺣﺪ ﻣﻨﮫﻢ ﻋﻠﻰ ﺐ ﺑﻪ ﻟﻔﯿﻒ ﻣﻦ اﻷﺷﺠﺎر ﻞ ﻗﺮﻳ ٍ ﺧﺒﺮ ،ﺧﺮﺟﻨﺎ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻨﮫﺎ ﺧﺎرج اﻟﻨﺰل ،ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﺪﻏ ٍ اﻟﺼﻐﯿﺮة وﻗﺪ اﻧﺒﺴﻘﺖ أﻣﺎﻣﻪ ﺷﺠﺮة ﻣﻠﺘﻔﺔ اﻷﻏﺼﺎن ﻣﻦ أﺷﺠﺎر اﻟﻄﻠﺢ ،اﻗﺘﺮﺑﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺪﻏﻞ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺷﻌﺮ أﺑﻲ ﺑﺄن ﺷﯿﺌﺎ ﻳﺘﺄرﺟﺢ ﺑﯿﻦ ﻓﺮوع اﻟﺸﺠﺮ ،وﻣﺎ إن اﻗﺘﺮﺑﻨﺎ ﻲ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف( ﺣﺘﻰ ﺷﮫﻖ أﺑﻲ ،وﻛﺪت أﺳﻘﻂ ﻣﻐﺸﯿﺎ ﻋﻠ ّ ﺗﺘﺪﻟﻰ ﻣﻦ أﻓﺮع اﻟﺸﺠﺮة وﻗﺪ ﺗﻌﻠﻘﺖ رﻗﺒﺘﮫﺎ ﺑﺮداء ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎن ،وﻳﺘﺄرﺟﺢ ﺟﺴﺪھﺎ ﻓﻲ اﻟﮫﻮاء ﻛﺪﻣﯿﺔ ﻻ ﺣﯿﺎة ﻓﯿﮫﺎ. ∞∞∞∞∞ اﻟﻤﻮت ...ﻛﻠﻤﺔ ﻗﺼﯿﺮة اﻟﺤﺮوف ﺳﮫﻠﺔ اﻟﻨﻄﻖ ،وﻟﻜﻨﮫﺎ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ھﺰ اﻟﻮﺟﺪان، وﻗﺾ اﻟﻤﻀﺎﺟﻊ ،ﺗﻌﺠﺒﺖ أﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺸﻌﺮ ﺑﻪ وﻻ ﻧﺘﺬﻛﺮه إﻻ إذا اﺧﺘﻄﻒ ﻋﺰﻳًﺰا ﻟﺪﻳﻨﺎ، أو ﻗﺮﻳﺒًﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﯿﻨﻨﺎ وﺑﯿﻨﻪ ﻣﺸﺎھﺪات وﺣﯿﺎة. ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﺠﻌﯿﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ،ﺑﻜﻰ أﺑﻲ وأﻣﻲ ﻋﻠﻰ وﻓﺎة )ﺳﻮﻻف( ﺑﻜﺎًء ﺻﺎدًﻗﺎ ﻣﺮا، وﺷﺎرﻛﺘﮫﻤﺎ ﻋﻤﺘﻲ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( اﻟﺤﺰن رﻏﻢ ﻣﺎ ﻛﺎن ﺑﯿﻨﮫﺎ وﺑﯿﻦ )ﺳﻮﻻف( ﻣﻦ ﻧﻜﺪ وﻣﺸﺎﺣﻨﺎت ،وﺷﻌﺮ ُ ت رﻏﻢ ﺻﻐﺮي أن اﻷﻗﺪار ﻗﺪ ﺗﻘﺴﻮ أﺣﯿﺎﻧًﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﺸﺮ ،ﻓﺘﻤﻨﺤﮫﻢ اﻟﺴﻌﺎدة ﻓﻲ وﻋﺎء ﻣﻦ اﻟﻜﺪر ،وذﻟﻚ ﻟﻌﻠﻢ ﻧﺠﮫﻠﻪ وﺣﻜﻤﺔ ﻻ ﻧﺴﺘﻘﯿﮫﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( اﻟﺼﻐﯿﺮة ھﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﺘﻲ ُﻣِﻨﺤﻨﺎھﺎ ﻣﻦ رﺣﻢ اﻷﻟﻢ ،واﻟﻤﻌﺰي اﻟﺬي ﺳﺒﻖ إﻟﯿﻨﺎ ﺑﺎﻟﻌﺰاء ﻗﺒﻞ أن ﻳﺒﺪأ اﻟﺤﺪاد. وﻟﻢ ﺗﻤﺾ ﺳﻮى ﺑﻀﻌﺔ أﻳﺎم ﻋﻠﻰ وﻓﺎة )ﺳﻮﻻف( ،ﺣﺘﻰ ﻋﻼ ﺻﻮت اﻟﺒﻮق ﻓﻲ اﻟﻨﺰل ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﻮﻗﺖ وﻗﺖ ارﺗﺤﺎل ﻓﻌﻠﻤﻨﺎ أن أﻣًﺮا ﺟﻠًﻼ ﻗﺪ وﻗﻊ ،ﺗﺠﻤﻊ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻨﺰل ،وﻟﺒﺜﻨﺎ ﺳﺎﻋﺔ أو ﺑﻌﺾ ﺳﺎﻋﺔ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺨﺮج إﻟﯿﻨﺎ ﻛﻠﯿﻢ ﷲ ﺑﺎﻟﺒﺸﺮى ،ﻓﻘﺪ أوﺣﻰ ﷲ إﻟﯿﻪ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﻦ اﻷﻟﻮاح اﻟﺘﻲ ﻓﻘﺪت ﻳﻮم ﻓﺘﻨﺔ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ،ﻓﮫﻠﻞ اﻟﻨﺎس ﻓﺮﺣﯿﻦ ﺑﻨﺰول اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ،واﻧﮫﺎﻟﺖ دﻣﻮﻋﮫﻢ ﻏﺒﻄﺔ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺳﻤﻌﻮا ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺮب ﻓﻲ وﺻﺎﻳﺎه اﻟﻌﺸﺮ ﻟﺸﻌﺐ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،أﺣﺲ ﻛﻞ ئ ﻣﻨﮫﻢ ﺑﺄن اﻟﺮب ﻳﺨﺎطﺒﻪ وﺣﺪه ﻗﺎﺋًﻼ: اﻣﺮ ٍ »أﻧﺎ اﻟﺮب إﻟﮫﻚ اﻟﺬي أﺧﺮﺟﻚ ﻣﻦ أرض ﻣﺼﺮ ﻣﻦ ﺑﯿﺖ اﻟﻌﺒﻮدﻳﺔ ،ﻻ ﻳﻜﻦ ﻟﻚ آﻟﮫﺔ أﺧﺮى أﻣﺎم وﺟﮫﻲ«» ،أﻛﺮم أﺑﺎك وأﻣﻚ ﻟﻜﻲ ﻳﻄﻮل ﻋﻤﺮك«» ،ﻻ ﺗﻘﺘﻞ«» ،ﻻ ﺗﺰن«» ،ﻻ ﺗﺴﺮق«» ،ﻻ ﺗﺸﮫﺪ ﻋﻠﻰ ﻗﺮﻳﺒﻚ ﺷﮫﺎدة اﻟﺰور«. ﺗﺴﺎﻣﺖ ﻧﻔﻮس اﻟﻘﻮم وﺣﻠﺖ ﻋﻠﯿﮫﻢ اﻟﺴﻜﯿﻨُﺔ ﺧﺸﻌﺖ ﻗﻠﻮﺑﮫﻢ ،وﺻﻐﺖ آذاﻧﮫﻢ أﻣﺎم ﻛﻠﻤﺎت اﻟﻨﻮر اﻟﺘﻲ ھﺒﻄﺖ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ،وﺷﻌﺮﻧﺎ ﻷول ﻣﺮة ﺑﺄن اﻟﺮب ﻗﺪ اﺧﺘﺼﻨﺎ وﺣﺪﻧﺎ ﺑﺸﻲء ﻋﻦ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﻦ ،ﺛﻢ أﺧﺒﺮﻧﺎ ﻛﻠﯿﻢ ﷲ ﺑﺄن اﻟﺮب ﻗﺪ أﻣﺮه ﺑﺄن ﻳﻘﺎم ﻟﻪ ﺑﯿ ٌ ﺖ ﻟﻠﻌﺒﺎدة ﻓﻲ وﺳﻂ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ. ﻗﺎل: ﻄُﺌﻮا ﻣﻮطًﺌﺎ وﻻ ﺗﻨﺰﻟﻮا ﻣﻨﺰًﻻ ،إﻻ وﺑﯿﺖ اﻟﺮب ﻗﺎﺋﻢ ﻓﻲ وﺳﻄﻜﻢ. ﻻ ﺗَ ِﺛﻢ دﻋﺎ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻟﻠﺠﻮد ﺑﻤﺎ ﻳﺴﺘﻄﯿﻊ ﻣﻦ ذھﺐ وﻓﻀﺔ وﻧﺤﺎس أو ﺣﺘﻰ ﻣﺴﺤﺔ ﻣﻦ دھﻦ أو ﻗﻨﯿﻨﺔ ﻣﻦ ﻋﻄﺮ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺴﻨﻰ ﺑﻨﺎء ﺑﯿﺖ اﻟﺮب اﻟﺬي أﺳﻤﺎه ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ،ﻓﺎﺷﺘﻌﻠﺖ ﻗﻠﻮب اﻟﻨﺎس ﺣﻤﺎﺳﺔ ،وﺗﺴﺎﺑﻖ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﺠﻮد ﺑﻤﺎ ﻳﻤﻠﻜﻮن ﻣﻦ ذھﺐ وﻓﻀﺔ وأﺣﺠﺎر ﻛﺮﻳﻤﺔ. وﻋﮫﺪ )ﻣﻮﺳﻰ( إﻟﻰ رﺟﻞ ﺻﺤﯿﺢ اﻹﻳﻤﺎن ،ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺤﻨﻜﺔ ،واﻟﻤﮫﺎرة اﺳﻤﻪ )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ ﺑﻦ ﺣﻮر( ﺑﻤﮫﻤﺔ ﺑﻨﺎء ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ،وﻛﻠﻔﻪ ﺑﺄن ﻳﺨﺘﺎر ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أﻣﮫﺮ اﻟﻨﺠﺎرﻳﻦ واﻟﻨﺴﺎﺟﯿﻦ و ُ ﺻﻨّﺎع اﻟﺬھﺐ واﻟﻨﻘﺶ ،ﻟﯿﻘﻮﻣﻮا ﺑﺒﻨﺎء ﺑﯿﺖ اﻟﺮب. ﻛﺎن اﻟﻮﻗﺖ وﻗﺖ ظﮫﯿﺮة ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺟﺎء )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ ﺑﻦ ﺣﻮر( إﻟﻰ ﻛﻮﺧﻨﺎ ﻓﻲ ﺣﻲ رأوﺑﯿﻦ ،ﻛﺎﻧﺖ أﻣﻲ ُﺗﻘﻠِ ّﺐ اﻟﺪﻗﯿﻖ ﻓﻲ اﻟﻤﺎء اﻟﻤﻐﻠﻲ ،وﻗﺪ ارﺗﺪت اﻟﺴﻮاد اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻔﺎرﻗﮫﺎ ﻣﻨﺬ أن ﻣﺎﺗﺖ اﻟﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف(. ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ﺗﺴﻘﻲ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( اﻟﺼﻐﯿﺮة رﺷﻔﺎت ﻣﻦ ﻟﺒﻦ اﻟﻨﺎﻗﺔ ،أﻣﺎ أﺑﻲ ﻓﻜﺎن ﻳﺒﻨﻲ ﺟﺪاًرا ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ ﻟﯿﺤﺠﺰ وراءه اﻟﻨﺎﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﺮدت ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﯿﻮﻣﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﻨﺰل وﻛﺎدت أن ﺗﻘﺘﻞ طﻔًﻼ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﺤﻲ ،ﻧﺎوﻟ ُ ﺖ أﺑﻲ ﺣﺠًﺮا ﻪ ﻋﻀﻼت ﺳﺎﻋﺪي اﻟﺼﻐﯿﺮ ،ﻓﺎﻟﺘﻘﻔﻪ أﺑﻲ ﻓﻲ ﻳﺴﺮ ،ﺛﻢ اﻧﺘﻔﺨﺖ ﺗﺤﺖ وطﺄة ﺛَِﻘﻠ ِ ﻟﻄ ّﺨﻪ ﺑﺎﻟﻄﯿﻦ اﻟﻼزب ،ورﺻّﻪ ﻓﻮق اﻟﺒﻨﯿﺎن اﻟﺬي ﻋﻼ ﺣﺘﻰ ﺣﺎذى ارﺗﻔﺎع رأﺳﻲ، ﺛﻢ ﻗﺒﺾ ﻗﺒﻀﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﯿﻦ وﺳﺪ ﺑﮫﺎ اﻟﻔﺮﺟﺎت ﻣﻦ ﺣﻮل اﻟﺤﺠﺮ ،وﻣﺴﺤﮫﺎ ﺑﯿﺪﻳﻪ ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﺳﻄﺢ اﻟﺠﺪار ﻣﺴﺘﻮﻳًﺎ ،ﺟﺎءﻧﺎ ﺻﻮت )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ( ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻒ ﻗﺎﺋًﻼ: ﺻﺮت ﺗﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﺒﻨﺎء؟ ھﻞ ﺗﺮﻛﺖ اﻟﻨِّﺠﺎرة ﻳﺎ )زﺧﺎري( ،و ِﺗﮫﻠﻞ وﺟﻪ أﺑﻲ ،وﻏﺴﻞ ﻳﺪﻳﻪ ﻣﻦ اﻟﻄﯿﻦ ،ﺛﻢ ھﺮول ﻣﺮﺣﺒًﺎ ﺑﺎﻟﺮﺟﻞ اﻟﺠﻠﯿﻞ ،رﺑﺖ )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ( ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻗﺎل أﺑﻲ ﻣﺎز ً ﺣﺎ: أﺻﺎب اﻟﺒَﻮار ﺻﻨﻌﺔ اﻟﻨﺠﺎر ﻓﻲ ﺻﺤﺮاء ﺳﯿﻨﺎء ،وﻟﻮﻻ ُﺻﻨﻊ اﻟﻤﺸﺎﻧﻲ واﻷﻗﻔﺎص ﻟﻨﺴﻲ )زﺧﺎري( ﺣﺮﻓﺘﻪ. ﺟﻠﺴﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﺨﺮة ﺛﻢ ﻗﺎل )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ( ﻓﻲ ﺑﺸﺎﺷﺔ: ﺣﺴًﻨﺎ ،ﻟﻘﺪ آن اﻷوان ﻛﻲ ﻳﺘﺬﻛﺮ )زﺧﺎري( ﺣﺮﻓﺘﻪ!ﻗﺎل أﺑﻲ ﻓﻲ ﺣﺒﻮر: ﺑﺎرك اﻟﺮب ﺧﻄﻮاﺗﻚ ﻳﺎ ﺣﻜﯿﻢ ،ﻗﺪ اﺳﺘﺒﺸﺮت ﺧﯿًﺮا ﻣﻦ رؤﻳﺘﻚ ،وﻟﻌﻠﻚ أﺗﯿﺖﻟﺘﻤﻨﺤﻨﻲ ﺷﺮف اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﺑﯿﺖ اﻟﺮب. ﺿﺤﻚ )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ( وﻗﺎل وھﻮ ﻳﻀﺮب ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻒ أﺑﻲ ﻓﻲ رﻓﻖ: وﻣﻦ أدراك أﻧﻨﻲ ﻟﻢ آت إﻟﯿﻚ ﻓﯿﻢ ھﻮ أﻛﺒﺮ؟!ازداد اھﺘﻤﺎم أﺑﻲ ،وﻗﺎل ﻓﻲ ﺻﺪق: وھﻞ ھﻨﺎك ﻣﺎ ھﻮ أﻛﺒﺮ ﺷﺮًﻓﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ؟ﺴﱡﺮ إﻟﯿﻪ ﺑﻤﻔﺎﺟﺄة: ﻣﺎل )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ( ﻧﺤﻮه وﻛﺄﻧﻪ ُﻳ ِ ﻧﻌﻢ ،ﻓﺴﺄﻋﮫﺪ إﻟﯿﻚ ﺑﺼﻨﻊ ﺗﺎﺑﻮت اﻟﻌﮫﺪ.ﺗﺴﺎءل أﺑﻲ ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: ﺗﺎﺑﻮت اﻟﻌﮫﺪ؟!ﻗﺎل )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ( ﺟﺎدا: ﻧﻌﻢ ،ﺗﺎﺑﻮت اﻟﻌﮫﺪ ،ﺳﺘﺤﻞ ﻋﻠﯿﻪ ﺳﻜﯿﻨﺔ اﻟﺮب ،وﺳﺘﻮﺿﻊ ﺑﻪ أﻟﻮاح اﻟﮫﺪاﻳﺔاﻟﺘﻲ أرﺳﻠﮫﺎ ﻟﺒﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،وﺳﯿﺤﻤﻠﻪ ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻣﻌﮫﻢ أﻳﻨﻤﺎ ذھﺒﻮا، وﻳﺘﻘﺪم ﻟﺤﻤﻠﻪ ﺑﻨﻮ )ھﺎرون( وﻻ أﺣﺪ ﺳﻮاھﻢ ،ھﻜﺬا أﻣﺮ اﻟﺮب! ﻟﻤﻌﺖ ﻋﯿﻨﺎ أﺑﻲ ﻓﺮ ً ﺣﺎ وﺗﺮﻗﺮﻗﺖ ﻓﯿﮫﺎ اﻟﺪﻣﻮع وھﻮ ﻳﻘﻮل: أﺣﻘﺎ ﻳﺎ ﺣﻜﯿﻢ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ؟!وﺣﻖ اﻟﺮب إﻳﻞ إﻧﻪ ﻟﺸﺮف ﻣﺎ ﺑﻌﺪه ﺷﺮف. وھﻮى ﻋﻠﻰ ﻳﺪ )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ( ﻳﻘﺒﻠﮫﺎ ،ﻓﻘﺎل اﻟﺸﯿﺦ ﺻﺎدًﻗﺎ: ﻗﺪ أﻣﺮﻧﻲ ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ( أن أﺗﺨﯿﺮ ﻣﻦ ﻧﺠﺎري اﻟﻨﺰل أﺻﻠﺤﮫﻢ وأﻣﮫﺮھﻢﻟﺘﻠﻚ اﻟﻤﮫﻤﺔ ،وﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ اﻟﻨﺰل ﻣﻦ ﻳﻜﺎﻓﺌﻚ ﻣﮫﺎرة وﺻﻼ ً ﺣﺎ ﻳﺎ )زﺧﺎري(، وﻳﻜﻔﯿﻚ أﻧﻚ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻟﻢ ﺗﻘﻊ ﻋﯿﻨﺎه ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ )اﻟﺸﺎﻣﺮي(. ﺛﻢ ﻗﺎل وھﻮ ﻳﺴﺘﻌﺪ ﻟﻼﻧﺼﺮاف: ﻗﺪ ﺟﻤﻌﻨﺎ ﻣﻦ اﻷﺧﺸﺎب أﺟﻮدھﺎ ،وﻣﻦ اﻟﺰﻳﻨﺔ أطﯿﺒﮫﺎ ،وﻏًﺪا ﻧﺒﺪأ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ!ﺛﻢ أﺷﺎر ﻧﺤﻮي وﻗﺎل: -وإن ﺷﺌﺖ أﺗﯿﺖ ﺑﮫﺬا اﻟﻐﻼم ﻟﯿﻌﺎوﻧﻚ ،ﻓﻠﻌﻠﻪ ﻳﺸﺐ ﻋﻠﻰ طﺎﻋﺔ اﻟﺮب ﻣﺜﻞ أﺑﯿﻪ. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮة واﻛﺘﻤﻞ اﻟﺒﻨﺎء ،وﺑﺪا ﺑﯿﺖ اﻟﺮب ﻛﺄروع ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺒﮫﺎء واﻟﻔﺨﺎﻣﺔ ،ﻛﺎن طﻮل اﻟﺨﯿﻤﺔ اﻟﻤﺒﺎرﻛﺔ ﺛﻼﺛﯿﻦ ذراًﻋﺎ ،وﻋﺮﺿﮫﺎ ﺧﻤﺲ ﻋﺸﺮة ذراﻋﺎ ،ﺗﺤﻤﻠﮫﺎ أرﺑﻌﺔ ﺻِﻨَﻌ ْ أﻋﻤﺪة ﻣﻄﻠﯿﺔ ﺑﺎﻟﺬھﺐ ،وﻗﺪ ُ ﺖ ﺟﺪارُﻧﮫﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻮص اﻟﻤﺒﺮوم اﻟﻤﻄﻠﻲ ﺑﺎﻷرﺟﻮان ،أﻣﺎ اﻟﺴﻘﻒ ﻓﻘﺪ ﺻﻨﻊ ﻣﻦ ﺧﺸﺐ اﻟﺴﻨﻂ اﻟ ُ ﻤﺤﻠﱠﻰ ﺑﻌﺮوق اﻟﺬھﺐ ﻏﻄﺎٌء ﻣﻦ ﺟﻠﻮد اﻟﻜﺒﺎش واﻟﻤﺎﻋﺰ ﻟﯿﻘﯿﻪ ﺣﺮ اﻟﺼﯿﻒ واﻟﻔﻀﺔ وﻗﺪ َﻏﻄ ّﺎه ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج ِ وزﻣﮫﺮﻳﺮ اﻟﺸﺘﺎء ،وأﻣﺮ ﻧﺒﻲ ﷲ ﺑﺄن ُﺗﻘ ّ ﺴﻢ اﻟﺨﯿﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ إﻟﻰ ﻗﺴﻤﯿﻦ، ﻓﻨﺎء ﺧﺎرﺟﻲ اﺳﻤﻪ اﻟﻤﻘﺪس ،وﺿﻌﺖ ﺑﻪ ﻣﻨﺎرة ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺔ ،وﻣﺬﺑﺢ اﻟﺒﺨﻮر، وﻣﺎﺋﺪة ﻳﻮﺿﻊ ﻋﻠﯿﮫﺎ اﻟﺨﺒﺰ واﻟﻔﻄﯿﺮ ﻓﻲ أﻳﺎم اﻟﺴﺒﺖ ،أﻣﺎ اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺪاﺧﻠﻲ ﻓﻜﺎن ﻣﻌﺰوًﻻ ﻋﻦ اﻟﻤﻘﺪس ﺑﺤﺠﺎب ﻣﻦ ﺣﺼﯿﺮ ﻣﻨﺴﻮج ،ﻻ ﻳﺪﺧﻠﻪ أﺣﺪ إﻻ ﻧﺒﻲ ﷲ أو اﻟﻜﺎھﻦ اﻷﻛﺒﺮ )ھﺎرون( ،وﻛﻨﺎ ﻧﺴﻤﯿﻪ ﻗﺪس اﻷﻗﺪاس ،وﺑﻪ وﺿﻊ ﺗﺎﺑﻮت اﻟﻌﮫﺪ اﻟﺬي ﺻﻨﻌﻪ أﺑﻲ ،واﻟﺤﻖ أن اﻟﺘﺎﺑﻮت ﻛﺎن آﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﻤﺎل ،وﻣﺎ زﻟﺖ أﺗﺬﻛﺮ ﺷﮫﻘﺔ أﻣﻲ ﺣﯿﻨﻤﺎ وﻗﻊ ﺑﺼﺮھﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺎﺑﻮت ﻷول ﻣﺮة وھﻲ ﺗﻘﻮل: وﺣﻖ اﻟﺮب إﻧﻪ ﻷﺷﺪ روﻋﺔ ﻣﻦ ﺗﻮاﺑﯿﺖ اﻟﻔﺮاﻋﯿﻦ!!ﻓﺘﺒﺴﻢ أﺑﻲ ﺿﺎﺣ ً ﻜﺎ وﻗﺎل: أﻣﺎ رأﻳﺖ ﺧﯿًﺮا ﻣﻦ ﺗﻮاﺑﯿﺖ اﻟﻔﺮاﻋﯿﻦ ﻟﺘﺸ ِﺒ ّﮫﻲ ﺗﺎﺑﻮت اﻟﻌﮫﺪ!ﺗﺤﺮﺟﺖ ﻗﻠﯿًﻼ وﻗﺎﻟﺖ: َذﱠﻛﺮﻧﻲ ﻏﻄﺎؤه اﻟﻤﺬھﺐ ﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﺼﻨﻌﻪ اﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ ﻷﻧﻔﺴﮫﻢ.ﻗﺎل أﺑﻲ ﻟﯿﺮﻓﻊ ﻋﻨﮫﺎ اﻟﺤﺮج: ﻟﻦ ﻳﺰﻳﺪه اﻟﺬھﺐ ﺑﮫﺎًء ،وﻟﻜﻨﻪ ﺳﯿﺰدان ﺑﺄﻟﻮاح اﻟﺮب وﻛﻠﻤﺎﺗﻪ.وﻛﺎن اﻟﻘﺪاس اﻷول ﺑﻌﺪ ﺑﻨﺎء اﻟﺨﯿﻤﺔ ﻗﺪا ً ﺳﺎ ﻻ ﻳﻨﺴﻰ ،ﻣﺴﺢ )ﻣﻮﺳﻰ( أﺧﺎه )ھﺎرون( واﺑﻨﯿﻪ ﺑﺎﻟﺪھﻦ اﻟﻤﻘﺪس ،وﻧَﺼّﺒﻪ اﻟﻜﺎھﻦ اﻷﻛﺒﺮ ﻟﺒﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،وأﻋﻠﻦ ُ اﻟﻜﮫﺎﻧﺔ ﻓﻲ أﺑﻨﺎء )ھﺎرون( وﻧﺴﻠﮫﻢ إﻟﻰ ﻳﻮم اﻟﺪﻳﻦ ،أﺿﯿﺌﺖ أﺳﺮاج اﻟﻤﻨﺎرة ﺑﺰﻳﺖ اﻟﺰﻳﺘﻮن وﺗﺼﺎﻋﺪ ﻋﻄﺮ اﻟﺒﺨﻮر اﻟﺬي ﺻﻨﻌﻪ )ھﺎرون( ﻣﻦ اﻟﻠﺒﺎن اﻟﻨﻘﻲ واﻟﺪھﻦ اﻟﻤﻘﺪس ﻣﻦ اﻟﻤﺬﺑﺢ ،وطﺎف )ھﺎرون( وأﺑﻨﺎؤه ﻓﻲ أرﺟﺎء اﻟﺨﯿﻤﺔ ﺑﻤﺠﻤﺮة ﻳﺘﺼﺎﻋﺪ ﻣﻨﮫﺎ اﻟﺪﺧﺎن اﻟ ُ ﻤَﻌﻄﱠﺮ ،ﺛﻢ ﺧﺮج ﺑﮫﺎ إﻟﻰ اﻟﺸﻌﺐ ﻟﯿﻨﺎﻟﻮا ﻧﻔﺤﺎت ﻣﻦ اﻷرﻳﺞ اﻟﻤﺒﺎرك. ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻌﺎدة اﻟﺸﻌﺐ ﻻ ﺗﻮﺻﻒ وﺳﻌﺎدﺗﻲ أﻧﺎ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ ﺷﻌﺮت ﺣﯿﻨﮫﺎ ﺑﺎﻟﻔﺨﺮ رﻏﻢ ﺻﻐﺮي ،وأن ﻋﯿﻦ اﻟﺮب ﻗﺪ ﺻﺎرت ﺗﺮﻋﺎﻧﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى ﺑﻌﺪ ﺣﺎدﺛﺔ اﻟﻌﺠﻞ، وﺗﻮاﻟﺖ اﻷﻳﺎم ،وﺗﻮاﻓﺪ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻟﯿﺘﻌﻠﻤﻮا ﺷﺮﻳﻌﺘﮫﻢ، وﻟﯿﺴﻤﻌﻮا ﻋﻦ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻣﺎ ﺟﺎء ﺑﻪ اﻟﻨﺎﻣﻮس ﻣﻦ ﻋﻨﺪ اﻟﺮب ،وﻟﻢ ﻳﻤﺾ وﻗﺖ طﻮﻳﻞ ﺣﺘﻰ ﺗﺒﺪل اﻟﺤﺎل ﻏﯿﺮ اﻟﺤﺎل ،ﻏﺎﺑﺖ اﻟﻔﺮﺣﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﺟﻮه وﺣﻞ ﻣﻜﺎﻧﮫﺎ اﻟﻌﺒﻮس واﻟﻮﺟﻮم ،ﺗﻀﺎءل اﻹﺣﺴﺎس ﺑﺎﻟﻔﺨﺮ ﺗﺤﺖ وطﺄة اﻟﺘﺒﻌﺎت واﻟﺘﻜﻠﯿﻒ، وﺗﺴﺎءل اﻟﻨﺎس ﻟﻤﺎذا ﻏﺎﺑﺖ ﻋﻦ ﺷﺮﻳﻌﺘﻨﺎ اﻟﺮﺣﻤﺔ ﺣﺘﻰ ﺻﺎرت إﺻًﺮا ﺗﺌﻦ ﺗﺤﺘﻪ اﻟﻈﮫﻮر ،وأﻏﻼًﻻ ﺗﺘﻜﺒﻞ ﺑﮫﺎ اﻟﺤﯿﺎة؟ وﺿﺎق ﺻﺒﺮ اﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ذات ﻳﻮم ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺘﻜﺎﻟﯿﻒ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻷﺑﻲ ﻣﺘﺒﺮﻣﺔ دوﻧﻤﺎ ﺧﺠﻞ: ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﯿﺎة أﻳﺴﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻳﺎ )زﺧﺎري( ،إن إﻟﻪ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻟﺠﺒﺎر!ُ ﺻِﺪ َ م أﺑﻲ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺘﮫﺎ ﻓﻘﺎل ﻓﻲ ذھﻮل: اﺳﺘﻐﻔﺮي اﻟﺮب ﻳﺎ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ،ﺑﻞ أرﺳﻞ ﺷﺮﻳﻌﺘﻪ رﺣﻤﺔ ﻟﻨﺎ!واﻟﺤﻖ أن اﻟﻨﺎس ﻟﻢ ﻳﺮوا ﻣﻦ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ إﻻ اﻟﺰواﺟﺮ واﻟﻨﻮاھﻲ ،واﻟﻌﻘﺎب اﻟﺼﺎرم ﻋﻨﺪ اﻗﺘﺮاف اﻟﺨﻄﯿﺌﺔ ،واﺗﺴﻌﺖ داﺋﺮة اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ ﺣﺘﻰ ﺻﺎر اﻗﺘﺮاف إﺣﺪاھﺎ أﻣًﺮا ﺣﺘﻤﯿﺎ ،ﻋﺪﻧﺎ ذات ظﮫﯿﺮة ﻓﻮﺟﺪﻧﺎ أﻣﻲ ﺗﺒﻜﻲ ﺣﺰﻳﻨﺔ ﺳﺄﻟﮫﺎ أﺑﻲ ﻗﻠًﻘﺎ: ﺧﯿًﺮا ﻳﺎ أم )ﺷﻤﻌﻮن(؟!أﺟﺎﺑﺖ ﻓﻲ ﺣﺰن وﺧﺠﻞ: ﻏﺎﻓﻠﻨﻲ اﻟﺤﯿﺾ وﻟﻢ أﻋﻠﻢ ﺑﻪ إﻻ ﺑﻌﺪ اﻟﻈﮫﯿﺮة!ﺛﻢ أردﻓﺖ ﺑﺎﻛﯿﺔ: ﻣﺴﺖ ﻳﺪي اﻷواﻧﻲ واﻟﺠﺪران ﻓﻨﺠﺴﺘﮫﺎ ،واﻷﺳﻮأ أﻧﻲ أﻣﺴﻜﺖ ﺑﻤﺠﻤﺮةاﻟﺒﺨﻮر اﻟﻤﻘﺪس! ﺑﺎﻧﺖ ﺧﯿﺒﺔ اﻷﻣﻞ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ أﺑﻲ ،ﻓﺎزدادت أﻣﻲ ﺑﻜﺎًء ،ﻓﻘﺎل ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﮫﻮن ﻋﻠﯿﮫﺎ: ﻻ ﺑﺄس ﻳﺎ أم )ﺷﻤﻌﻮن( ﻟﻦ ﻳﻤﺲ أﺣﺪ اﻟﺠﺪارن أو اﻷواﻧﻲ ﺣﺘﻰ اﻟﻤﺴﺎء ،وﻏًﺪاأذھﺐ إﻟﻰ اﻟﻜﺎھﻦ )ھﺎرون( وأﻗﺪم ﻟﻪ ﻗﺮﺑﺎن اﻟﺨﻄﯿﺌﺔ! ﻗﺎﻟﺖ اﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ﻣﺤﺘﺪة: ﻳﺎ )زﺧﺎري( ،أﻓﻼ ﺧﺮج اﻟﺮﺟﺎل إﻟﻰ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻟﯿﺨﺒﺮوه أن اﻟﺤﺮام ﻗﺪ ﺻﺎر أﻛﺜﺮﻣﻦ اﻟﺤﻼل ،وأن ﺣﯿﺎة اﻟﻨﺎس ﻻ ﺗﺴﺘﻘﯿﻢ. ﻗﺎل ﻧﺎھًﺮا إﻳﺎھﺎ: ﻣﮫًﻼ ﻳﺎ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ،ﻓﻮﷲ ﻣﺎ َﺿﯿ ّﻖ اﻟﺮب ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ إﻻ ﺑﻈﻠﻤﮫﻢ، وﻟﻌﻠﻪ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺮى ﻣﻨﺎ ﻣﺎ ﻳﺤﺐ ،ﻗﺒﻞ أن ﻳﻀﻊ ﻋﻨﺎ إﺻﺮﻧﺎ. وﺷﻌﺮت رﻏﻢ ﺻﻐﺮي ﺑﺄن أﺑﻲ ﻳﻜﺎد ﻳﻜﻮن اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﻳﻄﺒﻖ أﺣﻜﺎم اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺑﺤﺬاﻓﯿﺮھﺎ ﻋﻠﻰ أھﻞ ﺑﯿﺘﻪ ،وأﻧﻪ ﻳﻐﺎﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﺘﻀﯿﯿﻖ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﺄﺑﻨﺎء ﻋﻤﻮﻣﺘﻪ وأﺑﻨﺎء ﺧﺎﻻﺗﻪ ،ﻛﻨﺎ ﻓﻲ ﻳﻮم ﺳﺒﺖ ،ﺣﯿﻨﻤﺎ اﺻﻄﺤﺒﻨﻲ ﻟﺰﻳﺎرة ﺧﺎﻟﺘﻪ اﻟ ُ ﻋﻠﯿﺰة( ،ﻓﻘﺪ ﻋﻠﻢ ﺑﻤﺮﺿﮫﺎ ﻣﻦ وﻟﺪھﺎ )ِﻣﻨﻮاح( ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﯿﻮﻣﯿﻦ ﻓﻲ ﻤﺴﻨﺔ ) ِ اﻟﺴﻮق ،دﺧﻠﻨﺎ إﻟﻰ ﻣﻨﺰل )ِﻣﻨﻮاح( وﻗﺪ اﻧﺘﺼﻒ اﻟﻨﮫﺎر ،ﻓﻮﺟﺪﻧﺎ اﻟﻤﺮأة اﻟﻌﺠﻮز وﻗﺪ رﻗﺪت ﻓﻲ إﻋﯿﺎء ﻋﻠﻰ ﺣﺼﯿﺮ ،ﺗﻔﻮح ﻣﻨﮫﺎ راﺋﺤﺔ اﻟﺒﻮل واﻟﻤﺮض ،وﺗﮫﺬي ﻓﻲ ﻏﯿﺮ وﻋﻲ ﺑﮫﻤﮫﻤﺎت ﻏﯿﺮ ﻣﻔﮫﻮﻣﺔ ،وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﻨﺎﺟﻲ اﻟﻤﻮت ﻟُﯿﻌ ّ ﺠِﻞ ﺑﮫﺎ ،ﺷﻌﺮ أﺑﻲ ﻋﻠﯿﺰة( اﻷﻗﺮب إﻟﻰ ﺑﺎﻷﺳﻰ ﻟﺮؤﻳﺔ ﺧﺎﻟﺘﻪ ﻋﻠﻰ ذاك اﻟﺤﺎل ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺧﺎﻟﺘﻪ ) ِ ﻗﻠﺒﻪ ،وﻳﺮى ﻓﯿﮫﺎ وﺟﻪ أﻣﻪ اﻟﺘﻲ ﻓﻘﺪھﺎ ﺻﻐﯿًﺮا ،ﺟﻠﺴﻨﺎ ﺑﻀﻊ دﻗﺎﺋﻖ ﺷﻌﺮﻧﺎ ﻓﯿﮫﺎ ﺑﻌﺪم اﻷﻟﻔﺔ وﺳﻮء اﻟﻀﯿﺎﻓﺔ ﻣﻦ آل اﻟﺒﯿﺖ ،وﺗﻌﺠﺒﻨﺎ ﻣﻦ أن اﻟﺤﯿﺎة ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﯿﺮ ﻓﻲ دار )ِﻣﻨﻮاح( ﻋﻠﻰ طﺒﯿﻌﺘﮫﺎ ،وﻛﺄن اﻣﺮأة ﻻ ﺗﺼﺎرع اﻟﻤﻮت وراء ﻋﺘﺒﺘﮫﺎ! ﻛﺎﻧﺖ زوﺟﺔ )ِﻣﻨﻮاح( ﺗﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ ﺣﺠﺮ ﺧﺎرج اﻟﺪار وﻗﺪ ﻓﺮﺟﺖ ﻋﻦ ﺳﺎﻗﯿﮫﺎ وأﻣﺴﻜﺖ ﺑﯿﺪﻳﮫﺎ أرﻧﺒﺎ ﺑﺮﻳﺎ ،ﺗَﻠﻮّى ﺑﯿﻦ ﻳﺪﻳﮫﺎ وھﻲ ﺗﻤﺮ ﻋﻠﻰ رﻗﺒﺘﻪ ﺑﺎﻟﺴﻜﯿﻦ ،ﺛﻢ ﺗﺮﻛﺘﻪ ﻳﻨﺰف اﻟﺪﻣﺎء ،ﻗﺒﻞ أن ﺗﻨﺰع ﻋﻨﻪ ﻓﺮاءه ،وﺗﻘﻄﻊ أواﺻﺮه ﺑﺎﻟﺴﻜﯿﻦ ،وﻛﻠﺐ )ﻣﻨﻮاح( اﻟﻀﺨﻢ ﻳﺤﻮم ﺣﻮﻟﮫﺎ ،وﻳﺘﻠﻘﻒ ﻣﻨﮫﺎ ﻣﺎ ﺗﻠﻘﯿﻪ إﻟﯿﻪ ﻣﻦ أطﺮاف اﻷرﻧﺐ وأﺣﺸﺎﺋﻪ ،أﻣﺎ )ِﻣﻨﻮاح( ﻓﻘﺪ اﻧﺸﻐﻞ ﺑﺈﺷﻌﺎل اﻟﻤﻮﻗﺪ ﺑﺎﻟﻔﺘﯿﻞ وﻗﻌﺲ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﯿﻪ ﻳﻨﻔﺦ ﻓﻲ اﻟﻨﺎر وﻗﺪ ﺗَﻌّﻔﺮت ﻟﺤﯿﺘﻪ ورأﺳﻪ وﺻﺎر وﺟﮫﻪ ﻣﺴﻮًدا ﺑﺎﻟﺴﺨﺎم. ﺿﺎق أﺑﻲ ذرًﻋﺎ ﺑﺴﻮء ﺿﯿﺎﻓﺔ )ﻣﻨﻮاح( ،واﺳﺘﻨﻜﺮ ﻣﺎ رآه ﻓﻲ ﺑﯿﺘﻪ ﻣﻦ اﻧﺘﮫﺎك ﻟﻠﺸﺮاﺋﻊ ﻓﻘﺎل ﻓﻲ ﺗﻌﺠﺐ واﺳﺘﻨﻜﺎر: أﺗﺸﻌﻞ ﻧﺎر اﻟﻤﻮﻗﺪ ﻓﻲ ﻳﻮم اﻟﺴﺒﺖ ﻳﺎ )ِﻣﻨﻮاح(؟!ﻟﻢ ﻳﺮﻓﻊ )ﻣﻨﻮاح( رأﺳﻪ ﺑﻞ ظﻞ ﻳﻨﻔﺦ ﻓﻲ اﻟﻨﺎر ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻣﻐﻤﻐ ً ﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن اﺷﺘﺪت ﺟﺬوﺗﮫﺎ: إﻧﮫﺎ ﺑﺎﻗﯿﺔ ﻣﻦ ﻳﻮم أﻣﺲ ،ﻓﻘﻂ أﻧﻔﺨﮫﺎ ﻟﺘﺰداد ﺳﻌﯿًﺮا.ﻛﺎن واﺿ ً ﺤﺎ أن اﻟﺮﺟﻞ ﻳﺴﺘﺘﺮ ﺑﺎﻟﻜﺬب ،ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺎدﻟﻪ أﺑﻲ ﻓﻲ أﻣﺮ اﻟﻨﺎر وأﺷﺎر إﻟﻰ اﻷرﻧﺐ اﻟﻤﺴﻠﻮخ وﻗﺎل: وھﻞ ﺗﻄﻠﻖ ﻛﻠﺒﻚ ﻟﻠﺼﯿﺪ ﻓﻲ ﻳﻮم اﻟﺴﺒﺖ أﻳ ًﻀﺎ؟ اﻟﺘﻔﺖ إﻟﯿﻪ )ﻣﻨﻮاح( ھﺬه اﻟﻤﺮة ﺛﻢ ﻗﺎل ﻣﺘﺒﺮًﻣﺎ: ﺧﺮج اﻟﻜﻠﺐ وﺣﺪه إﻟﻰ اﻟﺼﺤﺮاء وﻋﺎد ﺑﮫﺬا اﻷرﻧﺐ اﻟﺒﺮي.ﺳًﻔﺎ ﻣﻦ ِﻣﺮاء اﺑﻦ ﺧﺎﻟﺘﻪ وﻗﺎل: ھﺰ أﺑﻲ رأﺳﻪ آ ِ أوﻣﺎ ﻋﻠﻤﺖ ﻳﺎ )ﻣﻨﻮاح( أن اﻟﺮب ﻗﺪ ﺣﺮم أﻛﻞ اﻷراﻧﺐ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ؟!ﺗﻮﻗﻔﺖ زوﺟﺔ )ﻣﻨﻮاح( ﻋﻦ ﺗﻘﻄﯿﻊ اﻷرﻧﺐ وﻧﻘﻠﺖ ﻧﺎظﺮﻳﮫﺎ ﺑﯿﻦ أﺑﻲ وزوﺟﮫﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎل )ﻣﻨﻮاح( ﺑﻌﺪ ھﻨﯿﮫﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﻤﺖ وﻗﺪ ﻛﺸﻒ ﻋﻤﺎ ﺑﻨﻔﺴﻪ: -أﻛﻠﻨﺎ اﻷراﻧﺐ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻳﺎ )زﺧﺎري( ،وأﻛﻠﮫﺎ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ أرض ﻣﺼﺮ ،ﻓﻤﺎ اﻟﺬي ﺟﱠﺪ ﺣﺘﻰ ﻳﺤ ِﺮّﻣﮫﺎ )ﻣﻮﺳﻰ( اﻵن ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ؟ ﻗﺎل أﺑﻲ ﻣﺴﺘﻨﻜًﺮا: ﻟﻢ ﻳﺤﺮﻣﮫﺎ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻳﺎ )ﻣﻨﻮاح( ،ﺑﻞ ﺣﺮﻣﮫﺎ اﻟﺮب ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ.ﻗﺎل )ﻣﻨﻮاح(: ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺮاًﻣﺎ ﻟﺤﺮﻣﮫﺎ )إﺑﺮام( وإﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ!ﺛﻢ أﺷﺎح ﺑﯿﺪه ﻓﻲ ﻏﯿﺮ اﻛﺘﺮاث ﻗﺎﺋًﻼ: ﻟﻮ اﺗﺒﻌﻨﺎ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻘﻮل ،ﻓﻠﻦ ﻧﺄﻛﻞ إﻻ اﻟﻤﻦ واﻟﺴﻠﻮى!ھﺐ أﺑﻲ واﻗًﻔﺎ وﻗﺎل وھﻮ ﻳﮫﻢ ﺑﺎﻻﻧﺼﺮاف ﻏﺎﺿﺒًﺎ: ﺤ ّ ﻞ ﻣﺎ ﺣﺮﻣﻪ اﻟﺮب ﻓﯿﺤﻞ ﻋﻠﯿﻚ ﻋﻘﺎﺑﻪ. اﺗﻖ اﻟﺮب ﻳﺎ )ﻣﻨﻮاح( وﻻ ُﺗ ِﺛﻢ ﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﺧﺎﻟﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﻀﺮ وﻗﺎل: ﻣﺴﻜﯿﻨﺔ ﻳﺎ أم )ﻣﻨﻮاح( ،أﺳﺄل ﷲ أن ﻳﮫﻮن ﻋﻠﯿﻚ ﺳﻜﺮات اﻟﻤﻮت ،وأﻻ ﻳﺄﺧﺬكﺑﺠﺮﻳﺮة وﻟﺪك. واﻧﺼﺮﻓﻨﺎ دون وداع ،ورأﻳﺖ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ أﺑﻲ ﻧﻈﺮة اﻟﺤﯿﺮة واﻟﺘﻮﺟﺲ اﻟﺘﻲ رأﻳﺘﮫﺎ ﻋﻠﯿﻪ ﻗﺒﯿﻞ ﻓﺘﻨﺔ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ،واﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻪ أﻣﻲ ﻋﻨﺪ اﻟﺪار ،ﻓﺄﻗﻠﻘﺘﮫﺎ ﻣﻼﻣﺤﻪ وﺳﺄﻟﺘﻪ: ﺧﯿًﺮا ﻳﺎ أﺑﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ھﻞ ﻣﺎﺗﺖ أم )ﻣﻨﻮاح(؟ﻗﺎل ﺑﺎﺋ ً ﺴﺎ: ﺳﺘﻤﻮت وﺗﺴﺘﺮﻳﺢ ،أﻣﺎ اﻟﻌﺬاب ﻓﺴﯿﺒﻘﻰ ﻟﺒﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ!ﺿﺮﺑﺖ ﺻﺪرھﺎ وﻗﺎﻟﺖ ﺟﺰﻋﺔ: أي ﻋﺬاب ﻳﺎ )زﺧﺎري(؟ﻗﺎل )زﺧﺎري( ﺣﺎﻧًﻘﺎ: وﷲ ﻹن ﻟﻢ ﻳﺘﺒﻊ ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﺷﺮﻳﻌﺔ اﻟﺮب طﻮاﻋﯿﺔ ،ﻟﯿﺘﺒﻌﻨﮫﺎ ﻗﺴًﺮا.ﺛﻢ ﻗﺎل ﻗﺎﻧﻄًﺎ ﻣﺨﻨﻮًﻗﺎ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء: ھﻞ ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أﻻ ﻳﺆﻣﻨﻮا ﺣﺘﻰ ﻳﺮوا اﻟﻌﺬاب اﻷﻟﯿﻢ؟رﺑﺘﺖ أﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﺻﺪره وﻗﺎﻟﺖ: -ھﻮن ﻋﻠﯿﻚ ﻳﺎ أﺑﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻓﻜﻞ ﺷﻲء ﻋﻨﻪ ﺑﻘﺪر ،واﻟﻨﺎس ﺗﺘﻔﺎوت ﻓﻲ اﻹﻳﻤﺎن. وﺻﺪق ﺣﺪس أﺑﻲ ﻓﻘﺪ ﺗﻤﺎدى اﻟﻘﻮم ﻓﻲ ﺧﺮق اﻟﻨﺎﻣﻮس ،وﺗﮫﺎوﻧﻮا ﻓﻲ اﻟﺘﻜﻔﯿﺮ ﻋﻦ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ ،وﻟﻢ ﻳﺘﺠﻨﺐ اﻟﻨﻮاھﻲ إﻻ اﻟﻘﻠﺔ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،ﻓﺠﻤﻊ )ﻣﻮﺳﻰ( اﻟﻘﻮم ﻋﻨﺪ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ،وﺣﺬرھﻢ ﻣﻦ ﻏﯿﮫﻢ ،وأﻣﺮھﻢ ﺑﺎﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ وأن ﻳﺄﺧﺬوھﺎ ﺑﻘﻮة ،ﻓﺘﻠﻚ ﺗﺮﺑﯿﺔ اﻟﺮب ﻟﮫﻢ ،وﺣﺬرھﻢ ﻣﻦ أن ﻳﺄﺧﺬوا ﺑﺒﻌﻀﮫﺎ وﻳﺘﺮﻛﻮا اﻟﺒﻌﺾ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻨﺎﻟﮫﻢ ﻋﺬاب اﻟﺮب ،وﻟﻜﻦ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺬي ﺟﺒﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻤﺮد ﻟﻢ ﻳﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﺠﺪال ،ھﺘﻒ ﺑﻌﻀﮫﻢ: ﻛﯿﻒ ﺗﺴﺘﻘﯿﻢ اﻟﺤﯿﺎة واﻟﺤﺮام ﻓﯿﮫﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﻼل؟! ﻣﻦ أﻳﻦ ﻧﺄﺗﻲ ﺑﻜﻞ ھﺬه اﻟﻘﺮاﺑﯿﻦ ﻟﻨﻜﻔﺮ ﻋﻦ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ؟ ﻟﻤﺎذا ﺣﺮﻣﺖ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺤﺮم إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ؟وﻏﻀﺐ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻣﻦ ﺟﺪال اﻟﻘﻮم ،ﻓﮫﺘﻒ ﺑﺼﻮﺗﻪ اﻟﺠﮫﻮري اﻟﺬي ﻣﻸ ﺟﻨﺒﺎت اﻟﻮادي ﻗﺎﺋًﻼ: ﻳﺎ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ!ھﻜﺬا ﻗﺎل اﻟﺴﯿﺪ اﻟﺮب: ﺧﺬوا ﻣﺎ آﺗﯿﺘﻜﻢ ﺑﻘﻮة ،ﻓﺎﺳﻤﻌﻮا وأطﯿﻌﻮا ،وﻗﻮﻟﻮا ﺳﻤﻌﻨﺎ وأطﻌﻨﺎ! ﻋﻢ اﻟﺴﻜﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻮادي ﻟﻠﺤﻈﺎت ،وﻛﻒ اﻟﻨﺎس ﻋﻦ اﻟﮫﻤﮫﻤﺔ ،وﻧﻈﺮ ﺑﻌﻀﮫﻢ إﻟﻰ ﺑﻌﺾ وﻗﺪ ﺷﻌﺮوا ﺑﺄن )ﻣﻮﺳﻰ( ﻳﻔﺮض ﻋﻠﯿﮫﻢ اﻷﻣﺮ ﻓﺮ ً ﺿﺎ ،دون أن ﻳﺪﻓﻊ اﻟﺤﺠﺔ ﺑﺎﻟﺤﺠﺔ ،ﻓﻘﻄﻊ اﻟﺼﻤﺖ ﺻﻮت رﺟﻞ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻳﺴﺎﻛﺮ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻣﺎ ﻛﺎن ھﺬا ظﻨﻨﺎ ﺑﺎﻷﻟﻮاح ﻳﺎ )ﻣﻮﺳﻰ(؟!ظﻨﻨﺎھﺎ رﺣﻤﺔ ﻟﺒﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻓﺈذا ﺑﮫﺎ ﺷﻘﺎء وﺗﺒﻌﺔ!! ھﺰ اﻟﻨﺎس رءوﺳﮫﻢ ﻣﺆﻳﺪﻳﻦ ،وﻋﻼ اﻟﻠﻐﻂ ﺑﯿﻨﮫﻢ ،ﻓﺎﺷﺘﻌﻞ اﻟﻐﻀﺐ بـ)ﻣﻮﺳﻰ( وﺻﺮخ ﻓﻲ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻣﺮة أﺧﺮى: ﻗﻮﻟﻮا ﺳﻤﻌﻨﺎ وأطﻌﻨﺎ.زﻣﺠﺮ اﻟﻨﺎس ﻣﻌﺘﺮﺿﯿﻦ ،وھﺘﻒ رﺟﻞ ﻣﻦ ﺳﺒﻂ ﻧﻔﺘﺎﻟﻲ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﺼﻔﻮف ﻗﺎﺋًﻼ: أﺗﻜﺮھﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻤﻊ واﻟﻄﺎﻋﺔ ﻳﺎ )ﻣﻮﺳﻰ(؟ھﺘﻒ )ﻣﻮﺳﻰ( وھﻮ ﻳﺮﻓﻊ ﻋﺼﺎه إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء: ﻗﻮﻟﻮا ﺳﻤﻌﻨﺎ وأطﻌﻨﺎ.رد ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺮﺟﻞ ھﺘﺎًﻓﺎ ﺑﮫﺘﺎف وﻏﻀﺒًﺎ ﺑﻐﻀﺐ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻣﺎ ھﻜﺬا ﺗﻜﻮن اﻟﻄﺎﻋﺔ ﻳﺎ )ﻣﻮﺳﻰ( ،ﻓﻮﷲ ﻻ ﺳﻤﻌﻨﺎ وﻻ أطﻌﻨﺎ ،ﺑﻞ ﺳﻤﻌﻨﺎوﻋﺼﯿﻨﺎ! وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗﻠﻘﻔﺖ اﻟﺴﻤﺎء ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺮﺟﻞ ﺛﻢ ردﺗﮫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻘﺎﺑﻊ أﺳﻔﻞ اﻟﺠﺒﻞ ﺑﺮوًﻗﺎ ورﻋﻮًدا! ﻓﺄﺿﯿﺌﺖ اﻟﺴﻤﺎء ﺑﺎﻟﺒﺮق ،واھﺘﺰت ﺟﻨﺒﺎت اﻟﻮادي ﺑﺄﺻﻮات اﻟﺮﻋﺪ ،وارﺗﺠﻒ اﻟﺠﺒﻞ ارﺗﺠﺎًﻓﺎ ﺷﺪﻳًﺪا اﻧﺨﻠﻌﺖ ﻣﻌﻪ ﻗﻠﻮب اﻟﻘﻮم ،واﺷﺘﺪ اھﺘﺰاز اﻟﺠﺒﻞ وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻳَْﻨِﺘُﻘُﻪ ﻣﺎرد ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻌﻪ ،وﺗﺤﺮﻛﺖ ﻣﻦ ﻓﻮﻗﻪ ﺻﺨﺮة ﻋﻈﯿﻤﺔ اﻧﺤﺪرت ﻧﺤﻮ اﻟﺴﻔﺢ ،واﻣﺘﺪ ظﻠﮫﺎ ﺣﺘﻰ ﻣﻸ اﻟﺴﻔﺢ واﻟﻨﺰل ،وظﻦ اﻟﻨﺎس أﻧﮫﺎ واﻗﻌﺔ ﺑﮫﻢ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ ،وأﻧﮫﻢ ھﺎﻟﻜﻮن ﺑﻐﯿﺮ ﺷﻚ ،ﻓﺨﺮوا ﺳﺎﺟﺪﻳﻦ ،وھﺘﻒ أﺑﻲ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻪ ﺑﺎﻛﯿًﺎ ﻓﻲ رﺟﺎء: ﺳﻤﻌﻨﺎ وأطﻌﻨﺎ ،ﺳﻤﻌﻨﺎ وأطﻌﻨﺎ.ﻓﺮدد اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺑﻌﺪه ﻓﻲ ﺑﻜﺎء وﺧﻮف ،ﺣﺘﻰ اﻣﺘﻸت ﺟﻨﺒﺎت اﻟﻮادي ﺑﺼﻮت واﺣﺪ: ﺳﻤﻌﻨﺎ وأطﻌﻨﺎ ،ﺳﻤﻌﻨﺎ وأطﻌﻨﺎ.وﺗﻮﻗﻔﺖ اﻟﺼﺨﺮة ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻔﺢ ،ﻓﺮﻓﻊ اﻟﻨﺎس رءوﺳﮫﻢ ﻣﻦ ﺳﺠﻮدھﻢ ﻳﺘﻄﻠﻌﻮن إﻟﯿﮫﺎ ﻓﻲ رﻋﺐ ،وﻗﺪ ﻏﺸﯿﮫﻢ ظﻠﮫﺎ ﺣﺘﻰ أﺣﺎل اﻟﻨﮫﺎر إﻟﻰ ظﻠﻤﺔ، ﻓﻠﻤﺎ ﺗﯿﻘﻨﻮا ﻣﻦ أن اﻟﺼﺨﺮة ﻟﻦ ﺗﻘﻊ ﺑﮫﻢ ،ﻗﺎﻣﻮا ﻣﻦ ﺳﺠﻮدھﻢ ﻣﺮﺗﻌﺪﻳﻦ ،واﻧﺴﻞ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﮫﻢ ﺗﻠﻮ اﻵﺧﺮ إﻟﻰ داره وھﻮ ﻳﻘﻮل ﻣﺮﺗﺠًﻔﺎ: »ﺳﻤﻌﻨﺎ وأطﻌﻨﺎ«. وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن أﺑﻲ ﻳﺘﻮﻛﺄ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ ﻓﻲ طﺮﻳﻖ ﻋﻮدﺗﻨﺎ ،اﺳﺘﻌﺎد ﻋﻘﻠﻲ ﺳﺆاﻟﻪ اﻟﺬي أﻟﻘﺎه ﻋﻠﻰ أﻣﻰ: »ﻟﻤﺎذا ﻻ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ إﻻ ﺑﻌﺪ أن ﻳﺮوا اﻟﻌﺬاب اﻷﻟﯿﻢ؟ « ﻛﻤﺎ ﺛﺎر ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﺳﺆال آﺧﺮ ﺧﺸﯿﺖ أن أﺳﺄﻟﻪ ﻷﺑﻲ وھﻮ: ﻟﻤﺎذا ُﻳﻜﺮھﻨﺎ اﻟﺮ ﱡ ب ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺎدﺗﻪ ﻣﺎ دام ﻏﻨﯿﺎ ﻋﻨﺎ؟ ِ ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﺸﺮة ﺷﻌﺮ ُ ت ھﺬه اﻟﻤﺮة ﺑﺎﻟﻮ ْ وﺣﺎن وﻗﺖ اﻻرﺗﺤﺎل ﻣﻦ اﻟﻮادي اﻟﻤﻘﺪسَ ، ﺟِﺪ ﻟﻔﺮاق اﻟﻤﺤﻠﱠﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻜﺜﻨﺎ ﻓﯿﮫﺎ ﻗﺮاﺑﺔ اﻟﻌﺎﻣﯿﻦ ،وﺷﮫﺪﻧﺎ ﻓﯿﮫﺎ أﺣﺪاﺛًﺎ ﺟﺴﺎًﻣﺎُ ،ﻧِﻘﺸﺖ ﺧﻀﻤﮫﺎ اﻟﻮﺟﺪان. ذﻛﺮاھﺎ ﻓﻲ ﺛﻨﺎﻳﺎ اﻟﻘﻠﺐ ،وﺗَﺸﻜّﻞ ﻓﻲ ِ طﻮى أﺑﻲ ﺟﺪران اﻟﻜﻮخ و َ ﺣﺰّﻣﮫﺎ ﺑﺄﺣﺒﺎل ﻣﻦ اﻟﻠﯿﻒ ووﺿﻌﮫﺎ ﻋﻠﻰ ظﮫﺮ اﻷﺗﺎن ،ﺛﻢ ﺟﻤﻊ اﻟﺴﻼل واﻟﻘﺪور وﻋﻠﻘﮫﺎ ﻋﻠﻰ أطﺮاف اﻟﮫﻮدج اﻟﻀﺨﻢ ،اﻟﺬي اﺳﺘﻘﺮت ﻓﯿﻪ أﻣﻲ وﻋﻤﺘﻲ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( وﻣﻌﮫﻤﺎ اﻟﻄﻔﻠﺔ اﻟﺼﻐﯿﺮة )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ،ﺳﺤﺐ أﺑﻲ اﻟﻨﺎﻗﺔ وﺳﺎر ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺪﻣﺔ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ اﻣﺘﻄﯿﺖ أﻧﺎ اﻷﺗﺎن اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﺘﺎﻋﻨﺎ وﺧﻠﻔﻲ ﺳﺎرت ﻋﻨﺰﺗﺎن ،وﻧﻌﺠ ٌ ﺔ ﺣﺒﻠﻰ ﻓﻘﺪت ﻛﺒﺸﮫﺎ ﻛﻔﺎرة ﻟﺨﻄﯿﺌﺔ أﻣﻲ! ﺳﺎر رﻛﺒﻨﺎ اﻟﺼﻐﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء اﻟﻤﺘﺎﺧﻤﺔ ﻟﻠﻨﺰل ﻟﯿﻠﺤﻖ ﺑﺮﻛﺐ ﺳﺒﻂ رأوﺑﯿﻦ، رأﻳﺖ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ أﺑﻲ اﻟﺪﻣﻮع وھﻮ ﻳﻠﻘﻲ ﻧﻈﺮﺗﻪ اﻷﺧﯿﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻮادي اﻟﻤﻘﺪس، ﻓﺄﺛﺎرت دﻣﻮﻋﻪ أﺷﺠﺎﻧﻲ وﺗﻤﺜّﻠﺖ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت ﺣﯿﺔ أﻣﺎﻣﻲ وأﻧﺎ أﺗﺘﺒﻊ ﻣﻮاﻗﻊ ﻧﻈﺮاﺗﻪ، ﻓﮫﻨﺎ أﻗﺎم )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﻣﺤﺮﻗﺘﻪ ،وﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺤﺮاء ﻓﻘﺪﻧﺎه ،وھﻨﺎك ﻳﺮﻗﺪ ﺟﺴﺪ اﻟﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف( ﺗﺤﺖ اﻟﺘﺮاب ،ﻻ ﻳﺸﮫﺪ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﺮھﺎ ﺳﻮى ﺣﺠٌﺮ ﺻﻐﯿﺮ ،وﻧﺒﺘﺔ ﻋﻮﺳﺞ ﻏﺮﺳﮫﺎ أﺑﻲ إﻟﻰ ﺟﻮاره ،وﻋﻠﻰ ُﺑﻌﺪ ﻓﺮاﺳﺦ ﻣﻨﺎ ﻗﺒﻌﺖ اﻟﺠﺒﺎﻧﺔ اﻟﻜﺒﺮى اﻟﺘﻲ وارت أﺟﺴﺎد ﺛﻼﺛﺔ آﻻف ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻣﻤﻦ ﻋﺒﺪوا اﻟﻌﺠﻞ ،وﻗﺪ طﻤﺴﺖ ﺷﻮاھﺪ ﻗﺒﻮرھﻢ ﺗﺤﺖ ﻛﺜﺒﺎن اﻟﺮﻣﺎل اﻟﺰاﺣﻔﺔ ،وﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻣﻦ ذﻛﺮاھﻢ إﻻ أﻟ ٌ ﻢ ﻓﻲ اﻟﺼﺪر ووﺧﺰٌة ﻓﻲ اﻟﻀﻤﯿﺮ. وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ ﻧﻘﻄﺔ اﻻﻟﺘﻘﺎء ،واﻧﻀﻢ رﻛﺒﻨﺎ إﻟﻰ رﻛﺐ ﺳﺒﻂ رأوﺑﯿﻦ ﻛﺎن ﺗﻨﻈﯿﻢ اﻷﺳﺒﺎط ھﺬه اﻟﻤﺮة ﺳﻤﺎوﻳﺎ ،ﻓﻘﺪ أﻣﺮ اﻟﺮ ﱡ ب )ﻣﻮﺳﻰ( ﺑﮫﺬا اﻟﺘﻨﻈﯿﻢ وﺟﻌﻠﻪ ﺷﺮﻳﻌﺔ ﻟﺒﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ ارﺗﺤﺎل ،ﻓﻔﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ اﻟﺮﻛﺐ ﻛﺎن ﺗﺎﺑﻮت اﻟﻌﮫﺪ ﻳﺤﻤﻠﻪ ﺑﻨﻮ )ھﺎرون( ،وﺧﻠﻔﮫﻢ ﺳﺎر )ﻣﻮﺳﻰ( وأﺧﻮه )ھﺎرون( ،ﺛﻢ ﺳﺒﻂ ﻳﺴﺎﻛﺮ وﻳﮫﻮذا وزﺑﻮﻟﻮن ﻳﺤﻤﻠﻮن اﻟﻤﺴﻜﻦ واﻟﺨﯿﻤﺔ واﻟِﻐﻄﺎء ،أﻣﺎ ﺳﺒﻂ رأوﺑﯿﻦ وﺷﻤﻌﻮن وﺟﺎد ﻓﻘﺪ ﺳﺎروا ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺘﺼﻒ ﻳﺤﻤﻠﻮن ﻋﻠﻰ رﺣﺎﻟﮫﻢ اﻟﻤﺬﺑﺢ واﻟﻤﻨﺎرة واﻟﻤﺎﺋﺪة ،وﺧﻠﻔﮫﻢ ﺳﺎر ﺑﺎﻗﻲ اﻷﺳﺒﺎط ﻳﺤﻤﻠﻮن أﻣﺘﻌﺘﮫﻢ وﻳﺴﺤﺒﻮن اﻟﺪواب واﻷﻧﻌﺎم. ﺳﺮﻧﺎ أﻳﺎًﻣﺎ وﻟﯿﺎﻟﻲ آﻣﻨﯿﻦ ،ﻧﺴﺘﺮﻳﺢ ﻣﻦ اﻟﺴﻔﺮ ﻟﯿﻮم أو ﺑﻌﺾ ﻳﻮم ،ﺛﻢ ﻧﻌﺎود اﻟﻤﺴﯿﺮ ﻣﺮة أﺧﺮى إﻟﻰ وﺟﮫﺔ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﮫﺎ إﻻ اﻟﺮب وﻧﺒﯿﻪ )ﻣﻮﺳﻰ( ،ظﻠﻠﺘﻨﺎ ﻏﻤﺎﻣﺔ اﻟﺮب ﻓﻠﻢ ﻧﺸﻌﺮ ﺑﻘﯿﻆ اﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﻦ أواﺋﻞ ﺷﮫﺮ »أﻳ ّﺎر« وﻟﻢ ﻳﻨﻘﻄﻊ ﻋﻨﺎ اﻟﻤﻦ واﻟﺴﻠﻮى طﻮال وﻗﺖ اﻟﺘﺮﺣﺎل. وﺑﻌﺪ ﻗﺮاﺑﺔ اﻟﺸﮫﺮ وﺻﻞ ﺑﻨﺎ اﻟﺮﻛﺐ إﻟﻰ ﻣﻮﺿﻊ ﻳﻘﺎل ﻟﻪ » ُ ﺣﻀﯿﺮوت« ،ﻓﺎﻧﻘﺸﻌﺖ ﺳﺤﺎﺑﺔ اﻟﻐﻤﺎم وﻋﻼ ﺻﻮت اﻟﺒﻮق ،وﻋﻠﻤﻨﺎ أن اﻟﺮب ﻗﺪ أﻣﺮ ﺑﺄن ﻳﻜﻮن ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﻮﺿﻊ ،دب اﻟﻨﺸﺎط ﻓﻲ اﻟﻨﺎس اﻟﺬﻳﻦ ﺷﻌﺮوا ﺑﺎﻟﻤﻠﻞ ﻣﻦ اﻟﺴﻔﺮ ﻗﺮاﺑﺔ اﻟﺸﮫﺮ ﻟﻜﺜﺮة اﻟﻮﻗﻮف وﺑﻂء اﻟﻤﺴﯿﺮ ،وﺟﻤﻊ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻣﺸﺎﻳﺦ اﻷﺳﺒﺎط وأﻣﺮھﻢ ﺑﺄن ﻳﺨﻄﻄﻮا اﻟﻨﺰل ﺣﻮل ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﺑﺤﺴﺐ ﻣﺎ ﺟﺎء ﺑﻪ أﻣﺮ اﻟﺮب ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ »ﺣﻀﯿﺮوت« ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺳﮫﻠﺔ ﻓﺴﯿﺤﺔ ،ذات ھﻮاء رطﺐ ،وﻻ ﺗﺒﻌﺪ ﻋﻦ ﺧﻠﯿﺞ اﻟﻤﺎء ﺳﻮى ﺑﻀﻊ ﻓﺮاﺳﺦ ،ﻓﺠﺎء ﺗﺨﻄﯿﻂ اﻟﻨﺰل ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺷﺎﺳﻌﺔ ،ﻗﻠﻤﺎ رأﻳﻨﺎھﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎزل اﻟﺘﻲ ﻧﺰﻟﻨﺎھﺎ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ ،ﻓﺄﻗﺎم )ﻣﻮﺳﻰ( ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺘﺼﻒ ،وأﺣﺎطﮫﺎ ﺑﺨﯿﻤﺘﻪ وﺧﯿﻤﺔ )ھﺎرون( وﺧﯿﺎم ﺑﻨﻲ ﺟﻠﺪﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﻼوﻳﯿﻦ، ﻲٍ ﻣﻦ اﻷﺣﯿﺎء راﻳﺔ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ راﻳﺔ ﺛﻢ أﻗﺎم أرﺑﻌﺔ أﺣﯿﺎء ﺣﻮل اﻟﺨﯿﻤﺔ ،وﺟﻌﻞ ﻟﻜﻞ ﺣ ّ ﺣﯿ ّﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﺠﻨﻮب ﻣﻦ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع واﺟﺘﻤﻊ ﺗﺤﺖ ﻟﻮاﺋﮫﺎ ﺳﺒﻂ رأوﺑﯿﻦ وﺳﺒﻂ ﺟﺎد وﺳﺒﻂ )ﺷﻤﻌﻮن(. وﺑﻌﺪ أن اﻛﺘﻤﻞ ﺑﻨﺎء اﻟﻨﺰل ،ﺻﺎرت »ﺣﻀﯿﺮوت« أﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ أو اﻟﻘﺮﻳﺔ ،وﺟﺎءت اﻟﺸﻮارع داﺧﻞ اﻟﺤﻲ ﻓﺴﯿﺤﺔ واﺳﻌﺔ ،واﺗﺴﻌﺖ ﻣﯿﺎدﻳﻨﮫﺎ ﻷﻟﻌﺎب اﻟﺼﺒﯿﺔ، ﻓﺼﺎرت ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻦ ﻓﺘﯿﺔ ﻣﻦ ﺳﺒﻂ ﺟﺎد وﺳﺒﻂ )ﺷﻤﻌﻮن( ﺻﺪاﻗﺎت وأﻟﻔﺔ ،وﻛﺎن ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ھﺆﻻء اﻟﺼﺒﯿﺔ ﻓًﺘﻰ ﻣﻦ ﺳﺒﻂ ﺟﺎد اﺳﻤﻪ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ،ﻳﻜﺒﺮﻧﻲ ﺑﺄرﺑﻊ ﺳﻨﻮات ،ﻣﺘﯿﻦ اﻟﺒﻨﯿﺎن ،أﺳﻤﺮ اﻟﺒﺸﺮةَ ، ﺳﺤﻨﺘﻪ ﺟِﻌﺪ اﻟﺸﻌﺮ ،اﺳﺘﻤﺪ ﺳﻤﺎت ِ ﻣﻦ أﻣﻪ اﻟُﻜﻮﺷﯿ ّﺔ )اﻟﻨﻮﺑﯿﺔ( اﻟﺘﻲ ﺗﺰوﺟﮫﺎ أﺑﻮه ﻓﻲ أرض ﻣﺼﺮ ﻗﺒﻞ ﺳﻨﻮات ﻣﻦ اﻟﺨﺮوج. ﻛﺎن أﺑﻮ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻳﺪﻋﻰ )ﺑِﻨﺤﺎس( ،وھﻮ اﺳﻢ ﻳﻌﻨﻲ ﻓﻲ ﻟﻐﺘﻨﺎ »اﻟﺪاﻛﻦ اﻟﺒﺸﺮة« وﻻ أدري إن ﻛﺎن ھﺬا اﺳﻤﻪ ﺣﻘﯿﻘًﺔ ،أم إﻧﮫﺎ ُﻛﻨﯿﺔ أطﻠﻘﺖ ﻋﻠﯿﻪ ﻟﻤﻌﺎﻳﺮﺗﻪ ﺑﺰوﺟﺘﻪ اﻟﻜﻮﺷﯿﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻳﻨﻈﺮون ﺑﺎﺳﺘﻌﻼء إﻟﻰ اﻟﻜﻮﺷﯿﯿﻦ ،وﻻ ﻳﺤﺒﻮﻧﮫﻢ ،وﻟﻌﻞ اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ذﻟﻚ أن اﻟﺠﺎرﻳﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺰوﺟﮫﺎ أﺑﻮﻧﺎ )إﺑﺮام( ﻋﻠﻰ أﻣﻨﺎ )ﺳﺎرة( ﻛﺎﻧﺖ اﻣﺮأة ﻣﻦ ﻛﻮش. ﻛﺎن )ﺑﻨﺤﺎس( ﻳﻌﻤﻞ ﻣﻨﺬ ﺻﻐﺮه ﺑﺎﻟﺼﯿﺪ ﻓﻲ أرض اﻟﺠﻮﺷﻦ ﻋﻠﻰ ﺿﻔﺎف اﻟﻨﮫﺮ اﻟﺒﯿﻠﻮزي ،ﻳﻐﺰل اﻟﺸﺒﺎك وﻳﺼﻨﻊ اﻟﻘﻮارب ،ﺛﻢ ﻳﻐﺪو إﻟﻰ ﻓﺮع اﻟﻨﯿﻞ اﻟﺼﻐﯿﺮ، ﻓﯿﺴﻮق اﻟﺮب إﻟﯿﻪ رزﻗﻪ ﻓﻲ اﻟﺸﺒﺎك ،ﻟﯿﺄﻛﻞ ﻣﻨﻪ ھﻮ وأﺳﺮﺗﻪ ،وﻳﻘﺎﻳﺾ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻨﻪ ﺑﺎﻟﺸﻌﯿﺮ واﻟﻘﻤﺢ ،وأﻗﺎم ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺑﯿًﺘﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﺿﻔﺎف اﻟﻨﮫﺮ ،ﻋﺎش ﻓﯿﻪ ﻣﻊ زوﺟﺘﻪ اﻟﻜﻮﺷﯿﺔ ،وﺑﺎرك اﻟﺮب ﻓﻲ ذرﻳﺘﻪ ،ﻓﺄﻧﺠﺐ ﻋﺸﺮة أوﻻد ﻣﻦ اﻟﺬﻛﻮر ﻛﺎن أﺻﻐﺮھﻢ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( اﻟﺬي رأﻳﺘﻪ ﻷول ﻣﺮة ﻓﻲ »ﺣﻀﯿﺮوت« ،ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺒﺮ اﻷﺑﻨﺎء ﻋﻤﻠﻮا ﻣﺜﻞ أﺑﯿﮫﻢ ﻓﻲ اﻟﺼﯿﺪ ،ﻓﺘﻀﺎﻋﻔﺖ ﻣﺮاﻛﺒﮫﻢ ،وازداد ﺛﺮاؤھﻢ وﺻﺎرت ﻣﺮاﻛﺒﮫﻢ ﺗﺠﻮب اﻟﻨﯿﻞ ﺷﻤﺎًﻻ وﺟﻨﻮﺑًﺎ ،وﻋﻤﻞ ﺑﻌﻀﮫﻢ ﻓﻲ ﻣﺮاﻛﺐ اﻟﻔﺮﻋﻮن، ﻓﺠﻤﻌﻮا ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺎل واﻟﻤﻜﺎﻧﺔ ،وﻋﻼ ﻗﺪرھﻢ ﺑﯿﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا ُﻳَﻌﯿ ّﺮون ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺑﺄﻣﮫﻢ اﻟﺴﻮداء. ﻓﻠﻤﺎ ﺧﺮج ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ ،ﺗﺮﻛﺖ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻣﺮاﻛﺒﮫﺎ ،وﻟﻢ ﻳﺠﺪوا ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ﺑﺪﻳًﻼ ﻟﻤﮫﻨﺘﮫﻢ ،ﻓﻀﺎق ﺑﮫﻢ اﻟﺤﺎل ،وأذل ﻛﺒﺮﻳﺎءھﻢ اﻟﻔﻘﺮ واﻟﻔﺎﻗﺔ ،ﻓﻌﻤﻞ ﺑﻌﻀﮫﻢ ﺑﺎﻟﺮﻋﻲ ،وﻋﺎش ﺑﻌﻀﮫﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺪﻗﺎت وﻟﺤﻮم اﻟﻘﺮاﺑﯿﻦ ،أﻣﺎ )ﺑﻨﺤﺎس( ﻧﻔﺴﻪ ﻤﻞ ﻣﻦ ﻧﺰل إﻟﻰ ﻧﺰل ﻛﻤﺎ ُﻳﺤ َ ﻓﻘﺪ أﺻﺎﺑﻪ اﻟﻜﺒﺮ واﻟﻮھﻦ ،وﺻﺎر ُﻳﺤ َ ﻤﻞ اﻟﻤﺘﺎع. وﻛﺎﻧﺖ ﺣﻀﯿﺮوت ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺔ ﺣﺎﺿﺮة اﻟﺒﺤﺮ اﺳﻤﮫﺎ »ﻋﺼﯿﻮن ﺟﺎﺑﺮ« ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﺧﻠﯿﺞ ﻟﺤﯿﺎن ،أﻗﺎم ﻓﯿﮫﺎ ﺑﻌﺾ ﺳﻜﺎن اﻟﺴﻮاﺣﻞ ﻣﺮﻓًﺄ ،ﺗﺮﺳﻮ ﺑﻪ اﻟﺴﻔﻦ اﻟﻘﺎدﻣﺔ إدوم وﻣﺼﺮ وﻛﻨﻌﺎن ،وﺟﺬﺑﺖ راﺋﺤﺔ اﻟﺒﺤﺮ ﻣﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﻤﻠﻮن ﺑﺎﻟﺼﯿﺪ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،وﻣﻨﮫﻢ أﺑﻨﺎء )ﺑﻨﺤﺎس( ،ﻓﺨﺮﺟﻮا ﻳﻠﺒﻮن اﻟﻨﺪاء! ورأﻳﺖ اﻟﺴﻤﻚ ﻓﻲ ﺳﻮق »ﺣﻀﯿﺮوت« ﻷول ﻣﺮة ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ،ﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﻳﺘﮫﺎﻓﺘﻮن ﻋﻠﻰ ﺷﺮاﺋﻪ ،وﻳﺘﻘﺎﺗﻠﻮن ﻋﻠﯿﻪ ﺣﺘﻰ ﺻﺎر زﻧﺒﯿﻞ اﻟﺴﻤﻚ اﻟﺬي ﻳﺤﻮي ﻋﺸﺮ ﺳﻤﻜﺎت ﻳﻘﺎﻳﺾ ﺑﻘﺪﺣﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺢ ،ﻓﻘﺪ ﺳﺌﻢ اﻟﻨﺎس ﻟﺤﻮم اﻟﺴﻠﻮى، ووﺟﺪوا ﻓﻲ ﻟﺤﻢ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻄﺮي ﻓﺮ ً ﺟﺎ ﻟﮫﻢ ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ طﻌﺎم واﺣﺪ ،ﻻ ﺳﯿﻤﺎ وأﻧﮫﻢ ﻻ ﻳﺪرون إن ﻛﺎﻧﻮا ﺳﯿﺼﺎدﻓﻮن ﻓﻲ ﺗﺮﺣﺎﻟﮫﻢ ﺑﺤًﺮا ﻣﺮة أﺧﺮى أم ﻻ ،وﻛﺎن أﺑﻲ ﻳﺘﻌﺠﺐ ﻣﻦ ﺗﮫﺎﻓﺖ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻋﻠﻰ ﺷﺮاء اﻟﺴﻤﻚ وﻳﺘﺄﻓﻒ ﻣﻦ راﺋﺤﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻣﻸت ھﻮاء اﻟﻨﺰل وﻋﻠﻘﺖ ﺑﻜﻞ ﺷﻲء ﺣﺘﻰ اﻟﻤﻼﺑﺲ ،وﻛﺎن ﻳﻘﻮل: ﻋﺠﺒﺖ ﻷﻣﺮ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ!ﻳﺴﺘﺒﺪﻟﻮن اﻟﺬي ھﻮ أدﻧﻰ ،ﻳﻘﺼﺪ اﻟﺴﻤﻚ ،ﺑﺎﻟﺬي ھﻮ ﺧﯿﺮ ،ﻳﻘﺼﺪ اﻟﺴﻠﻮى. وﻟﻜﻨﻪ رﻏﻢ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ أن ﻳﻘﻒ أﻣﺎم إﻟﺤﺎح أﻣﻲ ﻓﻲ طﻠﺐ اﻟﺴﻤﻚ ،وﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﺑًﺪا ﻣﻦ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻄﻠﺒﮫﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﻀﻤﺖ إﻟﯿﮫﺎ اﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ،ﻓﺄﺣﻀﺮ ﻟﮫﺎ زﻧﺒﯿًﻼ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﻚ ،طﮫﺖ ﺑﻌﻀﻪ وﺧﺰﻧﺖ ﺑﻌﻀﻪ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ ،ﻓﻤﻠ ّﺤﺘﻪ وﺧﺰّﻧﺘﻪ ﻓﻲ أﺑﺮاش ﻓﻲ اﻟﺸﻤﺲ ،ﺣﺘﻰ أﻧﺘﻦ وﺗَﻔ ّ ﺴﺦ ﻟﺤﻤﻪ ﺛﻢ أﺧﺮﺟﺘﻪ ﺑﻌﺪ أﺳﺎﺑﯿﻊ ﻟﻨﺄﻛﻠﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻟﺤﻈﺔ ﻻ ﺗﻨﺴﻰ ،ﻛﺪت أﻓﻘﺪ وﻋﯿﻲ ﻓﯿﮫﺎ ﻣﻦ اﻟﺮاﺋﺤﺔ اﻟﻤﻨﺘﻨﺔ ،وﻋﺎﻓﺖ ﻧﻔﺲ أﺑﻲ ﻣﻦ أن ﻳﻨﻈﺮ إﻟﯿﻪ أو أن ﻳﺘﻨﺎوﻟﻪ ،أﻣﺎ اﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ﻓﻘﺪ اﻧﮫﺎﻟﺖ ﻋﻠﯿﻪ أﻛًﻼ ﻓﻲ ﺗﻠﺬذ ،وھﻲ ﺗﻘﻮل: ﻣﺎ أطﯿﺐ طﻌﺎﻣﻜﻢ أﻳﮫﺎ اﻟﻤﺼﺮﻳﻮن!إن ﻟﻜﻢ ﻓﻲ طﮫﻮ ﻛﻞ ﺻﻨﻒ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم أﻟﻒ طﺮﻳﻘﺔ! ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﮫﺎ أﻣﻲ وھﻲ ﺗﻨﻈﺮ ﺑﻌﺘﺎب ﻧﺤﻮي وﻧﺤﻮ أﺑﻲ: ﺷﻤﻮ! ھﻜﺬا ﻛﺎن ﻳﺄﻛﻠﻪ اﻟﻨﺒﻼء ﻳﺎ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ﻓﻲ ﻋﯿﺪ ِاﺑﺘﺴﻢ أﺑﻲ وﻗﺎل: ﻟﯿﺘﻨﺎ ﻗﻠﺪﻧﺎھﻢ ﻓﻲ أﻛﻞ أوزة ﻣﺸﻮﻳﺔ.ﻗﺎﻟﺖ أﻣﻲ ﻣﻐﺘﺎظﺔ: آﺗِِﻨﻲ ﺑﺎﻷوز وأﻧﺎ أطﮫﻮه ﻟﻚ.أﻧﺼﻔﺘﮫﺎ ﻋﻤﺘﻲ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮ ﻋﺎدﺗﮫﺎ وﻗﺎﻟﺖ: ﻚ ﻣﻦ )زﺧﺎري( ﻳﺎ )روﻣﺎﻧﺎ( ،ﻻ ﻳﺰال ﻳﺸﺘﮫﻲ اﻟﻄﯿﺮ ﻣﻨﺬ ﺻﻐﺮه ﺣﺘﻰ ظﻨﻨﺖ دﻋ ِأن ﺟﺴﺪه ﺳﯿﻜﺴﻮه اﻟﺮﻳﺶ. ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺘﺖ إﻟﻰ أﺑﻲ ﻗﺎﺋﻠﺔ وھﻲ ﺗﻘﻀﻢ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﻚ ﻓﻲ اﺳﺘﻤﺘﺎع: ﻋﺶ أﻧﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻦ واﻟﺴﻠﻮى ،ودﻋﻨﺎ ﻧﺘﺬﻛﺮ أﻳﺎﻣﺎ ﻛﻨﺎ ﻓﯿﮫﺎ ﻧﺘﻘﻠﺐ ﺑﯿﻦ أﺻﻨﺎفاﻟﻨﻌﯿﻢ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ. ﻗﺎل أﺑﻲ ﻓﻲ ﻳﻘﯿﻦ: ﺣﯿﻦ ﺗﺼﻠﻮن إﻟﻰ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،ﺳﺘﺮون أﺻﻨﺎًﻓﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﻌﯿﻢ ﻟﻢ ﺗﺮوھﺎ ﻣﻦﻗﺒﻞ. وﻗﺪر اﻟﺮب ﻟﺒﻨﻲ )ﺑﻨﺤﺎس( وﻏﯿﺮھﻢ ﻣﻦ اﻟﺼﯿﺎدﻳﻦ أن ﻳﻌﻮدوا إﻟﻰ ﺳﺎﺑﻖ ﻋﮫﺪھﻢ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻘﻌﺔ ﻣﻦ اﻷرض اﻟﺘﻲ طﺎل ﺑﻘﺎؤﻧﺎ ﻓﯿﮫﺎ ،ﻓﻔﺘﺤﺖ ﻟﮫﻢ أﺑﻮاب اﻟﺮزق ﻣﺮة أﺧﺮى ،وﻋﺎدوا ﻟﺼﻨﻊ اﻟﺸﺼﻮص واﻟﺸﺒﺎك واﻟﻤﺮاﻛﺐ ،وﻟﻢ ﻳﺒﺨﻞ ﻋﻠﯿﮫﻢ اﻟﺒﺤﺮ ﺑﺮزﻗﻪ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺄﺗﯿﮫﻢ أﺳﻤﺎك اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ وﺣﯿﺘﺎﻧﮫﺎ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﺮوا ﻣﺜﻠﮫﺎ ﻓﻲ ﻧﮫﺮ اﻟﻨﯿﻞ ،ﻓﯿﻘﻮﻣﻮن ﺑﺼﯿﺪھﺎ وﺑﯿﻌﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﯿﻨﺎء وﻓﻲ اﻟﻨﺰل ،ﺣﺘﻰ اﺟﺘﺬﺑﺖ ﻣﮫﻨﺔ اﻟﺼﯿﺪ اﻟﺸﺒﺎب اﻟﻄﺎﻣﺢ ﻓﻲ اﻟﺜﺮاء ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،ﻓﺄﻗﺎم ﺑﻌﻀﮫﻢ ﻓﻲ ﻋﺼﯿﻮن ﺟﺎﺑﺮ ،وﻋﻤﻞ آﺧﺮون ﻓﻲ ﻣﺮاﻛﺐ اﻹدوﻣﯿﯿﻦ وارﺗﺤﻠﻮا ﻣﻌﮫﻢ إﻟﻰ ﻣﻮاﻧﺊ ﺑﻌﯿﺪة دون إذن ﻣﻦ ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ( ،ﻓﺄرﺳﻞ إﻟﯿﮫﻢ ﻧﺒﻲ ﷲ ﻳﺬﻛﺮھﻢ ﺑﺘﻘﺼﯿﺮھﻢ ﻓﻲ ﺣﻖ اﻟﻌﺒﺎدة واﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ،وﺗﮫﺎوﻧﮫﻢ ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﻘﺮاﺑﯿﻦ ،وﺧﻮﻓﮫﻢ ﻣﻦ ﻋﺬاب ﷲ. ودﻋﺎﻧﻲ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ذات ﻳﻮم ﻟﻤﺮاﻓﻘﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺼﯿﺪ ﻓﻲ ﻋﺼﯿﻮن ﺟﺎﺑﺮ ،وأھﺪاﻧﻲ ﺷﺼﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻮص ،ﻓﺎﻋﺘﺬرت ﻟﻪ ﺑﻠﻄﻒ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ أﺑﻲ ﻟﯿﺴﻤﺢ ﻟﻲ ﺑﺬﻟﻚ وھﻮ ﻳﺮاﻧﻲ طﻔًﻼ ﺻﻐﯿًﺮا ،رﻏﻢ أﻧﻨﻲ ﺣﯿﻨﺌﺬ ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﺟﺎوزت اﻟﺒﻠﻮغ ﺑﻌﺎﻣﯿﻦ ،وﺗﻜﺮرت دﻋﻮات )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻟﻲ ،وﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺨﺠﻞ أﻣﺎم أﻗﺮاﻧﻲ وﻣﻦ ﻳﺼﻐﺮوﻧﻨﻲ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﺤﻲ ،اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺘﺒﺎھﻮن ﺑﺎﻟﺼﯿﺪ واﻟﺴﺒﺎﺣﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ. وذات ﻳﻮم ﻗﺮرت أن أﻛﺴﺮ اﻟﻄﻮق اﻟﺬي ﻳﺤﻮطﻨﻲ ﺑﻪ أﺑﻲ رﻏﻢ أﻧﻲ ﻗﺪ ﺷﺒﺒﺖ ﻋﻨﻪ ،ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح اﻟﺒﺎﻛﺮ ،وأﺧﺒﺮت أﻣﻲ ﺑﺄﻧﻲ ﺳﺄﻣﻜﺚ اﻟﻨﮫﺎر ﻣﻊ أﺻﺪﻗﺎء ﻟﻲ ﻓﻲ ﺣﻲ زوﺑﻠﻮن ،ﺛﻢ ﻗﺎﺑﻠﺖ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﺧﺎرج اﻟﻨﺰل ،وﻗﻠﺒﻲ ﻳﻘﺮع ﻓﻲ ﺟﻨﺒﺎت ﺻﺪري ﻣﻦ ﺷﺪة اﻹﺛﺎرة واﻟﺮھﺒﺔ. ﺳﺮﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء وﺣﺪﻧﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﻤﺒﻜﺮة ﺗﺴﺘﻘﺒﻠﻨﺎ ﻧﺴﺎﺋﻢ اﻟﮫﻮاء اﻟﺒﺎردة ،اﻟﺘﻲ ازدادت رطﻮﺑﺔ وﻟﻄًﻔﺎ ﻛﻠﻤﺎ اﻗﺘﺮﺑﻨﺎ ﻣﻦ ﺷﺎطﺊ ﻋﺼﯿﻮن ﺟﺎﺑﺮ، وھﻨﺎك وﻗﻊ ﺑﺼﺮي ﻷول ﻣﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻤﯿﻨﺎء اﻟﻔﺴﯿﺢ ،ﺧﻔﻖ ﻗﻠﺒﻲ رھﺒﺔ ﻟﻤﺮأى اﻟﺒﺤﺮ اﻟﺬي اﺧﺘﻠﻄﺖ زرﻗﺘﻪ ﺑﺰرﻗﺔ اﻟﺴﻤﺎء ،وﺑﺪا ﻓﻲ اﺗﺴﺎﻋﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻣﻰ اﻟﺒﺼﺮ وﻛﺄﻧﻪ ﻳﻼﻣﺲ أطﺮاف اﻟﺴﺤﺎب ،وھﺪﻳﺮ ﻣﻮﺟﺎﺗﻪ اﻟﺼﺎﺧﺒﺔ ﻳﻄﻦ ﻓﻲ أذﻧﻲ ﻛﻠﺤﻦ ﺗﻌﺰﻓﻪ اﻟﺴﻤﺎء ،وﺗﺘﺮﻧﻢ ﺑﻪ طﯿﻮر اﻟﺒﺤﺮ اﻟﺘﻲ ﺣﻠﻘﺖ ﻏﯿﺮ ﺑﻌﯿﺪ ﻋﻦ ﺷﺎطﺌﻪ اﻟﺬي اﻛﺘﺴﻲ ﺑﺎﻷﺻﺪاف وﺷﻘﺎﺋﻖ اﻟﻨﻌﻤﺎن! ﻣﺮ اﻟﻮﻗﺖ ﺳﺮﻳًﻌﺎ ﺟﻤﯿًﻼ ﻣﺤﻤًﻼ ﺑﺎﻟﻤﺘﻌﺔ واﻹﺑﮫﺎر ،ﺑﯿﻦ رؤﻳﺔ اﻟﺴﻔﻦ وﺿﺠﯿﺞ اﻟﺒﺤﺎرة ﻓﻲ اﻟﻤﯿﻨﺎء ،وﺑﮫﺠﺔ اﻟﺼﯿﺪ واﻟﻠﮫﻮ ﻣﻊ اﻷﻗﺮان ،وﺑﻌﺪ أن اﻧﺘﺼﻒ اﻟﻨﮫﺎر ﺟﻤﻌﻨﺎ اﻟﺸﺼﻮص وﻣﺎ ﺻﺪﻧﺎه ﻣﻦ أﺳﻤﺎك ،وﻋﺪﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﻨﺰل وﻗﺪ ﺗﻠﻮﻧﺖ اﻟﺴﻤﺎء ﺑﺎﻟﺸﻔﻖ اﻷﺣﻤﺮ ،ﻛﻨﺖ أﺣﻤﻞ ﻓﻲ ﻳﺪي اﻟﯿﻤﻨﻲ ﺷﺼﺎ ،وﻓﻲ ﻳﺪي اﻟﯿﺴﺮى زﻧﺒﯿًﻼ ﺑﻪ ﺛﻼث ﺳﻤﻜﺎت ،وﻗﻠﺒﻲ ﻳﺮﻗﺺ طﺮﺑًﺎ ،وأﻧﺎ أﺗﺨﯿﻞ ﻓﺮﺣﺔ أﻣﻲ ﺑﺮؤﻳﺘﮫﻦ، دﺧﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺬي ﻳﺆدي إﻟﻰ ﺑﯿﺘﻨﺎ ،ﻓﻮﺟﺪت أﺑﻲ واﻗًﻔﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻔﻪ ،وﻗﺪ ﺟﻠﺴﺖ أﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﺑﺎب اﻟﺒﯿﺖ وﻗﺪ ﺑﺪا ﻋﻠﯿﮫﻤﺎ اﻟﻘﻠﻖ واﻟﻐﻀﺐ ،ھﺘﻔﺖ أﻣﻲ ﺣﯿﻦ رأﺗﻨﻲ ﻗﺎﺋﻠﺔ: ھﺎ ﻗﺪ ﻋﺎد )ﺷﻤﻌﻮن(!!ﺛﻢ ﻗﺎﻣﺖ ﻣﺴﺮﻋﺔ ﻧﺤﻮي وﺑﺎدرت ﺑﻠﻮﻣﻲ وھﻲ ﺗﻘﺮص أذﻧﻲ ﺣﺘﻰ ﺗﻘﯿﻨﻲ ﻏﻀﺒﺔ أﺑﻲ وﻗﺎﻟﺖ: أﻟﻢ آﻣﺮك أﻻ ﺗﺘﺄﺧﺮ ﻓﻲ ﺣﻲ زوﺑﻠﻮن ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(؟!وﺑﻨﻈﺮة واﺣﺪة ﻋﻠﻰ ﻣﺎ أﺣﻤﻠﻪ ،أدرك أﺑﻲ ﺳﺒﺐ ﻏﯿﺎﺑﻲ ،ﻗﺎل ﻓﻲ ﻏﻀﺐ: ﺣﻲ زوﺑﻠﻮن!وﻗﺒﻞ أن أﺗﻔﻮه ﺑﻜﻠﻤﺔ اﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻨﻲ ﻣﻦ ﻳﺪه اﻟﻘﻮﻳﺔ ﺻﻔﻌﺔ أﺳﻘﻄﺘﻨﻲ أر ً ﺿﺎ، وأطﺎﺣﺖ ﺑﺰﻧﺒﯿﻞ اﻷﺳﻤﺎك ﺑﻌﯿًﺪا ،وزﻟﺰل ﺻﻮﺗﻪ اﻟﻐﺎﺿﺐ أرﺟﺎﺋﻲ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ھﺬا ﺟﺰاء اﻟﻜﺬب ﻳﺎﺑﻦ )روﻣﺎﻧﺎ(!ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ إﻟﻰ أﻣﻲ وﻗﺎل ﻧﺎھًﺮا: ﻻ ﻳﺨﺮﺟﻦ ﻣﻦ اﻟﺤﻲ إﻻ ﺑﺄﻣﺮي.اﻧﺤﻨﺖ أﻣﻲ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﺗﺤﺘﻀﻨﻨﻲ ،وﻛﺘﻢ اﻟﺬھﻮل اﻟﺪﻣﻮع ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ ،وﻟﻜﻦ أﺑﻲ اﺳﺘﻤﺮ ﻓﻲ ﺛﻮرﺗﻪ ﻗﺎﺋًﻼ: وأﻗﺴﻢ ﺑﺎﻟﺮب إﻳﻞ ،ﻹن ﻋﺪت إﻟﻰ اﻟﻜﺬب ﻳﺎﺑﻦ )روﻣﺎﻧﺎ( ﻷﺧﺮﺟﻨﻚ ﻟﺠﻤﻊاﻟﺤﻄﺐ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﺎل ﻓﻲ ﻛﻞ ﺻﺒﺎح. ﺛﻢ ﻏﺎدرﻧﺎ وھﻮ ﻳﻨﻔﺚ ﻏﻀﺒًﺎ ،وﻳﻮﻣﮫﺎ رأﻳﺖ ﻣﻦ أﺑﻲ ﻗﺴﻮة ﺟﻌﻠﺘﻨﻲ أﺗﺴﺎءل: ﻟﻤﺎذا ﻻ ﻳﺮى أﺑﻲ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﯿﺎ إﻻ ﺷﻈﻔﮫﺎ؟ وﻟﻤﺎذا ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ وﻋﻠﯿﻨﺎ ذﻟﻚ اﻟﺨﻮف ﻣﻦ اﻟﺒﮫﺠﺔ واﻟﻔﺮح؟ ∞∞∞∞∞ وﺣﺪﺛﺖ ﻓﻲ اﻷﻳﺎم اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ أﺣﺪا ٌ ث ﻏﺮﻳﺒﺔ ،أﻧﺬرت ﺑﻐﻀﺐ اﻟﺮب ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺳﻜﻨﻮا ﻋﺼﯿﻮن ﺟﺎﺑﺮ ،ﻓﻘﺪ اﻣﺘﻨﻌﺖ اﻷﺳﻤﺎك ﻋﻦ دﺧﻮل اﻟﺨﻠﯿﺞ ﻟﺜﻼﺛﺔ أﻳﺎم ﻣﺘﺘﺎﻟﯿﺔ ،ﻛﺎن اﻟﺼﯿﺎدون ﻳﺠﻮﺑﻮن ﻓﯿﮫﺎ اﻟﺨﻠﯿﺞ ﺑﺎﻟﻤﺮاﻛﺐ ،ﻓﻼ ﻳﺠﺪون أﺛًﺮا ﻟﺴﻤﻜﺔ ﺗﮫﺘﺰ ﻟﮫﺎ ﺷﺒﺎﻛﮫﻢ أو ﺷﺼﻮﺻﮫﻢ ،وﻛﺄﻧﻤﺎ اﺗﻔﻘﺖ اﻷﺳﻤﺎك ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﮫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺣﯿﻞ أو اﻻﺧﺘﺒﺎء ،وﻓﻲ ﺻﺒﯿﺤﺔ ﻳﻮم ﺳﺒﺖ ،اﻣﺘﻸ اﻟﺨﻠﯿﺞ ﺑﺎﻟﺠﻠﺒﺔ ،ورأى ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﺳﻜﺎن اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻣﻦ اﻹدوﻣﯿﯿﻦ ﻳﮫﺮوﻟﻮن ﻓﻲ اﻟﻤﺎء ﺑﻤﻼﺑﺴﮫﻢ ،وﻳﻤﺴﻜﻮن ﺑﺈﻳﺪﻳﮫﻢ أﺳﻤﺎًﻛﺎ ﺗﻘﺎﻓﺰت ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺤﻪ ،وﺣﯿﺘﺎﻧًﺎ ﺻﻐﯿﺮة ﺗﻄﻔﻮ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻄﺢ ،وﺗﺪﺧﻞ طﻮاﻋﯿﺔ ﺑﺄﻧﻔﺴﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﺸﺒﺎك ،ﻓﮫﻠﻞ اﻹدوﻣﯿﻮن ﻓﺮﺣﯿﻦ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺼﯿﺪ اﻟﺬي ﻧﺎﻟﺘﻪ إﻳﺪﻳﮫﻢ ﻓﻲ ﺳﮫﻮﻟﺔ وﻳﺴﺮ ،وود ﻧﻔٌﺮ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻟﻮ ﺷﺮﻋﻮا ﺷﺒﺎﻛﮫﻢ ﻟﯿﻨﺎﻟﻮا ﻣﻦ ھﺬا اﻟﺼﯿﺪ اﻟﯿﺴﯿﺮ ،وﻟﻜﻦ رﺟﺎًﻻ ﺑﮫﻢ ﺑﻘﯿﺔ ﻣﻦ إﻳﻤﺎن ،ذﻛّﺮوھﻢ ﺑﺄن اﻟﯿﻮم ﻳﻮم ﺳﺒﺖ ،وأن اﻟﺮب ﻗﺪ ﺣﺮم ﻋﻠﯿﮫﻢ اﻟﺼﯿﺪ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ،وﻗﺎﻟﻮا ﻟﯿﻌﺰوا أﻧﻔﺴﮫﻢ: ھﺎ ﻗﺪ اﻧﻜﺸﻔﺖ اﻟﻐﻤﺔ ،وﻏًﺪا ﺗﻌﻮد اﻟﺤﯿﺘﺎن واﻷﺳﻤﺎك ،ﻓﻨﺼﻄﺎد ﻣﻨﮫﺎ ﻛﻤﺎﺻﺎدھﺎ اﻹدوﻣﯿﻮن. وﺟﺎء اﻟﻐﺪ ﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﻤﻨﻮه ،ﻓﻘﺪ ﺳﻜﻨﺖ ﻣﯿﺎه اﻟﺨﻠﯿﺞ ﻣﺮة أﺧﺮى ،وﺑﺪت ﻛﺒﺮﻛﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء اﻵﺳﻦ ﻻ ﺣﯿﺎة ﻓﯿﮫﺎ وﻻ روح ،واﺧﺘﻔﺖ اﻟﺤﯿﺘﺎن واﻷﺳﻤﺎك اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺮاﻗﺺ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﯿﻮم ،وﻋﺎد اﻟﻨﺎس أدراﺟﮫﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ﻣﺤﻤﻠﯿﻦ ﺑﺎﻟﺨﯿﺒﺔ واﻟﺨﺴﺮان ،وﺗﻜﺮر اﻷﻣﺮ طﯿﻠﺔ اﻷﺳﺒﻮع ﺣﺘﻰ ﺟﺎء ﻳﻮم اﻟﺴﺒﺖ اﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﻓﺈذا ﺑﺎﻟﺤﯿﺘﺎن واﻷﺳﻤﺎك ﺗﻌﻮد أدراﺟﮫﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﺗﺘﻘﺎﻓﺰ ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺢ اﻟﻤﺎء ،ﻟﺘﻤﻸ ﻗﻠﻮب اﻹدوﻣﯿﯿﻦ ﻓﺮﺣﺔ وﺑﮫﺠﺔ ،وﺗﻤﻸ ﻗﻠﻮب ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻏﯿﻈًﺎ وﺣﺴﺮة. وﺗﺬﻣﺮ ﺷﺒﺎب اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ وأﻗﺴﻤﻮا ﻟﯿﺸﺮﻋﻦ ﺷﺒﺎﻛﮫﻢ ﺣﺘﻰ وإن اﻧﺘﮫﻜﻮا ﺣﺮﻣﺔ اﻟﺴﺒﺖ ،ﻓﺰﺟﺮھﻢ ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﺸﯿﻮخ ،وﻗﺎل ﻟﮫﻢ )ﺑﻨﺤﺎس( ﻓﻲ وھﻦ وﺿﻌﻒ: ﻻ ﺗﺴﺨﻄﻮا اﻟﺮب ﻋﻠﯿﻜﻢ ﻓﺈﻧﻤﺎ ھﻲ ﻓﺘﻨﺔ ﻟﯿﻨﻈﺮ رﺑﻜﻢ ﻣﺎذا ﺗﻔﻌﻠﻮن.ﻓﻠﻢ ﻳﺴﺘﻤﻊ إﻟﯿﻪ اﻟﺮﺟﺎل ،وﻗﺎل ﺷﺎب ﻓﻲ ﺗﺬﻣﺮ ﺳﺎﻓﺮ: أﺗﻌﺒﺚ ﺑﻨﺎ اﻟﺴﻤﺎء؟!وﻗﺎل آﺧﺮ: ﻟﻮ ﻛﺎن ﻓﻲ اﻷﻣﺮ ﺣﺮﻣﺔ ﻟﻤﺎ ﺟﺎءت اﻟﺤﯿﺘﺎن َﺷَﺮًﻋﺎ ﻓﻲ ﻳﻮم اﻟﺴﺒﺖ ،ﺗﺘﻠﻘﻔﮫﺎ أﻳﺎدي اﻷطﻔﺎل واﻟﻨﺴﺎء. ﻓﻘﺎل ﻟﮫﻢ )ﺑﻨﺤﺎس( ﻳﺤﺬرھﻢ: إﻧﻲ أﻋﻈﻜﻢ أن ﻳﺤﻞ ﻋﻠﯿﻜﻢ اﻟﻌﺬاب اﻟﺸﺪﻳﺪ أو اﻟﮫﻼك!ﻓﺘﺤﺪث )راﺣﻮم( اﺑﻦ )ﺑﻨﺤﺎس( اﻷﻛﺒﺮ وﻛﺎن ذو ﻣﻜﺎﻧﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﺼﯿﺎدﻳﻦ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻳﺎ ﻣﻌﺸﺮ اﻟﺼﯿﺎدﻳﻦ ،وﷲ إﻧﻲ ﻷﺟﺪ اﻟﺮأي ﺑﯿﻦ ﻣﺎ ذﻛﺮﺗﻤﻮه ،ﻓﻠﯿﺲ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦأن ﻧﻨﺘﮫﻚ ﺣﺮﻣﺔ اﻟﺴﺒﺖ ،وﻟﯿﺲ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻞ أن ﻧﺘﺮك ﺻﯿًﺪا ﺗﻨﺎﻟﻪ أﻳﺪﻳﻨﺎ وﺷﺒﺎﻛﻨﺎ، وإن ﺷﺌﺘﻢ ذﻛﺮت ﻟﻜﻢ اﻟﺮأي اﻟﺼﻮاب. ﻓﺎﺳﺘﺤﺜﻪ اﻟﻘﻮم ﻗﺎﺋﻠﯿﻦ: ھﺎت ﻣﺎ ﻋﻨﺪك ﻳﺎ )راﺣﻮم(.ﻓﻘﺎل: ﺗﻨﺼﺒﻮن ﺣﺒﺎﺋﻠﻜﻢ وﺷﺼﻮﺻﻜﻢ ﻗﺒﻞ ﻳﻮم اﻟﺴﺒﺖ ،ﻓﺈذا ﺟﺎءت اﻟﺤﯿﺘﺎن واﻷﺳﻤﺎكﻓﻲ ﻳﻮم اﻟﺴﺒﺖ ،ﺗﻠﻘﻔﺘﮫﺎ اﻟﺸﺒﺎك واﺣﺘﺠﺰﺗﮫﺎ وراءھﺎ ،ﻓﺈذا اﻧﻘﻀﻰ اﻟﺴﺒﺖ، ﺑﻜّﺮﺗﻢ ﻓﺠﻤﻌﺘﻢ ﻣﺎ اﺣﺘﺠﺰﺗﻪ اﻟﺸﺒﺎك ﻣﻦ ﺻﯿٍﺪ ﺣﻼل ﻻ ﺷﺒﮫﺔ ﻓﯿﻪ! ھﻤﮫﻢ اﻟﻨﺎس ﻣﺴﺘﺤﺴﻨﯿﻦ اﻟﺮأي ،وﻗﺎل أﺧﻮه )ﻋﯿﻼم( ﻣﺆﻳًﺪا: ﻧﻌﻢ اﻟﺮأي ﻳﺎ )راﺣﻮم( ،ھﺬا ﻋﯿﻦ اﻟﺼﻮاب ﻳﺎ ﺷﯿﺦ اﻟﺼﯿﺎدﻳﻦ!ﻓﺒﺎﻧﺖ اﻟﺨﯿﺒﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ )ﺑﻨﺤﺎس( وﻗﺎل ﻣﺬﻣ ً ﻤﺎ: ﺑﺌﺲ اﻟﺮأي رأﻳﻚ ﻳﺎ )راﺣﻮم( أﺗﺨﺎدﻋﻮن ﷲ؟!ھﻠﻜﺖ ﻳﺎﺑﻦ )ﺑﻨﺤﺎس( وأھﻠﻜﺖ ﻣﻌﻚ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ! ﺛﻢ أﻣﺮ وﻟﺪه اﻷﺻﻐﺮ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﺑﺄن ﻳﺤﻤﻠﻪ ﻋﻠﻰ أﺗﺎن ﻟﯿﻌﻮد ﺑﻪ إﻟﻰ ﺣﻀﯿﺮوت وﻗﺎل: ﻳﺎ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( أﺧﺮﺟﻨﻲ ﻣﻦ ھﺬه اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﻈﺎﻟﻢ أھﻠﮫﺎ ﻓﻘﺪ ﺣﻖ ﻋﻠﯿﮫﺎ اﻟﻌﺬاب.ﻓﻔﻌﻞ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻣﺎ أﻣﺮه ﺑﻪ أﺑﻮه وﻋﺎدا إﻟﻰ اﻟﻨﺰل ﻓﻲ ﺣﻀﯿﺮوت ،ﻳﺴﺘﺠﯿﺮان ﺑﺒﯿﺖ اﻟﺮب ،وﻳﺪﻋﻮاﻧﻪ ﻟﻜﯿَﻼ ﻳﺄﺧﺬ إﺧﻮاﻧﮫﻢ وأﺑﻨﺎءھﻢ ﺑﺎﻟﻌﺬاب. واﺳﺘﯿﻘﻈﻨﺎ ذات ﺻﺒﺎح ﻋﻠﻰ ﺟﻠﺒﺔ وﺻﺮاخ ﻓﻲ اﻟﺤﻲ ﻓﻘﺪ ھﺎﺟﻤﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﺮدة اﻟﻤﻨﺎزل وأرادت أن ﺗﺪﺧﻠﮫﺎ ﻋﻨﻮة ،وطﺎﻓﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﺨﻨﺎزﻳﺮ ﻓﻲ ﺷﻮارع اﻟﻨﺰل ﻓﻲ ﻣﺸﮫﺪ ﺗﻘﺸﻌﺮ ﻟﻪ اﻷﺑﺪان ،ﺻﺮخ اﻷطﻔﺎل واﻟﻨﺴﺎء وظﻞ اﻟﺮﺟﺎل ﻳﻘﺬﻓﻮن اﻟﻘﺮدة ﺑﺎﻟﺤﺠﺎرة ،وﻳﻀﺮﺑﻮن اﻟﺨﻨﺎزﻳﺮ ﺑﺎﻟﻌﺼﻲ ،وﻳﺪﻓﻌﻮﻧﮫﻢ دﻓًﻌﺎ إﻟﻰ ﺧﺎرج اﻟﻨﺰل ،ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻟﻘﺮدة ﺗﻔﺮ ﺛﻢ ﺗﻌﻮد ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ واﻟﺨﻨﺎزﻳﺮ ﺗﺴﺘﻤﯿﺖ ﻟﺪﺧﻮل اﻟﺒﯿﻮت وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﻠﻮذ ﺑﺴﻜﺎن اﻟﺤﻲ ﻣﻦ ﺧﻄﺮ أﺣﺪق ﺑﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء. وھﻨﺎك ﻋﻨﺪ ﺑﯿﺖ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﺗﺴﻮرت ﻗﺮود ﺗﺴﻌﺔ ﺟﺪران اﻟﺒﯿﺖ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﺪﺧﻠﻪ وﺳﻤﻌﻨﺎ ﺻﺮاخ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ،ﻓﮫﺮوﻟﻨﺎ إﻟﯿﻪ أﻧﺎ وأﺑﻲ ،وظﻠﻠﻨﺎ ﻧﺰود ﻋﻦ ﺑﯿﺘﻪ وﻧﺬﻳﻖ اﻟﻘﺮود ﺿﺮﺑﺎت ﻣﻮﺟﻌﺔ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎرة واﻟﻌﺼﻲ ،ﺣﺘﻰ أدﻣﯿﻨﺎ ﺑﻌﻀﮫﺎ وﻛﺪﻧﺎ ﻧﻘﺘﻞ اﻟﺒﻌﺾ. وﻟﻢ ﻧﺴﻤﻊ ﻓﻲ ﻏﻤﺮة ﺣﻤﺎﺳﻨﺎ ﺻﻮت أﺑﯿﻪ )ﺑﻨﺤﺎس( ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ ﻓﻲ وھﻦ وﺣﺰن وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻛﻒ ﻋﻦ ﺿﺮﺑﮫﻢ ﻳﺎ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ،ﻓﻮﷲ إﻧﻲ ﻷﺟﺪ ﻓﻲ أﺣﺪھﻢ وﺟﻪ أﺧﯿﻚ )راﺣﻮم(!وﻓﺮت اﻟﻘﺮدة إﻟﻰ اﻟﺼﺤﺮاء اﻟﻤﺘﺎﺧﻤﺔ ﻟﻠﻨﺰل وﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ﺧﺮج ﺑﻌﺾ اﻟﺮﺟﺎل ﻻﺳﺘﻄﻼع أﻣﺮھﻢ ،ﻓﻮﺟﺪوھﻢ وﻗﺪ ﻧﻔﻘﻮا ﻋﻦ ﺑﻜﺮة أﺑﯿﮫﻢ. وأرﺳﻞ )ﺑﻨﺤﺎس( وﻟﺪه )ﻋﺎﻣﯿﺮ( إﻟﻰ ﻋﺼﯿﻮن ﺟﺎﺑﺮ ،وﻗﺎل ﻟﻪ: ﻳﺎ ﺑﻨﻲ اذھﺐ ﻓﺘﺤﺴﺲ ﻣﻦ أﻣﺮ إﺧﻮﺗﻚ ،ﻓﻠﻌﻞ ﷲ ﻗﺪ أﻧﺠﻰ ﺑﻌﻀﮫﻢ ﻣﻦاﻟﻌﺬاب. ﻓﻌﺎد )ﻋﺎﻣﯿﺮ( وأﺧﺒﺮه ﺑﺄن اﻟﻘﺮﻳﺔ ﺧﺎوﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺮوﺷﮫﺎ! وﻟﻢ ﺗﻄﻞ اﻟﺤﯿﺎة ﺑﺎﻟﺼﯿﺎد )ﺑﻨﺤﺎس( ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،أﻧﮫﻜﺖ اﻟﺤﺴﺮة ﺟﺴﺪه اﻟﻤﺮﻳﺾ، ﻓﻤﺎت وھﻮ ﻳﺪﻋﻮ اﻟﺮب أن ﻳﻜﻮن ﻋﺬاب أﺑﻨﺎﺋﻪ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻛﻔﺎرة ﻟﮫﻢ ﻓﻲ اﻵﺧﺮة. وﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﺟﻠﺴﺖ إﻟﻰ أﺑﻲ وﻗﺪ ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺸﻔﻘﺔ ﻋﻠﻰ )ﺑﻨﺤﺎس( وأوﻻده ،ﺳﺄﻟﺘﻪ: ھﻞ ﺣﻘﺎ ﻣﺴﺦ اﻟﺮب إﺧﻮة )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻗﺮوًدا ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل اﻟﻨﺎس؟!ﻗﺎل آﺳًﻔﺎ: ﻻ أدري ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!وﻟﻜﻦ اﻟﺮب ﻋﺎﻗﺒﮫﻢ ﻋﻠﻰ أﻳﺔ ﺣﺎل! ﻗﻠﺖ ﻣﺮﺗﺠًﻔﺎ: ﻟﻤﺎذا ﻳﻘﺴﻮ اﻟﺮب ﻋﻠﯿﻨﺎ ھﻜﺬا؟!ﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﻣﺬھﻮًﻻ وﻗﺪ أزﻋﺠﺘﻪ ﻛﻠﻤﺎﺗﻲ وﻗﺎل: ھﻮ ﻳﻘﺴﻮ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺼﺎة ﻓﻘﻂ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﻗﻠﺖ: أﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻟﻌﺼﺎة ﺗﻮﺑﺔ؟!ﻗﺎل: اﻟﺘﻮﺑﺔ ﻟﻤﻦ ﻳﺠﮫﻞ!ﻧﻈﺮت إﻟﯿﻪ وﻗﻠﺖ: أﺑﻲ!ھﻞ ﺗﺤﺐ اﻟﺮب؟! ﻗﺎل ﻣﺆﻛًﺪا: ﻧﻌﻢ!ﻗﻠﺖ ﻣﺮﺗﺠًﻔﺎ: وﻟﻜﻨﻲ أﺧﺎﻓﻪ!ﻗﺎل وھﻮ ﻳﻀﻢ رأﺳﻲ إﻟﻰ ﺻﺪره: إذا ﺧﻔﺖ اﻟﺮب ﻓﺴﻮف ﻳﺤﺒﻚ ،وإذا أﺣﺒﻚ ﻓﺴﻮف ﺗﺤﺒﻪ!وﻣﮫﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﺷﻲء ﻓﺈن ﻗﺼﺔ )ﺑﻨﺤﺎس( ظﻠﺖ ﻋﺎﻟﻘﺔ ﺑﻌﻘﻠﻲ ﻟﺴﻨﻮات ،ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌﺪﻣﺎ اﻧﻀﻢ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( اﻟﺬي ﻓﻘﺪ أﺳﺮﺗﻪ ﺑﺄﻛﻤﻠﮫﺎ إﻟﻰ دارﻧﺎ ،وﺻﺎر اﻟﺼﺒﻲ اﻟﺬي ﺻﻔﻌﻨﻲ أﺑﻲ ﻣﻦ أﺟﻠﻪ أ ً ﺧﺎ ﻟﻢ ﺗﻠﺪه أﻣﻲ. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻋﺸﺮة وﻣﺮت اﻷﻳﺎم واﻟﺸﮫﻮر ،واﻧﻘﻀﺖ أﺷﮫﺮ اﻟﺼﯿﻒ ﺑﻘﯿﻈﮫﺎ وﻟﮫﯿﺐ ﺷﻤﺴﮫﺎ ،وﺑﺪأت ﻧﺴﺎﺋﻢ »ﺗﺸﺮﻳﻦ« ﻓﻲ اﻟﮫﺒﻮب ﻣﺆذﻧﺔ ﺑﺒﺪأ اﻟﺨﺮﻳﻒ ،ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم اﻟﺬي ﺗﺠﻒ ﻓﯿﻪ اﻷﺷﺠﺎر وﻳﺸﺢ ﻓﯿﻪ اﻟﻜﻸ وﻳﻄﻮف اﻟﺮﻋﺎة ﺑﺄﻏﻨﺎﻣﮫﻢ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ﺑﺤًﺜﺎ ﻋﻦ اﻟﻌﺸﺐ واﻟﻤﺎء. وﻛﻨﺖ أﻧﺎ و)ﻋﺎﻣﯿﺮ( وﺑﻌﺾ اﻟﺼﺒﯿﺔ ﻧﺨﺮج ﺑﺄﻏﻨﺎم اﻟﺤﻲ إﻟﻰ اﻟﺼﺤﺮاء ﻟﻨﺮﻋﻰ ﻓﯿﻤﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ اﻟﻜﻸ ،اﻟﺬي ﺟﻔﺖ أوراﻗﻪ واﺣﺘ ّ ﺪت ﺳﯿﻘﺎﻧﻪ ﺣﺘﻰ ﺻﺎرت ﻛﺎﻟﺸﻮك، تﺗ ُ ﺴﺪ ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻷﻏﻨﺎم ﺗﺘﺤﺴﺲ ﺑﺄطﺮاف أﻟﺴﻨﺘﮫﺎ اﻟﻌﺸﺐ ،ﺗﻨﺘﻘﻲ ﻣﻨﻪ ورﻳﻘﺎ ٍ ﺑﮫﺎ ﺟﻮﻋﮫﺎ ،وﺗﻤﺘﺺ ﻣﻦ ﻟﺤﺎﺋﮫﺎ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻣﻦ َر ْ طِﺒﮫﺎ. وﻛﻨﺖ أﺳﻌﺪ ﺑﺘﻠﻚ »اﻟﱡﻨﺰھﺎت اﻟﱠﺮْﻋﻮﻳﺔ« ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ َرْوﺣ ٌ ﺔ ،أﺳﺘﺮﻳﺢ ﺑﮫﺎ ﻲ أﺑﻲ ﺑﺎﻟﺒﻘﺎء داﺧﻞ اﻟﺤﻲ ،واﻟﻤﻮاظﺒﺔ ﻋﻠﻰ زﻳﺎرة ﻣﻦ اﻟﺘﻀﯿﯿﻖ اﻟﺬي ﻓﺮﺿﻪ ﻋﻠ ّ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻣﻌﻪ واﻻﺳﺘﻤﺎع إﻟﻰ ﺗﻌﺎﻟﯿﻢ اﻟﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ( أو اﻟﻜﺎھﻦ )ھﺎرون( ،ﻛﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﺟﺪ ﻓﯿﮫﺎ ﻣﺘﻨﻔ ً ﺴﺎ ﻟﻠﻌﺐ ﻣﻊ اﻷﻗﺮان دون ﻟﻮم ﻣﻦ أﻣﻲ أو ﺗﻘﺮﻳﻊٍ ﻣﻦ أﺑﻲ ،وﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ﺗﻌﻠﻤﺖ ﻣﻦ اﻟﺼﺒﯿﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻜﺒﺮوﻧﻨﻲ ﺳﻨﺎ ﻓﻨﻮﻧًﺎ ﻣﻦ اﻷﻟﻌﺎب ،ﺑﺮﻋﺖ ﻓﯿﮫﺎ ﻛﺜﯿًﺮا ﻣﺜﻞ اﻟﻤﺒﺎرزة ﺑﺎﻟﻌﺼﻲ واﻟﻘﺘﺎل ﺑﺎﻷﻳﺪي ،وﻛﺎن ﻳﻌﯿﻨﻨﻲ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻗﻮة ﺑﻨﯿﺎﻧﻲ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﺎﻓﺆھﻢ رﻏﻢ ﺻﻐﺮ ﺳﻨﻲ ،وﻣﺮوﻧﺔ ﺟﺴﺪي ﻓﻲ اﻟﺤﺮﻛﺔ واﻻﺣﺘﯿﺎل ،وﻛﺎن وﺟﻮدي إﻟﻰ ﺟﻮار )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻓﻲ أي ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻌﺎرﻛﯿﻦ ،ﻛﻔﯿًﻼ ﺑﺄن ُﻳﺮ ِ ّ ﺟﺢ ﻛّﻔﺔ ذﻟﻚ اﻟﻔﺮﻳﻖ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن لـ)ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﺟﺴٌﺪ ﺻﻠٌﺪ ،وھﺒﻪ اﻟﺮب إﻳﺎه ﻣﻨﺬ اﻟﺮﺿﺎع ،وﺻﻘﻠﻪ اﻟﺠﮫُﺪ واﻟﺸﻘﺎء ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﺑﻨﯿﺎﻧﻪ اﻟﻤﺘﻨﺎﺳﻖ ﻛﺘﻤﺜﺎل ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ اﻷﺳﻮد ﻧﺤﺘﺘﻪ أﻳﺪي ﻓﻨﺎن ﻣﻦ أھﻞ »ﻓﯿﺜﻮم«. ووﺟﺪ أﺑﻲ ﻓﯿﻨﺎ ُﻣﻌﯿًﻨﺎ ﻟﻪ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻟﻪ ﻓﻜﻨﺎ ﻧﺠﻤﻊ ﻟﻪ اﻷﺧﺸﺎب واﻟﺤﻄﺐ وﻧﺮﻋﻰ ﻟﻪ اﻷﻏﻨﺎم ،وأوﺣﺖ ﻟﻪ أﻣﻲ ﺑﺒﻨﺎء ﺑﯿﺖ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﯿﻦ واﻟّﻘﺶ ﻋﻠﻰ ﻏﺮار ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺼﻨﻌﻪ اﻟﻤﺼﺮﻳﻮن ﺣﺘﻰ ﻳﻘﯿﻨﺎ اﻟﺒﺮد ﻓﻲ اﻟﺸﺘﺎء ،ﻓﻤﺪﻳﻨﺔ ﺣﻀﯿﺮوت ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻊ إﻟﻰ اﻟﺸﻤﺎل ﻣﻦ ﺟﺒﻞ ﺣﻮرﻳﺐ وﻣﻮﻗﻌﮫﺎ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﺨﻠﯿﺞ ،ﺟﻌﻠﮫﺎ أﺷﺪ ﺑﺮًدا ﻓﻲ اﻟﻠﯿﻞ ﻣﻦ أي ﻧﺰل ﻧﺰﻟﻨﺎ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،ورﻏﻢ أﻧﻨﺎ ﻛﻨﺎ ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﺨﺮﻳﻒ ﻓﺈن اﻟﺮﻳﺎح ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﺘﺪ ﻓﻲ اﻟﻠﯿﻞ ﺣﺘﻰ ﻛﺎدت أن ﺗﻌﺼﻒ ﺑﺎﻟﻜﻮخ ﻓﻲ ﻟﯿﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﯿﺎﻟﻲ اﻟﺒﺎردة ،ﻓﺎﺳﺘﺠﺎب أﺑﻲ ﻟﻄﻠﺒﮫﺎ ،وﺻﻨﻊ ﻗﻮاﻟﺐ ﻋﺪﻳﺪة ﻣﺘﻤﺎﺛﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ﻛﺎن ﻳﻀﻊ ﻓﻲ ﻛﻞ واﺣﺪة ﻣﻨﮫﺎ ﺧﻠﻄﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺮاب اﻟﻨﺎﻋﻢ واﻟﻤﺎء واﻟَﻘﺶ اﻟﺬي ﺟﻤﻌﻨﺎه ﻣﻦ ﺳﯿﻘﺎن اﻟﻜﻸ اﻟﺠﺎﻓﺔ ﺛﻢ درﺳﻨﺎه ﺑﺎﻟﺤﺠﺮ ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﻛﺎﻟﻌﺼﻒ، ﺛﻢ ﺗﺮﻛﮫﺎ ﻟﺘﺠﻒ ﻓﻲ اﻟﺸﻤﺲ ﻟﯿﻮﻣﯿﻦ أو ﺛﻼﺛﺔ ،ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﺰع ﻋﻨﮫﺎ ﻗﺎﻟﺒﮫﺎ ت ﻣﻦ اﻟﻘﺮﻣﯿﺪ ،ﺧﻔﯿﻔﺔ اﻟﻮزن وﻟﻜﻨﮫﺎ ﻗﻮﻳﺔ ﻣﺘﻤﺎﺳﻜﺔ اﻟﺨﺸﺒﻲ ﻟﺘﺼﯿﺮ ﻟَِﺒﻨﺎ ٍ ﻛﺎﻟﺤﺠﺮ. وﻗﺎم أﺑﻲ ﺑﺘﺨﻄﯿﻂ اﻟﺒﯿﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﺣﺔ واﺳﻌﺔ إﻟﻰ اﻟﺠﻨﻮب ﻣﻦ ﺣﻲ رأوﺑﯿﻦ وﺟﻌﻞ ﻓﯿﻪ ﺣﺠﺮة ﻟﻪ وﻷﻣﻲ وأﺧﺮى ﻟﻲ و)ﻋﺎﻣﯿﺮ( ،وﺛﺎﻟﺜﺔ ﻟﻠﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ،ﺛﻢ ﺴﺪر ،وﺻﻨﻊ ﻟﻪ ﺑﺎﺑًﺎ ﻣﻨﯿًﻌﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻮص اﻟﻤﺒﺮوم رﻓﻊ ﻟﻪ ﺳﻘًﻔﺎ ﻣﻦ ﻓﺮوع اﻷﺛﻞ واﻟ ّ ِ وﺟﻌﻞ ﻟﻪ ﻧﻮاﻓﺬ ﺻﻐﯿﺮة ﺗﺪﺧﻞ اﻟﮫﻮاء واﻟﻨﻮر إﻟﻰ داﺧﻞ اﻟﺪار ،ﻓﺼﺎر ﺑﺬﻟﻚ ﺑﯿﺘﻨﺎ أروع ﺑﯿﻮت اﻟﻨﺰل وأﺟﻤﻠﮫﺎ. ورأي ﺳﻜﺎن اﻟﻨﺰل اﻟﺪار ﻓﺄﻋﺠﺒﺘﮫﻢ ،وﺟﺎء ﺟﯿﺮان ﻟﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻲ ﻳﺴﺄﻟﻮﻧﻨﺎ ﻗﻮاﻟﺐ اﻟﺨﺸﺐ ﺣﺘﻰ ﻳﺒﻨﻮا ﻷﻧﻔﺴﮫﻢ داًرا ﻣﺜﻞ دارﻧﺎ ﻓﺄﻋﺎرھﺎ ﻟﮫﻢ أﺑﻲ ،ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﺠﯿﺮان أن طﻠﺒﻮا ﻣﻨﻪ أن ﻳﺼﻨﻊ ﻟﮫﻢ ﻗﻮاﻟﺐ أﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ﻣﻘﺎﺑﻞ أﺟﺮ ،ﻓﺼﻨﻌﮫﺎ ﻟﮫﻢ ،وﺻﻨﻊ ﻛﺬﻟﻚ أﺑﻮاﺑًﺎ وﻧﻮاﻓﺬ ،ﺣﺘﻰ راﺟﺖ ﺻﻨﻌﺘﻪ ،واﻣﺘﻸ ﻓﻨﺎء ﺑﯿﺘﻨﺎ اﻟﺨﻠﻔﻲ ﺑﺠﺬوع اﻷﺷﺠﺎر ،وﺗﺮاﺻﺖ ﻓﻲ أرﻛﺎﻧﻪ ﻋﺸﺮات اﻷﺑﻮاب واﻟﺼﻨﺎدﻳﻖ اﻟﺨﺸﺒﯿﺔ. وزاد ﺣﺠﻢ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻦ طﺎﻗﺔ أﺑﻲ وﻟﻢ ﻧﺴﺘﻄﻊ أﻧﺎ و)ﻋﺎﻣﯿﺮ( أن ﻧﻔﻲ ﺑﺤﺎﺟﺘﻪ وﺣﺪﻧًﺎ ،ﻓﺎﻛﺘﺮى ﻧﺠﺎًرا ﻣﻦ ﺳﺒﻂ ﺑﻨﯿﺎﻣﯿﻦ ﻟﯿﻌﺎوﻧﻪ ،ﻛﺎن اﻟﻨﺠﺎر اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺷﺎﺑﺎ ﺻﻐﯿًﺮا اﺳﻤﻪ )رام( ،ﻧﺤﯿﻒ اﻟﺠﺴﺪ ،ﻗﺼﯿﺮ اﻟﻘﺎﻣﺔ ،ورﻏﻢ ﻓﻘﺮه ،ﺑﺪا ﻣﺘﺄﻧًﻘﺎ وﺳﯿ ً ﻤﺎ وﻗﺪ ﺣﻒ ﺷﺎرﺑﻪ وﻟﺤﯿﺘﻪ ،وھﺬب ﺷﻌﺮه اﻟﻄﻮﻳﻞ وﻣﺴﺤﻪ ﺑﺎﻟﺰﻳﺖ واﻟﻄﯿﺐ ﻟﻜﻲ ﻳﺒﺪو ﻣﺘﻸﻟًﺌﺎ ﻓﻲ ﺿﻮء اﻟﺸﻤﺲ ،وﺣﯿﻨﻤﺎ رأﺗﻪ أﻣﻲ ﺗﻨﺤﺖ ﺑﺄﺑﻲ ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ ﻣﺴﺘﻨﻜﺮة: ﺟﻠًَﺪا ﻟﯿﻌﯿﻨﻚ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻟﻚ ﺑﺪًﻻ ﻣﻦ ذاك اﻟﻤﻌﺠﺐ ﺑ ُ أﻓﻼ ﺗﻜﺘﺮي رﺟًﻼ َﻪ ﺤﺴﻨ ِ ﻛﺎﻟﻨﺴﺎء؟! ﻓﻘﺎل ﻟﮫﺎ أﺑﻲ ﻣﺆﻧﺒًﺎ: ﻻ ﺗﺴﯿﺌﻲ اﻟﻈﻦ ﺑﻪ ﻳﺎ )روﻣﺎﻧﺎ( ،ﻓﮫﻮ ﻓﻘﯿﺮ ﻳﺘﯿﻢ ،وﻗﺪ أوﺻﺎﻧﻲ ﺑﻪ )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ ﺑﻦﺣﻮر( ﺧﯿًﺮا! وﻳﺒﺪو أن ﻓﻲ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﺴﺒﺎًرا ﻳﻘﺮأن ﺑﻪ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺟﻮف اﻟﺮﺟﺎل ﻗﺒﻞ أن ﺗﺒﻮح ﺑﻪ اﻷﻳﺎم ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن )رام( ﺷﺪﻳﺪ اﻟﮫﺪوء واﻹﺧﻼص ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ طﺎﻟﻤﺎ ﻛﺎن أﺑﻲ ﻣﻮﺟﻮًدا ﻓﻲ ﻓﻨﺎء اﻟﺪار ،ﻓﺈذا اﻧﺼﺮف أﺑﻲ ﻟﺒﻌﺾ ﺷﺄﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﻲ ،ﺗﺒﺪل اﻟﺤﺎل ﺑﺎﻟﺸﺎب ،ﻓﯿﺼﯿﺮ أﻛﺜﺮ ﻛﺴًﻼ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ ،وﺗﺨﺘﻔﻲ ﻣﻦ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﻧﻈﺮة اﻻﻧﻜﺴﺎر وﺗﺤﻞ ﻓﯿﮫﻤﺎ ﻧﻈﺮة ﺟﺮأة ھﻲ أﻗﺮب إﻟﻰ اﻟﻮﻗﺎﺣﺔ. ﻛﻨﺖ أﻧﺎ و)ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻧﻘﻮم ﺑﺮص ﻗﻮاﻟﺐ اﻟﺨﺸﺐ ﻓﻮق ﺳﻘﻒ اﻟﺒﯿﺖ ،أﻗﻒ أﻧﺎ ﻓﻮق اﻟﺠﺪار ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻳﻘﻒ ھﻮ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻳﻘﺬف ﻟﻲ ﻗﻮاﻟﺐ اﻟﺨﺸﺐ ﻓﺄﻟﺘﻘﻔﮫﺎ ،ﺛﻢ أﺿﻌﮫﺎ ﻓﻮق اﻟﺼﻔﻮف اﻟﺘﻲ ارﺗﻔﻌﺖ ﺣﺘﻰ ﺣﺎذت ﻣﻨﻜﺒﻲ ،وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻧﺤﻦ ﻛﺬﻟﻚ أﺗﺖ إﻟﻰ اﻟﻔﻨﺎء ﻓﺘﺎة ﺷﺎﺑﺔ ﻣﻦ ﻋﺸﯿﺮة »ﻗﮫﺎت« ،وھﻲ ﻋﺸﯿﺮة ﺗﺘﻤﯿﺰ ﻧﺴﺎؤھﺎ ﺑﺎﻟﻤﻼﺣﺔ واﻟﺨﻼﻋﺔ ،وﻛﺎن ﻷﺧﺘﮫﺎ ﻋﻨﺪﻧﺎ أﺛﺎ ٌ ث ﻧﺼﻨﻌﻪ ،ﺧﻄﺮت اﻟﻔﺘﺎة ﻓﻲ ﻣﺸﯿﺘﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﻨﺎء ﺛﻢ ﻧﺎدﺗﻨﻲ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺪﻻل ﻟﻜﺜﺮة ﺗﺮددھﺎ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻗﺎﺋﻠﺔ: ھﻞ اﻧﺘﮫﻰ أﺑﻮك ﻣﻦ ﺻﻨﻊ ﺻﻨﺪوق اﻟﻤﻼﺑﺲ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(؟ﻟﻘﺪ أوﺷﻜﺖ أﺧﺘﻲ أن ُﺗَﺰ ّ ف دوﻧﻪ! ﻛﺪت أﻗﻮل ﻟﮫﺎ أن أﺑﻲ ﺧﺮج إﻟﻰ اﻟﺤﻲ ﻟﺒﻌﺾ ﺷﺄﻧﻪ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺸﺎب )رام( ﻗﻄﻊ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻗﺎﺋًﻼ وھﻮ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻋﯿﻨﯿﮫﺎ: اﻟﺼﻨﺪوق ﻳﺤﺘﺎج ﻓﻘﻂ إﻟﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﺼﻘﻞ واﻟﺘﮫﺬﻳﺐ ،اﻣﻨﺤﯿﻨﻲ دﻗﺎﺋﻖ وﺳﯿﻜﻮنُﻣﻌﺪا. ﺧﻀﻌﺖ اﻟﻔﺘﺎة ﺑﺒﺼﺮھﺎ ﻟﻨﻈﺮﺗﻪ اﻟﺠﺮﻳﺌﺔ وﻗﺎﻟﺖ: ﺣﺴًﻨﺎ ،ﺳﺄﻧﺘﻈﺮك ھﻨﺎ.ﺛﻢ ﺟﻠﺴﺖ ﻓﻮق ﻣﻘﻌﺪ ﻓﻲ رﻛﻦ اﻟﻔﻨﺎء ،ﺗﺪﻳﺮ وﺟﮫﮫﺎ ﻋﻦ ﻣﻮﺿﻊ )رام( ،وﻟﻜﻦ ﺷ ّ ﻋﯿﻨﯿﮫﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﺘﻠﺲ اﻟﻨﻈﺮ ﻧﺤﻮه ﺑﻌﺪ أن َ ﻤﺮ ﻋﻦ ﺳﺎﻋﺪﻳﻪ ﺛﻢ أﻣﺴﻚ ﺑﺎﻟﺼﻨﺪوق ووﺿﻌﻪ ﻓﻮق اﻟﻤﺎﺋﺪة ،وأﺧﺬ ﻳﮫﺬب ﻣﺎ زاد ﻣﻦ ﺣﺮوﻓﻪ ﺑﺎﻹزﻣﯿﻞ ،ﻣﻘﻄ ّﺒًﺎ ﻣﺎ ﺑﯿﻦ ﺣﺎﺟﺒﯿﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻈﻦ ﻣﻦ ﻳﺮاه أﻧﻪ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﺼﻨﯿﻊ ﻋﺠﯿﺐ ،ﻳﺴﺘﻐﻠﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎذﻗﯿﻦ ﺻﻨﻌﻪ! ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ أن أﺗﻰ ﺑﺤﻔﻨﺎت ﻣﻦ اﻟﺮﻣﻞ وﺿﻌﮫﺎ ﻓﻮق اﻟﺼﻨﺪوق وﻓﺮﻛﮫﺎ ﺑﻮرق اﻟﺒﺮدي ﻟﯿﺼﻘﻞ ﺑﮫﺎ ﺳﻄﺢ اﻟﻐﻄﺎء ،وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ أوراق اﻟﺒﺮدي ﺗﺤﺘﻚ ﺑﺤﺒﺎت ي أﺷﻌﺎًرا ،ﺗﻌ ّ ت ﻧﺪ ّ ﻤﺪ أن ﺗﺼﻞ أﺑﯿﺎﺗﮫﺎ اﻟﺮﻣﺎل وﺗﺆزّھﺎ أزا ،ﻛﺎن اﻟﻔﺘﻰ ﻳﺪﻧﺪن ﺑﺼﻮ ٍ إﻟﻰ ﻣﺴﺎﻣﻊ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﻐﯿﺪاء ﻓﺄﺧﺬ ﻳﻘﻮل: َ ﺴﺎِء َﻓﺎ ْ إِْن ﻟَ ْ ﻦ اﻟﻨِّ َ ﻢ ﺧُﺮ ِ ﺟﻲ َﻋﻠَﻰ آﺛَﺎِر اْﻟَﻐَﻨ ِ ﻢ ﺗَْﻌِﺮﻓِﻲ أﻳﱠُﺘَﮫﺎ اﻟﺤﺒﯿﺒﺔ أﻧﻚ اﻷروع ﻣﻦ ﺑَْﯿ ِ ﻲ وﺣﺪك ﺑﯿﻦ اﻟﱡﺮَﻋﺎِة ﻛَﻔﺮﺳﺔ ﺟﺎﻣﺤﺔ ﺳﺘﺴﺒﻘﯿﻦ ﻛﻞ ﻣﺮﻛﺒﺎت اﻟِﻔْﺮَﻋْﻮن. َواْرَﻋ ْ َﻣﺎ أَ ْ ﻞ َ ﻤ َ ﺟ َ ﻚ ﺑﺎﻟﺠﻮاھﺮ! ﺧﱠﺪْﻳ ِ ﻚ ﺑِﺎﻟَﻘﻼ َﺋِِﺪ! َوُﻋُﻨَﻘ ِ ﻤَﺮاوان َﻛِﻔْﻠَﻘﺔ اﻟﱡﺮﱠﻣﺎ َ ﻚ ُ ك ﺗﺘﻸﻷ ﺑﺎﻟﻘﺮﻣﺰَ ،وَﻓ ُ ﺣ ْ ﺣْﻠٌﻮ ﻛﺎﻟﺸﮫﺪ و َ ك َ َ ن ﺧﱠﺪا ِ ﻤ ِ ﺷَﻔَﺘﺎ ِ أﺗﻌﺮﻓﯿﻦ ﻣﻦ أﻧﺖ؟ ﻦ اﻷ ﱠ أﻧﺖ َﻛﺎﻟ ﱠ ﺔ ﻓﻲ اﻟ ُ ك َﻛﺬﻟِ َ ﻦ ﺣﯿﻦ ﺗﻨﺜﺮ ﻋﺒﯿﺮھﺎ ﺑَْﯿ َ ﺴْﻮ َ ﺖ ﻳﺎ ﻚ أﻧ ِ ﺷﻮا ِ ﺳَﻨ ِ ﺤﺴ ِ ﺻﻐﯿﺮﺗﻲ ﺑَْﯿ َ ﻦ اْﻟﻨﺴﺎء. رأﻳﺖ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﻔﺘﺎة ُ ﺣﻤﺮة اﻟﺨﺠﻞ ،وإن ﻓﻀﺤﺖ ﺧﺎﺋﻨُﺔ ﻋﯿﻨﯿﮫﺎ ﺣﯿﺎَءھﺎ اﻟﻤﺰﻋﻮم! اﻧﺘﮫﻰ )رام( ﻣﻦ ﺻﻘﻞ اﻟﺼﻨﺪوق ﻓﺤﻤﻠﻪ وذھﺐ إﻟﯿﮫﺎ ،ﻳﻘﺘﺤﻢ ﻣﺎ ﺑﯿﻨﮫﺎ وﺑﯿﻨﻪ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﻻ ﻳﻔﺼﻠﮫﻤﺎ ﺷﻲء إﻻ اﻟﺼﻨﺪوق ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﺣﻨﺎن ﻣﺼﻄﻨﻊ: ﻚ داﺑ ٌ ﺔ ﺗﺤﻤﻠﯿﻨﻪ ﻓﻮﻗﮫﺎ؟ إﻧﻪ ﺛﻘﯿﻞ ،أَﻣَﻌ ِاﺿﻄﺮﺑﺖ وﻗﺪ ﻓﺎﺟﺄھﺎ اﻗﺘﺤﺎﻣﻪ ﻟ َ ﺤَﺮِﻣﮫﺎ وﻗﺎﻟﺖ: ﻻ.ﻓﻘﺎل ﻓﻲ ﻣﺠﻮن: ﻚ ﺣﺘﻰ داِرك ،وإن ﺷﺌﺖ طﻔﺖ ﺑﻪ ﻟﻚ ﻓﻲ ﺻﺤﺮاء إذن ﻓﺄﻧﺎ داﺑﺘﻚ ،أﺣﻤﻠﻪ ﻟ ِاﻟﻨﺰل! ﺗَﺒ ّ ﺴﻤﺖ ﻓﻲ دﻻل وﻗﺎﻟﺖ: وﻣﺎ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ؟ﻗﺎل ﻓﻲ ﺣﻨﺎﻧﻪ اﻟﻜﺎذب: ﻳﻜﻔﻲ اﻟﺒﻌﯿﺮ ﻟﻤﺴﺔ ﺣﺎﻧﯿﺔ ﻣﻦ ﺳﯿﺪﺗﻪ!أطﻠﻘﺖ ﺿﺤﻜﺔ ﺧﻠﯿﻌﺔ ﺛﻢ اﻧﺼﺮﻓﺖ. ﻲ وﻗﺎل: وﺗﺒﻌﮫﺎ اﻟﻔﺘﻰ اﻟﺬي ﻏﻤﺰ ﺑﻄﺮف ﻋﯿﻨﻪ إﻟ ّ إذا رﺟﻊ أﺑﻮك ﻗﺒﻞ أن أﻋﻮد ،ﻓﻘﻞ ﻟﻪ ﺧﺮج )رام( ﻷﺟﻞ اﻟﻌﺮوس!وﻟﻢ ﻳﻌﺪ )رام( ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم إﻻ ﺑﻌﺪ أن أوﺷﻜﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﻋﻠﻰ اﻟﺰوال، وﻟﺤﺴﻦ ﺣﻈﻪ ﻣﻜﺚ أﺑﻲ اﻟﯿﻮم ﺑﻄﻮﻟِﻪ ﻓﻲ ﺣﻲ زوﺑﻠﻮن ،ﻓﻠﻢ ﻳﺪر ﺑﻐﯿﺎﺑﻪ طﯿﻠﺔ اﻟﻨﮫﺎر ،وﻣﻨﻌﻨﻲ ُ ﺟﺒﻨﻲ ﻣﻦ أن أﺷﻲ ﺑﻪ ﻷﺑﻲ. وﻗﻀﯿﺖ ﻟﯿﻠﺘﻲ ﺗﻠﻚ أﺗﻘﻠ ّﺐ ﻓﻲ ﻓﺮاﺷﻲ ﻛﺎﻟﻤﺤﻤﻮم ،ﺗﻄﺎﻟﻌﻨﻲ ﺧﻠﺠﺎت اﻟﻔﺘﺎة، ﺴﻢ ﻓﻲ دﻻل وﻧﻈﺮات ﻋﯿﻨﯿﮫﺎ وھﻲ ﺗﻐ ُ وھﻲ ﺗَﺘﺒ ّ ﺾ اﻟﻄﺮف ﻓﻲ ﺧﻀﻮع، ﺗﻄﺎردﻧﻲ ﺻﻔﺤﺔ وﺟﮫﮫﺎ اﻟﺒﯿﻀﺎء ﻓﻲ ظﻼم أﺣﻼﻣﻲ ،وﺗﺜﯿﺮ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﺻﺨﺒًﺎ، ﻓﺎق أﺷﻌﺎر )رام( اﻟﻤﺎﺟﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺮن ﺻﺪاھﺎ ﻓﻲ أذﻧﻲ ،ﺣﺘﻰ ﻗﻤﺖ ﻣﻦ ﻧﻮﻣﻲ ﻣﻨﺘﻔ ً ﻀﺎ ،أﻟﮫﺚ ﻣﻦ ﺟﻔﺎف ﺣﻠﻘﻲ وأﺷﻌﺮ ﺑﻠﮫﯿﺐ ﻓﻲ ﺟﺴﺪي ،رﻏﻢ ﺷﺪة اﻟﺮﻳﺢ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﺒﺎردة ﻣﻦ ﻟﯿﺎﻟﻲ اﻟﺨﺮﻳﻒ. وﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ،ﺑَﻜّﺮ اﻟﻔﺘﻰ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﻲء إﻟﻰ ﻓﻨﺎء اﻟﺪار ،وﻛﺎن أﺑﻲ ﻻ ﻳﺰال ﻧﺎﺋ ً ﻤﺎ، ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﺟﻠﺲ أﻧﺎ ﻓﻮق اﻟﻤﺎﺋﺪة ﻓﻲ اﻟﻔﻨﺎء أﻋﺒﺚ ﺑﺎﻹزﻣﯿﻞ ﻋﻠﻰ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ،وأﻛﺘﺐ ﻋﻠﯿﮫﺎ أﺣﺮًﻓﺎ ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ،وﻗﻒ )رام( إﻟﻰ ﺟﻮاري وﻗﺎل ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: أﺗﻌﺮف اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ؟أوﻣﺄت ﻗﺎﺋًﻼ: ﻧﻌﻢ ﻓﺄﻣﻲ ﻣﺼﺮﻳﺔ!رﻓﻊ ﺣﺎﺟﺒﯿﻪ ﻣﻌﺠﺒًﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎل: -ﻣﺤﻈﻮظ! ﻗﻠﺖ ﻣﺎز ً ﺣﺎ: ﻷﻧﻲ أﻋﺮف اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،أم ﻷن أﻣﻲ ﻣﺼﺮﻳﺔ؟!ﻗﺎل ﻓﻲ ﺟﺪﻳﺔ ﻣﻤﺰوﺟﺔ ﺑﺒﻌﺾ اﻷﺳﻰ: ﺑﻞ ﻷن ﻟﻚ أﺑﻮﻳﻦ ُﻳﻌﻠِ ّﻤﺎﻧﻚ.ﺗﺬﻛﺮت أﻧﻪ ﻳﺘﯿﻢ اﻷﺑﻮﻳﻦ ﻓﺸﻌﺮت ﺑﺎﻷﺳﻒ ﻣﻦ أﺟﻠﻪ وﺳﺄﻟﺘﻪ: ھﻞ ﻓﻘﺪت أﺑﻮﻳﻚ ﺻﻐﯿًﺮا؟ﻗﺎل: ﻟﻢ أر أﺑﻲ وﻣﺎﺗﺖ أﻣﻲ وأﻧﺎ أﺻﻐﺮ ﻣﻨﻚ ﺑﻘﻠﯿﻞ.ﺳﻔﺖ ﺑﺤﻖ ﻣﻦ أﺟﻠﻪ وﺳﺄﻟﺘﻪ: أ ِ أﻟﻚ إﺧﻮة؟ﺿﺤﻚ ﺳﺎﺧًﺮا وﻗﺎل: ﻟﻲ ﻋﺸﺮة أﺧﻮة ﻣﻦ اﻷب ،ﻟﻮ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا أن ﻳﺮﻣﻮﻧﻲ ﻓﻲ اﻟ ُﺐ ﻣﺜﻞ ﻳﻮﺳﻒ ﺠ ِّ ﻟﻔﻌﻠﻮا! ﺛﻢ أردف ﺟﺎدا: وﻟﻮ ﻋﻠﻤﻮا أن أﺑﺎك ﻗﺪ اﻛﺘﺮاﻧﻲ ﻷﺗﻮا إﻟﯿﻪ ﻳﻠﻌﻮﻧﻨﻲ أﻣﺎﻣﻪ!ﺳﺄﻟﺘﻪ: وﻓﻲ أي ﺣﻲ ﺗﺴﻜﻦ؟ﻗﺎل: أﺗﺴﻜﻊ ﺑﯿﻦ اﻷﺣﯿﺎء ،ﻓﻼ أھﻞ ﻟﻲ وﻻ زوﺟﺔ.ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ ﻓﻲ ﺳﺬاﺟﺔ: وﻟﻤﺎذا ﻟﻢ ﺗﺘﺰوج؟ﻗﮫﻘﻪ ﻋﺎﻟﯿًﺎ وﻗﺎل: ﻦ ُﻳَﺰ ِوّ ُ َوَﻣ ْﺠﺎًرا ﻳﺘﯿ ً جﻧ ّ ﻤﺎ ﻣﻌﺪًﻣﺎ ﻣﻠﻌﻮﻧﺎ ﺣﺘﻰ ﻣﻦ إﺧﻮﺗﻪ؟! ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﻔﺨﺮ: -وﻟﻜﻦ ﻳﻜﻔﯿﻨﻲ أﻧﻲ أﺻﺒﺖ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺼﺒﻪ اﻟﻤﺘﺰوﺟﻮن! وﺟﺪت ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ رﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻻﺳﺘﺮﺳﺎل ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺤﺪﻳﺚ رﻏﻢ اﺣﻤﺮار وﺟﮫﻲ ﺧﺠًﻼ ،ﻓﻘﻠﺖ: أﺗﻘﺼﺪ ﻓﺘﺎة اﻷﻣﺲ؟!ﻗﺎل ﺿﺎﺣ ً ﻜﺎ: ﻟﯿﺴﺖ وﺣﺪھﺎ ﻓﻠﻲ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺣﻲ ﻋﺸﯿﻘﺔ.ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﺧﻔﻮت ﻛﻤﻦ ﻳﺴﺮ إﻟﻲ ﺳﺮا: وﻣﻨﮫﻦ ﻣﺘﺰوﺟﺎت ،ﺳﺌﻤﻦ ﻣﻦ أزواﺟﮫﻦ!ﺗﺒﺪل ﺷﻌﻮري ﺑﺎﻹﺛﺎرة اﺷﻤﺌﺰاًزا ،ﻓﻘﻠﺖ: وﻣﺎذا ﻳﺠﺪن ﻓﯿﻚ وﻻ ﻳﺠﺪﻧﻪ ﻓﻲ أزواﺟﮫﻦ؟!ﻗﮫﻘﻪ ﻣﺮة أﺧﺮى وﻗﺎل: ﻣﺎ زﻟ َﺖ ﺻﻐﯿًﺮا ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ ،وﻟﻜﻨﻲ أﺳﺮ ﻟﻚ ﺑﺴ ٍﺮّ ﻛﻲ ﺗﺤﻔﻈﻪ ﻋﻨﻲ. اﻧﺘﺒﮫﺖ ﺣﻮاﺳﻲ ،ﻓﻘﺎل: ﻻ ﺷﻲء ﻳﻔﺘﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﻗﺪر ﻗﻠﺐ ﺣﻨﻮن!ﻗﺪ ﺗﺤﺘﻤﻞ اﻟﻤﺮأة ﻓﻘﺮك ،وﻗﺪ ﺗﺤﺘﻤﻞ ﻗﺒﺤﻚ ،وﻟﻜﻨﮫﺎ ﻻ ﺗﺤﺘﻤﻞ ﻗﺴﻮﺗﻚ! ﻗﻠﺖ ﺳﺎﺧًﺮا: وﻣﺎ دﻣﺖ ﺗﻌﺮف ھﺬا ،ﻟﻤﺎذا ﻟﻢ ﺗﺘﺰوج؟ﻗﺎل ﺿﺎﺣ ً ﻜﺎ: ﻗﻠﺒﻲ ﻻ ﻳﺴﻌﻪ اﻣﺮأة واﺣﺪة ،وﺟﺴﺪي ﻻ ﻳﻄﯿﻖ ﻗﯿﺪ اﻟﺰواج!ﻗﻠﺖ ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: أﻣﺎ ﺗﺨﺸﻰ أن ﻳﻔﺘﻀﺢ أﻣﺮك؟!ﻗﺎل ﻓﻲ اﻋﺘﺪاد: ﻟﻦ ﺗﻔﻀﺤﻨﻲ إﻻ ﻣﻌﺸﻮﻗﺔ ﻋﻠﻤﺖ ﺑﺨﯿﺎﻧﺘﻲ ﻟﮫﺎ!وأﻧﺎ أﺣﻮط ﻣﻦ أن أﻗﻊ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺨﻄﺄ. ﺳﺄﻟﺘﻪ ﻓﻲ ﻏﯿﺮ ﺗﺮدد: -أﻣﺎ ﺗﺨﺸﻰ اﻟﺮب؟ ﻗﻄ ّﺐ ﺟﺒﯿﻨﻪ ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﻧﺒﺮة ﺷﻌﺮت ﻓﯿﮫﺎ ﺑﺎﻟﺴﺨﻂ: اﻟﺮب؟ﺛﻢ أردف: ﻟﻮ ﻛﺎن ﻳﻌﻠﻢ ﺑﺤﺎﻟﻲ ﻟﺮأف ﺑﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ!ﻗﻠﺖ ﻣﺼﺪوًﻣﺎ: أﻻ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﻪ؟ﻲ ﻓﻲ ﺣﺪة ،وﻛﺄﻧﻤﺎ أﺛﺎره ﻛﻼﻣﻲ ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻧﻈﺮ إﻟ ّ أوﻣﻦ ﺑﻪ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﻠﺘﻔﺖ إﻟﻰ ﺣﺎﻟﻲ.ﻗﻠﺖ ﻣﺸﻔًﻘﺎ: ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﻈﻠﻢ؟ﻗﺎل ﻣﻮﺟﻮًﻋﺎ: أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﻘﮫﺮ.ﺛﻢ أردف ﻓﻲ ﻣﺮارة: ﻤﺎ ،ﻓﻘﯿًﺮا ،ﻣﻜﺮو ً اﻟﺤﯿﺎة ﻟﯿﺴﺖ ﻋﺎدﻟﺔ ﻳﺎ ﻏﻼم ،ﻓﻤﺜﻠﻲ ﻳﻮﻟﺪ ﻳﺘﯿ ًھﺎ ﻣﻦ إﺧﻮﺗﻪ، وﻣﺜﻠﻚ ﻳﻨﻌﻢ ﺑﯿﻦ أﺑﻮﻳﻦ ﻳﻌﻠﻤﺎﻧﻪ وﻳﺤﻨﻮان ﻋﻠﯿﻪ. ﺛﻢ ﻗﺎل وھﻮ ﻳﻨﺼﺮف إﻟﻰ ﻋﻤﻠﻪ: ﻻ ﺗﺸﻐﻞ ﺑﺎﻟﻚ ﺑﺄﻣﺮي ﻳﺎ ﻓﺘﻰ ،ﻓﮫﻨﺎك أﻧﺎس ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺤﯿﺎة ﻗﺪ أﻏﻔﻠﺘﮫﻢ ﻋﯿﻦاﻟﻘﺪر! وﻟﻢ ﻳﺴﺘﻮﻋﺐ ﻋﻘﻠﻲ ﻣﻐﺰى ﻋﺒﺎرﺗﻪ ،وﻟﻜﻦ اﻧﺘﺎﺑﺘﻨﻲ ﻣﻨﮫﺎ اﻟﻘﺸﻌﺮﻳﺮة. واﻟﺤﻖ أﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﺗﺬﻛﺮ داﺋ ً ﻤﺎ ﻗﺼﺔ )رام( ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﺜﺮة ﻣﺎ ﻣﺮ ﺑﻨﺎ ﻣﻦ أﺣﺪاث ،ﻟﯿﺲ ﺣﻨﯿًﻨﺎ إﻟﻰ رھﻖ اﻟﺼﺒﺎ وﻻ ﺷﻮًﻗﺎ إﻟﻰ ﻧََﺰق اﻟﺸﺒﺎب ،وإﻧﻤﺎ ﻷن ﻗﺼﺘﻪ ﺟﻌﻠﺘﻨﻲ أﺗﺴﺎءل داﺋ ً ﻤﺎ ﻋﻦ ﻣﺤﺒﺔ اﻟﺮب! ﻓﮫﻞ ﻳﻜﻔﻲ أن ﻧﺨﺸﻰ اﻟﺮب ﻓﻘﻂ ﺣﺘﻰ ﻧﺠﺘﻨﺐ ﻧﻮاھﯿﻪ ،أم ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻋﻠﯿﻨﺎ أﻳ ً ﻀﺎ أن ﻧﺤﺒﻪ؟ واﻟﺤﻖ أﻧﻨﻲ ﺷﻌﺮت ﻣﻨﺬ اﻟﺼﻐﺮ أن ﻛﺜﯿًﺮا ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻳﺨﺸﻮن اﻟﺮب ﺧﺸﯿﺔ اﻟﻌﺒﺪ اﻟ ُ ﻤﻜﺮه ﻋﻠﻰ طﺎﻋﺔ ﺳﯿﺪه ،ﺗﻠﻚ اﻟﺨﺸﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﺰج ﺑﺨﺴﺔ اﻟﻌﺒﺪ اﻵﺑﻖ ،اﻟﺬي ﻳﺴﻲء اﻷدب إذا ﻣﺎ أﻣﻦ اﻟﻌﻘﺎب! وﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم ،أﻣﺮ أﺑﻲ )رام( ﺑﺄن ﻳﺤﻤﻞ ﺑﺎﺑًﺎ إﻟﻰ دار ﻓﻲ ﺣﻲ ﻳﺴﺎﻛﺮ وأن ﻳﻘﻮم ﺑﺘﺮﻛﯿﺒﻪ ،وﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﺤﻲ ﻳﻘﻊ إﻟﻰ اﻟﺸﻤﺎل ﻣﻦ اﻟﻨﺰل ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب ،وأﻣﺮﻧﻲ أﺑﻲ ﺑﺄن أذھﺐ ﻣﻌﻪ ﻷﻋﺎوﻧﻪ ﻓﻲ ﺗﺮﻛﯿﺐ اﻟﺒﺎب ،وﻓﺮح )رام( ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻤﮫﻤﺔ ،ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮ ﻋﺎدﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﯿﻞ إﻟﻰ اﻟﺮاﺣﺔ ،وﺿﻌﻨﺎ اﻟﺒﺎب ﻋﻠﻰ ظﮫﺮ اﻷﺗﺎن وﺳﺮﻧﺎ راﺟﻠْﯿﻦ. ﻲ: أﺧﺬ اﻟﻔﺘﻰ ﻳﺪﻧﺪن ﺑﺼﻮت ﺷﺠ ّ ﻲ اﻟ ﱠ ﻢ أَر ﻓﯿﮫﻦ اﻟﺤﺒﯿﺒَﺔ أﻟَ ﱠ ﺴﻘﺎُم وﺻﺎر ﻗﻠﺒﻲ ﺛﻘﯿًﻼ ﻧﺴﯿ ُ ﺳﺒﻌُﺔ أﻳﺎٍم ﻟ ْ ﺖ ذاﺗﻲ ﻢﺑ َ وﺣﯿﻨﻤﺎ ﻋﺎدﻧﻲ اﻷطﺒﺎُء وﺻﻔﻮا ﻟﻲ دواﺋﻲ ﻓﻠﻢ أرض ﺑﺪواﺋِﮫ ْ ﻢ وﻗﻠﺖ ﻟﮫﻢ طﺎرُدوا ض اﻟﻠﻌﯿﻨﺔ ﻓﻠﻦ ﺗﺠﺪوا وﺳﯿﻠًﺔ ﻟﻌﻼﺟﻲ ﻓﻘﻂ اﺳﻤﮫﺎ ھﻮ ﻣﺎ ُﻳ ْ ﺤﯿﯿﻨﻲ ﻛﻞ اﻷﻣﺮا ِ وﻳﺤﻔ ُ ﻆ ﻗﻠﺒﻲ ﻣﻦ اﻟﻔﻨﺎِء ھﻲ اﻟﺤﺒﯿﺒُﺔ أﻓﻀ ُ ﻞ ﻣﻦ أ ّ يِ دواِء ﻋﻨﺪﻣﺎ أراھﺎ أﺷﻔﻰ ﺢ ﻗﻮﻳﺎ ﻣﺘﻰ أﺿ ﱡ ﺖ أﺻﺒ ُ ﺖ ﻋﯿَﻨﯿﮫﺎ ﻳﻌﻮُد ﺟﺴﺪي ﻓﺘﯿﺎ ﻣﺘﻰ ﺗﻜﻠ ّﻤ ْ ﻣﺘﻰ ﻓَﺘﺤ ْ ﻤﮫﺎ ﺗﻄﺮُد ﻋﻨّﻲ اﻟ ّ ﺔ أﻳﺎٍم ﻓﺪﻋﻮﻧﻲ أﻣﻮت ﻓﺪاء ﻟﮫﺎ ﺴﻮَء وﻟﻜﻨﮫﺎ ھﺠﺮﺗﻨﻲ ﻣﻨﺬ ﺳﺒﻌ ِ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ أﻧﺸﻮدة ﺣﺐ ﻣﺼﺮﻳﺔ ﻳﺮددھﺎ اﻟﺸﺒﺎب ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،وﻛﺎﻧﺖ أﻣﻲ أﻳ ً ﻀﺎ ﺗﺤﺐ أن ﺗﺘﺮﻧﻢ ﺑﮫﺎ ﻋﻠﻰ أﻧﻐﺎم اﻟﻨﺎي ﻓﻲ أوﻗﺎت ﻓﺮاﻏﮫﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﺎدف ﺣﻨﯿًﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻄﺮب ،وﻟﻜﻦ إﺣﻘﺎًﻗﺎ ﻟﻠﺤﻖ ،ﻟﻢ أﺳﻤﻊ أﺣًﺪا ﻳﻐﻨﯿﮫﺎ ﺑﻤﺜﻞ ذﻟﻚ اﻟﺼﻮت اﻟﺸﺠﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺘﻐﻨﻰ ﺑﻪ )رام(. وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﺸﺮق ﻋﻨﺪ أطﺮاف ﺣﻲ زوﺑﻠﻮن ،ﻓﺘﻮﻗﻒ )رام( وﻗﺎل ﻟﻲ: اﺳﺒﻘﻨﻲ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( إﻟﻰ ﺣﻲ ﻳﺴﺎﻛﺮ وﺳﺄﺗﺒﻌﻚ ﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ،ﻓﺈن ﻟﻲ ﺧﺎﻟﺔﻣﻦ زوﺑﻠﻮن أﻋﻄﻒ ﻋﻠﯿﮫﺎ ،وأود أن أﻋﺮج ﻋﻠﻰ دارھﺎ ﻗﺒﻞ أن أذھﺐ. ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: ھﻞ ﺳﺘﺘﺄﺧﺮ؟ﻗﺎل ﻓﻲ ﻟﮫﺠﺔ ﻟﻢ أﺻﺪﻗﮫﺎ: ﻛﻼ ﺳﺄﻟﺤﻖ ﺑﻚ ﺳﺮﻳﻌﺎ ،ﻓﻘﻂ ﺿﻊ اﻟﺒﺎب ﻋﻨﺪ اﻟﺪار وُد ّق اﻷوﺗﺎد ﻓﻲ اﻟﺤﻠﻖ ﺣﺘﻰ أواﻓﯿﻚ. ﺛﻢ اﺗﺨﺬ ﺳﺒﯿﻠﻪ ﻣﺘﺴﻠًﻼ ﺑﯿﻦ ظﮫﻮر اﻟﺨﯿﺎم وﻛﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻲ أن ﻳﺮاه أﺣﺪ، ﺟﻠ ُ وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ اﺧﺘﻔﻰ ﻋﻦ ﻧﺎظﺮي ،ﺗﺮ ّ ﺖ وﺣﺪي إﻟﻰ ﺟﻮار اﻷﺗﺎن ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ﺣﺘﻰ ﺟﺎوزت ﺣﻲ زوﺑﻠﻮن ،وأﻧﺎ أردد ﻓﻲ ﺻﻮت ﺧﺎﻓﺖ »ﺳﺒﻌﺔ أﻳﺎم ﻟﻢ أر ﻓﯿﮫﻦ اﻟﺤﺒﯿﺒﺔ« ،ﻣﺤﺎوًﻻ ﺗﻘﻠﯿﺪ ﺻﻮت )رام( وﻟﻜﻦ ﺷﺘﺎن ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﺻﻮﺗﻲ ﻳﺨﺮج ﻣﺘﺤﺸﺠًﺮا ﺧﺸًﻨﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺎ وﻛﺄﻧﻨﻲ ﺿﻔﺪع ﺿﻞ طﺮﻳﻘﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻞ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﻨﮫﺮ. وﺑﻌﺪ أن ﻗﻄﻌﺖ ﺷﻮطًﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ،ﺗﺬﻛﺮت أﻧﻨﻲ ﻻ أﻋﻠﻢ ﻋﻦ أي اﻟﺒﯿﻮت أﺳﺄل ﻓﻲ ﺣﻲ ﻳﺴﺎﻛﺮ؟ ﺗﺮددت ﺑﯿﻦ ﺧﯿﺎرﻳﻦ أن أﻛﻤﻞ طﺮﻳﻘﻲ إﻟﻰ ﺣﻲ ﻳﺴﺎﻛﺮ ،أو أن أﻋﻮد إﻟﻰ ﻧﻘﻄﺔ اﻻﻓﺘﺮاق ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻦ )رام( ﻋﻨﺪ ﺣﻲ زوﺑﻠﻮن ﺣﺘﻰ ﻳﺴﮫﻞ ﻋﻠﯿﻨﺎ اﻟﻠﻘﺎء ﻣﺮة أﺧﺮى ،ﻓﻔﻀﻠﺖ اﻟﺨﯿﺎر اﻟﺜﺎﻧﻲ ،وﻋﺪت أدراﺟﻲ إﻟﻰ ﻣﻮﺿﻊ اﻻﻓﺘﺮاق ،ﺛﻢ رﺑﻄﺖ اﻷﺗﺎن إﻟﻰ ﺟﺬع ﻧﺨﻠﺔ وﺟﻠﺴﺖ اﺳﺘﻈﻞ ﺑﻈﻠﮫﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮد )رام(. ﻣﺮ وﻗﺖ طﻮﻳﻞ وارﺗﻔﻌﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ،وﻟﻢ ﻳﻌﺪ )رام( ،اﻧﺘﺎﺑﻨﻲ ھﺎﺟﺲ أن ﻳﻜﻮن ﻗﺪ ﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﺤﻲ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻊ آﺧﺮ ،أو أن ﻳﻜﻮن ﻗﺪ ﺳﺒﻘﻨﻲ إﻟﻰ ﺣﻲ ﻳﺴﺎﻛﺮ ،وأﺧﺬ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻨﻲ ھﻨﺎك! أﺿﺞ اﻟﻘﻠﻖ ﻣﺠﻠﺴﻲ ،وﻗﺪ ﻋﺼﻔﺖ ﺑﻲ اﻟﻈﻨﻮن ،ﻓﺤﺴﻤﺖ أﻣﺮي ودﺧﻠﺖ إﻟﻰ ﺣﻲ زوﺑﻠﻮن أﺳﺄل ﻋﻦ دار ﺧﺎﻟﺘﻪ ،ﻛﺎن اﻟﻮﻗﺖ وﻗﺖ ظﮫﯿﺮة ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺮﺟﺎل ﻗﺪ ﻋﺎدوا ﻣﻦ أﻋﻤﺎﻟﮫﻢ ﺑﻌﺪ ،رأﻳﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺴﻮة ﻳﺠﻠﺴﻦ أﻣﺎم ﺧﯿﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﯿﺎم، ﻓﺴﺄﻟﺘﮫﻦ ﻋﻦ دار ﺧﺎﻟﺔ )رام( اﻟﻨﺠﺎر ،ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺮﻓﻨﻪ ،وﻟﻢ ﻳﻌﺮﻓﻨﮫﺎ ،ﺷﻌﺮت ﺑﻐﺒﺎء ﺗﺼﱡﺮﻓﻲ ،ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﻛﻤﻦ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻤﺨﯿﺎط وﺳﻂ اﻟﺮﻣﺎل ،وﻗﺮرت اﻟﻌﻮدة، ﻓﺴﺮت ﻓﻲ زﻗﺎق ﺿﯿﻖ ﺑﯿﻦ ظﮫﻮر اﻟﺨﯿﺎم ﻷﺻﻞ إﻟﻰ ﻣﻮﺿﻊ اﻷﺗﺎن ،ﻓﺈذا ﺑﻲ أﺟﺪ رﺟًﻼ ﻣﻦ زوﺑﻠﻮن ﻗﺎًدﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﮫﺘﻲ ،وﻗﺪ ﺿﺎق اﻟﺰﻗﺎق اﻟﻀﯿﻖ ﺑﺠﺴﺪه اﻟﻀﺨﻢ ،ﻻ أدري ﻣﺎ اﻟﺬي دﻓﻌﻨﻲ إﻟﻰ أن أﺳﺄﻟﻪ: ھﻞ ﺗﻌﻠﻢ أﻳﻦ دار ﺧﺎﻟﺔ )رام( اﻟﻨﺠﺎر؟وﻗﻒ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻔﻜًﺮا ﻟﻠﺤﻈﺎت ﺛﻢ ﺳﺄﻟﻨﻲ: ھﻞ ھﻮ ﻣﻦ ﺳﺒﻂ زوﺑﻠﻮن؟ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: ﻛﻼ إﻧﻪ ﻣﻦ ﺑﻨﯿﺎﻣﯿﻦ وﻟﻜﻦ ﺧﺎﻟﺘﻪ ﻣﻦ زوﺑﻠﻮن!ﻲ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ وﺷﻌﺮت دون أن ﻳﻨﻄﻖ ﺑﺴﺨﺎﻓﺔ ﻣﺎ أﻗﻮل ﻓﻜﺪت أﺷﻜﺮه ﻧﻈﺮ إﻟ ّ وأﻧﺼﺮف ،ﻟﻮﻻ أن ﺣﺪث ﻣﺎ ﻟﻢ أﻛﻦ أﺗﻮﻗﻌﻪ ظﮫﺮ )رام( ﻓﺠﺄة وھﻮ ﻳﺨﺮج ﻣﺘﺴﻠًﻼ ﻣﻦ ظﮫﺮ ﺧﯿﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﯿﺎم ،وﻣﻦ ﻓﺮﺟﺔ اﻟﺨﯿﻤﺔ وﻗﻔﺖ اﻣﺮأة ﺗﻮدﻋﻪ ﺑﺎﻟﻘﺒﻼت ﻓﮫﺘﻔﺖ دون إرادة ﻣﻨﻲ: ھﺎ ھﻮ رام!ﺻﻌﻖ )رام( ﻟﺮؤﻳﺘﻲ وﻗﺎل: )ﺷﻤﻌﻮن(!ن ،ﻛﻔﺄر ﺗﻌﺜﺮت ﺛﻢ وﻗﻊ ﺑﺼﺮه ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻀﺨﻢ ،وﺗﺠﻤﺪ ﺑﯿﻨﮫﻤﺎ اﻟﻠﱠﺤﻆ ﻟﺜﻮا ٍ أﻗﺪاﻣﻪ ﻓﻲ ذﻳﻞ ﻗﻂ ،وﻗﻔﺎ ﻳﺤﺪﻗﺎن ﺑﺒﺼﺮﻳﮫﻤﺎ ﻓﻲ ﺑﻌﻀﮫﻤﺎ اﻟﺒﻌﺾ ،وﻗﺪ أذھﻠﺖ اﻟﻤﺼﺎدﻓﺔ ﻛﻠﯿﮫﻤﺎ ،وأدرك )رام( ﺣﻘﯿﻘﺔ اﻟﻤﻮﻗﻒ ،ﻓﺄراد أن ﻳﻄﻠﻖ ﻟﺴﺎﻗﯿﻪ اﻟﺮﻳﺢ، وﻟﻜﻦ ﺿﯿﻖ اﻟﺰﻗﺎق ﻟﻢ ﻳﺴﻌﻔﻪ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻳﺪ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻀﺨﻢ أﻗﺮب إﻟﻰ ﻋﻨﻘﻪ، ﻓﺄﺣﺎطﻪ ﺑﺴﺎﻋٍﺪ ﻛﺎﻟﻄﻮد ،ﺗﺪﻟﻰ ﻣﻨﻪ )رام( ﻛﺎﻟﺪﻣﯿﺔ وھﻮ ﻳﺮﻓﺲ ﺑﻘﺪﻣﯿﻪ ﻓﻲ اﻟﮫﻮاء ،وﻗﺪ اﺣﺘﻘﻦ وﺟﮫﻪ وﻛﺎد أن ﻳﻠﻔﻆ أﻧﻔﺎﺳﻪ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺻﺮخ اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ﺟﻨﻮن: ﻳﺎ أھﻞ زوﺑﻠﻮن ،أﻣﺴﻜﺖ رﺟًﻼ ﻓﻲ داري ،أﻣﺴﻜﺖ ﻋﺸﯿًﻘﺎ ﻻﻣﺮأﺗﻲ.∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮة ﻛﻨﺖ أﺗﻤﻨﻰ أﻻ أﺳﺘﻌﯿﺪ ذﻛﺮى ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ،وﻟﻜﻦ ﻣﺎ اﻟﺤﯿﻠﺔ وﻗﺪ ﻧﻘﺸﺖ أﺣﺪاﺛﻪ ﻓﻲ ﻋﻘﻠﻲ ،وﻟﻢ ﺗﻔﻠﺢ اﻟﺴﻨﻮن ﻓﻲ طﻤﺴﮫﺎ ،وﻟﮫﺬا ﺳﺄروﻳﮫﺎ ﻟﻚ ﻛﻤﺎ ﺣﺪﺛﺖ دون زﻳﺎدة ﻣﻨﻲ أو ﻧﻘﺼﺎن. أﻓﻠﺢ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺠﻤﻌﻮا ﻋﻠﻰ ﺻﺮاخ اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﻋﻨﻖ )رام( ﻣﻦ ﻗﺒﻀﺘﻪ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻠﻔﻆ أﻧﻔﺎﺳﻪ ،وﻛﺒﻠﻮا ﻳﺪي )رام( وﻗﺪﻣﯿﻪ وأﻟﻘﻮه أر ً ﺿﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﻪ ﻛﺎﻟﺒﻌﯿﺮ ،واﻧﮫﺎﻟﻮا ﻋﻠﯿﻪ ﺑﺼًﻘﺎ وﺻﻔﻌﺎ ﺑﺎﻟﻨﻌﺎل ،أﻣﺎ اﻟﻤﺮأة ﻓﻘﺪ أﻣﺴﻜﻮا ﺑﮫﺎ وﻣﻨﻌﻮا ﻋﻨﮫﺎ زوﺟﮫﺎ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻔﺘﻚ ﺑﮫﺎ. ﻋﻠﻢ ُﻛﻞ ﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﻨﺰل ﺑﺎﻷﻣﺮ ﻓﺄﺗﻲ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻛﻞ ﺣﺪب وﺻﻮب ،ووﺻﻞ اﻟﺨﺒﺮ إﻟﻰ أﺑﻲ ﻓﺄﺗﻲ ﻣﮫﺮوًﻻ ،وﻗﺪ أزﻋﺠﻪ اﻟﻨﺒﺄ اﻟﻤﺮﻳﻊ وﺧﺸﻲ أن ﻳﺼﯿﺒﻨﻲ أًذى ﻓﻲ ﻏﻤﺮة اﻟﺰﺣﺎم واﻟﻌﺮاك ،ﻓﻠ ّ ﻤﺎ رآﻧﻲ اﺣﺘﻀﻨﻨﻲ ،ﺛﻢ ذھﺐ ﻟﻜﻲ ﻳﻠﻘﻲ ﻧﻈﺮة ﻋﻠﻰ )رام( ،ﻓﺎﺳﺘﺸﺎط اﻟﺰوج اﻟﻤﺨﺪوع ﻏﻀﺒًﺎ وﻗﺎل: أﻟﯿﺲ ھﺬا ﻓﺘﺎك ﻳﺎ ﻧﺠﺎر اﻟﻨﺰل؟ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ أﺑﻲ أن ﻳﺘﻜﻠﻢ ،ﻓﺠﺎء ﺻﻮت )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ ﺑﻦ ﺣﻮر( اﻟﺤﻜﯿﻢ ﻗﺎﺋًﻼ: وﻣﺎ ﺷﺄن ﻧﺠﺎر اﻟﻨﺰل ﺑﻤﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﻓﺘﺎه؟!ﻗﺎل اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ﺟﻨﻮن: إذن ﻓﻼ ﻳﺪاﻓﻌﻦ ﻋﻨﻪ إذا ﻣﺎ ذﺑﺤﻨﺎه ﻓﻲ اﻟﺤﻲ ذﺑﺢ اﻟﺒﻌﯿﺮ!ﻓﻘﺎل )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ( ﻓﻲ ﺣﺴﻢ: وﻣﻦ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻚ؟!ﺻﻤﺖ اﻟﻨﺎس ﻟﺤﻈﺎت اﺣﺘﺮاًﻣﺎ ﻟﻠﺸﯿﺦ اﻟﺠﻠﯿﻞ ،ﻓﻘﺎل )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ(: ﻤ ّ ﺴﻮا اﻟﻤﺮأة ﺑﺴﻮء ،ﻓﻘﺪ اﻗﺘﺮﻓﺎ ﺧﻄﯿﺌﺔ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ُﻛّﻔﻮا ﻋﻦ أذى اﻟﻔﺘﻰ وﻻ ﺗَ ِﻋﻘﻮﺑﺘﮫﺎ إﻻ ﻧﺒﻲ ﷲ ،ﻓﺄﺗﻮا ﺑﮫﻤﺎ إﻟﻰ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻟﺘﺴﻤﻌﻮا ﺣﻜﻢ اﻟﺮب ﻓﯿﮫﻤﺎ. اﺳﺘﺤﺴﻦ اﻟﻨﺎس ﻛﻼم )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ( ،وﺣﻤﻠﻮا )رام( اﻟﺬي اﻧﺘﻔﺦ وﺟﮫﻪ ،وﺳﺎﻟﺖ دﻣﺎؤه ﻣﻦ ﺟﺮاء اﻟﻀﺮب واﻟﺘﻨﻜﯿﻞ ،ودﻓﻌﻮه أﻣﺎﻣﮫﻢ ﻣﻊ اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ ﻏﻄﺖ وﺟﮫﮫﺎ ﺑﺎﻟﺨﻤﺎر ﺧﺰﻳًﺎ وﺧﺠًﻼ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن زوﺟﮫﺎ ﻳﺮﻏﻲ وﻳﺰﺑﺪ ،وﻳﻘﻮل ﻓﻲ ﻏﻀﺐ ﻣﺠﻨﻮن: وﺣﻖ اﻟﺮب ﻻ ﻳﮫﺪأ ﻟﻲ ﺑﺎ ٌل ﺣﺘﻰ ُﺗﺰھﻖ روﺣﺎھﻤﺎ ،وﻹن ﻋﻔﺎ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻋﻨﮫﻤﺎ ﻟﻘﺘﻠﺘﮫﻤﺎ ﺑﯿﺪي! وﺗﻀﺎﻋﻔﺖ أﻋﺪاد ﻣﻮﻛﺐ اﻟﻌﺎر ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻰ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ،ورأﻳﺖ اﻟﺸﻤﺎﺗﺔ س ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮن )رام( وﻻ اﻟﻤﺮأة ،وﻟﻜﻦ ﺟﻤﻌﮫﻢ اﻟﻔﻀﻮل واﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﻓﻲ أﻋﯿﻦ أﻧﺎ ٍ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﻘﺎب اﻟﻤﺮﺗﻘﺐ ﺑﮫﺬﻳﻦ اﻟﺨﺎطﺌﯿﻦ ﻓﻲ أن ﻳﺨﺮﺟﻮا وراءھﻤﺎ ،وأن ﻳﺼﺒﻮا ﻋﻠﯿﮫﻤﺎ اﻟﻠﻌﻨﺎت ،وﻳﺮﻣﻮﻧﮫﻤﺎ ﺑﺄﺣﻂ اﻟﺸﺘﺎﺋﻢ ،ﺑﻘﻠﻮب ﻗﺎﺳﯿﺔ ﻛﺎﻟﺤﺠﺎرة أو ھﻲ أﺷﺪ ﻗﺴﻮة. وﺗﻮﻗﻒ اﻟﺠﻤﻊ أﻣﺎم ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ،ودﺧﻞ )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ( وﻣﻌﻪ ﻛﺒﺮاء اﻟﻘﻮم ﻣﻦ ﺳﺒﻂ زوﺑﻠﻮن وﺳﺒﻂ ﺑﻨﯿﺎﻣﯿﻦ إﻟﻰ اﻟﺨﯿﻤﺔ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻣﻜﺚ إﺧﻮة )رام( أﻣﺎم اﻟﺨﯿﻤﺔ ﻳﺤﻘﺮوﻧﻪ وﻳﻠﻌﻨﻮﻧﻪ ،وﻟﻢ ﻳﻨﺴﻮا أن ﻳﺠﺪدوا ﺑﺮاءﺗﮫﻢ ﻣﻨﻪ أﻣﺎم اﻟﻘﻮم ،أﻣﺎ )رام( ﻓﻘﺪ ﻧﻜﺲ رأﺳﻪ أر ً ﺿﺎ ،وظﻠﺖ ﻋﯿﻨﺎه ﺗﺪور ﻓﻲ ﻣﺤﺠﺮﻳﮫﻤﺎ رﻋﺒًﺎ ،وﺑﯿﻦ اﻟﻔﯿﻨﺔ واﻟﻔﯿﻨﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﺘﻘﻲ ﻧﻈﺮاﺗﻨﺎ ﻓﯿﺨﻔﻖ ﻗﻠﺒﻲ ھﻠًﻌﺎ ،وأﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ أﻧﻲ ﻗﺪ ﺳﺎھﻤﺖ ﻓﻲ ﻓﻀﺢ أﻣﺮه ،وﻟﻢ ﻳﻤﺾ وﻗﺖ طﻮﻳﻞ ﺣﺘﻰ ﺧﺮج ﻋﻠﯿﻨﺎ )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ ﺑﻦ ﺣﻮر( ﺑﻜﻼم اﻟﺮب اﻟﺬي ﻧﺰل ﻋﻠﻰ )ﻣﻮﺳﻰ( ،وﺗﺠﻠﻰ ﺑﻪ اﻟﻮﺣﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﺎﺑﻮت اﻟﻌﮫﺪ ،ﻗﺎل )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ(: اﺧﺮﺟﻮا ﺑﻜﻠﯿﮫﻤﺎ إﻟﻰ ﺑﺎب اﻟﻨﺰل وارﺟﻤﻮھﻤﺎ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎرة ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻮﺗﺎ ،ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲط َ ﺊ ﺷﺮف ﺻﺎﺣﺒﻪ ،ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺰﻋﻮا اﻟﺸﱠﺮ ﻋﻦ زﻧﺖ ﻓﻲ ﻓﺮاش زوﺟﮫﺎ وھﺬا اﻟﺬي َو ِ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ. واﻧﮫﺎر )رام( ﺑﺎﻛﯿًﺎ ،وﻏﺸﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮأة ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ھﻠﻞ ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻓﺮ ً ﺣﺎ ،وﻗﺎل اﻟﺰوج ﻣﺘﺸﻔﯿًﺎ: ﺻﺪق )ﻣﻮﺳﻰ( ﻓﯿﻤﺎ ﺟﺎء ﺑﻪ ﻋﻦ رﺑﻪ.و ُ ﻤﻞ اﻻﺛﻨﺎن إﻟﻰ اﻟﺼﺤﺮاء ،وأﻟﻘﻲ ﺑﮫﻤﺎ ُﻣﻜﺒﱠﻠﯿﻦ ﻓﻲ ﺣﻔﺮة ،وﺗﻨﺎﻓﺲ اﻟﻨﺎس ﺣ ِ ﻓﻲ ﺟﻤﻊ اﻟﺤﺠﺎرة ﻓﻲ ﺣﻤﺎس ﻣﻮﺻﻮل ،وأﺣﺎطﻮا ﺑﺎﻟﺤﻔﺮة ،وأﺧﺬوا ﻳﺘﺪاﻓﻌﻮن ﻟﺮﺟﻢ اﻟﻤﺬﻧﺒﯿﻦ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺰﻋﻮا اﻟﺸﺮ ﻋﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،وأﻟﻘﻰ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻤﻮﺗﻮر ﺑﺄول ﺣﺠﺮ ﻓﺄﺻﺎب رأس )رام( ﻣﺒﺎﺷﺮة وﺟﻌﻠﻪ ﻳﺼﺮخ ﻣﺘﺄﻟ ً ﻤﺎ ،ﺛﻢ ﺗﻮاﻟﺖ اﻟﺤﺠﺎرة ﻋﻠﯿﻪ وﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮأة ﺣﺘﻰ ﺳﻘﻄﺎ وﻗﺪ ﺧﻤﺪت أﻧﻔﺎﺳﮫﻤﺎ إﻻ ﻣﻦ أﻧﯿﻦ ﻣﻜﺘﻮم ،وﻟﻢ ﻲ ﻓﺄﺣﺎطﻨﻲ أﺣﺘﻤﻞ رؤﻳﺔ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ،ﻓﻘﺪ اﻧﮫﺮت ﺑﺎﻛﯿًﺎ ،وﻛﺪت أﺳﻘﻂ ﻣﻐﺸﯿﺎ ﻋﻠ ّ أﺑﻲ ﺑﺬراﻋﯿﻪ ،ﺛﻢ أﺧﺬﻧﻲ ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ اﻟﻤﺸﮫﺪ اﻟﺪاﻣﻲ ﺛﻢ أﺟﻠﺴﻨﻲ وأﺧﺬ ﻳﺒﻜﻲ ﺑﺤﺮﻗﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺘﻰ اﻟﻤﺴﻜﯿﻦ ،ورﻓﻊ ﻳﺪﻳﻪ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء وھﻮ ﻳﻘﻮل: اﻟﻠﮫﻢ اﺟﻌﻞ ﻋﻘﺎﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻛﻔﺎرة ﻟﻪ ﻓﻲ اﻵﺧﺮة.∞∞∞∞∞ ﻊ وﺷﮫﻮًرا ،وﻟﻢ ﻳﺘﻌﺎف ﺟﺴﺪي ﻣﻦ اﻟُﮫﺰال اﻟﺬي أﻟ ﱠ ﻣﻜﺜ ُ ﺖ أﺳﺎﺑﯿ َ ﻢ ﺑﻪ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺷﺎھﺪت ﻣﻘﺘﻞ )رام( ،ﺗ َ ﺤﯿ ّﻨﺖ ذﻛﺮاه اﻟﻔﺮﺻﺔ ﺑﻌﺪ اﻷﺧﺮى ﻛﻲ ﺗﺘﺤﺮر ﻣﻦ ﺧﺒﯿﺌﺘﮫﺎ ﻢ ﻳﻀﺞ ﻣﻀﺠﻌﻲ ،أو ﺷﺎردة ﻓﻲ ﻗﻌﺮ ﻧﻔﺴﻲ ﺛﻢ ﺗﻄﻞ إﻟﻰ رأﺳﻲ ﻓﻲ ﺻﻮرة ﺣﻠ ٍ ﺗﻨﺰﻋﻨﻲ ﻣﻦ ﻳﻘﻈﺘﻲ أرى ﻓﯿﮫﺎ )رام( وھﻮ ﻳﺨﻮض ﻣﻌﻲ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﻟﻮٍم وﻋﺘﺎب، ﻳﻨﺘﮫﻲ ﺑﺒﻜﺎﺋﻲ ﺑﻜﺎًء ﺻﺎﻣًﺘﺎ ﺗﻨﺴﺎل ﻓﯿﻪ دﻣﻮﻋﻲ ،ﺑﻐﯿﺮ إﺟﮫﺎش وﻻ ﻧﺤﯿﺐ ،وﻧﺸﺄ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ ﺧﻮ ٌ ف ﻣﻦ اﻷﻟﻢ ،وﺧﻮاٌر ﻣﻦ رؤﻳﺔ اﻟﺪﻣﺎء ﺣﺘﻰ وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻄﺎﺋﺮ ﺳﻠﻮى ﻣﺬﺑﻮح ،ﻓﻜﻨﺖ إذا رأﻳﺖ طﺎﺋًﺮا ﻳﺘﻠﻮى ﻣﻦ اﻷﻟﻢ وﻗﺪ اﻧﺴﺎﺑﺖ اﻟﺪﻣﺎء ﻣﻦ ﻋﻨﻘﻪ، ﻦ أﺷﺮ َ ﻤ ْ أﺗﻘﯿُﺄ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺟﻮﻓﻲ ،وﺗﺨﻮُر أوﺻﺎﻟﻲ ،وﻳﻤﺘﻘُﻊ ﻟﻮﻧﻲ َﻛ َ ف ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮت. ﻲ ﻣﺸﻔًﻘﺎ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻣﻲ ﺗﺮُﻗﺒﻨﻲ ورآﻧﻲ أﺑﻲ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﺤﺎل ﻓﻮﻗﻒ ﻳﻨﻈﺮ إﻟ ّ ﻓﻲ ﻗﻠﻖ ،أﺷﺎرت إﻟﯿﻪ ﻛﻲ ﻳﺪﺧﻞ إﻟﻰ ﺣﺠﺮﺗﮫﺎ وﺳﻤﻌﺘﮫﺎ ﺗﻘﻮل: ﺳﺄﻓﻘﺪ وﻟﺪي ﻳﺎ )زﺧﺎري(.ﻗﺎل ﻳﺎﺋ ً ﺴﺎ: وﻣﺎذا ﻋﺴﺎي أن أﻓﻌﻞ ﻳﺎ )روﻣﺎﻧﺎ(؟أﺗﯿﺖ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺼﺒﯿﺔ ،وأﻣﺮت )ﻋﺎﻣﯿﺮ( أﻻ ﻳﻔﺎرﻗﻪ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻳﻌﺰف ﻋﻦ اﻟﻠﮫﻮ أو اﻟﺠﻠﻮس ﻣﻌﮫﻢ. ﻗﺎﻟﺖ: اذھﺐ ﺑﻪ إﻟﻰ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ،وَﻗ ِﺮّب ﻣﻦ أﺟﻠﻪ ﻗﺮﺑﺎﻧًﺎ ،واﺳﺄل اﻟﻜﺎھﻦ)ھﺎرون( أن ﻳﺪﻋﻮ ﻟﻪ. ﻓﺎﺻﻄﺤﺒﻨﻲ أﺑﻲ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح إﻟﻰ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع وﺣﻤﻞ ﻣﻌﻪ ﻗِْﺪًرا ﻣﻦ اﻟﺰﻳﺖ ،وﺻﺎًﻋﺎ ﻣﻦ اﻟُﺒﺮّ ،وﺳﺤﺐ ﺧﻠﻔﻪ ﺷﺎًة رﻣﺎدﻳﺔ اﻟﻠﻮن ،ﺗﺘﻘﺎﻓﺰ ﻓﻲ َ ﺳْﯿﺮھﺎ َﻣَﺮ ً ﺣﺎ وھﻲ ﻻ ﺗﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻳﻨﺘﻈﺮھﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻤﺬﺑﺢ. اﺳﺘﻘﺒﻠﻨﺎ ﻛﺎھ ٌ ﻦ ﺷﺎب ﻣﻦ أﺑﻨﺎء )ھﺎرون( ﺧﺎرج اﻟﻔﻨﺎء ،ﺛﻢ اﺻﻄﺤﺒﻨﺎ ﻣﻌﻪ إﻟﻰ ُ ﺣ َ اﻟﺪاﺧﻞ ،ﻗﺒﻞ أن ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪ ِﻣْﺮ َ ﻀﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺤﺎس أﻗﯿﻤﺖ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﻤﺬﺑﺢ ،وﻗﺪ اﻣﺘﻸ ﺣﻮﺿﮫﺎ ﺑﺎﻟﻤﺎء اﻟﻤﻘﺪس اﻟﺬي ﺗﺘﻠﻰ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺼﻠﻮات ،ﺧﻠﻊ اﻟﻜﺎھﻦ ﻧﻌﻠْﯿﻪ ،ﺛﻢ ﻏﺴﻞ ﻳﺪﻳﻪ ورﺟﻠﯿﻪ ،وﻣﺴﺢ ﻋﻠﻰ رأﺳﻪ ﺑﺎﻟﻤﺎء ،ﺛﻢ أﺧﺬ اﻟﺰﻳﺖ واﻟُﺒﺮّ ﻣﻦ أﺑﻲ وﺣﻤﻠﮫﻤﺎ إﻟﻰ داﺧﻞ اﻟﻤﺴﻜﻦ وﺗﺮﻛﻨﺎ ﻟﻠﺤﻈﺎت ﻗﺒﻞ أن ﻳﻌﻮد وﻓﻲ ﻳﺪه اﻟﺴﻜﯿﻦ اﻟﺬي ﺳُﺘﺬﺑَﺢ ﺑﻪ اﻟﺸﺎه ،ارﺗﺠﻒ ﺟﺴﺪي ﻟﻤﺮأى اﻟﺴﻜﯿﻦ اﻟﺬي ﺗﻸﻷ ﻧﺼﻠﻪ ﻣﻊ ﺿﻮء اﻟﺸﻤﺲ. ﻗﺎل اﻟﻜﺎھﻦ ﻷﺑﻲ: أھﻲ ُﻗﺮﺑﺎن ﻟﻠﺸﻜﺮ أم ﻟﻠﺨﻄﯿﺌﺔ؟ﻗﺎل أﺑﻲ: ھﻲ رﺟﺎء ﻟﻠﺮب أن ﻳﺸﻔﻲ )ﺷﻤﻌﻮن( ﻣﻤﺎ أﺻﺎﺑﻪ.ﻗﺎل اﻟﻜﺎھﻦ: ﻲ إﻧﺴﺎ ٌ ن ﺑﺎﻟﻤﺮض إﻻ ﺑﺬﻧﺐ. ﻣﺎ ﺣﻠﺖ ﻣﺼﯿﺒﺔ وﻣﺎ اﺑُﺘِﻠ َﺛﻢ دﻋﺎﻧﻲ ﻗﺎﺋًﻼ: اﻗﺘﺮب ﻳﺎ ﻏﻼم وﺿﻊ ﻳﺪك ﻋﻠﻰ رأس اﻟﺬﺑﯿﺤﺔ واﺳﺘﻐﻔﺮ اﻟﺮب ﻣﻤﺎ اﻗﺘﺮﻓﺘﻪ ﻳﺪاك.ﻧﻈﺮت إﻟﻰ أﺑﻲ ،ﻓﮫﺰ رأﺳﻪ ﻣﺸﺠًﻌﺎ ،ﻓﻮﺿﻌﺖ ﻳﺪي اﻟﻤﺮﺗﺠﻔﺔ ﻓﻮق رأس اﻟﺸﺎة اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻠﻘﺖ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﮫﺎ ﻓﻲ ھﺪوء ،ﺛﻢ َﻣ ّ ﺠَﺪ اﻟﻜﺎھﻦ اﺳﻢ اﻟﺮب واﺑﺘﮫﻞ إﻟﯿﻪ ﺑﺎﻟﻐﻔﺮان ،وأﻧﺎ أردد ﺧﻠﻔﻪ ﻣﺎ ﻳﻘﻮل دون أن أﻓﮫﻢ ﻋﻦ أي ﺷﻲء أطﻠﺐ اﻟﻐﻔﺮان! ﻓﺎﻟﺨﻄﯿﺌﺔ ،واﻟﺬﻧﺐ ،وطﻠﺐ اﻟﻐﻔﺮان ،ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﻤﺎت أرددھﺎ وﻻ أﻓﮫﻢ ﻣﻌﻨﺎھﺎ ،ﻟﻢ أﻓﮫﻢ ﻛﯿﻒ ﻳﻜﻮن ﻗﺘﻞ )رام( ﻛﻔﺎرة ﻟﻪ؟ وﻛﯿﻒ ﻳﻜﻮن ﻗﺘﻞ اﻟﺸﺎة ﻗﺮﺑﺎﻧًﺎ ﻣﻦ أﺟﻠﻲ؟ ﺳﺎر اﻟﻜﺎھﻦ ﺑﺎﻟﻨﺼﻞ اﻟﺤﺎد ﻋﻠﻰ ﻋﻨﻖ اﻟﺬﺑﯿﺤﺔ ،ﻓﺎﻧﺒﺠﺴﺖ اﻟﺪﻣﺎء ﻣﻦ ﻋﺮوﻗﮫﺎ، وطﺎل رذاذھﺎ وﺟﮫﻲ ،ﻓﻠﻢ أﺷﻌﺮ إﻻ واﻷرض ﺗﻤﯿﺪ ﻣﻦ ﺗﺤﺖ ﻗﺪﻣﻲ ،وﻧﻮر اﻟﺼﺒﺎح ﻳﺴﺘﺤﯿﻞ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ ظﻼًﻣﺎ. وأﻓﻘﺖ ﻣﻦ إﻏﻤﺎﺋﻲ ﻷﺟﺪﻧﻲ ﻓﻲ ﺣﺠﺮﺗﻲ ﺑﺎﻟﺪار وﺣﻮﻟﻲ أﺑﻲ وأﻣﻲ واﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( وﺻﺪﻳﻘﻲ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ،وﻛﺎﻧﺖ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( اﻟﺼﻐﯿﺮة أول ﻣﻦ اﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻪ ﻋﯿﻨﺎي، ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺘﻠﻲ ﺻﺪري ،وﺗﻌﺒﺚ ﻓﻲ أﻧﻔﻲ وأذﻧﻲ ﺣﺘﻰ أﻓﻘﺖ ،وﺗﻌﺠﺒﺖ ﺣﯿﻨﻤﺎ رأﻳﺖ ﺟﺪران اﻟﺤﺠﺮة وﻗﺪ ﺗﻠﻄﺨﺖ ﺑﻜﻔﻮف ﺣﻤﺮاء ﻣﻦ اﻟﺪﻣﺎء ،واﻧﺘﺜﺮت ﻓﻲ ﻛﻞ رﻛﻦ ﻣﻦ أرﻛﺎﻧﮫﺎ ﻗﻄﺮات ﻣﻦ اﻟﺪﻣﺎء ،وﻋﻠﻤﺖ أن اﻟﻜﺎھﻦ ﻗﺪ أﻣﺮ ﺑﺬﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻳﺮﺗﻔﻊ ُ ﺳﺨﻂ اﻟﺮب ﻋﻦ اﻟﺪار ،ﻓﻔﻌﻞ أﺑﻲ ﻣﺎ أِﻣﺮ ﺑﻪ. وﻣﻜﺜ ُ ﺖ أﻳﺎًﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺠﺮة ﺣﺘﻰ ﺗﻌﺎﻓﯿﺖ ،وﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ اﻟﺪار ذات ﺻﺒﺎح وﻗﺪ دب ﻓﻲ ﺟﺴﺪي ﻧﺸﺎط ،ﻓﺘﻨﺎوﻟﺖ ﺻﺤﯿﻔﺔ ﻣﻦ ﺻﺤﺎﺋﻒ اﻟﺒﺮدي اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺼﻨﻌﮫﺎ أﻣﻲ ،وﻗﺪ اﺷﺘﺎﻗﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﻟﻠﻜﺘﺎﺑﺔ ،ﺟﻤﻌﺖ ﺑﻌ ً ﻀﺎ ﻣﻦ ﺳﺨﺎم اﻟﺤﻄﺐ وأذﺑﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﺎء ووﺿﻌﺖ ﻋﻠﯿﻪ ﻗﻄﺮات ﻣﻦ اﻟﺰﻳﺖ وﻣﺰﺟﺘﻪ ﻓﻲ ﻗﺎرورة ،ﻷﺻﻨﻊ ﻣﻨﻪ ﺣﺒًﺮا أﺳﻮَد ﻛﻤﺎ ﻋﻠﻤﺘﻨﻲ أﻣﻲ ،ﺛﻢ ﺷﺬﺑﺖ ﻗﻠ ً ﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻮص ،ﻏﻤﺴﺖ طﺮﻓﻪ ﻓﻲ ﻗﺎرورة اﻟﺤﺒﺮ ،وﻛﺘﺒﺖ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻋﻠﻰ ورﻗﺔ اﻟﺒﺮدي ،وﺑﺨﻂ ﺷﺪﻳﺪ اﻷﻧﺎﻗﺔ »أوراق ﺷﻤﻌﻮن اﻟﻤﺼﺮي« ،وﻛﺎن ﺗﻠﻚ ھﻲ اﻟﻠﻔﺎﻓﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ ﺻﻔﺤﺎت اﻟﺴﻔﺮ اﻟﺬي ﺗﻘﺮءوﻧﻪ ﺑﯿﻦ أﻳﺪﻳﻜﻢ اﻵن. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻋﺸﺮة ﺣ َ وﺟﺎء اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﺮﺣﯿﻞ ،ﻓﺘﺤﺮك اﻟﺮﻛﺐ ﻣﻦ ُ ﻀﯿﺮوت وﺳﺮﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳﺔ ﻋﺸﺮ ﻟﯿﺎل دون ﺗﻮﻗﻒ ،ﺗَ ُ ﺤﱡﺪﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺮق ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﺎل واﻟﮫﻀﺎب اﻟﺸﺎھﻘﺔ ،ﺣﻤﺮاء اﻟ ُ ﺠﺪد ،ﻣﻠﺴﺎء اﻟﺼﺨﺮ ،ﻋﻠﻤﻨﺎ أن اﺳﻤﮫﺎ ﺟﺒﺎل »ﺳﻌﯿﺮ« ،وھﻲ ﺣﻘﺎ أﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﺴﻌﯿﺮ ،ﻓﺮﻏﻢ أن اﻟﻮﻗﺖ ﻛﺎن وﻗ َ ﺖ رﺑﯿﻊٍ ،وﻟﻢ ﻳﺪﺧﻞ اﻟﺼﯿﻒ ﺑﻌﺪ ،ﻓﺈن ﻗﯿﻆ اﻟﺸﻤﺲ ﻛﺎن ﻣﮫﻮًﻻ ،ﻳﺪﻧﻮ ﻗﺮﺻﮫﺎ ﻣﻦ اﻟﻮادي ،وﻳﺘﻸﻷ ﺿﻮءھﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﻤﻢ اﻟﺠﺒﺎل ﺐ ﻣﺴﺘﻌﺮ ،وﻟﻮﻻ ﺳﺤﺎﺑﺔ اﻟﻐﻤﺎم اﻟﺘﻲ أظﻠﺘﻨﺎ ﻓﻲ ﺗﺮﺣﺎﻟﻨﺎ ،ﻟﮫﻠﻚ اﻟﻨﺎس ﻛﻠﮫﯿ ٍ واﻷﻧﻌﺎم ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳﺔ. وﻓﻲ ﺻﺒﯿﺤﺔ اﻟﯿﻮم اﻟﺤﺎدي ﻋﺸﺮ ،أﺷﺮﻗﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﻋﻠﻰ واﺣﺔ ﺧﻀﺮاء ﻓﺴﯿﺤﺔ ،رأﻳﻨﺎھﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻣﻰ اﻟﺒﺼﺮ ﻛﺠﻨﺔ أﻗﯿﻤﺖ ﻓﻮق رﺑﻮة ﻋﺎﻟﯿﺔ ،ﻓﻄﺎﻗﺖ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻷن ﺗﻜﻮن ﺗﻠﻚ اﻟﻮاﺣﺔ ھﻲ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ اﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﻲ أرض ﺳﯿﻨﺎء ،وﻟﻢ ﻳﻜﺪ اﻟﺮﻛﺐ ﻳﺼﻞ إﻟﻰ أطﺮاف اﻟﻮاﺣﺔ ﺣﺘﻰ اﻧﻘﺸﻌﺖ ﺳﺤﺎﺑﺔ اﻟﻐﻤﺎم اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻈﻠﻠﻨﺎ ،ﻓﻌﻠﻤﻨﺎ أن اﻟﺮب ﻗﺪ اﺧﺘﺎر ﻟﻨﺎ ﺗﻠﻚ اﻷرض ﻣﻨﺰًﻻ. اﺳ ُ ﻤﮫﺎ »ﻗﺎدش ﺑﺮﻧﯿﻊ« أي »ﺑﺮﻧﯿﻊ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ« ،وﻛﯿﻒ ﻻ ﺗﻮﺻﻒ ﺑﺬﻟﻚ اﻻﺳﻢ وﻗﺪ ﻗ ّ ﺪﺳﮫﺎ اﻟﺮب ﺑﺒﺮﻛﺎﺗﻪ ،ﻓﻔﺠﺮ ﻓﯿﮫﺎ أرﺑﻊ ﻋﯿﻮن ﺟﺎرﻳﺔ ،ﻳﺘﮫﺎدى ﻣﻨﮫﻦ اﻟﻤﺎء ﻋﺬﺑًﺎ رﻗﺮاًﻗﺎ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﺻﺨﻮر اﻟﺠﺒﺎل ،ﻟﯿﺴﯿﺮ ﻓﻲ ﺟﺪاول ﺻﻐﯿﺮة ،ﺗﺨﺘﺮق ﺟﻨﺎت ﻣﻦ اﻟﻨﺨﯿﻞ واﻷﺷﺠﺎر ،ﺳﻤﻌﻨﺎ ﻓﯿﮫﺎ زﻗﺰﻗﺎت اﻟﻌﺼﺎﻓﯿﺮ ﻷول ﻣﺮة ﻣﻨﺬ ﺧﺮﺟﻨﺎ إﻟﻰ ﺳﯿﻦ ،ﺳﺎر اﻟﺮﻛﺐ ﻋﻠﻰ أرض اﻟﻮاﺣﺔ اﻟﺘﻲ اﻛﺘﺴﺖ ﻋﺸﺒﺎ ،ﺗﻈﻠﻠﻨﺎ أﻓﻨﺎن اﻷﺷﺠﺎر اﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻜﺔ ،وﻳﺤﻒ ﺑﻨﺎ ھﺪوء اﻟﺠﻨﺔ اﻟﻌﺬراء اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻄﺆھﺎ -ﻓﯿﻤﺎ ﻳﺒﺪو- ﻗﺪم ﺑﺸﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،ﻓﺴﺎر اﻟﺠﻤﻊ ﻓﻲ ﺧﺸﻮع ،ﻻ ُﻳﺴ َ ﻤﻊ ﻓﯿﻪ إﻻ أﺻﻮات ﺣﻮاﻓﺮ ﺧﻔﺎف اﻟﻨﻮق. اﻟﺨﯿﻞ و ِ ﺳﺮن أﻧﺎخ أﺑﻲ اﻟﻨﺎﻗﺔ ،ﻓﮫﺒﻄﺖ أﻣﻲ واﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ،وﻣﻌﮫﻤﺎ ﺑﺎﺗﯿﺎ اﻟﺼﻐﯿﺮة ،و ِ إﻟﻰ ﺟﻮار أﺑﻲ ﻓﻲ رھﺒﺔ واﻧﺒﮫﺎر. ﻗﺎﻟﺖ أﻣﻲ ﻣﺸﺪوھﺔ وﻗﺪ أﺧﺬھﺎ ﻣﺸﮫﺪ ﻋﺼﻔﻮر ﻣﻠﻮّن ﻳﻀﺮب ﺑﺠﻨﺎﺣﯿﻪ ﻓﻲ اﻟﮫﻮاء وﻳﻄﻮف ﺑﯿﻦ أﻓﺮع اﻷﺷﺠﺎر: ﺠ َ ﺣﻘﺎ ﻳﺎ )زﺧﺎري( إن ﻟﻠ َﻤﺎل ﻟﺮھﺒﺔ! ھﻤﺲ ﻣﻐﺘﺒﻄًﺎ: ﺑﻞ ھﻲ ﺑﺸﺎﺋﺮ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺗﻠﻮح ﻓﻲ اﻷﻓﻖ ﻳﺎ )روﻣﺎﻧﺎ(!ُ ﺧﺬت ﺑﺠﻼل اﻟﻤﺸﮫﺪ: ﻗﺎﻟﺖ ﻋﻤﺘﻲ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( وﻗﺪ أ ِ ھﻞ اﻗﺘﺮﺑﻨﺎ ﻣﻦ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻳﺎ )زﺧﺎري(؟ﻗﺎل أﺑﻲ: ُ ﻟﯿﺲ ﺑﻌﺪ ﻳﺎ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( وﻟﻜﻨّﺎ ﺗﺮﻛﻨﺎ اﻟﺼﺤﺮاء إﻟﻰ اﻷﺑﺪ ،وﻋﻤﺎ ﻗﺮﻳﺐ ﺗﻄﺄ أﻗﺪاﻣﻨﺎاﻷرض اﻟﺘﻲ ﻣﺸﻰ ﻋﻠﯿﮫﺎ آﺑﺎؤﻧﺎ )إﺑﺮاھﯿﻢ( و)إﺳﺤﻖ( و)ﻳﻌﻘﻮب(. رأﻳﻨﺎھﺎ ﺗﺒﻜﻲ ،ﻓﺮﺑﺘﺖ أﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﮫﺎ ﻓﻲ إﺷﻔﺎق ،ﻓﻠﻢ ﺗﻠﺒﺚ أن ﻣﺴﺤﺖ دﻣﻮﻋﮫﺎ ،واﻟﺘﻔﺘﺖ ﻧﺤﻮ اﻟﺼﺤﺮاء ﻗﺎﺋﻠﺔ: ﻂ! ﻟﻌﻨﺔ ﷲ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺤﺮاء ،ﻟﻢ ﻧﺮ ﻓﯿﮫﺎ ﺧﯿًﺮا ﻗﻂ ،أﺧﺬت ﻣﻨﺎ وﻟﻢ ﺗﻌ ِﺛﻢ أﺟﮫﺸﺖ ﻓﻲ اﻟﺒﻜﺎء ﻣﺮة أﺧﺮى ﻓﺎﺣﺘﻀﻨﮫﺎ أﺑﻲ وﻗﺎل: ھﻮﻧﻲ ﻋﻠﯿﻚ ﻳﺎ أﺧﺘﺎه!ﻓﻐًﺪا ﻳﺬﻛﺮﻧﺎ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﺻﻠﻮاﺗﮫﻢ ،وﻳﻘﺪﺳﻨﺎ أﺣﻔﺎدﻧﺎ وﻳﻘﻮﻟﻮن ھﺆﻻء ﻣﻦ ﺧﺮﺟﻮا ﻣﻊ ﻧﺒﯿﮫﻢ ،ووﻋﺪھﻢ رﺑﮫﻢ ﻓﺄوﻓﻰ ﺑﻮﻋﺪه ﻟﮫﻢ. ﺳﺄﻟﺖ أﺑﻲ: ﻛﯿﻒ ﺗﺮك اﻟﻨﺎس ﺗﻠﻚ اﻟﻮاﺣﺔ ﺑﻼ ﺳﻜﻨﻰ؟!ﻗﺎل: ﻟﻌﻞ اﻟﺮب أرﺷﺪ ﻧﺒﯿﻪ إﻟﻰ ھﺬا اﻟﻤﻨﺰل ﻛﻲ ﺗﺸﺘﺎق ﻧﻔﻮس اﻟﻨﺎس إﻟﻰ اﻷرضاﻟﻤﻘﺪﺳﺔ! ﺛﻢ ﺣﻄﺖ اﻟﺮﺣﺎل ،وﻛﺎن أول ﺑﯿﺖ أﻗﯿﻢ ﻓﻲ اﻟﻨﺰل اﻟﺠﺪﻳﺪ ھﻮ ﺑﯿﺖ اﻟﺮب ،اﻧﮫﻤﻚ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ ﻧﺼﺐ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع واﻟﻤﺴﻜﻦ وإﻗﺎﻣﺔ اﻟﻤﺬﺑﺢ ،وﺑﻌﺪ أن ﺻﻠﻰ ﺑﻨﺎ ﺴﻢ ﺑﯿﻨﮫﻢ ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ( ﺻﻼة اﻟﺸﻜﺮ ،ﺟﻠﺲ إﻟﻰ رؤﺳﺎء اﻟﻌﺸﺎﺋﺮ ُﻳﻘ ّ ِ أرض اﻟﻮاﺣﺔ ،ﻓﺠﺎء ﻧﺼﯿﺐ ﺳﺒﻂ رأوﺑﯿﻦ إﻟﻰ ﺟﻮار ﻋﯿﻦ ﻣﺎء ﺻﺎﻓﯿﻪ اﺳﻤﮫﺎ »ﻋﯿﻦ ُ ﺟﺪﻳﺮات« ،وﺟﺎء ﻧﺼﯿﺐ أﺑﻲ ﻣﻦ اﻷرض ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺻﻐﯿﺮة ﻻ ﻳﺰﻳﺪ طﻮﻟﮫﺎ وﻋﺮﺿﮫﺎ ﻋﻦ ﻋﺸﺮ أذرع ،ﺗﺘﻮﺳﻄﮫﺎ ﺷﺠﺮة ﺳﻨﻂ ﻋﺎﻟﯿﺔ ،ﻓﻘﺎم أﺑﻲ ﺑﻤﻌﺎوﻧﺘﻲ وﻣﻌﺎوﻧﺔ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﺑﻘﻄﻊ ﺷﺠﺮة اﻟﺴﻨﻂ ،ﺛﻢ ﺷﺮﻋﻨﺎ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء دار ﻣﻦ طﺎﺑﻘﯿﻦ ﻳﻔﺼﻠﮫﻤﺎ ﺳﻘ ٌ ﻒ ﻣﻦ أﻟﻮاح اﻟﺨﺸﺐ ،أﻋﺪدﻧﺎه ﻣﻦ ﺷﺠﺮة اﻟﺴﻨﻂ ،وﻳﺼﻞ إﻟﻰ طﺎﺑﻘﮫﺎ اﻟﻌﻠﻮي ﺳﻠﻢ ﺧﺸﺒﻲ أﻗﺎﻣﻪ أﺑﻲ ﺧﺎرج اﻟﺠﺪار ،واﺧﺘﺮت أن ﺗﻜﻮن ﺣﺠﺮﺗﻲ ﻣﻊ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻓﻲ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻟﻌﻠﻮي ،وﻛﻨﺖ ﻛﺜﯿًﺮا ﻣﺎ أﺟﻠﺲ ﻓﻲ ﺣﺠﺮﺗﻲ اﻟﻤﺮﺗﻔﻌﺔ، اﺗﻄﻠﻊ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻧﺎﻓﺬﺗﮫﺎ إﻟﻰ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﺤﻲ وأرى ﻣﻨﮫﺎ ﺧﯿﻤﺔ اﻟﺮب ،ﻓﯿﺼﻔﻮ ﻋﻘﻠﻲ ﻟﻤﺮآھﺎ ،وأﻣﻜﺚ ﺳﺎﻋﺎت أﻛﺘﺐ ﻓﯿﮫﺎ أوراﻗﻲ ،وأدون ذﻛﺮﻳﺎﺗﻲ ﻋﻦ اﻟﺨﺮوج. وأﺛﺎرت اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ اﻟﺨﺼﺒﺔ ﺣﻨﯿﻦ أﻣﯽ إﻟﯽ اﻟﻨﺒﺎﺗﺎت اﻟﺘﯽ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺰرﻋﮫﺎ ﻓﯽ ﻣﺼﺮ، ﻓﺄﺧﺬت ﺑﻌﺾ ﺣﺒﺎت ﻣﻦ اﻟﻔﻮل أﺣﻀﺮﺗﮫﺎ ﻣﻌﮫﺎ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﻮي زراﻋﺘﮫﺎ ﻓﯽ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ رأت ﺧﺼﻮﺑﺔ اﻷرض ﺣﻮﻟﮫﺎ ،ﺑﺬَرت ﺑﻌ ً ض ﻀﺎ ﻣﻨﮫﺎ ﻓﯽ ﺣﻮ ٍ ﻣﻦ اﻟﻄﯿﻦ ﺣﺮﺛﺘﻪ أﻣﺎم اﻟﺪار ﺛﻢ ﺳﻮّرﺗﻪ ﺑﻘﻄﻊ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎرة ﺣﺘﯽ ﻻ ﺗﻄﺄه أﻗﺪاﻣﻨﺎ. ﻀﺮ ﻟﻪ اﻟﻤﺎء ﻣﻦ اﻟﺒﺌﺮ ﻟﺘﺮوﻳﻪ ،وﻟﻢ ﺗﻤﺾ ﺑﻀﻌﺔ أﺳﺎﺑﯿﻊ ﺣﺘﯽ ارﺗﻔﻌﺖ وﻛﺎﻧﺖ ُﺗﺤ ِ ﺷﺠﯿﺮات اﻟﻔﻮل ﻋﻦ اﻷرض ،ﺛﻢ ﻟﻢ ﺗﻠﺒﺚ أن أﺛﻤﺮت ﻗﺮوﻧﺎ ﺧﻀﺮاء ذات ﺑﮫﺠﺔ ﺑﮫﺎ ﺑﺬور ﻣﻨﺘﻔﺨﺔ ذات طﻌﻢ ﻣﺤﺒﺐ ،أﻛﻠَﺖ ﻣﻨﮫﺎ اﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ،ﻓﮫﺰت رأﺳﮫﺎ طﺮﺑًﺎ وھﻲ ﺗﺴﺘﻄﯿﺐ ﻣﺬاﻗﮫﺎ وﺗﻘﻮل: ﺳﮫﺎ وﻓﻮﻟﮫﺎ. ﻟﻢ أﻓﺘﻘﺪ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ ﺳﻮی َﻋَﺪ ِأﻛﻤﻠﺖ أﻣﻲ وھﻲ ﺗﻨﺰع ﺑﺄﺻﺎﺑﻌﮫﺎ اﻟﻘﺸﺮة ﻋﻦ ﺣﺒﺎت اﻟﻔﻮل وﺗﻠﻘﻔﮫﺎ ﻓﻲ ﻓﻤﮫﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﺬذ: ﺑﻞ ﻗﻮﻟﻲ وﺛﻮﻣﮫﺎ وﺑﺼﻠﮫﺎ وﻗِﺜّﺎؤھﺎ ،وھﻞ ُﺗﺨِﺮج اﻷرض ﻓﯽ ﻣﺼﺮ إﻻ أطﯿﺐاﻟﻄﻌﺎم؟ ﺿﺤﻚ أﺑﻲ وﻗﺎل: أﻓﻼ زرﻋﺖ ﻟﻨﺎ ﻳﺎ )روﻣﺎﻧﺎ( ﺣﻮ ً ﺿﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺼﻞ ﺣﺘﯽ ﻳﺘﻘﺎﺗﻞ ﻋﻠﯿﻪ ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ؟ ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺘﺤﺴﺮة: ﻟﯿﺘﻨﻲ أﻣﻠﻚ ﻟﻪ ﺑﺬوًرا!ﺿﺤﻜﻨﺎ وﻗﺎل أﺑﻲ ﻣﻜﺮًرا ﺟﻤﻠﺘﻪ اﻷﺛﯿﺮة دون أن ﻳﻤﻞ: ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺗﺘﺬوﻗﻮن ﻋﺴﻞ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺳﺘﻨﺴﻮن ﺑﺼ َﻞ ﻣﺼﺮ وﺛﻮﻣﮫﺎ. وﻣﺮت اﻟﺸﮫﻮر ،واﻧﺤﺴﺮ ﻧﮫﺎر اﻟﺼﯿﻒ ﻣﺆذﻧًﺎ ﺑﻘﺮب اﻟﺨﺮﻳﻒ ،واﺳﺘﯿﻘﻈﻨﺎ ذات ﺻﺒﺎح ﻋﻠﯽ ﺻﻮت اﻟﺒﻮق ،ﻓﺎرﺗﺞ اﻟﺤﻲ ﻟﻨﻔﯿﺮه ،وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ارﺗﻔﻊ ﺻﻮت اﻟﺠﻠﺒﺔ ود ّ ب اﻟﻨﺸﺎط ﻓﻲ اﻟﻨﺰل ،ﻛﻨﺖ أﻧﺎم اﻟﯽ ﺟﻮار )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﺣﯿﻨﻤﺎ طﺮق ﻣﺴﺎﻣﻌﻲ ﺻﻮت اﻟﻨﻔﯿﺮ ،ﻓﻘﻤﺖ ﻣﻦ ﺳﺮﻳﺮي ﻣﺴﺮًﻋﺎ وﻧﻈﺮت ﻋﺒﺮ اﻟﻨﺎﻓﺬة ﻓﺮأﻳﺖ اﻟﺮﺟﺎل ﻳﺘﻮاﻓﺪون إﻟﯽ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﺤﻲ ،ورأﻳﺖ أﺑﻲ ﻳﺨﺮج ﻣﺴﺮًﻋﺎ وھﻮ ﻳﻜﻤﻞ ارﺗﺪاء ﺛﻮﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،ﻧﺎدﻳﺘﻪ ﻓﻘﺎل دون أن ﻳﻨﻈﺮ ﻧﺤﻮي: أﻳِﻘﻆ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ،واْﺗﺒََﻌﺎﻧِﻲ إﻟﯽ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻨﺰل ،ﻓﻨﺒﻲ ﷲ ﻳﺠﻤﻊ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﺸﺒﺎبﻷﻣٍﺮ ﺟﻠﻞ. أﻳﻘﻈ ُ ﺖ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﺑَِﺪﻓﻌﺔ ﻣﻦ ﻗﺪﻣﻲ ﻛﻤﺎ اﻋﺘﺪت ﻋﻠﯽ ذﻟﻚ داﺋ ً ﻤﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻧﻮُﻣﻪ ﺛﻘﯿًﻼ ،ﻓﺎﺳﺘﯿﻘﻆ ﻓﺰًﻋﺎ ﻏﺎﺿﺒًﺎ ،وﻗﺒﻞ أن ﻳ ُ ﺴﺒ ّﻨﻲ ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: أﺳﺮع ﻓﻘﺪ دق اﻟﻨﻔﯿﺮ وﻧﺒﻲ ﷲ ﻳﺠﻤﻊ اﻟﻨﺎس ﻷﻣﺮ ﺟﻠﻞ!ﻓَﺮك ﻋﯿﻨﯿﻪ ﺛﻢ أدﺧﻞ ﻗﺪﻣﯿﻪ ﻓﻲ ﻧﻌﻞ ،وھﺮول ﺧﻠﻔﻲ ﻗﺎﻓًﺰا درﺟﺎت اﻟﺴﻠﻢ اﻟﺨﺸﺒﻲ ﻓﻲ ﺧﻄﻮﺗﯿﻦ ،وﻟﻢ ﺗﻤﺾ ﻟﺤﻈﺎت ﺣﺘﯽ ﻛﺎن ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻳﻤﻠﺌﻮن ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻨﺰل ،وﻋﺮ ُ ق اﻟﻠﯿﻞ ﻻ ﻳﺰال ﻳﺨﺘﻠﻂ ﺑﺄﺟﺴﺎدھﻢ ،واﺣﻤﺮار اﻟﻨﻮم ﻟﻢ ﻳﺬھﺐ ﺑﻌﺪ ﻣﻦ ﻋﯿﻮﻧﮫﻢ ،ﺗﺴﺎءل اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ اﻟﺪﻋﻮة ،وﻟﻜﻦ ﻳﺒﺪو أن أﺣًﺪا ﻣﻨﮫﻢ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻋﻨﺪه اﻹﺟﺎﺑﺔ ،ﻓﺘﻮﺟﮫﺖ اﻟﻌﯿﻮن ﺗﻠﻘﺎء اﻟﺨﯿﻤﺔ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﺧﺮوج اﻟﻜﻠﯿﻢ. وﻣﻀﻰ وﻗﺖ ﻗﺼﯿﺮ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺨﺮج اﻟﻜﻠﯿﻢ ﻣﻦ اﻟﺨﯿﻤﺔ وﺧﻠﻔﻪ ﺳﺎر اﻟﺸﺎب )ﻳﻮﺷﻊ( ،واﻟﻜﺎھﻦ اﻷﻛﺒﺮ )ھﺎرون( ،وﺑﻌﺾ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﻦ رؤﺳﺎء اﻟﻌﺸﺎﺋﺮ ،ﺻﻌﺪ ﺠﺪ اﻟﺮب وﻗ ّ )ﻣﻮﺳﻰ( إﻟﻰ ﺻﺨﺮة ﻋﺎﻟﯿﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺮاه اﻟﻨﺎس ،ﺛﻢ ﻣ ّ ﺪس أﺳﻤﺎءه، ﺛﻢ ﻧﺎدى ﻓﻲ اﻟﻨﺎس ﻗﺎﺋًﻼ: أﻳﮫﺎ اﻟﻨﺎس!ﺼﻠﱠﻨﻜﻢ ﻗﺪ وﻋﺪﻛﻢ اﻟﺮب اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،وھﺎ ﻗﺪ ﺻﺮﺗﻢ ﻋﻠﻰ أﺑﻮاﺑﮫﺎ ،ﻻ ﻳﻔ ِ ﻋﻨﮫﺎ إﻻ ﻗﻠﯿﻞ ،أﻳﱡﮫﺎ اﻟﻨﺎس ﻗﺪ أﻣﺮ اﻟﺮب ﺑﺄن ﺗﺼﻨﻌﻮا ﻟﻪ ﺟﯿ ً ﺸﺎ ،ﺗﻘﺎﺗﻠﻮن ﻷﺟﻠﻪ، وﺗﺘﻘﺪﺳﻮن ﺑﺎﺳﻤﻪ ،ﻓﯿﻀﺮب ﺑﺄﻳﺪﻳﻜﻢ ﻋﻠﻰ رﻗﺎب أﻋﺪاﺋﻜﻢ ،وﻳﻜﻦ ﻣﻌﻜﻢ أﻳﻨﻤﺎ ﺻﻌﺪﺗﻢ ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻠﻢ اﻟﻨﺎس أن اﻟﺮب إﻟﻪ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،ﻗﺪ ﺗﻤ ّ ﺠﺪ ﻓﻲ ﺶ ﻋﻈﯿ ٌ اﻟﺴﻤﺎء واﻷرض ،وأﻧﻪ ﻗﺪ ﺻﺎر ﻟﻪ ﺟﯿ ٌ ﻢ ُﻳِﺮھﺐ ﺑﻪ ﻣﻠﻮك اﻷرض ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﻤﻤﺎﻟﻚ. ﺻﻤﺖ ﻟﺤﻈﺎت وﻗﻠﻮب اﻟﻨﺎس ﺗﻘﺮع ﻓﻲ ﻓﺰع وأﻋﯿﻨﮫﻢ ﺗﺪور ﻣﻦ اﻟﺨﻮف ﺛﻢ ﻗﺎل: ھﻜﺬا ﻗﺎل اﻟﺴﯿﺪ اﻟﺮب ﻛﻞ ﻣﻦ ﺟﺎوز اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ﻳﻜﻦﺳﺎ أو رﻣ ً ﺟﻨﺪﻳﺎ ﻓﻲ ﺟﯿﺶ اﻟﺮب ،ﻳﺤﻤﻞ ﺳﯿًﻔﺎ أو ﺗﺮ ً ﺤﺎ ،وﻳﻘﺎﺗﻞ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺮب ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻤﺠﺪ اﺳﻤﻪ أو ﻳﮫﻠﻚ دون ذﻟﻚ! ﻋﻢ اﻟﺼﻤﺖ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻓﺮغ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺜﻪ ،ورأﻳﺖ ﺷﺒﺢ اﻟﺨﻮف ﻳﻄﻮف ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس وﻳﻤﺲ ﺑﺄﻧﺎﻣﻠﻪ ﻗﻠﻮب اﻟﺮﺟﺎل ،ﻓُﺒِﮫﺘﺖ اﻟﻮﺟﻮه واﻧﻌﻘﺪت اﻷﻟﺴﻨﺔ ،وﻟﻢ ﻳﻔﻖ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ اﻟﺼﺪﻣﺔ إﻻ ﻋﻠﻰ ﺻﻮت رﺟﻞ ﻣﻦ ﺳﺒﻂ ﻳﺴﺎﻛﺮ ﻳﻘﻮل: وھﻞ ﻧﻌﻠﻢ ﻗﺘﺎًﻻ ﻳﺎ )ﻣﻮﺳﻰ(؟!! ﻗﺎل )ﻣﻮﺳﻰ( ،وﻗﺪ ﺑﺪا أﻧﻪ أﻋﺪ اﻟﻌﺪة ﻟﮫﺬا اﻟﺴﺆال: ﻏًﺪا ﻳﺨﺮج اﻟﺬﻳﻦ ُﻛِﺘﺐ ﻋﻠﯿﮫﻢ اﻟﻘﺘﺎل إﻟﻰ أطﺮاف اﻟﻮاﺣﺔ ،وﻟﯿﺄت ﻛﻞ رﺟﻞ ﻣﻨﮫﻢﺑﻔﺮس أو رﻣﺢ أو ﺳﯿﻒ ،وﻣﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﻓﺄس أو ﺗﺮس ﻓﻠﯿﺄت ﺑﮫﻤﺎ ،ﺛﻢ أﺷﺎر إﻟﻰ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻪ ﻗﺎﺋًﻼ: ھﺆﻻء ھﻢ ﻗﺎدة ﺟﯿﺶ اﻟﺮب ،ﻣﻨﮫﻢ ﺗﺘﻌﻠﻤﻮن اﻟﺮﻣﻲ واﻟﻄﻌﻦ ،وﻳﺪ اﻟﺮب ﻓﻮقأﻳﺪﻳﻜﻢ. واﻧﻔﺾ اﻟﺠﻤﻊ ،وﻋﺪﻧﺎ ﻓﻲ اﺗﺠﺎه اﻟﺪار ،وﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ رأﻳﺖ أﺑﻲ ﻳﺨﻄﻮ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ وﻗﺪ ﻟﻤﻌﺖ ﻋﯿﻨﺎه ﻓﺮ ً ﺣﺎ ،أﺳﺮﻋﻨﺎ ﺧﻠﻔﻪ أﻧﺎ و)ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﺣﺘﻰ ﺣﺎذﻳﻨﺎه ،ﺛﻢ ﻗﺎل )ﻋﺎﻣﯿﺮ( وھﻮ ﻳﻠﮫﺚ: أﻣﺎ ﻳﺠﻮز ﻟﻲ ﻳﺎ ﻋﻤﺎه أن أﻛﻮن ﻓﻲ ﺟﯿﺶ اﻟﺮب؟اﺑﺘﺴﻢ أﺑﻲ ﻗﺎﺋًﻼ: -ﻛﻢ ﻋﻤﺮك اﻵن ﻳﺎ ﻓﺘﻰ؟ ﻣﻂ ﺷﻔﺘﯿﻪ وﻗﺎل: ﻻ أدري ﻟﻌﻠﻲ ﻗﺪ اﻗﺘﺮﺑﺖ ﻣﻦ اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ أو أﻛﺒﺮ ﻗﻠﯿًﻼ؟ﻧﻈﺮت إﻟﯿﻪ ﻣﺘﺸﻜ ً ﻜﺎ وﻗﻠﺖ ﻣﺤﺘ ً ﺠﺎ: وھﻞ ﺗﻜﺒﺮﻧﻲ ﺑﺨﻤﺲ ﺳﻨﻮات؟!وﻗﺪ ﻛﻨﺖ ﺣﯿﻨﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﺸﺮة! ﻟﻜﺰﻧﻲ ﺑﻜﻮﻋﻪ ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺒﻲ ﺣﺘﻰ اﺻﻤﺖ ،ﻓﻀﺤﻚ أﺑﻲ وﻗﺎل: ﻻ ﺗﺘﻌﺠﻞ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ،إﻧﻤﺎ ھﻮ أﻣﺮ اﻟﺮب ،وﺳﯿﺄﺗﻲ ﻳﻮم ﻗﺮﻳﺐ ﺗﻜﻮﻧﺎن ﻓﯿﻪ ﻓﻲﺟﯿﺶ اﻟﺮب. وﻋﻨﺪ اﻟﻈﮫﯿﺮة ﺟﻤﻌﻨﺎ وﻗﺖ اﻟﻐﺪاء ،ﻛﺎﻧﺖ أﻣﻲ ﺗﻀﻊ أطﺒﺎق اﻟﻄﻌﺎم ﻋﻠﻰ اﻷرض وﻳﺒﺪو ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻠﮫﺎ اﻟﺸﺮود ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ،ﺗﺼﻔﻒ ﺷﻌﺮ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻌﻨﻒ ﺟﻌﻞ اﻟﻔﺘﺎة ﺗﺘﺬﻣﺮ ،وﺗﺤﺎول اﻟﻨﮫﻮض اﻟﻤﺮة ﺑﻌﺪ اﻷﺧﺮى، وﻟﻜﻨﮫﺎ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ أن ﺗﻔﻠﺖ ﻣﻦ ﻳﺪ اﻟﻌﻤﺔ اﻟﺘﻲ أﻣﺴﻜﺖ ﺑﺸﻌﺮھﺎ اﻟﻄﻮﻳﻞ ﻓﻲ ﻗﻮة ،ﻻﺣﻆ أﺑﻲ ﺷﺮود أﻣﻲ ،وﻳﺒﺪو أن اﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ﻗﺪ ﻻﺣﻈﺘﻪ أﻳ ً ﻀﺎ وﻟﻜﻨﮫﺎ ﻓﮫﻤﺖ اﻟﺴﺮ وراءه ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻷﺑﻲ: أﻟﻢ ﻳﻌﺪﻧﺎ )ﻣﻮﺳﻰ( اﻷرض دون ﺣﺮب؟ﻢ ﻳﺪ ُ إذن ﻓِﻠ َ ع اﻵن إﻟﻰ ﺟﯿﺶ اﻟﺮب؟ ﻗﺎل أﺑﻲ: وھﻞ ُﺗﻤَﻨﺢ اﻟﺠﻨﺔ ﺑﻐﯿﺮ اﺑﺘﻼء ﻳﺎ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ(؟!أﻟﻘﺖ ﺑﺎﻟﻤﺸﻂ ﺛﻢ ﻋَﻘﺼﺖ ﺷﻌﺮ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( وھﻲ ﺗﻘﻮل: وھﻞ ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ رﺟﺎل ﺣﺮب ﻳﺎ )زﺧﺎري(؟!ﺗﻨﮫﺪ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻣﺎ دام اﻟﺮب ﻣﻌﻨﺎ ﻓﻼ ﺧﻮف ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻳﺎ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ،أﻟﻢ ﻳﺤﺎرب ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞاﻟﻌﻤﺎﻟﯿﻖ ﻓﻲ »رﻓﯿﺪﻳﻢ« وھﺰﻣﻮھﻢ ﺑﺈذن ﷲ؟! أﻓﻠﺘﺖ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﻳﺪﻳﮫﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻦ ﺗﺼﻔﯿﻔﮫﺎ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺣﺪة: ﻻ ﺗﺘﻐﺎﺑﻰ ﻳﺎ )زﺧﺎري( ،وھﻞ ﻗﺘﺎل ﻗﻄﺎع اﻟﻄﺮق ﻛﻘﺘﺎل ﺟﯿﺶ اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﯿﻦ؟!ﺛﻢ أردﻓﺖ ﻓﻲ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﺪة: -وھﻞ ﻧﺴﯿﺖ ﻣﺎ ﺣﺪث لـ)أﺷﻜﻮل( ﻓﻲ »رﻓﯿﺪﻳﻢ«؟ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ أﻣﻲ أن ﺗﺘﺤﻤﻞ اﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻔﻀﺢ ﻣﺎ ﻳﺤﯿﻚ ﻓﻲ ﺻﺪرھﺎ ﻣﻦ ﺧﻮف ،ﻓﺄﻟﻘﺖ ﺑﺎﻟﻄﺒﻖ اﻷﺧﯿﺮ ،وﺟﺎﺷﺖ ﻋﯿﻮﻧﮫﺎ ﺑﺎﻟﺪﻣﻊ وھﻲ ﺗﮫﺮول ﺧﺎرﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﻔﻨﺎء اﻟﺨﻠﻔﻲ ﻟﻠﺪار. وﻏﻀﺐ أﺑﻲ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺎت ﻋﻤﺘﻲ ﻓﻘﺎل ﻧﺎھًﺮا: أﻟﻦ ﺗﻜﻔﻲ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻳﺎ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ(؟ﻣﺎذا ﻋﺴﺎي أن أﻓﻌﻞ؟! ﻞ ﻣﻦ اﻟﻮاﺣﺔ ﻛﻤﺎ ھﺮﺑﺖ أﻧﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﻊ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﻣﻦ ھﻞ أھﺮب ﺑﻠﯿ ٍ »رﻓﯿﺪﻳﻢ«؟ ﺻﺪﻣﺘﮫﺎ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮة اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﺘﻲ أرى ﻓﯿﮫﺎ أﺑﻲ ﻳﺬﻛﺮ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﺑﺴﻮء ﻣﻨﺬ ﻓﻘﺪﻧﺎه ﻓﻲ ﺣﻮرﻳﺐ ،وﻟﻢ ﺗﺠﺪ اﻟﻌﻤﺔ ردا ﺳﻮى ﺗﺮك اﻟﺤﺠﺮة وھﻲ ﺗﻘﻮل ﺑﺎﻛﯿﺔ: ﻗﻄﯿﻌﺔ ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻨﻚ ﻳﺎ )زﺧﺎري(!ﻻ أﺧﺎطﺒﻚ ﺑﻠﺴﺎﻧﻲ ﺣﺘﻰ أﻣﻮت! رأﻳﺖ اﻟﻐﻀﺐ واﻟﺒﺆس ﻋﻠﻰ وﺟﻪ أﺑﻲ ،ﻓﺘﺮك اﻟﻄﻌﺎم ھﻮ اﻵﺧﺮ ،ودﻟﻒ إﻟﻰ ﻏﺮﻓﺘﻪ ،وﻋﻨﺪ اﻟﻤﺴﺎء ﻛﻨﺖ أﺟﻠﺲ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﻨﺎﻓﺬة أﺧﻂ ﺑﻘﻠﻤﻲ ﻓﻲ ﺻﻔﺤﺎت اﻟﺴﻔﺮ اﻟﺬي ﺗﺰاﻳﺪت أوراﻗﻪ ،وﻗﺪ اﻧﻌﻜﺲ ﺿﻮء اﻟﻘﻤﺮ اﻟﺬي اﻛﺘﻤﻞ ﺑﺪًرا ﻋﻠﯿﮫﺎ، وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻛﺬﻟﻚ ﺳﻤﻌﺖ ﺻﻮت ﻧﺤﯿﺐ ﺧﺎﻓﺖ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺟﮫﺔ اﻟﺒﺎب اﻷﻣﺎﻣﻲ ﻟﻠﺒﯿﺖ ،أطﻠﻠﺖ ﺑﺮأﺳﻲ ﻓﻮﺟﺪت أﻣﻲ ﺗﺠﻠﺲ وﺣﺪھﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺘﺒﺔ اﻟﺪار ،ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ أﺑﻲ أن ﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﺒﺎب وﺟﻠﺲ إﻟﻰ ﺟﻮارھﺎ ،رﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﮫﺎ ﺛﻢ ﺿﻤﮫﺎ إﻟﻰ ﺻﺪره وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻣﺎ ظﻨﻨﺘﻚ ﺗﻔﺮﻗﯿﻦ ﻷﻣﺮ اﻟﺤﺮب ھﻜﺬا ﻳﺎ أم )ﺷﻤﻌﻮن(؟!ھﻮﻧﻲ ﻋﻠﯿﻚ ﻳﺎ )روﻣﺎﻧﺎ( ،ﻓﻠﻘﺪ وﻋﺪﻧﺎ اﻟﺮب ﺑﺎﻟﻨﺼﺮ ﻛﻤﺎ وﻋﺪﻧﺎ ﺑﺎﻷرض؟ ھﺰت رأﺳﮫﺎ ﺑﺎﻛﯿﺔ: ﻣﺎ ﺧﺮﺟﺖ ﻷﺟﻞ اﻷرض ﻳﺎ )زﺧﺎري(!ﺑﻞ ﺧﺮﺟﺖ ﻷﺟﻠﻚ أﻧﺖ ،ﻓﻤﺎذا ﻋﺴﺎي أن أﻓﻌﻞ ﺑﺄرض ﻟﺴﺖ ﻓﯿﮫﺎ؟! ﺿﻤﮫﺎ إﻟﻰ ﺻﺪره أﻛﺜﺮ وﻗﺎل: ﺗﺘﺤﺪﺛﯿﻦ وﻛﺄﻧﻚ ﺗﻨﻌﯿﻨﻨﻲ ﻳﺎ )روﻣﺎﻧﺎ(!ﺑﻜﺖ أﻛﺜﺮ وﻗﺎﻟﺖ: -ﺣﻔﻈﻚ ﷲ ﻟﻨﺎ وﻟﻜﻨﻲ ﻋﺎﺗﺒﺔ ﻋﻠﻰ رﺑﻲ! ﻧﻈﺮ إﻟﯿﮫﺎ ﻣﻌﺎﺗﺒًﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ: ﻢ َﻛﺘ َ ﻟِ َﺐ ﻋﻠﯿﻨﺎ اﻟﻘﺘﺎل؟! أﻣﺎ آن ﻟﻨﺎ أن ﻧﺮﺗﺎح ﻣﻤﺎ ﻻﻗﯿﻨﺎه ﻣﻦ ﺷﻘﺎء ،وﻧﻨﻌﻢ ﻗﻠﯿًﻼ ﺑﻌﺪ اﻟﺠﮫﺪ. ﻗﺎل ﻓﻲ ﻳﻘﯿﻦ: ﺗﻠﻚ ﺗﺮﺑﯿﺔ اﻟﺮب ﻟﻨﺎ ﻳﺎ )روﻣﺎﻧﺎ( ﺣﺘﻰ ﻧﻨﺎل ﺟﺎﺋﺰﺗﻪ!ﺛﻢ رﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﮫﺎ ﻗﺎﺋًﻼ: اﺳﺘﻐﻔﺮي ﷲ ﻳﺎ )روﻣﺎﻧﺎ( ،وﺗﻔﺎءﻟﻲ ﺧﯿًﺮا ﺑﻮﻋﺪه.ﻧﻜﺴﺖ رأﺳﮫﺎ ،وھﻲ ﺗﻤﺴﺢ دﻣﻮﻋﮫﺎ ،ﺛﻢ ﺗﻤﺘﻤﺖ: أﺳﺘﻐﻔﺮ ﷲ.ﻓﺄﻣﺴﻚ أﺑﻲ ﺑﯿﺪھﺎ ﺛﻢ دﺧﻼ إﻟﻰ اﻟﺪار ،وﺳﺮﺣﺖ ﺑﺨﯿﺎﻟﻲ ﻓﻲ أﻣﺮ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،وﺗﻌﺠﺒﺖ ﻣﻦ ﻛﺜﺮة ﻣﺎ ﻳﺘﻌﺮض ﻟﻪ ذﻟﻚ اﻟﺸﻌﺐ ﻣﻦ ﺑﻼء واﺧﺘﺒﺎر ،وأﻟﺢ ﺧﻞ اﻟﻨﺎس إﻟﻰ ﺣﻈﯿﺮة اﻹﻳﻤﺎن ،أم ﻓﻲ ﻋﻘﻠﻲ ﺳﺆال ،ھﻞ ﻛﺜﺮة اﻟﺒﻼء ﺳُﺘﺪ ِ ﺳﺘﺨﺮﺟﮫﻢ ﻣﻨﮫﺎ إﻟﻰ اﻟﺘﻤﺮد واﻟﻌﺼﯿﺎن؟ ∞∞∞∞∞ وأﻗﯿﻢ ﻣﻌﺴﻜﺮ ﺟﯿﺶ اﻟﺮب ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء اﻟﻤﺘﺎﺧﻤﺔ ﻟﻠﻮاﺣﺔ ،ﻧﺼﺒﺖ ﺧﯿﺎم اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺎﻧﺒﯿﻦ ،وﺗﺮﻛﺖ اﻟﺴﺎﺣﺔ ﺧﺎﻟﯿﺔ ﻟﻠﻜﺮ واﻟﻔﺮ واﻟﺘﺪرﻳﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺘﺎل ،ارﺗﺪى اﻟﺮﺟﺎل ﺳﺘﺮات اﻟﺤﺮب وأﻏﻄﯿﺔ اﻟﺮأس ،وﺗﻤﻨﻄﻘﻮا ﺑﺎﻟﺴﯿﻮف اﻟﺘﻲ ﺻﻨﻌﺖ ﻓﻲ ﻣﺨﯿﻢ ﻛﺒﯿﺮ أﻗﯿﻢ ﻓﻲ طﺮف اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ ،ﺻﻜﺖ ﻓﯿﻪ اﻟﺪروع واﻟﺴﯿﻮف، وﺳﺎﺋﺮ ﺳﺮاﺑﯿﻞ اﻟﺤﺮب. ﻛﻨﺖ أﺧﺮج ﻓﻲ ﻛﻞ ﺻﺒﺎح ﻣﻊ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ،ﻓﻨﺼﻌﺪ إﻟﻰ رﺑﻮة ﻋﺎﻟﯿﺔ ﺗﺸﺮف ﻋﻠﻰ أرض اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ ،ﺛﻢ ﻧﺮﻛﻦ إﻟﻰ ﺻﺨﺮة ﻧﺴﺘﻈﻞ ﺑﻈﻠﮫﺎ ،ﻟﻨﺸﮫﺪ ﻣﮫﺎرات اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ اﻟﻤﺒﺎرزة ورﻛﻮب اﻟﺨﯿﻞ ،وﻛﺎن )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻣﻔﺘﻮﻧًﺎ ﺑﻘﻮة ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ( ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻘﻒ ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ ﺑﻼ ﺗﺮس وﻻ ﻏﻄﺎء رأس ،ﻳﻘﺎﺗﻞ ﺑﯿﺪﻳﻪ اﻟﻌﺎرﻳﺘﯿﻦ اﻟﻌﺼﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﯿﺼﺮﻋﮫﻢ دون ﻣﺸﻘﺔ أو ﻋﻨﺎء ،وﻛﺎن )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻳﺘﻤﺘﻢ ﻣﺬھﻮًﻻ وﻳﻘﻮل: ﻟﯿﺘﻨﻲ ﺣﻈﯿﺖ ﺑُﻌﺸِﺮ ﻗﻮة )ﻣﻮﺳﻰ(!ﻓﻜﻨﺖ أﺳﺨﺮ ﻣﻨﻪ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻲ ﻣﺆﻳٌﺪ ﺑﻘﻮة اﻟﺴﻤﺎء. ﻟﻦ ﺗﺤﻈﻰ ﺑِﺬﱠرٍة ﻣﻨﮫﺎ ،ﻓﮫﻮ ﻧﺒ ٌأﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﻣﻔﺘﻮﻧًﺎ ﺑﻤﮫﺎرة )ﻳﻮﺷﻊ ﺑﻦ ﻧﻮن( ،ذﻟﻚ اﻟﻔﺘﻰ اﻟﺬي ﻗﺎد ﺟﯿﺶ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻓﻲ ﺣﺮب اﻟﻌﻤﺎﻟﯿﻖ ،وھﺎ ھﻮ ﻳﻌﺪ ﺟﯿﺶ اﻟﺮب ﻟﻠﺪﺧﻮل إﻟﻰ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،وﻛﺄﻧﻪ وﻟﺪ ﻟﯿﻜﻮن ﻗﺎﺋًﺪا ،ﻛﺎن )ﻳﻮﺷﻊ( ﻓﺎرع اﻟﻄﻮل ﻣﻤﺸﻮق اﻟﻘﻮام ﺗﺒﺪو ﻋﻀﻼت ﻋﻀﺪﻳﻪ وﺳﺎﻗﯿﻪ ﻓﻲ رداﺋﻪ اﻟﻘﺼﯿﺮ ﻛﺠﺪاﺋﻞ ﻗﺪت ﻣﻦ اﻟﺼﺨﺮ ،ﻳﻨﺴﺎب ﺟﺴﺪه ﻳﻤﻨﺔ وﻳﺴﺮة ﻋﻨﺪ اﻟﻘﺘﺎل ﻓﻲ رﺷﺎﻗﺔ اﻟﻔﮫﺪ ،ﺛﻢ ﻳﻨﻘﺾ ﻓﻲ ﻗﻮة اﻟﻠﯿﺚ ﻋﻠﻰ ﻏﺮﻳﻤﻪ ﻓﯿﺼﺮﻋﻪ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺎت ،وﻛﻨﺖ أﺗﻌﺠﺐ ﺣﯿﻦ أراه ﻋﻠﻰ ﺻﮫﻮة ﺟﻮاده ،ﻛﯿﻒ ﻳﻄﺎوﻋﻪ ﻓﺮﺳﻪ ﻓﯿﺼﻨﻊ ﻟﻪ ﻣﺎ ﻳﺸﺎء؟ ﺣﺘﻰ ظﻨﻨﺖ أﻧﻪ ﺳﯿﺤﻠﻖ ﺑﻪ ذات ﻳﻮم إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء ،إن أﻣﺮه )ﻳﻮﺷﻊ( ﺑﺬﻟﻚ! وﻣﺜﻠﻤﺎ رأﻳﺖ ﻓﻲ )ﻳﻮﺷﻊ( اﻟﺒﻄﻞ اﻟﺨﯿﺎﻟﻲ اﻟﺬي ﺗﮫﻔﻮ إﻟﯿﻪ ﻗﻠﻮب اﻟﻔﺘﯿﺎن ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﺼﺒﺎ ،رأﻳﺖ ﻓﻲ أﺑﻲ ﻗﺪوًة ﺗﺤﻤﻞ ﻓﻲ طﯿﺎﺗﮫﺎ ﻛﻞ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺮﺟﻮﻟﺔ ﻣﺠﺘﻤﻌﺔ دون ﺧﻠﻞ أو ﻧﻘﺼﺎن ،وﻟﻌﻞ ﻓﻲ ﺣﯿﺎة ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺗﺘﺒﺪل ﻓﯿﮫﺎ اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﻧﺤﻮ اﻵﺑﺎء ﻣﻦ اﻟﻨﻔﻮر واﻟﻀﺠﺮ إﻟﻰ اﻟﻔﺨﺮ واﻹﻋﺠﺎب ،وأﻛﺎد أﺟﺰم أﻧﻨﻲ ﻗﺪ ﺑﺪأت ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﻣﺒﻜًﺮا ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ،ﻓﻘﺪ رأﻳﺖ اﻟﻨﺠﺎر )زﺧﺎري( وﻗﺪ ﺗﺒﺪل ﺑﻪ اﻟﺤﺎل ،وأﺻﺒﺢ ﺟﻨﺪﻳﺎ ﻣﻄﯿًﻌﺎ ﻓﻲ ﺟﯿﺶ اﻟﺮب ﻳﺘﺪرب ﻳﻮﻣﯿﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺘﺎل، دون ﻛﻠﻞ أو ﻣﻠﻞ ،ﻳﺼﻘﻞ ﻣﻮاھﺒﻪ ﻓﻲ اﻟﺮﻣﻲ واﻟﺘﺴﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﻏﯿﺮ أوﻗﺎت اﻟﺘﺪرﻳﺐ، ﺣﺘﻰ ﺻﺎر أﺑﺮع ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻓﻲ رﻣﻲ اﻟﺴﮫﺎم ،ورأى )ﻳﻮﺷﻊ( ﺑﻌﯿﻨﯿﻪ اﻟﺨﺒﯿﺮﺗﯿﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﮫﺎرة ﻓﻲ اﻟﺘﺴﺪﻳﺪ اﻟﺘﻲ َ ﻲ ﺑﮫﺎ أﺑﻲ ،ﻓﻌﮫﺪ إﻟﯿﻪ ﺑﺘﺪرﻳﺐ ﺣ ِ ﻈ َ ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻋﻠﻰ رﻣﻲ اﻟﺴﮫﺎم ،ﺛﻢ ﺟﻌﻠﻪ ﻗﺎﺋًﺪا ﻟﻔﺮﻗﺔ اﻟﺮﻣﺎة ﻓﻲ ﺟﯿﺶ اﻟﺮب ،وﻋﺎد أﺑﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي اﺧﺘﺎره ﻓﯿﻪ )ﻳﻮﺷﻊ( ﻗﺎﺋًﺪا ﻟﻔﺮﻗﺔ اﻟﺮﻣﺎة إﻟﻰ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ وھﻮ ﻳﺮﻗﺺ ﻓﺮ ً ﺣﺎ ،ﻳﺰف إﻟﻰ أﻣﻲ اﻟﺒﺸﺮى ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﮫﺎ إﻻ أن ﺑﻜﺖ وھﻲ ﺗﻘﻮل: ﻣﺎ وددت أن أراك ﺟﻨﺪﻳﺎ ،ﻓﻌﺪت إﻟﻲ ﻗﺎﺋًﺪا ﻟﻔﺮﻗﺔ!وﻣﺮت اﻷﻳﺎم واﻟﺸﮫﻮر وﺟﯿﺶ اﻟﺮب ﻳﺰداد ﻳﻮًﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﻳﻮم ﻗﻮة ﻓﻲ اﻟﺘﺴﻠﯿﺢ ،وﺛﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﺼﺮ ،واﻟﻔﻀﻞ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻛﻠﻪ ﻛﺎن ﻳﺮﺟﻊ إﻟﻰ اﻟﺸﺒﺎب ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ اﻟﺬﻳﻦ أﺷﻌﻠﻮا ﻗﻠﻮب اﻟﻨﺎس ﺣﻤﺎﺳﺔ ،وﻓﺘﺤﻮا ﻟﮫﻢ أﺑﻮاب اﻷﻣﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮاﻋﯿﮫﺎ، ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳﻤﺸﻮن ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس وﻗﺪ ﻋﻠﺖ وﺟﻮھﮫﻢ ﻧﻀﺮة اﻟﻄﻤﺄﻧﯿﻨﺔ ،ﻳﺘﺤﺪﺛﻮن ﻓﻲ ﻳﻘﯿﻦ ﻋﻦ ﻗﺮب اﻟﻨﺼﺮ ،واﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ أرض اﻟﻤﯿﻌﺎد. وﻓﻲ ﺻﺒﯿﺤﺔ اﻟﯿﻮم اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﺸﮫﺮ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻟﻠﺴﻨﺔ اﻟﻌﺎﺷﺮة ﻣﻦ اﻟﺨﺮوج ،ﺟﻤﻊ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻣﻦ ﻛﻞ ﺳﺒﻂ ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎط رﺟًﻼ ،اﺧﺘﺎره ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ،ﺛﻢ أﻣﺮ اﻟﺮﺟﺎل ﺑﺄن ﻳﺘﻨﻜﺮوا ﻓﻲ زي ﺗﺠﺎر ﻣﻦ اﻷﻋﺮاب ،وأن ﻳﺼﻌﺪوا إﻟﻰ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ، ﻓﯿﺘﺤﺴﺴﻮا ﻓﯿﮫﺎ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺻﻐﯿﺮه وﻛﺒﯿﺮه ،وﻗﺎل ﻟﮫﻢ: اﻧﻈﺮوا إﻟﻰ أرض ﻛﻨﻌﺎن وإﻟﻰ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺴﺎﻛﻦ ﻓﯿﮫﺎ ،ﺧﺬوا ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺪﻳﻨﺔﺛﻤﺮة ،وﻣﻦ ﻛﻞ أرض ﺣﻔﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺮاب ،ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻠﻢ ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أن اﻟﺮب ﻗﺪ وﻋﺪھﻢ اﻟﺠﻨﺔ ﻓﻲ أرﺿﻪ ،ﻻ ﺗﻐﻔﻠﻮا ﻋﻦ ﺣﺼﻦ وﻻ ﺳﻮر ،وﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺮوﻧﻪ ﻣﻦ أھﻠﮫﺎ ﻓﺎﺣﻔﻈﻮه ،واﻋﻠﻤﻮا أﻧﻜﻢ ﻧﻘﺒﺎء اﻟﺮب ورؤﺳﺎء ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،ﻗﺪ اﺧﺘﺼﻜﻢ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻔﻀﻞ وﺣﺪﻛﻢ ،أرﺑﻌﻮن ﻳﻮًﻣﺎ وﻟﯿﻠﺔ ،ﺗﻌﻮدون ﺑﻌﺪھﺎ إﻟﻰ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺮاﺑﺾ ﻓﻲ ﻗﺎدش ،ﻓﺘﻨﻔﺨﻮن اﻷﺑﻮاق ،وﺗﺪﻗﻮن اﻟﻄﺒﻮل ،ﺛﻢ ﺗﺴﯿﺮون ﻋﻠﻰ ﺑﺮﻛﺔ ﷲ ﺣﺘﻰ ﺗﻄﺄوا أرض آﺑﺎﺋﻜﻢ )إﺑﺮام( و)إﺳﺤﻖ( و)ﻳﻌﻘﻮب(. وﺗﺤﺮك اﻟﻨﻘﺒﺎء اﻻﺛﻨﺎ ﻋﺸﺮ وﻗﺪ ﺗﻨﻜﺮوا ﻓﻲ ﻣﻼﺑﺲ ﺑﺪو ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺮاء ،وﺳﺎروا ﻓﻲ ﻗﺎﻓﻠﺔ ﺻﻐﯿﺮة ﺑﮫﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﯿﺮ ،ﺗﺤﻤﻞ ﺑﻀﺎﻋﺔ ﻣﺰﺟﺎة ﻣﻦ اﻟﻌﻮﺳﺞ واﻟﺘﯿﻦ وأﺛﻮاب ﻣﻦ ﻗﻤﺎش اﻟﻜﺘﺎن اﻟﺴﻤﯿﻚ اﻟﺬي ﺗﺼﻨﻊ ﻣﻨﻪ اﻟﺨﯿﺎم ،وﻛﺎن ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ اﻟﺸﺎب )ﻳﻮﺷﻊ ﺑﻦ ﻧﻮن( ،وﺻﺪﻳﻘﻪ )ﻛﺎﻟﺐ ﺑﻦ ﻳﻔﻨﻪ( ﻣﻦ ﺳﺒﻂ ﻳﮫﻮذا ،وﻛﺎن ﻣﻦ ﺷ ّ ﺑﯿﻦ اﻟﺮﺟﺎل رﺟﻞ ﻣﻦ ﺳﺒﻂ رأوﺑﯿﻦ ﻳﺪﻋﻰ ) َ ﻤﻮع ﺑﻦ َذﻛّﻮر( ﻛﺎن ﻣﻤﻦ ﻋﻠ ّﻤﻮا أﺑﻲ اﻟﻘﺮاءة واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،وﻛﺎن ﺣﯿﻨﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﺘﯿﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ،ﻛﺚ اﻟﺤﺎﺟﺒﯿﻦ، ﺗﺘﺪﻟﻰ ﺷﻌﯿﺮات ﺣﺎﺟﺒﯿﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻮﺷﻜﻦ أن ﻳﻼﻣﺴﻦ رﻣﻮﺷﻪ ،وﻟﻜﻨﻪ رﻏﻢ ذﻟﻚ ﻛﺎن ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﻨﯿﺎن ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺠﻠﺪ ،اﺧﺘﺎره )ﻣﻮﺳﻰ( ﻷﻧﻪ ﻛﺜﯿﺮ اﻟﺘﺄﻣﻞ واﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ،ﻻ ﻳﻜﺜﺮ اﻟﻜﻼم وﻳﻘﻮم ﺑﺘﺪوﻳﻦ ﻣﺎ ﻳﺠﻮل ﻓﻲ ﺧﺎطﺮه أو ﻳﺮاه ﻓﻲ رﻗﺎع ﻣﻦ اﻟﺒﺮدي، ﺷ ّ وﻟﻘﺪ اﺳﺘﺒﺸﺮ أﺑﻲ ﺧﯿًﺮا ﺑﺨﺮوج ) َ ﻤﻮع( وﻗﺎل وھﻮ ﻳﻮدﻋﻪ ﻣﻌﺎﻧًﻘﺎ: اﺳﺘﺒﺸﺮت ﺧﯿًﺮا ﺑﺨﺮوﺟﻚ ﻳﺎ ُﻣﻌِﻠﻤﻲ ،ﻓﺴﻨﺮى ﺑﻌﯿﻨﯿﻚ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺮاه اﻵﺧﺮون!ﻓﺎرﺗﺴﻤﺖ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ راﺋﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺘﯿﻪ ،ورﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻒ أﺑﻲ ﻗﺎﺋًﻼ: وإن ﻣﻨﺤﻨﻲ اﻟﺮب ﻋﻤًﺮا ﺑﻌﺪ أن أﻋﻮد ﺳﺄﻛﺘﺐ ﻣﺎ رأﻳﺘﻪ ،ﺣﺘﻰ ﻳﻘﺮأه وﻟﺪكاﻟﻨﺎﺑﻐﺔ )ﺷﻤﻌﻮن(! ﻓﻨﻈﺮ أﺑﻲ ﻧﺤﻮي ﻣﻔﺘﺨًﺮا وﻣﺴﺢ ﻋﻠﻰ رأﺳﻲ ﻗﺎﺋًﻼ: ﺣ ﱞﻖ ﻟﻚ أن ﺗﻔﺘﺨﺮ ﻳﺎ اﺑﻦ )روﻣﺎﻧﺎ(! ھﺬه ﺷﮫﺎدة ﻟﻚ ﻣﻤﻦ ﻋﻠﻢ أﺑﺎك اﻟﻘﺮاءة واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ. ﺷ ّ واﻟﺤﻖ أن ﻣﺎ ﺳﺄروﻳﻪ ﻓﻲ اﻟﺴﻄﻮر اﻟﻘﺎدﻣﺔ ،إﻧﻤﺎ ھﻲ أوراق ) َ ﻤﻮع ﺑﻦ َذﻛّﻮر( اﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﮫﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺣﻠﺔ ،وﻗﺪ ﻗﺪر ﻟﻲ أن أطﻠﻊ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﻓﻲ أﻳﺎم ﻻﺣﻘﺔ ،ﺣﯿﻦ ﺗﺮﻛﮫﺎ ﻟﻲ وﻣﻌﮫﺎ رﺳﺎﻟﺔ ﻣﻜﺘﻮب ﻓﯿﮫﺎ: »ﺗﻠﻚ ھﻲ ﺷﮫﺎدﺗﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﻤﺸﺌﻮﻣﺔ ،اﺗﺮﻛﮫﺎ لـ)ﺷﻤﻌﻮن ﺑﻦ زﺧﺎري(، ﻛﻲ ﻳﺮوﻳﮫﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﺟﯿﺎل اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﻌﻠﻢ ﻛﯿﻒ َ ﺿﯿ ّﻊ اﻟﺴﻔﮫﺎُء ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻳﺦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﺣﻠﻢ ﺟﯿﻞ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ،ظﻨﻮا ﺑﺄﻧﻔﺴﮫﻢ اﻟﺤﻜﻤﺔ وﺣﺴﻦ اﻟﺘﺪﺑﯿﺮ، ﻓﺄورﺛﻮا أﺑﻨﺎءھﻢ اﻟﺨﺰي واﻟﻌﺎر وﻣﺮارة اﻟﺘﯿﻪ«. ﺷ ّ وإﻟﯿﻚ ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ » َ ﻤﻮع ﺑﻦ َذﻛّﻮر« ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻋﺸﺮة »ﺑﺴﻢ اﻟﺮب إﻳﻞ ،اﻟﻤﺘﺠﺒﺮ ﺑﺎﺳﻤﻪ إﻟﻮھﯿﻢ ،واھﺐ اﻟﺤﯿﺎة ﺑﺎﺳﻤﻪ ﻳﮫﻮه« وﺑﻌﺪ ﻓﮫﺬا ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ )ﺷﻤﻮع ﺑﻦ ذﻛﻮر( ﻋﻦ ﺑﻌﺜﺔ اﻟﻨﻘﺒﺎء اﻻﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ إﻟﻰ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،اﻟﺘﻲ وﻗﻌﺖ ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻣﻦ أﻳ ّﺎر ﻟﺴﻨﺔ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﺨﺮوج: * اﻟﯿﻮم اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ اﻟﺒﻌﺜﺔ: »ﺗﺮﻛﻨﺎ ﻗﺎدش ﺑﺮﻧﯿﻊ ﺛﻢ اﺟﺘﺰﻧﺎ ﺟﺰًءا ﻣﻦ اﻟﺒﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻳﻮﻣﯿﻦ ،ﺣﺘﻰ وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ »ﺗﻞ ﻋﺮاد« ،اﻟﺘﻞ ﻳﺸﺮف ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺤﺮاء ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ ،وأﻗﺎم ﻓﻮﻗﻪ اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﻮن ﺣﺼًﻨﺎ ِ ھﺰﻳًﻼ ﻻ ﺗﻘﻔﻞ أﺑﻮاﺑﻪ إﻻ ﻟﯿًﻼ ،ھﻨﺎ ﺗﻠﺘﻘﻲ اﻟﻘﻮاﻓﻞ اﻟﻤﺘﺠﮫﺔ إﻟﻰ اﻟﺸﺮق أو اﻟﺠﻨﻮب ،ﻗﺎﺑﻠﺘﻨﺎ ﻗﺎﻓﻠﺔ ﺿﺨﻤﺔ ﻳﻔﻮق ﻋﺪد ﻧﻮﻗﮫﺎ اﻷﻟﻒ ﻧﺎﻗﺔ وﺗﺴﯿﺮ ﺟﻨﻮﺑًﺎ ﻓﻲ اﺗﺠﺎه أرض اﻟﻌﺮب ،ﻋﻠﻤﻨﺎ أﻧﮫﺎ ﻗﺎﻓﻠﺔ ﻟﻘﺒﯿﻠﺔ ُ ﺟﺮھﻢ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ،ﺗﺤﺪث )ﻳﻮﺷﻊ( إﻟﻰ ﻗﺎﺋﺪ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ،وﺳﺄﻟﻪ ﻋﻦ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ »ﺑﯿﺖ إﻳﻞ« ﻓﻌﻠﻢ أﻧﮫﺎ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم« * اﻟﯿﻮم اﻟﺴﺎدس ﻣﻦ اﻟﺒﻌﺜﺔ: »وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ ﻧﮫﺎﻳﺔ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺼﺎﻋﺪ ﻗﺒﻞ اﻟﻐﺮوب ،رأﻳﻨﺎ ﻣﺪﻳﻨﺔ »ﺑﯿﺖ إﻳﻞ« ﻓﻲ اﻷﻓﻖ ،ﺗﺘﺪرج ﺗﻼﻟﮫﺎ ﻛﺎﻟﺴﻼﻟﻢ وﻳﻘﺎم ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺗﻞ ﺳﻮر ﺿﺨﻢ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎرة، ﺟﻌﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻛﻠﮫﺎ ﺗﺒﺪو ﻛﻘﻠﻌﺔ ﺣﺼﯿﻨﺔ ،وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﺒﻮاﺑﺔ اﻷوﻟﻰ ،ﻓﺨﺮج إﻟﯿﻨﺎ اﻟﺤﺮاس ،وﻓﺤﺼﻮا ﻣﺘﺎﻋﻨﺎ ﺑﺪﻗﺔ ،وﻳﺒﺪو ﻣﻦ دﻗﺔ اﻟﺘﻔﺘﯿﺶ أن اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﯿﻦ ﻻ ﻳﺜﻘﻮن ﻛﺜﯿًﺮا ﻓﻲ اﻷﻋﺮاب اﻟﻘﺎدﻣﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺮاء« * اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻣﻦ اﻟﺒﻌﺜﺔ: »ﺗﻔﺮﻗﻨﺎ ﺑﺎﻷﻣﺲ إﻟﻰ أرﺑﻌﺔ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت ،أﻣﺮﻧﺎ )ﻳﻮﺷﻊ( ﺑﺄن ﻧﺘﺤﺪث إﻟﻰ اﻟﺴﻜﺎن دون أن ﻧﻜﺸﻒ ﻋﻦ ھﻮﻳﺘﻨﺎ ،وأن ﻧﺸﺘﺮي ﺛﻤﺎًرا ﻣﻦ اﻷﺳﻮاق ﻧﺤﺘﻔﻆ ﺑﮫﺎ ﻟﺤﯿﻦ ﻋﻮدﺗﻨﺎ إﻟﻰ ﺳﯿﻦ ،اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺗﺒﺪو ﻏﻨﯿﺔ ،وﻧﻈﯿﻔﺔ ،وﺗﻜﺘﻆ ﺑﺎﻟﻐﺮﺑﺎء ﻣﻦ اﻟﯿﺒﻮﺳﯿﯿﻦ واﻟﺤﯿﺜﯿﯿﻦ واﻹدوﻣﯿﯿﻦ ،ﺳﺄﻟﺖ ﺑﺎﺋﻌﺔ ﻓﻄﺎﺋﺮ وأﻧﺎ اﺑﺘﺎع ﻣﻨﮫﺎ ﺷﻄﯿﺮة ﻣﺤﻼة ﺑﺎﻟﻌﺴﻞ ﻋﻦ ﻣﻜﺎن ﻟﻠﻌﺒﺎدة ،ﻓﻮﺻﻔﺖ ﻟﻲ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﻋﺪة ﺷﻮارع ،ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻲ إن اﺳﻤﻪ »ﻣﺬﺑﺢ إﺑﺮام« ،ﺧﻔﻖ ﻗﻠﺒﻲ ﻟﻼﺳﻢ ،ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﻋﻠﻢ أن أﺑﺎﻧﺎ )إﺑﺮام( أﻗﺎم ﻣﺬﺑ ً ﺤﺎ ﻟﻠﺮب ﻓﻲ ﺑﯿﺖ إﻳﻞ وھﻮ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﺬي وﻋﺪه ﻓﯿﻪ اﻟﺮب ﺑﺬرﻳﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ﺗﻤﺘﻠﻚ اﻷرض ﻛﻠﮫﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه. وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﺬﺑﺢ ﻓﻮﺟﺪﻧﺎ زﺣﺎًﻣﺎ ﺷﺪﻳًﺪا وأﻧﺎ ً ﺳﺎ ﻳﻘﻔﻮن ﻓﻲ ﺻﻒ طﻮﻳﻞ ،وﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ اﻟﺼﻒ ﻛﺎن ﻳﻘﻒ أﺣﺪ اﻟﻜﮫﻨﺔ ﺑﺎﻟﻤﻮﺳﻰ ،وﺣﯿﻦ ﻳﺼﻞ اﻟﻮاﻗﻒ ﻓﻲ أول اﻟﺼﻒ إﻟﻰ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﻜﺎھﻦ ﻳﻨﺤﻨﻲ وﻳﻄﺄطﺊ رأﺳﻪ ﻓﻲ ﺧﻀﻮع أﻣﺎم اﻟﻜﺎھﻦ، ﻓﯿﻤﺮ اﻟﻜﺎھﻦ ﻋﻠﻰ رأﺳﻪ ﺑﺎﻟﺸﻔﺮة اﻟﺤﺎدة ﻟﯿﺰﻳﻞ ﻋﻨﻪ اﻟﺸﻌﺮ ﻣﻦ اﻟﺠﺬور ،ﺗﺎرًﻛﺎ ﺟﻠﺪ رأﺳﻪ أﺑﯿﺾ داﻣﯿًﺎ ﺗﺘﻘﺎطﻊ ﻓﯿﮫﺎ اﻟﺠﺮوح واﻟﻨﺪﺑﺎت ﻣﻦ أﺛﺮ اﻟﻤﻮﺳﻰ. ﻋﻠﻤﻨﺎ أن ذﻟﻚ اﻟﺼﻒ ھﻮ ﺻﻒ اﻟﺨﻄﯿﺌﺔ ،وأن ھﺆﻻء اﻟﻨﺎس ﻳﻜﻔﺮون ﻋﻦ ﺧﻄﺎﻳﺎھﻢ ﺑﺤﻠﻖ رءوﺳﮫﻢ ﺗﻤﺎًﻣﺎ ،أﻣﺮﻧﺎ أﺣﺪ اﻟﻜﮫﻨﺔ ﺑﺄن ﻧﻨﻀﻢ إﻟﻰ اﻟﺼﻒ ،وﻟﻜﻨﻨﺎ ﺷﻜﺮﻧﺎه واﻧﺼﺮﻓﻨﺎ ،وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﺳﺘﺪﻳﺮ ﻣﻐﺎدًرا رأﻳﺖ ﺗﻤﺜﺎًﻻ ﻳﻨﺘﺼﺐ ﻓﻮق ﺳﻮر اﻟﻤﺬﺑﺢ ﻤﺎ ﻗﺒﯿ ً وﻳﺸﺮف ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﺣﺔ اﻟﺘﻲ أﻣﺎﻣﻪ ،ﻛﺎن ﺗﻤﺜﺎًﻻ ﺿﺨ ً ﺤﺎ ﻋﻠﻰ ھﯿﺌﺔ إﻧﺴﺎن ﻣﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻌﻘﯿﻖ اﻷﺣﻤﺮ ،ﻳﺘﻸﻷ وﺟﮫﻪ ﺑﻀﻮء اﻟﻤﺸﺎﻋﻞ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ وﻛﺄﻧﻪ ﺷﯿﻄﺎن ﻓﯿﺜﯿﺮ اﻟﺮھﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﻠﻮب ،ﺳﻤﻌﻨﺎ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﺒﺎش ﻳﮫﺘﻔﻮن ﻟﻪ ﻗﺎﺋﻠﯿﻦ: ھﻮ -ﺑﻞ!ھﻮ -ﺑﻞ! ﺳﺄﻟﻨﻲ )ﺷﺎﻓﺎط(: ﻣﺎذا ﻳﻘﻮﻟﻮن؟ﻗﻠﺖ: ﻳﻘﻮﻟﻮن ﻳﺎ ﺑﻌﻞ ،ﻳﺎ ﺑﻌﻞ.ﺛﻢ اﻧﺼﺮﻓﻨﺎ وأﻧﺎ أرﻏﺐ ﻓﻲ اﻟﺒﻜﺎء ﺑﻌﺪ أن رأﻳﺖ ﻣﺬﺑﺢ أﺑﯿﻨﺎ )إﺑﺮام( ،وﻗﺪ دﻧﺴﻪ اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﻮن ﺑﺎﻷوﺛﺎن ،وﺑﺘﻤﺜﺎل اﻹﻟﻪ ﺑﻌﻞ« * اﻟﯿﻮم اﻟﺤﺎدي ﻋﺸﺮ ﻣﻦ اﻟﺒﻌﺜﺔ: »ﻛﺎد أﻣﺮﻧﺎ أن ﻳﻨﻜﺸﻒ ،ﺧﺎﻟﻒ )ﻓﻠﻄﻲ( ﻣﻦ ﺳﺒﻂ ﺑﻨﯿﺎﻣﯿﻦ أواﻣﺮ )ﻳﻮﺷﻊ( ،وأﻓﺼﺢ ﻋﻦ ھﻮﻳﺘﻪ رﻏﻤﺎ ﻋﻨﻪ ،ﻛﺎن )ﻓﻠﻄﻲ( ﻳﺘﺠﺎذب أطﺮاف اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻊ أﺣﺪ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﺪﻋﯿًﺎ أﻧﻪ ﺗﺎﺟﺮ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ ،وﻛﺎن اﻟﺮﺟﻞ ﻳﺠﯿﺐ ﻋﻠﻰ أﺳﺌﻠﺔ )ﻓﻠﻄﻲ( ﺑﺄرﻳﺤﯿﺔ وﺳﻌﺔ ﺻﺪر ،وﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎن ﻳﺪس ﺑﯿﻦ ﻋﺒﺎراﺗﻪ ،أﺳﺌﻠﺔ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺴﺘﻨﺒﻂ ﺑﮫﺎ ﺣﻘﯿﻘﺔ )ﻓﻠﻄﻲ( ،وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن )ﻓﻠﻄﻲ( ﻳﺴﯿﺮ إﻟﻰ ﺟﻮاره دﻋﺎه اﻟﺮﺟﻞ إﻟﻰ ﻣﺸﺎرﻛﺘﻪ اﻻﺳﺘﺠﻤﺎم ﻓﻲ ﻣﻐﻄﺲ أﻗﯿﻢ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻟﺮاﺣﺔ اﻷﺛﺮﻳﺎء ،ﻓﻮاﻓﻖ )ﻓﻠﻄﻲ( وﻧﺰل إﻟﻰ اﻟﻤﻐﻄﺲ اﻟﺪاﻓﺊ ﻋﺎرﻳًﺎ إﻻ ﻣﻦ إزار ﻳﺴﺘﺮ ﻋﻮرﺗﻪ ،وظﻞ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺜﺮي ﻳﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﻛﻨﻌﺎن وﺑﯿﺖ إﻳﻞ إﻟﻰ أن ﻓﺎﺟﺄ )ﻓﻠﻄﻲ( ﺑﻘﻮﻟﻪ: ھﻞ ﻳﺨﺘﺘﻦ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ ﻣﺼﺮ؟ﻓﺄﺳﻘﻂ ﻓﻲ ﻳﺪ )ﻓﻠﻄﻲ( وﻗﺪ ظﻦ أن اﻟﺮﺟﻞ ﻗﺪ ﻛﺸﻒ ﻋﻮرﺗﻪ ﻓﻘﺎل ﻣﺴﺮًﻋﺎ: ﻧﻌﻢ ،ﻧﻌﻢ ،ﺑﻌﻀﮫﻢ ﻳﺨﺘﺘﻨﻮن!ﻋﻠﺖ وﺟﻪ اﻟﺮﺟﻞ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﺻﻔﺮاء ﻣﺎﻛﺮة وﻗﺎل: ﻋﺠﺒًﺎ إن ﻟﻲ ﺟﺎرﻳﺔ ﻣﺼﺮﻳﺔ أﺧﺒﺮﺗﻨﻲ ﻏﯿﺮ ذﻟﻚ!ﻓﻈﻦ )ﻓﻠﻄﻲ( أن اﻟﺮﺟﻞ ﻗﺪ ﻛﺸﻒ أﻣﺮه وﻗﻔﺰ ﻣﺴﺮًﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻐﻄﺲ ،وﻟﻜﻦ ﺣﺮا ً ﺳﺎ أﺣﺎﻟﻮا ﺑﯿﻨﻪ وﺑﯿﻦ اﻟﺨﺮوج ،وﺗﺒﯿﻦ ﻟﻪ ﺣﯿﻨﺌﺬ أن اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺜﺮي اﻟﺬي ﺷﺎرﻛﻪ اﻟﻤﻐﻄﺲ ھﻮ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺸﺮطﺔ ﻓﻲ ﺑﯿﺖ إﻳﻞ! وﻛﺎن ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺸﺮطﺔ ﻳﻈﻦ أن )ﻓﻠﻄﻲ( ﺟﺎﺳﻮس ﻣﻦ اﻟﻤﻮآﺑِ ِﯿ ّﯿﻦ ﻟﻮﻻ أن أﻓﺼﺢ )ﻓﻠﻄﻲ( ﻟﻪ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ وأﺧﺒﺮه أﻧﻪ ﺻﻌﻠﻮك ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺮاﻧﯿﯿﻦ ﺗﻨﻜﺮ ﻓﻲ زي ﺗﺎﺟﺮ ﺣﺘﻰ ﻳﺤﻈﻰ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻘﺮﺑﻰ واﻟﻤﺎل ﻣﻦ اﻷﺛﺮﻳﺎء ،ﻓﺼﺪق ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺸﺮطﺔ رواﻳﺘﻪ ،ﺧﺼﻮ ً ﺻﺎ ﺑﻌﺪﻣﺎ أﻛﺪ ﻟﻪ رﺟﺎﻟﻪ أن اﻟﺮﺟﻞ ﻟﯿﺲ ﻣﻮآﺑﯿﺎ ،ﻓﺄﻣﺮ ﺑﻤﺼﺎدرة أﻣﻮال )ﻓﻠﻄﻲ( ،وطﺮده ﻣﻦ ﺑﯿﺖ أﻳﻞ« * اﻟﯿﻮم اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ اﻟﺒﻌﺜﺔ: »وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ ﺷﻜﯿﻢ ،واﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻲ ﻓﻲ ﻟﻐﺔ أھﻞ ﻛﻨﻌﺎن اﻟﻤﻨﻜﺐ ،أﻗﯿﻤﺖ ﻋﻠﻰ أرض ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ ﺗﻔﺼﻞ ﺑﯿﻦ وادﻳﯿﻦ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ وﻗﻠﻌﺘﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻜﺒﯿﮫﺎ، ﻛﺎن ﺳﻮرھﺎ اﻟﻀﺨﻢ ﻳﻠﻘﻲ اﻟﺮھﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﻠﻮب ،ﺗﺤﺪﺛﻨﺎ ﻷول ﻣﺮة ﻓﻲ وﺟﻞ ﻋﻦ ﺣﺼﻮن أرض ﻛﻨﻌﺎن ،وﺗﺴﺎءﻟﻨﺎ ﻋﻦ ﻛﯿﻔﯿﺔ اﺧﺘﺮاﻗﮫﺎ إذا ﻣﺎ ﻗﺎﻣﺖ ﺣﺮب ،ﻓﻘﺎل )ﻳﻮﺷﻊ(: ﺑﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻹﻳﻤﺎن وﻗﻠﯿﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﻜﺮ ،ﺗﺴﻘﻂ أﻋﺘﻰ اﻟﺤﺼﻮن!وأﻣﺮﻧﺎ )ﻳﻮﺷﻊ( ھﺬه اﻟﻤﺮة أن ﻧﺪﺧﻞ ﺷﻜﯿﻢ ﻓﺮادى ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﻧﺜﯿﺮ اﻟﺮﻳﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻔﻮس ،ﻋﻠﻰ أن ﻧﻠﺘﻘﻲ ﻋﻨﺪ ﺻﺒﺎح اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ﺧﺎرج أﺳﻮار اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،وﺷﺪد ﻋﻠﯿﻨﺎ أن ﻧﺤﻔﻆ ﻣﺪاﺧﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ وﻣﺨﺎرﺟﮫﺎ ،وﻣﻮاﺿﻊ اﻷﺑﺮاج واﻟﺤﺮاس ﻓﯿﮫﺎ ،وﻗﺎل ﻓﻲ ﺣﻤﺎﺳﺔ: إذا ﺳﻘﻄﺖ ﺷﻜﯿﻢ ،ﺳﻘﻄﺖ أرض ﻛﻨﻌﺎن.ﺳﺮت ﻣﻨﻔﺮًدا ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻗﺎت ،أﺗﻄﻠﻊ ﺑﻄﺮف ﻋﯿﻨﻲ إﻟﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻣﯿﺔ ،وأﻛﺘﺐ ﻋﺪد اﻟﺤﺮاس ﻓﯿﮫﺎ وأرﺳﻢ ﻣﺪاﺧﻠﮫﺎ وﻣﺨﺎرﺟﮫﺎ ﻓﻲ ورﻗﺔ دﺳﺴﺘﮫﺎ ﺑﯿﻦ طﯿﺎت ﻣﻼﺑﺴﻲ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺮاھﺎ أﺣﺪ ،ﻓﻠﻘﺪ رأﻳﺖ ﻓﻲ ﺷﻜﯿﻢ ﺟﻨﻮًدا أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ رأﻳﺖ ﻣﻦ أھﺎﻟﻲ اﻟﺒﻠﺪة ،وظﻠﻠﺖ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﺤﺎل ﺣﺘﻰ ﺟﻦ اﻟﻠﯿﻞ ،واﻛﺘﺸﻔﺖ أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أدﺑﺮ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻟﻠﻤﺒﯿﺖ ،وأن اﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻰ ﻧﺰل ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ﺳﯿﻜﻮن درﺑًﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺘﺤﯿﻞ ،ﻓﻌﺮﺟﺖ إﻟﻰ ﺣﺎﻧﺔ ﻓﻲ زﻗﺎق ﺿﯿﻖ ،ﺳﻄﻌﺖ أﻧﻔﻲ راﺋﺤُﺔ ﺧﻤﺮھﺎ ﻗﺒﻞ أن أرى أﻧﻮارھﺎ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺎﻧﺔ ﺷﺒﻪ ﻓﺎرﻏﺔ إﻻ ﻣﻦ اﺛﻨﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﻜﺎرى، ﻟﻌﺒﺖ اﻟﺨﻤﺮ ﺑﺮأس أﺣﺪھﻤﺎ ﻓﻈﻞ ﻳﮫﺬي ﺑﺼﻮت ﻣﺮﺗﻔﻊ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻗﻀﺖ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻞ اﻵﺧﺮ ﻓﺄﻟﻘﺘﻪ ﻓﻲ رﻛﻦ اﻟﺤﺎﻧﺔ ﺟﺜﺔ ھﺎﻣﺪة إﻻ ﻣﻦ ﺻﺪر ﻳﻌﻠﻮ وﻳﮫﺒﻂ وﺷﺨﯿﺮ ﺗﺮﺗﺞ ﻲ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺤﺎﻧﺔ وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺴﺄﻟﻨﻲ ﻣﻄﻠﺒﻲ ﻣﻦ ﻟﻪ اﻟﺤﺎﻧﺔ اﻟﺨﺸﺒﯿﺔ ،ﻧﻈﺮ إﻟ ّ اﻟﺨﻤﺮ ،ﻓﺄﺷﺮت إﻟﯿﻪ ﺷﺎﻛًﺮا ،واﺳﺘﺄذﻧﺘﻪ ﻓﻘﻂ ﻓﻲ اﻟﻤﺒﯿﺖ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻣﺎل ،وﻗﺒﻞ أن ﻳﻌﺘﺮض أﺧﺮﺟﺖ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺬھﺐ ،أدارت ﻋﻘﻠﻪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ راﺋﺤﺔ اﻟﺨﻤﺮ ،ﻓﺄﺷﺎر ﺿﻊ ﻋﻠﯿﻪ ﻓﺮش ﻣﺘﺮب ،وﻗﺎل: إﻟﻰ ﺻﻮان ﻓﻲ رﻛﻦ اﻟﺤﺎﻧﺔ و ِ ﻳﻤﻜﻨﻚ اﻟﻤﺒﯿﺖ ھﻨﺎ ﺣﺘﻰ اﻟﺼﺒﺎح ،ﺛﻢ اﻟﺘﻘﻒ ﻣﻨﻲ ﻗﻄﻌﺔ اﻟﺬھﺐ ﻓﻲ ﻟﮫﻔﺔ.ﻛﺎن ﺟﺴﺪي ﻣﺘﻌﺒًﺎ ،وﺗﻤﻨﯿﺖ أن أھﻨﺄ ﺑﻨﻮم ھﺎدئ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺴﻜﺮان ظﻞ ﻳﮫﺬي ﺑﺼﻮت ﻣﺮﺗﻔﻊ وﻗﺎل ﻣﻮﺟًﮫﺎ ﻛﻼﻣﻪ ﻧﺤﻮي: اﺧﺘﺒﺊ أﻳﮫﺎ اﻟﻐﺮﻳﺐ ،وﺗﺪﺛﺮ ﺑﺎﻟﻐﻄﺎء ﺟﯿًﺪا وﻻ ﺗﻤﻌﻦ اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ اﻟﻈﻼم ،ﺣﺘﻰ ﻻﺗﺨﻄﻔﻚ أﺷﺒﺎح »ﺑﻨﻲ ﻋﻨﺎق«! ! ﺛﻢ ﺿﺤﻚ ﺿﺤﻜﺔ ﻣﺠﻠﺠﻠﺔ ﻛﻤﻦ ﻳﺤﺎﻛﻲ ﺿﺤﻜﺎت اﻷﺷﺒﺎح ،وﻧﺸﺐ أﺻﺎﺑﻌﻪ ﻓﻲ اﻟﮫﻮاء ﻛﺎﻟﻤﺨﺎﻟﺐ. ورﻏﻢ ﻋﻠﻤﻲ أن اﻟﺮﺟﻞ ذاھﺐ اﻟﻌﻘﻞ ،وأﻧﻪ ﻳﮫﺬي ﻛﺎﻟﻤﺠﻨﻮن ،ﻓﺈن رﻋﺪة ﺧﻔﯿﻔﺔ ﺳﺮت ﻓﻲ أوﺻﺎﻟﻲ وودت ﻟﻮ ﺳﺄﻟﺘﻪ ﻋﻦ »ﺑﻨﻲ ﻋﻨﺎق« ،وﻟﻜﻨﻲ آﺛﺮت اﻟﻨﻮم ﻓﺄدرت وﺟﮫﻲ ﻧﺤﻮ اﻟﺠﺪار وﻧﻤﺖ ﺣﺘﻰ اﻟﺼﺒﺎح! « * اﻟﯿﻮم اﻟﺴﺎدس ﻋﺸﺮ ﻣﻦ اﻟﺒﻌﺜﺔ: »اﻟﺘﻘﯿﻨﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﺼﺒﺎح ﺧﺎرج أﺳﻮار ﺷﻜﯿﻢ ،ﻛﺎن أول ﻣﻦ وﺻﻞ )ﻳﻮﺷﻊ ﺑﻦ ﻧﻮن( ﺛﻢ )ﻛﺎﻟﺐ ﺑﻦ ﻳﻔﻨﻪ( ﺛﻢ أﻧﺎ ،ﺳﺄﻻﻧﻲ ﺑﻠﮫﻔﺔ ﻋﻤﺎ رأﻳﺖ ﻓﺄﺧﺒﺮﺗﮫﻢ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء، أﻋﻄﯿﺖ ﻟﯿﻮﺷﻊ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺘﻲ رﺳﻤﺖ ﻓﯿﮫﺎ ﻣﺪاﺧﻞ وﻣﺨﺎرج اﻟﺤﺎﻣﯿﺎت ،ﻓﻘﺒﻞ رأﺳﻲ ﻗﺎﺋًﻼ: ﺣﻤًﺪا ﻟﻠﺮب أن ﺧﺮج ﻣﻌﻨﺎ رﺟﻞ ﻣﺜﻠﻚ ﻳﺎ ﻓﺨﺮ رأوﺑﯿﻦ.وﻟﻢ ﺗﻤﺾ ﻟﺤﻈﺎت ﺣﺘﻰ أﺗﻰ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﻨﻘﺒﺎء ﻣًﻌﺎ ،وﻛﺄﻧﻤﺎ اﻟﺘﻘﻮا ﻓﻲ ﻣﻜﺎن آﺧﺮ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻔﺪوا إﻟﯿﻨﺎ ،ﻟﻢ ﺗﺒﺪ ﻋﻠﻰ وﺟﻮھﮫﻢ ﻋﻼﻣﺎت اﻟﺨﯿﺮ ،ﺳﺄﻟﮫﻢ )ﻳﻮﺷﻊ( ﻋﻤﺎ رأوه، ﻓﻘﺎل ﻣﻌﻈﻤﮫﻢ: إن اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺣﺼﯿﻨﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﺨﺘﺮق أﺳﻮارھﺎ ،اﻟﺠﻨﻮد ﻓﻲ اﻟﺸﻮارع أﻛﺜﺮﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﺒﯿﻮت ،ﺗﻠﻚ اﻷرض ﺗﺄﻛﻞ أھﻠﮫﺎ ،ﻓﻜﯿﻒ ﺗﺼﻨﻊ ﺑﺎﻟﻐﺮﺑﺎء واﻟﻤﻌﺘﺪﻳﻦ؟ ﻛﺎن ﻛﻼﻣﮫﻢ ﻳﺒﻌﺚ ﻋﻠﻰ اﻹﺣﺒﺎط ،وأراد )ﻳﻮﺷﻊ( أﻻ ﺗﺴﻮد روح اﻟﺘﺸﺎؤم ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﮫﻢ ﻓﻘﺎل: ﻗﺪ ﺣﺼﺮﻧﺎ اﻷﺑﻮاب وﻋﺪد اﻟﺠﻨﻮد ،ورﺳﻢ ﻟﻨﺎ )ﺷﻤﻮع( ﻣﺪاﺧﻞ وﻣﺨﺎرجاﻟﺤﺎﻣﯿﺎت ،وﺳﻨﺪﺑﺮ ﻣﻊ ﻧﺒﻲ ﷲ ﻛﯿﻔﯿﺔ اﻗﺘﺤﺎم اﻷﺳﻮار. وﻟﻜﻦ ﻣﺤﺎوﻟﺘﻪ ﺗﻠﻚ ﺑﺎءت ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ أﻣﺎم ﻛﻠﻤﺎت )ﺷﺎﻓﺎط ﺑﻦ ﺣﻮري( اﻟﺘﻲ ﺟﺎءت ﻛﻠﻄﻤﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺠﻤﯿﻊ وھﻮ ﻳﻘﻮل: وﻣﺎذا ﺳﺘﻔﻌﻠﻮن ﻣﻊ ﺑﻨﻲ ﻋﻨﺎق؟!! ﺗﺬﻛﺮت ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺴﻜﺮان ﻓﻲ اﻟﺤﺎﻧﺔ ،واﻧﺘﺎﺑﺘﻨﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﺮﻋﺪة ،ﻓﺴﺄﻟﻪ )ﻳﻮﺷﻊ(: ﻣﻦ ھﺆﻻء؟!ﻗﺎل اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ رﺟﻔﺔ ﺣﻘﯿﻘﯿﺔ: ھﺆﻻء ھﻢ اﻟﺠﺒﺎﺑﺮة رأﻳﺘﮫﻢ ﻗﺒﻞ اﻟﻐﺮوب ﻋﻨﺪ اﻟﺴﻮر اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﻟﻠﻤﺪﻳﻨﺔ ،ﻳﺪﻟﻔﻮنﻣﻦ اﻷﺑﻮاب اﻟﺨﻠﻔﯿﺔ ،رﺟﺎل طﻮال ﺿﺨﺎم ،ﻳﺒﺪو اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻨﺎ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﮫﻢ ﻛﺎﻟﺠﺮادة ،ﻳﺮﺗﺪون اﻟﺴﻮاد ﻛﺎﻷﺷﺒﺎح ،وﻳﺤﻤﻞ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﮫﻢ درًﻋﺎ ﻛﺒﺎب اﻟﺤﺼﻦ! ارﺗﺠﻔﺖ ﻗﻠﻮب اﻟﺮﺟﺎل ،واﺳﺘﻨﻜﺮ )ﻳﻮﺷﻊ( ﻛﻼم )ﺷﺎﻓﺎط( ،ﻓﻘﺎل ﻣﻌﺘﺮ ً ﺿﺎ: ﻟﻘﺪ ﻓﺤﺼﺖ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺷﺒًﺮا ﺷﺒًﺮا ﻓﻤﺎ رأﻳﺖ ﻣﺎ ﺗﺼﻔﻪ!ھﻞ رأﻳﺖ ﻣﺜﻞ ھﺬا ﻳﺎ )ﻛﺎﻟﺐ(؟ ﻓﮫﺰ )ﻛﺎﻟﺐ ﺑﻦ ﻳﻔﻨﻪ( رأﺳﻪ ﻧﻔﯿًﺎ وﻗﺎل: ﻣﺎ رأﻳﺖ إﻻ ﺟﻨﻮًدا ﻣﻦ اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﯿﻦ.ﻗﺎل )ﺷﺎﻓﺎط( ﺳﺎﺧﻄًﺎ: ھﻞ ﺗﻜﺬﺑﻨﻲ؟!ﻓﻘﺎل )ﻳﻮﺷﻊ( ﻣﻮﺟﮫﺎ ﻛﻼﻣﻪ إﻟﯿﻨﺎ ﺟﻤﯿًﻌﺎ: ھﻞ رأي أﺣﺪﻛﻢ أو ﺳﻤﻊ ﺑﻤﺜﻞ ھﺬا؟!ﺻﻤﺖ اﻟﺮﺟﺎل وﻗﺪ ﺑﻠﻎ اﻟﺮﻋﺐ ﻣﻨﮫﻢ ﻣﺒﻠﻐﻪ ،ووﺟﺪﺗﻨﻲ ﻣﺘﺮدًدا ﺑﯿﻦ أن أذﻛﺮ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻟﺴﻜﺮان وﺑﯿﻦ أن أﺻﻤﺖ ﺣﺘﻰ ﻻ أزﻳﺪ ﻣﻦ رﻋﺐ اﻟﻘﻮم ،وﻧﺪت ﻋﻨﻲ ﻧﮫﻨﮫﺔ دون ﻗﺼﺪ ﻣﻨﻲ ،ﺟﻤﻌﺖ اﻷﺑﺼﺎر ﻧﺤﻮي ،ﻓﺎزددت اﺿﻄﺮاﺑًﺎ وﺗﺮدًدا ،وﻧﻈﺮ )ﻳﻮﺷﻊ( ﻲ ﻣﺘﺸﻜ ً ﻜﺎ وﻗﺎل: إﻟ ّ ھﻞ ﺳﻤﻌﺖ ﺑﺸﻲء ﻣﺜﻞ ھﺬا ﻳﺎ ﺳﯿﺪ )ﺷﻤﻮع(؟!ارﺗﺠﻔﺖ ﺷﻔﺘﻲ اﻟﺴﻔﻠﻰ ﻣﻦ اﻟﺘﺮدد وﻟﯿﺲ ﻣﻦ اﻟﺨﻮف ،وﻗﻠﺖ ﺑﻌﺪ أن ﺣﺴﻤﺖ أﻣﺮي: ﻗﺪ ﺣﺬرﻧﻲ رﺟﻞ ﺳﻜﺮان ﻓﻲ اﻟﺤﺎﻧﺔ ﻣﻦ أﺷﺒﺎح ﺑﻨﻲ ﻋﻨﺎق!! ! وﻟﻢ أدر أن ﺟﻤﻠﺔ ﻧﻄﻘﺖ ﺑﮫﺎ ﺳﺘﻨﺴﻒ ﻋﺰﻳﻤﺔ اﻟﺮﺟﺎل ،وﺗﺼﯿﺒﮫﻢ ﺑﺨﻮار ﻻزﻣﮫﻢ طﻮال اﻟﺮﺣﻠﺔ«. * اﻟﯿﻮم اﻟﻌﺸﺮون ﻣﻦ اﻟﺒﻌﺜﺔ: »ﻛﺎن اﻟﺼﻤﺖ ھﻮ رﻓﯿﻘﻨﺎ طﻮال اﻟﻄﺮﻳﻖ ،وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ »ﺣﺎﺻﻮر« ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﯿﻦ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻨﮫﺎر ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ أﻗﻞ ﺗﺤﺼﯿًﻨﺎ ﻣﻦ ﺷﻜﯿﻢ ،وﻟﻜﻨﮫﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻛﺜﺮ ﺛﺮاء وﺑﮫﺠﺔ ،ﺗﻤﺘﺪ ﻋﻠﻰ أطﺮاﻓﮫﺎ اﻟﻤﺮوج واﻟﺒﺴﺎﺗﯿﻦ اﻟﺘﻲ أﻧﺒﺘﺖ أﻧﻮاًﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﺎﻛﮫﺔ ﻟﻢ ﻧﺮ ﻣﺜﻠﮫﺎ ﻓﻲ أي ﻣﻜﺎن ،ﻧﺴﻲ اﻟﺮﺟﺎل وﺟﻠﮫﻢ وﺧﻮﻓﮫﻢ واﻧﺸﻐﻠﻮا ﻓﻲ ﺟﻤﻊ ﻣﺎ ﻳﻘﺪرون ﻋﻠﻰ ﺣﻤﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﺜﻤﺎر اﻟﺘﻲ ﺟﺎدت ﺑﮫﺎ اﻷراﺿﻲ اﻟﺨﺼﺒﺔ ،وﻳﺒﺪو أن اﻷرض ھﻨﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺪﻳﺪة اﻟﻜﺮم ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎﺷﯿﺔ أﻳ ً ﻀﺎ ،ﻓﻘﺪ ﺗﺮھﻠﺖ أﺟﺴﺎد اﻟﻤﺎﺷﯿﺔ ﺑﺎﻟﻠﺤﻢ ،وﻓﺎﺿﺖ ﺿﺮوﻋﮫﺎ ﺑﺎﻷﻟﺒﺎن ،وﺑﯿﻊ اﻟﺠﺒﻦ واﻟﺴﻤﻦ ﺑﺄﺛﻤﺎن زھﯿﺪة ﻓﻲ اﻷﺳﻮاق ،ﻓﺄﻛﻠﻨﺎ وﺷﺮﺑﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﺷﺒﻌﻨﺎ ووددﻧﺎ ﻟﻮ ﺣﻤﻠﻨﺎ اﻷﻟﺒﺎن ﻣﻌﻨﺎ إﻟﻰ ﺳﯿﻨﺎء دون أن ﺗﺘﺴﻨﻪ أو ﻳﺘﻐﯿﺮ طﻌﻤﮫﺎ. أﻣﺎ اﻟﺸﻲء اﻷﻛﺜﺮ وﺿﻮ ً ﺣﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﯿﻦ ﻓﮫﻮ ذﻟﻚ اﻟﻔﺴﻖ واﻟﻤﺠﻮن اﻟﺬي ﻛﺎن ﻋﻠﯿﻪ أھﻠﮫﺎ واﻟﺬي ﺷﺎﺑﻪ ـﻓﻲ ظﻨﻲ -ﻓﺴﻮق ﺳﺪوم وﻋﻤﻮرة اﻟﻠﺘﯿﻦ أھﻠﻜﮫﻤﺎ ﷲ ﻓﻲ اﻷزﻣﻨﺔ اﻟﻐﺎﺑﺮة. ﻋﻠﻤﻨﺎ أن اﻟﯿﻮم ھﻮ ﻋﯿﺪ ﻋﺸﺘﺎروت ،إﻟﮫﺔ اﻟﺤﺐ واﻟﺨﺼﺐ ﻋﻨﺪ اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﯿﻦ ،رأﻳﻨﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺮﺟﺎل ﻳﻠﺒﺴﻮن ﻣﻼﺑﺲ اﻟﻨﺴﺎء وﻳﺴﯿﺮون ﻓﻲ اﻟﺸﻮارع ﻋﺮاة اﻷﻛﺘﺎف واﻟﺼﺪور ،وﻗﺪ ﺻﺒﻐﻮا وﺟﻮھﮫﻢ ﺑﺎﻟﺤﻤﺮة ،وزﺟﺠﻮا ﺣﻮاﺟﺒﮫﻢ ﺑﺎﻟﻜﺤﻞ واﻷﺻﺒﺎغ، ﻳﺤﻤﻠﻮن اﻟﺼﻨﻮج واﻟﺪﻓﻮف وﻳﺘﻐﻨﻮن ﻹﻟﮫﺔ اﻟﺸﺒﻖ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﺒﺪوﻧﮫﺎ ،وﺧﻠﻔﮫﻢ ﻛﺎن ﻳﺴﯿﺮ ﻓﻮج ھﺎﺋﻞ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﯿﺎن واﻟﻔﺘﯿﺎت ،ﻳﺘﺤﻠﻮن ﺑﺄﺑﮫﻰ زﻳﻨﺔ وﻳﺴﯿﺮون ﻓﻲ أزواج ﺗﺨﺘﻠﻂ ﻓﻲ ﻣﺠﻮن وﺗﺘﻼﻣﺲ ﻓﻲ ﺧﻼﻋﺔ ،وﻳﻔﺼﺤﻮن ﻋﻦ ﻋﻮاطﻔﮫﻢ ﻋﻼﻧﯿﺔ دون رادع ﻣﻦ ﺣﯿﺎء أو أﺧﻼق ،دھﻤﻨﺎ طﻮﻓﺎن اﻟﺒﺸﺮ ،وﺗﻔﺮﻗﻨﺎ وﺳﻂ اﻟﺰﺣﺎم ،ووﺟﺪﺗﻨﻲ ﻣﺪﻓﻮًﻋﺎ رﻏ ً ﻤﺎ ﻋﻨﻲ ﻓﻲ اﺗﺠﺎه اﻟﮫﯿﻜﻞ اﻟﺬي أﻗﯿﻢ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺮﺑﺔ اﻟﻤﺎﺟﻨﺔ ،ﻓﺠﺄة وﺟﺪﺗﻨﻲ أﻗﻒ وﺟًﮫﺎ ﻟﻮﺟﻪ أﻣﺎم ﺗﻤﺜﺎﻟﮫﺎ اﻟﻀﺨﻢ اﻟﺬي ﻳﻔﻮق اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ذراًﻋﺎ واﻟﺬي ﺗﻘﻒ ﻓﯿﻪ ﻋﺎرﻳﺔ ﺣﺎﻣﻠﺔ ﻗﻮى اﻟﻄﺒﯿﻌﯿﺔ ﻓﻲ ﻳﺪﻳﮫﺎ ،وﻳﻘﺒﻊ ﺗﺤﺖ ﻗﺪﻣﯿﮫﺎ أﺳﺪان ﻳﻘﻮﻟﻮن إﻧﮫﻤﺎ ﻳﺮﻣﺰان إﻟﻰ اﻟﺮﺟﻞ ،ﻏﻀﻀﺖ ﺑﺼﺮي ﻋﻦ ﺗﻤﺜﺎﻟﮫﺎ ﺣﯿﺎًء، وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﺳﺘﻄﻊ أن أدﻓﻊ ﺑﺼﺮي ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ ﻛﺎھﻨﺎت ﻋﺸﺘﺎروت اﻟﻼﺋﻲ ﺧﺮﺟﻦ ﻣﻦ ﺣﺠﺮة ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﮫﯿﻜﻞ ،ﻳﺮﻗﺼﻦ ﻓﻲ ﻏﻼﻻت ﺷﻔﺎﻓﺔ ،ﺗﻔﻀﺢ ھﺒﺎت ﻋﺸﺘﺎروت إﻟﯿﮫﻦ ،ﻓﺄﺛﺮن اﻟﺪﻣﺎء ﻓﻲ ﻋﺮوﻗﻲ وأﻧﺎ اﻟﺸﯿﺦ اﻟﺬي أﺷﺮف ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺘﯿﻦ! ﺛﻢ ﺻﺪﺣﺖ ﻛﺒﯿﺮة اﻟﻜﺎھﻨﺎت ﺗﺘﻐﻨﻰ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن رﺑﺘﮫﺎ ﻗﺎﺋﻠﺔ: أﻧﺎ اﻷول ،وأﻧﺎ اﻵﺧﺮ أﻧﺎ اﻟﺒﻐﻲ ،وأﻧﺎ اﻟﻘﺪﻳﺴﺔ أﻧﺎ اﻟﺰوﺟﺔ ،وأﻧﺎ اﻟﻌﺬراء أﻧﺎ اﻷم ،وأﻧﺎ اﻻﺑﻨﺔ أﻧﺎ اﻟﻌﺎﻗﺮ ،وُﻛُﺜٌﺮ ھﻢ أﺑﻨﺎﺋﻲ أﻧﺎ ﻓﻲ ﻋﺮس ﻛﺒﯿﺮ وﻟﻢ أﺗﺨﺬ ﺑﻌًﻼ أﻧﺎ اﻟﻘﺎﺑﻠُﺔ وﻟﻢ أﻧﺠﺐ أﺣًﺪا أﻧﺎ أم أﺑﻲ ،وأﺧﺖ زوﺟﻲ وﻛﻞ ھﺬا ھﻮ ﻧﺴﻠﻲ وﻣﺎ إن اﻧﺘﮫﻰ اﻟﻄﻘﺲ ﺣﺘﻰ ﻓﺮرت ﻣﻦ اﻟﮫﯿﻜﻞ ،ﻓﻘﺪ ﻋﻠﻤﺖ أن ﺗﺘﻤﺔ اﻟﺼﻼة ﺗﻜﻦ ﺑﺎﺳﺘﺤﻤﺎم اﻟﺮﺟﺎل ﻣﻊ اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻲ ﻣﺎء اﻟﻠﻮز اﻟﺪاﻓﺊ اﻟﻤﻌﺒﻖ ﺑﻌﺼﺎرة اﻟﻮرد واﻟﻌﻨﺒﺮ! « * اﻟﯿﻮم اﻟﺜﺎﻧﻲ واﻟﻌﺸﺮون ﻣﻦ اﻟﺒﻌﺜﺔ: »اﺟﺘﺰﻧﺎ اﻟﯿﻮم اﻟﻨﮫﺮ إﻟﻰ اﻟﻀﻔﺔ اﻟﺸﺮﻗﯿﺔ ووﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ »رﺣﻮب« ﻓﻲ أﻗﺼﻲ اﻟﺸﻤﺎل ﻣﻦ أرض ﻛﻨﻌﺎن ،اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ رﺣﺒﺔ وواﺳﻌﺔ وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺳﻤﯿﺖ ﺑﺬﻟﻚ اﻻﺳﻢ ﻟﺮﺣﺎﺑﺘﮫﺎ ،ﻟﻢ ﻧﺮ ﻓﯿﮫﺎ ﺳﻮى ﺣﺼﻦ وﺣﯿﺪ أﻗﯿﻢ ﻋﻠﻰ ﺣﺪودھﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﯿﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﺪ ﻋﻨﮫﺎ ﻏﺎرات ﺟﯿﺮاﻧﮫﺎ ،أﻣﺎ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﻜﺎﻧﺖ ـﻣﺜﻞ ﺣﺎﺻﻮر -ﻣﺮو ً ﺟﺎ وﺑﺴﺎﺗﯿﻦ ،ﻣﻜﺜﻨﺎ ﻓﯿﮫﺎ ﻟﻠﯿﻠﺔ واﺣﺪة ﺛﻢ ﻋﺪﻧﺎ أدراﺟﻨﺎ ﺟﻨﻮﺑًﺎ«. * اﻟﯿﻮم اﻟﺜﻼﺛﻮن ﻣﻦ اﻟﺒﻌﺜﺔ: »وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ ﺑﯿﺖ ﻟﺤﻢ ،اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﺤﺼﻨﺔ طﺒﯿﻌﯿﺎ ﻓﮫﻲ ﺗﻘﻊ ﻓﻮق ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﺎل ،وﻳﺤﯿﻂ ﺑﮫﺎ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺤﺪرات ،وﻟﻜﻦ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻧﻔﺴﮫﺎ ﺗﻤﺘﻠﺊ ﺑﺄﺷﺠﺎر اﻟﺰﻳﺘﻮن ،وﻳﻘﺎم ﻓﯿﮫﺎ ﻣﻌﺒﺪ ﻛﺒﯿﺮ ﻟﻺﻟﻪ »ﻟﺨﻤﻮ« إﻟﻪ اﻟﻘﻮت واﻟﻄﻌﺎم ﻟﺪى اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﯿﻦ وإﻟﯿﻪ ﻳﻨﺴﺐ اﺳﻢ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،أﻣﺮﻧﺎ )ھﻮﺷﻊ( أن ﻧﺤﻤﻞ ﺑﻌﺾ أﻏﺼﺎن اﻟﺰﻳﺘﻮن ﻣﻌﻨﺎ إﻟﻰ أرض ﺳﯿﻦ«. * اﻟﯿﻮم اﻟﺜﺎﻟﺚ واﻟﺜﻼﺛﻮن ﻣﻦ اﻟﺒﻌﺜﺔ: »ﻋﺎد ﺷﺒﺢ اﻟﺨﻮف ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻋﻨﺎق ﻣﺮة أﺧﺮى ،ﻛﻨﺎ ﻗﺪ وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ وادي »ﺣﺒﺮون« ،ﻓﺮأى اﻟﺮﺟﺎل ﺳﺮﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺪ ﺗﺴﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﻮادي ،ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻏﯿﺮ ﺑﻌﯿﺪة ،وﻗﺪ ﺑﺪا ﻣﻦ اﻟﻈﻼل اﻟﻤﻤﺘﺪة ﻋﻠﻰ اﻷرض أن ھﺆﻻء اﻟﺠﻨﺪ ﻳﺘﻤﺘﻌﻮن ﺑﻄﻮل ﻓﺎرع وﺑﺴﻄﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺴﻢ ،ﺗﻔﻮق أﺣﺠﺎم اﻟﺮﺟﺎل اﻟﻤﺘﻌﺎرف ﻋﻠﯿﮫﺎ ،ﻓﺎرﺗﻌﺪ اﻟﺮﺟﺎل ﺧﻮًﻓﺎ ،وﻗﺎل )ﺷﺎﻓﺎط( ﻣﺪاﻓًﻌﺎ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ: أرأﻳﺖ ﻳﺎ )ﻳﻮﺷﻊ(؟!ھﺆﻻء ﻣﻦ أﻧﻜﺮت رؤﻳﺘﻲ ﻟﮫﻢ! أراد )ﻳﻮﺷﻊ( أن ﻳﮫﻮن ﻣﻦ ﺿﺨﺎﻣﺔ اﻟﺠﻨﺪ ،وأن ﻳﻮﺿﺢ ﻟﮫﻢ أن ﺗﻠﻚ ھﻲ أﺟﺴﺎد اﻟﺠﻨﺪ ﻓﻲ اﻟﺠﯿﻮش اﻟﻨﻈﺎﻣﯿﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ أن ﻳﺴﺘﺄﻧﻒ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻣﻌﮫﻢ ﺑﻌﺪ أن ﺳﻤﻊ ﻣﻨﮫﻢ ﻣﺎ ھﺪد وﻗﺎره ﻛﻘﺎﺋﺪ ﻋﻠﯿﮫﻢ ،ﻓﺂﺛﺮ اﻟﺼﻤﺖ وﻋﺪم اﻟﺠﺪال! وﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء اﺧﺘﻠﻄﻨﺎ ﺑﺎﻟﺴﻜﺎن ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻷﺧﺒﺎر ﺳﺎرة ﺑﺎﻟﻤﺮة! ﻋﻠﻤﻨﺎ أن ھﺆﻻء اﻟﺠﺒﺎﺑﺮة ھﻢ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮد اﻟﻤﺮﺗﺰﻗﺔ وأﻧﮫﻢ آﺧﺮ ﻣﻦ ﺑﻘﻲ ﻣﻦ ﺷﻌﺐ ﻋﻨﺎق اﻟﻤﻨﺤﺪر ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺎل ،ﻳﺪﻓﻊ ﻟﮫﻢ اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﻮن أﻣﻮاًﻻ طﺎﺋﻠﺔ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺣﻤﺎﻳﺘﮫﻢ ،وﻛﺎن اﻟﺴﻜﺎن ﻓﻲ ﺣﺒﺮون ﻳﻀﺮﺑﻮن ﺑﮫﻢ اﻟﻤﺜﻞ ﻓﻲ اﻟﺒﻄﺶ واﻟﻘﻮة وﻳﻘﻮﻟﻮن: ﻣﻦ ﻳﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﻳﻘﻒ ﻓﻲ وﺟﻪ ﺑﻨﻲ ﻋﻨﺎق؟! ﻲ ﺑﻤﮫﻤﺔ ﺧﻄﯿﺮة ،ﺧﯿﺮﻧﻲ ﺑﯿﻦ واﺳﺘﺎء )ﻳﻮﺷﻊ( ﻣﻤﺎ وﺻﻠﻪ ﻣﻦ أﺧﺒﺎر ،وأﺳﺮّ إﻟ ّ أن أﻗﻮم ﺑﮫﺎ أو أن أﻋﺘﺬر ﻋﻨﮫﺎ ،ﻓﻮاﻓﻘﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﯿﺎم ﺑﮫﺎ! ﻤﺎﻟﯿﻦ ﻣﻦ ﺣ ّ ﻓﻘﺪ طﻠﺐ ﻣﻨﻲ أن ﻧﺘﻨﻜﺮ أﻧﺎ وھﻮ ﻓﻲ زي ﺣ ّ ﻤﺎﻟﻲ اﻟﻄﺤﯿﻦ ،وأن ﻧﺪﺧﻞ إﻟﻰ اﻟﺤﺼﻦ اﻟﺬي ﻳﻘﯿﻢ ﻓﯿﻪ اﻟﻌﻨﺎﻗﯿﻮن ،ﻋﻠﻰ أن أرﺳﻢ ﺑﻘﻠﻤﻲ ﻛﻞ اﻟﻤﺪاﺧﻞ واﻟﻤﺨﺎرج ﻓﯿﻪ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺳﯿﺤﺼﻲ ھﻮ أﻋﺪاد ﺑﻨﻲ ﻋﻨﺎق اﻟﻤﻘﯿﻤﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﺼﻦ. وﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح اﻧﺪﺳﺴﻨﺎ ﺑﯿﻦ زﻣﺮة اﻟﻌﻤﺎل اﻟﻮاﻗﻔﯿﻦ أﻣﺎم أﺳﻮار اﻟﺤﺼﻦ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﻋﺮﺑﺎت اﻟﺨﯿﻮل اﻟﻤﺤﻤﻠﺔ ﺑﺎﻟﻄﺤﯿﻦ ،أﺗﺖ اﻟﻌﺮﺑﺎت ،ﻓﺄﺳﺮﻋﺖ ﺑِﮫ ّ ﺔ وﺣﻤﻠﺖ ﻤ ٍ ﺟﻮاًﻻ ﺻﻐﯿًﺮا ﻣﻦ اﻟﻄﺤﯿﻦ وﻗﺪ أﺧﻔﯿﺖ وﺟﮫﻲ ورأﺳﻲ ﺑﻠﺜﺎم ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺮى أﺣﺪ ﺷﯿﺒﺘﻲ! وﺗﻘﺪﻣﺖ ﺻﻔﻮف اﻟﻌﻤﺎل دون أن أﻧﻈﺮ إﻟﻰ )ﻳﻮﺷﻊ( ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻈﻦ أﺣﺪ أﻧﻨﺎ رﻓﯿﻘﺎنُ ،ﻓِﺘﺤﺖ أﺑﻮاب اﻟﺤﺼﻦ ،ﻓﺄﺻﺪرت ﺗﺮوﺳﮫﺎ وﺳﻼﺳﻠﮫﺎ ﺻﺮﻳًﺮا ﻋﺎﻟﯿًﺎ أﻟﻘﻰ ﺑﺎﻟﺮھﺒﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ،دﻟﻔﺖ إﻟﻰ اﻟﺴﺎﺣﺔ وﻋﯿﻨﻲ ﺗﺮﺻﺪ ﻛﻞ رﻛﻦ ﻓﯿﮫﺎ ،ﻟﻢ أرﻓﻊ ﻋﯿﻨﻲ ﻓﻲ وﺟﻪ اﻟﺤﺎرس اﻟﻌﻤﻼق اﻟﺬي أﻣﺮﻧﻲ ﺑﺎﻟﺴﯿﺮ ﻓﻲ اﺗﺠﺎه اﻟﻤﻘﺼﻒ، وﻟﻜﻦ ھﺪﻳﺮ ﺻﻮﺗﻪ ،وﺿﺂﻟﺔ ﻗﺎﻣﺘﻲ إﻟﻰ ﺟﻮاره أﻟﻘﯿﺎ ﺑﺎﻟﺮﻋﺐ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ ،ﺳﺮت ﻓﻲ اﻻﺗﺠﺎه اﻟﺬي أﺷﺎر إﻟﯿﻪ ،وأﻧﺎ أﺣﺼﻲ ﺑﻌﯿﻨﻲ اﻷﺑﻮاب اﻟﻔﺎرﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎﺑﻠﻨﻲ، ﻲ ﻗﺎﺋًﻼ: وﻓﺠﺄة ﺻﺎح أﺣﺪھﻢ ﻓ ّ ِﻣﻦ ھﻨﺎ.ﺗﻮﺟﮫﺖ ﻧﺤﻮ اﻟﻤﻘﺼﻒ ،وﻣﺎ إن أﻟﻘﯿﺖ ﺑﺎﻟﺠﻮال ﻓﻲ اﻟﻤﺨﺰن اﻟﻤﻠﺤﻖ ﺑﻪ ﺣﺘﻰ اﺧﺘﺒﺄت ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ،واﻧﺴﻠﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﻔﻨﺎء اﻟﺨﻠﻔﻲ ﻟﻠﻤﻘﺼﻒ دون أن ﻳﻠﺤﻈﻨﻲ أﺣﺪ ،ﺗﻮﻗﻔﺖ ﻟﺤﻈﺎت ﻻھًﺜﺎ ،وأﻧﺎ أرﻗﺐ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،وﺗﻠﺒﺴﺘﻨﻲ روح ﺟﺮذ وأﻧﺎ أھﺮول ﻣﺴﺮًﻋﺎ ﺑﯿﻦ اﻷﻋﻤﺪة اﻟﺸﺎھﻘﺔ ﻟﻠﺤﺼﻦ ،ﻣﺘﺴﺘًﺮا ﺧﻠﻒ أﺣﺠﺎرھﺎ اﻟﻀﺨﻤﺔ ﻋﻦ أﻋﯿﻦ اﻟﺤﺮاس ﻓﻮق اﻷﺑﺮاج ،وﺑﯿﻦ اﻟﻔﯿﻨﺔ واﻟﻔﯿﻨﺔ ﻛﻨﺖ أﺧﺮج أوراﻗﻲ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﻤﺎ أو أﺧﻂ رﺳ ً طﯿﺎت ﻣﻼﺑﺴﻲ ﻓﺄدون رﻗ ً ﻤﺎ ،وﺑﯿﻨﻤﺎ أﻧﺎ ﻛﺬﻟﻚ رأﻳﺖ ﻗﺒًﻮا ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻨﺎء ،ﻓﺸﺠﻌﻨﻲ ﺑﺎﺑﻪ اﻟﻤﻔﺘﻮح واﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺨﺎﻟﻲ ﻧﺤﻮه ﻋﻠﻰ أن أدﻟﻒ ﻤﺎ ﺿﺨ ً ﺑﺪاﺧﻠﻪ ،رأﻳﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﺧﻞ اﻟﻘﺒﻮ رﺳ ً ﻤﺎ ﻟﻄﺎﺋﺮ ﻋﺠﯿﺐ ﻣﻔﺮود اﻟﺠﻨﺎﺣﯿﻦ وﻟﻪ رأس ﺿﺨﻢ وأﻧﯿﺎب ،ھﺒﻄﺖ اﻟﺪرج ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ﻓﺄﺳﻠﻤﻨﻲ إﻟﻰ ﺑﮫﻮ ﻓﺴﯿﺢ وﻣﻌﺘﻢ ،إﻻ ﻣﻦ رﻛﻦ ﻣﻀﻲء ﻓﻲ ﻧﮫﺎﻳﺘﻪ رأﻳﺖ ﻓﯿﻪ ﺗﻤﺜﺎًﻻ ﻟﻠﻄﺎﺋﺮ ذاﺗﻪ وﻗﺪ ﺗﻸﻷ ﺟﻨﺎﺣﯿﻪ اﻟﻤﺬھﺒﯿﻦ وﻣﺨﺎﻟﺒﻪ ﻓﻲ ﺿﻮء اﻟﻤﺸﺎﻋﻞ ،اﻟﺘﻲ أﻧﺎرت ﺣﺮﻣﻪ اﻟﻤﻘﺪس ﻓﺄدرﻛﺖ أن ھﺆﻻء اﻟﻘﻮم ﻳﻘﺪﺳﻮن ذﻟﻚ اﻟﻄﺎﺋﺮ ،ﺗﻘﺪﻣﺖ ﻧﺤﻮ اﻟﺘﻤﺜﺎل ﻓﻲ ﺣﺮص، ﻓﺮأﻳﺖ ﻧﺼﺎ ﻗﺪ ﻛﺘﺐ ﺗﺤﺘﻪ ﻳﻘﻮل: »ﺗﻤﺠﺪي أﻳﺘﮫﺎ اﻟﻌﻨﻘﺎء ،واﺣﻤﻠﻲ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﺟﺴﺪك ﻋﻠﻰ ﻣﺬﺑﺢ اﻟﺸﻤﺲ ،ﺣﺘﻰ ﻳﺨﺮج ﻣﻨﻚ ﻣﻮﻟﻮد ﺟﺪﻳﺪ« ﻛﺪت أﻋﻮد أدراﺟﻲ إﻟﻰ اﻟﻔﻨﺎء ﻗﺒﻞ أن ﻳﻠﺤﻈﻨﻲ أﺣﺪ، ﻟﻮﻻ أن ﻟﻤﺤﺖ ﺑﺎﺑًﺎ ﺻﻐﯿًﺮا ُﻳﻔﺘﺢ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮم اﻟﻤﻘﺪس ﻟﻠﺘﻤﺜﺎل ،وﻳﺒﺪو ﺧﻔﯿﺎ ﻓﻲ اﻟﻈﻼم ،ﺗﻌﺠﺒﺖ ﻣﻦ ﺣﺠﻢ اﻟﺒﺎب اﻟﺼﻐﯿﺮ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻜﻔﻲ ﻟﻤﺮور رﺟﻞ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻋﻨﺎق ،وﺳﺎﻗﻨﻲ اﻟﻔﻀﻮل إﻟﻰ أن أﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎب وأن أدﻟﻒ ﻣﻨﻪ ﻣﻄﻤﺌًﻨﺎ إﻟﻰ أن أﺣًﺪا ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻋﻨﺎق ﻟﻦ ﻳﻠﻘﺎﻧﻲ ﺧﻠﻔﻪ ،أﺧﺬت ﻓﻲ ﻳﺪي ﺷﻌﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎر ،ﺛﻢ ﺳﺮت ﻓﻲ ﺳﺮداب طﻮﻳﻞ وﻣﻈﻠﻢ ﺗﻔﻮح ﻣﻨﻪ راﺋﺤﺔ اﻟﻌﻄﻦ ،وﻟﻢ ﻳﻤﺾ وﻗﺖ طﻮﻳﻞ ﺣﺘﻰ ﻓﻘﺪت اﻹﺣﺴﺎس ﺑﺎﻟﻤﻜﺎن واﻻﺗﺠﺎه ﻣﻦ ﻛﺜﺮة ﻣﺎ ﺗﻠﻮى ﻣﻦ اﻟﺴﺮداب اﻟﻄﻮﻳﻞ ﻛﺎﻟﻤﺘﺎھﺔ ،ﺛﻢ ﺷﻌﺮت ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺨﻮف ﺣﯿﻨﻤﺎ طﺎل اﻟﻮﻗﺖ ،وﻟﮫﺜﺖ أﻧﻔﺎﺳﻲ ﻣﻦ اﻟﺠﮫﺪ وﻗﻠﺔ اﻟﮫﻮاء وﺧﻔﺘﺖ ﻧﺎر اﻟﺸﻌﻠﺔ وﻟﻢ ﻳﺘﺒﻖ ﻣﻨﮫﺎ ﺳﻮى ذؤاﺑﺔ أوﺷﻜﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺬﺑﻮل ،ﻓﻜﺮت ﻓﻲ اﻟﻌﻮدة أدراﺟﻲ ﺣﺘﻰ ﻻ أﺳﻘﻂ ﻣﻦ اﻹﻋﯿﺎء ،وﻟﻜﻨﻲ ﺗﻨﺎزﻟﺖ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﻜﺮة ﺣﯿﻨﻤﺎ رأﻳﺖ ﺷﻌﺎًﻋﺎ ﻣﻦ ﻧﻮر ﻳﺘﺴﻠﻞ إﻟﻰ داﺧﻞ اﻟﺴﺮداب اﻟﻤﻈﻠﻢ ،ﺳﺮت ﺧﻠﻒ اﻟﺸﻌﺎع اﻟﺬي اﺷﺘﺪ ﻧﻮره ﺗﺪرﻳﺠﯿﺎ ،وﻣﻌﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﺮق ﻧﻔﺴﻲ ﺑﺎﻷﻣﻞ إﻟﻰ أن ﺳﻄﻌﻨﻲ ﺿﻮء اﻟﻨﮫﺎر ،ووﺟﺪﺗﻨﻲ ﺧﺎرج أﺳﻮار اﻟﺤﺼﻦ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ وادي ﺣﺒﺮون ﺻﺮﺧﺖ ﻣﻦ اﻟﻔﺮح وﺧﺮ ﺟﺴﺪي راﻛًﻌﺎ ﻟﻠﺮب ،وﺣﻤﺪﺗﻪ ﺣﻤًﺪا ﻛﺜﯿًﺮا ﻋﻠﻰ اﻟﺨﺮوج ﻧﺎﺟﯿًﺎ ،ﺛﻢ ﺟﻠﺴﺖ ﺑﻌﺪ أن ھﺪأت ﺛﻮرة ﻧﻔﺴﻲ وأﻣﺴﻜﺖ ﺑﺎﻟﻮرﻗﺔ واﻟﻘﻠﻢ أدون ﻛﻞ ﻣﺎ ﻗﺎﺑﻠﻨﻲ داﺧﻞ اﻟﺤﺼﻦ وأرﺳﻢ ﻣﻮﻗﻊ ﺑﺎب اﻟﺴﺮداب اﻟﺴﺮي اﻟﺬي ﻳﻔﻀﻲ إﻟﻰ اﻟﺤﺮم اﻟﻤﻘﺪس. وﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ﻛﻨﺎ ﻧﺠﻠﺲ أﻧﺎ و)ﻳﻮﺷﻊ( ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺘﺼﻒ وﺣﻮﻟﻨﺎ اﻟﻨﻘﺒﺎء اﻟﻌﺸﺮة، أﺧﺒﺮﻧﺎھﻢ ﺑﻜﻞ ﺷﻲء ﻋﻦ ﺑﻨﻲ ﻋﻨﺎقَ ،و ْ ﺻَﻔﮫﻢ وﻋﺪدھﻢ ،واﻟﻨﻘﺎط اﻟﺤﺼﯿﻨﺔ، واﻟﻨﻘﺎط اﻟﻀﻌﯿﻔﺔ ،وﻣﺪﺧﻞ اﻟﺴﺮداب وﻣﺨﺮﺟﻪ ،واﻧﺘﮫﯿﻨﺎ ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻨﺎ ﻓﻮﺟﺪﻧﺎ وﺟﻮ ً ھﺎ ﻗﺪ ﻋﻼھﺎ اﻟﺮﻋﺐ ،وﻗﻠﻮﺑًﺎ ﺗﺮﺟﻒ ﻣﻦ اﻟﺨﻮف ،وأﻣﺴﻚ )ﻳﻮﺷﻊ( ﺑﺎﻟﺮﺳﻢ، وﺧﻂ ﺑﺎﻟﻘﻠﻢ داﺋﺮة ﺣﻮل ﺑﺎب اﻟﺴﺮداب اﻟﺴﺮي وﻗﺎل ﺑﺼﻮت ﻋﺎل: ھﺬا ﺑﺎ ٌب ﻓﯿﻪ رﺣﻤﺔ ،وﻣﺪﺧﻠﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻨﺼﺮ ﺑﺈذن ﷲ! ﻧﻈﺮ إﻟﯿﻪ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ ﻋﺠﺐ واﺳﺘﻐﺮاب ،وﻗﺎل )ﻳﺠﺎل ﺑﻦ ﻳﻮﺳﻒ( ﻣﻦ ﺳﺒﻂ ﻳﺴﺎﻛﺮ ﻣﺴﺘﻨﻜًﺮا: أي ﺑﺎب!وأي ﻣﺪ َ ﺧﻞ؟! إﻧ ّﺎ ﻟﻦ ﻧﺪﺧﻠﮫﺎ ﻣﺎ داﻣﻮا ﻓﯿﮫﺎ! ﻧﻈﺮ )ﻳﻮﺷﻊ( إﻟﻰ )ﻛﺎﻟﺐ ﺑﻦ ﻳﻔﻨﻪ( ﻳﺴﺘﻤﺪ ﻣﻨﻪ اﻟﻨﺼﺮة ،ﻓﻘﺎل )ﻛﺎﻟﺐ(: ﺗﻨﺴﻞ ﺟﯿﻮﺷﻨﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺒﺎب ،ﻓﺈذا دﺧﻠﻨﺎ ﻣﻨﻪ ﻧﻜﻦ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﺣﺼﻨﮫﻢ ،وﻳﻜﻦاﻟﻨﺼﺮ ﺣﻠﯿﻔﻨﺎ. ﻲ )ﻳﻮﺷﻊ( وﻗﺎل: ﻟﻢ ﻳﺒﺪ ﻋﻠﯿﮫﻢ اﻟﺘﺄﺛﺮ ﻣﻤﺎ ﻗﺎل ،ﻓﻨﻈﺮ إﻟ ّ ﻗﻞ ﻟﮫﻢ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﺷﻤﻮع( إﻧﻨﺎ إن ﻧﺼﻌﺪ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻷرض ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﻤﻠﻜﮫﺎ ﻷﻧﻨﺎﻗﺎدرون ﻋﻠﯿﮫﺎ! ﺣﺎوﻟﺖ أن أﺗﻔﻮه ﺑﻤﺎ ﻗﺎل ،وﻟﻜﻦ اﻧﻌﻘﺪ ﻟﺴﺎﻧﻲ وﻟﻢ أﺳﺘﻄﻊ أن أﻧﻄﻖ ﺑﻪ! رأﻳﺖ ﺧﯿﺒﺔ اﻷﻣﻞ ﺗﻌﻠﻮ وﺟﮫﻪ ووﺟﻪ )ﻛﺎﻟﺐ( ﻓﺎﻧﺼﺮﻓﺎ آﻳﺴﯿﻦ ،وﻟﻢ أدر ﻟﻤﺎذا اﻧﻌﻘﺪ ﻟﺴﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ؟ ھﻞ ﻷﻧﻨﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻛﻨﺖ أﺧﺸﻰ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻋﻨﺎق ،أم ﻷن ﻗﻠﺒﻲ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﺎﻣًﺮا ﺑﺎﻟﯿﻘﯿﻦ ﻣﺜﻞ )ﻳﻮﺷﻊ( وﺻﺪﻳﻘﻪ )ﻛﺎﻟﺐ(؟ وﺟﻠﺴﺖ وﺣﯿًﺪا ﺑﻌﺪ أن اﻧﺼﺮف اﻟﺠﻤﯿﻊ أﻗﻠﺐ ﻓﻲ اﻟﺮﺳﻢ اﻟﺬي رﺳﻤﺘﻪ ،وأﻧﺎ أﻗﻮل ﻟﻨﻔﺴﻲ: ﻟﯿﺘﻨﻲ ﻟﻢ أﺳﻤﻊ وﻟﻢ أَر! * اﻟﯿﻮم اﻟﺴﺎﺑﻊ واﻟﺜﻼﺛﻮن ﻣﻦ اﻟﺒﻌﺜﺔ: »وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ وادي أﺷﻜﻮل ،وﻷول ﻣﺮة ﻧﺮى اﻟﺠﻨﺔ ﻋﻠﻰ اﻷرض ،ﻣﺎ ھﺬه اﻷﻓﻨﺎن اﻟﺒﺎﺳﻘﺔ ،واﻟﻮرود اﻟﻤﺘﻔﺘﺤﺔ؟ إن ﻋﻨﺎﻗﯿﺪ اﻟﻜﺮم ﻟﺘﺘﺪﻟﻰ ﺣﺘﻰ ﺗﺪﻧﻮ ﺣﺒﺎﺗﮫﺎ ﻣﻦ أﻳﺪي اﻵﻛﻠﯿﻦ دون ﻣﺸﻘﺔ أو ﻋﻨﺎء ،ﺣﻤﻠﻨﺎ ﻣﻌﻨﺎ ﻋﻨﻘﻮًدا ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺐ ﻳﺼﻞ طﻮﻟﻪ إﻟﻰ طﻮل ﺻﺒﻲ ﻳﺎﻓﻊ ،وﺟﻤﻊ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﻦ ﺛﻤﺎر اﻟﺘﯿﻦ واﻟﺮﻣﺎن ﻣﺎ ﺗﻜﻔﻲ اﻟﺜﻤﺮة اﻟﻮاﺣﺪة ﻣﻨﮫﺎ اﻟﻌﺼﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس! وﺣﯿﻨﻤﺎ رأى )ﻳﻮﺷﻊ( ﺣﻤﺎس اﻟﺮﺟﺎل واﻧﮫﻤﺎﻛﮫﻢ ﻓﻲ ﺟﻤﻊ اﻟﺜﻤﺎر ﻣﺎل ﻋﻠﻰ أذن رﻓﯿﻘﻪ )ﻛﺎﻟﺐ( ﻗﺎﺋًﻼ: ﺣﺪﺳﻲ ﻳﻘﻮل إﻧﮫﻢ ﻳﺠﻤﻌﻮن اﻟﺜﻤﺎر ﻟﻠﻤﺮة اﻷﺧﯿﺮة!ﻓﮫﺰ رأﺳﻪ أﺳًﻔﺎ وﻗﺎل: أرﺟﻮ أن ﻳﻨﯿﺮ اﻟﺮب ﺑﺼﯿﺮﺗﮫﻢ وأن ﻳﻨﺰع اﻟﺮﻋﺐ ﻣﻦ ﻗﻠﻮﺑﮫﻢ«.* اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﺳﻊ واﻟﺜﻼﺛﻮن ﻣﻦ اﻟﺒﻌﺜﺔ: »وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ ﺑﺌﺮ ﺳﺒﻊ وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ ھﻲ اﻟﻤﺤﻄﺔ اﻷﺧﯿﺮة ﻗﺒﻞ اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ ﻗﺎدش ﺑﺮﻧﯿﻊ ﻣﺮة ،اﻷرض ﻛﻠﮫﺎ ﻣﺮﻋﻰ ،ﺗﻨﺘﺸﺮ ﺑﮫﺎ آﺑﺎر ﻋﺪة ﻳﺘﻮﺳﻄﮫﺎ ﺑﺌﺮ أﺑﯿﻨﺎ )إﺑﺮام(، ﻋﻠﻤﻨﺎ أن أﻣﯿﺮ ﺗﻠﻚ اﻷرض ﻗﺪ ﺣﻔﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﺌﺮ إﻛﺮاًﻣﺎ ﻷﺑﯿﻨﺎ )إﺑﺮام( ﻓﺄھﺪاه أﺑﻮﻧﺎ )إﺑﺮام( ﻧﻌﺎ ً ﺟﺎ ﺳﺒﻊ ﺟﺰاًء ﻟﺬﻟﻚ ،ﻓﺄطﻠﻖ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﯿﮫﺎ اﺳﻢ ﺑﺌﺮ »ﺳﺒﻊ« ،أراد )ﻳﻮﺷﻊ( أن ﻳﻠﻘﻲ ﺑﺴﮫﻤﻪ اﻷﺧﯿﺮ ﻓﺠﻤﻊ اﻟﻨﻘﺒﺎء وﺧﻄﺐ ﻓﯿﮫﻢ واﺳﺘﺤﺚ ﻓﯿﮫﻢ اﻟﻨﺨﻮة واﻟﻐﯿﺮة ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺪ اﻵﺑﺎء ،وأوﺿﺢ ﻟﮫﻢ أن اﻟﺮب ﻗﺪ ﺳﺄﻟﮫﻢ اﻟﺴﻌﻲ ﻧﺤﻮ اﻟﻨﺼﺮ ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺗﻜﻔﻞ ھﻮ ﺑﺘﺤﻘﯿﻘﻪ ﻟﮫﻢ ،وﺣﯿﻦ ﻧﻈﺮت إﻟﻰ وﻗﻊ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻋﻠﻰ وﺟﻮه اﻟﻘﻮم ،أدرﻛﺖ أن أﻣًﺮا ﻗﺪ ُ ﺴﻢ ،وأن )ﻛﺎﻟﺐ( وﺻﺪﻳﻘﻪ )ﻳﻮﺷﻊ( ﻗﺪ ﺻﺎرا ﻓﻲ واد، ﺣ ِ ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺻﺎر ﺑﺎﻗﻲ اﻟﻨﻘﺒﺎء ﻓﻲ واٍد آﺧﺮ ،أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻘﺪ ﻛﺎدت اﻟﺤﯿﺮة ﺗﻘﺘﻠﻨﻲ ،ﻗﻠﺒﻲ ﻛﺎن ﻳﻘﻒ إﻟﻰ ﺟﻮار )ﻳﻮﺷﻊ( ،وﻟﻜﻦ ﻋﻘﻠﻲ ﻛﺎن ﻳﺮدد داﺋ ً ﻤﺎ اﻟﻤﻘﻮﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻤﻌﻨﺎھﺎ ﻓﻲ ﺣﺒﺮون »ﻣﻦ ﻳﻘﻒ ﻓﻲ وﺟﻪ ﺑﻨﻲ ﻋﻨﺎق؟ «« * اﻟﯿﻮم اﻷرﺑﻌﻮن ﻣﻦ اﻟﺒﻌﺜﺔ: أﻛﺘﺐ اﻵن وﻧﺤﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻣﻰ اﻟﺒﺼﺮ ﻣﻦ ﻗﺎدش ﺑﺮﻧﯿﻊ أن ھﺪاﻧﻲ ﻋﻘﻠﻲ إﻟﻰ ﻗﺮار ﻳﺮﺗﺎح إﻟﯿﻪ ﺿﻤﯿﺮي ،وھﻲ أن أﻛﻮن ﻣﺤﺎﻳًﺪا! ﻟﻦ أدﻋﻮ ﺳﺒﻂ رأوﺑﯿﻦ إﻟﻰ ﺻﻌﻮد اﻷرض وﻣﺤﺎرﺑﺔ ﺑﻨﻲ ﻋﻨﺎق ،وﻟﻦ أﻧﮫﺎھﻢ ﻋﻦ ذﻟﻚ ،ﻓﻤﺎ أرﺳﻠﻨﻲ ﻧﺒﻲ ﷲ إﻻ ﻷﺷﮫﺪ ﻋﻠﻰ اﻷرض ،وﻗﺪ أدﻳﺖ اﻟﻤﮫﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺧﯿﺮ وﺟﻪ! ﻓﻤﻦ ﺷﺎء ﻓﻠﯿﺨﺮج وﻣﻦ ﺷﺎء ﻓﻠﯿﺒﻖ ،وﺣﺴﺒﻲ أن أﺗﺒﻊ ﻧﺒﯿ ّﻲ أﻳﻨﻤﺎ ذھﺐ! ﺷ ّ اﻧﺘﮫﻰ ﻛﻼم » َ ﻤﻮع ﺑﻦ َذﻛّﻮر« ﻓﻲ اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ ﺣﺰﻳﺮان ﻟﻠﺴﻨﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺮوج ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﻌﺸﺮون ﻛﺎن اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﺴﺎﺣﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻘﺒﻠﺖ اﻟﻨﻘﺒﺎء اﻻﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ أﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﻤﺴﺘﺤﯿﻞ ،ﺿﺎﻗﺖ اﻷرض ﺑﺎﻟﺠﻤﻊ اﻟﻐﻔﯿﺮ ،وأﺻﺒﺢ اﻟﻤﺮور ﺑﯿﻦ ﻓﺮﺟﺎت اﻷﺟﺴﺎد اﻟﻤﺘﻼﺻﻘﺔ ﺧﻄًﺮا ﻗﺪ ﻳﺆدي إﻟﻰ اﻟﻤﻮت ﺳﺤًﻘﺎ ﺗﺤﺖ اﻷﻗﺪام اﻟﻐﺎﻓﻠﺔ ،أو ﺧﻨًﻘﺎ ﺑﺮاﺋﺤﺔ اﻟﻌﺮق اﻟﺘﻲ أﺟﺠﺘﮫﺎ ﺣﺮارة اﻟﺠﻮ ﻓﻲ ﺣﺰﻳﺮان ،أﻣﺴﻚ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﺑﻜﺘﻔﻲ ﻗﺒﻞ أن أﺗﻮه ﻣﻨﻪ وﺳﻂ اﻷﺟﺴﺎد اﻟﻤﺘﺮاﻛﺒﺔ ،وأﺷﺎر إﻟﻰ أَﻛ َ ﻤﺔ ﺗﺸﺮف ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﺣﺔ وﺻﺎح ﻗﺎﺋًﻼ: )ﺷﻤﻌﻮن( إﻟﻰ ھﻨﺎك.اﻧﻔﺼﻠﻨﺎ ﻋﻦ اﻟﺰﺣﺎم وھﺮوﻟﻨﺎ إﻟﻰ اﻷﺷﺠﺎر اﻟﺘﻲ أﻟﻘﺖ ﺑﻈﻼﻟﮫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﺣﺔ، ﻋﮫﺎ اﻟ ُ ﺴﻄﺔ، ﻤﻨﺒ ِ ﺗﺴﻠﻘﻨﺎ ﺷﺠﺮة ﺳﻨﻂ ﻋﺎﻟﯿﺔ ﻛِﻘﺮدْﻳﻦ ُﻣﺪﱠرﺑْﯿﻦ واﺳﺘﻮﻳﻨﺎ ﻋﻠﻰ أﻓُﺮ ِ ﻓﺠﺎء َﻣﺠِﻠ ُ ﺴﻨﺎ ﻓﻮق اﻟﺴﺎﺣﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮة ،ﻻ ﻳﻌﻮق ﺳﻤﻌﻨﺎ وﻻ ﺑﺼﺮﻧﺎ ﺷﻲء. ﺤﻤِﻠﮫﻤﺎ ﻣﻦ ﻋﺮاﺟﯿﻦ ﻛﺎن ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻳﺠﻠﺲ ﺑﯿﻦ ﺟﺬﻋﻲ ﻧﺨﻠﺔ ﻳﻨﻮءان ﺑ ِ اﻟﺘﻤﺮ ،اﻧﺤﻨﻰ اﻟﺠﺬﻋﺎن ﺣﺘﻰ ﻻﻣﺴﺖ ُ ﺳﻌﻮُﻓﮫﻤﺎ اﻷرضَ ،ﻓﺒََﺪَوا ﻛﺬراﻋﻲ ﻛﺎھﻦ اﻧﺒﺴﻄﺎ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء ،ﻛﺎن ﻳﻘﻒ إﻟﻰ ﻳﻤﯿﻨﻪ أﺧﻮه )ھﺎرون( ،وإﻟﻰ ﻳﺴﺎره زوج أﺧﺘﻪ )ﻣﺮﻳﻢ( )ﺣﻮر( ،أﻣﺎ اﻟﻨﻘﺒﺎء اﻻﺛﻨﺎ ﻋﺸﺮ ﻓﻘﺪ وﻗﻔﻮا ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺴﺎﺣﺔ ،وﻗﺪ ُﻓِﺮﺷﺖ أﻣﺎﻣﮫﻢ ﺣﻤﻮﻟﺔ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺎدت ﻣﻦ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،ﺑﺎﻧﺖ اﻟﺒﮫﺠﺔ اﻟﻤﻤﺰوﺟﺔ ﺑﺎﻟﺪھﺸﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﻮه اﻟﻨﺎس اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﺘﺨﯿﻠﻮا أن وﻓًﺪا ﻣﻨﮫﻢ ﻗﺪ رأى اﻷرض اﻟﺘﻲ ﺳﻤﻌﻮا ﻋﻨﮫﺎ وﻟﻢ ﻳﺮوھﺎ ﻣﻨﺬ ﻗﺮون ،أذھﻠﻢ ﻋﻨﻘﻮد اﻟﻌﻨﺐ اﻟﺬي ﻋﺎد ﺟﺮار اﻟﺴﻤﻦ واﻟﻌﺴﻞ ،أﻣﺎ ﺑﻪ اﻟﻨﻘﺒﺎء ﻣﻦ وادي أﺷﻜﻮل ،وﺳﺎل ﻟﻌﺎﺑﮫﻢ ﻟﻤﺮأى ِ ﺛﻤﺎر اﻟﺮﻣﺎن اﻟﻌﻤﻼﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻘﻖ ﻟﺤﺎؤھﺎ ﻟﯿﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺣﺒﺎﺗﮫﺎ اﻟﻼﻣﻌﺔ ﻛﺎﻟﻠﺆﻟﺆ، ﻓﻘﺪ ﺟﻌﻠﺖ ﻗﻠﻮﺑﮫﻢ ﺗﺘﺤﺮق ﺷﻮًﻗﺎ إﻟﻰ رؤﻳﺔ ﺗﻠﻚ اﻷرض اﻟﺘﻲ ﻓﺎق ﻛﻞ ﺷﻲء ﻓﯿﻪ اﻟﺨﯿﺎل. أﺷﺎر ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ( إﻟﻰ اﻟﺮﺟﺎل ﻟﻜﻲ ﻳﺘﺤﺪﺛﻮا ﻋﻤﺎ رأَْوه. ﻧﻈﺮ اﻟﻨﻘﺒﺎء إﻟﻰ )ﻳ َ ﺠﺎل ﺑﻦ ﻳﻮﺳﻒ( ﻟﻜﻲ ﻳﺘﺤﺪث ،وﻛﺎن أﻛﺒﺮھﻢ ﺳﻨﺎ ،وﺑﺪا أﻧﮫﻢ ﻗﺪ اﺗﻔﻘﻮا ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺎل )ﻳﺠﺎل( ﺑﺼﻮت ﻣﺘﺮدد: إن اﻷرض ﻏﻨﯿﺔ ﺟﺪا ﺟﺪا ،اﻷﻏﻨﺎم ﺳﻤﯿﻨﺔ اﻟﻠﺤﻢ ،واﻷﺑﻘﺎر ﻋﻈﯿﻤﺔ اﻟﻀﺮع،واﻷﺳﻮاق ﺗﻤﺘﻠﺊ ﺑﺎﻟﺜﻤﺎر واﻟﺨﯿﺮات ،وھﻲ ﺣﻘﺎ اﻷرض اﻟﺘﻲ ﺗﻔﯿﺾ ﻟﺒًﻨﺎ وﻋﺴًﻼ. ﺻﻤﺖ ﻟﺤﻈﺎت ،وﻧﻈﺮ ﺧﻠﻔﻪ إﻟﻰ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﻨﻘﺒﺎء ،وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻳﺴﺘﻤﺪ ﻣﻨﮫﻢ اﻟﺘﺄﻳﯿﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻘﻮل ﺛﻢ أردف: وﻟﻜﻦ اﻷھﺎﻟﻲ ھﻨﺎك ﻓﺴﻘﺔ ﻣﺮدة ،ﻳﻌﺒﺪون اﻷوﺛﺎن واﻷﺻﻨﺎم ،وﻟﻘﺪ رأﻳﻨﺎ ﻣﺬﺑﺢأﺑﯿﻨﺎ )إﺑﺮام( وﻗﺪ ﺗﺤﻮل إﻟﻰ ﻣﻌﺒﺪ ﻹﻟﮫﮫﻢ »ﺑﻌﻞ« ،وﻻ ﺗﺨﻠﻮا ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﻦ ﻣﺪﻧﮫﻢ ﻣﻦ ﻣﻌﺒﺪ ﻟﺮﺑﺔ اﻟﻔﺴﻖ واﻟﻔﺠﻮر »ﻋﺸﺘﺎروت«. ! زﻣﺠﺮت أﺻﻮات اﻟﺠﻤﻮع ﻏﺎﺿﺒﺔ ،وﺳﻤﻌﺖ ﺻﻮت أﺑﻲ آﺗﯿًﺎ ﻣﻦ اﻟﺼﻔﻮف اﻷﻣﺎﻣﯿﺔ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻏًﺪا ﻧﺤﻄﻢ أﺻﻨﺎﻣﮫﻢ ﻓﻲ ﺑﯿﺖ إﻳﻞ ﻛﻤﺎ ﺣﻄﻢ أﺑﻮﻧﺎ )إﺑﺮام( أﺻﻨﺎم أور!اﺷﺘﺪت ﺣﻤﺎﺳﺔ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻟﻜﻠﻤﺎت أﺑﻲ ،ﻓﮫﺘﻒ ﺑﻌﺾ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﺆﻳﺪﻳﻦ: ﻧﻌﻢ ،ﻧﻌﻢ ،ﻏًﺪا ﺗﺘﺤﻄﻢ ﺗﻤﺎﺛﯿﻞ ﺑﻌﻞ وﻋﺸﺘﺎروت ،وﻳﺘﻤﺠﺪ اﺳﻢ اﻟﺮب إﻳﻞ ﻋﻠﻰﻛﻞ اﻷرض! وﻟﻜﻦ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺧﺒﻰ ذﻟﻚ اﻟﺤﻤﺎس ﺣﯿﻨﻤﺎ ﻗﺎل )ﻳﺠﺎل(: وﻟﻜﻦ اﻟﻤﺪن ھﻨﺎك ﺣﺼﯿﻨﺔ ﺟﺪا ،ﺗﺤﯿﻂ ﺑﮫﺎ اﻷﺳﻮار اﻟﻌﺎﻟﯿﺔ واﻟﺤﺎﻣﯿﺎتاﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ،وﺟﻨﻮد اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﯿﻦ ﻳﺠﻮﺑﻮن اﻟﻄﺮﻗﺎت ﻟﯿﻞ ﻧﮫﺎر ،ﻣﺪﺟﺠﯿﻦ ﺑﺎﻷﺳﻠﺤﺔ واﻟﻌﺘﺎد ،ﻳﺘﺤﺴﺴﻮن ﻋﻦ أﺧﺒﺎر اﻟﻐﺮﺑﺎء ﻣﻦ اﻟﯿﺒﻮﺳﯿﯿﻦ واﻟﺤﯿﺜﯿﯿﻦ واﻟﻤﻮاﺑﯿﯿﻦ! ﺑﺎﻧﺖ ﺧﯿﺒﺔ اﻷﻣﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺟﻮه ،ﻓﺘﺪﺧﻞ )ﻳﻮﺷﻊ( ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻘﺎطًﻌﺎ وﻗﺎل: وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻗﺎدرون ﻋﻠﻰ اﺧﺘﺮاق ﺣﺼﻮﻧﮫﺎ ﻓﻘﺪ ﺣﺼﺮﻧﺎ ﻋﺪد اﻷﺑﻮاب واﻟﻤﻨﺎﻓﺬ،وﻋﻠﻤﻨﺎ ﻛﺬﻟﻚ أﻋﺪاد اﻟﺠﻨﺪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺣﺎﻣﯿﺔ ،وﺻﻨﻊ ﻟﻨﺎ )ﺷﻤﻮع ﺑﻦ ذﻛﻮر( رﺳ ً ﻤﺎ ﻟﺤﺼﻨﻲ ﺷﻜﯿﻢ وﺣﺒﺮون. ﺳﺄﻟﮫﻢ رﺟﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﯿﻦ: وھﻞ ﺟﻨﻮدھﻢ أﻛﺜﺮ ﻣﻨﺎ ﻋﺪًدا؟اﻧﺒﺮى )ﻛﺎﻟﺐ ﺑﻦ ﻳﻔﻨﻪ( ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﻓﺄﻛﺪ ﻗﺎﺋًﻼ: إن ﺟﻨﻮدﻧﺎ ﻟﯿﺴﻮا ﺑِﻘﻠﺔ وﻟﻮ أرﺳﻠﻨﺎ اﻟﺠﻮاﺳﯿﺲ ﻓﻔﺘﺤﻮا ﻟﺠﯿﻮﺷﻨﺎ اﻷﺑﻮابﻟﺴﻘﻄﺖ ﻣﺪﻧﮫﻢ ﻓﻲ أﻳﺪﻳﻨﺎ ﺑﻐﯿﺮ ﻋﻨﺎء ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﺣﻤﺎس: أﻗﺴﻢ ﺑﺎﻟﺮب إﻳﻞ إن ھﺆﻻء اﻟﻘﻮم ھﻢ ﺧﺒﺰﻧﺎ ،وﻟﻦ ﻳﺤﻮﻟﻮا ﺑﯿﻨﻨﺎ وﺑﯿﻦ اﻷرضاﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﮫﺎ ﷲ ﻟﻨﺎ! ﻋﺎد اﻟﺘﻔﺎؤل ﻣﺮة أﺧﺮى إﻟﻰ اﻟﻨﻔﻮس ﻣﻊ ﻛﻠﻤﺎت )ﻳﻮﺷﻊ( و)ﻛﺎﻟﺐ( ،وﻟﻜﻦ )ﺷﺎﻓﺎط ﺑﻦ ﺣﻮري( اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻌﺠﺒﻪ ﺗﺪﺧﻠﮫﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮ ﻣﺎ اﺗﻔﻘﻮا ﻋﻠﯿﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ -ﺻﺮخ ﻗﺎﺋًﻼ: َﻛِﺬب!دوت ﻛﻠﻤﺘﻪ ﻓﻲ ﺳﻤﺎء اﻟﻮاﺣﺔ ورددت اﻟﺠﺒﺎل ﺻﺪاھﺎ ،ﻓﺼﻤﺖ اﻟﻨﺎس وﻛﺄن ﻋﻠﻰ رءوﺳﮫﻢ اﻟﻄﯿﺮ ،واﺣﺘﺒﺴﺖ اﻷﻧﻔﺲ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﻣﺎ ﺳﯿﻘﻮل ،ﻓﺘﻘﺪم )ﺷﺎﻓﺎط( وأﻣﺴﻚ ﺑﻜﺘﻔﻲ )ﻛﺎﻟﺐ ﺑﻦ ﻳﻔﻨﻪ( وأﺧﺬ ﻳﮫﺰه ﻓﻲ ﻋﻨﻒ وﺻﺮخ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻻ ﺗﺨﺪﻋﺎ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،وﻻ ﺗﮫﻮﻧﺎ ﻋﻠﯿﮫﻢ أﻋﺪاءھﻢ!ﻗﻮﻻ ﻟﮫﻢ ﻣﺎذا رأﻳﺘﻤﺎ ھﻨﺎك؟! وأﺧﺒﺮوھﻤﺎ ﻋﻦ »ﺑﻨﻲ ﻋﻨﺎق«! ﺳﺮت رﻋﺪة ﻓﻲ ﺟﺴﺪي ﻣﻦ اﻻﺳﻢ رﻏﻢ أﻧﻲ ﻟﻢ أﺳﻤﻊ ﻋﻨﮫﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ، ورأﻳﺖ اﻟﺨﻮف ﻓﻲ ﻋﯿﻮن اﻟﻨﺎس اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻘﺖ بـ)ﻳﺠﺎل ﺑﻦ ﻳﻮﺳﻒ( ﺗﺴﺘﺤﺜﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﯿﺎن ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ )ﻣﻮﺳﻰ(: ﺗﺤﺪث ﻳﺎ )ﻳﺠﺎل(.ﻓﻘﺎل )ﻳﺠﺎل(: ﻳﺎ )ﻣﻮﺳﻰ( إن ﻓﯿﮫﺎ ﻗﻮًﻣﺎ ﺟﺒﺎرﻳﻦ ،ھﺆﻻء ھﻢ اﻟﻌﻤﺎﻟﻘﺔ ﺑﻨﻲ ﻋﻨﺎق ،رأﻳﻨﺎﻋﻈﺎ ٌ ﺿﺨﺎ ٌ ﺑﻌﻀﮫﻢ ﻓﻲ ﺷﻜﯿﻢ ،وﻳﻘﯿﻢ أﻛﺜﺮھﻢ ﻓﻲ ﺣﺒﺮون رﺟﺎ ٌ م ،ﻳﺒﺪو اﻟﻮاﺣﺪ م ِ ل ِ ﻣﻨﺎ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﮫﻢ ﻛﺎﻟﺠﺮادة ،ﻳﺘﻐﻨﻰ اﻟﻨﺎس ﺑﺒﺄﺳﮫﻢ ﻓﻲ اﻟﺸﻮارع وﻳﻘﻮﻟﻮن ﻣﻦ ذا اﻟﺬي ﻳﻘﻒ ﻓﻲ وﺟﻪ ﺑﻨﻲ ﻋﻨﺎق؟ ﺗﺼﺎﻋﺪت آھﺎت اﻟﻠﻮﻋﺔ واﻟﺠﺰع ،ووﻟﻮﻟﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺴﻮة ﻓﻲ ﻓﺰع ،ﻓﺎﻛﺘﺴﻰ وﺟﻪ )ﻳﻮﺷﻊ( ﺑﺎﻟﻐﻢ ،وﻗﺪ أﻳﻘﻦ أن ﻋﺰﻳﻤﺔ اﻟﺸﻌﺐ ﻗﺪ ﺧﺎرت أﻣﺎم ﻛﻠﻤﺎت )ﻳﺠﺎل(، ﻓﻘﺎل راﻣﯿًﺎ ﺑﺴﮫﻤﻪ اﻷﺧﯿﺮ ﻓﻲ ﻳﺄس: وﻟﻜﻨﺎ ﻗﺎدرون ﻋﻠﯿﮫﻢ ﺑﺈذن ﷲ!ﺻﺪﻗﻮﻧﻲ ﻓﺎﻟﺤﻖ أﻗﻮل: ادﺧﻠﻮا ﻋﻠﯿﮫﻢ اﻟﺒﺎب ﻓﺈذا دﺧﻠﺘﻤﻮه ﻓﺈﻧﻜﻢ ﻏﺎﻟﺒﻮن! طﺎش ﺳﮫﻤﻪ اﻷﺧﯿﺮ أﻣﺎم ﻛﻠﻤﺎت )ﺷﺎﻓﺎط( اﻟﺜﺎﺋﺮة ﺣﯿﻨﻤﺎ ﻗﺎل: أي ﺑﺎب؟!وأي َﻏﻠﺒَﺔ؟ أﻣﺎ اﻛﺘﻔﯿﺖ ﻣﻦ اﻟﺨﺪاع؟! ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ إﻟﻰ اﻟﻘﻮم وﻗﺎل ﺑﺼﻮت ﺟﮫﻮري ﺳﻤﻌﻪ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﻨﺰل: أﻳﮫﺎ اﻟﻨﺎس!ﺗﻠﻚ اﻷرض ﺗﺄﻛﻞ أھﻠﮫﺎ! وﻻ ﺳﺒﯿﻞ ﻟﺤﺮب ﻓﯿﮫﺎ! ب ﻣﻦ اﻟﻨﻤﻞ أراد أن ﻳﻘﺘﻞ ﻓﯿًﻼ ،ﻓﺄھﻠﻜﻪ ﺑﻨﻔﺨﺔ ﻣﻦ ﺧﺮطﻮﻣﻪ! ﻓﻼ ﺗﻜﻮﻧﻮا ﻛﺴﺮ ٍ اﺷﺘﺪ اﻟﺼﺮاخ ﺣﯿﻨﮫﺎ وﺷﺎرك اﻟﺮﺟﺎل اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻲ اﻟﻌﻮﻳﻞ ،وﻗﺎل رﺟﻞ ﻓﻲ ﺟﺰع: ﻗﺪ ﻛﺎن ﺧﯿﺮ ﻟﻨﺎ أن ﻧﮫﻠﻚ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻣﻦ أن ﻧﮫﻠﻚ ﺑﺄﻳﺪي ﺑﻨﻲ ﻋﻨﺎق!ﺑﺪا اﻻﻧﺰﻋﺎج ﻋﻠﻰ وﺟﻪ ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ( ،ﻓﻘﺎم ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻪ وﻗﺎل: أﻳﮫﺎ اﻟﻨﺎس ﻣﺎ ﻟﻲ أراﻛﻢ ﺗﺠﺰﻋﻮن وﻗﺪ ﻋﻠﻤﺘﻢ ﻣﻦ رﺑﻜﻢ أن اﻷرض ﻟﻜﻢ؟ﺛﻢ ﻗﺎل ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺜﯿﺮ ﺣﻤﺎﺳﺘﮫﻢ: ھﻞ ظﻨﻨﺘﻢ أن ﺣﺼﻮﻧﮫﻢ وﺟﻨﻮدھﻢ ﻳﻤﻨﻌﻮﻧﮫﻢ ﻣﻦ أﻣﺮ ﷲ؟ﻗﺎم )ﻗﻮرح( ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻪ وﻗﺎل ﻓﻲ ﻏﻀﺐ ﻟﻢ ﻳﺮاع ﻣﻘﺎ َ م اﻟﻨﺒﻮة: ﻳﺎ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻣﺎ ﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﻌﻚ ﻟﻨﺴﻘﻂ ﻗﺘﻠﻰ ﺑﺴﯿﻒ ﺑﻨﻲ ﻋﻨﺎق!وﻻ ﻟُﺘﺴﺒﻰ ﻧﺴﺎؤﻧﺎ وأطﻔﺎﻟﻨﺎ ﺑﺄﻳﺪي اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﯿﻦ! ﻗﺎل )ﻣﻮﺳﻰ(: أﻟﻢ ﻳَ ْﺐ اﻟﻔﺮﻋﻮن ﻧﺴﺎءﻛﻢ وأﺑﻨﺎءﻛﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،ﺛﻢ ﺗﻜﻔﻞ اﻟﺮب ﺑﺤﻔﻈﻜﻢ ﺴ ِ وأﻧﺠﺎﻛﻢ ﻣﻨﻪ! ﻓﻘﺎل )ﻗﻮرح( ﻓﻲ ﻏﻀﺒﺔ أﺷﺪ ﻣﻦ ﺳﺎﺑﻘﺘﮫﺎ: ﻋﺎھﺪﻧﺎك ﻋﻠﻰ اﻟﺨﺮوج وﻣﺎ ﻋﺎھﺪﻧﺎك ﻋﻠﻰ ﺣﺮب!ﻗﺎل )ﻣﻮﺳﻰ( وﻗﺪ ازداد ﻏﻀﺒﻪ: وﻣﺎذا ﻟﻮ ﻓﺮض اﻟﺮب ﻋﻠﯿﻜﻢ اﻟﺤﺮب؟!ﻗﺎل )ﻗﻮرح( ﻓﻲ ﺗﺤ ٍّ ﺪ ﺳﺎﻓﺮ: إذن ﻓﻠﺘﺬھﺐ أﻧﺖ ورﺑﻚ ﻓﻘﺎﺗﻼ إﻧﺎ ھﺎھﻨﺎ ﻗﺎﻋﺪون!! ﻢ ﻳﻘﻄﺮ ﺣﻘًﺪا: ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ إﻟﻰ اﻟﻨﺎس اﻟﺬﻳﻦ اﺳﺘﺤﺴﻨﻮا ﻗﻮﻟﻪ ،وﺻﺮخ ﺑﻔ ٍ أﻳﮫﺎ اﻟﻨﺎس ﻗﺪ أَ َﺿﻠﱠَﻨﺎ اﺑﻨﺎ ﻋﻤﺮان ،وھﺎھﻤﺎ ﻳﺨﻮﻧﺎن ﻋﮫﺪھﻤﺎ ،ﻳﺎ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻣﺎ ﻋﺎد اﺑ ُ ﻦ ﻋﻤﺮان ُﻣﺨِﻠﺼّﻨﺎ ،وﺧﯿﺮ ﻟﻜﻢ أن ﺗﻘﯿﻤﻮا رﺋﯿ ً ﺴﺎ ﻟﻜﻢ ﻳﺮﺟﻊ ﺑﻜﻢ إﻟﻰ أرض ﻣﺼﺮ. رأﻳﺖ اﻟﻐﻀﺐ ﻳﺮﻋﺪ ﻓﻲ وﺟﻪ )ﻣﻮﺳﻰ( ،واﺳﺘﻞ )ﻳﻮﺷﻊ( ﺳﯿﻔﻪ ،وﻛﺎد أن ﻳﻘﺘﻞ )ﻗﻮرح( اﻟﺬي دﻋﺎ إﻟﻰ اﻟﻔﺘﻨﺔ ،ﻟﻮﻻ أن ﻧﺒﻲ ﷲ أﺷﺎر إﻟﯿﻪ أن ﻳﺮﺟﻊ ،ﻓﺄﻋﺎد )ﻳﻮﺷﻊ( اﻟﺴﯿﻒ إﻟﻰ ﻏﻤﺪه ،وﺳﺎر )ﻣﻮﺳﻰ( ﻧﺤﻮ ﺻﺨﺮة ﻋﺎﻟﯿﺔ ﺛﻢ وﻗﻒ ﻓﻮﻗﮫﺎ، ﺗﻌﻠﻘﺖ اﻷﺑﺼﺎر ﻧﺤﻮه ﺣﯿﻨﻤﺎ رﻓﻊ ﻋﺼﺎه إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻟﯿﺬﻛﺮ اﻟﻨﺎس ﺑﻤﺎ ﺟﺮى ﻋﻠﯿﮫﺎ ﻣﻦ ﻣﻌﺠﺰات ،ﺛﻢ أﺷﺎر ﺑﺎﻟﻌﺼﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﺸﺮق وﻗﺎل ﻓﻲ ﺻﻮت ھﺎدر: أﻳﮫﺎ اﻟﻨﺎس ھﺬه ھﻲ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﮫﺎ ﷲ ﻟﻜﻢ ،ﺗﻘﻔﻮن اﻟﯿﻮمﻋﻠﻰ أﺑﻮاﺑﮫﺎ ﺑﻌﺪ أن أﻧﺠﺎﻛﻢ ﷲ ﻣﻦ ﻓﺮﻋﻮن وﻣﻦ اﻟﮫﻼك ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ، ﻓﺄﺟﻤﻌﻮا أﻣﺮﻛﻢ وأﺗﻮﻧﻲ ﺑﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﺼﺒﺎح ،ﻓﺈﻣﺎ أن ﺗﺪﺧﻠﻮا اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﮫﺎ ﷲ ﻟﻜﻢ ،أو ﺗﺮﺗﺪوا ﻋﻠﻰ أدﺑﺎرﻛﻢ ﺧﺎﺋﺒﯿﻦ! ﺻﻤﺖ اﻟﺠﻤﻊ ،وﻋﻢ اﻟﺴﻜﻮن ،وھﺪأت اﻟﺮﻳﺢ ،وﺷﻌﺮت ﻛﺄن ﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻜﻮن ﻗﺪ ﺗﻮﻗﻒ ﻟﯿﺸﮫﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﻠﻰ ﻓﯿﮫﺎ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻷﺑﺪﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻣﺮاء ﻓﯿﮫﺎ ،ﺣﻘﯿﻘﺔ أن أﺻﻌﺐ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﯿﺎة اﻟﺒﺸﺮ ھﻲ ﺣﺮﻳﺔ اﻻﺧﺘﯿﺎر ،ﺗﻤﻨﯿﺖ ﻟﻮ ﺿﺮب )ﻣﻮﺳﻰ( ﺑﻌﺼﺎه ﻓﺨﺴﻒ ﺑﺎﻟﻤﻌﺎرﺿﯿﻦ واﻟ ُ ﻤﺨﺬﻟﯿﻦ اﻷرض ،ﺗﻤﻨﯿﺖ ﻟﻮ ﺳﺎق اﻟﻨﺎس ﺑﻌﺼﺎه َ ﺳْﻮًﻗﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﺸﺮق ،وﻟﻜﻦ اﻟﺮب ﻟﻢ ﻳﺸﺄ ﻟﻪ أن ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺬﻟﻚ ،أراد اﻟﺮب أن ﻳﺘﺨﺬ اﻟﺸﻌﺐ ﻗﺮاره ﺑﻨﻔﺴﻪ ،ﻓﺘﺮك ﻟﮫﻢ ﺳﻮاد اﻟﻠﯿﻞ ﺣﺘﻰ ﻳﺨﺘﻠﻲ ﻛﻞ إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ ،ﺛﻢ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻤﺎ أﻓﻀﻰ إﻟﯿﻪ ﺿﻤﯿﺮه ﻋﻨﺪ اﻟﺼﺒﺎح ،وﻛﺎﻧﺖ ﺣﻘﺎ ﻟﯿﻠﺔ ﺑﺎﻛﯿﺔ ،ﺑﻜﻰ اﻟﻨﺎدﻣﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﺨﺮوج ،ﻛﯿﻒ أ َ ﺿْﻌﻨﺎ ُﻋﻤَﺮﻧﺎ؟! ﻓﻲ اﻟﻜﻮن ﻗﺪ ﺗﻮﻗﻒ ﻟﯿﺸﮫﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﻠﻰ ﻓﯿﮫﺎ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻷﺑﺪﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻣﺮاء ﻓﯿﮫﺎ ،ﺣﻘﯿﻘﺔ أن أﺻﻌﺐ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﯿﺎة اﻟﺒﺸﺮ ھﻲ ﺣﺮﻳﺔ اﻻﺧﺘﯿﺎر، وﺑﻜﻰ اﻟﻤﺘﺸﻮﻗﻮن إﻟﻰ اﻟﺪﺧﻮل ،ﻛﯿﻒ ُﻧﻀﯿﻊ ﺣﻠﻤﻨﺎ؟! وﺑﻜﻰ اﻟﻤﺘﺮددون ﻓﻲ ﻗﻨﻮط ،ﻛﯿﻒ ﺳﯿﻜﻮن ﻣﺼﯿُﺮﻧﺎ؟! وﻟﻢ ﻳﻨﻢ أﺑﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ ،ظﻞ ﻳﺘﻘﻠﺐ ﻓﻲ ﻓﺮاﺷﻪ ﻛﺎﻟﻤﺤﻤﻮم ،ﻓﻠﻤﺎ ﻳﺌﺲ ﻣﻦ أن ﻳﺰور اﻟﻨﻮم ﺟﻔﻨﯿﻪ ﻗﺎم ﻣﻦ ﻓﺮاﺷﻪ وﺧﺮج ﻣﺘﺤﺴ ً ﺴﺎ طﺮﻳﻘﻪ إﻟﻰ اﻟﻔﻨﺎء، ﺛﻢ ﺟﻠﺲ ﻋﻠﻰ ﻋﺘﺒﺔ اﻟﺪار ،وزارﻧﻲ ﺷﺒﺢ اﻟﻘﻠﻖ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻣﻲ ،ﺑﻌﺪ أن ﻏﺎدر ﻓﺮاش أﺑﻲ ﻓﺄﻳﻘﻈﻨﻲ ﻓﻲ ﺟﻮف اﻟﻠﯿﻞ ﻣﻨﻘﺒﺾ اﻟﻘﻠﺐ ،ﺿﯿﻖ اﻟﺼﺪر ،ﻓﻘﻤﺖ إﻟﻰ اﻟﻨﺎﻓﺬة أﻣﻸ ﺻﺪري ﺑﺎﻟﮫﻮاء ﻓﻲ ﻟﮫﻔﺔ ،ﺣﺘﻰ ھﺪأت أﻧﻔﺎﺳﻲ وﺷﻌﺮ ﺑﻲ أﺑﻲ ﻓﻨﺎدى ﻓﻲ ﺻﻮت ﺧﺎﻓﺖ: )ﺷﻤﻌﻮن(؟!! أﺟﮫﺪت ﺑﺼﺮي ﻓﻲ اﻟﻈﻼم ﺣﺘﻰ رأﻳﺘﻪ ،ﻓﻮﺟﺪﺗﻪ ﻣﺘﻜًﺌﺎ إﻟﻰ ﻋﺘﺒﺔ اﻟﺒﺎب ،وﻗﺪ اﻧﻌﻜﺲ ﺷﻌﺎع اﻟﻘﻤﺮ اﻟﺬي ﺻﺎر ﻣﺤﺎﻗﺎ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ ،ﻓﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻋﯿﻨﯿﻦ ﻣﻐﺮورﻗﺘﯿﻦ ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع ﻗﻠﺖ: ﻧﻌﻢ ﻳﺎ أﺑﻲ!ﺛﻢ ﻧﺰﻟﺖ اﻟﺪرج اﻟﺨﺸﺒﻲ ،وﺟﻠﺴﺖ إﻟﻰ ﺟﻮاره. ﻗﺒﻠﻨﻲ ﺑﺮﻓﻖ ﻋﻠﻰ وﺟﻨﺘﻲ وﻗﺎل ﻓﻲ ﺻﻮت ﺧﺎﻓﺖ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻮﻗﻆ ﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﺪار: -ﻣﺎ اﻟﺬي أﻳﻘﻈﻚ؟ أﺟﺒﺖ: ﻻ أدري ،ﻓﻘﺪ اﺳﺘﯿﻘﻈﺖ ﺑﻼ ﺳﺒﺐ!ﻟﻢ أﺟﺪ أﺛًﺮا ﻟﻠﻨﻮم ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ: ﻳﺒﺪو أﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﻨﻢ ﻳﺎ أﺑﻲ!ﻗﺎل ﻣﻌﻠًﻼ: ﻧﻌﻢ ،ﻓﺎﻟﺠﻮ ﺣﺎر اﻟﻠﯿﻠﺔ ،وﻗﺪ ﺧﺮﺟﺖ ﻷﺗﻨﺴﻢ ﺑﻌﺾ اﻟﮫﻮاء.ﻟﻢ ﺗﻘﻨﻌﻨﻲ ﻟﮫﺠﺘﻪ وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻗﻠﺖ: ﻧﻌﻢ ﻧﻌﻢ ،إن اﻟﺠﻮ ﺣﺎر ﺟﺪا.ﺛﻢ وﺟﺪﺗﻨﻲ أﺳﺄﻟﻪ: أﺑﻲ ،ھﻞ ﺗﺨﺸﻰ ﺑﻨﻰ ﻋﻨﺎق؟أﺟﺎﺑﻨﻲ ﻓﻲ ﻳﻘﯿﻦ ﻣﻤﺰوج ﺑﺤﺰن: ﻛﻼ ،ﺑﻞ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أﺧﺸﻰ!رأى اﻟﺪھﺸﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻲ ،ﻓﻘﺎل ﻛﻤﻦ ﻳﺤﺎدث ﻧﻔﺴﻪ: أﺗﺪري ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻟﻮﻻ أن ﻧﺒﻲ ﷲ ﺑﯿﻨﻨﺎ ،ﻟﮫﺎﺟﺮت ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ!ﻲ أﺑﻲ ﺑﻤﺎ ﻳَﮫ ّ ﻤﻪ، ﻟﻢ أﻗﺎطﻌﻪ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﻳﻔﻀﻲ ﻓﯿﮫﺎ إﻟ ّ ﻲ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﺼﺪﻳﻖ ﻟﺼﺪﻳﻘﻪ ،ﻻ ﺣﺪﻳﺚ اﻷب ﻻﺑﻨﻪ: ﻓﺘﺎﺑﻊ ﻣﺘﺤﺪﺛًﺎ إﻟ ّ ﻣﺎت أﺑﻲ وأﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻋﻤﺮك ،وﻟﻢ أﺟﺪ ﻣﻨﮫﻢ ﻋﻄًﻔﺎ وﻻ ﻋﻮﻧًﺎ ،ﺣﺘﻰ ﻋﻤﺘﻚﻲ أﻗﺮب إﻟﻰ ﻣﻦ ﻏﯿﺮھﻤﺎ! )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( وزوﺟﮫﺎ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺴﻮﺗﮫﻤﺎ ﻋﻠ ّ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻟﻢ أﺷﻌﺮ ﻧﺤﻮھﻤﺎ ﺑﺎﻟﻜﺮاھﯿﺔ ،وﻟﻢ أﺣﻤﻞ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ ﺿﻐﯿﻨﺔ ﻷﺣﺪ ﻣﻨﮫﻤﺎ. ﺻﻤﺖ ﻟﺤﻈﺎت ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻛﻨﺖ داﺋ ًﻤﺎ أﺷﻌﺮ ﺑﺄﻧﻲ أﺧﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ! وﺣﯿﻨﻤﺎ أﺣﺒﺒﺖ ،ﻟﻢ ﺗﺴﺘﮫﻮﻧﻲ ﻓﺘﺎة ﻣﻨﮫﻢ ،ﺑﻞ أﺣﺒﺒﺖ ﻓﺘﺎة ﻣﺼﺮﻳﺔ ،ﻣﻤﺎ زاد اﻟﺠﻔﻮة واﻟﻔﺠﻮة ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻦ أھﻠﻨﺎ ﻣﻦ ﺳﺒﻂ رأوﺑﯿﻦ. اﺑﺘﺴﻢ ﺳﺎﺧًﺮا وﻗﺎل: ﻗﺎﻟﻮا: ﺳﯿﺘﺰوج )زﺧﺎري( ﺑﺎﻣﺮأة َوﺛَﻨﯿﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ آﻣﻨﺖ ﺑﺮب )ﻣﻮﺳﻰ( و)ھﺎرون( ،ﻗﺎﻟﻮا ﻳﻜﻔﯿﮫﺎ ﻋﺎًرا أﻧﮫﺎ ﺟﺎرﻳﺔ ﻣﺼﺮﻳﺔ! وﻧﺴﻮا أن أﺑﺎﻧﺎ )إﺑﺮام( ﺗﺰوج ﻣﻦ ﺟﺎرﻳﺔ ﻣﺼﺮﻳﺔ ،وﺗﻨﺎﺳﻮا أﻧﮫﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﺧﺪًﻣﺎ ﻣﺴﺨﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﻗﺼﻮر اﻟﻔﺮﻋﻮن! ﺛﻢ ﺗﺎﺑﻊ ﻣﻘﻄﺒًﺎ ﺟﺒﯿﻨﻪ: ﻲ، ﻟﻢ أﺷﻌﺮ ﻳﻮًﻣﺎ ﺑﺄﻧﻲ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﯿﮫﻢ ﺑﻞ أﻛﺮﻣﻨﻲ اﻟﺮب وﺟﻌﻠﮫﻢ ھﻢ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟ ّوﻛﺎن ﻣﺎ ﻳﺒﻘﯿﻨﻲ ﺑﯿﻨﮫﻢ ھﻮ ذﻟﻚ اﻟﺤﻠﻢ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ أﺣﯿﺎ ﻣﻦ أﺟﻠﻪ ،وھﻮ أن أﻋﯿﺶ ض أﺷﻌﺮ ﻓﯿﮫﺎ ﺑﺴﻼم ،أرض ﻟﻨﺎ ﻓﯿﮫﺎ ﺟﺬور ،ﻧﻜﻮن ﻓﯿﮫﺎ أﺳﯿﺎًدا ﻻ ﻋﺒﯿًﺪا. ﻓﻲ أر ٍ ازدرد ﻟﻌﺎﺑﻪ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ﻛﻤﻦ ﻳﺸﻌﺮ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﻪ ﺑﻐﺼﺔ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﻣﺮار: واﻵن وﻗﺪ اﻗﺘﺮﺑﺖ ﻣﻦ ﺗﺤﻘﯿﻖ ﺣﻠﻤﻲ ،أﺟﺪ ﺷﯿﻮ ًﺧﺎ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻗﺪ ُ أﺷِﺮﺑﻮا ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﮫﻢ اﻟﻌﺠﻞ ،وﺗﺠﱠﺮﻋﻮا اﻟﺬل ﻓﻲ ﺑﺮ ﻣﺼﺮ ،ﻳﺮﻳﺪون أن ﻳﻌﺒﺜﻮا ﺑﺄﺣﻼﻣﻲ وأﺣﻼم ﺟﯿﻠﻲ ،ﻳﺴﺘﻤﺴﻜﻮن ﺑﻤﺎض ﻛﺮﻳﻪ ،وﻳﻔﺮون ﻣﻦ ﻣﺠﺪ ﻳﻨﺘﻈﺮﻧﺎ إﻟﻰ إرث ﻏﺎﺑﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﺎر! ﻟﻢ أر أﺑﻲ ﻳﺘﺤﺪث ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻤﺮارة ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وأﺷﻔﻘﺖ ﻋﻠﯿﻪ ﺣﯿﻨﻤﺎ أﻓﻠﺘﺖ ﻣﻦ ﻋﯿﻨﯿﻪ دﻣﻌﺘﺎن ،أﺧﻔﺎھﻤﺎ ﺑﻄﺮف ﻗﻤﯿﺼﻪ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ﺣﺘﻰ ﻻ أراھﻤﺎ ،ﻓﻘﻠﺖ: ھﻮن ﻋﻠﯿﻚ ﻳﺎ أﺑﻲ ،ﻓﺴﯿﻨﺠﺰ ﷲ وﻋﺪه ﻟﻚ وﻟﻠﺼﺎﻟﺤﯿﻦ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ!اﺑﺘﺴﻢ ﻓﻲ ﻣﺮارة وﻗﺎل: ﺑﻞ أﺧﺸﻰ أن ﻳﻌﺎﻗﺒﻨﺎ اﻟﺮب ﺟﻤﯿًﻌﺎ ﺑﺄﻓﻌﺎل ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﺸﺮﻳﺮة!ﻗﻠﺖ ﻛﻲ أﻋﻄﯿﻪ ﺑﻌﺾ اﻷﻣﻞ: أﺛﻖ ﻓﻲ أن اﻟﺮب ﻟﻦ ﻳﺨﺬﻟﻚ!اﺣﺘﻀﻨﻨﻲ ،ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻛﻞ ﻗﻀﺎء ﷲ ﺧﯿﺮ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(.ﺛﻢ ﺗﻨﮫﺪ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻗﻢ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ودﻋﻨﺎ ﻧﺴﺘﺮح ﻓﻐًﺪا ﺳﻨﺒﻜﺮ إﻟﻰ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع.ﻓﻘﻤﺖ وﻗﺪ طﺎر اﻟﻨﻮم ﻣﻦ ﻋﯿﻨﻲ ،وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﺗﻤﺪد ﻓﻲ ﻓﺮاﺷﻲ ،ﻣﺤﺪًﻗﺎ ﻓﻲ اﻟﻈﻼم اﻟﻔﺎرغ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ ،أﻟﺢ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻠﻲ ﺳﺆال: ھﻞ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻌﺎﻗﺐ اﻟﺮب اﻟﺼﺎﻟﺤﯿﻦ ﺑﺄﻓﻌﺎل اﻟﻌﺼﺎة وھﻮ اﻟﻌﺎدل ﻓﻲ ﺣﻜﻤﻪ؟ ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺤﺎدﻳﺔ واﻟﻌﺸﺮون ﺗﻮارى اﻟﻘﻤﺮ ﻓﻲ ﺧﺠﻞ ﺧﻠﻒ ﺟﺒﺎل ﺑﺮﻧﯿﻊ ،ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﺗﺸﻘﻖ ﻓﯿﻪ ظﻼم اﻟﻔﺠﺮ ﺑﺄﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻠﻠﺖ ﻓﻲ ﺑﻂء ﻣﻦ ﺟﮫﺔ اﻟﺸﺮق ،وﻟﻢ ﺗﻤﺾ ﻟﺤﻈﺎت ﺣﺘﻰ اﺟﺘﻤﻊ ﻗﺮص اﻟﺸﻤﺲ ﻣﻊ ﻣﺤﺎق اﻟﻘﻤﺮ ﻓﻲ ﺳﻤﺎء اﻟﺴﺎﺣﺔ وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺷﺎء اﻟﺮب أن ﻳﺸﮫﺪا ﻣًﻌﺎ ﻣﯿﻼد ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﻔﺎرق ﻓﻲ ﺣﯿﺎة ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،وﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ أﻧﺎ أﻳ ً ﻀﺎ! ﻛﻨﺖ أﻧﺎ وأﺑﻲ و)ﻋﺎﻣﯿﺮ( وﺛﻠﺔ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أواﺋﻞ اﻟﺤﻀﻮر إﻟﻰ اﻟﺴﺎﺣﺔ اﻟﻤﻤﺘﺪة أﻣﺎم ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ،ﺟﻤﻌﻨﺎ اﻟﺼﻤﺖ واﻟﺴﻜﻮن ،وﺧﺮوج زﻓﺮات ﻣﺤﻤﻠﺔ ﺑﺎﻟﺒﺨﺎرَ ،ﻛﱠﺜﻔﺘﻪ ﺑﺮودة اﻟﺠﻮ اﻟﻠﻄﯿﻔﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﻤﺒﻜﺮة ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺎح ،ﻟﻢ ﺗﻤﺾ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ اﻟﻨﮫﺎر ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﺎﺣﺔ ﺗﻤﻮج ﺑﺎﻟﻨﺎس اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻮاﻓﺪوا ﻣﻦ اﻷﺣﯿﺎء ﻳﺘﻘﺪﻣﮫﻢ رؤﺳﺎء اﻟﻌﺸﺎﺋﺮ اﻟﻌﺸﺮة اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺠﻤﻌﻮا ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺴﺎﺣﺔ ،وﺟﻠﺴﻮا ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﮫﺔ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﺧﺮوج )ﻣﻮﺳﻰ( و)ھﺎرون( ،طﺎﻟﺖ ﻓﺘﺮة اﻻﻧﺘﻈﺎر ﻗﺒﻞ أن ﻳﻈﮫﺮ )ﻳﻮﺷﻊ ﺑﻦ ﻧﻮن( و)ﻛﺎﻟﺐ ﺑﻦ ﻳﻔﻨﻪ( ﻓﺄﺛﺎر ظﮫﻮرھﻤﺎ ﺟﻠﺒﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس ،واﺷﺘﺪت اﻟﺠﻠﺒﺔ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺗﺠﺎھﻞ اﻟﺮﺟﻼن اﻟﻠﺬان أﻧﻌﻢ ﷲ ﻋﻠﯿﮫﻤﺎ ﺑﻨﻌﻤﺔ اﻟﯿﻘﯿﻦ اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﺬي ﺿﻢ رؤﺳﺎء اﻟﻌﺸﺎﺋﺮ ،وﺳﺎرا ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس ﻳﺴﺘﺤﺜﺎﻧﮫﻢ ﻋﻠﻰ ﻋﺪم اﻟﺘﻤﺮد واﻟﻨﺰول ﻋﻠﻰ أﻣﺮ اﻟﺮب ،ﺗﻮاﺿﻊ )ﻳﻮﺷﻊ( و)ﻛﺎﻟﺐ( ﻟﻠﺒﺴﻄﺎء ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،وذﱠﻛﺮاھﻢ ﺑﺄن اﻟﺮب ﻳﻨﻈﺮ إﻟﯿﮫﻢ ھﻢ ،وﻟﯿﺲ إﻟﻰ رؤﺳﺎء ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،وأﻧﮫﻢ ھﻢ أﺣﺒﺎء ﷲ ،وﻟﻮ رﺿﻮا ﺑﺄﻣﺮ اﻟﺮب ﻟﺮﺿﻲ اﻟﺮب ﻋﻨﮫﻢ ،وﻷدﺧﻠﮫﻢ اﻷرض وﻷھﻠﻚ ﻋﺪوھﻢ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻌﮫﻢ ﻣﻨﺬ أن ﺧﺮﺟﻮا ﻣﻦ أرض ﻣﺼﺮ ،وﻗﺎل )ﻳﻮﺷﻊ( راﺟﯿًﺎ: ﻳﺎ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ اﺳﻤﻌﻮا ﻟﻲ!اﺳﻤﻌﻮا إﻟﻰ )ﻛﺎﻟﺐ ﺑﻦ ﻳﻔﻨﻪ(! ﻗﺪ رأﻳﻨﺎ اﻷرض ﺑﺄﻋﯿﻨﻨﺎ ،ھﻲ ﺟﻨﺔ اﻟﺮب ﻓﻲ أرﺿﻪ ،أﻟﻢ ﺗﺮوا ﺛﻤﺮھﺎ؟! أﻟﻢ ﺗﺘﺬوﻗﻮا ﻋﺴﻠﮫﺎ؟ ﻓﻠﻤﺎذا ﺗﺮﺗﺎﺑﻮن؟! ﺻﺪﻗﻮﻧﻲ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﺻﺪﻗﻮا رﺟﻠﯿﻦ ﻣﻦ رﺟﺎﻟﻜﻢ ،ﻻ ﺗﺨﺸﻮا اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺴﺎﻛﻦ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷرض وﻻ ﺗﺨﺸﻮا ﺑﻨﻲ ﻋﻨﺎق ،ﻟﻘﺪ زال ﻋﻨﮫﻢ ظﻠﮫﻢ ﺑﺄﻣﺮ اﻟﺮب ،وﻹن ﺻﻌﺪﺗﻢ إﻟﯿﮫﻢ ﻷﻛﻠﺘﻤﻮھﻢ ﻛﻤﺎ ﺗﺄﻛﻠﻮن اﻟﻤﻦ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ،ﻓﻌﻠﻰ ﷲ ﺗﻮﻛﻠﻮا وﻻ ﺗﺘﻤﺮدوا. واﺳﺘﻔﺰت ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ اﻟﺪﻣﻮع ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ أﺑﻲ ،ﻓﺴﻘﻂ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ ﺑﺎﻛﯿًﺎ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ أﺛﺎرت ﻧﻔﺲ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﻐﻀﺐ ﻓﻲ ﻗﻠﻮب اﻟﺜﺎﺋﺮﻳﻦ ،ﻓﺪﻓﻌﻪ رﺟﻞ ﻓﻲ ﺻﺪره ﺑﻘﻮة، وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺴﻜﺘﻪ وﻗﺎل: أﻧﺼﺪﻗﻜﻤﺎ ،وﻧﻜﺬب ﻋﺸﺮة ﻣﻦ رؤﺳﺎء ﻋﺸﺎﺋﺮﻧﺎ؟!ﻟﻢ ﻳﺸﺄ )ﻳﻮﺷﻊ( أن ﻳﺸﺘﺒﻚ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ ﻗﺘﺎل ،ﻓﺄزاﺣﻪ ﺑﯿﺪه وﻓﺼﻞ )ﻛﺎﻟﺐ ﺑﻦ ﻳﻔﻨﻪ( ﺑﯿﻨﮫﻤﺎ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ اﺳﺘﻤﺮ )ﻳﻮﺷﻊ( ﻳﻘﻮل: ﻻ ﺗﺴﻤﻌﻮا ﻟﻤﻦ أﺷﺎﻋﻮا ﻣﺬﻣﺔ اﻷرض ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﻜﻢ ،ﻓﺈﻧﻤﺎ أﻋﻤﺎھﻢ اﻟﺨﻮف ﻋﻦﻗﻮل اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ. ﺻﺮخ )ﺷﺎﻓﺎط(: ﻛﻒ ﻋﻦ ھﺬا ﻳﺎ )ﻳﻮﺷﻊ( ،ﺑﻞ ﺗﻌﻤﻰ أﻧﺖ ﻋﻦ رؤﻳﺔ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ.اﺳﺘﻤﺮ )ﻳﻮﺷﻊ( ﻓﻲ ﺳﯿﺮه وﻛﻼﻣﻪ ،ھﻮ ﻳﻘﻮل: ﺻﻤﻮا آذاﻧﻜﻢ ﻋﻦ ﻛﻼم أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ أﻧﻜﺮوا اﻟﻌﺠﻞ ﺑﺄﻟﺴﻨﺘﮫﻢ وﻗﺪﺳﺘﻪ ﻗﻠﻮﺑﮫﻢ!ﻓﮫﺆﻻء ﻳﻜﺬﺑﻮن ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻨﻔﺴﻮن! أﺛﺎرت ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ﻣﺰﻳًﺪا ﻣﻦ اﻟﻐﻀﺐ ،ﻣﻤﺎ أوﺻﻞ أﺣﺪ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﻐﺎﺿﺒﯿﻦ إﻟﻰ درﺟﺔ اﻟﺠﻨﻮن ،ﻓﺄﻣﺴﻚ ﺑﺤﺠﺮ ورﺷﻖ ﺑﻪ )ﻳﻮﺷﻊ( وﻗﺎل: ﺑﻞ ﻛﺬﺑﺘﻢ أﻧﺘﻢ ،وﺻﺪق رؤﺳﺎء ﻋﺸﺎﺋﺮﻧﺎ ،أﺗﺮﻳﺪان أن ﻧﺼﺒﺢ ﺧﺒًﺰا ﻳﻠﻮﻛﻪ ﺑﻨﻮﻋﻨﺎق ﻓﻲ أﻓﻮاھﮫﻢ؟! واﻧﻀﻢ إﻟﯿﻪ آﺧﺮون ،ﻓﺮﺷﻘﻮا )ﻳﻮﺷﻊ( وﺻﺪﻳﻘﻪ )ﻛﺎﻟﺐ( ﺑﺎﻟﺤﺠﺎرة ،ﻓﺴﻘﻂ اﻟﺸﺎﺑﺎن أر ً ﺿﺎ ،دون أن ﻳﺪاﻓﻌﺎ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﯿﮫﻤﺎ ،وﻛﺄﻧﻤﺎ أزال ﺣﺰﻧﮫﻤﺎ وﺑﺆﺳﮫﻤﺎ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻷﻟﻢ ،واﺷﺘﺪ اﻟﮫﺮج واﻟﻤﺮج ،واﺷﺘﺒﻚ أﺑﻲ وﺑﻌﺾ اﻟﻤﺪاﻓﻌﯿﻦ ﻋﻦ )ﻳﻮﺷﻊ( وﺻﺪﻳﻘﻪ ﻣﻊ اﻟﻤﻌﺘﺪﻳﻦ ﻋﻠﯿﮫﻤﺎ ،واﻧﻘﻠﺒﺖ اﻟﺴﺎﺣﺔ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ إﻟﻰ ﺳﺎﺣﺔ ﻗﺘﺎل ،ﻓﺸﺠﺖ اﻟﺮءوس ،وﺳﺎﻟﺖ اﻟﺪﻣﺎء ،واﺧﺘﻠﻂ ﺻﺮاخ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﻊ ﺻﯿﺤﺎت اﻟﺮﺟﺎل اﻟﻤﺘﻌﺎرﻛﺔ ،ﺣﯿﻨﮫﺎ ارﺗﺠﻔﺖ ،وﺷﻌﺮت ﺑﺮاﺋﺤﺔ ﻛﺮﻳﮫﺔ ﺗﻤﻸ ھﻮاء اﻟﻨﺰل ،ﻏﺎﻣﺖ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ ،وﺳﻤﻌﺖ وﻗﻊ ﺧﻄﻮات ﻛﻘﺮع ﻣﺌﺎت اﻟﻄﺒﻮل، اﺧﺘﺮق اﻟﺼﻮت رأﺳﻲ وﻛﺎد أن ﻳﻔﺘﻚ ﺑﻪ ،ﺳﺪدت أذﻧﻲ ﺑﻜﻔﻲ ،وﻧﻈﺮت ﺣﻮﻟﻲ ﻷﺗﺤﻘﻖ إن ﻛﺎن أﺣﺪ ﻏﯿﺮي ﻳﺴﻤﻌﻪ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﻤﺘﻌﺎرﻛﯿﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻓﻲ ﺷﻐﻞ ﻋﻦ أي ﺷﻲء ،ﺣﺘﻰ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻤﺎ أﺷﻌﺮ ﺑﻪ ،ﺗﻮﻗﻒ اﻟﻘﺮع ﺛﻢ ﻲ أﻧﻨﻲ أرى وﺟًﮫﺎ ﻗﺒﯿ ً ﺳﻤﻌﺖ ﻧﻐ ً ﺤﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﻐﻤﺎم ﻳﺘﻄﻠﻊ ﻤﺎ ﻳﺮھﺐ اﻟﻘﻠﻮب وﺧﯿﻞ إﻟ ّ ﻲ ،ﺟﺎءﻧﻲ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻛﮫﻤﺴﺎت ﻣﺮﻋﺪة ،ﺗﺼﺐ ﻓﻲ أذﻧﻲ وﺣﺪھﺎ: إﻟ ّ اطِﻔﺌﻮا اﻟﱡﻨﻮَر ﺑﻈﻼِم اﻟﻘﻠﻮب اﺣِﺮﻗﻮا اﻷر َض ﺑﺤﻘِﺪ اﻟﱡﻨﻔﻮس اْﻟﻌﻨﻮا ُﻣﺤﺒِ ّﯿﻜﻢ ﻤﺮ اﻧ ُ ﺸﺮوا ﻋﺒﯿَﺮ اﻟ ّ وَﻣ ّ ﺪم ﺣﺘﻰ ﻋﻨﯿﻜﻢ اﻧُﺜﺮوا ُﺑﺬوَر اﻟُﻜﺮه ﺣﺘﻰ أراھﺎ ُﺗْﺜ ِ ﺠِﺪوا ﻻ ِ ْ َ َ أراﻧﻲ أْﺛ َ س ﺑِﻼ َرﺟﺎء وﺧﺮج ﻤﻞ أروﻧﻲ دﻣﻮع اﻟﱠﻨﺪم ﺑِﻼ ﺗَْﻮﺑﺔ أروﻧﻲ ﺻﺮاخ اﻟﯿَﺄ ِ )ﻣﻮﺳﻰ( و)ھﺎرون( ﻋﻠﻰ أﺻﻮات اﻟﺼﺮاخ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺤﺘﻤﻞ ﻗﻠﺒﻪ ذﻟﻚ اﻟﻤﺸﮫﺪ اﻟﻌﺼﯿﺐ ،وﺳﻘﻂ ﺟﺎﺛﯿًﺎ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﯿﻪ ﻣﺬھﻮًﻻ ،وﺻﺮخ ﺑﺼﻮت زﻟﺰل اﻷرض ،وأزال ﻏﻤﺎم اﻟﺴﻤﺎء: ﻛﻔﻰ!!!ﺛﻢ رﻓﻊ ﻳﺪه إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء ،وﺻﺮخ ﻓﻲ ﺻﻮت ﻳﺨﻨﻘﻪ اﻟﺒﻜﺎء ،وﻳﺪﻣﯿﻪ اﻟﺮﺟﺎء: رب إﻧﻲ ﻻ أﻣﻠﻚ إﻻ ﻧﻔﺴﻲ وأﺧﻲ ،رﺑﻨﺎ ﻓﺎﻓﺮق ﺑﯿﻨﻨﺎ وﺑﯿﻦ اﻟﻘﻮم اﻟﻈﺎﻟﻤﯿﻦ!! ﻓﺈذا ﺑﺎﻷرض ﺗﺮﺟﻒ ،وﺳﻤﺎء اﻟﻨﺰل ﺗﺒﺮق ،وإذا ﺑﻌﻤﻮد ﻣﻦ اﻟﺪﺧﺎن ﻳﺼﻌﺪ ﻣﻦ ﻓﻮق اﻟﻤﺴﻜﻦ ﻓﻲ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ،ﻓﻌﻠﻢ اﻟﻨﺎس أن ﻣﺠﺪ اﻟﺮب ﻗﺎﺋﻢ ،وأن أﻣًﺮا ﻗﺪ أﺗﻰ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء! ﻓﻘﺎم )ﻣﻮﺳﻰ( ﻣﻦ رﻛﻮﻋﻪ وﺳﺎر إﻟﻰ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ،وﺳﻜﻨﺖ اﻟﺴﺎﺣﺔ إﻻ ﻣﻦ أﻧﻔﺎس اﻟﺮﺟﺎل اﻟﻼھﺜﺔ ،وأﻧﱠﺎت اﻟﺠﺮﺣﻰ اﻟﻤﻜﺘﻮﻣﺔ ،وﺗﻌﻠﻘﺖ اﻷﺑﺼﺎر ﺑﺎﻟﺨﯿﻤﺔ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﺧﺮوج اﻟﻜﻠﯿﻢ ﺑﺄﻣﺮ اﻟﺴﻤﺎء. وﻣﻀﺖ دﻗﺎﺋﻖ ﺧﺮج ﺑﻌﺪھﺎ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻣﺘﻜًﺌﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺼﺎه ،ﻋﺎﺑﺲ اﻟﻮﺟﻪ ،ﻣﻔﻄﻮر اﻟﻘﻠﺐ ،ﻳﻨﻈﺮ ﺑﺄﺳﻰ إﻟﻰ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺬي ﺧﺬﻟﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ اﺧﺘﺒﺎر وﻗﺎل: ھﻜﺬا ﻗﺎل اﻟﺴﯿﺪ اﻟﺮب:أرﺑﻌﻮن ﺳﻨﺔ ﺗﺘﯿﮫﻮن ﻓﻲ اﻷرض ،ﺣﺘﻰ ﻳﮫﻠﻚ ذﻟﻚ اﻟﺠﯿﻞ اﻟﺬي رأى اﻵﻳﺎت ﻛﻠﮫﺎ وﻟﻢ ﻳﺆﻣﻦ! ﻛﻞ ﻣﻦ ﺟﺎوز اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﺳﻨﺔ ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﺪﺧﻞ اﻷرض وﻳﻤﻮت ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺤﺮاء ﺷﺮﻳًﺪا ﺗﺎﺋًﮫﺎ ،إﻻ )ﻳﻮﺷﻊ( و)ﻛﺎﻟﺐ ﺑﻦ ﻳﻔﻨﻪ( ،ﻓﺈﻧﮫﻤﺎ ﻳﺪﺧﻼن إﻟﻰ اﻷرض. ﻋﻘﺪت اﻟﻤﻔﺎﺟﺄة أﻟﺴﻨﺔ اﻟﻘﻮم ،وﻟﻢ ﻳﻘﻄﻊ اﻟﺼﻤﺖ ﺳﻮى ﺻﻮت )ھﺎرون( اﻟﺬي ﻗﺎل ﻣﺮﺗﻌ ً ﺸﺎ: ﺣﺘﻰ أﻧﺖ ﻳﺎ )ﻣﻮﺳﻰ(؟!ﻗﺎل )ﻣﻮﺳﻰ( ﺑﺎﻛﯿًﺎ: ﺣﺘﻰ أﻧﺎ ﻳﺎ )ھﺎرون(!ﺛﻢ ﻣﺴﺢ دﻣﻮﻋﻪ وﻗﺎل ﻣﻮﺟًﮫﺎ ﻛﻼﻣﻪ ﻟﻠﻨﻘﺒﺎء اﻟﻌﺸﺮة: أﻣﺎ أﻧﺘﻢ ﻳﺎ ﻣﻦ أﺷﻌﺘﻢ َﻣﺬّﻣﺔ اﻷرض ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس ،ﻓﻜﻌﺪد اﻷﻳﺎم اﻟﺘﻲﺗﺠﺴﺴﺘﻢ ﻓﯿﮫﺎ اﻷرض ،ﺗﺤﻤﻠﻮن ذﻧﻮﺑﻜﻢ! أرﺑﻌﻮن ﻳﻮًﻣﺎ ﺑﺄرﺑﻌﯿﻦ ﺳﻨﺔ ،ﻟﻠﯿﻮم ﺳﻨﺔ! ﺑﺎﻟﻤﺮض ﺗﺤﯿﻮن ،وﺑﺎﻟﻮﺑﺎء ﺗﮫﻠﻜﻮن! ﻓﺈذا ﺑﺎﻟﻨﺤﯿﺐ ﻳﻌﻠﻮ ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﺻﺮا ً ﺧﺎ ،وإذا ﺑﺎﻟﻨﺎس ﻳﺤﺜﻮن ﻋﻠﻰ رءوﺳﮫﻢ اﻟﺘﺮاب، ﻳﺸﻘﻮن ﺟﯿﻮﺑﮫﻢ ﻓﻲ ھﻠﻊ! وﻳﻠﻄﻤﻮن ﺧﺪودھﻢ ﻓﻲ ﻳﺄس! وارﺗﺠﻒ ﺟﺴﺪي ﻣﻦ اﻟﻤﺸﮫﺪ اﻟﻌﻈﯿﻢ ،ﻓﻔﺎﺿﺖ ﻋﯿﻨﻲ ﺑﺎﻟﺪﻣﻊ ،واﻧﮫﺮت ﺟﺎﻟﺴﺎ داﻓًﻨﺎ وﺟﮫﻲ ﺑﯿﻦ راﺣﺘﻲ ،وأﻟﻘﻰ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﺣﺴﻦ ﻣﻨﻲ ﺣﺎًﻻ ﺑﺮأﺳﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ ،ﻓﺎﻣﺘﺰﺟﺖ دﻣﻮﻋﻨﺎ وأﺧﺬﺗﻨﺎ ﻣًﻌﺎ رﺟﻔﺔ اﻟﺒﻜﺎء ،ﻗﻤﺖ ﻣﻦ ﺷّﻘﺖ ﺳﻤﺎء اﻟﻨﺰل ﺻﺮﺧ ٌ ﺟﻠﻮﺳﻲ أﺑﺤﺚ ﺑﻌﯿﻨﻲ ﻋﻦ أﺑﻲ ،وﻗﺒﻞ أن أﺗﺤﺮكَ ، ﺔ، اﻧﻘﺒﺾ ﻟﮫﺎ ﺻﺪري ،ﺛﻢ ﺗﺒﻌﮫﺎ ﺿﺠﯿﺞ وﺟﻠﺒﺔ َﻣﯿ ّﺰت ﻓﯿﮫﺎ اﺳﻤﻲ ﻳﺘﺮدد ﻋﻠﻰ أﻟﺴﻨﺔ اﻟﻨﺎس ،ووﺟﺪت ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻳﺘﺰاﺣﻤﻮن ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻨﺎ ،وﻗﺪ اﺷﺘﺪ ﺑﯿﻨﮫﻢ اﻟﺒﻜﺎء واﻟﻌﻮﻳﻞ ،وﻟﻢ اﻧﺘﺒﻪ إﻻ وﻳﺪ )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ ﺑﻦ ﺣﻮر( ﻓﻮق ﻛﺘﻔﻲ وھﻮ ﻳﻘﻮل: أدرك أﺑﺎك ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﻓﻘﺪ ﺳﻘﻂ ﺻﺮﻳًﻌﺎ! . ﺳﺮت ﻣﺮﺗﺠًﻔﺎ ﺑﯿﻦ ﺣﻠﻘﺎت اﻟﻨﺎس اﻟﺘﻲ اﻧﻔﺮﺟﺖ ﺣﻤﻠﺘﻨﻲ ﺳﺎﻗﺎن ﺧﺎﺋﺮﺗﺎن ،و ِ ﻣﻔﺴﺤﺔ اﻟﻄﺮﻳﻖ أﻣﺎﻣﻲ ،وﻗﺪ ﻏﺎﻣﺖ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ اﻟﺮؤﻳﺔ إﻻ ﻣﻦ أﺷﺒﺎح اﻟﺮءوس اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺎﻳﻠﺖ ﻧﺤﻮي ،وأﺻﻮاﺗﮫﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻦ أﻋﻤﺎق ﺳﺤﯿﻘﺔ ،ﺑﻜﻠﻤﺎت ﻣﺒﮫﻤﺔ ﻣﻸت ﻗﻠﺒﻲ ﺧﻮًﻓﺎ ورھﺒﺔ ،إﻟﻰ أن اﻧﻔﺮﺟﺖ اﻟﺤﻠﻘﺔ اﻷﺧﯿﺮة ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،ﻷﺟﺪ اﻟﺠﺴﺪ اﻟﻘﻮي ﻣﻤﺪا أﻣﺎﻣﻲ ﻓﻮق اﻷرض ،وﻗﺪ اﻋﺘﺼﺮ اﻷﻟﻢ وﺟﮫﻪ ،وأﻣﺴﻚ ﺑﺼﺪره ﻓﻲ ﻗﻮة وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻳﻄﺒﻖ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻪ وﺣﺶ ،وﻗﻔﺖ أﻣﺎﻣﻪ ﻣﺮﺗﺠًﻔﺎ ،أﻛﺎد أﺑﻮل ﻓﻲ ﺛﻮﺑﻲ ﻣﻦ اﻟﺨﻮف ،ﻓﻠﻤﺎ رآﻧﻲ ارﺗﺴﻤﺖ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﺷﺎﺣﺒﺔ ،ورﻓﻊ ﻳﺪه ﻋﻦ ﺻﺪره وﻛﺄﻧﻤﺎ اﺳﺘﺴﻠﻢ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻮﺣﺶ اﻟﺬي ﻳﻨﮫﺶ ﻓﻲ ﺻﺪره ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻦ: ﻓﻲ ﺟﮫﺪ ﻣﻀ ٍ -اﻟﺤﻤﺪ اﻟﺬي ﺗﺮك ﺑِ َ ﻀﻌﺔ ﻣﻨﻲ ﺳﺘﺮى اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ. ﺛﻢ ھﺪأت ﻣﻼﻣﺤﻪ ،وﺳﻜﻨﺖ ﺣﺮﻛﺘﻪ ،واﺳﺘﻘﺮت ﻋﯿﻨﺎه ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻲ ﻓﻲ اطﻤﺌﻨﺎن ،ﻓﻈﻨﻨﺖ أن اﻷﻟﻢ ﻗﺪ زال ﻋﻨﻪ ،وﻟﻜﻨﻲ ﺳﻤﻌﺖ )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ ﺑﻦ ﺣﻮر( ﺧﻠﻔﻲ ﻳﺠﮫﺶ ﺑﺎﻛﯿًﺎ وھﻮ ﻳﻘﻮل ﻓﻲ ذھﻮل: رﺣﻤﺎك ﻳﺎ رب اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﻦ ،ﻣﺎت ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻘﻠﺐ اﻟﻨﻘﻲ )زﺧﺎري( اﻟﻨﺠﺎر.∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ واﻟﻌﺸﺮون ﻛﺎن ﺣﺎﻟﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﻛﻤﻦ ﻳﻌﯿﺶ ﺣﻠ ً ﻤﺎ ﺑﺎﻛﯿًﺎ ﻳﺘﻤﻨﻰ أن ﻳﺴﺘﯿﻘﻆ ﻣﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺘﮫﻲ ﻣﻌﺎﻧﺎﺗﻪ ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﯿﻊ ،ﻛﻨﺖ أﻗﻒ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس ﻣﺬھﻮل اﻟﻌﻘﻞ ﺧﺎﻟﻲ اﻟﻔﺆاد ﻛﺼﻨﻢ أﺻﻢ ،وﻟﻮﻻ دﻣﻮع ﺗﻨﺴﺎب ﻋﻠﻰ وﺟﻨﺘﻲ ﻓﻲ ﺻﻤﺖ ،ﻟﻈﻦ اﻟﻨﺎس ﺑﻲ اﻟﺼﺒﺮ واﻟﺠﻠﺪ ،رﻓﻊ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺠﺴﺪ اﻟﺨﺎﻣﺪ ﻋﻠﻰ اﻷﻛﺘﺎف ،وﺣﻤﻠﻮه إﻟﻰ ﺧﯿﻤﺔ ﺗﺠﮫﯿﺰ اﻟﻤﻮﺗﻰ ،ﻣﺪدت ﻳًﺪا ﻣﺮﺗﻌﺸﺔ ﻛﻲ أﺷﺎرك ﻓﻲ رﻓﻊ اﻟﺠﺜﻤﺎن، وﻟﻜﻦ )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ ﺑﻦ ﺣﻮر( ﻣﻨﻌﻨﻲ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﺑﺄن أﻣﺴﻚ ﻛﺘﻔﻲ ﻓﻲ رﻓﻖ ،ﺛﻢ ﻣﺎل ﻋﻠﻰ أذﻧﻲ ﻗﺎﺋًﻼ ﻓﻲ ﻋﻄﻒ: دع ﻋﻨﻚ ھﺬا ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(.ﺗﻜﻠﻤﺖ ﻟﻠﻤﺮة اﻟﻮﺣﯿﺪة ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ،ﻓﻘﻠﺖ ودﻣﻮﻋﻲ ﺗﻨﺴﺎب ﻓﻲ ﻏﺰارة: أﻟﻦ ﻧﻌﻮد ﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﺪار!رﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ ﻓﻲ رﻓﻖ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﺑﺎﻛﯿًﺎ: إن ﻓﻲ ﺟﺴﺪ اﻟﻤﯿﺖ ﻧﺠﺎﺳﺔ وﻻ ﻳﺠﻮز ﺗﺠﮫﯿﺰه ﻓﻲ اﻟﺪار.آﻟﻤﺘﻨﻲ ﻛﻠﻤﺘﻪ! »ﻧﺠﺎﺳﺔ«! ! ﻳﺎ آ ! ﻛﯿﻒ ﻳﻮﺻﻒ ھﺬا اﻟﺠﺴﺪ اﻟﻄﯿﺐ واﻟﻘﻠﺐ اﻟﻨﻘﻲ ﺑﺎﻟﻨﺠﺎﺳﺔ؟! أم ُﺗَﺮى أن طﮫﺎرﺗﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ روﺣﻪ اﻟﺘﻲ اﻧﻔﺼﻠﺖ ﻋﻨﻪ إﻟﻰ ﻣﻜﺎن ﻣﺠﮫﻮل؟! وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗﺬﻛﺮ )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ( أن ﻓﻲ اﻟﺪار زوﺟﺔ ﻻ ﺗﻌﻠﻢ ﺑﻮﻓﺎة زوﺟﮫﺎ ،ﻓﺄﺷﺎر إﻟﻰ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( اﻟﺬي ﻛﺎن أﻛﺜﺮ ﺗﻤﺎﺳ ً ﻜﺎ ﻣﻨﻲ وﻗﺎل: ﻳﺎ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( اذھﺐ إﻟﻰ دار أم )ﺷﻤﻌﻮن( وأﺧﺒﺮھﺎ ﺑﻤﺼﺎﺑﮫﺎ ﺑﺮﻓﻖ ،وﻗﻞ ﻟﮫﺎﻳﻮﺻﯿﻜﻲ )اﺑﻦ ﺣﻮر( ﺑﻌﺪم اﻟﺼﺮاخ! وﺗﻮاﻓﺪ اﻷﻗﺎرب ﺣﻮل ﺧﯿﻤﺔ اﻟﺘﺠﮫﯿﺰ ﻓﺄﺗﻲ )ﻣﻼﺧﻲ( اﺑﻦ ﻋﻢ أﺑﻲ ،و)ﻣﻨﻮاح( اﺑﻦ ﺧﺎﻟﺘﻪ ،ورﺟﺎل ﻣﻦ ﺳﺒﻂ رأوﺑﯿﻦ ،وآﺧﺮون ﻣﻦ ﺳﺒﻂ ﺷﻤﺮون ،ﻛﻨﺖ أﺗﻠﻘﻰ ﻣﻨﮫﻢ اﻟﻌﺰاء وﻗﻠﺒﻲ ﻳﺘﺄﻟﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﻔﺎرﻗﺔ ،أن ﻳﻜﻮن )زﺧﺎري( اﻟﻨﺠﺎر أول ﻣﻦ ﻳﺬوق اﻟﻤﻮت ﻓﻲ اﻟﺘﯿﻪ ،وﻛﺄﻧﻤﺎ اﻧﻘﻀﺖ ﺣﯿﺎﺗﻪ ﺑﺎﻧﻘﻀﺎء ﺣﻠﻤﻪ! ودﻋﺎﻧﻲ )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ( إﻟﻰ اﻟﺪﺧﻮل ﺑﻌﺪﻣﺎ أﺗﻢ اﻟﻜﺎھﻦ ﺗﺠﮫﯿﺰ اﻟﺠﺜﻤﺎن ﺣﺘﻰ أﺗﻠﻮ ﺻﻼة اﻟﻘﺎدش ﻋﻠﻰ أﺑﻲ ،دﻟﻔﺖ إﻟﻰ اﻟﺨﯿﻤﺔ اﻟﺮطﺒﺔ ﺑﻘﺪﻣﯿﻦ ﻣﺮﺗﻌﺸﺘﯿﻦ، وﺳﻄﻌﺖ أﻧﻔﻲ راﺋﺤﺔ اﻟﻜﺎﻓﻮر واﻟﺼﻨﺪل ،ﻓﻈﻨﻨﺘﮫﺎ راﺋﺤﺔ اﻟﻤﻮت ،وظﻠﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺮاﺋﺤﺔ ﺗﺬﻛﺮﻧﻲ داﺋ ً ﻤﺎ ﺑﺎﻟﻤﻮت ﻛﻠﻤﺎ ﺷﻤﻤﺘﮫﺎ ،وﺗﺤﻮم ﺣﻮل أﻧﻔﻲ ﻛﻠﻤﺎ رأﻳﺖ ﺟﻨﺎزة أو ﺳﻤﻌﺖ ﺑﻮﻓﺎة ﺷﺨﺺ ﻣﺎ! وﺗﻄﻠﻌﺖ ﺑﻄﺮف ﻋﯿﻨﻲ إﻟﻰ اﻟﺠﺴﺪ اﻟﻤﺴﺠﻰ ﻓﻮق اﻟﻤﺎﺋﺪة واﻟﻤﻠﻔﻮف ﺑﺸﺎل ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎن إﻻ ﻣﻦ اﻟﻮﺟﻪ ،ﺛﻢ ﺗﺄﻣﻠﺖ ﺻﻔﺤﺔ اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺬي ﻏﺎﺑﺖ ﻋﻨﻪ اﻟﻨﻀﺎرة، واﻧﻄﻔﺄ ﻓﯿﻪ ﺑﺮﻳﻖ اﻟﺤﯿﺎة ،ورددت اﻟﺼﻼة ﺧﻠﻒ اﻟﻜﺎھﻦ ﺑﺼﻮت ﺧﺎﻓﺖ ﻣﻜﻠﻮم، ﻓﺨﺮﺟﺖ اﻟﺪﻋﻮات ﺻﺎدﻗﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﯿﻖ ﻗﻠﺒﻲ ،وﻛﺄﻧﻤﺎ أھﺪﻳﮫﺎ ﻷﺑﻲ اﻟﺬي ﻟﻢ أھﺪه ﺷﯿًﺌﺎ ﻗﻂ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻪ! وﺑﻌﺪ أن اﻧﺘﮫﺖ اﻟﺼﻼة ﺗﻨﺎول اﻟﻜﺎھﻦ ﻗﺪ ً ﺣﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء اﻟﻤﻘﺪس ﻣﺬاﺑًﺎ ﺑﻪ اﻟﺸﻤﻊ اﻟﻤﻌﻄﺮ ،وﻧﻀﺢ ﺑﯿﺪه ﺑﻀﻊ ﻗﻄﺮات ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺟﻪ واﻟﺠﺴﺪ ،وھﻮ ﻳﺪﻋﻮ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺮاﺣﺔ اﻷﺑﺪﻳﺔ ،ودﻋﺎ اﻟﻜﺎھﻦ اﻟﺮﺟﺎل ﻟﻜﻲ ﻳﺤﻤﻠﻮا اﻟﺠﺜﻤﺎن إﻟﻰ ﻣﺜﻮاه اﻷﺧﯿﺮ. أﺑﮫﺬه اﻟﺴﺮﻋﺔ؟!ﻛﯿﻒ ﻳﻜﻮن اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻞء اﻟﺴﻤﻊ واﻟﺒﺼﺮ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ،ﺛﻢ ﻳﻐﺪو ﻣﺤﻤﻮًﻻ ﻋﻠﻰ اﻷﻋﻨﺎق ﻋﻨﺪ اﻟﻈﮫﯿﺮة؟! وﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﯿﻤﺔ ﻓﺈذا ﺑﺼﺮاخ اﻟﻨﺴﻮة ﻣﻦ ﺳﺒﻂ رأوﺑﯿﻦ ﻳﻤﻸ ﺟﻨﺒﺎت اﻟﻮاﺣﺔ، وﺻﺮاخ اﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ﻳﻔﻮﻗﮫﻦ ﻟﻮﻋﺔ وﻧﺤﯿﺒًﺎ ،وﺑﺤﺜﺖ ﻋﻨﮫﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺴﻮة ﺑﻌﯿﻨﯿﻦ ﻣﺘﻠﮫﻔﺘﯿﻦ ،ﻓﻠﻢ أﺟﺪھﺎ! وددت ﻟﻮ أﺗﺪﺛﺮ ﺑﺤﻀﻨﮫﺎ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ أﺷﺘﺎق إﻟﯿﻪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﺟﺪه! ﺖ ﻳﺎ )روﻣﺎﻧﺎ(؟! أﻳﻦ أﻧ ِ ﻟﻤﺎذا ﺗﺘﺮﻛﯿﻨﻲ وﺣﺪي ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﻌﺠﺰ ﻓﯿﮫﺎ اﻟﻤﺮء أن ﻳﻜﻮن وﺣﯿًﺪا؟! وﺳﺎر اﻟﺮﺟﺎل ﺑﺎﻟﺠﺜﻤﺎن وأﻧﺎ ﺧﻠﻔﮫﻢ ﻣﻊ اﻟﻤﺸﯿ ّﻌﯿﻦ ،وﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء اﻟﻤﺠﺎورة ﻟﻠﻮاﺣﺔ ﻛﺎن ﻛ ﱡ ﻞ ﺷﻲٍء ُﻣﻌﺪا ،ﺣﻔﺮ ﺑﻌﺾ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﻠﺤﺪ ،واﺳﺘﻌﺪوا ﻻﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﺠﺴﺪ اﻟﺨﺎﻣﺪ ﺑﻘﻠﻮب ﺟﺎﻣﺪة ،ﺗﻤﺮﺳﺖ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻷﻋﻤﺎل وﺻﺎرت ﺑﯿﻨﮫﺎ وﺑﯿﻦ اﻟﻤﻮت أﻟﻔﺔ ،ﻓﺘﻠﻘﻔﻮا اﻟﺠﺜﻤﺎن وأرﻗﺪوه وﻗﺒﻞ أن ﻳﮫﯿﻠﻮا ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺘﺮاب ﺳﻤﻌﻨﺎ اﻟﻜﺎھﻦ ﻳﻨﺎدي ﻓﻲ اﻟﻨﺎس ﻗﺎﺋًﻼ: أﻳﮫﺎ اﻟﻨﺎس ﻳﺄﻣﺮﻛﻢ ﻧﺒﻲ ﷲ أن ﺗﺮﻗﺪوا ﻣﯿﺘﻜﻢ ﻓﻲ اﺗﺠﺎه اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ.ﻓﺨﻔﻘﺖ ﻗﻠﻮب اﻟﻨﺎس ﻟﮫﺬه اﻟﺒﺸﺎرة وﻗﺎل )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ( ﺑﺎﻛﯿًﺎ: -ﻛﺎن ﻗﻠﺒﻪ ﻳﮫﻔﻮ إﻟﯿﮫﺎ ﺣﯿﺎ ،ﻓﺼﻮب اﻟﺮب ﺟﺴﺪه ﻧﺤﻮھﺎ ﻣﯿًﺘﺎ. ﻓﺄﺻﻠﺢ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﻦ وﺿﻌﻪ وﺟﻌﻠﻮا رأﺳﻪ ﻧﺤﻮ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،ﺛﻢ أھﺎﻟﻮا ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺘﺮاب ﺣﺘﻰ ﻏﺎب ﻓﻲ ﺑﻄﻦ اﻷرض وﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﺪل ﻋﻠﯿﻪ إﻻ ﺣﺠﺮ أﺻﻢ ،ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ ﺷﺎھﺪ اﻟﻘﺒﺮ ،وﻟﻮ ﻛﺎن ھﺬا اﻟﺤﺠﺮ ﻳﺸﮫﺪ ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻳﺸﮫﺪ ﻋﻠﻰ أن أﻣﻮاج اﻷﻣﺎﻧﻲ ﻣﮫﻤﺎ ﻋﻠﺖ ﺳﺘﺘﺤﻄﻢ ﻳﻮًﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﺨﺮة اﻟﻤﻮت. واﻧﺘﮫﺖ ﻣﺮاﺳﻢ اﻟﺪﻓﻦ واﻟﻌﺰاء ،وﺷﻌﺮت ﺑﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﮫﺮوب ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺤﻠﻢ اﻟﺒﻐﯿﺾ! وﻗﺮرت أن أﺗﺮك ذﻟﻚ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﻤﻮﺣﺶ وھﺆﻻء اﻟﻐﺮﺑﺎء إﻟﻰ ﻣﻜﺎن آﻟﻔﻪ ،ﻓﺎﺳﺘﺪرت أﻋﺪو ﻧﺤﻮ اﻟﺪار وﺳﻂ ذھﻮل اﻟﺮﺟﺎل وﺷﻔﻘﺘﮫﻢ! ودﻟﻔﺖ إﻟﻰ اﻟﺪار ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ،ﻓﻮﺟﺪﺗﮫﺎ ﺳﺎﻛﻨﺔ إﻻ ﻣﻦ ﺻﺮﻳﺮ ﺑﺎﺑﮫﺎ اﻟﺨﺸﺒﻲ اﻟﺬي ﺗﺮﻛﺘﻪ ﻣﻔﺘﻮ ً ﺣﺎ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻋﯿﻨﻲ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻨﮫﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ رﻛﻦ ،دﻟﻔﺖ إﻟﻰ ﺣﺠﺮﺗﮫﺎ ﻓﻠﻢ أﺟﺪ ﺳﻮى )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﻧﺎﺋﻤﺔ وﺣﺪھﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﺮاش ،ﺧﺮﺟﺖ إﻟﻰ اﻟﻔﻨﺎء وﺻﻌﺪت اﻟﺴﻠﻢ اﻟﺨﺸﺒﻲ إﻟﻰ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻟﻌﻠﻮي ﻓﻠﻢ أﺟﺪھﺎ أﻳ ً ﻀﺎ ﻓﻲ ﺣﺠﺮﺗﻲ ،ﻓﮫﺒﻄﺖ اﻟﺪرج وﻗﻠﺒﻲ ﻳﻨﺎزﻋﻪ اﻟﻘﻠﻖ واﻟﺨﻮف أن ﺗﻜﻮن ﻗﺪ أﻟﺤﻘﺖ ﺑﻨﻔﺴﮫﺎ ﻣﻜﺮو ً ھﺎ، وﻛﺪت أﻋﻮد إﻟﻰ اﻟﺴﺎﺣﺔ ﻟﻮﻻ أن ﺳﻤﻌﺖ ﻧﺤﯿﺒًﺎ ﺧﺎﻓًﺘﺎ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ اﻟﻔﻨﺎء اﻟﺨﻠﻔﻲ ﻟﻠﺪار ،ﻓﺴﺮت وراءه ﻹﺟﺪھﺎ ﺟﺎﻟﺴﺔ وﺣﺪھﺎ ﻣﻨﻜﻤﺸﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﮫﺎ ﻛﻌﺎدﺗﮫﺎ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺗﺤﺰن ،ﺗﻀﻢ ﺻﺪرھﺎ إﻟﻰ ﻓﺨﺬﻳﮫﺎ وﺗﺪﻓﻦ رأﺳﮫﺎ ﺑﯿﻦ رﻛﺒﺘﯿﮫﺎ ،وﻗﺪ أطﺒﻘﺖ ﺑﯿﺪھﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎي اﻟﺨﺸﺒﻲ اﻟﺬي ﺻﻨﻌﻪ ﻟﮫﺎ أﺑﻲ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات ،اطﻤﺄن ﻗﻠﺒﻲ ﻟﻤﺮآھﺎ وﺳﺮت إﻟﯿﮫﺎ ﺧﺎﻓﻖ اﻟﻘﻠﺐ داﻣﻊ اﻟﻌﯿﻦ ،ﺛﻢ رﻓﻌﺖ ﺟﺴﺪھﺎ اﻟﻤﺘﺼﻠﺐ، ﻓﻄﺎوﻋﺘﻨﻲ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ وﻟﻢ أﺗﻤﺎﻟﻚ ﻧﻔﺴﻲ ﺣﯿﻨﻤﺎ رأﻳﺖ اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺸﺎﺣﺐ واﻟﻌﯿﻮن اﻟﺬاﺑﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﯿﺾ ﻣﻨﮫﺎ اﻟﺪﻣﻮع ،ﻓﺄﺟﮫﺸﻨﺎ ﺑﺒﻜﺎء ﺣﺎر ﺛﻢ ﺟﻤﻌﻨﺎ ﻋﻨﺎق أﺷﻌﺮﻧﻲ ﺑﺄﻧﻲ ﻣﺎ زﻟﺖ أﻣﻠﻚ ﺳﻨًﺪا ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة. ∞∞∞∞∞ وﻣﺮت أﻳﺎم ﻋﻠﻰ وﻓﺎة أﺑﻲ ،وﻟﻢ ﻳﺄﻟﻒ ﻓﺆادي ﻏﯿﺎﺑﻪ ،ﻛﺎن ﺑﺪاﺧﻠﻲ ﻗﻠﺐ ﻳﺘﺮﻗﺐ دﺧﻮﻟﻪ إﻟﯿﻨﺎ ﻓﻲ أي ﻟﺤﻈﺔ ،وﻛﻨﺖ أدﻟﻒ إﻟﻰ ﺣﺠﺮﺗﻪ أﺣﯿﺎﻧًﺎ ﻣﺘﻮھ ً ﻤﺎ ﻧﻮﻣﻪ ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻘﯿﻠﻮﻟﺔ ،ﻓﺈذا ﺑﺎﻟﻔﺮاش اﻟﻤﺮﺗﺐ اﻟﺬي ﻟﻢ ﺗﻨﻢ ﻋﻠﯿﻪ أﻣﻲ ﻣﻨﺬ وﻓﺎﺗﻪ ﺧﺎﻟﯿﺎ، ﻳﻨﺒﮫﻨﻲ ﺧﻮاؤه إﻟﻰ اﻟﻔﺮاغ اﻟﺬي ﺣﻞ ﺑﺤﯿﺎﺗﻨﺎ ،وﺗﺬﻛﺮﻧﻲ ﺑﺮودﺗﻪ ﺑﺎﻟﺪفء اﻟﺬي رﺣﻞ ﻋﻨﺎ. وﻛﺎن ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺴﻮة ﻣﻦ اﻟﺤﻲ ﻳﺘﺮددن ﻋﻠﻰ اﻟﺒﯿﺖ ﻟﻤﻮاﺳﺎة اﻷﺳﺮة ،ﻣﻨﮫﻦ )آﻳﻼ( زوﺟﺔ )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ ﺑﻦ ﺣﻮر( ،وأم )إﻳﺎس( زوﺟﺔ )ﻣﻼﺧﻲ( ،و)أدارا( زوﺟﺔ )ﻣﻨﻮاح( ،وﻛﺎﻧﺖ ﺟﻠﺴﺎت اﻟﻨﺴﻮة ﺗﻄﻮل ﻳﻮًﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﻳﻮم ،وﺷﺠﻌﮫﻦ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﺳﺘﻘﺒﺎل ﻋﻤﺘﻲ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( اﻟﺬي ﻛﺎن ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﺣﻔﺎوة ﻣﺒﺎﻟﻎ ﻓﯿﮫﺎ ،ﻓﻘﺪ وﺟﺪت ﻋﻤﺘﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻘﺎءات ﻣﺘﻨﻔ ً ﺴﺎ ﻟﮫﺎ ﻳﺸﻐﻠﮫﺎ ﻋﻦ اﻷﺣﺰان ،وﺷﺎرﻛﺘﮫﺎ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( اﻟﺼﻐﯿﺮة ذﻟﻚ اﻟﺸﻌﻮر ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﺮح ﻟﺰﻳﺎرات ھﺆﻻء اﻷﻗﺎرب واﻟﺠﯿﺮان ﻻ ﺳﯿﻤﺎ إذا ﻛﺎن ﻓﻲ ﺻﺤﺒﺘﮫﻢ ﺑﻌﺾ اﻷطﻔﺎل ﻳﺸﺎرﻛﻮﻧﮫﺎ اﻟﻠﮫﻮ واﻟﻤﺮح اﻟﻠﺬﻳﻦ ﻏﺎﺑﺎ ﻋﻦ دارﻧﺎ اﻟﺤﺰﻳﻨﺔ. أﻣﺎ أﻣﻲ ﻓﻘﺪ اﻋﺘﺰﻟﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻠﺴﺎت ،إﻻ إذا ﻛﺎﻧﺖ )آﻳﻼ( زوﺟﺔ )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ( ﺿﻤﻦ اﻟﺤﻀﻮر ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺘﻜﻒ أﻏﻠﺐ اﻷوﻗﺎت ﻓﻲ ﺣﺠﺮﺗﻲ ﻓﻲ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻟﻌﻠﻮي ،أو ﻓﻲ اﻟﻔﻨﺎء اﻟﺨﻠﻔﻲ ﻟﻠﺪار ،ﺗﺤﺘﻀﻦ ذﻛﺮﻳﺎﺗﮫﺎ وﺣﺪھﺎ ،أو ﺗﻌﯿﺶ أوھﺎًﻣﺎ ﻣﻦ ﻧﺴﺞ ﺧﯿﺎﻟﮫﺎ ﺗﺤﺎدث ﻓﯿﮫﺎ أﺑﻲ ﺑﺼﻮت ﺧﺎﻓﺖ وﻟﻜﻨﻪ ﻣﺴﻤﻮع ،ﺣﺪﻳﺚ ﻳﻤﺘﺪ ﺑﮫﻤﺎ إﻟﻰ ﺟﻮف اﻟﻠﯿﻞ ،ﺛﻢ ﺗﺴﺘﯿﻘﻆ ﻗﺒﻞ اﻟﺸﺮوق وﻗﺪ ﺗﻮرﻣﺖ ﻋﯿﻨﺎھﺎ واﻧﻜﺴﺮ ﺑﺼﺮھﺎ ﻣﻦ طﻮل اﻟﺤﺰن واﻟﺒﻜﺎء. وﻟﻢ أﺳﺘﻄﻊ أن أﻣﺪ ﻳﺪ اﻟﻌﻮن ﻷﻣﻲ ،وﻟﻢ أﺟﺪ ﻳًﺪا ﺗﻤﺘﺪ ﺑﺎﻟﻌﻮن ﻧﺤﻮي ،ﻓﺤﺘﻰ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( اﻟﺬي ﻋﺎش ﺑﯿﻨﻨﺎ أﻋﻮاًﻣﺎ ﺷﻌﺮ ﺑﻐﺮﺑﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺰل ﺑﻌﺪ وﻓﺎة أﺑﻲ ،ووﺟﺪ ﺣﺮ ً ﺟﺎ ﻓﻲ أن ﻳﺒﯿﺖ ﻓﻲ ﺣﺠﺮﺗﻨﺎ اﻟﺘﻲ ﺻﺎرت أﻣﻲ ﺗﻘﻀﻲ أﻏﻠﺐ اﻟﻮﻗﺖ ﻓﯿﮫﺎ، ﻓﺼﻨﻊ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻋﺮﻳ ً ﺸﺎ ﺻﻐﯿًﺮا ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺟﺪول اﻟﻤﺎء أﻗﺎم ﻓﯿﻪ وﺣﺪه. وﺑﺖ أﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﺣﯿﺎﺗﻨﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺪاﻋﺖ أرﻛﺎﻧﮫﺎ ﻓﺠﺄة ﻟﻤﻮت أﺑﻲ واﻧﻔﺮطﺖ ﺣﺒﺎﺗﮫﺎ ﻛﻤﺎ ﺗﻨﻔﺮط ﺣﺒﺎت اﻟﻌﻘﺪ ،ﻓﯿﻨﻔﻄﺮ ﻗﻠﺒﻲ ﺣﺰﻧًﺎ وﺗﺰداد ﻧﻘﻤﺘﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء، ﻋﻠﻰ ﺷﻌﺐ إﺳﺮاﺋﯿﻞ اﻟﺬي أﺿﺎع ﺣﻠﻢ أﺑﻲ ،وﻋﻠﻰ أﺑﻲ اﻟﺬي أﺿﺎﻋﻨﺎ ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻞ ﺣﻠﻤﻪ ،وﻋﻠﻰ اﻷﻗﺪار اﻟﺘﻲ ﺗﻐﺮﻳﻨﺎ ﺑﺎﻷﻣﻨﯿﺎت ﺛﻢ ﺗﻀﻊ ﻓﻲ طﺮﻳﻘﻨﺎ ﻣﺌﺎت اﻟﻌﺜﺮات ﻟﺘﺤﻮل ﺑﯿﻨﻨﺎ وﺑﯿﻦ ﺗﺤﻘﯿﻘﮫﺎ ،وأﺻﺒﺤﺖ أﺗﺴﺎءل داﺋﻤﺎ: ﻣﺎ ﺟﺪوى أن ﻳﺤﯿﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺆﻣًﻨﺎ ،إذا ﻛﺎن ﺳﯿﻤﻮت ﻛﻤًﺪا ﻣﺜﻠﻪ ﻣﺜﻞ أﺷﺪ اﻟﺠﺎﺣﺪﻳﻦ ظﻠ ً ﻤﺎ؟ ووﺟﺪﺗﻨﻲ ﺗﺎﺋًﮫﺎ ﻣﻀﻄﺮﺑًﺎ ،ﺗﻌﺼﻒ ﺑﻲ اﻷﺣﺰان ،وﻳﺘﻼﻋﺐ ﺑﻲ اﻟﯿﺄس واﻟﻘﻨﻮط، ﻳﺘﺴﻊ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ ﻓﺮاغ اﻟﺤﯿﺎة ،وﻳﺘﺴﻠﻞ إﻟﻰ ﻗﻠﺒﻲ روﻳًﺪا روﻳًﺪا ﺣﺘﻰ ﻣﻸ ﺣﯿﺎﺗﻲ ،وﺻﺮت ﻛﺬرة ﻣﻦ ھﺒﺎء ﺗﺴﺒﺢ ﻓﻲ ﻓﺮاغ ﻣﻈﻠﻢ ،ﺗﻨﺘﺜﺮ ﻣﻊ ﻛﻞ ﺣﺮﻛﺔ ﻓﻲ ﺟﻨﻮن دون أن ﻳﺸﻌﺮ ﺑﮫﺎ أﺣﺪ ،وأﻗﺼﻰ أﻣﺎﻧﯿﮫﺎ أن ﻳﻤﺘﺪ إﻟﯿﮫﺎ ﺷﻌﺎع ﻣﻦ ﻧﻮر ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻪ وﻟﻮ إﻟﻰ ﺣﯿﻦ! واﻟﺘﻘﻰ ذﻟﻚ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻼطﻢ ﻣﻦ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺜﺎﺋﺮة ﻣﻊ ﺛﻮرة ﻗﺎم ﺑﮫﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ رﺟﺎل أﺣﺰﻧﮫﻢ ﺿﯿﺎع اﻟﺤﻠﻢ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ إﻳﺪﻳﮫﻢ ،وأﻏﻀﺒﮫﻢ أن ﻳﺸﻤﻠﮫﻢ اﻟﻌﻘﺎب اﻹﻟﮫﻲ دون ذﻧﺐ ﻣﻨﮫﻢ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن أﻏﻠﺐ ھﺆﻻء ﻣﻤﻦ ﺑﺬﻟﻮا أﻧﻔﺴﮫﻢ ﻟﻠﺨﺪﻣﺔ ﻓﻲ ﺟﯿﺶ اﻟﺮب ،وﻛﺎﻧﻮا ـﻣﺜﻠﮫﻢ ﻣﺜﻞ أﺑﻲ -ﻳﻨﺘﻈﺮون اﻟﯿﻮم اﻟﺬي ﺗﻄﺄ ﻓﯿﻪ أﻗﺪاﻣﮫﻢ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎء اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﺤﺮﻣﺎن ،وُﻛِﺘﺐ ﻋﻠﯿﮫﻢ اﻟﺘﯿﻪ ،ﺛﺎروا ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻌﻘﺎب اﻟﻘﺎﺳﻲ ،وﺳﺎروا ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس ﻳﺪﻋﻮﻧﮫﻢ ﻟﻠﺼﻌﻮد إﻟﻰ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،وﻳﺤﺜﻮﻧﮫﻢ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﯿﺎر اﻟﺤﺮب ،ﺑﻌﺪ أن أﺻﺒﺢ اﻟﺨﯿﺎر ﺑﯿﻦ أﻣﺮﻳﻦ ﻻ ﺛﺎﻟﺚ ﻟﮫﻤﺎ ،ﻓﺈﻣﺎ اﻟﮫﻼك اﻟﻤﺆﻛﺪ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ،وإﻣﺎ اﻟﻤﺠﺎزﻓﺔ ﺑﺪﺧﻮل اﻷرض ،ﻓﻼﻗﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻋﻮة اﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻣﻦ ﻋﺪد ﻟﯿﺲ ﺑﺎﻟﻘﻠﯿﻞ ،واﺟﺘﻤﻊ ﺣﻮل ﻗﺎﺋﺪھﻢ )ﻋﻔﺮة ﺑﻦ إﻳﺘﺎم( ﻋﺪة آﻻف ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،وﻏﻀﺐ ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻋﻮة اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺎﻟﻒ أﻣﺮ اﻟﺮب ،وأرﺳﻞ ﺑﻔﺘﺎه )ﻳﻮﺷﻊ( إﻟﻰ ﻗﺎﺋﺪ اﻟﺜﻮرة )ﻋﻔﺮة ﺑﻦ إﻳﺘﺎم( ،ﻳﺤﺬرھﻢ ﻣﻤﺎ أﻗﺪﻣﻮا ﻋﻠﯿﻪ ،ودار ﺑﯿﻨﮫﻤﺎ ﺣﺪﻳﺚ ﻋﻠﻤﺘﻪ ﻣﻦ ﺟﻨﻮد ﻋﻔﺮة ﻻﺣًﻘﺎ. ﻗﺎل )ﻳﻮﺷﻊ(: ﻟﻤﺎذا ﺗﺘﺠﺎوزون أﻣﺮ اﻟﺮب؟ﻗﺎل )ﻋﻔﺮة(: أﻟﻢ ﻳﻜﻦ ھﺬا أﻣﺮ اﻟﺮب؟ﻗﺎل )ﻳﻮﺷﻊ(: ﺑﻠﻰ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺮب ﻗﺪ ﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﻗﻠﻮب ھﺆﻻء ﻓﻠﻢ ﻳﺮ ﻓﯿﮫﻢ ﺧﯿًﺮا ،وﻟﻮ ﻛﺎن ﻓﯿﮫﻢﺧﯿٌﺮ ﻻﺳﺘﺠﺎﺑﻮا ﻟﻪ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﺰل ﻋﻠﯿﮫﻢ ﻋﻘﺎﺑﻪ! ﻗﺎل )ﻋﻔﺮة(: ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ ﺷﺮ!ﻗﺎل )ﻳﻮﺷﻊ(: أﻋﻠﻢ ﻳﺎﺑﻦ إﻳﺘﺎم ﺑﺄن ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻚ اﻟﺨﯿﺮ وﻟﮫﺬا أﺗﯿﺘﻚ!ﺛﻢ أردف: ارض ﺑﻤﺎ ﻗﺴﻤﻪ اﻟﺮب ﻟﻚ ،وﻻ ﺗﺘﺠﺎوز أﻣﺮه ،ﻓﻠﻮ ﻛﺘﺐ اﻟﺮب ﻷﺣﺪ آﺧﺮ دﺧﻮلاﻷرض ،ﻟﻜﺎن ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ( وأﺧﻮه )ھﺎرون( أوﻟﻰ اﻟﻨﺎس ﺑﺬﻟﻚ. ﻗﺎل )ﻋﻔﺮة(: ﺧﯿﺮ ﻟﻨﺎ أن ﻧﻌﺠﻞ ﺑﺎﻟﻘﻀﺎء ﺑﺪًﻻ ﻣﻦ اﻧﺘﻈﺎره.ﻗﺎل )ﻳﻮﺷﻊ(: ﺑﻞ ﺧﯿﺮ ﻟﻚ اﻟﺼﺒﺮ ﻟﻌﻞ ﷲ ﻳﺤﺪث ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﻣًﺮا!وﻳﻜﻔﯿﻚ أن ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻗﺪ ﻗﺎل: ﻻ ﺗﺼﻌﺪوا ﻷن اﻟﺮب ﻟﻦ ﻳﻜﻮن ﻓﻲ وﺳﻄﻜﻢ. ﻗﺎل )ﻋﻔﺮة(: ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻨﺎ ﺑﻪ!ﻗﺎل )ﻳﻮﺷﻊ( ﻣﺬھﻮًﻻ: ﻗﺪ ارﺗﺪدﺗﻢ إذن ﻋﻦ رﺑﻜﻢ!ﻗﺎل )ﻋﻔﺮة(: -ﺑﻞ ھﻮ ﻣﻦ طﺮدﻧﺎ ﻣﻦ ﺣﻈﯿﺮﺗﻪ! ﻗﺎل )ﻳﻮﺷﻊ(: ﺳﺘﺴﻘﻄﻮن ﺑﺴﯿﻒ اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﯿﻦ.ﻗﺎل )ﻋﻔﺮة(: ﻓﻲ اﻟﺤﺮب إﻣﺎ ﻗﺎﺗﻞ أو ﻣﻘﺘﻮل ،أﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﯿﻪ ﻓﻨﺤﻦ ھﺎﻟﻜﻮن ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ.ﻗﺎل )ﻳﻮﺷﻊ(: أن ﺗﮫﻠﻚ ﻓﻲ اﻟﻄﺎﻋﺔ ،ﺧﯿﺮ ﻟﻚ ﻣﻦ أن ُﺗﻘَﺘﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺼﯿﺔ!ﻗﺎل )ﻋﻔﺮة( ﻣﻨﮫﯿًﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ: ﻟﻦ ﻳﻄﻮﻟﻚ أذى ﻓﻲ ﻛﻞ اﻷﺣﻮال ﻳﺎﺑﻦ )ﻧﻮن( ،ﻓﻘﺪ اﺳﺘﺜﻨﺎك اﻟﺮب ﻣﻦ ﺑﯿﻨﻨﺎ.ﺛﻢ أردف: ﺳﻨﺼﻌﺪ إﻟﻰ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻋﻠﻰ أي ﺣﺎل ،ﺷﺎء ﻧﺒﯿﻚ أم ﻟﻢ ﻳﺸﺄ.وﻋﻠﻤﺖ ﺑﺄﻣﺮ اﻟﺠﯿﺶ ﻓﻮﺟﺪت ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﺗَْﻮًﻗﺎ ﻷن أﺗﻘﺼﻰ أﺧﺒﺎرھﻢ وﺻﺮت أﺗﻠﺼﺺ ﻋﻠﻰ اﺟﺘﻤﺎﻋﺎﺗﮫﻢ وأﺳﺘﺮق اﻟﺴﻤﻊ إﻟﯿﮫﻢ دون أن أﻓﺼﺢ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻲ، وﻛﻨﺖ ﻛﻠﻤﺎ اﺳﺘﻤﻌﺖ إﻟﻰ ﻗﺎﺋﺪھﻢ )ﻋﻔﺮة( وھﻮ ﻳﺘﺤﺪث ازددت إﻋﺠﺎﺑًﺎ ﺑﻪ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻓﯿﻪ ﻣﺰﻳ ٌ ﺞ ﻣﻦ ﺷﺠﺎﻋﺔ )ﻳﻮﺷﻊ( ،وﻋﻄﻒ أﺑﻲ وﺣﻨﺎﻧﻪ ،وراودﺗﻨﻲ ﻓﻜﺮة ظﻠﺖ ﺗﻨﻤﻮ ﺑﺪاﺧﻠﻲ ﺣﺘﻰ ﻣﻠﻜﺖ وﺟﺪاﻧﻲ ،ﻓﻠﻤﺎذا ﻻ أﺗﺒﻊ ﺟﯿﺶ )ﻋﻔﺮة( إﻟﻰ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،ﻓﺄﻧﺎ ﻟﺴﺖ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺮوﻣﯿﻦ ﻣﻦ دﺧﻮﻟﮫﺎ ،وﻟﻮ ﻧﺰل اﻟﻌﻘﺎب ﺑﮫﻢ ﻓﻠﻦ ﻳﺸﻤﻠﻨﻲ ﺑﻜﻞ ﺗﺄﻛﯿﺪ ،ﻓﮫﻢ ﻳﺘﺤﺪون أﻣﺮ اﻟﺮب ،أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻼ ،وﻛﻨﺖ أﺳﺘﻤﻊ إﻟﻰ ﺻﻮت ﻳﺘﺮدد ﺑﺪاﺧﻠﻲ وﻻ أدري ﻣﺎ ﻣﺼﺪره ﻳﻘﻮل ﻟﻲ: ﻟﻢ ﻳﺤﺮم اﻟﺮب ﻋﻠﯿﻚ دﺧﻮل اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻓﻌﻼم اﻻﻧﺘﻈﺎر أرﺑﻌﯿﻦ ﻋﺎًﻣﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺤﻘﻖ ﺣﻠﻢ أﺑﯿﻚ؟! وﺗﺤﺪﺛﺖ إﻟﻰ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( أﺗﺤﺴﺲ ﻣﻨﻪ رأﻳﻪ ﻓﻲ ﺟﯿﺶ )ﻋﻔﺮة( ،ﻓﻘﺎل دون ﺗﺮدد: ھﻢ ﻋﺼﺎة!ﻓﻮﺟﺪﺗﻨﻲ أﻏﻀﺐ ﻣﻨﻪ وأﻗﻮل: ﺑﻞ ھﻢ أﻛﺜﺮ اﻟﻨﺎس إﺧﻼ ًﺻﺎ ﻓﻲ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ! أﻟﻢ ﻳﺘﺒﻌﻮا )ﻳﻮﺷﻊ( ﻣﻦ ﻗﺒﻞ؟ أﻟﻢ ﻳﻜﻦ )ﻋﻔﺮة( ﻣﻦ ﻗﺎدة ﺟﯿﺶ اﻟﺮب؟! ﻗﺎل )ﻋﺎﻣﯿﺮ(: -ﺑﻠﻰ ،وﻟﻜﻨﮫﻢ ﻳﺨﺎﻟﻔﻮن اﻵن أﻣﺮ اﻟﺮب. ﻗﻠﺖ ﻏﺎﺿﺒًﺎ: إن )ﻋﻔﺮة( وﺟﻨﻮده ﻳﺪاﻓﻌﻮن ﻋﻦ ﺣﻠﻤﮫﻢ اﻟﺬي أﺿﺎﻋﻪ ﺗﺨﺎذل ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ،وﻳﺮﻓﻀﻮن اﻟﻤﻮت ﻓﻲ اﻟﺘﯿﻪ ﻛﻤﺎ ﻣﺎت ﻏﯿﺮھﻢ! وﺷﻌﺮ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﺑﻤﺎ ﻳﺪور ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻦ ﺻﺮاع ،ﻓﻘﺎل ﻓﻲ إﺧﻼص: ﻻ ﺗﺴﺘﻤﻊ إﻟﻰ ﻏﻀﺒﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﻋﻄﻒ: أﻧﻨﺎ ﻣﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﺸﻤﻠﮫﻢ اﻟﺮب ﺑﺎﻟﺤﺮﻣﺎن ،وﺳﯿﺄﺗﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي ﻧﺪﺧﻞ اﻟﺤﻤﺪﻓﯿﮫﺎ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻣًﻌﺎ. ﻗﻠﺖ ﻣﺘﮫﻜ ً ﻤﺎ: ﺑﻌﺪ أرﺑﻌﯿﻦ ﻋﺎًﻣﺎ؟!ﻗﺎل ﻣﮫﻮﻧًﺎ: ﻣﺎ أﺳﺮع اﻷﻳﺎم!ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﻣﺮارة: وﻣﺎ ﺟﺪوى أن أدﺧﻞ اﻷرض وﺣﺪي ،إذا ﻣﺎ اﺑﺘﻠﻌﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺤﺮاء أﻣﻲ ﻛﻤﺎاﺑﺘﻠﻌﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﺑﻲ! ﺗﻨﮫﺪ ﺛﻢ رﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ ﺛﻢ ﻗﺎل: ھﻮن ﻋﻠﯿﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻓﺄﻧﺎ ﺳﺄدﺧﻞ اﻷرض ﺑﻼ أب وﻻ أم ،وﻻ أﺧﻮة وﻻﻋﺸﯿﺮة! ∞∞∞∞∞ وﻗﻀﯿﺖ اﻷﻳﺎم اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ ﻣﺸﺘﺖ اﻟﻔﻜﺮ ،ﺣﯿﺮان اﻟﻔﺆاد ،أﺗﻔﻜﺮ ﻓﻲ أﻣﻮر اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ وأﺗﻌﺠﺐ! ﻛﯿﻒ ﻋﺎد ھﺆﻻء إﻟﻰ ﺳﺎﻟﻒ ﻋﮫﺪھﻢ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺴﺮﻋﺔ ،ﻳﺘﮫﺎﻓﺘﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻦ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ،وﻳﻨﺘﻈﺮون اﻟﺴﻠﻮى ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ،ﻓﯿﺄﻛﻠﻮن وﻳﺸﺮﺑﻮن وھﻢ ﻳﻌﻠﻤﻮن أﻧﮫﻢ ھﺎﻟﻜﻮن ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺤﺮاء وﻟﻮ ﺑﻌﺪ ﺣﯿﻦ؟! ﻛﯿﻒ ﻳﺤﯿﺎ اﻹﻧﺴﺎن ھﻜﺬا وﻗﺪ اﻧﻘﻄﻊ ﺑﻪ اﻷﻣﻞ؟ وﻣﺎ اﻟﻔﺮق ﺣﯿﻨﺌﺬ ﺑﯿﻨﻪ وﺑﯿﻦ اﻟﺪواب؟ وﻛﻠﻤﺎ أﻣﻌﻨﺖ اﻟﻨﻈﺮ ﻓﯿﻤﻦ ﺣﻮﻟﻲ ،ازددت ﻳﻘﯿًﻨﺎ ﺑﺄن )ﻋﻔﺮة( وﺻﺤﺒﻪ ﻋﻠﻰ ﺻﻮاب، وأن أﺑﻲ ﻟﻮ ﻛﺎن ﺣﯿﺎ ﻟﺘﺒﻌﮫﻢ! وﺣﻤﻠﺖ ھﻤﻮﻣﻲ إﻟﻰ )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ ﺑﻦ ﺣﻮر( ،أﺗﻠﻤﺲ ﻣﻨﻪ اﻟﺮأي ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻔﻌﻞ أﺑﻲ ،ﺳﺄﻟﺘﻪ ﻣﺒﺎﺷﺮة: ﻛﯿﻒ ﺗﺤﯿﺎ وﻗﺪ اﻧﻘﻄﻊ ﺑﻚ اﻷﻣﻞ؟ﻗﺎل ﻓﻲ ھﺪوء: وﻣﻦ أﺧﺒﺮك ﺑﮫﺬا؟!ﻗﻠﺖ ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: وھﻞ ﺑﻘﻲ ﻋﻨﺪك ﻣﻨﻪ ﻣﻦ ﺷﻲء؟!ﻗﺎل ﺑﻠﮫﺠﺔ ﻣﻄﻤﺌﻨﺔ: ﻧﻌﻢ ﻓﺎﻷﻣﻞ ﻻ ﻳﺰال ﻣﻮﺟﻮًدا ﻓﯿﻚ وﻓﻲ أﻗﺮاﻧﻚ!ﻗﻠﺖ ﻣﺴﺘﻨﻜًﺮا: وﻣﺎ ﺟﺪوى أن ﻳﺠﻨﻲ ﻏﯿﺮك اﻟﺜﻤﺎر؟ﻗﺎل ﺿﺎﺣ ً ﻜﺎ: وھﻞ اﻟﺤﯿﺎة إﻻ زرًﻋﺎ ﻧﻐﺮﺳﻪ ﻓﯿﺠﻨﻲ ﺛﻤﺎره أﺑﻨﺎؤﻧﺎ وأﺣﻔﺎدﻧﺎ؟!ﻗﻠﺖ ﻣﺤﺎوًﻻ إﺛﺎرﺗﻪ ﺑﺴﺆال ﺻﺎدم: أﻣﺎ ﻳﺤﺰﻧﻚ أن ﻳﻌﺎﻗﺒﻚ اﻟﺮب ﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﻘﺘﺮﻓﻪ ﻳﺪاك؟!ﻗﺎل: ﻻ ﻳﻈﻠﻢ اﻟﺮب أﺣًﺪا.ﻗﻠﺖ: وﻟﻜﻨﻪ ﺣﺮﻣﻚ ﻣﻦ دﺧﻮل اﻷرض.ﻗﺎل: ﺑﻞ رﻓﻊ ﻋﻨﻲ اﻟﺘﻜﻠﯿﻒ وأﻋﻔﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﺤﺮب ،وﺗﺮﻛﮫﺎ ﻟﻤﻦ ﻳﻄﯿﻘﮫﺎ!ﻗﻠﺖ: وﻟﻜﻨﻚ ﻣﺆﻣﻦ ﺑﻪ وﺗﺴﺘﺤﻖ أن ﺗﻨﺎل اﻟﺠﺎﺋﺰة ،وإﻻ ﻣﺎ اﻟﻔﺮق ﺑﯿﻨﻚ وﺑﯿﻦ ﻣﻦ اﻣﺘﻨﻊﻋﻦ اﻟﺤﺮب! ﻗﺎل: -اﻟﺮب ﻳﻄﻠﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻠﻮب! ﻗﻠﺖ: ﻻ أﻓﮫﻢ.ﻗﺎل: ﻧﻈﺮ اﻟﺮب إﻟﻰ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ،ﻓﻮﺟﺪﻧﺎ ﻻ ﻧﺴﺘﺤﻖ اﻟﺠﺎﺋﺰة!ﻗﻠﺖ: ھﺬا ﺧﻀﻮع ﻟﻠﻈﻠﻢ؟!ﻗﺎل ﻣﻌﺎﺗﺒًﺎ: ﺑﻞ ر ًﺿﻰ ﺑﺤﻜﻢ اﻟﺮب. وﻳﻮم ﺑﻌﺪ ﻳﻮم ﺻﺎرت ﻓﻜﺮة اﻟﺮﺣﯿﻞ ﺷﺒ ً ﺤﺎ ﻳﺮاﻓﻘﻨﻲ ﻓﻲ ﻳﻘﻈﺘﻲ وﻧﻮﻣﻲ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺤﻮل ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻦ ﺗﻨﻔﯿﺬھﺎ ﺳﻮى أﻣﻲ وأﺧﺘﻲ اﻟﺼﻐﯿﺮة )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ،ﻓﻤﻦ ﺳﯿﻘﻮم ﻋﻠﻰ رﻋﺎﻳﺘﮫﻤﺎ إذا ﻣﺎ رﺣﻠﺖ وﻟﺤﻖ ﺑﻲ أذى؟ واﻟﻌﺠﯿﺐ أن إﺣﺴﺎﺳﻲ ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ ﻧﺤﻮ أﻣﻲ وأﺧﺘﻲ ،ﻛﺎن ﻳﻔﻮق إﺣﺴﺎﺳﻲ ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ ﻟﻤﺮاﻓﻘﺔ اﻟﻌﺼﺎة ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﺤﻠﻮ ﻟﺒﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أن ﻳﺴﻤﻮھﻢ ،وﻛﻨﺖ أردد ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻦ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﻻ ﻣﺒﺎﻻة ،ﻣﺎذا ﺟﻨﻰ اﻟﻄﺎﺋﻌﻮن ﻏﯿﺮ اﻟﻤﻮت ﻛﻤًﺪا أو اﻟﺘﯿﻪ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء؟! وﻓﻲ ﺻﺒﯿﺤﺔ ﻳﻮم ﻣﺸﮫﻮد ﺗﺠﻤﻊ اﻟﺠﯿﺶ اﻟﺬي أﻋﺪه )ﻋﻔﺮة ﺑﻦ إﻳﺘﺎم( ﺧﺎرج اﻟﻮاﺣﺔ ،ووﻗﻒ ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻟﻮداﻋﮫﻢ ﺑﻤﺸﺎﻋﺮ ﺷﺘﻲ ،ﻣﻨﮫﻢ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻳﻤﻘﺘﮫﻢ ﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺘﮫﻢ أﻣﺮ اﻟﺮب ،وﻣﻨﮫﻢ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﻹﺷﻔﺎق ﻋﻠﯿﮫﻢ ﻣﻤﺎ ﺳﯿﻼﻗﻮﻧﻪ ﻣﻦ وﻳﻼت وﻣﻨﮫﻢ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻳﻮدﻋﮫﻢ وﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ أﻣﻞ واھﻦ ﻓﻲ أن ﻳﻜﺘﺐ ﻟﮫﻢ اﻟﻨﺠﺎح ،ﻓﯿﻌﻔﻮ اﻟﺮب ﺣﯿﻨﺌٍﺬ ﻋﻨﮫﻢ ،وﻳﻨﻈﺮ ﻓﻲ أﻣﺮ اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ! أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﻛﺜﺮ اﺿﻄﺮاﺑًﺎ ،ﺷﻌﺮت أن اﻟﻮﻗﺖ ﻗﺪ اﺳﺘﻞ ﺳﯿﻔﻪ ووﺿﻌﻪ ﻋﻠﻰ رﻗﺒﺘﻲ ،وأﺻﺒﺢ ﻣﺼﯿﺮي ﻣﻌﻠًﻘﺎ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻗﺮاري ،ﻓﺈﻣﺎ أن أﺗﺘﺒﻊ ھﺬا اﻟﺠﯿﺶ ،أو أن أﻣﻜﺚ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻘﻔﺮ أرﺑﻌﯿﻦ ﻋﺎًﻣﺎ! وﻣﻜﺜﺖ اﻟﻨﮫﺎر ﻓﻲ ﺣﺠﺮﺗﻲ أدور ﺟﯿﺌﺔ وذھﺎﺑًﺎ ﻛﺰﻧﺒﻮر ﻣﺤﺒﻮس ﺑﯿﻦ ﺟﺪران أرﺑﻌﺔ وﻋﯿﻨﻲ ﺗﺘﺮﻗﺐ ﻗﺮص اﻟﺸﻤﺲ اﻟﺬي ﺧﻠﻊ رداءه اﻟﻤﺘﻮھﺞ ،واﻛﺘﺴﻰ ﺑﺤﻠﺔ ﺑﺮﺗﻘﺎﻟﯿﺔ اﺳﺘﻌﺪاًدا ﻟﻠﻤﻐﯿﺐ ،وطﺮق ﻣﺴﺎﻣﻌﻲ ﺻﻮت ﻓﺮﺧﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻮى ﻳﮫﺪﻻن ﻓﻲ اﻟﻔﻨﺎء اﻟﺨﻠﻔﻲ ،ﻧﻈﺮت ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة ﻓﺮأﻳﺖ أﻣﻲ ﺗﺨﺮج إﻟﻰ اﻟﻔﻨﺎء وﺗﺘﻠﻘﻒ اﻟﻔﺮﺧﯿﻦ اﺳﺘﻌﺪاًدا ﻟﺬﺑﺤﮫﻤﺎ وطﮫﯿﮫﻤﺎ ﻟﻠﻌﺸﺎء ،ﻓﺸﻌﺮت أن اﻟﻔﺮﺧﯿﻦ ﻗﺪ ﺣﻤﻼ ﻟﻲ رﺳﺎﻟﺔ اطﻤﺄن ﺑﮫﺎ ﻗﻠﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﯿﺮ أﻣﻲ وأﺧﺘﻲ إن أﻧﺎ رﺣﻠﺖ ﻋﻦ اﻟﺪار وﺗﺮﻛﺘﮫﻤﺎ ،ﻓﮫﻤﺎ ﻓﻲ رﻋﺎﻳﺔ اﻟﺮب وﻧﺒﯿﻪ. واﻧﺘﻈﺮت ﺣﺘﻰ ﺣﻞ اﻟﻤﺴﺎء وأرﺧﻰ اﻟﻠﯿﻞ ﺳﺪوﻟﻪ ،ﺛﻢ ﺗﺴﻠﻠﺖ ﻣﻦ ﺣﺠﺮﺗﻲ ﺣﺎﻣﻼ ﻓﻮق ظﮫﺮي ﻣﺘﺎًﻋﺎ ﺧﻔﯿًﻔﺎ وﻗﺮﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء ،وﺻﺮة ﻣﻦ ﻗﻤﺎش ﺑﮫﺎ أوراﻗﻲ واﻟﺪواة واﻟﻘﻠﻢ ،وأﺧﻔﯿﺖ ﺑﯿﻦ طﯿﺎت ﻣﻼﺑﺴﻲ ﺧﻨﺠًﺮا ﻛﺎن ﻳﻤﺘﻠﻜﻪ أﺑﻲ ،آﺛﺮت أن أﺣﺘﻔﻆ ﺑﻪ رﻏﻢ ﻳﻘﯿﻨﻲ ﺑﺄﻧﻲ ﻟﻦ أﺟﺮؤ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ! وأرﺧﯿﺖ ﻋﻘﺎل اﻷﺗﺎن ﻓﺄﺳﻠﻤﺖ ﻟﻲ ظﮫﺮھﺎ ﻓﻲ ھﺪوء ،وﻛﺄﻧﻤﺎ أﺣﺴﺖ ﺑﺘﻠﺼﺼﻲ ﻓﺂﺛﺮت أﻻ ﺗﺼﺪر ﺻﻮﺗًﺎ ﻳﻔﺘﻀﺢ ﺑﻪ أﻣﺮي ،وﻣﺎ ھﻲ إﻻ ﻟﺤﻈﺎت ﺣﺘﻰ اﺑﺘﻠﻌﻨﻲ ظﻼم اﻟﺤﻲ ،ورﻛﺒﺖ ﻣﺒﺘﻌًﺪا ﻋﻦ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ اﻟﺤﺒﯿﺐ ،وﻳﻤﻤﺖ وﺟﮫﻲ ﺷﻄﺮ ﻋﺮﻳﺶ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( اﻟﺬي أﻗﺎﻣﻪ ﻋﻨﺪ ﺟﺪول اﻟﻤﺎء ،وﺑﻌﺪ أن وﺻﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﻌﺮﻳﺶ ،أﺧﺮﺟﺖ رﺳﺎﻟﺔ ﻣﻄﻮﻳﺔ ﻣﻦ ورق اﻟﺒﺮدي ،ﻛﺘﺒﺘﮫﺎ ﻓﻲ وﻗﺖ ﺳﺎﺑﻖ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻨﮫﺎر ،ووﺿﻌﺘﮫﺎ ﺑﺮﻓﻖ أﻣﺎم ﻋﺘﺒﺔ اﻟﻜﻮخ ،ﺣﺘﻰ ﻳﺮاھﺎ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﺣﯿﻨﻤﺎ ﻳﺼﺤﻮ. ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ واﺣﺪة: »ﻟﻦ أﻧﺘﻈﺮ أرﺑﻌﯿﻦ ﻋﺎًﻣﺎ ﺣﺘﻰ أﺣﻘﻖ ﺣﻠﻢ أﺑﻲ ،أوﺻﯿﻚ ﺑﺄﻣﻲ وأﺧﺘﻲ«. وﻗﻀﯿﺖ أول اﻟﻠﯿﻞ ﻣﻤﺘﻄﯿًﺎ أﺗﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ،ﻳﺨﻔﻖ ﻗﻠﺒﻲ رھﺒﺔ ﻣﻦ ظﻼم اﻟﻠﯿﻞ ووﺣﺸﺔ اﻟﺒﯿﺪاء ،أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺨﻮف ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻗﺮﻳﺐ ﻣﺠﮫﻮل ،وﺗﺘﺸﺒﺚ ض ﺣﺰﻳﻦ ،ﻓﻠﻜﺰت اﻷﺗﺎن ﻓﻲ ﺟﻨﺒﯿﮫﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺴﺮع ﺑﻲ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت ﻟﺘﻌﯿﺪﻧﻲ إﻟﻰ ﻣﺎ ٍ اﻟﺨﻄﻰ ،وﻛﺄﻧﻨﻲ أﻓﺮ ﺑﮫﺎ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻲ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻨﻜﺺ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺒﯿﮫﺎ ،وﻟﻢ أدر وأﻧﺎ أھﺮول ﻣﺒﺘﻌًﺪا ﻋﻦ اﻷرض اﻟﺘﻲ ﻛﺘﺐ ﻓﯿﮫﺎ اﻟﺘﯿﻪ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أﻧﻨﻲ ﻗﺪ ﺑﺪأت رﺣﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﯿﻪ ﻋﺸﺘﮫﺎ وﺣﺪي ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ أﻣﻲ وﻋﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ. اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺜﺎﻧﻲ ﺖ ﺗَ ْ ﺣُﺔ اﻟﺒﺎﺋِﺴُﺔ ...ﻛﯿﻒ ﻧَ ْ ﺤﺎﻧﯿُﺔ اﻟﻘﺎﺳﯿُﺔ ...أﻳﱠُﺘﮫﺎ اﻟَﻔِﺮ َ أﻳﱠُﺘﮫﺎ اﻟ َ ﺴَﻌﺪﻳﻦ؟ ﺸﻘﻰ وأَﻧ ِ ﻛﯿﻒ ﻧﺸﺘﺎ ُ ﺖ ﺗَ ُ ﺼﺪﻳﻦ؟ ق وأﻧ ِ ﻦ ﻧَﺄﺛ ُ ﺖ ﺗَﺨُﻠﺪﻳﻦ ...ھﺎ ﻧﺤ ُ ھﺎ ﻧﺤ ُ ﺖ ﺗَﺘﻘﱠﺪﺳﯿﻦ ....أﺣﻘﺎ ُﺑﻮرْﻛﺘﻲ؟ ﻢ وأﻧ ِ ﻦ ﻧَْﻔَﻨﻰ وأﻧ ِ ﺴﺎ ُ ت ُﻧ َ ق إﻟﯿﻜﻲ؟! ﻓِﻠﻤﺎذا ﺑﺎﻟﻠﻌﻨﺎ ِ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ واﻟﻌﺸﺮون ﻏﺸﻲ اﻟﻠﯿﻞ اﻟﺴﻤﺎء ﺑ ُ ﺤﻠﺘﻪ اﻟﺴﻤﺮاء اﻟﻘﺎﺗﻤﺔ ،اﻟﺘﻲ أﺧﻔﺖ ﻓﻲ طﯿﺎﺗﮫﺎ وﻣﻀﺎت اﻟﻨﺠﻮم ،واﺣﺘﺠﺐ ﻗﺮص اﻟﻘﻤﺮ ﺧﻠﻒ ﻣﻮﺟﺎت ﻛﺰﺑﺪ اﻟﺒﺤﺮ ﻣﻦ اﻟﺴﺤﺎب اﻟﻤﺘﺮاﻛﺐ، ﻓﺎﻛﺘﺴﺖ أرض اﻟﺒﯿﺪاء ﺑﻈﻼم ﻗﺎﺗﻢ ،زاد ﻣﻦ وﺣﺸﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ ورھﺒﺘﮫﺎ ،ﻛﻨﺖ ﻗﺪ اﺑﺘﻌﺪت ﻋﻦ اﻟﻮاﺣﺔ ﺑﺒﻀﻊ ﻓﺮاﺳﺦ ،وﻗﻄﻌﺖ ﺷﻮطًﺎ ﻓﻲ ﻋﻤﻖ اﻟﺼﺤﺮاء وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﺗﻄﺎﻟﻌﻨﻲ ﻧﯿﺮان ﺟﯿﺶ )ﻋﻔﺮة( ،واﻧﻘﻀﻰ ﺷﻄﺮ اﻟﻠﯿﻞ وأﻧﺎ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﺤﺎل، وﻛﺄﻧﻲ أدور ﻓﻲ ﻓﻠﻚ واھﻢ ﺣﻮل ﺟﺮم ﻣﺠﮫﻮل ،ﺣﺘﻰ دب ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ اﻟﯿﺄس، وﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺘﻌﺐ ﻣﻦ ﻛﺜﺮة اﻟﺘﺠﻮال دون ھﺪف ،وﻛﺪت أدور ﺑﺎﻷﺗﺎن ﻓﻲ اﺗﺠﺎه اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ اﻟﻮاﺣﺔ ،ﻟﻮﻻ أن ﺷﻖ اﻟﮫﻮاء ﺻﻮت ﺻﮫﯿﻞ ﻓﺮس طﺮق أذﻧﻲ ھﺬه اﻟﻤﺮة ﺑﻐﯿﺮ ﻟﺒﺲ وﻻ أوھﺎم ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ أﺻﻮات اﻟﺮﻳﺎح اﻟﻌﺎﺑﺜﺔ ﺗﺘﻼﻋﺐ ﺑﻲ طﻮال اﻟﻠﯿﻞ ،وﺗﻮھﻤﻨﻲ ﺑﺄﺻﻮات ﺷﺘﻰ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺼﻮت ھﺬه اﻟﻤﺮة ﺟﺎء ﺟﻠﯿﺎ واﺿ ً ﺤﺎ ﻲ اﻟﺒﺸﺮى ،ﻓﻮﻛﺰت ﺑﺼﻮرة ﻻ ﺗﺨﻄﺌﮫﺎ اﻷذن ،ﻓﺄﺿﺎء ﻧﻔﺴﻲ ﺑﺎﻷﻣﻞ ،وﺣﻤﻞ إﻟ ّ اﻷتـان ﻓﻲ ﺟﻨﺒﯿﮫﺎ ودرت دورة ﺣﻮل ﻛﺜﯿﺐ اﻟﺮﻣﺎل ،ﻓﺈذا ﺑﻲ أﺟﺪ ﻣﺨﯿ ً ﻤﺎ ﺗﺘﻨﺎﺛﺮ ﻓﻲ أرﺟﺎﺋﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺸﺎﻋﻞ اﻟﺘﻲ ﺧﻔﺘﺖ ﻧﯿﺮاﻧﮫﺎ وﺳﻜﻨﺖ ﻓﯿﻪ أﺻﻮات اﻟﻨﺎﺋﻤﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس واﻟﺨﯿﻞ إﻻ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻔﺮس اﻟﺬي أﺻﺎﺑﻪ اﻷرق ﻓﻮﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﺧﻞ اﻟﻤﺨﯿﻢ ﻳﺼﮫﻞ ﺻﮫﯿﻠﻪ اﻟﻤﺤﻤﻮد ،اطﻤﺄن ﻗﻠﺒﻲ ﻟﻤﺮأى اﻟﻤﺨﯿﻢ ،وھﺪاﻧﻲ ﺿﻮء ﻣﺸﺎﻋﻠﻪ إﻟﻰ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،وﺣﯿﻨﻤﺎ وﺻﻠﺖ ،أوﻗﻔﻨﻲ ﺣﺎرس اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ ،واﻗﺘﺮب ﻧﺤﻮي ﺣﺎﻣًﻼ ﻣﺸﻌًﻼ ﺛﻢ ﺳﺄﻟﻨﻲ: ﻣﻦ أﻧﺖ؟ﻗﻠﺖ: )ﺷﻤﻌﻮن ﺑﻦ زﺧﺎري( اﻟﻨﺠﺎر وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻋﺮﻓﻨﻲ اﻟﺮﺟﻞ ،ﻓﻘﺎل: ﻣﺎ اﻟﺬي أﺗﻰ ﺑﻚ إﻟﻰ ھﻨﺎ ﻳﺎ ﻏﻼم؟ﻓﻘﻠﺖ ﻓﻲ رﺟﺎء: أرﻳﺪ أن أﺗﺒﻌﻜﻢ إﻟﻰ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ.ﻗﺎل اﻟﺮﺟﻞ: ﻋﺪ ﻳﺎ ﻏﻼم ﻣﻦ ﺣﯿﺚ أﺗﯿﺖ ،ﻓﺎﻷﻣﺮ ﺧﻄﯿﺮ.ﻗﻠﺖ ﻣﺴﺘﻌﻄًﻔﺎ: أﻋﻠﻢ أﻧﻪ ﺧﻄﯿﺮ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻳﺴﺘﺤﻖ ،ﻓﻘﺪ ﻣﺎت ﻣﻦ أﺟﻠﻪ أﺑﻲ!ﺗﻨﮫﺪ ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﺣﺰن: -ﺗﻌﻠﻤﺖ ﻣﻨﻪ اﻟﺮﻣﻲ ﺑﺎﻟﺴﮫﻢ ،وﻛﺎن ﻗﻠﺒﻪ ﻣﻌﻠًﻘﺎ ﺑﺎﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ. ﻗﻠﺖ راﺟﯿًﺎ: ﻓﻸﺟﻠﻪ دﻋﻨﻲ أراﻓﻘﻜﻢ!ﺗﺮدد ﻟﺤﻈﺎت ﺛﻢ ﻗﺎل: ﺣﺴًﻨﺎ ﻻ ﺳﺒﯿﻞ ﻟﺮﺟﻌﻮك اﻵن ،ﻓﻠﺘﺒﺖ ﺑﺎﻟﻤﻌﺴﻜﺮ وﺳﺄﺧﺒﺮ )ﻋﻔﺮة ﺑﻦ إﻳﺘﺎم(ﺑﺄﻣﺮك ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح. وﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ﻋﻠﻢ )ﻋﻔﺮة ﺑﻦ إﻳﺘﺎم( ﺑﺎﻷﻣﺮ ،وﺷﻔﻊ ﻟﻲ اﻟﺤﺎرس ﻋﻨﺪه ،وأوﺣﻰ ُ إﻟﯿﻪ ﺑﺄﻧﻨﻲ ﻗﺪ أﻋﯿﻦ اﻟﺠﻨﺪ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ أﻋﻤﺎل اﻟﺨﺪﻣﺔ ،ﻓﻮاﻓﻖ )ﻋﻔﺮة( ﻗﺎﺋًﻼ: ﺣﺴًﻨﺎ ﻓﻠﯿﺒﻖ ﻓﻲ ﻣﺆﺧﺮة اﻟﺠﯿﺶ ،وﻟﯿﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ُﺳﻘﯿﺎ اﻟﺨﯿﻞ ﺣﺘﻰ ﻧﺼﻞ إﻟﻰ اﻷرض. وواﺻﻞ اﻟﺠﯿﺶ ﻣﺴﯿﺮﺗﻪ ﻟﺜﻼﺛﺔ أﻳﺎم ﻣﺘﺘﺎﻟﯿﺔ ،أوﻏﻠﻨﺎ ﻓﯿﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء إﻟﻰ أن وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ ﻣﻜﺎن ﻳﺴﻤﻲ » ُ ﺣﺮَﻣﺔ« ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ ﻓﺎران ﻳﺒﻌﺪ ﻣﺴﯿﺮة ﻳﻮم واﺣﺪ ﻣﻦ ﺗﻞ اﻟﻌﺮاد ،ﻓﺄﻣﺮ )ﻋﻔﺮة( ﺑﺄن ﺗﻀﺮب اﻟﺨﯿﺎم ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﻮﺿﻊ ،اﺳﺘﻌﺪاًدا ﻟﻠﺪﺧﻮل إﻟﻰ ﺗﻞ اﻟﻌﺮاد. وﻛﻨﺖ أﺳﻘﻲ اﻟﺨﯿﻞ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ،وأﺑﯿﺖ إﻟﻰ ﺟﻮارھﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ،ﺣﺘﻰ ﺻﺎرت ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻨﮫﻢ أﻟﻔﺔ ،ﻋﺰزﺗﮫﺎ راﺋﺤﺘﻲ اﻟﺘﻲ ﺻﺎرت ﻣﺰﻳ ً ﺠﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺮق وراﺋﺤﺔ اﻟﺮوث ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻤﺎء ﻗﻠﯿًﻼ ،وﻟﻢ ُﻳﺴﻤﺢ ﻟﻨﺎ ﺑﺈﻧﻔﺎﻗﻪ ﻓﻲ اﻻﺳﺘﺤﻤﺎم إﻻ ﻓﯿﻤﺎ ﻧﺪر ،وﻟﻢ أﻛﻦ أﺧﺘﻠﻂ ﺑﺎﻟﺠﻨﻮد إﻻ ﻓﻲ أوﻗﺎت اﻟﻄﻌﺎم ،واﻟﻌﺠﯿﺐ أن اﻟﺠﻨﻮد ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺄﻟﻮﻧﻨﻲ ﻋﻦ اﺳﻤﻲ وﻋﻦ اﻟﺤﻲ اﻟﺬي أﺳﻜﻦ ﻓﯿﻪ وﻣﻦ أي اﻟﺒﻄﻮن أﺗﯿﺖ، وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﺴﺄﻟﻨﻲ أﺣﺪھﻢ ﻟﻤﺎذا ﺗﺮﻛﺖ أھﻠﻲ وﺗﺒﻌﺖ اﻟﺠﯿﺶ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ،وﻟﻢ ﻳﺪر ﺑﺨﻠﺪ أﺣﺪھﻢ أن ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ھﺬا اﻟﺼﺒﻲ إﺻﺮاًرا ﻋﻠﻰ ﺑﻠﻮغ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻳﻔﻮق أﺣﻼﻣﮫﻢ وآﻣﺎﻟﮫﻢ ،وﺷﻐﻠﺘﻨﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻋﻤﺎل ﻓﻲ أﺛﻨﺎء اﻟﻨﮫﺎر ،وﻟﻜﻨﮫﺎ ﻟﻢ ﻲ وطﺄة اﻟﻮﺣﺪة ﻓﻲ اﻟﻠﯿﻞ ،ﻓﻜﻨﺖ إذا ﺟﻦ اﻟﻠﯿﻞ ،أﺗﻘﻠﺐ ﻓﻲ ﻓﺮاش ﻣﻦ ﺗﮫﻮن ﻋﻠ ّ اﻟﺴﮫﺪ ،وأﻣﺴﻲ ﻣﺆرق اﻟﻨﻔﺲ ،أﺗﻔﻜﺮ ﻓﻲ أﻣﺮ أﻣﻲ ،وأﺗﺴﺎءل ھﻞ ﺳﯿﺸﻔﻊ ﻟﻲ ﻋﻨﺪھﺎ ﺗﺤﻘﯿﻖ ﺣﻠﻢ أﺑﻲ؟ أم ﺗﺮاھﺎ ﺳﺘﻈﻞ ﻏﺎﺿﺒﺔ ﻣﻨﻲ ﻟﻔﺮاﻗﮫﺎ؟ وﻓﻲ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﻠﻤﺖ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل أن اﻟﺠﯿﺶ ﺳﯿﻘﺘﺤﻢ ﺣﺼﻦ »ﺗﻞ اﻟﻌﺮاد« ﻓﻲ ﺻﺒﯿﺤﺔ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ،وﻛﺎن اﻟﺠﻨﻮد ﻳﺘﺤﺪﺛﻮن ﺑﺜﻘﺔ ﻣﻔﺮطﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﺼﺮ ،ﻓﻘﺪ ﺗﺪاوﻟﻮا ﻣﺎ ذﻛﺮه اﻟﻨﻘﺒﺎء اﻻﺛﻨﺎ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻋﻦ ﺿﻌﻒ اﻟﺤﺼﻦ ،وﻗﻠﺔ ﺟﻨﻮده ﻣﻦ اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﯿﻦ ،ﻛﻤﺎ أﻛﺪ اﻟﺠﻮاﺳﯿﺲ اﻟﺬﻳﻦ أرﺳﻠﮫﻢ )ﻋﻔﺮة( إﻟﻰ اﻟﺤﺼﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﻧﺒﺎء ،ورﻏﻢ ذﻟﻚ اﻧﺘﺎﺑﻨﻲ اﻟﻘﻠﻖ طﻮال اﻟﻠﯿﻞ ،وﺗﺴﺮب اﻟﺨﻮف إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻲ ،وأﻧﺎ أﻋﻠﻢ أﻧﻲ ﺳﺄﺷﮫﺪ ﻗﺘﺎًﻻ ﺣﻘﯿﻘﯿﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ،ﺣﺘﻰ وإن ﻛﺎن اﻟﻨﺼﺮ أﻗﺮب إﻟﯿﻨﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﺪﻋﻲ اﻟﺠﻨﻮد. وﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ﻟﺠﺄ )ﻋﻔﺮة( إﻟﻰ اﻟﺤﯿﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻓﻌﻠﮫﺎ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،ﻓﺄﻣﺮ ﻓﺮﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺪ أن ﺗﺘﻨﻜﺮ ﻓﻲ زي ﺗﺠﺎر ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺮاﻧﯿﯿﻦ ،وﺟﻌﻞ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﮫﺎ ﺑﻀﻊ ﻧﻮق ﻣﺤﻤﻠﺔ ﺑﮫﻮادج ﻳﺨﺘﺒﺊ ﻓﻲ ﻛﻞ واﺣﺪة ﻣﻨﮫﺎ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﻔﺮﺳﺎن ،ووﺻﻠﺖ اﻟﻔﺮﻗﺔ إﻟﻰ اﻟﺤﺼﻦ ،ﻓﻔﺘﺢ ﻟﮫﺎ اﻟﺤﺮاس اﻷﺑﻮاب ،دون أن ﻳﻨﺘﺒﮫﻮا إﻟﻰ ﺣﻘﯿﻘﺘﮫﺎ ،وﻓﻲ ﻟﻤﺢ اﻟﺒﺼﺮ ﻗﻔﺰ اﻟﻔﺮﺳﺎن اﻟﻤﺪﺟﺠﻮن ﺑﺎﻟﺴﻼح ﻣﻦ اﻟﮫﻮادج ،واﺳﺘﻞ اﻟﺘﺠﺎر اﻟﻤﺰﻳﻔﻮن ﺳﯿﻮﻓﮫﻢ ،وأﻋﻤﻠﻮا ﻓﻲ اﻟﺤﺮاس اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﯿﻦ اﻟﺴﯿﻮف ،وﻓﺘﺤﻮا أﺑﻮاب اﻟﺤﺼﻦ ﻋﻨﻮة ،ﺛﻢ ﺣﻤﻞ )ﻋﻔﺮة( ﺑﺠﯿﺸﻪ ﺣﻤﻠﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ،ﻟﻢ ﻳﻘﻮ ﻋﻠﻰ ردھﺎ ﺟﻨﻮد اﻟﺤﺎﻣﯿﺔ ،وﻟﻢ ﺗﻤﺾ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﮫﺎر ﺣﺘﻰ اﻧﮫﺰم ﺟﻨﺪ اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﯿﻦ ،وﻓﺮ ﻣﻦ ﻧﺠﺎ ﻣﻨﮫﻢ إﻟﻰ ﺑﯿﺖ إﻳﻞ ﻓﻲ اﻟﺸﻤﺎل ،واﺳﺘﻮﻟﻰ )ﻋﻔﺮة( ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺼﻦ وﻋﻠﻰ أﺳﻠﺤﺔ اﻟﺠﻨﺪ اﻟﻤﻨﮫﺰﻣﺔ ،وﺟﻌﻞ ﻣﻨﻪ ﻣﺮﻛًﺰا ﻟﻘﯿﺎدة اﻟﺠﯿﺶ ،وﻧﺸﺮ ﺟﻨﺪه ﻋﻠﻰ ﻣﺪاﺧﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ وﻣﺨﺎرﺟﮫﺎ ،وﻣﻜﺜﻨﺎ ﻓﻲ ﺗﻞ اﻟﻌﺮاد ﺑﻀﻌﺔ أﺳﺎﺑﯿﻊ ،ﺗﺠﮫﺰ ﻓﯿﮫﺎ )ﻋﻔﺮة( ورﺟﺎﻟﻪ ﻟﻠﻤﻌﺮﻛﺔ اﻟﻔﺎﺻﻠﺔ اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻓﻲ ﺑﯿﺖ إﻳﻞ. وطﺎر ﻧﺒﺄ اﺳﺘﯿﻼء ﺟﯿﺶ اﻟﻌﺒﺮاﻧﯿﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﺣﺼﻦ اﻟﻌﺮاد إﻟﻰ ﺣﺒﺮون وﺑﺌﺮ ﺳﺒﻊ وﺑﯿﺖ إﻳﻞ ،وﻋﻠﻤﻨﺎ أن ﻓﺮﻗﺔ ﻣﻦ ﺟﯿﺶ اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﯿﻦ ﺗﺴﺘﻌﺪ ﻟﻠﺨﺮوج ﻻﺳﺘﻌﺎدة ﺣﺼﻦ اﻟﻌﺮاد ،وﻟﻢ ﻳُﻔ ﱠ ﺖ ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻋﻀﺪ )ﻋﻔﺮة( اﻟﺬي ﺧﻄﺐ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺪ ﻓﻲ ﺣﻤﺎس ،وﺣﺜﮫﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺒﺮ ،ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻤﻜﻨﻮا ﻣﻦ ھﺰﻳﻤﺔ اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﯿﻦ ﺛﻢ اﻻﺳﺘﯿﻼء ﻋﻠﻰ ﺑﯿﺖ إﻳﻞ. وﻗﻀﯿﺖ أﻳﺎﻣﻲ ﻓﻲ ﺗﻞ اﻟﻌﺮاد ﻓﻲ ﺟﮫﺪ ﻻ ﻳﻌﺮف اﻟﻜﻠﻞ ،ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﺧﺮج إﻟﻰ اﻟﺒﺌﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺻﺒﺎح ،أﻣﻸ ﺟﺮار اﻟﻤﺎء ﺛﻢ أﻧﻘﻠﮫﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ ﻛﻲ ﺗﺸﺮب ﻣﻨﻪ اﻟﻔﺮﺳﺎن واﻟﺨﯿﻞ ،ﺛﻢ أﻗﻀﻲ اﻟﻨﮫﺎر ﻣﻊ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ ﺑﻨﺎء اﻟﻤﺘﺎرﻳﺲ ،وﺗﺮﻣﯿﻢ أﺳﻮار اﻟﺤﺼﻦ اﻟﻤﺘﮫﺎﻟﻚ ﻛﻲ ﺗﺼﺪ ﻋﻨﺎ ھﺠﻤﺎت اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﯿﻦ اﻟﻤﺘﻮﻗﻌﺔ. ﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ورﻏﻢ اﻟﺠﮫﺪ واﻟﺘﻌﺐ ،ﻓﺈﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﺳﻌﯿًﺪا ﺑﺎﻋﺘﻤﺎد اﻟﺮﺟﺎل ﻋﻠ ّ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺸﺎﻗﺔ ،وأﻛﺴﺒﺘﻨﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺸﻘﺔ ﺳﻤﺮة ﻓﻲ اﻟﻮﺟﻪ وﺻﺪًرا ﻗﻮﻳﺎ اﻧﻔﺘﻠﺖ ﻋﻀﻼﺗﻪ ﺛﻢ اﻧﺒﺴﻄﺖ ﻓﻮق اﻟﻤﻨﻜﺒﯿﻦ اﻟﻌﺮﻳﻀﯿﻦ ،ﻟﺘﻨﻔﺾ ﻋﻨﻲ ﻣﯿﻮﻋﺔ اﻟﺼﺒﺎ وﻟﺘﻤﻨﺤﻨﻲ ھﯿﺌﺔ اﻟﺸﺒﺎب. ورآﻧﻲ )ﻋﻔﺮة ﺑﻦ إﻳﺘﺎم( وأﻧﺎ أﻋﻤﻞ دون ﻛﻠﻞ ﻓﻲ ﺗﺮﻣﯿﻢ ﺑﺎب ﺧﺸﺒﻲ ﻣﻦ أﺑﻮاب اﻟﺤﺼﻦ ،ﺗﻜ ﱠ ﺴﺮ ﻣﺘﺮاﺳﻪ ،وﺗﺂﻛﻠﺖ زواﻳﺎه ،وﻧﺨﺮ اﻟﻨﻤﻞ أوﺗﺎده ،ﻓﻜﻨﺖ أﻧﺰع اﻷوﺗﺎد اﻟﻤﺘﮫﺎﻟﻜﺔ وأﺳﺘﺒﺪﻟﮫﺎ ﺑﺄﺧﺮى ﺟﺪﻳﺪة ﺻﻨﻌﺘﮫﺎ ﺑﻨﻔﺴﻲ ،ﺛﻢ ﺻﻨﻌﺖ ﻟﻪ ﻣﺰﻻﺟﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﺼﻠﺐ ودﻋﻤﺘﮫﻤﺎ ﺑﻌﺪة أﻟﻮاح ﻣﻦ اﻟﺴﻨﻂ ،ﺟﻌﻠﺖ ﻣﻦ اﻗﺘﺤﺎم اﻟﺒﺎب أﻣًﺮا ﻋﺴﯿًﺮا ،وﻛﻨﺖ أﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ﺑﻤﮫﺎرة ،ﻓﻠﻤﺎ رآﻧﻲ )ﻋﻔﺮة( وأﻧﺎ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﺤﺎل اﺑﺘﺴﻢ وﻗﺎل: ﺑﻮرﻛﺖ ﻳﺎ اﺑﻦ )زﺧﺎري( ،ﻟﻮ ﻗﺪر ﻟﻨﺎ دﺧﻮل ﺑﯿﺖ إﻳﻞ ،ﻟﺒﻨﯿﺖ ﺣﺼًﻨﺎ ﻳﻔﻮق ﺣﺼﻦﺗﻞ اﻟﻌﺮاد. وأطﻠﻌﻨﺎ اﻟﺠﻮاﺳﯿﺲ اﻟﺬﻳﻦ أرﺳﻠﮫﻢ )ﻋﻔﺮة( إﻟﻰ ﺑﯿﺖ إﻳﻞ ،ﻋﻠﻰ أن اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﯿﻦ ﻗﺪ ﺑﺪءوا ﻓﻲ اﻟﺘﺤﺮك ،واﺳﺘﺒﺸﺮ اﻟﺠﻨﺪ ﺧﯿًﺮا ﺣﯿﻨﻤﺎ ﻋﻠﻤﻮا أن اﻟﻔﺮﻗﺔ ﻻ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﺑﻀﻌﺔ ﻣﺌﺎت ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺪ وأﻧﮫﻢ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮد اﻟﻨﻈﺎﻣﯿﺔ وﻻ أﺛﺮ ﺑﯿﻨﮫﻢ ﻟﺒﻨﻲ ﻋﻨﺎق، ﻓﺒﺎﺗﻮا ﻟﯿﻠﺘﮫﻢ وﻗﺪ وﻗﻊ ﻓﻲ ظﻨﮫﻢ أن ﻣﺪﻳﻨﺔ »ﺑﯿﺖ إﻳﻞ« ـأول ﻣﻨﺎزل اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ -ﺳﺘﻜﻮن ﻣﻦ ﻧﺼﯿﺒﮫﻢ ﻋﻨﺪ اﻟﺼﺒﺎح ،وأﻧﮫﺎ ﺣﺘ ً ﻤﺎ ﺳﺘﺴﻘﻂ ﻓﻲ إﻳﺪﻳﮫﻢ ﻛﻤﺎ ﺳﻘﻄﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺗﻞ اﻟﻌﺮاد. وﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻟﻢ ﺗﻔﺎرق أﻣﻲ ﻣﺨﯿﻠﺘﻲ وﺷﻌﺮت ﺑﺸﻮق ﻟﺮؤﻳﺘﮫﺎ ،وأﺷﻔﻘﺖ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﻣﻤﺎ ﻓﻌﻠﺘﻪ ﺑﮫﺎ ،وﻧﻤﺖ وﻗﻠﺒﻲ ﻣﻌﻠﻖ ﺑﺪارﻧﺎ اﻟﻘﺎﺑﻌﺔ ﺧﻠﻒ اﻟﺼﺤﺮاء ﻓﻲ ﻗﺎدش ﺑﺮﻧﯿﻊ ،وﺣﯿﻦ ﻏﻠﺒﻨﻲ اﻟﻨﻌﺎس رأﻳﺘﻨﻲ أﺳﯿﺮ ﻓﻲ طﺮﻳﻖ ﻳﺸﺒﻪ طﺮﻳﻖ اﻟﻮاﺣﺔ ،ﺗﺤﻒ ﺑﻪ أﺷﺠﺎر ذھﺒﯿﺔ اﻷوراق ،ﻳﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﺿﻮء اﻟﺸﻤﺲ ،ﻓﺒﺪت ﺳﻤﺎء اﻟﻮاﺣﺔ ﻣﺘﻸﻟﺌﺔ ﺑﺎﻷﻧﻮار وﻛﺄﻧﮫﺎ ﻗﺒﺔ ﻣﻤﺮدة ،ورأﻳﺖ داًرا ﺗﺸﺒﻪ دارﻧﺎ ،وﻟﻜﻨﮫﺎ ﺑﯿﻀﺎء ﻛﺎﻟﺜﻠﺞ ،أﺳﺮﻋﺖ ﻧﺤﻮھﺎ وﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ ﺷﻮ ٌ ق ﻷن أرى أﻣﻲ )روﻣﺎﻧﺎ( ،ﻟﻜﻨﻨﻲ ﻗﺒﻞ أن أﺻﻞ إﻟﯿﮫﺎ ،رأﻳﺖ رﺟًﻼ ﻳﺨﺮج ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺪار وﻳﻘﻒ ﺣﺎﺟًﺰا ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻦ اﻟﺒﺎب ،وأﺷﺎر ﻧﺤﻮي ﺑﺎﻻﺑﺘﻌﺎد ،ﻛﺎن اﻟﺮﺟﻞ ﻳﺸﺒﻪ أﺑﻲ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎن أﻛﺜﺮ طﻮًﻻ، ﺿﺎ ،ﻳﺮﺗﺪي زﻳﺎ ﻓﻀﻔﺎ ً وأﻛﺜﺮ ﺑﯿﺎ ً ﺿﺎ ،ﻳﺘﻤﻮج ﻓﻲ اﻟﮫﻮاء ،وﻛﺄﻧﻪ ﺟﻨﺎﺣﺎ َﻛُﺮوﺑِ ِﯿ ّﯿﻦ، ﺣﺎوﻟﺖ اﻟﺪﺧﻮل ﻣﺮة أﺧﺮى وﻟﻜﻨﻪ دﻓﻌﻨﻲ ﻓﻲ ﺻﺪري ﺣﺘﻰ أﺑﺘﻌﺪ ،ﻓﻮﻗﻔﺖ أﻧﻈﺮ إﻟﯿﻪ ﻣﺘﺮﺟﯿًﺎ ﺣﺰﻳًﻨﺎ ،واﻧﺴﺎﺑﺖ دﻣﻌﺔ ﺷﻌﺮت ﺑﺤﺮارﺗﮫﺎ ﻋﻠﻰ وﺟﻨﺘﻲ ،ﻓﻠﻤﺎ رآﻧﻲ ﻲ أن أﺗﺒﻌﻪ ﺛﻢ ﺳﺎر أﻣﺎﻣﻲ ،ﻓﺘﺒﻌﺘﻪ واﺟﺘﺰﻧﺎ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻋﺒﺮ اﻷﺷﺠﺎر أﺑﻜﻲ ،أﺷﺎر إﻟ ّ اﻟﺬھﺒﯿﺔ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺘﻮﻗﻒ ،ﻷﺟﺪ ﺳﻔ ً ﺤﺎ ﻳﻨﺤﺪر أﻣﺎﻣﻲ ،ﻳﺸﺒﻪ اﻟﺴﻔﺢ اﻟﺬي ﻳﻄﻞ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺤﺼﻦ ﻓﻲ ﺗﻞ اﻟﻌﺮاد ،أﺷﺎر ﺑﯿﺪه ﻧﺤﻮ ﻧﮫﺎﻳﺔ اﻟﺴﻔﺢ ،ﻓﺈذا ﺑﻲ أرى ﻣﺌﺎت اﻟﺠﺜﺚ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ وﻗﺪ اﻧﺘﺜﺮت ﻓﻮق اﻷرض ،ﻛﺎﻧﺖ ﻋﯿﻨﻲ ﺗﻄﻮف ﻋﻠﻰ وﺟﻮه اﻟﻘﺘﻠﻰ اﻟﺘﻲ ﻣﻸھﺎ اﻟﺮﻋﺐ واﻟﻔﺰع ،وﻛﺄﻧﻨﻲ طﺎﺋﺮ ﻳﺮﻧﻮ إﻟﯿﮫﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء، ﺖ ﻣﻦ ﻓﻮق اﻷﻋﻨﺎق ،وُأْﻟِﻘﯿَ ْ ﺟُﺘﱠﺜ ْ ﺳﺎ ﻗﺪ ا ْ ورأﻳﺖ رءو ً ﺖ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ،ﺛﻢ اﺳﺘﻘﺮت ﻋﯿﻨﻲ ﻋﻠﻰ رأس ﻣﻘﻄﻮع ،ﻋﻠﻘﺖ ﻋﻠﻰ ﺣﺮﺑﺔ ﻏﺮزت ﻓﻲ اﻟﺮﻣﺎل ،ﻓﺎﻗﺘﺮﺑﺖ ﻣﻨﮫﺎ ﻞ ،ﻓﻠﻤﺎ أﺷﺮﻓﺖ ﻋﻠﻰ اﻻﺻﻄﺪام ﺑﮫﺎ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ وﻛﺄﻧﻨﻲ أﺳﻘﻂ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﻣﻦ ﻋ ٍ اﺳﺘﺪارت اﻟﺮأس ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﮫﺘﻲ ﻷﺟﺪھﺎ رأس )ﻋﻔﺮة ﺑﻦ إﻳﺘﺎم( ،ﻓﺎﺳﺘﯿﻘﻈﺖ ﻣﻦ ﻧﻮﻣﻲ ﻓﺰًﻋﺎ وﻗﺪ اﻧﻘﺒﺾ ﺻﺪري ﻓﻲ ﻗﻮة ،وأﺧﺬت أﻟﮫﺚ ﻓﻲ ﻋﻨﻒ ،وﻛﺄﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﻋﺪو ﻟﻌﺪة ﺳﺎﻋﺎت. وأﻳﻘﻨﺖ أن ﻣﺎ رأﻳﺘﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺣﻠ ً ﻤﺎ ﺑﻞ طﺎﺋًﻔﺎ ﻣﻦ اﻟﺮب ﺣﻤﻠﺘﻪ إﻟ ﱠ ﻲ روح أﺑﻲ، ُ ﻲ ﻓﻲ روﻋﻲ أن أﺑﻲ ﻟﯿﺲ ﻋﺪًﻣﺎ ﻛﻤﺎ ظﻨﻨﺖ ،ﺑﻞ أن ﺟﺰًءا ﻣﻨﻪ ﻻ ﻳﺰال ﺣﯿﺎ، وأْﻟِﻘ َ ﻲ ﻣﻦ ﻣﻜﺎن ﻏﯿﺮ ﺑﻌﯿﺪ ،ﻣﻜﺎن ﺗﺘﻜﺸﻒ ﻓﯿﻪ اﻟﺤﺠﺐ ،وﻳﻨﺠﻠﻲ ﻓﯿﻪ اﻟﻐﯿﺐ. ﻳﺮﻧﻮ إﻟ ّ ﺗﻨﺎوﻟﺖ ﻗﺮﺑﺔ اﻟﻤﺎء ،ﻓﺘﺠﺮﻋﺖ ﻣﻨﮫﺎ رﺷﻔﺎت رطﺒﺖ ﺣﻠﻘﻲ اﻟﻤﻠﺘﮫﺐ ،ﺛﻢ ﻗﻤﺖ ﻣﻦ ﻓﻮري إﻟﻰ ﺧﯿﻤﺔ )ﻋﻔﺮة ﺑﻦ إﻳﺘﺎم( ،واﺳﺘﺄذﻧﺖ ﻟﻠﺪﺧﻮل ،ﻓﺄذن ﻟﻲ ،وﺟﺪﺗﻪ ﻣﺘﯿﻘﻈًﺎ ،وﻗﺪ ارﺗﺪى ﻟﺒﺎس اﻟﺤﺮب ،وﻗﺪ ﺑﺪا ﻋﻠﯿﻪ اﻟﻌﺠﺐ ﻣﻦ طﻠﺒﻲ ﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺘﻪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﻤﺒﻜﺮة ﻗﺒﻞ اﻟﺸﺮوق ،ﻗﺎل: ھﻠﻢ ﻳﺎ ﺳﺎﻗﻲ اﻟﺨﯿﻞ!ﻣﺎ اﻟﺬي أﻳﻘﻈﻚ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﻤﺒﻜﺮة؟! ﻗﻠﺖ ﻟﻪ ﻣﻔﺼ ً ﺤﺎ ﻋﻤﺎ ﻳﻘﻠﻘﻨﻲ وﻗﺪ ﺗﮫﺪج ﺻﻮﺗﻲ ﻣﻦ اﻟﺘﻮﺗﺮ: ﻗﺪ رأﻳﺖ َﻣ َﺼﺎِرع اﻟﺠﻨﺪ ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب »ﺑﯿﺖ إﻳﻞ«. اﻧﺰﻋﺠﺖ أﺳﺎرﻳﺮه ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻣﺤﺎوًﻻ طﻤﺄﻧﺘﻲ: ﻟﻌﻠﻚ رأﻳﺖ ﺣﻠ ًﻤﺎ ﻗﺪ أزﻋﺠﻚ! ﻗﻠﺖ ﻣﺆﻛًﺪا: ﻲ روح أﺑﻲ اﻟﻄﺎھﺮة! ﺑﻞ ھﻮ طﯿﻒ ﻣﻦ اﻟﺮب ،ﺣﻤﻠﺘﻪ إﻟ ّاﺑﺘﺴﻢ ﻓﻲ ھﺪوء ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻲ ﻣﮫﺪﺋًﺎ: ﺑﻞ ھﻮ ﺧﻮف ﻗﺪ اﻋﺘﺮاك أﻳﮫﺎ اﻟﺼﺒﻲ ،وﺑﺎﺣﺖ ﺑﻪ ﻧﻔﺴﻚ ﻓﻲ ﻧﻮﻣﮫﺎ ،ﻓﻼ ﺗﺨﺶﺷﯿًﺌﺎ ،ﻓﻠﻦ ﻳﻨﻘﻀﻲ اﻟﻨﮫﺎر إﻻ وﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻓﻲ ﺑﯿﺖ إﻳﻞ. ﻗﻠﺖ ﻣﺘﻮﺳًﻼ: ﺻﺪﻗﻨﻲ أﻳﮫﺎ اﻟﻘﺎﺋﺪ إن أﺑﻲ ﻟﻢ ﻳﻜﺬب ﻗﻂ!ﺛﻢ أردﻓﺖ ﻣﺒﺮھًﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﻼﻣﻲ: أََوﻟَ ْﻢ ﻳﺤﺬرﻛﻢ )ﻳﻮﺷﻊ( ﻣﻦ ﻗﺒﻞ؟ ﻗﻄﺐ ﺟﺒﯿﻨﻪ وﺑﺪا أﻧﻪ ﻗﺪ اﺳﺘﺎء ﻣﻤﺎ أﻗﻮل ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮة ﺻﻤﺖ ﻓﻲ ﺣﺴﻢ: أرى أن اﻟﺨﻮف ﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﺑﻚ ﻣﺒﻠﻐﻪ أﻳﮫﺎ اﻟﻔﺘﻰ ،ﻓﻠﺘﺒﻖ ﻓﻲ اﻟﺤﺼﻦ وﻻ ﺗﻐﺎدره،وﺣﺬاِر أن ُﺗﺤ ِّ ﺪث أﺣًﺪا ﻓﻲ اﻟﺠﯿﺶ ﺑﻤﺎ رأﻳﺖ ﻓﻲ ﻧﻮﻣﻚ. ﺛﻢ ﻧﺎدى ﻋﻠﻰ ﺣﺎرﺳﻪ ﻗﺎﺋًﻼ: ﺿﻌﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﺮج ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻘﻀﻲ اﻟﯿﻮم ،ﻓﻘﺪ أﺻﺒﺢ ﻛﺎﻟﺜﻤﺮة اﻟﻔﺎﺳﺪة اﻟﺘﻲ ﻗﺪﺗﻔﺴﺪ ﻣﻦ ﻳﺠﺎورھﺎ ،وﻏًﺪا ﻓﺮاق ﺑﯿﻨﻨﺎ وﺑﯿﻨﻪ إﻟﻰ ﻏﯿﺮ رﺟﻌﺔ. ﻲ ﺑﺎﻻﻧﺼﺮاف. ﺛﻢ أﺷﺎر إﻟ ّ ﺗﺒﻌﺖ اﻟﺤﺎرس ﺣﺎﻣًﻼ ﻣﻌﻲ أﻏﺮاﺿﻲ اﻟﻘﻠﯿﻠﺔ ،وﺻﻌﺪت إﻟﻰ ﺑﺮج اﻟﺤﺼﻦ اﻟﻤﺮﺗﻔﻊ ،ﺛﻢ أﻟﻘﯿﺖ اﻷﻏﺮاض ﻋﻠﻰ اﻷرض ووﻗﻔﺖ أﺗﻄﻠﻊ ﻣﻦ ﻧﺎﻓﺬة اﻟﺤﺼﻦ، ﻓﺎﻧﺼﺮف اﻟﺤﺎرس وھﻮ ﻳﺤﺬرﻧﻲ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻻ ﺗﻐﺎدر اﻟﺤﺼﻦ ﻳﺎﺑﻦ )زﺧﺎري( ،ﻓﺈﻧﻚ ﻻ ﺗﻌﻠﻢ ﻏﻀﺒﺔ )ﻋﻔﺮة ﺑﻦ إﻳﺘﺎم(.ﻓﺄوﻣﺄت ﻟﻪ ﺑﺮأﺳﻲ دون أن أﻧﻈﺮ ﻧﺤﻮه ،وﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺪوار وأﻧﺎ أﺗﻄﻠﻊ إﻟﻰ اﻟﺴﻔﺢ اﻟﻤﻤﺘﺪ أﺳﻔﻞ ﺗﻞ اﻟﻌﺮاد ،واﻟﺬي ﻳﻨﺘﮫﻲ ﻋﻨﺪ أﺳﻮار ﺑﯿﺖ إﻳﻞ ،وﻗﻔﺰت إﻟﻰ ﻣﺨﯿﻠﺘﻲ اﻟﺮؤﻳﺎ اﻟﺘﻲ رأﻳﺘﮫﺎ أﻣﺲ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻻرﺗﻔﺎع وأﻧﺎ أﻧﻈﺮ إﻟﯿﻪ ،وﺗﻤﺜﻠﺖ أﻣﺎم ﻋﯿﻨﻲ ﻧﮫﺎﻳﺘﮫﺎ ،ﻓﺨﻔﻖ ﻗﻠﺒﻲ ﻓﻲ اﺿﻄﺮاب ،وﺗﻜﺜﻔﺖ ﻋﻠﻰ ﺟﺒﮫﺘﻲ ﺣﺒﺎت ﻣﻦ اﻟﻌﺮق اﻟﺒﺎرد ﻟﻢ أدر ﻣﺎ ﻣﺼﺪرھﺎ ،ﺛﻢ طﻔﺤﺖ ذاﻛﺮﺗﻲ ﺑﻤﺸﺎھﺪ طﺎﻟﻤﺎ ﺣﺒﺴﺘﮫﺎ ﻗﮫًﺮا ﻓﻲ ﺧﺒﺎﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ ،ﻓﺮأﻳﺖ ﺟﺴﺪ )ﺳﻮﻻف( اﻟﻤﺘﺪﻟﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﻨﻖ ﻋﻠﻰ ﻓﺮع اﻟﺸﺠﺮة ،ورأﻳﺖ وﺟﻪ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( وﻗﺪ ﺗﻘﯿﺤﺖ ﻓﯿﻪ اﻟﺒﺜﻮر ،ووﺟﻪ )رام( وﻗﺪ أﺧﻔﺖ ﻣﻼﻣﺤﻪ اﻟﺪﻣﺎء ،ووﺟﻪ أﺑﻲ اﻟﻤﻐﻄﻰ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎن ،ﻓﺸﻌﺮت ﺑﺎﻟﺨﺪر ﻳﺴﺮي ﻓﻲ أوﺻﺎﻟﻲ واﺳﺘﺠﺎر ﻋﻘﻠﻲ ﺑﺈﻏﻤﺎءة ﺗﺤﻤﯿﻪ ﻣﻦ ﻣﺨﺎوف اﻟﻠﺤﻈﺔ وﻗﻠﻖ اﻻﻧﺘﻈﺎر. إن ﻛﻞ ﻣﺎ أﺗﺬﻛﺮه ﺑﻌﺪﻣﺎ أﻓﻘﺖ ﻣﻦ إﻏﻤﺎﺋﻲ ،ھﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺮﺧﺎت اﻟﺘﻲ ﻣﻸت اﻟﻮادي واﻟﺘﻲ أطﻠﻘﮫﺎ ﺟﻨﻮد )ﻋﻔﺮة( وھﻢ ُﻳﺤﺼﺪون ﺑﺴﯿﻮف اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﯿﻦ ورﻣﺤﺎھﻢ ،ظﻠﻠﺖ أﻋﺪو ﺑﻜﻞ ﻣﺎ أوﺗﯿﺖ ﻣﻦ ﻗﻮة ﻛﻔﺮس ﻳﻘﺪح رﻣﺎل اﻟﺼﺤﺮاء ھﺮﺑًﺎ ﻣﻦ َﻗ ْ ﺴَﻮَرٍة ﻳﻨﮫﺸﮫﺎ اﻟﺠﻮع ،ﻟﻢ أﻟﺘﻔﺖ ﺧﻠﻔﻲ وﻟﻮ ﻟﻮھﻠﺔ ،ﻛﺎن ﻳﻜﻔﯿﻨﻲ أﺻﻮات اﻟﺠﻨﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻠﮫﺎ اﻟﺮﻳﺎح إﻟﻰ أذﻧﻲ ﻛﻲ ﺗﻠﮫﺐ ظﮫﺮي ﻛﺴﯿﺎط ﺗﺴﺘﺤﺜﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻛﺾ أﻛﺜﺮ ،اﺑﺘﻌﺪت ﻋﻦ اﻟﺤﺼﻦ ﻛﺜﯿًﺮا ،وﺗﻮﻏﻠﺖ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮ ھﺪي ،ﺣﺘﻰ اﺧﺘﻔﺖ اﻷﺻﻮات ﻣﻦ أذﻧﻲ وإن ظﻞ وﻗﻌﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻲ ﻗﻮﻳﺎ ﺻﺎﺧﺒًﺎ، ﻲ وأﻧﺎ أﻋﺪو وﻟﻜﻨﻲ ﺣﺴﺒﺘﻪ ﻛﺎﻟﺪھﺮ ،ﺷﻌﺮت ﻟﻢ أدر ﻛﻢ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻗﺪ ﻣﺮ ﻋﻠ ّ وﻛﺄن ﻟﮫﯿﺐ اﻟﺸﻤﺲ ﻗﺪ ﺗﺮك ﻛﺜﺒﺎن اﻟﺼﺤﺮاء واﺳﺘﻘﺮ ﻓﻮق رأﺳﻲ ،ﺟ ﱠ ﻒ ﺣﻠﻘﻲ وزاغ ﺑﺼﺮي وأﺛﻘﻠﺖ اﻟﺮﻣﺎل ﺧﻄﻮاﺗﻲ ﺣﺘﻰ ﺻﺎرت اﻟﺨﻄﻮة ﻋﺒًﺌﺎ ﻻ ﻳﺘﺤﻤﻠﻪ ﻗﻠﺒﻲ، ﻓﺴﻘﻄﺖ ﺟﺎﺛﯿًﺎ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﻲ ،أﺳﺘﻌﯿﻦ ﺑﮫﻤﺎ وﺑﯿﺪي ﻓﻲ اﻟﺰﺣﻒ ﻟﺒﻀﻌﺔ أذرع أﺧﺮى ،ﻟﻌﻠﮫﺎ ﺗﺄﺧﺬﻧﻲ ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﺮﻋﺐ اﻟﻘﺎﺑﻊ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ اﻟﻮادي ،وﻟﻜﻨﮫﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺳﻮى أذرع ﻗﻠﯿﻠﺔ ﻗﺒﻞ أن أﺳﻘﻂ ﻣﻐﺸﯿﺎ ﻋﻠ ﱠ ﻲ. ∞∞∞∞∞ ﻟﻢ أدر ﻣﻘﺪار ﻣﺎ ﻣﺮ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ وأﻧﺎ ﻓﺎﻗﺪ اﻟﻮﻋﻲ ،أﻳﻘﻈﺘﻨﻲ ھﱠﺰة أﻣﺎﻟﺖ ﺟﺴﺪي ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﺣﺘﻰ أوﺷﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻘﻮط ﺛﻢ أﻋﺎدﺗﻪ إﻟﻰ وﺿﻌﻪ ﻣﺮة أﺧﺮى ،اﻋﺘﺪﻟﺖ ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺘﻲ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ﺑﻔﻌﻞ اﻷﻟﻢ وﺷﺪة اﻻھﺘﺰاز ،وﺗﻠﻔﺖ ﺣﻮﻟﻲ ﻓﺄدرﻛﺖ أﻧﻲ ﻣﺤﻤﻮل ﻋﻠﻰ ھﻮدج أرﺧﯿﺖ ﺳﺪوﻟﻪ ،أﺻﺪرت اﻟﻨﺎﻗﺔ ﺣﻨﯿًﻨﺎ ﺧﺎﻓًﺘﺎ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﻗﺪ ﺷﻌﺮت ﺑﻌﻮدة دﺑﯿﺐ اﻟﺤﯿﺎة ﻓﻲ راﻛﺒﮫﺎ ،ﺗﺤﺴﺴﺖ ﺟﺴﺪي وﻛﺄﻧﻨﻲ أﺗﯿﻘﻦ ﻣﻦ أﻧﻨﻲ ﻣﺎ زﻟﺖ ﺣﯿﺎ ﺳﻠﯿ ً ﻤﺎ ،ﺛﻢ ﺗﻠﻔﺖ ﺣﻮﻟﻲ ﻛﻲ أﺗﺄﻛﺪ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻌﻲ ،أﺳﻌﺪﻧﻲ أن وﺟﺪت ﺻﺮة أﻏﺮاﺿﻲ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻲ ،وإن ﺑﺪا أن أﺣﺪھﻢ ﻗﺪ ﻋﺒﺚ ﺑﮫﺎ وأﺧﺬ ﻣﻨﮫﺎ ﺧﻨﺠﺮي ،وﻟﺤﺴﻦ اﻟﺤﻆ ﺗﺮك اﻟﻌﺎﺑﺚ دواﺗﻲ وﻗﻠﻤﻲ وأوراﻗﻲ. أزﺣﺖ ﺳﺘﺎر اﻟﮫﻮدج ﺟﮫﺔ اﻟﯿﺴﺎر ﻣﻘﺪار ﻓﺮﺟﺔ ﻳﺴﯿﺮة وﺗﻠﺼﺼﺖ ﻣﻨﮫﺎ ﺑﺒﺼﺮي ﺳﺎ ﻳﻤﺘﻄﻲ ﻓﺮ ً ﻓﻮﺟﺪت إﻟﻰ ﻳﺴﺎر اﻟﻨﺎﻗﺔ ﻓﺎر ً ﺳﺎ أﺑﯿﺾ اﻟﻠﻮن وﻳﺘﻤﻨﻄﻖ ﺑﺴﻼح ھﻮ وﺳﻂ ﻓﻲ ﺣﺠﻤﻪ ﺑﯿﻦ اﻟﺨﻨﺠﺮ واﻟﺴﯿﻒ ،أﺳﺪﻟﺖ اﻟﺴﺘﺎر ﻓﻲ ﺑﻂء ﺣﺘﻰ ﻻ ﻲ ﻧﻈﺮه ،ﺛﻢ أزﺣﺘﻪ ﺟﮫﺔ اﻟﯿﻤﯿﻦ ﻓﺈذا ﺑﻲ أﺟﺪ ﻧﺎﻗﺔ أﺧﺮى ﺗﺤﻤﻞ ھﻮد ً ﺟﺎ أﻟﻔﺖ إﻟ ّ ﺗﺠﻠﺲ ﻓﯿﻪ ﻓﺘﺎة ﺳﻤﺮاء اﻟﺒﺸﺮة ،دﻗﯿﻘﺔ اﻷﻧﻒ واﻟﻔﻢ ،طﻮت أﺳﺘﺎر ھﻮدﺟﮫﺎ وﺟﻠﺴﺖ ﺗﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ اﻟﺒﯿﺪاء ﻓﻲ ﺗﻤﻌﻦ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﺘﺤﺪث إﻟﻰ اﻟﻔﺮاغ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﮫﺎ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﺻﺎﻣﺖ! أرﺧﯿﺖ اﻟﺴﺘﺎر واﺳﺘﻠﻘﯿﺖ ﻋﻠﻰ ظﮫﺮي ﻓﻲ ﺑﻂء وﻗﺪ آﺛﺮت أن أﺧﻔﻲ اﺳﺘﻌﺎدﺗﻲ ﻟﻮﻋﯿﻲ وﺣﺪﻗﺖ ﻓﻲ ﺳﻘﻒ اﻟﮫﻮدج وﻓﻲ رأﺳﻲ ﺗﺪور ﻋﺸﺮات اﻷﺳﺌﻠﺔ ﻋﻦ ھﺆﻻء اﻟﻨﺎس اﻟﺬﻳﻦ ﺣﻤﻠﻮﻧﻲ ﻣﻌﮫﻢ. ﻣﺮت ﺳﻮﻳﻌﺎت ﻗﻠﯿﻠﺔ ﻗﺒﻞ أن أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﺗﺘﻮﻗﻒ ،اﻋﺘﺪﻟﺖ ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺘﻲ وﺗﺸﺒﺜﺖ ﺑﺎﻟﺮﺣﻞ ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺎﻗﺔ ﺗﻨﻮء ﺑﺠﺬﻋﮫﺎ ﻛﻲ ﺗﺒﺮك ،ﻋﻠﺖ ھﻤﮫﻤﺎت اﻟﺮﺟﺎل ،وﻣﺮت ﺑﻀﻊ دﻗﺎﺋﻖ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺄﺗﻲ أﺣﺪھﻢ إﻟﻰ راﺣﻠﺘﻲ وﻳﺮﻓﻊ أﺳﺘﺎر ﻲ ﻛﻲ أھﺒﻂ اﻟﮫﻮدج ﻋﻨﮫﺎ ،اطﻤﺄن ﻗﻠﺒﻲ ﻟﻨﻈﺮة اﻟﺸﺎب ﻏﯿﺮ اﻟﻌﺪاﺋﯿﺔ ،أﺷﺎر إﻟ ّ ﻓﺤﻤﻠﺖ ﺻﺮة أﻏﺮاﺿﻲ وﻗﻔﺰت ﻣﻦ اﻟﮫﻮدج ،ﻗﺎدﻧﻲ اﻟﺸﺎب إﻟﻰ ﻣﻘﺪﻣﺔ اﻟﺮﺣﻞ ﺣﯿﺚ ﻛﺎن اﻟﺮﺟﺎل ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﺘﺜﺒﯿﺖ ﺧﯿﻤﺘﯿﻦ ﻛﺒﯿﺮﺗﯿﻦ وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻗﺪ ﻗﺮروا اﻟﻤﺒﯿﺖ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﻜﺎن. ﺗﺤﺪث اﻟﺸﺎب إﻟﻰ ﺷﯿﺦ ﻛﺒﯿﺮ ﻛﺎن ﻳﻮﻟﯿﻨﺎ ظﮫﺮه ،ﻓﮫﻤﺖ ﻣﻦ ﻛﻼم اﻟﺸﺎب أﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﺨﺒﺮه ﺑﺎﺳﺘﻌﺎدﺗﻲ ﻟﻮﻋﯿﻲ ،اﻟﺘﻔﺖ اﻟﺸﯿﺦ ﻧﺤﻮي وﺗﻼﻗﺖ أﻋﯿﻨﻨﺎ ،ﻓﻤﺴﺖ ﻧﻈﺮة ﻋﯿﻨﯿﻪ ﻣﻮﺿًﻌﺎ ﻓﻲ ذاﻛﺮﺗﻲ ﻟﻢ ﺗﻄﻤﺴﻪ اﻷﻳﺎم رﻏﻢ ﻣﺮور اﻟﺴﻨﯿﻦ ،وﻋﺮﻓﺖ ﻓﯿﮫﺎ ﻧﻈﺮة ﺷﯿﺦ اﻷﻋﺮاب )ﻋﺎﺑﺮ( اﻟﺬي اﺳﺘﻀﺎف أﺑﻲ ﻓﻲ »َر ﱠ ﺳﺔ« ﻣﻨﺬ ﺳﻨﯿﻦ. وﺗﻌﺠﺒﺖ ﻣﻦ أﺣﻮال اﻟﻘﺪر ﻣﻌﻲ ،أردت أن أﺣﻘﻖ ﺣﻠﻢ أﺑﻲ ﻓﻲ دﺧﻮل اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻓﺈذا ﺑﻪ ﻳﺄﺗﯿﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎم ﻛﻲ ﻳﺼﺮﻓﻨﻲ ﻋﻨﮫﺎ ،وأردت أن أﻓِﱠﺮ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﻣﻦ اﻟﮫﻼك ،ﻓﺈذا ﺑﺎﻟﺸﯿﺦ اﻟﺬي أﺟﺎر أﺑﻲ ﻓﻲ زﻣﻦ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻳﺠﯿﺮﻧﻲ أﻧﺎ أﻳ ً ﻀﺎ ﻣﻦ اﻟﮫﻼك ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳﺔ. وﺑﻌﺪ أن ذﱠﻛﺮت اﻟﺸﯿﺦ ﺑﻨﻔﺴﻲ ،دﻋﺎﻧﻲ إﻟﻰ اﻟﺨﯿﻤﺔ اﻟﺘﻲ اﻧﺘﮫﻰ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﻦ ﻧﺼﺒﮫﺎ ،وﺟﻠﺴﺖ إﻟﯿﻪ ﻛﻲ أﻗﺺ ﻋﻠﯿﻪ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺘﻪ ﺑﻲ اﻟﺴﻨﻮن. وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﻗﺺ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﻘﺼﺺ ،طﺎف ﺑﻌﻘﻠﻲ اﻟﻮﺟﻪ اﻷﺳﻤﺮ اﻟﺠﻤﯿﻞ ،ﻣﻨﻤﻖ اﻷﻧﻒ واﻟﻔﻢ ،اﻟﺬي ﺟﺎورﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﮫﻮدج ،ﻓﺨﻔﻖ ﻗﻠﺒﻲ ﺣﯿﻦ ذﻛﺮﻧﻲ ﺑﻔﺘﺎٍة ﺳﻤﺮاء ،ﻛﺎﻧﺖ ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻨﮫﺎ ﻣﻐﺎﻣﺮة ﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻦ أﻳﺎم اﻟﺼﺒﺎ ،اﺳﻤﮫﺎ )أروى(. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ واﻟﻌﺸﺮون أﻋﺎدت ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ إﻟﻰ ﻗﻠﺒﻲ ﺷﻌﻮًرا ﺑﺎﻟﺪفء اﻧﻘﻄﻊ ﻣﻨﺬ ﺧﺮوﺟﻲ ﻣﻦ اﻟﻨﺰل، ﺗﺤﻤﻤﺖ ﺑﻤﺎء ﺳﺎﺧﻦ وارﺗﺪﻳﺖ ﺟﻠﺒﺎﺑًﺎ ﻋﺮﺑﯿﺎ أھﺪاﻧﯿﻪ أﺣﺪ أﺑﻨﺎء اﻟﺸﯿﺦ ،وﻟﻔﻔﺖ رأﺳﻲ ﺑﻌﻤﺎﻣﺔ ﻣﻨﺤﺘﻨﻲ وﻗﺎًرا وﻣﻈﮫًﺮا ﻳﻔﻮق ﻋﻤﺮي ﺑﺴﻨﻮات ،ﺟﻠﺲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺿﻊ أﻣﺎم ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ،ھﻢ ﻣﺸﺎﻳﺦ اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ وﻛﺒﺮاؤھﺎ ،ﻣﻠﺘﻔﯿﻦ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺔ ،وﻗﺪ ُو ِ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﮫﻢ ﺻﺤﻦ ﺑﻪ رﻏﯿﻒ ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺰ ،وﻓﻲ اﻟﻤﻨﺘﺼﻒ ،ﺗﻘﻠﺒﺖ ﺷﺎٌة ﻣﺬﺑﻮﺣﺔ ﻣﻌﻠﱠﻘﺔ ﻣﻦ ﺳﺎﻗﯿﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺎرﺿﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ﻓﻮق ﺟﻤﺮ ﻣﺴﺘﻌﺮ، ﺗﻄﺎﻳﺮت ﻗﻄﺮات اﻟﺪھﻦ اﻟﻤﺘﺴﺎﻗﻂ ﻣﻦ ﺟﺴﺪ اﻟﺸﺎة ﺑﻌﺪ أن ﻣﺴﺖ اﻟﺠﻤﺮ اﻟﺴﺎﺧﻦ ،ﻓﻤﻸت اﻟﺠﻮ ﺑﻌﺒﻖ اﻟﺸﻮاء اﻟﺬي داﻋﺐ أﻧﻔﻲ ﻷول ﻣﺮة ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات، ﻪ ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﺤﺎل ﻛﻲ ﻳﻜﻔﻨﺎ ﺳﺎل ﻟﻌﺎﺑﻲ وﺗﻤﻨﯿﺖ ﻟﻮ ﺑﺎدر اﻟﻄﺎھﻲ ﺑﺘﻮزﻳﻊ ﺷﺎﺗ ِ ﻋﺬاب اﻟﺠﻮع! ﻓﺮﻏﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم واﻟﺸﺮاب ،ﻓﺎﻣﺘﻸت اﻟﻌﺮوق ﺑﺎﻟﺪﻣﺎء ،واﻷوﺻﺎل ﺑﺎﻟﺪفء وﻗﺎم اﻟﺮﺟﺎل اﻟﻮاﺣﺪ ﺗﻠﻮ اﻵﺧﺮ ﻣﺴﺘﺄذﻧﯿﻦ ﻓﻲ اﻻﻧﺼﺮاف ،ﻛﺎن اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﮫﻢ ﻳﻨﺤﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻓﯿﻘﺒﻠﮫﺎ ﺛﻢ ﻳﻨﺼﺮف ﻏﯿﺮ ﻣﺴﺘﺄﻧﺲ ﻟﺤﺪﻳﺚ ،ﻓﻜﻨﺖ أﺗﻌﺠﺐ ﻣﻦ ھﺬا اﻹﻛﺒﺎر واﻻﺣﺘﺮام اﻟﺬي ﻳﻈﮫﺮه ھﺆﻻء اﻟﻘﻮم ﻟﺸﯿﺨﮫﻢ ،وأﻗﺎرﻧﻪ ﺑﺴﻠﻮك ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻣﻊ ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ(! ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻣﻦ ﺣﻠﻘﺔ اﻟﺮﺟﺎل ﺳﻮاي وَوﻟََﺪ ْ ي اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(؛ )ﻧﺎﺑﺖ( و)دوﻣﺔ( ـﻋﻠﻤﺖ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن أﺑﺎھﻤﺎ ﻗﺪ أﺳﻤﺎھﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﺳﻢ وﻟَﺪي )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﺗﯿﻤًﻨﺎ ﺑﻪ، وﻛﺎﻧﺖ )أروى( ھﻲ اﺑﻨﺔ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( اﻟﺼﻐﺮى وأﺻﻐﺮ أﺣﻔﺎد اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(. ھﻤﻤﺖ ﺑﺎﻻﻧﺼﺮاف وﻗﻤﺖ ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻲ وأردت أن أﻧﺤﻨﻲ ﻛﻲ أﻗﺒﻞ ﻳﺪه ،وﻟﻜﻨﻪ ﻣﻨﻌﻨﻲ ﺑﺄن أﻣﺴﻚ ﻛﻔﻲ وﺳﺤﺒﮫﺎ ﻛﻲ أﺟﻠﺲ إﻟﻰ ﺟﻮاره ،ﻓﮫﻢ )ﻧﺎﺑﺖ( و)دوﻣﺔ( ﻲ ﻓﺎﻧﺼﺮﻓﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻗﺒﱠﻼ ﻳﺪه. ﺑﺄن اﻟﺸﯿﺦ ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺤﺪﻳﺚ إﻟ ّ ﺑﺎدرﻧﻲ اﻟﺸﯿﺦ ﺑﻘﻮﻟﻪ: ﻣﺎ اﻟﺬي ﺗﻨﻮي ﻓﻌﻠﻪ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(؟ﻗﻠﺖ: أﺳﺘﺄذﻧﻚ ﺳﯿﺪي اﻟﺸﯿﺦ ﻓﻲ أن أﻋﻮد إﻟﻰ ﻗﻮﻣﻲ ﻓﻲ ﻗﺎدش ﺑﺮﻧﯿﻊ ،ﻣﺴﺢاﻟﺸﯿﺦ ﻟﺤﯿﺘﻪ اﻟﺒﯿﻀﺎء اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﺑﺮاﺣﺘﻪ ﻋﺪة ﻣﺮات ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ ﻋﺎدة ﺗﻼزﻣﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ،ﺛﻢ ﻗﺎل: ھﻞ ﺗﻈﻦ أن ﻗﻮﻣﻚ ﻻ ﻳﺰاﻟﻮن ﻓﻲ ﻗﺎدش ﺑﺮﻧﯿﻊ؟اﻟﺤﻖ أن ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ﻗﺪ ﻓﺎﺟﺄﺗﻨﻲ! ﻓﻘﻠﺖ وﻗﺪ ﺳﺎورﻧﻲ اﻟﻘﻠﻖ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء: ﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺎدش آﺧﺮ ﻣﻨﺎزﻟﻨﺎ ﺑﻌﺪ أن ﺣﻜﻢ اﻟﺮب ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﺑﺎﻟﺘﯿﻪ ،وﻣﺎأظﻦ ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻳﺨﺎﻟﻒ أﻣﺮ اﻟﺮب أو ﻳﺴﯿﺮ ﺑﮫﻢ ﻗﺪًﻣﺎ إﻟﻰ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ. ﺻﻤﺖ اﻟﺮﺟﻞ ﻟﺤﻈﺎت وأﻏﻤﺾ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﺑﺮھﺔ ﺛﻢ ﻗﺎل ﻣﺘﺨﯿًﺮا ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت أﻳﺴﺮھﺎ: ﻗﺪ ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﻘﺎدش ﺑﺮﻧﯿﻊ ﻣﻨﺬ ﻋﺪة أﻳﺎم وﻟﻢ ﻧﺮ أﺛًﺮا ﻟﺒﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ھﻨﺎك.ﺧﻔﻖ ﻗﻠﺒﻲ وﺟًﻼ ،واﻧﺘﺎﺑﻨﻲ ﺷﻌﻮر ﺑﺎﻟﺨﻮف ﻋﻠﻰ أﻣﻲ وأﺧﺘﻲ ،ﻓﻘﻠﺖ ﻣﻠﺘﻤ ً ﺴﺎ اﻷﻣﻞ ﻟﺪى اﻟﺸﯿﺦ: ﻟﻌﻞ ﻧﺒﻲ ﷲ ﻗﺪ ارﺗﺪ ﺑﮫﻢ إﻟﻰ ﻋﺼﯿﻮن ﺟﺎﺑﺮ؟!ﻟﻢ ﻳﺠﺐ ،ﻓﺘﺎﺑﻌﺖ ﻣﺘﺮﺟﯿًﺎ: اﺟﻌﻞ ﻟﻲ ﻓﺮ ًﺳﺎ وﺳﻮف اﻗﺘﻔﻲ أﺛﺮھﻢ إﻟﻰ ھﻨﺎك! ﺻﻤﺖ اﻟﺸﯿﺦ أﻛﺜﺮ وطﺎﻟﺖ ﻓﺘﺮة ﺻﻤﺘﻪ ،ﺛﻢ ﻗﺎل: اﺳﻤﻊ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻗﺪ أﺗﯿﻨﺎ ﻣﻦ ر ﱠﺳﺔ ﺛﻢ إﻟﻰ ﻋﺼﯿﻮن ﺟﺎﺑﺮ وﻣﻨﮫﺎ إﻟﻰ ﻗﺎدش ﺑﺮﻧﯿﻊ ،وﻣﺎ رأﻳﻨﺎ )ﻣﻮﺳﻰ( وﻗﻮﻣﻪ ﻓﻲ طﺮﻳﻖ ﻋﻮدﺗﮫﻢ. ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺗﻌﺠﺐ أﻗﺮب إﻟﻰ اﻻﺳﺘﻨﻜﺎر: أﻳﻌﻘﻞ أن ﻳﺨﺘﻔﻲ ﺷﻌﺐ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء؟ﻗﺎل ﻏﯿﺮ ﻣﻜﺘﺮث ﻣﻦ ﺗﻌﺠﺒﻲ: ظﻨﻲ أﻧﮫﻢ ﻗﺪ ﺳﻠﻜﻮا طﺮﻳًﻘﺎ ﻻ ﻧﻌﺮﻓﻪ!ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﺻﻮت ﺧﺎﻓﺖ وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺘﺮﻓﻖ ﺑﻲ: إن ﻟﻠﺒﺮﻳﺔ دروﺑًﺎ ﻳﺘﻮه ﺑﮫﺎ اﻷدﻟﺔ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﻗﻠﺖ ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: أﻳﻀﻠﻮن اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء وﻧﺒﻲ ﷲ ﺑﯿﻨﮫﻢ؟!ﻣﺴﺢ ﻟﺤﯿﺘﻪ ﻣﺮة أﺧﺮى ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﺳﻜﻮن: أﻟﯿﺲ ھﺬا ﻣﺎ أﻣﺮ ﺑﻪ اﻟﺴﯿﺪ اﻟﺮب ﻛﻤﺎ ﺗﻘﻮل؟اﻟﺘﯿﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳﺔ! اﻟﺘﯿﻪ! ﻟﻢ أﺷﻌﺮ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺷﻌﺮت ﺑﻪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ،ﺣﯿﻦ ﺗﺮﻛﺖ ﻗﺎدش ﺑﺮﻧﯿﻊ ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺨﻮف واﻟﺘﺮﻗﺐ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ ﻳﻘﯿﻦ ﺑﺄﻧﻲ ﺳﺄﻋﻮد إﻟﯿﮫﺎ ﻷﺟﺪ أﻣﻲ وأﺧﺘﻲ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎري وﻟﻮ ﺑﻌﺪ ﺣﯿﻦ ،أﻣﺎ وﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ ﺤﻠﱠﺔ إﻟﻰ ﻣﻜﺎن ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳﺔ ﻗﺪ ﻻ أﺻﻞ إﻟﯿﻪ ،ﻓﮫﺬا ھﻮ اﻟﺘﯿﻪ ﺑﺄﻧﮫﻢ ﻗﺪ ﺗﺮﻛﻮا اﻟﻤ ِ ﺑﺤﻖ ،ﻓﻠﯿﺲ اﻟﺘﯿﻪ ﻓﻘﺪان اﻷرض ﺑﻞ ﻓﻘﺪان اﻷﻣﻞ ﻓﻲ ﻟﻘﺎء اﻷھﻞ واﻷﺣﺒﺔ. رأى اﻟﺸﯿﺦ اﻟﻜﺂﺑﺔ واﻟﺤﺰن ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻲ ،ﻓﻘﺎل: اﺳﻤﻊ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻳﻌﻠﻢ ﷲ أﻧﻲ ﻗﺪ أﺣﺒﺒﺖ أﺑﺎك ورأﻳﺖ ﻓﯿﻪ ﻧﻘﺎء اﻟﻘﻠﺐوﺻﺪق اﻟﻨﯿﺔ ،وأﻧﻪ ﻛﺎن ﻋﻨﺪي ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ اﻟﻮﻟﺪ وأﻧﺖ ﻋﻨﺪي ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ اﻟﺤﻔﯿﺪ ،ﻓﺈن ﺷﺌﺖ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ أن ﺗﺮاﻓﻘﻨﺎ ﻓﻲ رﺣﻠﺘﻨﺎ ﻓﻤﺮﺣﺒًﺎ ﺑﻚ ،ﻓﻘﺪ ﻋﺰﻣﻨﺎ اﻟﺴﯿﺮ إﻟﻰ أرض إدوم ﺛﻢ إﻟﻰ وادي ﺑﻜﺔ. ﻓﻐﺮت ﻓﺎھﻲ دھﺸﺔ وأﻧﺎ أﻗﻮل: وادي ﺑﻜﺔ؟!! ﻗﺎل اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ھﺪوء: ﻧﻌﻢ ﻗﺪ ﺧﺮﺟﻨﺎ ﻟﺰﻳﺎرة ﺑﯿﺖ أﺑﯿﻨﺎ )إﺑﺮام( ﻓﻲ ﺑﻜﺔ.ﻗﻠﺖ: وﻣﺘﻰ اﻟﻌﻮدة؟ﻗﺎل ﻏﯿﺮ ﻣﺆﻛﺪ: ﻗﺪ ﻳﻨﻘﻀﻲ اﻟﻌﺎم ﻗﺒﻞ أن ﻧﻌﻮد ﻓﻠﻨﺎ ﺗﺠﺎرة ﻧﻘﺎﻳﻀﮫﺎ ﻣﻊ أھﻞ اﻟﺠﻨﻮب ﺛﻢ ﻧﻌﻮدﺑﻌﺪھﺎ إﻟﻰ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ ﻓﻲ َر ﱠ ﺳﺔ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ. طﺎﻓﺖ ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺘﻲ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﺑﺎﺋﺴﺔ ﻋﺒﱠﺮت ﻋﻤﺎ ﻳﺠﯿﺶ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻦ ﺑﺆس! ﻳﺎ ﻟﻌﺒﺚ اﻷﻗﺪار ﻣﻌﻲ! ! أَْﻓِﻘُﺪ أﺑﻲ ﺑﺎﻟﻤﻮت ﻛﻤًﺪا ،ﺛﻢ أﻓِﻘُﺪ أﻣﻲ وأﺧﺘﻲ ﻓﻲ اﻟﺘﯿﻪ ،ﻛﻞ ھﺬا ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،ﺛﻢ ﻳﻨﺘﮫﻲ ﺑﻲ اﻟﻤﻄﺎف ﻓﻲ وادي ﺑﻜﺔ! ﻗﻠﺖ ﻟﻠﺸﯿﺦ اﻟﺠﻠﯿﻞ وأﻧﺎ أﺗﻨﮫﺪ ﻓﻲ ﻋﻤﻖ: أﺷﻜﺮك ﺳﯿﺪي اﻟﺸﯿﺦ ،ﻗﺪ ﺗﺮﻛﺖ ﻗﻮﻣﻲ أﻣًﻼ ﻓﻲ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻷرضاﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،ﻓﺄﻣﺎ وﻗﺪ ﻓﻘﺪﺗﮫﻢ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء إﻟﻰ اﻷﺑﺪ ،ﻓﻼ ﺳﺒﯿﻞ ﻟﺪي إﻻ ﺗﺤﻘﯿﻖ ﺣﻠﻤﻲ وﺣﻠﻢ أﺑﻲ! ﺗﻮﻗﻌﺖ أن ﻳﻨﺼﺤﻨﻲ ﺑﻌﺪم اﻟﺬھﺎب ﺧﻮًﻓﺎ ﻋﻠ ﱠ ﻲ ﻣﻦ ﺑﻄﺶ اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﯿﻦ ،وﻟﻜﻨﻪ ﺻﻤﺖ ﻣﺮة أﺧﺮى وطﺎﻟﺖ ﻓﺘﺮة ﺻﻤﺘﻪ وھﻮ ﻣﻐﻤﺾ اﻟﻌﯿﻨﯿﻦ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻘﻮل: ﻟﻤﺎذا ﺗﺮﻳﺪ اﻟﺬھﺎب إﻟﻰ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ؟ﻗﻠﺖ: ھﻲ أرض اﻵﺑﺎء واﻷﺟﺪاد ،اﻟﺘﻲ وﻋﺪﻧﺎ ﷲ ﺑﺤﻜﻤﮫﺎ!ﻗﺎل ﻓﻲ ھﺪوء: أي آﺑﺎء وأي أﺟﺪاد ﻳﺎ ﺑﻨﻲ؟ﻣﺎ ﻛﺎن آﺑﺎؤﻧﺎ ﺣﻜﺎًﻣﺎ وﻻ ﻣﻠﻮًﻛﺎ ،ﻗﺪ ﺟﺎء أﺑﻮﻧﺎ )إﺑﺮام( إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻷرض ﻻﺟًﺌﺎ ﻣﻦ »أور« ﻓﺎرا ﺑﺪﻳﻨﻪ ﻣﻦ ظﻠﻢ ﺣﺎﻛﻤﮫﺎ وﺑﻄﺸﻪ ،ﻓﺪﻋﺎ اﻟﻨﺎس إﻟﻰ ﻋﺒﺎدة اﻟﺮب اﻟﻮاﺣﺪ اﻷﺣﺪ وﺗَْﺮك اﻟﺸﺮك واﻟﻤﻌﺎﺻﻲ. ﺻﻤﺖ ھﻨﯿﮫﺔ ﺛﻢ ﺗﺎﺑﻊ: ﺳﻼم رﺑﻲ ﻋﻠﯿﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ زﻣﺎن وﻣﻜﺎن!ﻗﺎم وﺣﺪه ﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﻘﻢ ﺑﻪ اﻷُﱠﻣُﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،ﻛﺎن ﻳﻨﺜﺮ ﺑﺬور دﻋﻮﺗﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ أرض ﺟﺮداء ﺗﻄﺆھﺎ ﻗﺪﻣﻪ ﻟﻌﻠﮫﺎ ﺗﺜﻤﺮ ﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم! ظﻞ ﻣﮫﺎﺟًﺮا ﺑﺪﻋﻮﺗﻪ ﻣﻦ ﺑﺎﺑﻞ إﻟﻰ ﻛﻨﻌﺎن ﺛﻢ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﺛﻢ إﻟﻰ ﺻﺤﺮاء ﻓﺎران ،ﻓﻤﺎ ﺗﺮك أر ً ﺿﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﺮات إﻟﻰ اﻟﻨﯿﻞ إﻻ ودﻋﺎ اﻟﻨﺎس ﻓﯿﮫﺎ إﻟﻰ ﻋﺒﺎدة اﻟﺮب. ﺗﺬﻛﺮت ﺑﻌ ً ﻀﺎ ﻣﻤﺎ ﻗﺎﻟﻪ أﺑﻲ ﻟﻲ ﻋﻦ وﻋﺪ اﻟﺮب ﻟﻨﺎ ﺑﺎﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻓﻘﻠﺖ: ﻂ ھﺬه اﻷرض«؟ أﻟﻢ ﻳﻘﻞ اﻟﺮب ﻷﺑﯿﻨﺎ )إﺑﺮام( »ﻟﻨﺴﻠﻚ أﻋ ِاﺑﺘﺴﻢ ﻓﺮأﻳﺖ أﺳﻨﺎﻧﻪ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ ﺿﻮء اﻟﻨﺎر رﻏﻢ ﻋﻤﺮه اﻟﺬي ﺟﺎوز اﻟﺴﺘﯿﻦ ،ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻧﻌﻢ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ﻛﻲ ﻳﻜﻮﻧﻮا دﻋﺎة ﻟﻠﺮب ،ﻻ ﻟﯿﺤﻜﻤﻮھﺎ!وﻟﻘﺪ ﺻﺪق ﷲ وﻋﺪه ﻓﺎﻧﺘﺸﺮ ﻧﺴﻞ أﺑﯿﻨﺎ )إﺑﺮام( ﻣﻦ اﻟﻔﺮات إﻟﻰ اﻟﻨﯿﻞ! اﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﺑﻨﻲ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( وﻗﺪ ﻧﻤﻮا وﻛﺜﺮوا وﺗﺸﻌﺒﺖ ﺑﻄﻮﻧﮫﻢ ﻓﻲ ﺻﺤﺮاء ﻓﺎران وﺗﮫﺎﻣﺔ ،ﻳﺪﻋﻮن اﻟﻨﺎس إﻟﻰ ﻋﺒﺎدة ﷲ اﻟﻮاﺣﺪ اﻷﺣﺪ ،اﻧﻈﺮ إﻟﻰ أﺑﻨﺎء ﻋﯿﺴﻮ ﺑﻦ إﺳﺤﻖ ﻓﻲ ﻣﻮآب وإدوم ﻳﺪﻋﻮن اﻟﻨﺎس ﺑﺪﻋﻮة أﺑﯿﮫﻢ )إﺑﺮام( ﺣﺘﻰ وﺻﻠﻮا ﺑﮫﺎ إﻟﻰ ﺿﻔﺎف اﻟﻔﺮات! اﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﻳﻌﻘﻮب وﻗﺪ ﺻﺎر ﻋﺰﻳًﺰا ﻟﻤﺼﺮ ﻳﺪﻋﻮ اﻟﻨﺎس إﻟﻰ ﻋﺒﺎدة ﷲ وﻳﺼﻞ ﺑﮫﺎ إﻟﻰ ﺿﻔﺎف اﻟﻨﯿﻞ! أﻟﯿﺲ ھﺬا ﻛﻠﻪ ﺗﺤﻘﯿًﻘﺎ ﻟﻠﻮﻋﺪ؟ ﺗﻌﺠﺒﺖ ﻣﻦ ﺳﻌﺔ ﻋﻠﻤﻪ ،وﺳﻼﻣﺔ ﻣﻨﻄﻘﻪ ،ﻓﺘﺎﺑﻊ وﻗﺪ ﺑﺎن ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ اﻷﺳﻒ: ﻟﻮﻻ ﻗﻮﻣﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ﻟﺘﺤﻘﻖ وﻋﺪ اﻟﺮب ﻛﺎﻣًﻼ ﻷﺑﯿﻨﺎ )إﺑﺮام(!أرادوا اﻟﻠﺒﻦ واﻟﻌﺴﻞ وﻏﺮﺗﮫﻢ أطﻤﺎع اﻟﺪﻧﯿﺎ واﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻠﻚ وﻧﺴﻮا اﻟﻌﮫﺪ! ووﷲ ﻟﻮ وﺟﺪ اﻟﺮب ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﮫﻢ ﺧﯿًﺮا ﻟﻔﺘﺤﮫﺎ ﻟﮫﻢ ﻛﻲ ﻳﺴﻜﻨﻮھﺎ ،وﻟﻜﻦ ﺣ ّ ﻖ ﻋﻠﯿﮫﻢ اﻟﺘﯿﻪ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﻄﮫﺮ ﻗﻠﻮﺑﮫﻢ! ﺷﻌﺮت ﺑﺄﻟﻢ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ﺑﺪا أﺛﺮه ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻲ ،ﻓﺮﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ ﻓﻲ ﻋﻄﻒ ﻛﻲ ﻳﺰﻳﻞ ذﻟﻚ اﻷﺛﺮ وﻗﺎل: ﻣﺎ ﻛﺎن لـ)ﻣﻮﺳﻰ( أن ﻳﻨﻘﺾ ﺷﺮﻳﻌﺔ أﺑﯿﻪ )إﺑﺮام( ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!وﻣﺎ أظﻦ أن دﻋﻮة )ﻣﻮﺳﻰ( دﻋﻮة إﻟﻰ ُﻣﻠﻚ أو ُ ﺣﻜﻢ وإﻧﻤﺎ دﻋﻮة ﻹﻗﺎﻣﺔ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺤﻨﯿﻒ! ﺗﻌﺠﺒﺖ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺘﻪ ﻓﺮددﺗﮫﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى: اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺤﻨﯿﻒ؟ﻗﺎل: ﻧﻌﻢ ،ﺛﻢ ﻟﻤﻌﺖ ﻋﯿﻨﺎه ﻓﻲ ﻋﺘﻤﺔ اﻟﻠﯿﻞ وھﻮ ﻳﻘﻮل ﻓﻲ وﺟﺪ: أن ﻧﻌﺒﺪ ﷲ اﻟﻮاﺣﺪ اﻟﺨﺎﻟﻖ اﻟﺴﺮﻣﺪي اﻟﺬي ﻻ ﺗﻨﺎﻟﻪ اﻟﺤﻮاس وﻻ ﻳﻔﻀﻲ إﻟﯿﻪﻣﺨﻠﻮق ،اﻟﺤﻲ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء واﻟﻘﯿﻮم ﻋﻠﯿﻪ ،اﻟﺬي ﻳﻤﻸ ﻧﻮره اﻟﺴﻤﺎوات واﻷرض وﺟﻤﯿﻊ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت ،وأن ﻧﺴﺒﺢ ﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﻠﯿﻞ واﻟﻨﮫﺎر وأن ﻧﺪﻋﻮ اﻟﻨﺎس إﻟﻰ ﻋﺒﺎدﺗﻪ. ﺷﻌﺮت ﺑﺮﻋﺪة ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ،وﻗﻠﺖ ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: أھﺬه ﺷﺮﻳﻌﺘﻜﻢ؟ ﺑﻞ ﺷﺮﻳﻌﺔ أﺑﯿﻨﺎ )إﺑﺮاھﯿﻢ( وھﺬا ﻣﺎ أﺗﻰ ﺑﻪ أﻳ ًﻀﺎ أﺑﻮﻧﺎ آدم وﺷﯿﺚ وإدرﻳﺲ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻪ! ﻗﻠﺖ وﻣﺎ زﻟﺖ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﺒﻲ وإﻋﺠﺎﺑﻲ ﺑﻤﺎ ﻳﻘﻮل: وأﻳﻦ اﻟﺘﻜﻠﯿﻔﺎت واﻟﺘﺒﻌﺎت ،وأﻳﻦ اﻟﺰواﺟﺮ واﻟﻨﻮاھﻲ؟ﻗﺎل ﻓﻲ ﻳﺴﺮ: ُﻛ ِﻠ ّﻔﻨﺎ ﺑﺄن ﻧﻔﻌﻞ اﻟﺨﯿﺮ أﻳﻨﻤﺎ ﻛﺎن وﻛﯿﻔﻤﺎ ﻛﺎن ،وأن ﻧﺘﺮك اﻟﺸﺮ أﻳﻨﻤﺎ ﻛﺎن وﻛﯿﻔﻤﺎﻛﺎن. ﺻ ﱠ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ﻛﻤﺎء ﺑﺎرد ُ ﺐ ﻋﻠﻰ رأﺳﻲ ﻓﻲ ﻟﯿﻠﺔ ﺑﺎردة ،ﻓﺄﻓﻘﺖ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﯿﻘﺔ أذھﻠﺘﻨﻲ ،وھﻲ أﻧﻨﻲ ﻗﺪ ﻟﺒﺜﺖ ﻋﻤﺮي ﻛﻠﻪ ﺑﯿﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ وﺑﯿﻦ أظﮫﺮﻧﺎ ﻧﺒﻲ ﻣﺮﺳﻞ وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﺘﺴﻦ ﻟﻲ ﻓﮫﻢ ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻋﺒﺎدﺗﻨﺎ ،ﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻓﻲ ﻧﻈﺮي ﺳﻮى ﺗﻜﻠﯿﻔﺎت ﻻ ﺗﻄﺎق وزواﺟﺮ ﻻ ﺗﻨﺘﮫﻲ ،ﻟﻢ أر ﻣﻦ ﺻﻔﺎت ﷲ اﻟﺘﻲ ﻋﺪدھﺎ ھﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﺳﻮى ﺻﻔﺔ اﻟﻘﻮة واﻟﺠﺒﺮوت ،ﺣﺘﻰ أﺳﻤﺎء ﷲ اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺎ ﻧﺪﻋﻮه ﺑﮫﺎ ﻓﻲ ﺻﻼﺗﻨﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﮫﺎ أﺳﻤﺎء ﺗﻮﺣﻲ ﺑﻘﺪرﺗﻪ وﻗﻮﺗﻪ ﻓﮫﻮ »ﻳَﮫﻮه« اﻟﻌﻠﻲ ،وھﻮ »إﻳﻞ« اﻟﻘﺎدر ،وھﻮ إﻟﻮھﯿﻢ »اﻟﻤﺘﺠﺒﺮ« ،وﻣﺎ ﻋﻠﻤﺖ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺻﻔﺎت أﺧﺮى! ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ داﺋ ً ﻤﺎ ﺑﺄﻧﻨﻲ أﺧﺸﻰ ﻣﻦ اﻟﺮب إﻟﮫﻨﺎ إﻟﻪ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻟﻢ أﺣﺒﻪ! ﻓﻤﺎ ﺑﺎل ھﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﻳﺘﺤﺪث ﺑﮫﺬا اﻟﻮﺟﺪ واﻟﺤﺐ ﻋﻦ إﻟﮫﻪ ،وھﻮ اﻟﻘﺎدر ﻋﻠﻰ ﺳﺤﻘﻪ وﻋﺬاﺑﻪ. ﻗﻠﺖ ﻟﻪ وﻗﺪ ارﺗﻌﺶ ﺻﻮﺗﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء: أﻣﺎ ﺗﺨﺸﻰ ﻣﻦ إﻟﮫﻚ؟اﺑﺘﺴﻢ ﻓﺮأﻳﺖ أﺳﻨﺎﻧﻪ ﺛﺎﻧﯿﺔ ،ﺛﻢ ﻗﺎل: أﺧﺸﺎه ،ﺧﺸﯿﺔ اﻟﻌﺒﺪ أن ﻳﻌﺼﻲ ﺳﯿﺪه ،وأﺧﺸﺎه ﺧﺸﯿﺔ اﻟﻤﺤﺐ أن ﻳﻐﻀﺐﺣﺒﯿﺒﻪ. ﻟﻢ أطﻖ ﺻﺒًﺮا ،ﻓﻘﻠﺖ: إن ﻛﺎن ھﺬا ھﻮ إﻟﻪ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أﻳ ًﻀﺎ ،ﻓﻠﻤﺎذا ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﺑﺠﺒﺮوﺗﻪ وﻻ ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﺑﺮﺣﻤﺘﻪ؟ ﺻﻤﺖ ﺑﺮھﺔ ﺛﻢ ﻗﺎل: ھﻮ ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻛﯿﻔﻤﺎ ﻧﺮاه!ﻗﺪ ﻋﻤﯿﺖ أﻋﯿﻨﻜﻢ ﻋﻦ رؤﻳﺔ رﺣﻤﺘﻪ ﺣﯿﻦ أﻧﺠﺎﻛﻢ ﻣﻦ ﻓﺮﻋﻮن ،وﺣﯿﻦ أﻧﺠﺎﻛﻢ ﻣﻦ اﻟﮫﻼك ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳﺔ ،وﺗﻜﺒﺮﺗﻢ ﻋﻠﻰ أواﻣﺮه ﻓﺤﻖ ﻋﻠﯿﻜﻢ أن ﺗﺮوا ﻛﺒﺮﻳﺎءه وﺟﺒﺮوﺗﻪ ﻛﻲ ﺗﺬﻛﺮوا ﻧﻌﻤﺘﻪ ﻋﻠﯿﻜﻢ. اﻧﻘﻄﻌﺖ اﻷﺳﺌﻠﺔ ﻓﻲ رأﺳﻲ وﺷﻌﺮت ﺑﺄﻧﻲ أرﻳﺪ أن أﺳﺘﻌﯿﺪ ﻛﻞ ﻛﻠﻤﺔ ﻗﺎﻟﮫﺎ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( وﺣﺪي ،وأﺣﺲ ھﻮ ﺑﺬﻟﻚ ﻓﻘﺎل: ﺣﺴﻨﺎ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻗﻢ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ﻛﻲ ﺗﻨﺎم ،ﺳﻨﻤﻜﺚ ھﻨﺎ ﺑﻀﻌﺔ أﻳﺎم ﻟﻠﺘﺰودﺑﺎﻟﻤﺎء واﻟﺮاﺣﺔ ،وﺳﻨﺮﺣﻞ ﺑﻌﺪھﺎ إﻟﻰ ﻣﻮآب ،ﻓﺈن ﺷﺌﺖ راﻓﻘﺘﻨﺎ ،وإن ﺷﺌﺖ أھﺪﻳﻨﺎك ﻓﺮ ً ﺳﺎ وزاًدا ﻛﻲ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻗﻮﻣﻚ ،وﻟﺘﺘﺨﯿﺮ وﺟﮫﺘﻚ اﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﮫﺎ ﷲ ﻋﻠﯿﻚ! ﻗﻤﺖ ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻲ ﻓﻘﺒﻠﺖ ﻳﺪه ﻗﺒﻠﺔ إﺟﻼل واﺣﺘﺮام ،ﺛﻢ اﻧﺼﺮﻓﺖ إﻟﻰ ﺧﯿﻤﺘﻲ، وﻣﺎ إن ﺟﻠﺴﺖ وﺣﺪي ﺣﺘﻰ أﺧﺮﺟﺖ اﻟﺪواة واﻟﻘﻠﻢ وﺳﻄﺮت ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺔ ﻓﺎرﻏﺔ ﺛﻼث ﻛﻠﻤﺎت: »ﷲ …. اﻟﺤﻲ … اﻟﻘﯿﻮم« ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ واﻟﻌﺸﺮون أﻳﻘﻈﻨﻲ ﻧﻮر اﻟﺼﺒﺎح ﺑﻌﺪﻣﺎ ارﺗﻔﻌﺖ اﻟﺸﻤﺲ إﻟﻰ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺴﻤﺎء ،ﻟﻢ ﻳﺴﺒﻖ ﻟﻲ أن ﻧﻤﺖ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم ﻣﻨﺬ ﺗﺮﻛﺖ ﻗﺎدش ﺑﺮﻧﯿﻊ ،وﻟﻌﻞ اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ذﻟﻚ ھﻮ أﻧﻲ ﻣﻜﺜﺖ إﻟﻰ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﺘﺄﺧﺮة ﻓﻲ اﻟﻠﯿﻞ أﺳﺘﺮﺟﻊ ﺣﺪﻳﺜﻲ ﻣﻊ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻛﻠﻤًﺔ ﻛﻠﻤًﺔ ﺣﺘﻰ اﻣﺘﻸت رأﺳﻲ ﺑﺄﺳﺌﻠﺔ ﻻ ﺣﺼﺮ ﻟﮫﺎ ،ﻟﻢ أﺟﺪ ﻟﮫﺎ ﺟﻮاﺑًﺎ ﺳﻮى اﻟﻨﻮم! ﻜّﺮ ﺻﻔﻮه وﺳﺎﻋﺪﻧﻲ اﻣﺘﻼء ﺑﻄﻨﻲ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻟﻌﺸﺎء اﻟﺪﺳﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﻮم ﻻ ُﺗﻌ ِ ﻗﺮﺻﺎت اﻟﺠﻮع أو زﻧﱠﺔ اﻷﻓﻜﺎر. ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ اﻟﺨﯿﻤﺔ ﻓﻠﻢ أﺟﺪ ﺳﻮى ﺑﻀﻌﺔ ﺣﺮاس ﻣﻦ رﺟﺎل اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ وﻛﻠﺒﯿﻦ ﻳﻤﺮﺣﺎن ﻓﻲ ﻛﺜﯿﺐ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﻞ ﻓﻲ ﺳﻌﺎدة ،وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻋﻠﻤﺎ أن اﻟﻮﻗﺖ وﻗﺖ ﻟﮫﻮ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺒﺪأ اﻟﺸﻘﺎء ،طﺎرت ﻓﺮاﺷﺔ ﻣﻠﻮﻧﺔ اﻷﺟﻨﺤﺔ أﻣﺎم وﺟﮫﻲ ﻓﺄﻓﺰﻋﺘﻨﻲ ،ﺛﻢ ﺣﻄﺖ ﻋﻠﻰ اﻷرض أﻣﺎﻣﻲ ﻓﻲ ﺳﻜﻮن وطﻤﺄﻧﯿﻨﺔ ،ﺟﺜﻮت ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﻲ أﺗﻄﻠﻊ إﻟﻰ أﻟﻮاﻧﮫﺎ اﻟﻤﺒﮫﺮة وﺗﻌﺠﺒﺖ ﻛﯿﻒ ﺟﺎءت ھﺬه اﻟﻔﺮاﺷﺔ إﻟﻰ اﻟﺼﺤﺮاء ،ﺣﺮَﻛ ْ ﺖ ﺟﻨﺎﺣﯿﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﮫﻮاء وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﺴﺘﻌﺪ ﻟﻼﻧﻄﻼق ﺛﻢ طﺎرت ﻣﺘﺄرﺟﺤﺔ ﻓﻲ اﻟﮫﻮاء واﺧﺘﻔﺖ ﺑﯿﻦ اﻟﺨﯿﺎم. ﺗﺠﻮﻟﺖ ﻓﻲ اﻟﻨﺰل اﻟﺴﺎﻛﻦ إﻻ ﻣﻦ أﺻﻮات اﻟﺒﻌﯿﺮ وﻧﺒﺎح اﻟﻜﻠﺒﯿﻦ ،وﻗﺪ ﺷﺮد ﺧﯿﺎﻟﻲ ﻓﻲ ذﻛﺮﻳﺎت ﻧﺰﻟﻨﺎ اﻟﻤﻔﻘﻮد! ﺟﻠﺒﺖ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت إﻟﻰ ﻗﻠﺒﻲ وﺟًﺪا وﺣﻨﯿًﻨﺎ إﻟﻰ أﻣﻲ ،ووﺧﺰﺗﻨﻲ ﺑﺸﻮﻛﺔ اﻟﻨﺪم ﻓﻲ ﺻﺪري ،ﻓﺘﻨﮫﺪت ﺗﻨﮫﯿﺪًة زﻓﺮت ﻣﻌﮫﺎ ھﻤﻮﻣﻲ اﻟﺠﺎﺛﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﺪري ،ﻟﻔﺘﺖ ﻲ ،ﺗﻮﺟﮫﺖ ﻧﺤﻮه ﺛﻢ ﺳﺄﻟﺘﻪ: زﻓﺮﺗﻲ اﻧﺘﺒﺎھﺔ أﺣﺪ اﻟﺤﺮاس ﻓﻨﻈﺮ إﻟ ّ أﻳﻦ ذھﺐ اﻟﺠﻤﯿﻊ؟أﺷﺎر إﻟﻰ ﻛﺜﯿﺐ اﻟﺮﻣﻞ وﻗﺎل: ذھﺒﻮا ﺧﻠﻒ اﻟﺘﻞ!ﻓﻘﺪ ﻋﺜﺮ اﻷدﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﺌٍﺮ ،ﻏﺎر ﻣﺎؤھﺎ ،ﻓﺨﺮج اﻟﺮﺟﺎل ﻹﻋﺎدة ﺣﻔﺮھﺎ وﺑﻨﺎﺋﮫﺎ. ﺗﻌﺠﺒﺖ ﻣﻤﺎ ﻗﺎل! ﻓﻤﺎ اﻟﺬي ﻳﺪﻓﻊ ﻗﻮم رﺣﺎﻟﺔ إﻟﻰ ﺣﻔﺮ ﺑﺌﺮ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﻟﻦ ﺗﻄﻮل أﻗﺎﻣﺘﮫﻢ ﺑﻪ ﺳﻮى ﺑﻀﻌﺔ أﻳﺎم ،ﺗﺮددت ﻣﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ اﻟﺨﯿﻤﺔ أو اﻟﺴﯿﺮ إﻟﻰ ﻣﺎ وراء اﻟﺘﻞ ﻷﻟﺤﻖ ﺑﺎﻟﺮﺟﺎل ،ﻛﺪت أﺣﺴﻢ أﻣﺮي وأﺳﯿﺮ إﻟﻰ ﺟﮫﺔ اﻟﺘﻞ ﻟﻮﻻ أن ﺳﻤﻌﺖ ﺻﻮﺗًﺎ أﻧﺜﻮﻳﺎ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ داﺧﻞ إﺣﺪى اﻟﺨﯿﺎم ﻳﺼﯿﺢ ﻋﻠﻰ طﻔﻠﺔ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﮫﺮوﻟﺔ ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺨﯿﻤﺔ وﻳﻘﻮل: ُ -ﻋﻮدي ﻳﺎ )ﺗِﯿﻤﺎء(! ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻄﻔﻠﺔ ﺣﺪﻳﺜﺔ ﻋﮫﺪ ﺑﺎﻟﺠﺮي ،ﺗﺒﺪو وھﻲ ﺗﮫﺮول ﻧﺤﻮي ﻓﻲ ﺳﻌﺎدة ﻛُﻜﺮٍة ﺗﺘﺪﺣﺮج ﻋﻠﻰ اﻷرض ،ﻛﺎدت أن ﺗﺼﻄﺪم ﺑﻲ ﻓﺎﻟﺘﻘﻔﺘﮫﺎ ﺑﯿﺪي ﻗﺒﻞ أن ﺗﺘﻌﺜﺮ وﺣﻤﻠﺘﮫﺎ إﻟﻰ ﺻﺪري ،ﺧﺮﺟﺖ ﺻﺎﺣﺒﺔ اﻟﺼﻮت ﻓﻮﺟﺪﺗﮫﺎ ھﻲ )أروى(! ﻟﻢ ﺗﺘﻮﻗﻊ أن ﺗﺮى ﺿﯿﻒ اﻟﻨﺰل ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻓﺎرﺗَﺒ َ ﻜ ْ ﺖ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ رداء ﻧﻮﻣﮫﺎ ﻣﻜﺸﻮﻓﺔ اﻟﺠﯿﺪ واﻟﺮأس ،ﻳﻨﺴﺪل ﺷﻌﺮھﺎ اﻟﻔﺎﺣﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﯿﮫﺎ وﺗﺘﺮاص ﺧﺼﻼت ﺷﻌﺮھﺎ ﻓﻮق ﺟﺒﮫﺘﮫﺎ ﻓﻲ ﻧﻌﻮﻣﺔ وﻛﺄﻧﮫﺎ ُﻏﱠﺮة ﻣﮫﺮٍة ﺑﺪﻳﻌﺔ ،ﺧﺸﻊ ﺑﺼُﺮھﺎ ﺧﺠًﻼ ﺣﯿﻨﻤﺎ اﺻﻄﺪم ﺑﻨﻈﺮاﺗﻲ وﺗﺨ ﱠ ﻀﺒﺖ وﺟﻨﺘﺎھﺎ ﺑﺤﻤﺮٍة زادﺗﮫﺎ ﻣﻼﺣﺔ. ﻣﱠﺪت ﻳﺪھﺎ ﻛﻲ ﺗﻠﺘﻘﻂ اﻟﻄﻔﻠﺔ ﻓﻨﺎوﻟُﺘﮫﺎ إﻳﱠﺎھﺎ ،ﺗﻼﻣﺴﺖ اﻷﻧﺎﻣﻞ ﻓﻘﺪﺣﺖ ﺷﺮارة ﺖ ﺑﻜﻠﻤﺔ »ﺷﻜًﺮا« ﻓﺄ ﱠ ﺷﻌْﺮ ُ ﺴ ْ ت ﺣﺮارﺗﮫﺎ ﻓﻲ ﻳﺪي ،وھﻤ َ ﺐ َ ﺟﺞ ﺻﻮُﺗﮫﺎ ذﻳ ّﺎك ﻟﮫ ٍ اﻟﻠﮫﯿﺐ. دﺧﻠَﺖ ﺧﯿﻤَﺘﮫﺎ ،ﻓﻮﻗﻔ ُ ﺴﺎ ﺑﺎﺋ ً ﺖ وﺣﺪي ﻳﺎﺑ ً ﺴﺎ ﻟﻠﺤﻈﺎت! ﻟﻤﺎذا ﻟﻢ أﺗﻜﻠﻢ؟! ﻟﻤﺎذا ﻟﻢ أﺳﺄﻟﮫﺎ »ﻛﯿﻒ ﺣﺎُﻟﻚ«؟ ﺖ )أروى(«؟ أو »ھﻞ أﻧ ِ ﻛﯿﻒ أذھﻠﻨﻲ ﺣﻀﻮُرھﺎ ﺣﺘﻰ ﻋﻦ اﻟﺮد ﻋﻠﻰ ﺷﻜﺮھﺎ ﺑﻜﻠﻤﺔ »ﻋﻔًﻮا«؟! ت ﻓﻲ اﺗﺠﺎه اﻟﺘﻞ ،در ُ ﺳﺮ ُ ت ﺣﻮل ﻛﺜﯿﺐ اﻟﺮﻣﺎل اﻧﺘﺰﻋﺖ أﻗﺪاﻣﻲ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻌﮫﺎ و ِ ﻓﺮأﻳﺖ ظﻼل اﻟﺮﺟﺎل ﺗﻤﺘﺪ ﻋﻠﻰ رﻣﺎل اﻟﺼﺤﺮاء وھﻢ ُﻣﻠﺘﻔﯿﻦ ﺣﻮل اﻟﺒﺌﺮ وﺗﺘﻌﺎﻟﻰ ﺻﯿﺤﺎﺗﮫﻢ ﻓﻲ ھﻤﺔ ،ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻨﮫﻢ ﺟﻠﺲ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻋﻠﻰ ﺻﺨﺮة ﻣﺴﻄﺤﺔ وﺗﺤﺖ ﻗﺪﻣﯿﻪ ﺟﻠﺲ وﻟﺪه اﻷﻛﺒﺮ )ﻧﺎﺑﺖ(. ﻟﻢ ﺗﻤﺾ ﻟﺤﻈﺎت ﺣﺘﻰ ھﻠﱠ َ ﻞ اﻟﺮﺟﺎل وﻛﺒﱠﺮوا ﺣﯿﻨﻤﺎ اﻧﺪﻓﻊ اﻟﻤﺎء ﻣﻦ اﻟﺒﺮ ،وأﺧﺬ ﺑﻌﻀﮫﻢ ﻓﻲ دﻋﻢ ﺟﺪران اﻟﺒﺌﺮ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎرة ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻐﻮر اﻟﻤﺎء ﻓﻲ اﻟﺮﻣﺎل. اﺑﺘﺴﻢ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻟﻤﺮآي وﻗﺎل: ظﮫﺮ اﻟﻤﺎء ﺑﻤﻘﺪﻣﻚ.ﻗﺒﱠﻠﺖ ﻳﺪه وﺟﻠﺴﺖ ﻋﻠﻰ اﻷرض إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ،ﻣﻸ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﺮار واﻟِﻘَﺮب ،وﻛﺸﻒ ﺑﻌﻀﮫﻢ ﻋﻦ ﺻﺪورھﻢ وأﺧﺬوا ﻳﺼﺒﻮن اﻟﻤﺎء ﻓﻮق س ﺑﻌﻀﮫﻢ اﻟﺒﻌﺾ ،ﺳﺄﻟﺘﻪ: رءو ِ ﻟ َﻢ اﻟﺒﺌﺮ إذا ﻛﻨﺘﻢ راﺣﻠﯿﻦ؟! ﻗﺎل ﺑﺎﺳ ً ﻤﺎ: ﻟﻠﻤﺎء واﻟﻄﮫﺎرة ﺷﺄن ﻋﻈﯿﻢ ﻓﻲ دﻳﻨﻨﺎ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ،ﺟﻌﻞ ﷲ ﺑﻪ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺣﻲ،ﻧَﺘﻄﮫﺮ ﺑﻪ ﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻮﻟﺪﻧﺎ وﻓﻲ ﻳﻮم اﺧﺘﺘﺎﻧﻨﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻧﺘﻄﮫﺮ ﺑﻪ ﻋﻨﺪ ﻛﻞ ﺻﻼة. ﺛﻢ ﺗﺮﻛﻨﻲ وﻗﺎم ﻓﺎﻏﺘﺴﻞ ھﻮ اﻵﺧﺮ ،ﺛﻢ وﻗﻔﻮا ﺟﻤﯿًﻌﺎ ﻟﻠﺼﻼة. واﻟﺤﻘﯿﻘﺔ أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﺷﻌﺮ ﺑﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ أن أﺷﺎرﻛﮫﻢ ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻠﻮن وﻟﻢ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻨﻲ اﻟﺸﯿﺦ ذﻟﻚ ،ﻓﺎﻛﺘﻔﯿﺖ ﺑﺎﻟﺠﻠﻮس ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺨﺮة ،أْرَﻗﺒﮫﻢ وھﻢ ﻳﺘﻠﻮن اﻟﺘﺴﺎﺑﯿﺢ واﻟﺼﻠﻮات ،وﻛﺎن أﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻳﺒﺘﮫﻠﻮن وﻳﺴﺘﻔﺘﺤﻮن ﺑﻪ ﺻﻼﺗﮫﻢ ھﻮ اﺳﻢ ﷲ »اﻟﺤﻲ« ،ﻋﺠﯿ ٌ ﺐ ھﺬا اﻻﺳﻢ اﻟﺬي ﻳﻨﺎدون ﺑﻪ اﻟﺮب! واﻟﺬي ﻟﻢ أﺳﻤﻌﻪ ﻓﻲ ﺷﺮﻳﻌﺘﻨﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ! ﻟﻤﺎذا ﻳﺼﻔﻮﻧﻪ ﺑﻤﺎ ھﻮ ﻣﻌﻠﻮم ﻋﻨﻪ وﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻹﺛﺒﺎﺗﻪ؟ ﺠﺮار واﻟِﻘَﺮب وﺷﺎرﻛﺘﮫﻢ ﺣﻤﻠﮫﺎ ﺛﻢ ﻋﺪﻧﺎ إﻟﻰ ﻓﺮﻏﻮا ﻣﻦ اﻟﺼﻼة ،ﻓﺤﻤﻞ اﻟﺮﺟﺎل اﻟ ِ اﻟﻨﺰل ،اﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻨﺎ اﻟﻨﺴﺎء واﻟﺠﻮاري ﻟﺘﻨﺎول اﻟﺠﺮار وو ْ ﺿِﻌﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﺨﯿﺎم ،ﻓﺮأﻳﺘﮫﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى ،ﻟﻜﻨﮫﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻔﺎﺟﺄة ﻟﻲ ﻛﺴﺎﺑﻘﺘﮫﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﯿﻨﻲ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻨﮫﺎ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺴﺎء ،وﺣﯿﻦ اﻟﺘﻘﻰ ﻧﺎظﺮاﻧﺎ ،أﺣﺴﺴﺖ أﻧﮫﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻨﻲ أﻧﺎ أﻳ ً ﻀﺎ! ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﺮة أﻣﻌﻨﺖ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﯿﮫﺎ أﻛﺜﺮ! ﺣﻤﻠَ ْ َ ﺖ ﻋﻦ أﺑﯿﮫﺎ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﻗِﺮﺑﺔ اﻟﻤﺎء ،ﺛﻢ اﺳﺘﺪارت ﺑﮫﺎ إﻟﻰ ﺧﯿﻤﺘﮫﺎ، ﻲ ﻣﱠﺪت ﻳﺪھﺎ ﻛﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻋﺎدت ﻣﺮة أﺧﺮى واﺗﺠﮫﺖ ﻧﺤﻮي ،ودون أن ﺗﻨﻈﺮ إﻟ ّ ﻋﻨﻲ اﻟﻘﺮﺑﺔ ،ﻧﺎوﻟﺘﮫﺎ إﻳﺎھﺎ ﻓﻌﺎدت ﺑﮫﺎ إﻟﻰ اﻟﺨﯿﻤﺔ وﻗﻠﺒﻲ ﻳﺨﻔﻖ اﺿﻄﺮاﺑًﺎ ،ﻻ ﺷﻚ أن اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺘﻲ رأﻳﺘﮫﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ھﻲ اﻟﻄﻔﻠﺔ )أروى( اﻟﺘﻲ ح ﻣﻨﮫﺎ رﺣﯿ ٌ ﻤﮫﺎ ،وأزھَﺮ ﻣْﺒﺴ ُ ﻋﺮﻓﺘﮫﺎ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات ،ﻟﻘﺪ ﺗﻔﺘﺤﺖ ﺑﺮاﻋ ُ ﻤﮫﺎ ،وﻓﺎ َ ﻖ ﺑﻜٌﺮ ،ﻛﻨﺖ أﺗﻨﱠﻔﺴﻪ ﻛﻠﻤﺎ اﻗﺘﺮﺑَ ْ ﺖ ﻣﻨﻲ ﻓﯿﺸﺘﻌ ُ ﻞ ﻗﻠﺒﻲ اﺿﻄﺮاﺑًﺎ. وﺣﯿﻦ رأﻳﺖ اﻟﻄﻔﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﮫﺮول ﺧﻠﻔﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ﺗﻠﻘﻢ ﺛﺪي إﺣﺪى اﻟﻨﺴﺎء ،ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺮاﺣﺔ وﻛﺄﻧﻤﺎ أﺳﻌﺪﺗﻨﻲ ﻓﻜﺮة أﻧﮫﺎ ﻟﯿﺴﺖ اﺑﻨﺘﮫﺎ ،اﺳﺘﻘﱠﺮ اﻟﺮﺟﺎل داﺧﻞ اﻟﺨﯿﺎم ﻓﺨﻠﺖ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻨﺰل إﻻ ﻣﻦ اﻟﺤﱠﺮاس ﻣﺮة أﺧﺮى ،ﻋﻠﻤﺖ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ أﻧﮫﺎ ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻘﯿﻠﻮﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺄوون ﻓﯿﮫﺎ إﻟﻰ ﻓﺮاﺷﮫﻢ وھﻲ ﻋﺎدة ﻗﺪ أﻟﻔﻮھﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺴﺎﻋﺪھﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﮫﺮ ﻣﺴﺎء ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺎت اﻟﺴﻤﺮ ،دﺧﻠﺖ ﺧﯿﻤﺘﻲ ﻓﻮﺟﺪت ﺻﺤًﻨﺎ ﺑﻪ رﻏﯿﻒ ﺧﺒﺰ وﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﻦ ،ھﻜﺬا ﻛﺎن ﻏﺪاؤھﻢ، ﻤﺎ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻟﺤ ً أﻣﺎ اﻟَﻌﺸﺎء ﻓﻜﺎن داﺋ ً ﻤﺎ أو ﺛﺮﻳًﺪا ،ﻗﻀﯿﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻓﻲ ﺗﺪوﻳﻦ ﻣﺎ ﻣﺮ ﺑﻲ ﺧﻼل اﻷﻳﺎم اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ،وﻗﻠﺒﻲ ﻣﻌﻠﻖ ﺑﯿﻦ أﻣﺮﻳﻦ ھﻞ أﻏﺎدر ھﺆﻻء اﻟﻘﻮم ﻋﻨﺪ رﺣﯿﻠﮫﻢ وأﺑﺪأ رﺣﻠﺘﻲ وﺣﺪي ﺣﺘﻰ أﺟﺪ ﻗﻮﻣﻲ ،أم أظﻞ ﻣﻌﮫﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻀﻲ اﻟﺮب أﻣًﺮا ﻛﺎن ﻣﻔﻌﻮًﻻ. ﻋﻨﺪ اﻟﺰوال ،اﺳﺘﯿﻘﻆ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻗﯿﻠﻮﻟﺘﮫﻢ وﺧﺮوﺟﻮا ﻣﻦ ﺧﯿﺎﻣﮫﻢ ،ﻳﺘﻘﻄﺮ اﻟﻤﺎء ﻣﻦ ﻣﺮاﻓﻘﮫﻢ وﺟﺒﺎھﮫﻢ! وﻗﻔﻮا ﻓﺮادى ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻓﺎت ﻣﺘﺒﺎﻋﺪة ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﯿﻦ اﻟﺸﻤﺎل ،ﻳﺘﻠﻮن ﺑﻌﺾ اﻟﺘﺴﺎﺑﯿﺢ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻓﻌﻠﻮا ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ،ﻻ ﻳﺘﻘﺪﻣﮫﻢ ﻛﺎھﻦ وﻻ ﻳﺸﻌﻠﻮن ﺑﺨﻮًرا وﻻ زﻳًﺘﺎ ،ﻓﻘﻂ ﻳﻘﻔﻮن ﻓﻲ ﺧﺸﻮع ﻣﻄﺄطﺌﻲ اﻟﺮءوس ﺣﻔﺎة اﻷﻗﺪام ﻳﺮﻓﻊ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﮫﻢ ﻛﱠﻔﯿﻪ أﻣﺎم وﺟﮫﻪ وﻳﻤ ّ ﺠِﺪ ﺧﺎﻟﻘﻪ ﻓﻲ ﺧﻔﻮت. اﺳﺘﻮﻗﻔﺘﻨﻲ اﻟﻤﻔﺎرﻗﺔ ﺑﯿﻦ ﺻﻼﺗﮫﻢ اﻟﺒﺴﯿﻄﺔ اﻟﻤﺘﻜﺮرة ،اﻷﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﺪﻋﺎء وﺻﻼﺗﻨﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎم ﻓﻲ ﻗﺪاس ﻳﺤﻀﺮه ﺟﻤﯿﻊ ﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﻨﺰل ﺗﻔﻮح ﻣﻨﻪ راﺋﺤﺔ اﻟﺒﺨﻮر وﻳﻨﺘﮫﻲ ﺑﻘﺮﺑﺎن ُﻳﻘﱠﺪم ﻋﻠﻰ ﻣﺬﺑﺢ اﻟﺮب ،ﺗﺮدد ﻓﻲ ﻋﻘﻠﻲ ﺳﺆال؛ إذا ﻛﺎن رﺑﱡﻨﺎ ورﺑﮫﻢ إﻟًﮫﺎ واﺣًﺪا ،ﻓﻠﻤﺎذا أﻣَﺮ ﻛﻞ ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻨﺎ ﺑﺎﻻﺗﺼﺎل ﺑﻪ ﻣﻦ طﺮﻳﻖ ﻣﺨﺘﻠﻒ؟ ﺔ إﻟﻰ ﺟﻮار ﻓﺮﻏﻮا ﻣﻦ ﺻﻼﺗﮫﻢ ـأو دﻋﺎﺋﮫﻢ -ﺛﻢ ﺑﺪأ ﺷﺒﺎب اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ ﺑﺘﺠﮫﯿﺰ ﺳﺎﺣ ٍ اﻟﻨﺰل ،اﺳﺘﻐﺮق إﻋﺪادھﺎ ﻋﺪة ﺳﺎﻋﺎت ﺣﺘﻰ أوﺷﻜﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻐﯿﺐ، ﻣﻜﺜﺖ أرﻗﺒﮫﻢ وھﻢ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﻌﻤﻠﮫﻢ ﻓﻲ ﻣﮫﺎرة وﻛﺄﻧﮫﻢ ﻗﺪ ﻣﺎرﺳﻮه ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻋﺸﺮات اﻟﻤﺮات ،ﻣﮫﺪوا أرض اﻟﺴﺎﺣﺔ ﺑﺎﻟﻔﺌﻮس ورﺳﻤﻮا ﻟﮫﺎ ﺣﺪوًدا ﺑﻘﻄﻊ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎرة ،ﺛﻢ أﻗﺎﻣﻮا ﻋﺮﻳ ً ﺸﺎ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﮫﺘﮫﺎ ﺻﻨﻌﻮا ﻟﻪ ﺳﻘًﻔﺎ ﻣﻦ ﺟﺮﻳﺪ اﻟﻨﺨﻞ واﻟﻜﺘﺎن ،ﻗﺎل ﻟﻲ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﺣﯿﻦ رآﻧﻲ أﻧﻈﺮ إﻟﯿﮫﻢ وھﻢ ﻳﻌﻤﻠﻮن ﻓﻲ ﺟﺪ: ھﻢ ﻳﻌﺪون اﻟﺴﺎﺣﺔ ﻟﻠﺴﻤﺮ.ﺛﻢ ﺿﺤﻚ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻲ وﺟٌﺪ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح و َ ﺳﻤٌﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء. ﺗﻠﻚ ﺣﯿﺎة اﻟﺒﺪوي؛ َرْﻋ ٌوﺟﺪﺗﻨﻲ أﻗﻮل ﻓﻲ َ ﺟﺪ ﻻ ﻳﻼﺋﻢ ﻧﺒﺮة ﺣﺪﻳﺜﻪ اﻟﻤﺎزح: ﻋﺸﺖ ﺣﯿﺎﺗﻲ ﻛﻠﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء وﻟﻢ أﻋﺮف ﻣﻦ ﺣﯿﺎة اﻟﺒﺪو ﺳﻮى ﻗﺴﻮةاﻟﺼﺤﺮاء! ﻗﺎل: وﻣﺎ ﻟﻜﻢ وﺣﯿﺎة اﻟﺒﺪو ﻳﺎ ﻓﺘﻰ!ﻗﺪ ﻋﺎش ﺑﻨﻮ ﻳﻌﻘﻮب ﻣﺌﺎت اﻟﺴﻨﯿﻦ ﻓﻲ ﻛﻨﻒ أھﻞ ﻣﺼﺮ ﻳﺮﺗﻮون ﺑﻨﯿﻠﮫﺎ وﻳﺴﺘﻈﻠﻮن ﺑﺄﺷﺠﺎرھﺎ ﺣﺘﻰ ﺳﻜﻨﺖ ﻗﻠﻮﺑﮫﻢ! اﺳﺘﻮﻗﻔﻨﻲ ﺗﻌﺒﯿﺮه ﻓﺮددﺗﻪ ﻣﺴﺘﻮﺿ ً ﺤﺎ: ﺳﻜﻨﺖ ﻗﻠﻮﺑﮫﻢ؟!أوﻣﺄ ﺑﺮأﺳﻪ وﻗﺎل: ﻧﻌﻢ!اطﻤﺄﻧﻮا إﻟﻰ اﻟﻨﻌﯿﻢ وأﻟﻔﻮه! ﺛﻢ اﺳﺘﻄﺮد ﻣﻮﺿ ً ﺤﺎ: -أﺗﺪري ﻳﺎ ﺑﻨﻲ؛ إن اﻟﺤﯿﺎة ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ھﻲ اﻟﻔﻄﺮة ،ﻓﺎﻷﺻﻞ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة ھﻮ اﻟﺤﺮﻛﺔ واﻟﺘﻨﻘﻞ ﻣﻦ ﻣﻜﺎن إﻟﻰ ﻣﻜﺎن ،وﺣﯿﻨﻤﺎ ُﻳﻜِﺜﺮ اﻟﻤﺮُء ﻣﻦ اﻟﺘﺮﺣﺎل ﻻ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﻗﻠﺒﻪ ﺑﺸﻲء وﻳﺪرك أن اﻟﺤﯿﺎة ﻓﻲ ذاﺗﮫﺎ رﺣﻠﺔ ﺗﻨﺘﮫﻲ ،ﻟﺘﺒﺪأ رﺣﻠﺔ أﺧﺮى ﻓﻲ ﻣﻜﺎن آﺧﺮ ،أﻣﺎ اﻟﺴﻜﻮن ﻓﮫﻮ أﺻﻞ اﻟﻤﻮت ،وﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻠﻤﺮء أن ﻳﺴﻜﻦ إﻻ ﻟﻠﺮاﺣﺔ ﺑﯿﻦ رﺣﻠﺘﯿﻦ! أدرﻛﺖ اﻟﻤﻐﺰى ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻪ ﻓﻘﻠﺖ: إذن ﻓﻘﺪ ﻣﺎﺗﺖ ﻗﻠﻮب ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﺑﺴﻜﻮﻧﮫﺎ ﻓﻲ ﺑﺮ ﻣﺼﺮ ،وﺣﻖ ﻋﻠﯿﮫﺎ أﻧﮫﺎﺗﻌﻮد ﻟﻔﻄﺮﺗﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء. أﺗﺪري ﻳﺎ ﺑﻨﻲ؛ إن اﻟﺤﯿﺎة ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ھﻲ اﻟﻔﻄﺮة ،ﻓﺎﻷﺻﻞ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة ھﻮ اﻟﺤﺮﻛﺔ واﻟﺘﻨﻘﻞ ﻣﻦ ﻣﻜﺎن إﻟﻰ ﻣﻜﺎن ،وﺣﯿﻨﻤﺎ ُﻳﻜِﺜﺮ اﻟﻤﺮُء ﻣﻦ اﻟﺘﺮﺣﺎل ﻻ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﻗﻠﺒﻪ ﺑﺸﻲء وﻳﺪرك أن اﻟﺤﯿﺎة ﻓﻲ ذاﺗﮫﺎ رﺣﻠﺔ ﺗﻨﺘﮫﻲ ،ﻟﺘﺒﺪأ رﺣﻠﺔ أﺧﺮى ﻓﻲ ﻣﻜﺎن آﺧﺮ ،أﻣﺎ اﻟﺴﻜﻮن ﻓﮫﻮ أﺻﻞ اﻟﻤﻮت ،وﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻠﻤﺮء أن ﻳﺴﻜﻦ إﻻ ﻟﻠﺮاﺣﺔ ﺑﯿﻦ رﺣﻠﺘﯿﻦ! واﻓﻖ ﻋﻠﻰ ﻛﻼﻣﻲ ﺑﻨﻈﺮِة ﻋﯿﻨﯿﻪ ،ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﺮارة: وﻟﮫﺬا ﻛﺘﺐ اﻟﺮب ﻋﻠﯿﮫﻢ اﻟﺘﯿﻪ؟!ﻟﻢ ﻳﺠﺐ ،وﻟﻌﻠﻪ ﺧﺸﻲ أن ﻳﺤﺰﻧﻨﻲ ،ﻓﻘﻠﺖ ﻣﻌﺎر ً ﺿﺎ: اﻷﻣﺮ ﺑﻌﯿﺪ ﻳﺎ ﺳﯿﺪي!ﻓﺸﺘﺎن ﺑﯿﻦ اﻟﻌﯿﺶ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء واﻟﺘﯿﻪ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء! أﺗﺪري ﻣﺎ اﻟﺘﯿﻪ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ(؟! إﻧﻪ اﻟﺤﯿﺎة ﻋﻠﻰ أﻣﻞ ﻛﺎذب ،أن ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺄﻧﻚ ﻛﻠﻤﺎ اﻗﺘﺮﺑﺖ اﺑﺘﻌﺪت ،وﻛﻠﻤﺎ دﻧﻮت ﺑَﻨﻮت ،أن ﻳﺤﺪوك اﻷﻣﻞ ﺛﻢ ﺗﺘﺠﺮع ﺧﯿﺒﺘﻪ ﻣﺮات وﻣﺮات ،ذاك ھﻮ اﻟﺘﯿﻪ وﺗﻠﻚ ھﻲ ﻣﺮارﺗﻪ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ(. رﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ وﻗﺎل: أﺷﻌﺮ ﺑﺤﺰﻧﻚ ﻳﺎ ﻏﻼم وﻟﻜﻦ ﻻ ﺗﺤﺰن ﻓﺈن ﻗﺪر ﷲ ﻛﻠﻪ ﺧﯿﺮ ،وﻟﻌﻞ ﷲ ﻳﻜﺘﺐ ﻟﻚﻟﻘﺎء اﻷھﻞ ﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم ﺛﻢ ﻗﺎل ﻣﺸﺠًﻌﺎ: ھﯿﺎ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،اذھﺐ وﺗﮫﯿﺄ ﻟﻠﻤﺴﺎء ،ﻓﻘﺪ آن وﻗﺖ اﻟﺴﻤﺮ ،وﻟﻌﻞ اﻟﻠﯿﻠﺔﺗﻨﺴﯿﻚ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﻣﺮ ﺑﻚ ﻣﻦ أﺣﺰان. واﻟﺤﻖ أن ﺣﺪﻳﺚ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( رﻏﻢ ﻣﺮارﺗﻪ ،ﻗﺪ ﺟﻌﻠﻨﻲ أﺷﻌﺮ ﻧﺤﻮه ﺑﻤﺸﺎﻋﺮ و ٍدّ ،ذﻛﺮﺗﻨﻲ ﺑﻤﺸﺎﻋﺮي ﻧﺤﻮ أﺑﻲ. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ واﻟﻌﺸﺮون ﻛﺎﻧﺖ ﻟﯿﻠﺔ ﻻ ﺗﻨﺴﻰ ،أدرﻛﺖ ﻓﯿﮫﺎ ﺟﺎﻧﺒًﺎ آﺧﺮ ﻣﻦ ﺣﯿﺎة ھﺆﻻء اﻟﻘﻮم ﻟﻢ ﻳﺘﻀﺢ ﻟﻲ ﺣﯿﻦ ﻋﺸﻨﺎ ﻣﻌﮫﻢ ﻗﺮاﺑﺔ اﻟﺸﮫﺮﻳﻦ ﻓﻲ َر ّ ﺳﺔ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﺴﻨﻮات ،ﻓﻌﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ طﻮل ُﻣﻜْﺜﻨﺎ ﺑﯿﻨﮫﻢ ،ﻓﺈن أﺑﻲ ﻛﺎن ﺣﺮﻳ ً ﺼﺎ وﻗﺘﮫﺎ أﻻ ﻧﺨﺘﻠﻂ ﺑﮫﻢ ﻓﻲ ﺻﻼٍة أو طﻌﺎٍم أو ﺳﻤﺮ ،وﻟﻌﻠﻪ ﻛﺎن ﻳﻌﺘﻘﺪ ﻓﻲ ﻓﺴﺎد ﻋﻘﯿﺪﺗﮫﻢ وﻣﺬھﺒﮫﻢ ،ﻓﻔ ﱠ ﻀﻞ أن ﻧﻘﻀﻲ أوﻗﺎﺗﻨﺎ ﻛﻠﮫﺎ ﻓﻲ ﺧﯿﻤﺘﻨﺎ اﻟﺘﻲ اﺧﺘﺎرھﺎ ﺑﻌﯿﺪة ﻋﻦ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻨﺰل ﺗﺤﻘﯿًﻘﺎ ﻟﻐﺮﺿﻪ. ﻛﺎن أھﻞ اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ ﻛﻠﮫﻢ ﻗﺪ ﺧﺮﺟﻮا ﻟﻠﺴﺎﺣﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺴﻤﺮ ،ﺟﻠﺲ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻓﻲ اﻟﺼﻒ اﻷول ﺗﺤﺖ اﻟﻤﻈﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺻﻨﻌﮫﺎ اﻟﺸﺒﺎب ﻣﻦ ﺟﺮﻳﺪ اﻟﻨﺨﻞ واﻟﻜﺘﺎن ،ﺑﺠﺎﻧﺒﻪ وﻟﺪاه اﻟﺸﯿﺨﺎن )ﻧﺎﺑﺖ( و)دوﻣﺔ( ،ﺛﻢ ﺷﯿﻮخ اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ ورﺟﺎﻟﮫﺎ ،أﻣﺎ اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻘﺪ ﺟﻠﺴﻦ ﻓﻲ اﻟﺼﻔﻮف اﻟﺨﻠﻔﯿﺔ وﻣﻌﮫﻦ ﻓﺘﯿﺎت اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ. وﻓﻲ اﻟﺠﮫﺔ اﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ ﺟﻠﺲ اﻟ ﱡ ﺸﺒﱠﺎن ﻳﺮﺗﺪي اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﮫﻢ زﻳﺎ ﻛﺎﻣًﻼ ﻛﺄزﻳﺎء اﻟﻔﺮﺳﺎن ،ﻳﺘﻜﻮن ﻣﻦ إزار أﺑﯿﺾ وﺳﺮوال واﺳﻊ ،ﻳﺤﯿﻄﻪ ﻧﻄﺎ ٌ ق ﻋﺮﻳﺾ ﻳﺼﻞ إﻟﻰ ٍ ٌ أﺳﻔﻞ اﻟﺼﺪر وﻳﺘﺪﻟﻰ ﻣﻦ اﻟﻨﻄﺎق ﺳﯿﻒ ﻻﻣﻊ ﻳﺼﻞ ﻧﺼﻠﻪ إﻟﻰ طﺮف اﻟﺮﻛﺒﺔ، وﻋﻦ ﻳﻤﯿﻦ اﻟﺴﺎﺣﺔ ﺟﻠﺲ ﺣﺎﻣﻠﻮ اﻟﺪﻓﻮف ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻌﺒﯿﺪ ،أﻣﺎ ﺟﮫﺔ اﻟﯿﺴﺎر ﻓﻘﺪ ﺟﻠﺴﺖ اﻟﺠﺎرﻳﺎت اﻟﻤﻨﺸﺪات وﺑﻀﻊ ﻓﺘﯿﺎت أﺧﺮﻳﺎت ﻳﺤﻤﻠﻦ اﻟﻨﺎﻳﺎت واﻟﻤﺰاﻣﯿﺮ واﻟﻄﻨﺎﺑﯿﺮ ،وﻟﻘﺪ ذﻛﺮﻧﻲ ﻣﺮأى اﻟﻨﺎي ﺑﺄﻣﻲ )روﻣﺎﻧﺎ( ﻛﻤﺎ أﺛﺎرت ﻧﻐﻤﺎﺗﻪ ذاﻛﺮﺗﻲ وﺷﺠﻮﻧﻲ وأﺣﺰاﻧﻲ ،أﻣﺎ ﺧﺎرج اﻟﺴﺎﺣﺔ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻄﮫﺎة ﻳﻌﻜﻔﻮن ﻋﻠﻰ ﺷﻮاء ﻋﺪد ﻻ ﺑﺄس ﻣﻦ اﻟﺨﺮاف واﻟﺸﯿﺎة ﺣﺘﻰ اﻣﺘﻸت ﺳﻤﺎء اﻟﻨﺰل ﺑﺴﺤﺎﺑﺔ ُ ﺣﺒﻠﻰ ﺔ اﻟﻠﺤﻢ ،أﻣﻄَﺮت ﻓﻲ ﺟﻮﻓﻨﺎ ُﻟﻌﺎﺑًﺎ ،ﺳﺎل ﺷﻮًﻗﺎ إﻟﻰ ﺗﺬوق ﻣﺎ ﻳﻄﮫﻮن! ﺑﺮاﺋﺤ ِ ﺑﺪأت اﻟﻠﯿﻠﺔ ﺑﻤﺒﺎرزة ﺑﯿﻦ ﺷﺎﺑﯿﻦ ،أظﮫﺮ ﻓﯿﮫﺎ ﻛﻞ ﺷﺎب ﻣﮫﺎرﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺘﻠﻮﻳﺢ ﺑﺎﻟﺴﯿﻒ ورﺷﺎﻗﺘﻪ ﻓﻲ ﺗﻔﺎدي اﻟﻄﻌﻦ واﻟﻀﺮب ،ووددت ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻟﻮ ﻗﻤﺖ ﻓﺸﺎرﻛﺘﮫﻤﺎ اﻟﻤﺒﺎرزة ،ﻋﻠﻤﺖ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن أﺣﺪ اﻟﺸﺎﺑﯿﻦ ھﻮ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ َدوﻣﺔ( اﺑﻦ ﻋﻢ )أروى( ،أﻣﺎ اﻵﺧﺮ ﻓﮫﻮ )ﻟﯿﺚ ﺑﻦ ﻧﺎﺑﺖ( ﺷﻘﯿﻘﮫﺎ اﻷﺻﻐﺮ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻣﺖ ﻣﺒﺎرزة أﺧﺮى ﺑﯿﻦ ﺷﺎﺑﯿﻦ آﺧﺮﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ واﻟﻘﻮاﻓﻲ ،ﻟﻢ أﻓﮫﻢ ﻣﻨﮫﺎ ﺳﻮى اﻟﻘﻠﯿﻞ، ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻠﮫﺠﺔ اﻟﺒﺪو اﻟﺘﻲ ﻟﻢ أﻛﻦ أﺗﻘﻨﮫﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎم اﻟﺸﺒﺎب ﺑﺎﻟﺮﻗﺺ ﺑﺎﻟﺴﯿﻮف ﻋﻠﻰ دﻗﺎت اﻟﻄﺒﻮل وأﻧﻐﺎم اﻟﻤﺰﻣﺎر واﻟﻄﻨﺒﻮر ،واﻟﺘﻲ أﺿﻔﺖ ﻋﻠﻰ رﻗﺼﮫﻢ ﺣﻤﺎ ً ﺳﺎ ﺟﻌﻞ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻳﺘﻤﺎﻳﻞ ﻣﻊ إﻳﻘﺎﻋﮫﺎ. وﻗﺎﻣﺖ ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء إﺣﺪى اﻟﺠﻮاري ﺣﺘﻰ أطﺮﺑﺖ اﻟﺠﺎﻟﺴﯿﻦ ﺑﺼﻮﺗﮫﺎ اﻟﻌﺬب ،وﺗﺮﻛﺘﻨﻲ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﺠﻦ رﻏﻢ ﺗﻌﺜﺮ ﻓﮫﻤﻲ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻓﻲ ﻏﻨﺎﺋﮫﺎ ،وﺑﻌﺪ أن ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻦ اﻟﻐﻨﺎء اﻣﺘﺪ اﻟﺼﻤﺖ ﻟﺤﻈﺎت ،وﺑﺪأت ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻄﮫﺎة ﻓﻲ اﻟﺘﺰاﻳﺪ وﺑﺪا أن ﻣﺄدﺑﺔ اﻟﻄﻌﺎم ﺳﺘﻤﺘﺪ ،وأن اﻟﺸﯿﺦ ﺳﯿﺪﻋﻮ اﻟﻨﺎس ﻟﻠﻄﻌﺎم ،وﻟﻜﻦ اﻟﺸﯿﺦ ﻗﺎل وھﻮ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﺻﻔﻮف اﻟﻨﺴﺎء اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻠﺲ ﺧﻠﻔﻨﺎ: -أﻳﻦ أﻧﺖ ﻳﺎ )أروى(؟ أﻟﻦ ﺗﺴﻤﻌﯿﻨﺎ ﻋﺰًﻓﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎي اﻟﻠﯿﻠﺔ؟! ھﺪأت ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻄﮫﺎة ﺑﻌﺪ ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺸﯿﺦ ،أوﺻﻠﺖ إﺣﺪى اﻟﺠﻮاري ﻧﺎﻳًﺎ إﻟﻰ ﺻﻔﻮف اﻟﻨﺴﺎء اﻟﺨﻠﻔﯿﺔ ،وﺻﻤﺖ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﻋﺰف ﺣﻔﯿﺪة اﻟﺸﯿﺦ اﻟﻤﺪﻟﻠﺔ. ﻳﺎ ! أي ھﻤﺲ ھﻤﺴﺖ ﺑﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺎة ﻓﻲ طﺮف اﻟﻨﺎي ،ﺣﺘﻰ ﻳﺨﺮج ﻣﻦ طﺮﻓﻪ اﻵﺧﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻐﻤﺎت اﻟﺴﺎﺣﺮة اﻟﺘﻲ ﺣﻤﻠﺘﻨﺎ إﻟﻰ ﻣﻘﺎﻣﺎت اﻟﻨﺸﻮة ﺛﻢ ھﺒﻄﺖ ﺑﻨﺎ ﻓﻲ ﺑﺤﻮر اﻟﺸﺠﻦ ،ﻟﻢ أﻛﻦ ﺟﺎھًﻼ ﺑﺎﻟﻤﻌﺎزف واﻷﻟﺤﺎن ﻓﻘﺪ أﻟﻔﺘﮫﺎ أذﻧﻲ ﻣﻨﺬ أن ﻛﻨﺖ رﺿﯿًﻌﺎ ،وﻟﻜﻦ ھﺬه اﻷﻟﺤﺎن ﻟﯿﺴﺖ ﻛﺎﻷﻟﺤﺎن! وﺷﺘﺎن ﺑﯿﻦ ﻧﻐﻤﺎت )أروى( اﻟﻤﻔﻌﻤﺔ ﺑﺎﻟﺤﯿﺎة وﻧﻐﻤﺎت أﻣﻲ اﻟﺠﻨﺎﺋﺰﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻤﺘﮫﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﺑﺪ ﻣﺼﺮ! اﻧﺘﮫﻰ اﻟﺴﻤﺮ وﻗﺎم اﻟﻄﮫﺎة ﺑﺘﻮزﻳﻊ اﻟﻠﺤﻢ واﻟﺜﺮﻳﺪ ،ﻓﺄﻛﻞ أھﻞ اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ ﺣﺘﻰ ﺷﺒﻌﻮا ﺛﻢ اﻧﺴﻞ ﻛﻞ رﺟﻞ ﻣﻊ أﺳﺮﺗﻪ إﻟﻰ ﺧﯿﻤﺘﻪ ،وﻗﻤﺖ ﻣﺘﺠًﮫﺎ إﻟﻰ ﺧﯿﻤﺘﻲ ﺑﻌﺪ أن ﺷﻜﺮت اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ووﻟﺪﻳﻪ )ﻧﺎﺑﺖ( و)دوﻣﺔ(. ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻟﻢ أھﻨﺄ ﺑﻨﻮم ،ظﻞ ﻋﻘﻠﻲ ﻣﺘﻘًﺪا ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ طﯿﻠﺔ اﻟﻠﯿﻞ ،ﺗﺘﻼﻋﺐ ﺑﻪ أراﺟﯿﺢ اﻷﺳﺌﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻨﺘﮫﻲ وﻻ ﺗﺴﺘﻘﺮ ﻋﻠﻰ إﺟﺎﺑﺔ واﺣﺪة. ﺷﻤﻌﻮن! وﻳﺤﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(! ﻣﺎ اﻟﺬي ﻓﻌﻠﺘﻪ ﺑﻨﻔﺴﻚ وﺑﺄﻣﻚ أﻳﮫﺎ اﻟﺘﻌﺲ؟! ﻟﻤﺎذا ﻟﻢ ﺗﺮض ﺑﻤﺎ ﻗﺴﻤﻪ اﻟﺮب ﻟﻚ؟ ھﺎ ﻗﺪ ﻓﺮرت ﻣﻦ اﻟﺘﯿﻪ وأﻧﺖ ﻓﻲ ﺟﻮار ﻧﺒﻲ ﻣﺮﺳﻞ ،ﻓﻜﺘﺐ اﻟﺮب ﻋﻠﯿﻚ اﻟﺘﯿﻪ وﺣﺪك ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ ﻧﺒﯿﻚ وﻗﻮﻣﻚ وأﻣﻚ؟ أﻣﻲ؟! ﻛﯿﻒ ﺣﺎﻟﻚ ﻳﺎ أﻣﻲ؟ ظﻨﻲ أﻧﻲ ﻗﺪ ﻛﺴﺮت ظﮫﺮك ﺑﻌﺪ أن ﻛﺴﺮ أﺑﻲ ﻗﻠﺒﻚ ﺑﻤﻮﺗﻪ! ﺿ ّ أﺷﺘﺎق إﻟﻰ َ ﻤﺔ ﻣﻦ ﺻﺪرك ودﻣﻌﺔ أذرﻓﮫﺎ ﺑﯿﻦ ﻳﺪﻳﻚ وأن ﺗﺴﺎﻣﺤﯿﻨﻲ! ﻗﺪ ﺧﺬﻟﺘﻚ وﺧﺬﻟﺖ أﺑﻲ. أﺑﻲ؟! أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺨﺰي أﻣﺎﻣﻚ! أﻋﻠﻢ أﻧﻚ ﻣﻄﱠِﻠ ٌ ﻲ! ﻊ ﻋﻠ ّ وددت أن أﺣﻘﻖ ﺣﻠﻤﻚ وﻟﻜﻨﻲ أﺿﻌﺖ ﻛﻞ ﺷﻲء! اﻏﻔﺮ ﻟﻲ واذﻛﺮﻧﻲ ﻋﻨﺪ رﺑﻚ واﺷﻔﻊ ﻟﻲ ﻋﻨﺪه! رﺑِ ّﻲ؟! ھﻞ طﺮدﺗﻨﻲ ﻣﻦ رﺣﻤﺘﻚ؟ أﻧﺎ ُأوِﻣ ُ ﻦ ﺑﻚ وأﻋﻠﻢ أﻧﻚ ﻋﻈﯿﻢ وﻗﺎدر وﻟﻜﻨﻲ أﺧﺸﺎك! أﺧﺸﻰ ﻋﺬاﺑﻚ وﻏﻀﺒﺘﻚ وأﻋﺠﺰ ﻋﻦ ﻓﮫﻢ ﺣﻜﻤﺘﻚ! أﺧﺸﻰ أن ﺗﮫﻠﻜﻨﻲ ﻛﻤﺎ أھﻠﻜﺖ أﺑﻲ ﺑﺬﻧﻮب ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ. ﻟﻤﺎذا ﻟﻢ ﺗﺘﺠﻞ ﻋﻠﻰ أﺑﻲ ﺑﺮﺣﻤﺘﻚ ﻛﻤﺎ ﺗﺠﻠﯿﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( وﻗﻮﻣﻪ؟! اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(؟! ﻋﺠﺒًﺎ ﻷﻗﺪاري ﻣﻌﻚ أﻳﮫﺎ اﻟﺸﯿﺦ! ھﻞ أرﺳﻠﻚ ﷲ ﻧﺠﺎًة ﻟﻲ ،أم ﻓﺘﻨًﺔ ﻟﻲ وإﻣﻌﺎﻧًﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﯿﻪ؟ إن ﻛﺎن اﻟﺮب راﺿﯿًﺎ ﻋﻦ ﻗﻮﻣﻚ ،ﻓﻠﻤﺎذا أرﺳﻞ ﻧﺒﯿﻪ إﻟﻰ ﺑﻨﻲ ﻳﻌﻘﻮب وﻟﻢ ﻳﺮﺳﻠﻪ إﻟﻰ ﺑﻨﻲ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ(؟ ﻲ؟ أﺗﻜﻮن اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﻛﻤﺎ ﺗﺤﺎول أن ﺗﻮﺣﻲ إﻟ ّ أن اﻟﺮب ﻳﺮﺳﻞ اﻷﻧﺒﯿﺎء إﻟﻰ اﻟﻌﺼﺎة ﻣﻦ ﻋﺒﯿﺪه وﻟﯿﺲ اﻟﺼﺎﻟﺤﯿﻦ! أﺻﺪﻗﻚ اﻟﻘﻮل أﻳﮫﺎ اﻟﺸﯿﺦ ،إﻧﻲ أﻣﻘﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﯿﺮة اﻟﺘﻲ ﻗﺬﻓﺘﻨﻲ إﻟﯿﮫﺎ ،أﻣﻘﺘﮫﺎ رﻏﻢ اﻣﺘﻨﺎﻧﻲ ﻟﻚ ،وﺳﻌﺎدﺗﻲ ﺑﺮؤﻳﺔ )أروى(! أروى؟! وﺣﯿﻦ وطﺄت ﺑﻄﯿﻔﮫﺎ ﻋﻘﻠﻲ ،ھﺪأت أرﺟﻮﺣﺔ اﻟﻔﻜﺮ ﻓﻲ رأﺳﻲ ،وطﻐﻰ ﺻﻮت ﻧﺎﻳﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﻠﺒﺔ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﺴﻜﻨﺖ ﻟﻠﺘﻮ واﻟﻠﺤﻈﺔ ،وﺗﻨﺴﻤﺖ أﻧﻔﻲ رﺣﯿﻘﮫﺎ ﻓﺴﺮى ﺧﺪًرا ﻓﻲ أطﺮاﻓﻲ وﻏﻔﻮت ﺣﺎﻟ ً ﻤﺎ ﺣﺘﻰ اﻟﺼﺒﺎح. ∞∞∞∞∞ ﻣﺮ اﻟﯿﻮﻣﺎن اﻟﺘﺎﻟﯿﺎن وأﻧﺎ ﻣﺎ زﻟﺖ ﻋﻠﻰ ﺣﯿﺮﺗﻲ ﺑﯿﻦ ﺗﺮك اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ واﻟﺴﻔﺮ وﺣﺪي ﻓﻲ طﺮﻳﻖ ﻣﺠﮫﻮل ،أو اﻟﺒﻘﺎء ﻣﻌﮫﻢ واﻟﺒﻌﺪ ﻋﻦ ﺑﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ ﻟﺴﻨﻮات ،وﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺜﺎﻟﺚ دﻋﺎﻧﻲ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( إﻟﻰ ﺧﯿﻤﺘﻪ ﻓﻲ وﻗﺖ اﻟﻘﯿﻠﻮﻟﺔ وﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﻗﺪ ﺳﻜﻨﻮا ﻓﻲ رﺣﺎﻟﮫﻢ. دﺧﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﺨﯿﻤﺔ اﻟﻤﻌﻄﺮة ﺑﺮاﺋﺤﺔ اﻟﺼﻨﺪل ،ﻓﺎﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻨﻲ ﻓﺮاﺷﺔ ﻛﺎﻟﺘﻲ رأﻳﺘﮫﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،دارت اﻟﻔﺮاﺷُﺔ دورة ﻓﻲ اﻟﮫﻮاء ﺛﻢ وَﻗﻔﺖ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻮد اﻟﺨﯿﻤﺔ ،ﺗَ ُ ﻀﻢ ﺟﻨﺎﺣﯿﮫﺎ وﺗﺒﺴﻄﮫﻤﺎ ﻓﻲ ھﺪوء ،وﺟْﺪ ُ ت اﻟﺸﯿﺦ ﺟﺎﻟ ً ﺴﺎ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻳﻤﺪد ﺳﺎﻗﯿﻪ وﻗﺪ وﺿﻊ ﻋﻠﻰ ﻓﺨﺬﻳﻪ ﺻﻨﺪوًﻗﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﯿﻪ ﻣﺒﺘﺴ ً ﻤﺎ وﻓﻲ ﻳﺪه ورﻳﻘﺎت ﺻﻐﯿﺮة ﻣﻦ اﻟﺸﺠﺮ ،ﻳَﻔﺮﻛﮫﺎ ﺑﯿﻦ أﺻﺒﻌﯿﻪ ﺛﻢ ﻳﻠﻘﯿﮫﺎ داﺧﻞ اﻟﺼﻨﺪوق. أﻟﻘﯿﺖ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺘﺤﯿﺔ ،ﻓﺮد ﻋﻠﯿﮫﺎ ﻣﺒﺘﺴ ً ﻤﺎ ﺛﻢ ﻗﺎل: ﺗﻌﺎل ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!اﺟﻠﺲ. ﺟﻠﺴﺖ إﻟﻰ ﺟﻮاره ﻓﻘﺎل ﻟﻲ وھﻮ ﻳﺸﯿﺮ إﻟﻰ اﻟﺼﻨﺪوق: اﻧﻈﺮ!ﻧﻈﺮت ﻓﻮﺟﺪت ﻓﺮاﺷﺎت ﻣﺨﺘﻠ ٌ ﻒ أﻟﻮاﻧﮫﺎ ،ﺗﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﺟﺪار اﻟﺼﻨﺪوق ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ، ت ﻣﻘﺰّزة ﻛﺎﻟﺪﻳﺪان ،ﻳﻘ ُ ﻪ ﺑﻀﻌُﺔ أﻋﻮاد ﻣﻦ اﻟﺸﺠﺮ ﺗﺘﺴﻠﻘﮫﺎ ﻳﺮﻗﺎ ٌ ﻀﻢ وﻓﻲ ﻗﺎﻋ ِ ﺑﻌﻀﮫﺎ ورﻳﻘﺎت اﻟﺸﺠﺮ اﻟﺘﻲ ﻳﻠﻘﯿﮫﺎ إﻟﯿﮫﻢ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﻐﺜﯿﺎن ﻟﻤﺮأى اﻟﯿﺮﻗﺎت ،ﻓﺼﺮﻓﺖ ﻧﻈﺮي ﻋﻨﮫﻦ وأﺷﺮت إﻟﻰ اﻟﻔﺮاﺷﺎت وﻗﻠﺖ ﻟﻠﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: رأﻳﺖ إﺣﺪاھﻦ ﻣﻨﺬ أﻳﺎم وﺗﻌﺠﺒﺖ ﻟﻮﺟﻮدھﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ،ﻟﻢ أﻛﻦ أﻋﻠﻢ أﻧﻚﺗﻄﻌﻤﮫﻦ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻳﺪان! ﺿﺤﻚ وﻗﺎل: أﻧﺎ ﻻ أطﻌﻢ اﻟﻔﺮاﺷﺎت ﺑﻞ أطﻌﻢ اﻟﺪﻳﺪان!ﺑﺎن اﻟﻌﺠﺐ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻲ ،ﻓﻘﺎل: إن ھﺬه اﻟﺪودة اﻟﻤﻘﺰزة اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻔﺮ ﻣﻨﮫﺎ ﻳﺎ ﻓﺘﻰ ھﻲ ﻧﻔﺴﮫﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺮاﺷﺔاﻟﺴﺎﺣﺮة اﻟﺘﻲ ﻳﻌﺠﺒﻚ ُ ﺣﺴﻨﮫﺎ! ﻓﻐﺮت ﻓﺎھﻲ دھﺸًﺔ ،ﻓﺘﺎﺑﻊ: أھﺪاﻧﻲ ﺗﺎﺟﺮ ﺣﺮﻳﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﺎم ﺗﻠﻚ اﻟﯿﺮﻗﺎت ﻣﻨﺬ أﺷﮫﺮ ،وﻣﻦ ﻳﻮﻣﮫﺎ وأﻧﺎ أﺗﺄﻣﻞﺣﯿﺎﺗﮫﺎ وأرى ﻓﯿﮫﺎ آﻳًﺔ ﻟﺤﯿﺎة اﻹﻧﺴﺎن وﻣﻮﺗﻪ وﺑﻌﺜﻪ! ﺳﺤﺮﻧﻲ ﺣﺪﻳﺜﻪ ،ﻛﻌﺎدﺗﻪ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﻳﺘﻜﻠﻢ ،ﻓﺘﺎﺑﻊ ﻗﺎﺋًﻼ: ن ﻓﻲ اﻧﻈﺮ إﻟﻰ ھﺬه اﻟﺪودة ،اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻀﻢ ورﻳﻘﺎت اﻟﺸﺠﺮ ﻛﻤﺨﻠﻮق أرﺿﻲ ﻓﺎ ٍأﺣﻘﺮ ﺻﻮرٍة ﻣﻦ ﺻﻮر اﻟﺤﯿﺎة ،إن ھﺬه اﻟﯿﺮﻗﺔ ﺳﻮف ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ اﻟﻄﻌﺎم ﺑﻌﺪ ﺖ ﺣﻮﻟﮫﺎ ﻣﻦ ﺧﯿﻮط اﻟﺤﺮﻳﺮ ،ﻛﮫﺬه اﻟﯿﺮﻗﺔ اﻟﺘﻲ أﺳﺎﺑﯿﻊ وﺳﺘﺸﺮع ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﺑﯿ ٍ ﺗﺮاھﺎ ھﻨﺎك! وﺣﯿﻦ ﻳﻜﺘﻤﻞ اﻟﺒﻨﺎء ﺗﻤﻮت اﻟﯿﺮﻗﺔ وﻳﻔﻨﻰ ﺟﺴﺪھﺎ داﺧﻞ ﺷﺮﻧﻘﺔ ﺻﻠﺪة ﻛﺘﻠﻚ اﻟﺸﺮﻧﻘﺔ )وأﺷﺎر إﻟﻰ أﺣﺪاھﻦ( وﺳﺘﻈﻞ اﻟﯿﺮﻗﺔ ﺑﺪاﺧﻠﮫﺎ رو ٌ ح ﺑﻼ ﺟﺴﺪ ،ﺛﻢ ﺗﺒﻌﺚ اﻟﺮوح ﻓﯿﮫﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻛﻲ ﺗﺼﯿﺮ ﻓﺮاﺷﺔ ﺗﺤﻠﻖ ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎء ﻓﻲ أﺑﮫﻰ ﺻﻮرة ﻣﻦ ﺻﻮر اﻟﺤﯿﺎة ،أرأﻳﺖ؟! أﻻ ﻳﺸﺒﻪ ذﻟﻚ ﺣﯿﺎة اﻹﻧﺴﺎن ،ﺣﯿﺎة ﻓﺎﻧﯿﺔ أرﺿﯿﺔ ﺛﻢ ﺣﯿﺎة ﺑﺮزﺧﯿﺔ ﻓﯿﮫﺎ رو ٌ ح ﺑﻼ ﺟﺴﺪ ﺛﻢ ﺣﯿﺎة أﺧﺮى ﺑﺎﻟﺮوح واﻟﺠﺴﺪ ﻓﻲ أﺑﮫﻰ ﺻﻮرٍة وأﺳﻤﺎھﺎ ﺑﺠﻮار اﻟﺮﺣﻤﻦ! ﺷﻌﺮت ﺑﺮﻋﺪة ﻓﻲ ﺟﺴﺪي وﻏﻤﺮﺗﻨﻲ ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺸﯿﺦ ﺑﺴﻜﯿﻨﺔ ﻟﻢ أﺷﻌﺮ ﺑﻤﺜﻠﮫﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وﺷﻌﺮت أﻧﻪ ﻗﺪ أﺟﺎب ﺑﻜﻠﻤﺎت ﺑﺴﯿﻄﺔ ﻋﻦ ﻋﺸﺮات اﻷﺳﺌﻠﺔ اﻟﺘﻲ راودﺗﻨﻲ ﻣﻨﺬ وﻓﺎة أﺑﻲ. رﱠددت ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﺷﺮود: ﺣﯿﺎة ﺑﺮزﺧﯿﺔ ﻳﻌﯿﺶ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﯿﮫﺎ رو ًﺣﺎ ﺑﻼ ﺟﺴﺪ! أھﺬه ھﻲ اﻟﺤﯿﺎة اﻟﺘﻲ ﻳﺤﯿﺎھﺎ أﺑﻲ؟ أوﻣﺄ ﺑﺮأﺳﻪ وﻗﺎل: وﻳﺤﯿﺎھﺎ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻣﺎت ﻣﻨﺬ أﺑﯿﻨﺎ آدم.ظﻠﻠﺖ ﻓﻲ ﺷﺮودي ،ﻓﺎﺣﺘﺮم اﻟﺮﺟﻞ ﺻﻤﺘﻲ ،وﺿﻊ اﻟﺼﻨﺪوق ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﻓﻲ ھﺪوء ﺛﻢ ﻲ ﻓﻲ ﻋﻄﻒ ،ﻗﻠﺖ ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮة ﻣﻦ ﺛﻨﻰ رﻛﺒﺘﯿﻪ وﺟﻠﺲ ﻣﺘﺮﺑًﻌﺎ وھﻮ ﻳﻨﻈﺮ إﻟ ّ اﻟﺼﻤﺖ: أﺗﺪري ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮة أﺗﺤﺪث ﻓﯿﮫﺎ إﻟﯿﻚ ،أﺟﺪ ﻋﻨﺪك إﺟﺎﺑﺎتﻜ ﱡ ﺳ َ ﻷﺳﺌﻠﺔ ﺗﺪور ﻓﻲ رأﺳﻲ ﺗﺆرق ﺣﯿﺎﺗﻲ وأﺧﺸﻰ اﻟﺒﻮح ﺑﮫﺎ أﻣﺎم أﺣﺪ ،ﺛﻢ َ ﺖ ُﺑﺮھﺔ ﻗﺒﻞ أن أﻗﻮل: أرﺟﻮ ﻣﻨﻚ اﻟﻤﻌﺬرة ﻳﺎ ﺳﯿﺪي!ﺗﻘﺎطﻊ ﺣﺎﺟﺒﺎه اﻷﺑﯿﻀﺎن ﻓﻲ دھﺸﺔ وﻗﺎل: اﻟﻤﻌﺬرة ﻋﻠﻰ ﻣﺎذا ﻳﺎ ﺑﻨﻲ؟ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﻛﻠﻤﺎت ﻳﻌﻘﻠﮫﺎ اﻟﺘﺮدد: ﻗﺪ ﺧﻄﺮ ﻟﻌﻘﻠﻲ ﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم أن ﻋﻘﯿﺪﺗﻜﻢ ﻓﺎﺳﺪة ،وأن ﷲ ﻗﺪ ﻓﻀﻠﻨﺎﻋﻠﯿﻜﻢ ﺑﺄن ﺟﻌﻞ ﻓﻲ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أﻧﺒﯿﺎء ورﺳًﻼ ،ﻓﺠﻌﻞ ﻓﯿﮫﻢ )ﻳﻌﻘﻮب( و)ﻳﻮﺳﻒ( وأرﺳﻞ إﻟﯿﮫﻢ )ﻣﻮﺳﻰ( و)ھﺎرون( ،وﻟﻜﻨﻲ اﻵن اﻧﻈﺮ إﻟﻰ اﻷﻣﻮر ﺑﻌﯿﻦ أﺧﺮى ،ﻓﻤﺎ ﻛﺜﺮة اﻷﻧﺒﯿﺎء إﻻ دﻟﯿﻞ ﻋﻠﻰ ﺳﻮء اﻟﻄﺒﻊ. اﺑﺘﺴﻢ ﺛﻢ ﻗﺎل: اﻷﻧﺒﯿﺎء رﺣﻤﺔ ﻟﺸﻌﻮﺑﮫﻢ إذا ﻣﺎ ﺗﺒﻌﻮھﻢ ،وﻧﻘﻤﺔ ﻋﻠﯿﮫﻢ إذا ﻣﺎ ﻋﺼﻮھﻢ ،ﻓﮫﻢﻣﺒﺸﺮون وﻣﻨﺬرون. ﺛﻢ ﺻﻤﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻘﻮل: ﻗﻞ ﻟﻲ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻋﻼم اﺳﺘﻘﺮ ﻋﺰﻣﻚ؟ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺣﯿﺮة: ﻻ أدري.ﻗﺎل ﻟُِﯿِﺰﻳَﺪ ﻣﻦ ﺣﯿﺮﺗﻲ: ﻏًﺪا ﺳﻨﺮﺣﻞ إﻟﻰ إدوم!ﻓﮫﻞ ﺳﺘﺮاﻓﻘﻨﺎ؟ اﻟﺘﺰﻣﺖ اﻟﺼﻤﺖ ﻟﺒﺮھﺔ ﻗﺒﻞ أن أﻗﻮل ﻓﻲ ﺻﺪق: ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻻ أدري ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(!أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻷﻟﻔﺔ ﺑﯿﻨﻜﻢ ،وأﺗﻤﻨﻰ ﻟﻮ راﻓﻘﺘﻜﻢ ،وﻟﻜﻨﻲ أﺧﺸﻰ اﻻﺑﺘﻌﺎد ﻋﻦ ﺑﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ. ﺻﻤﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ ﻗﺎل: وھﻞ ﺗﻀﻤﻦ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻣﻚ إذا ﻋﺪت وﺣﺪك؟ﺗﻨﮫﺪت ﺛﻢ ﻗﻠﺖ: ھﺬا ﻣﺎ أﺧﺸﺎه ،ﻛﻤﺎ أﻧﻲ … ﺻﻤ ﱡﺖ وﻟﻢ أﻛﻤﻞ ،ﻓﺴﺄﻟﻨﻲ: ﻛﻤﺎ أﻧﻚ ﻣﺎذا؟ﻗﻠﺖ: ﻛﻤﺎ أﻧﻲ أﺷﻌﺮ ﺑﺄﻧﻲ ﻣﻄﺮود ﻣﻦ رﺣﻤﺔ رﺑﻲ ﻟﻤﻌﺼﯿﺘﻲ ،وأﺧﺸﻰ اﻟﻌﻮدة إﻟﻰﻧﺰﻟﻨﺎ ﻓﯿﻨﺎﻟﻨﻲ اﻟﻌﻘﺎب. ﻗﺎل ﻓﻲ إﺷﻔﺎق وﻳﻘﯿﻦ: ﻻ ﺗﻘﻞ ھﺬا ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻻ ﻳﻄﺮد اﻟﺮب ﻋﺒﯿﺪه ﻣﻦ رﺣﻤﺘﻪ ﺣﺘﻰ وإن ﻋﺼﻮه!اﺑﺘﺴﻤﺖ ﻓﻲ ﺑﺆس وأﻧﺎ أﻗﻮل: ﻣﻦ رأى ﺧﯿٌﺮ ِﻣ ﱠﻤﻦ ﺳﻤ َ ﻊ ﻳﺎ ﺳﯿﺪي اﻟﺸﯿﺦ! ﺳﻜﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ،ﺛﻢ أطﺮق ﻣﻔﻜًﺮا ﻗﺒﻞ أن ﻳﻘﻮل: اﺳﻤﻊ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ھﻨﺎك ﻗﺎﻓﻠﺔ ﺗﺨﺮج ﻣﻦ ﺑﻜﺔ إﻟﻰ ﻛﻨﻌﺎن ﻓﻲ ﻛﻞ ﻋﺎم،ﻟﻤﺎذا ﻻ ﺗﺮاﻓﻘﻨﺎ إﻟﻰ ﺑﻜﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺤﯿﻦ ﻣﻮﻋﺪھﺎ؟ وﻟﺘﻨﻈﺮ ﺣﯿﻨﮫﺎ ،ھﻞ ﺗﺮﻏﺐ ﻓﻲ اﻟﻌﻮدة ﻣﻌﻨﺎ إﻟﻰ رﺳﺔ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ ،أم اﻟﺼﻌﻮد إﻟﻰ ﻛﻨﻌﺎن. ﻗﻠﺖ ﻟﻪ ﻓﻲ ﻓﺮح: ﺣﻘﺎ!وﻣﺘﻰ ھﺬا؟ ﻗﺎل: ﺑﻌﺪ أن ﻳﻨﺘﮫﻲ اﻟﺤﺞ.ﺷﻌﺮت ﺑﻄﻮل اﻟﻤﺪة ،وﻋﺎودﻧﻲ اﻟﺘﺮدد ،وﻛﺪت أﻗﻮل ﻟﻪ ﺳﺄﺗﻔﻜﺮ ﻓﻲ اﻷﻣﺮ ،ﻟﻮﻻ أن دﺧﻠﺖ )أروى( ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ وﻣﻌﮫﺎ ﺟﺎرﻳﺔ ﻋﺠﻮز وھﻤﺎ ﻳﺤﻤﻼن طﻌﺎًﻣﺎ وﻗﺴﻄًﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء ،ارﺗﺒﻜﺖ )أروى( ﺣﯿﻦ رأﺗﻨﻲ ،وأطﺮﻗﺖ ﺑﺼﺮھﺎ أر ً ﺿﺎ ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺧﻔﻖ ﻗﻠﺒﻲ ﻓﻲ ﺳﻌﺎدة ﻟﺮؤﻳﺘﮫﺎ اﻟﻤﻔﺎﺟﺌﺔ ،ﻗﻄﻊ ﺗﻔﻜﯿﺮي ﺻﻮت اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻣﺎذا ﻗﻠﺖ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ؟ﻓﺄﺟﺒﺘﻪ ﺑﻐﯿﺮ ﺗﺮدد: أراﻓﻘﻜﻢ ،ﻳﺎ ﺳﯿﺪي اﻟﺸﯿﺦ.ﺛﻢ ﻗﺒﻠﺖ ﻳﺪه واﻧﺼﺮﻓﺖ. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ واﻟﻌﺸﺮون وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ إدوم ﺑﻌﺪ ﺛﻼث ﻟﯿﺎل ﻣﻦ اﻟﺴﯿﺮ اﻟﮫﺎدئ ،اﻟﺬي ﻻ ﻳﻌﻜﺮ ﺻﻔﻮه رﻳ ٌ ﺢ وﻻ ﻋﻄﺶ ،وﻻ أظﻦ أن اﻟﻤﺮء ﻗﺪ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ دﻟﯿﻞ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ﻛﻲ ﻳﻌﺮف أﻧﻪ ﻗﺪ وﺻﻞ إﻟﻰ أرض إدوم ،ﻓﺤﯿﻨﻤﺎ ﺗﺘﺤﻮل اﻟ ُ ل ﺠﺪد اﻟﺴﻤﺮاء ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ إﻟﻰ ﺟﺒﺎ ٍ أرﺟﻮاﻧﯿﺔ ﻣﻠﺴﺎء ﺗﺤﯿﻄﮫﺎ ﺑﺤﻮٌر ﻣﻦ اﻟﺮﻣﺎل اﻟﻮردﻳ ّﺔ اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ اﻟﻤﻨﻈﺮ ﻓﺄﻧﺖ ﻓﻲ ﺔ اﻟﺮاﺋﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﱠﻮﻧﮫﺎ أرض إدوم ،ﻟﻢ أر ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ﻣﺜﻞ ھﺬه اﻟﺘﺸﻜﯿﻼت اﻟﺠﺒﻠﯿ ِ اﻟﺨﺎﻟﻖ ﻓﺄﺑﺪع ﻓﻲ ﺗﺼﻮﻳﺮھﺎ ،رﻏﻢ أﻧﻲ ﻗﺪ ﻣﻜﺜﺖ ﻋﻤﺮي ﻛﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء، ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮﻣﺎل ﻧﺎﻋﻤﺔ ﻓﺴﺎرت اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻓﻲ ﺑﻂء ﺣﺘﻰ ﻻ ُﺗ َ ﺠﮫﺪ اﻟﺪواب ﻓﻲ ﺳﯿﺮھﺎ وﻛﺎن ﺳﯿﺮي إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( واﺑﻦ أﺧﯿﻪ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ( ،وﺳﺎﻋﺪﻧﺎ ﺻﻔﺎء اﻟﺠﻮ وﺑﻂء اﻟﻤﺴﯿﺮ ﻋﻠﻰ أن ﻧﺒﺪأ ھﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ. ﻗﻠﺖ: ﻣﺎ أﺑﺪع ھﺬا اﻟﺠﻤﺎل!ﻛﯿﻒ ﺗَﺘﻠﱠﻮن اﻟﺠﺒﺎل ﺑﮫﺬا اﻟﻠﻮن اﻷرﺟﻮاﻧﻲ اﻟﺒﺪﻳﻊ! ﻗﺎل ﻧﺎﺑﺖ: ھﺬا ﺧﻠﻖ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻳﺎ ﻏﻼم!رأﻳﺖ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ﺟﺒﺎًﻻ ﺳﻮداء ،وأﺧﺮى ﺣﻤﺮاء وﺛﺎﻟﺜﺔ ﺑﯿﻀﺎء ﻛﺎﻟﺜﻠﺞ ،وﻛﻠﮫﺎ ﻣﻦ ﺧﻠﻖ ﷲ. ﺛﻢ ﻗﺎل: أﺗﺪري ﻣﺎ ﻣﻌﻨﻰ »إدوم«؟إﻧﮫﺎ ﺗﻌﻨﻲ اﻷرض اﻟﺤﻤﺮاء! وﻳﻘﻮﻟﻮن إن أﺑﺎﻧﺎ »ﻋﯿﺴﻮ ﺑﻦ إﺳﺤﻖ« ھﻮ أول ﻣﻦ وطﺌﮫﺎ ﺑﻘﺪﻣﻪ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء )إﺑﺮاھﯿﻢ(! ﺗﻌﺠﺒﺖ ﻣﻤﺎ ﻗﺎل وﻗﻠﺖ: أﺑﻮﻧﺎ ﻋﯿﺴﻮ؟!ﻓﺘﺎﺑﻊ: ﻧﻌﻢ ﻛﺎن ﻋﯿﺴﻮ أ ًﺧﺎ ﻟﯿﻌﻘﻮب ﺛﻢ ھﺎﺟﺮ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻷرض وﻋﺎش ﺑﯿﻦ اﻟﻌﺮﺑﺎن ﻣﻊ زوﺟﺘﯿﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ اﺳﺘﻘﺮ ﺑﻪ اﻟﻤﻘﺎم ھﺎھﻨﺎ ،ﺗﺰوج ﻣﻦ أِّﻣﻨﺎ )َﻣ َ ﺤﻠ ّﺔ( اﺑﻨﺔ أﺑﯿﻨﺎ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( وﻋﻠﻰ أﺛﺮ ذﻟﻚ ،ھﺎﺟﺮ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ وﻟﺪ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( وﻋﺎﺷﻮا ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷرض ﻟﺴﻨﯿﻦ! ﻗﻠﺖ: وھﻞ ﻳﺤﻜﻤﮫﺎ ﺑﻨﻮ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( اﻵن؟ﻗﺎل ﻧﺎﻓﯿًﺎ: ﻛﻼ ،ﺑﻞ ﻳﺤﻜﻤﮫﺎ ﻣﻠﻚ ﻣﻦ اﻹدوﻣﯿﯿﻦ ،وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﺪﺧﻠﮫﺎ ﻣﻄﻤﺌﻨﯿﻦ ُﻣﻜَﺮﻣﯿﻦ ﻓﮫﻲأرض أﻣﻨﺎ )َﻣ َ ﺤﻠﺔ(! ﺗﺤﺪث )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ( ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﻧﺘﺤﺪث ﻓﯿﮫﺎ ﻣًﻌﺎ ،ﻓﻘﺎل، وﻛﺎن ﺻﻮﺗﻪ رﺧﯿ ً ﻤﺎ ﻋﻤﯿًﻘﺎ: ﻛﻢ أﺗﻤﻨﻰ أن أﻋﯿﺶ ھﻨﺎ!زرﺗﮫﺎ ﻣﻨﺬ ﺛﻼﺛﺔ أﻋﻮام وﻣﺎ زال ﻗﻠﺒﻲ ُﻣﻌﻠﱠًﻘﺎ ﺑﮫﺎ! ﺿﺤﻚ )ﻧﺎﺑﺖ( وﻗﺎل: إن )ﻋﻤﺮو( ﻳﮫﻮى اﻟﻤﺪن واﻟﻤﻤﺎﻟﻚ وﻳﻜﺮه اﻟﺼﺤﺮاء!ﻓﻘﺎل )ﻋﻤﺮو(: ﺷﱠﺘﺎن ﻳﺎ ﻋﻤﺎه ﺑﯿﻦ ﺣﯿﺎة اﻟﺼﺤﺮاء وﺣﯿﺎة اﻟﻤﺪن واﻟﻤﻤﺎﻟﻚ!ﺛﻢ ﺷﻌﺮت ﻓﻲ ﺻﻮﺗﻪ ﻧﺒﺮة ﺗﻤﱡﺮد وھﻮ ﻳﻘﻮل: ھ ّ ھﻨﺎ ﻳﺴﺘﻘﺮ اﻟﻤﺮء ﻓﻼ ﻳﻜﻮن َﻤﻪ ﺷﺮﺑﺔ ﻣﺎء أو ﻛﺴﺮة ﺧﺒﺰ. ﺛﻢ أﺷﺎر ﺑﯿﺪه ﻧﺤﻮ اﻷﻓﻖ وﻗﺎل ﻟﻲ ﻓﻲ ﺣﻤﺎس: ﻋ ﱠﺤﺘﺖ ﻓﻲ اﻟﺠﺒﺎل! ﻤﺎ ﻗﺮﻳﺐ ﺳﺘﺮى ﻗﺼﻮًرا وطﺮﻗﺎت ُﻧ ِ ﻓﺤﯿﻦ ﻳﻜﻒ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻦ اﻟﺘﺮﺣﺎل ﻳﻨﺤﺖ اﻟﺼﺨﺮ وﻳﺬﻟﻞ اﻷرض ﻓﺘﺼﯿﺮ طﻮًﻋﺎ ﻷﻣﺮه! ﺗﺬﻛﺮت ﺣﺪﻳﺚ ﻋﻤﻪ ﻣﻌﻲ ﻋﻦ ﺣﯿﺎة اﻟﻔﻄﺮة ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ،ﻓﺄدرﻛﺖ أن أﻓﻜﺎر اﻟﻔﺘﻰ وأﻓﻜﺎر ﻋ ِ ّ ﻤﻪ ﻻ ﻳﻠﺘﻘﯿﺎن. ﺗﻮﻗﻔﻨﺎ ﻋﻦ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻻﺣﺖ ﻟﻨﺎ ﻣﻨﺎزل ﺣﺎﺿﺮة اﻹدوﻣﯿﯿﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﻲ »ﺑﺼﺮى« ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ رﺑﻮة ﻋﺎﻟﯿﺔ ﺗﺤﯿﻂ ﺑﮫﺎ اﻟﻮدﻳﺎن ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ ﻓﺒﺪت ﻛﻘﻠﻌﺔ ﺣﺼﯿﻨﺔ ﺗﺮﺑﺾ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ،ﺳﺮﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻮادي اﻟﻤﺆدي إﻟﻰ ﻣﺪﺧﻞ ﺳﻔﺤْﯿﻪ وﺗﺘﺸ ﱠ ﻜﻞ وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻧﺤﺘﮫﺎ ﺳْﯿ ٌ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ واﻟﺬي ﺗﺘﻜﻠﱠ ُ ﺲ رﻣﺎل َ ﻞ ھﺎِدر ﻓﻲ ﻦ ﻏﺎﺑﺮ ،وﻗﺪ اﻧﻌﻜﺴﺖ ﻋﻠﯿﮫﺎ أﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ ﻓﺒﺪت ﻓﻲ أﻟﻮاﻧﮫﺎ اﻷرﺟﻮاﻧﯿﺔ زﻣ ٍ ﻛﻘﻄﻊٍ ﻣﻦ اﻟ ﱠ ﺸﻔﻖ ﺗﺮﻛﺖ ﻣﻜﺎﻧﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﻟﺘﺴﺘﻘﺮ ﻋﻠﻰ اﻷرض ،وﺳﺤَﺮ ﺟﻤﺎُﻟﮫﺎ أﻋﯿﻦ ﻣﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻓﺘﺮﻛﺖ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﮫﻮادج وﺗﺮﺟﻞ اﻟﻔﺮﺳﺎن ﻋﻦ ن ﺷﺎﺧﺼﺔ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻤﮫﯿﺐ ،وﺗﻤﺘﻢ ظﮫﻮر اﻟﺨﯿﻞ وﺳﺎر اﻟﺠﻤﯿﻊ ﺑﻌﯿﻮ ٍ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﻗﺎﺋًﻼ: ھﺬا ﺧﻠﻖ اﻟﺮﺣﻤﻦ!ﺗﺒﺎرك اﺳﻤﻚ ﻳﺎ ﻗﺪوس! وﻗﺎل ﻟﻲ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ( ﺣﯿﻨﻤﺎ رآﻧﻲ أﺟﻮل ﺑﺒﺼﺮي ﻣﺸﺪو ً ھﺎ: أﺗﺪري ﻣﺎذا ﻳﻄﻠﻖ أھﻞ إدوم ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻮادي؟ﻟﻢ ﻳﻨﺘﻈﺮ ﻣﻨﻲ اﻟﺮد ،ﻓﺄﻧﺎ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻻ أﻋﺮف اﻹﺟﺎﺑﺔ! ﻓﺄردف ﻗﺎﺋًﻼ: ﻳﻄﻠﻘﻮن ﻋﻠﯿﻪ وادي )ﻗﺮﻗﻮر(!ﺗﻌﺠﺒﺖ ﻣﻦ اﻻﺳﻢ ﻓﻘﺎل: ﻗﺮﻗﻮر ھﻮ ﺻﺪى اﻟﺼﻮت!اﺳﻤﻊ ﺛﻢ ھﺘﻒ ﺑﺼﻮت ﻋﺎل: )ﺷﻤﻌﻮووووووون(!رددت ﺟﻨﺒﺎت اﻟﻮادي اﻻﺳﻢ ﻋﺪة ﻣﺮات ﻓﺸﻌﺮت ﺑﺎﻟﺤﺮج ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺗﻌﺎﻟﺖ ﺿﺤﻜﺎت اﻟﺠﻤﯿﻊ ،وﻗﺒﻞ أن ﻳﺬھﺐ ﺻﺪى اﻟﺼﻮت ھﺘﻒ )ﻟﯿﺚ ﺑﻦ ﻧﺎﺑﺖ( ﺷﻘﯿﻖ )أروى( اﻷﺻﻐﺮ وﻗﺎل: )ﻟﯿﺚ( )ﻟﯿﺚ( )ﻟﯿﺚ(!ﻓﺎﻣﺘﺰﺟﺖ اﻷﺣﺮف اﻷﺧﯿﺮة ﻣﻦ اﺳﻤﻲ ﺑﺄﺣﺮف اﺳﻤﻪ اﻷوﻟﻰ وﺿﺤﻚ اﻟﺠﻤﯿﻊ واﺗﺨﺬھﺎ اﻟﺸﺒﺎب ﻟﻌﺒﺔ ﻓﻈﻞ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﮫﻢ ﻳﻨﺎدي ﻋﻠﻰ اﺳﻢ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺣﺘﻰ ﺿ ﱠ ﺞ اﻟﻮادي ﺑﺄﺻﻮات ﻣﺨﺘﻠﻄﺔ ﻟﻢ ﻧﻤﯿﺰ اﻷﺳﻤﺎء ﻓﯿﮫﺎ ﻣﻦ اﻟﻀﺤﻜﺎت. ل: وأراد اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( أن ﻳُﻜﱠﻔﮫﻢ ﻋﻦ اﻟﻀﻮﺿﺎء ،ﻓﮫﺘﻒ ﺑﺼﻮت ﻋﺎ ٍ ﷲ.ﻓﺨﺸﻌﺖ اﻷﺻﻮات ﻟﻠﻔﻆ اﻟﻤﮫﯿﺐ ،وﺻﻤﺖ اﻟﺠﻤﯿﻊ وﺳﺎر اﻟﺮﻛﺐ ﻓﻲ ھﺪوٍء إﻻ ﻣﻦ ھﻤﺲ اﻷﻧﻔﺎس اﻟﻤﻨﺘﺸﯿﺔ ﺑﺒﺪﻳﻊ ﺻﻨﻊ ﷲ. ﺣﻄﺖ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﺧﺎرج أﺳﻮار اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ھﻨﺎك ﻣﻨﺰل ُﻣَﻌﱞﺪ ﻟﻠﻘﻮاﻓﻞ ﺗﺤﻂ ﱡ ﻓﯿﻪ اﻟﻨﻮق ،وﻻ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﺪﺧﻮل اﻟﻌﯿﺮ إﻟﻰ ﺷﻮارع اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺘﻲ رﺻﻔﺖ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎرة، َﻋﻘْﻠﻨﺎ اﻟﺨﯿﻞ واﻟﻌﯿﺮ ،وذھﺐ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( وﻣﻌﻪ وﻟﺪاه )ﻧﺎﺑﺖ( و)دوﻣﺔ( وﺗﺤﺪﺛﻮا إﻟﻰ اﻟﺤﱠﺮاس ،ﻟﻢ ﻳﻤﺾ وﻗﺖ طﻮﻳﻞ ﺣﺘﻰ ﺳﻤﻌﻨﺎ ﺻﻮﺗًﺎ ﻳﮫﻠِ ّﻞ ﻟﻤﻘﺪم اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،ﻛﺎن ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺼﻮت رﺟًﻼ طﻮﻳًﻼ أﺣﻤَﺮ اﻟﻮﺟﻪ ،ﻳﺮﺗﺪي ﺟﻠﺒﺎﺑًﺎ ُﻣﺰرﻛ ً ﺸﺎ، ﻋﺪة وﻳﺰﻳ ّﻦ ﺻﺪره ﻗﻼدة ﺿﺨﻤﺔ ﻓﻮﻗﻪ ﻋﺒﺎءة ﺣﻤﺮاءُ ،ﺗﺰﻳ ّﻦ أﺻﺎﺑﻌﻪ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﺧﻮاﺗﻢ ِ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺔ ،ﻋﻠﻤﺖ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن اﺳﻤﻪ )ﺷﮫﺒﻮر( وأﻧﻪ أﺣﺪ ﻛﺒﺎر اﻟﺘﺠﺎر ﺑﺈدوم، وﻋﻠﻤﺖ أﻳ ً ﻀﺎ أن اﻟﺮﺟﻞ ﺗﺮﺑﻄﻪ ﻋﻼﻗﺔ وطﯿﺪة ﺑﺎﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻟﻢ أدر ﻣﺎ ﻧﻮﻋﮫﺎ، ُﻓِﺘﺤﺖ ﻟﻨﺎ اﻷﺑﻮاب ،وﺟﺎء ﺑﻌﺾ اﻟﻐﻠﻤﺎن اﻟﺘﺎﺑﻌﯿﻦ ﻟﻠﺘﺎﺟﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻳﺠﱡﺮون ﻋﺮﺑﺎت ﺧﺸﺒﯿﺔ ،ﻓﻮﺿﻌﻮا أﻣﺘﻌﺘﻨﺎ وﺑﻀﺎﻋﺘﻨﺎ وﺟﺮّوھﺎ إﻟﻰ داﺧﻞ اﻷﺳﻮار ،أذھﻠﻨﻲ ﺟﻤﺎل اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ! ُ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ھﺬه ھﻲ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﺗﻄﺄ ﻓﯿﮫﺎ ﻗﺪﻣﻲ ﺣﺎﺿﺮة إﺣﺪى اﻟﻤﻤﺎﻟﻚ ،اﻟﺸﻮارع ﻣﺘﺴﻌﺔ وﻣﺮﺻﻮﻓﺔ ﺑﺤﺠﺎرٍة ﺗﺴﺎوت أطﺮاﻓﮫﺎ ﺑﺪﻗﺔ ﻓﻼ ﺗﺮى ﻓﯿﮫﺎ ﻋﻮ ً ﺟﺎ وﻻ أﻣﺘﺎ! وﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺗﻌﺎظﻤﺖ أﺷﺠﺎر اﻟﺰﻳﺘﻮن واﻟﻌﺮﻋﺮ ﺣﺘﻰ أﺣﺎﻟﺖ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻰ ﺣﺪﻳﻘﺔ ﻏﻨﺎء. ﻲ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب ﻳﻘﺎل ﻟﻪ ﺣﻲ »اﻟﱠﺰْﻋﺮ« ،وﻋﻠﻤﺖ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ ﺣ ّ ٍ »اﻟﱠﺰﻋﺮ« ھﺬه ھﻲ اﺑﻨﺔ أﺑﯿﻨﺎ )ﻟﻮط( ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺴﻼم ﻛﻤﺎ ﻳ ّ ﺪﻋﻲ أھﻞ اﻟﺤﻲ وﻳﻔﺘﺨﺮون ﺑﺬﻟﻚ! ﻓﮫﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮن إﻧﮫﺎ ﻗﺪ ﺳﻜﻨﺖ ھﺬا اﻟﺤﻲ ﺑﻌﺪ أن ﺗﺮﻛﺖ »ﺳﺪوم« ﻣﻊ أﺑﯿﮫﺎ ﻗﺒﻞ أن ﻳﮫﻠﻚ ﷲ ﻗﻮم ﻟﻮط ،ﻛﺎن اﻟﺤﻲ ﻗﺪﻳ ً ﻤﺎ إذا ﻗﻮرن ﺑﺎﻷﺣﯿﺎء اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ إﻟﻰ اﻟﺸﻤﺎل ﻣﻦ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ واﻟﺘﻲ ﺗﺠﺎور ﻗﺼﺮ اﻟﺤﺎﻛﻢ ،ورﻏﻢ ذﻟﻚ ﻛﺎن ھﺬا اﻟﺤﻲ ھﻮ أﻛﺜﺮ اﻷﺣﯿﺎء ازدﺣﺎًﻣﺎ وﺣﺮﻛًﺔ وﺗﺠﺎرة ،ﻓﻔﻲ ﻣﻨﺘﺼﻔﻪ ﻳﻘﻊ ﺳﻮق »ﺑﺼﺮى« وھﻲ ﻛﺒﺮى أﺳﻮاق إدوم وأﻋﻈﻤﮫﺎ! إﻟﯿﮫﺎ ﻳﻔﺪ اﻟﺘﺠﺎر ﻣﻦ ﻛﻞ ﺣﺪب وﺻﻮب ،ﻳﺒﯿﻌﻮن ﻓﯿﮫﺎ ﺗﺠﺎرﺗﮫﻢ أو ﻳﻘﺎﻳﻀﻮﻧﮫﺎ ﺿﻌﺖ ﺑﻀﺎﺋﻊ ﺑﻐﯿﺮھﺎ ،ﺗﺘﺮاص اﻟﺤﻮاﻧﯿﺖ ﻓﯿﮫﺎ اﻟﻮاﺣﺪ ﺗﻠﻮ اﻵﺧﺮ وأﻣﺎم ﻛﻞ ﺣﺎﻧﻮت ُو ِ ﻣﻦ أﺻﻨﺎف ﺷﺘﻰ ،ھﻨﺎ ﻳﺒﺎع اﻟﺤﺮﻳﺮ ،واﻷواﻧﻲ اﻟﻨﺤﺎﺳﯿﺔ ،واﻟﺒﮫﺎرات ،وھﻨﺎك ﺗﺒﺎع اﻟﺤﺒﻮب واﻟﻌﻄﻮر واﻟﻔﺨﺎر اﻹدوﻣﻲ اﻟﻤﻤﯿﺰ ،أﻣﺎ أﺷﺪ ﻣﺎ ﺟﺬب ﻧﻈﺮي ﻓﻜﺎن ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻌﺒﯿﺪ واﻟﺠﻮاري اﻟﺘﻲ ﺷﮫﺪت زﺣﺎًﻣﺎ ﻓﺎق ﻛﻞ ﺣﻮاﻧﯿﺖ اﻟﺴﻮق ،رأﻳﺖ ﻷول ﻣﺮة ﻛﯿﻒ ُﻳﺒﺎع اﻹﻧﺴﺎن وﻳﺸﺘﺮى ،وﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﻐﺜﯿﺎن ﺣﯿﻦ رأﻳﺖ رﺟًﻼ ﻳﺘﺤﺴﺲ ﺟﺴﺪ ﺟﺎرﻳﺔ ﻳﺮوم ﺷﺮاءھﺎ ،ﻓﻈﻞ ﻳﻘﻠﺒﮫﺎ ﺑﯿﻦ ﻳﺪﻳﻪ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺷﺎة ﻳﻮﺷﻚ ﻋﻠﻰ ذﺑﺤﮫﺎ ،واﻟﻌﺠﯿﺐ أن اﻟﻔﺘﺎة اﺳﺘﺴﻠﻤﺖ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺧﻨﻮع اﻟﺸﺎة اﻟﺘﻲ ﻻ ﺣﻮل ﻟﮫﺎ وﻻ ﻗﻮة. ﺗﺠﺎوزﻧﺎ اﻟﺴﻮق ﺑﻀﺠﯿﺠﮫﺎ وﺻﺨﺒﮫﺎ ،ووﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ ﻣﻨﺎزل أﻗﯿﻤﺖ ﻋﻠﻰ طﺮف اﻟﺤﻲُ ،ﺑﻨﯿﺖ ﻛﻠﮫﺎ ﻣﻦ طﺎﺑﻖ واﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ ﻋﻠﻤﻨﺎ أن اﺳﻤﮫﺎ »ُﻧﺰل اﻟﺘﺠﺎر«، وھﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺑﯿﻮت ﻳﻘﯿﻢ ﺑﮫﺎ اﻟﻤﻐﺘﺮﺑﻮن ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎر ،ﻛﻞ ﺑﯿﺖ ﻣﻨﮫﺎ ﻳﺘﻮﺳﻄﻪ ﻓﻨﺎء واﺳﻊ ﺗﻔﺘﺢ ﻋﻠﯿﻪ ﻏﺮف ﺻﻐﯿﺮة ﻣﺮﺑﻌﺔ اﻟﺸﻜﻞ ﻟﮫﺎ ﺑﺎب ﻗﺼﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ، ﻳﻨﺤﻨﻲ اﻟﺪاﺧﻞ ﻣﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺮﺗﻄﻢ رأﺳﻪ ﺑﻌﺘﺒﺘﻪ ،وﻳﻌﻠﻮ ﺟﺪار اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻟﻠﺒﺎب ﻛﻮة ﺻﻐﯿﺮة ﻳﺪﺧﻞ ﻣﻨﮫﺎ اﻟﻨﻮر واﻟﮫﻮاء ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻐﺮﻓﺔ ﻻ ﺗﺘﺴﻊ إﻻ ﻟﺸﺨﺺ واﺣﺪ ،وﻗﺪ ُﻓِﺮﺷﺖ أرﺿﮫﺎ ﺑﺤﺼﯿٍﺮ ﻟِﺪن ،وُﻋﻠِ ّﻖ ﻋﻠﻰ ﻳﻤﯿﻦ اﻟﺪاﺧﻞ ﻣﻦ ﺑﺎﺑﮫﺎ ﻗﻨﺪﻳﻞ ﻣﻦ اﻟﺰﻳﺖ ،اﻟﺘﺼﻖ دﺧﺎﻧﻪ اﻷﺳﻮد ﺑﺎﻟﺤﺎﺋﻂ. ﺗﺮﻛﻨﺎ اﻟﺘﺎﺟﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻟﻠﺮاﺣﺔ ﺑﻌﺪ أن ﻗﺎم ﻏﻠﻤﺎﻧﻪ ﺑﺘﺨﺰﻳﻦ ﺑﻀﺎﻋﺘﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﺨﺎزن اﻟﻨﺰل ،ووﻋﺪﻧﺎ ﺑﺄن ﻳﻌﻮد ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ﻟﻌﺮض اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﻓﻲ اﻟﺤﻮاﻧﯿﺖُ ،و ِزّع اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ اﻟﻐﺮف ،ﻓﺪﺧﻠﺖ ﻏﺮﻓﺘﻲ وأﻏﻠﻘﺖ اﻟﺒﺎب ﺛﻢ وﺿﻌﺖ أﻣﺘﻌﺘﻲ اﻟﻘﻠﯿﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺳًﺪا ﻳﺪ ّ اﻷرض وأﻟﻘﯿﺖ ﺑﻈﮫﺮي ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺼﯿﺮ اﻟﻠﱠِﺪن ﻣﺘﻮ ّ ي اﻟﻠﺘﯿﻦ اﺷﺘﺒﻜﺘﺎ أﺳﻔﻞ رأﺳﻲ. ظﻠﻠﺖ أﺣ ِّ ﺪق ﻓﻲ ﺷﻌﺎع اﻟﻨﻮر اﻟﺬي ﻧﻔﺬ ﻣﻦ ﻛﻮة اﻟﺤﺎﺋﻂ ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻧﻔﺬت اﻷﻓﻜﺎر ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ إﻟﻰ رأﺳﻲ وﻛﺄﻧﻤﺎ اﻧﻔﺮﺟﺖ ﺑﮫﺎ ﻛﻮة أﺧﺮى ،ﻛﺎن ﻋﻘﻠﻲ ﻻ ﻳﺰال ﻏﯿﺮ ﻣﺼﺪق أﻧﻲ ﺗﺮﻛﺖ أھﻠﻲ وﻧﺒﯿﻲ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ وﺟﺌﺖ ﻣﻊ ﻗﻮم آﺧﺮﻳﻦ إﻟﻰ ﻲ وﺟﻪ ﺗﻠﻜﻢ اﻷرض ،وﻛﻠﻤﺎ أﻣﻌﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ اﺿﻄﺮﺑﺖ أﻧﻔﺎﺳﻲ ،وأﻟﺢ ﻋﻠ ّ أﻣﻲ )روﻣﺎﻧﺎ( أﻛﺜﺮ ،أدرت وﺟﮫﻲ ﻧﺤﻮ اﻟﺤﺎﺋﻂ ﻓﺮأﻳﺖ وﺟﮫﮫﺎ ﻣﺮﺳﻮم ﻋﻠﯿﻪ ،ﻣﺪدت ﻳﺪي ﻧﺤﻮ ﺻﻔﺤﺘﻪ وأﻧﺎ أﻗﻮل ﻟﮫﺎ ﺳﺎﻣﺤﯿﻨﻲ ﻷﻧﻲ ﻓﻄﺮت ﻗﻠﺒﻚ وﺗﺮﻛﺘﻚ وﺣﯿﺪة ﻓﺎﺧﺘﻔﺖ ﺻﻮرﺗﮫﺎ ﻣﻦ أﻣﺎﻣﻲ ،ﺷﻌﺮت ﺑﻀﯿﻖ ﻓﻲ ﺻﺪري ،ﻓﻘﻤﺖ ﻣﻦ رﻗﺪﺗﻲ وﺟﻠﺴﺖ أﺗﻠﻘﻒ اﻟﮫﻮاء ،ﺗﻤﻨﯿﺖ أن أﺑﻜﻲ وﻟﻜﻨﻲ أﻣﺴﻜﺖ ﻋﻦ ذﻟﻚ وﺑﺪًﻻ ﻣﻦ ذﻟﻚ وﺟﺪﺗﻨﻲ أﻟﮫﺞ ﻓﻲ رﺟﺎء وﺑﺼﻮت ﻣﺘﺘﺎﺑﻊ ﻗﺪوس رﺣﯿﻢ ،ﻗﺪوس رﺣﯿﻢ ،ﻻ أذﻛﺮ ﻛﻢ ﻣﺮة ﻗﻠﺘﮫﺎ وﻟﻜﻨﻲ ﻗﻠﺘﮫﺎ ﻋﺸﺮات اﻟﻤﺮات إﻟﻰ أن اﺳﺘﻜﺎﻧﺖ ﻧﻔﺴﻲ وھﺪأ اﺿﻄﺮاﺑﻲ ،ﻓﺄﻟﻘﯿﺖ ﺑﺠﺴﺪي اﻟﻤﺘﻌﺐ ﻣﻦ اﻟﺴﻔﺮ واﻻﻧﻔﻌﺎل ﻋﻠﻰ اﻷرض، ورﺣﺖ ﻓﻲ ﺳﺒﺎت ﻋﻤﯿﻖ. ﻟﻢ أدر ﻛﻢ ﻣﺮ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ وأﻧﺎ ﻧﺎﺋﻢ وﻟﻜﻨﻲ اﺳﺘﯿﻘﻈﺖ ﻋﻠﻰ ﺟﻠﺒﺔ ﺷﺪﻳﺪة أﻣﺎم اﻟﻤﻨﺰل وﺳﻤﻌﺖ ﺻﺮﺧﺔ ﻋﺎﻟﯿﺔ ،ﻣﯿﺰت ﻓﯿﮫﺎ ﺻﻮت )أروى(. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ واﻟﻌﺸﺮون وﺻﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﺴﺎﺣﺔ اﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﻤﻨﺰل ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻤﻤﺮ ﻣﻜﺘﻈﺎ ﺑﺮﺟﺎل اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ وﻧﺴﺎﺋﮫﺎ وآﺧﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﻗﻮاﻓﻞ أﺧﺮى ﺟﺎءوا ﻟﯿﺸﺎھﺪوا ﺳﺒﺐ اﻟﺠﻠﺒﺔ واﻟﻌﺮاك ،وﺣﯿﻦ وﺻﻠﺖ إﻟﯿﮫﺎ وﺟﺪت ﺟﻨﻮًدا ﻣﻦ اﻹدوﻣﯿﯿﻦ ﻳﻘﻔﻮن ﺣﺎﺟًﺰا ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس وﺑﯿﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ أﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﺤﺮاس ﻳﻤﺘﻄﻲ أﺣﺪھﻢ ﻓﺮ ً ﺳﺎ ﻳﺪور ﺑﻪ ﻓﻲ ﺗﻮﺗﺮ وﻳﺘﻜﻠﻢ ﻓﻲ ﻏﻀﺐ إﻟﻰ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﺑﻠﻐﺔ ﻣﯿﺰت ﻓﯿﮫﺎ ﻛﻠﻤﺎت ﻣﻦ اﻟﺴﺮﻳﺎﻧﯿﺔ ،واﻟﺘﻲ ﺗﺸﺒﻪ ﻟﻐﺘﻨﺎ ﻛﺜﯿًﺮا ،ھﺎﻟﻨﻲ أن أرى )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ( ﻣﻠﻘﻰ ﻋﻠﻰ اﻷرض ،ﻳﻤﺴﻚ رﻛﺒﺘﯿﻪ ﻓﻲ أﻟﻢ وﻳﺤﯿﻂ ﺑﻪ ُﺛﻠﱠﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺪ اﺳﺘﻠﻮا ﺳﯿﻮﻓﮫﻢ ووﺟﮫﻮا ﻧﺼﺎﻟﮫﺎ إﻟﻰ ﺻﺪره وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻳﻨﺘﻈﺮون أﻣًﺮا ﻣﻦ أﻣﯿﺮھﻢ اﻟﻐﺎﺿﺐ ﻛﻲ ﻳﻔﺘﻜﻮا ﺑﻪ ،ﻛﺎن اﻷﻣﯿﺮ ﻳﺘﺤﺪث ﺑﻐﻀﺐ ﺷﺪﻳﺪ إﻟﻰ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( وﻛﻠﻤﺎ ﺣﺎول اﻟﺸﯿﺦ أن ﻳﺘﺤﺪث إﻟﯿﻪ أو ﻳﺘﻘﺪم ﻧﺤﻮه ﻛﻲ ُﻳﻔِﮫﻤﻪ أﻧﮫﻢ ﻗﻮم ﻣﺴﺎﻟﻤﻮن ،ﻳﺪﻓﻌﻪ اﻟﺤﺮاس ﻓﻲ ﺻﺪره ﻛﻲ ﻳﺤﺎﻓﻈﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺑﯿﻨﻪ وﺑﯿﻦ ﻓﺎرﺳﮫﻢ ،أدرﻛﺖ أن اﻷﻣﯿﺮ اﻟﻐﺎﺿﺐ ﻻ ﻳﻔﮫﻢ ﻛﻼم اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،ﻓﮫﺘﻔﺖ ﺑﻠﻐﺘﻪ وﺑﺼﻮت ﻋﺎل: إﻧﮫﻢ ﻗﻮم ﻣﺴﺎﻟﻤﻮن.ﺻﻤﺖ اﻟﺠﻤﯿﻊ واﺳﺘﺪار اﻟﻔﺎرس ﻧﺤﻮي ،ﺳﺎر ﺑﻀﻊ ﺧﻄﻮات ﺑﻔﺮﺳﻪ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﺑﻠﮫﺠﺘﻪ اﻟﻐﺎﺿﺒﺔ: ﻟﻤﺎذا ﻳﺘﺠﻤﻌﻮن أﻣﺎم اﻟﺴﺎﺣﺔ؟وﻟﻤﺎذا ﻟﻢ ﻳﺴﺘﺠﯿﺒﻮا ﻟﻨﺪاء اﻟﺠﻨﺪ ﺑﺎﻻﻣﺘﻨﺎع ﻋﻦ اﻟﺘﺠﻤﻊ ﺑﻌﺪ اﻧﺘﮫﺎء اﻟﺴﻮق. ﺳﺄﻟﺖ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﻋﻦ ﺳﺆاﻟﻪ ﻓﺄﺟﺎب: ﻛﻨﺎ ﻧﺘﻠﻮ ﺻﻼﺗﻨﺎ وﻧﺘﻌﺒﺪ ،وھﺘﻒ ﻋﻠﯿﻨﺎ اﻟﺤﺮاس ﻗﺒﻞ أن ﻧﻔﺮغ ﻣﻨﮫﺎ ،وﺣﯿﻦ اﻗﺘﺮبﻣﻨﻲ ﺑﻔﺮﺳﻪ ،دﻓﻌﻪ )ﻋﻤﺮو( ﺧﺸﯿﺔ أن ﻳﻄﺄﻧﻲ ﻓﻈﻦ أﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ اﻻﻋﺘﺪاء ﻋﻠﯿﻪ ﻓﮫﺠﻢ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺤﺮاس وطﺮﺣﻮه أر ً ﺿﺎ. أدرﻛﺖ ﺧﻄﻮرة اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻟﺬي ﻓﯿﻪ )ﻋﻤﺮو( ،ﻓﺘﺤﺴﺴﺖ ﻛﻠﻤﺎﺗﻲ وأﻧﺎ أﻗﻮل: إﻧﮫﻢ ﻗﻮم ﻣﺴﺎﻟﻤﻮن ،ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺘﻌﺒﺪون وﻟﻢ ﻳﺴﻤﻌﻮا اﻟﻨﺪاء وﺣﯿﻨﻤﺎ اﻗﺘﺮب اﻟﻔﺮسﻣﻨﮫﻢ ﻓﺰﻋﻮا ودﻓﻌﻮه ﺑﻌﯿًﺪا ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺆذﻳﮫﻢ. ﻟﻤﻌﺖ ﻋﯿﻦ اﻟﻔﺎرس ﺑﺸﺪة ،وﻛﺄﻧﻤﺎ وﻗﻊ ﻋﻠﻰ ﺧﺒﺮ ﻛﺎﻟﻜﻨﺰ وﻗﺎل: ﻳﺘﻌﺒﺪون؟!ﻣﻦ أﻳﻦ أﺗﯿﺘﻢ وﻣﺎذا ﺗﻌﺒﺪون؟ ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أزدرد رﻳﻘﻲ ﻓﻲ ﺧﻮف: -أﺗﯿﻨﺎ ﻣﻦ ﺑﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ ،وھﻢ ﻳﻌﺒﺪون ﷲ! اﺗﺴﻌﺖ ﺣﺪﻗﺘﻪ ﺛﻢ اﺑﺘﺴﻢ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻟﻢ ﻳﻄﻤﺌﻦ ﻟﮫﺎ ﻗﻠﺒﻲ وﻗﺎل وھﻮ ﻳﺴﺘﺪﻳﺮ ﻤﻊ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻣﺎ ﺳﯿﻘﻮﻟﻪ: ﺑﻔﺮﺳﻪ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺔ وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ أن ُﻳﺴ ِ ﻟﻘﺪ ﺧﺎﻟﻒ ھﺆﻻء اﻟﻨﺎس ﻗﺎﻧﻮن ﻣﻤﻠﻜﺔ إدوم ،ﻓﻘﺪ أﻗﺎﻣﻮا ﺗﺠﻤًﻌﺎ ـدون إذن -ﺑﻌﺪاﻧﺘﮫﺎء اﻟﺴﻮق ،وﻣﺎرﺳﻮا ﻋﻠًﻨﺎ ﻋﺒﺎدة ﻏﯿﺮ ﻋﺒﺎدة آﻟﮫﺔ اﻹدوﻣﯿﯿﻦ ،وﺣﺎوﻟﻮا اﻻﻋﺘﺪاء ﻋﻠﻰ ﺣﺮاس اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ،ﻓﻌﻠﻰ ھﺬا وﺑﺎﺳﻢ ﻣﻮﻻﻧﺎ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻌﻈﯿﻢ )ھَﺪد ﺑﻦ ﺑَﺪد( ﻧﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﯿﮫﻢ وﻋﺮﺿﮫﻢ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺸﺮطﺔ. ﺛﻢ ھﺘﻒ ﻓﻲ ﺟﺪﻳﺔ: ﻳﺎ ﺣﺮاس!أﺣﻀﺮوا ھﺬا وھﺬا! وأﺷﺎر إﻟﻰ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( وإﻟﻰ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ(. وﻗﺒﻞ أن ﻳﺘﺤﺮك اﻟﺘﻔﺖ ﻧﺤﻮي وأﺷﺎر ﻗﺎﺋًﻼ: وأﺣﻀﺮوا ھﺬا أﻳ ًﻀﺎ! ∞∞∞∞∞ ارﺗﺞ ﺑﺎب اﻟﻤﺤﺒﺲ ﺑﻘﻮة ﺑﻌﺪ أن ﺻﻔﻘﻪ اﻟﺤﺎرس ﺧﻠﻔﻨﺎ ،ﺛﻢ أﺣﻜﻢ إﻗﻔﺎﻟﻪ ﺟﯿًﺪا ﻗﺒﻞ أن ﻳﺘﺮﻛﻨﺎ وﻳﺼﻌﺪ اﻟﺪرج اﻟﻤﺆدي إﻟﻰ اﻟﺴﺠﻦ ،ﻛﺎن اﻟﻤﺤﺒﺲ أﺷﺒﻪ ﺑﻘﺒﻮ ﺻﻐﯿﺮ ﻳﻐﺮق ﻓﻲ ظﻼم داﻣﺲ إﻻ ﻣﻦ ﺷﻌﺎع ﺿﻮء ﻳﺘﺴﻠﻞ إﻟﯿﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺸﻌﻞ اﻟﻤﻌﻠﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎﺋﻂ اﻟﻤﻮاﺟﻪ ﻟﺒﺎﺑﻪ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮاﺋﺤﺔ اﻟﻨﺘﻨﺔ ﺗﻜﺎد ﺗﺰھﻖ أﻧﻔﺎﺳﻨﺎ وزاد ﻣﻦ ﺗﺄﺛﯿﺮھﺎ رطﻮﺑﺔ اﻟﺠﻮ اﻟﺨﺎﻧﻖ ﺑﮫﺎ ،أﺳﻨﺪت ذراع ﻋﻤﺮو ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺗﺤﺴﺴﺖ طﺮﻳﻘﻲ ﺑﻤﻼﻣﺴﺔ اﻟﺠﺪران ﺛﻢ ﻋﺎوﻧﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺠﻠﻮس وھﻮ ﻳﺘﺄوه ﻣﻦ أﻟﻢ رﻛﺒﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﺑﺪا ﺑﮫﺎ ﺟﺮح ﻏﺎﺋﺮ أﻋﺠﺰه ﻋﻦ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻠﯿﮫﺎ ،ﺟﻠﺲ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﻓﻲ رﻛﻦ اﻟﺤﺠﺮة ،ﻓﺠﻠﺴﺖ اﻟﻘﺮﻓﺼﺎء إﻟﻰ ﺟﻮاره وﻗﺪ ﺧﯿﻢ ﻋﻠﯿﻨﺎ ت ﺧﺎﻓﺘﺔ ﻳﻘﻮﻟﮫﺎ اﻟﺸﯿﺦ ،ﻣﯿﺰت ﻓﯿﮫﺎ ﻛﻠﻤﺔ ﻳﺎ ﻟﻄﯿﻒ ،ﻛﻨﺖ اﻟﺴﻜﻮن إﻻ ﻣﻦ ﺗﻤﺘﻤﺎ ٍ ﻻ أزال ﻣﺬھﻮًﻻ ﻣﻦ ﺗﻄﻮر اﻷﺣﺪاث ،ﻓﻜﯿﻒ اﻧﻘﻠﺒﺖ اﻷﻣﻮر ﻟﯿﻨﺘﮫﻲ ﻳﻮﻣﻨﺎ اﻷول ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ،ﺗﻠﻠﻚ اﻟﻨﮫﺎﻳﺔ اﻟﺒﺎﺋﺴﺔ؟ ﻗﻄﻊ ذھﻮﻟﻲ ،ﺗﺄﻟ ﱡﻢ )ﻋﻤﺮو( ﻣﻦ رﻛﺒﺘﻪ ،ﻓﻘﻄﻌ ُ ﺧﺮﻗًﺔ ﻣﻦ طﺮف ﺛﻮﺑﻲ وﺿﻤﺪت ﺖ ِ ﻟﻪ ُ ﺟﺮﺣﻪ ،ﻛﻤﺎ ﻋﻠﻤﺘﻨﻲ أﻣﻲ ﻓﻲ ﺻﻐﺮي ،ﺗﺄوه ﺑﺸﺪة أﺛﻨﺎء ﺗﺤﺮﻳﻜﻲ ﻟﻪ وﻛﺎن ﻣﻊ ﻛﻞ ﺻﺮﺧﺔ ،ﻳﻌﻠﻮ ﺻﻮت اﻟﺸﯿﺦ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻳﺎ ﻗﺪوس ..ﻳﺎ ﻟﻄﯿﻒ ..ﻳﺎ رﺣﯿﻢ.ھﺪأت آﻻﻣﻪ ﻗﻠﯿًﻼ ،ﻓﺴﻜﺖ ﻋﻦ اﻟﺼﺮاخ وأﺳﻨﺪ رأﺳﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎﺋﻂ وھﻮ ﻳﺘﺼﺒﺐ ﻋﺮًﻗﺎ ،ﻣﺴﺢ ﻋﺮﻗﻪ ﺛﻢ ﻗﺎل ﺳﺎﺧًﺮا: -ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ﺗﻤﻨﯿﺖ ﻟﻮ أﻗﻀﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ﻛﻠﮫﺎ ھﻨﺎ! ﻀﯿَﮫﺎ ﺳﺠﯿًﻨﺎ! وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﺗﻤﻦ أن أﻗ ِ اﺑﺘﺴﻤﺖ رﻏ ً ﻤﺎ ﻋﻨﻲ وﻗﻠﺖ: أﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﻟﻚ ﻋﻤﻚ )ﻧﺎﺑﺖ( إن ﺣﯿﺎة اﻟﻤﻤﺎﻟﻚ ُﺗﻤﯿﺖ اﻟﻘﻠﺐ!ﻳﺒﺪو أﻧﮫﺎ ﺗﻤﯿﺖ اﻷﻧﻔﺲ أﻳ ً ﻀﺎ. ﻗﺎل وأﻧﻔﺎﺳﻪ ﺗﻠﮫﺞ: ﻟﻮھﻠﺔ ظﻨﻨﺖ أن اﻟﺤﺮاس ﺳﻮف ﺗﻐﺮز ﻧﺼﺎﻟﮫﺎ ﻓﻲ ﺻﺪري!ﺛﻢ اﺑﺘﺴﻢ ﻓﻲ ﺻﻌﻮﺑﺔ وﻗﺎل: ﻟﻮﻻك ﻟﻜﻨﺖ ﻗﺘﯿًﻼ!ﻗﻠﺖ: ﻟﻢ أﻓﻌﻞ ﺷﯿًﺌﺎ ،ﺛﻢ أردﻓﺖ ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: ﻳﺒﺪو ﻟﻲ أﻧﮫﻢ ﻟﯿﺴﻮا ﻣﻦ أھﻞ اﻟﺒﻠﺪ!ھﺰ رأﺳﻪ ﻣﺆﻳًﺪا وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻻﺣﻆ ھﻮ أﻳ ً ﻀﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻼﺣﻈﺔ ،وﺟﺎءﻧﺎ ﺻﻮت اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻨﺎ: ھﺆﻻء ﻣﺮﺗﺰﻗﺔ!ﻟﯿﺴﻮا ﻣﻦ أھﻞ إدوم ،وﻟﻮ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻦ أھﻠﮫﺎ ﻟﻌﻠﻤﻮا ﺟﯿًﺪا ﻣﻘﺎﻣﻨﺎ وﻣﻘﺎم ﺑﻨﻲ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ(! ﺛﻢ أﻳﱠﺪ )ﻋﻤﺮو( ﻛﻼﻣﻪ ﺑﺼﻮت ﻣﺘﻘﻄﻊ ﻣﻦ اﻷﻋﯿﺎء: ﻧﻌﻢ ،ﻟﻢ ﻧﺮ ﻣﺜﻞ ھﺆﻻء اﻟﺠﻨﺪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ!ﻗﺎل )ﻧﺎﺑﺖ( ﻓﻲ ﺣﺰن: ﻳﺒﺪو أن إدوم ﻗﺪ ﺗﺒﱠﺪل ﺑﮫﺎ اﻟﺤﺎل ﺑﻌﺪ أن ﺗﻮﻻھﺎ ھﺬا اﻟﻤﻠﻚ اﻟﺠﺪﻳﺪ.ﺗﺬﻛﺮت اﻻﺳﻢ اﻟﺬي ﻧﻄﻘﻪ اﻟﺤﺎرس ﻓﻘﻠﺖ ﻓﻲ ﺷﺮود: )ھَﺪد ﺑﻦ ﺑَﺪد(!ﻳﺎ ﻟﻪ ﻣﻦ اﺳﻢ ﻣﺜﯿﺮ ﻟﻠﺮﻋﺐ وﻣﻮﺣﻲ ﺑﺎﻟﺪﻣﺎر! واﻧﻘﻄﻊ ﺑﯿﻨﻨﺎ اﻟﻜﻼم ،ﻓﻌﺎد اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( إﻟﻰ ﺗﺴﺒﯿﺤﻪ اﻟﺨﺎﻓﺖ ﺣﺘﻰ ظﻨﻨﺖ أﻧﻪ ُﻳﺴ ِﺒ ّﺢ ﻓﻲ ﻧﻮﻣﻪ! ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻏﻂ )ﻋﻤﺮو( ﻓﻲ ﻧﻮم ﻋﻤﯿﻖ ﻣﻦ ﺷﺪة اﻹﻋﯿﺎء ﻟﻢ ﻳﻘﻄﻌﻪ ﺳﻮى ﺣﺸﺮﺟﺔ أﻧﻔﺎﺳﻪ أو ﺻﻮت ﺗﺄوھﻪ ﺑﯿﻦ اﻟﻔﯿﻨﺔ واﻟﻔﯿﻨﺔ ،اﺳﺘﻠﻘﯿﺖ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﻲ ﻟﺴﻮﻳﻌﺎت أﺗﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﻣﺼﯿﺮ اﻟﻐﺪ اﻟﺬي ﻳﻨﺘﻈﺮﻧﺎ ،إﻟﻰ أن ﺟﺬﺑﺘﻨﻲ ﻏﻔﻮة أﺳﻠﻤﺘﻨﻲ إﻟﻰ ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ. اﺳﺘﯿﻘﻈﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﻠﺒﺔ ﻣﺰﻻج اﻟﺒﺎب واﻟﺤﺎرس ﻳﻔﺘﺤﻪ ،ﻗﻤﺖ ﻣﻦ ﻧﻮﻣﻲ ﻣﺴﺮًﻋﺎ ووﻗﻔﺖ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺤﺠﺮة ،ﻗﺎل اﻟﺤﺎرس ﻓﻲ ﻟﮫﺠﺔ آﻣﺮة: ھﯿ ّﺎ ،إ ﱠن ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺸﺮطﺔ ﻳﺴﺘﺪﻋﯿﻜﻢ إﻟﻰ ﺣﺠﺮﺗﻪ. ﻗﺎم اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ،وﻋﺎوﻧﺖ أﻧﺎ )ﻋﻤﺮو( ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻗﻮف وھﻮ ﻳﺘﺄﱠوه ﺑﺸﺪة، وﻗﺪ ﺑﺪا أن ﺟﺴﺪه ﻗﺪ أﺻﺎﺑﺘﻪ ُ ﺣ ّ ﻤﻰ ﺟﻌﻠﺘﻪ ﻳﺘﺼﺒﺐ ﻋﺮًﻗﺎ. ﺳﺮﻧﺎ ﺧﻠﻒ اﻟﺤﺎرس ﺑﺒﻂء ،ﺻﻌﺪﻧﺎ اﻟﺪرج اﻟﺼﺨﺮي اﻟﻌﺘﯿﻖ اﻟﻤﺆدي إﻟﻰ ﺣﺠﺮة اﻟﻔﺎرس اﻟﺬي أوﻗﻔﻨﺎ أﻣﺲ ،ﻧﻈﺮ اﻟﻔﺎرس إﻟﯿﻨﺎ ﻧﻈﺮة ﻛﺎرھﺔ ﻻ أدري ﺳﺒﺒًﺎ ﻟﮫﺎ ،ﺛﻢ أﺷﺎر إﻟﯿﻨﺎ ﺑﺎﻟﻮﻗﻮف ﻓﻲ أﻣﺎﻛﻨﻨﺎ ،دﻟﻒ اﻟﻔﺎرس إﻟﻰ ﺣﺠﺮة أﺧﺮى أوﺳﻊ وأرﻗﻰ ﺛﻢ ﻋﺎد ﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺎت ﻟﯿﺪﻋﻮﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﺪﺧﻮل ،وﻣﺎ أن دﺧﻠﻨﺎ ﺣﺘﻰ اﻧﻔﺮﺟﺖ أﺳﺎرﻳﺮﻧﺎ ﺟﻤﯿًﻌﺎ ،ﻓﻘﺪ وﺟﺪﻧﺎ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( وﻣﻌﻪ اﻟﺘﺎﺟﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( ﺑﺎﻟﺤﺠﺮة ﻳﻘﻔﺎن إﻟﻰ ﺟﻮار ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺸﺮطﺔ ،أﺳﺮع اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﻓﻘﺒﻞ ﻳﺪ واﻟﺪه اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( دون أن ﻳﻌﯿﺮ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺸﺮطﺔ اھﺘﻤﺎًﻣﺎ ،ﻣﻤﺎ أﺛﺎر ﻏﯿﻆ اﻟﻔﺎرس اﻟﺬي ﻛﺎد أن ﻳﻤﻨﻌﻪ، ﻟﻮﻻ أن أﺷﺎر إﻟﯿﻪ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺸﺮطﺔ ﻛﻲ ﻳﻜﻒ ﻋﻨﻪ. ﻗﺎل ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺸﺮطﺔ ﻓﻲ ﻟﮫﺠﺔ أراد أن ﻳﺠﻌﻠﮫﺎ ﺣﺎزﻣﺔ وﻟﻜﻨﻲ ﺷﻌﺮت ﻓﻲ طﯿﺎﺗﮫﺎ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻌﻄﻒ: ﻟﻘﺪ دﻓﻊ ﻟﻜﻢ اﻟﺘﺎﺟﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻏﺮاﻣﺔ اﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺎت اﻟﺘﻲ ﻗﻤﺘﻢ ﺑﮫﺎ ،وﻟﻜﻨﻲ أرﻓﻖﺑﻜﻢ أن ﺗﻌﻮدوا ﻟﻤﺜﻠﮫﺎ! ﺷﻜﺮه اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ،ﺛﻢ اﻧﺼﺮﻓﻨﺎ ﻓﻲ ﻓﺮح ﻳﺸﻮﺑﻪ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﯿﺮة واﻟﻘﻠﻖ وﺑﻌﺾ ﻣﻦ اﻟﺤﺬر ،ﺑﻌﺪ ﻧﺼﻒ اﻟﺴﺎﻋﺔ ،ﻛﻨﺎ ﺟﻤﯿًﻌﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺰل ،اﺳﺘﻘﺒﻠﻨﺎ أھﻞ اﻟﻤﻨﺰل ﺑﺎﻟﻔﺮح واﻟﺴﻌﺎدة ،أﻟﻘﺖ )أروى( ﺑﻨﻔﺴﮫﺎ ﻓﻲ ﺣﻀﻦ أﺑﯿﮫﺎ وﺟﺜﻰ أﺧﻮھﺎ اﻟﺼﻐﯿﺮ )ﻟﯿﺚ( ﻋﻠﻰ ﻳﺪه ﻳﻘﺒﻠﮫﺎ ،ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ ﻧﺤﻮي ﻗﺎﺋًﻼ: ﺷﻜًﺮا ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( أﻧﺖ ﻧﻌﻢ اﻷخ واﻟﺼﺪﻳﻖ.اﺣﻤﺮّ وﺟﮫﻲ ﺧﺠًﻼ ،وازدادت ﺣﻤﺮﺗﻪ ﺣﯿﻦ ﻧﻈﺮت إﻟﻰ )أروى( ﺑﺎﻣﺘﻨﺎن ،ﻓﺘﻤﺘﻤ ُ ﺖ ﺑﻜﻠﻤﺎت ﻏﯿﺮ ﻣﻔﮫﻮﻣﺔ ﻣﻦ اﻻﺿﻄﺮاب ،وﻛﺄﻧﻲ أﻗﻮل ﻟﻪ )ﻋﻔًﻮا(. ﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ أﺗﻰ اﻟﻄﺒﯿﺐ اﻟﺬي دﻋﺎه اﻟﺘﺎﺟﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( ،ﻓﻄﮫﺮ ﺟﺮح ﻋﻤﺮو ﺑﻤﻨﻘﻮع اﻟ َ ﺤْﺮَﻣﻞ واﻟﻘﺮﻧﻔﻞ أوًﻻ ﺛﻢ وﺿﻊ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺜﻮم اﻟﻤﻄﺤﻮن وطﻠﺐ ﻣﻨﻲ أﻻ ُﺗﻔﻚ اﻟﻀﻤﺎدة ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم. وﺣﯿﻨﻤﺎ ﺧﺮج اﻟﻄﺒﯿﺐ أﺳﱠﺮ إﻟ ﱠ ﻲ وإﻟﻰ اﻟﺸﯿﺨﯿﻦ )ﻧﺎﺑﺖ( و)دوﻣﺔ( ﺑﺤﺪﻳﺜﻪ ،وﻟﻌﻠﻪ ظﻦ أﻧﻨﻲ أﺧﻮ )ﻋﻤﺮو( ﻣﻦ ﻛﺜﺮة ﻣﺎ رأى ﻣﻦ اھﺘﻤﺎﻣﻲ ،ﻓﻘﺎل: إن اﻟﺠﺮح ﻏﺎﺋﺮ وﻗﺪ ﺑﺪأ ﻓﻲ اﻟﺘﻘﯿﱡﺢ ،وﻗﺪ ﺗﺰداد اﻟﺤﻤﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء ،ﻳﺠﺐ أنﻳﻜﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﺮاﺣﺔ وﺷﺮب اﻟﻤﺎء اﻟﻔﺎﺗﺮ ،وأﻛﻞ ﻓﺼﻮص اﻟﺜﻮم واﻟﺒﺼﻞ ﻳﻮﻣﯿﺎ ،وﺳﺄﻋﻮد إﻟﯿﻪ ﺑﻌﺪ ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم ﻟﺘﻀﻤﯿﺪ اﻟ ُ ﺠﺮح. ﺳﺄﻟﻪ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻓﻲ ﻗﻠﻖ: ﻛﻢ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻳﺤﺘﺎج ﻟﻠﺮاﺣﺔ؟اﻟﺘﻘﻰ ﺣﺎﺟﺒﺎ اﻟﻄﺒﯿﺐ ﻓﻲ ﺟﺪﻳﺔ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﺑﻌﺪ ﺗﺪﺑﺮ: إن ھﺪأت اﻟﺤﻤﻰ ﻓﻘﺪ ﻳﺴﺘﻐﺮق اﻟ ُﺠﺮح أرﺑﻌﺔ أﺳﺎﺑﯿﻊ ﻛﻲ ﻳﺒﺮأ. ﺗﻨﮫﺪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( وﻗﺎل وھﻮ ﻳﺮﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻒ أﺧﯿﻪ: اﻷﻣﺮ ،ﺛﻢ ﺷﻜﺮ اﻟﻄﺒﯿﺐ واﻧﺼﺮﻓﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮة ،ذھﺒﻨﺎ إﻟﻰ ﺣﺠﺮة اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻓﻮﺟﺪﻧﺎه ﻳﺠﻠﺲ إﻟﻰ اﻟﺘﺎﺟﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( اﻟﺬي ﺗﻮﻗﻒ ﻋﻦ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﺠﺄة ﺣﯿﻨﻤﺎ رآﻧﺎ ،ﺳﺄﻟﻨﺎ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻋﻦ ﺣﺎل )ﻋﻤﺮو( ،ﻓﺄﺧﺒﺮه اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﺑﻤﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻟﻄﺒﯿﺐ ،ﺗﻨﮫﺪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻛﻞ ﻗﺪر ﷲ ﺧﯿﺮ.أراد اﻟﺘﺎﺟﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( أن ﻳﻨﺼﺮف ،وﻟﻜﻦ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻗﺎل: اﺟﻠﺲ ﻳﺎ )ﺷﮫﺒﻮر( وأﻛﻤﻞ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺗﻘﻮﻟﻪ ﻋﻦ ﻣﻠﻚ إدوم.ﺗﺮدد )ﺷﮫﺒﻮر( ﻟﺤﻈﺔ ووﺟﺪﺗﻪ ﻳَ ُ ﻤ ّ ﺪ اﻟﻄﺮف ﻧﺤﻮي ،ﻓﻘﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: ﻻ ﺗﻘﻠﻖ ،إن )ﺷﻤﻌﻮن( ھﻮ اﺑﻦ ﻣﻦ أﺑﻨﺎﺋﻲ.ﻚ ﻓﺎطﻤﺄن اﻟﺮﺟﻞ واﻧﻔﺮﺟﺖ أﺳﺎرﻳﺮه ،ﺛﻢ اﻧﻄﻠﻖ ﻳﻘﺺ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺧﺒﺮ ﻣﻠ ٍ ﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺐ ،ﻣِﻠ ٌ ﻚ اﺳ ُ ل أﺣﻮال ﻣﻤﻠﻜﺔ إدوم وﻗﻠَﺒﮫﺎ رأ ً ﺑﱠﺪ َ ﻤﻪ )ھَﺪُد ﺑﻦ ﺑَﺪد(. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ واﻟﻌﺸﺮون ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر(: ﻛﺎﻧﺖ أرﺿﻨﺎ ﺗﻨﻌﻢ ﺑﺎﻟﺴﻼم ﻣﻨﺬ أن ﺧﻠﻘﮫﺎ ﷲ ،وﻛﻨﺎ ﻧﺴﺘﻤﻊ إﻟﻰ ﺣﻜﺎﻳﺎتاﻷﺟﺪاد ﻋﻦ اﻟﻘﻮاﻓﻞ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﺮ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺣﺪب وﺻﻮب ﻓﯿﺘﻮﻗﻔﻮن ﺑﮫﺎ ﻟﻠﺮاﺣﺔ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺴﺘﺄﻧﻔﻮا رﺣﻼﺗﮫﻢ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﻏﺮﺑًﺎ ،أو إﻟﻰ ﺳﺒﺄ ﺟﻨﻮﺑًﺎ ،أو إﻟﻰ ﻋﯿﻼم ﺷﺮًﻗﺎ ،ﻟﻢ ﻳﺪرك أﺣﺪ أھﻤﯿﺔ ھﺬه اﻷرض ﺳﻮى أﺑﯿﻨﺎ )ﻋﯿﺴﻮ( اﻟﺬي ﻓﺘﻨﺘﻪ ﺟﺒﺎل إدوم ﺑﺠﻤﺎﻟﮫﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻏﺎدر ﻛﻨﻌﺎن ،ﻓﺎﺗﺨﺬھﺎ ﻣﺤﻼ ﻟﻺﻗﺎﻣﺔ ھﻮ وأﺑﻨﺎؤه، واﺷﺘﻐﻠﻮا ﺑﺘﻮﻓﯿﺮ ﺳﺒﻞ اﻟﺮاﺣﺔ ﻟﻠﻘﻮاﻓﻞ اﻟﻤﺎرة ﺑﮫﺎ ،وﺗﺰوج ﻋﯿﺴﻮ ﻣﻦ )ﻣﺤﻠﺔ( اﺑﻨﺔ أﺑﯿﻨﺎ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﻓﻜﺜﺮ أﺑﻨﺎؤه ،واﻣﺘﺰﺟﻮا ﺑﺎﻟﻘﻮاﻓﻞ اﻟﻮاﻓﺪة إﻟﻰ أرض إدوم، وﺗﺰوﺟﻮا ﻣﻦ ﻧﺴﺎﺋﮫﺎ ﺣﺘﻰ ﺻﺎرت ﻓﻲ إدوم ﻋﺸﺮات اﻟﺒﻄﻮن ،ﻳﺤﻜﻤﮫﺎ رﺟﻞ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء )ﻋﯿﺴﻮ( ،وﻛﺎن آﺧﺮھﻢ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻤﻌﻈﻢ )ھﻮﺷﺎم(. ﺣﺎ ،وﺗﺎﺟًﺮا ﻣﺎھًﺮا أﻳ ً ﻛﺎن )ھﻮﺷﺎم( ﺣﯿﻦ ﺗﻮﻟﻰ اﻟﺤﻜﻢ ﺷﺎﺑﺎ طﻤﻮ ً ﻀﺎ ،وﺣﯿﻦ ﺗﻮﻟﻰ اﻟﺤﻜﻢ أراد أن ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ إدوم ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻋﻈﻤﻰ ،ﻓﺄﻗﺎم ﺣﺎﺿﺮﺗﮫﺎ »ﺑﺼﺮى« ﻋﻠﻰ ﻏﺮار ﺣﻮاﺿﺮ اﻟﻤﻤﺎﻟﻚ اﻟﻌﻈﻤﻰ ﻓﻤﱠﮫﺪ ﺳﺒﻞ اﻟﺘﺠﺎرة ﺑﮫﺎ ،وأّﻣﻦ طﺮﻗﮫﺎ ﺿﺪ اﻟﻌﺮﺑﺎن وﻗﻄﺎع اﻟﻄﺮق ،ﺣﺘﻰ ازدھﺮت ﺣﺎﺿﺮﺗﻨﺎ وﺻﺎرت أﺟﻤﻞ اﻟﻤﺪاﺋﻦ ،وأراد )ھﻮﺷﺎم( ﺑﻌﺪ أن ازدھﺮت اﻟﺒﻼد ﻓﻲ ﻋﮫﺪه أن ﻳﺆﺳﺲ ﻟﮫﺎ ﺟﯿ ً ﺸﺎ ﻧﻈﺎﻣﯿﺎ ﻳﺤﻔﻆ ﻟﮫﺎ ھﯿﺒﺘﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﻏﺮار ﺟﯿﻮش ﻛﻨﻌﺎن وﻣﺼﺮ وآﺷﻮر ،ﻓﻌﮫﺪ ﺑﺬﻟﻚ إﻟﻰ رﺟﻞ ﻣﻦ ﺟﺒﺎﺑﺮة ﻛﻨﻌﺎن اﺳﻤﻪ )ھﺪد ﺑﻦ ﺑﺪد(. ﺻﻤﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ،ﺛﻢ ﺗﻠﻔﺖ ﺣﻮﻟﻪ وﻗﺎل ﺑﺼﻮت أﺧﻔﺾ ﻣﻤﺎ ﺳﺒﻖ: ﻛﺎن )ھﺪد( رﺟًﻼ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺒﺄس ،ﻳﺠﯿﺪ اﻟﺒﻄﺶ ﺑﺄﻋﺪاﺋﻪ واﻟﺘﻨﻜﯿﻞ ﺑﮫﻢ ،اﺳﺘﻄﺎع أن ﻳﺼﻨﻊ ﺟﯿ ً ﺸﺎ ﻧﻈﺎﻣﯿﺎ ﻳﺮھﺐ ﺑﻪ ﺟﯿﺮان إدوم ﻣﻦ اﻟﻤﻤﺎﻟﻚ اﻟﻄﺎﻣﻌﺔ ﺑﮫﺎ ،وﻟﻜﻨﻪ اﺳﺘﻄﺎع أﻳ ً ﻀﺎ أن ﻳﺼﻨﻊ ﺟﯿ ً ﺸﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺮطﺔ ﻛﻲ ﻳﺮھﺐ ﺑﻪ أھﻞ إدوم وأﺑﻨﺎءھﺎ! ﻓﻨﺸﺮ اﻟﺒﺼﺎﺻﯿﻦ ﻓﻲ اﻷﺳﻮاق واﺳﺘﺠﻠﺐ ﻣﺮﺗﺰﻗﺔ ﻣﻦ ﻛﻨﻌﺎن ﻛﻲ ﻳﻌﻤﻠﻮا ﻣﻌﻪ. وﺟﺪﺗﻨﻲ رﻏ ً ﻤﺎ ﻋﻨﻲ أﻗﺎطﻌﻪ ،وأﻗﻮل ﻣﺴﺘﻨﻜًﺮا: وأﻳﻦ ﻛﺎن اﻟﻤﻠﻚ )ھﻮﺷﺎم( ﻣﻦ ﻛﻞ ھﺬا؟!ﻗﺎل ﻓﻲ ﻳﺄس وﺣﺰن: ﻛﺎن اﻟﻤﻠﻚ )ھﻮﺷﺎم( ﻗﺪ ﺗﻘﺪﻣﺖ ﺑﻪ اﻟﺴﻦ آﻧﺬاك ودب ﺑﻪ اﻟﻀﻌﻒ ،ﻓﻀًﻼ ﻋﻦأن )ھﺪد ﺑﻦ ﺑﺪد( ﻗﺪ أﺣﺎطﻪ ﺑﺜﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺮّاس ﻋﺰﻟﺘﻪ ﻋﻦ اﻟﺮﻋﯿﺔ ،ﻓﻠﻢ ﺗﺼﻞ إﻟﯿﻪ ﺷﻜﻮى وﻻ ﻣﻈﻠﻤﺔ وﻟﻢ ﺗﺮد إﻟﯿﻪ ﺳﻮى أﻧﺒﺎء ﺟﯿﺶ )ھﺪد( اﻟﻌﻈﯿﻢ! ﺗﻨﮫﺪ وﻛﺄﻧﻤﺎ أﺛﺎرت اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت وﺟﯿﻌﺘﻪ ﺛﻢ ﻗﺎل: -وﻓﻲ ﻳﻮم ﺣﺰﻳﻦ ،ﻣﺎت آﺧﺮ ﻣﻠﻮك اﻟﺮﺣﻤﺔ اﻟﻤﻠﻚ )ھﻮﺷﺎم( ،ﺣﯿﻨﺌﺬ أﻋﻠﻦ )ھﺪد ﺑﻦ ﺑﺪد( أﻧﻪ ﻗﺪ ﺗﻘﺪم ﻟﻠﺒﯿﻌﺔ ﻛﻲ ﻳﻜﻮن ﻣﻠ ً ﻜﺎ ﻋﻠﻰ إدوم! ﺳﺄﻟﻪ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ(: وھﻞ ﺑﺎﻳﻌﻪ أﺑﻨﺎء ﻋﯿﺴﻮ؟!اﺑﺘﺴﻢ ﺳﺎﺧًﺮا وﻗﺎل: ﻟﻢ ﻳﺠﺮؤ أﺣﺪ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻋﯿﺴﻮ ﻋﻠﻰ طﻠﺐ اﻟﺒﯿﻌﺔ ﻟﻨﻔﺴﻪ!وﻟﻢ ﻳﺠﺮؤ أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺮﻋﯿﺔ ﻋﻦ اﻟﺘﺨﻠﻒ ﻋﻦ اﻟﺒﯿﻌﺔ! ﺛﻢ أردف ﻓﻲ ﺳﺨﺮﻳﺔ ﻛﺎﻟﺒﻜﺎء: ﺣﺘﻰ أﻧﺎ ﺑﺎﻳﻌﺘﻪ وأرﺳﻠﺖ ﻟﻪ ﺛﻼﺛﯿﻦ ﺛﻮﺑًﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻳﺮ ھﺪﻳﺔ إﻟﻰ ﻗﺼﺮه!أطﺮق ﺻﺎﻣًﺘﺎ ﻟﻠﺤﻈﺎت ،وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗﺠﺪد اﻷﺳﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ ،ﺛﻢ أردف. وأراد )ھﺪد( أن ﻳﺴﯿﻄﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺤﺮ ﻛﻤﺎ ﺳﯿﻄﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺮ ،ﻓﺄﻧﺸﺄ أﺳﻄﻮًﻻﻣﮫﯿﺒًﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﻮاطﺊ إدوم ،وﺻﺎر ھﺬا اﻷﺳﻄﻮل ﻳﺠﻮب ﻣﯿﺎه اﻟﺒﺤﺮ ﻣﻦ إدوم وﺣﺘﻰ ﻋﺼﯿﻮن ﺟﺎﺑﺮ ،ﻳﻔﺮض ﺳﯿﻄﺮﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺮﻓﺄ وﻳﺴﻄﻮ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻔﻦ ﺣﺘﻰ وإن ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻔﯿﻨﺔ ﺻﻐﯿﺮة ﻟﻤﺴﺎﻛﯿﻦ ﻳﻌﻤﻠﻮن ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ! ! ﺳﺄﻟﻪ اﻟﺸﯿﺦ ﻧﺎﺑﺖ آﺳًﻔﺎ: وﻣﻨﺬ ﻣﺘﻰ وأﻧﺘﻢ ﺗﻌﺒﺪون ﷲ ﺳﺮا ﻓﻲ إدوم؟ﺗﻨﮫﺪ )ﺷﮫﺒﻮر( ورأﻳﺖ دﻣﻌﺔ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﻪ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻣﻨﺬ ﻋﺎﻣﯿﻦ ،ﺣﯿﻨﻤﺎ أﻋﻠﻦ )ھﺪد ﺑﻦ ﺑﺪد( أن اﻹﻟﮫﯿﻦ ﻋﺸﺘﺎر وﻗﻮس ھﻤﺎ إﻟَﮫﺎﻣﻤﻠﻜﺔ إدوم وأﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﻮز اﻟﺠﮫﺮ ﺑﻌﺒﺎدة أﺧﺮى ﻏﯿﺮھﺎ! وﻟﮫﺬا أﻟﻘﻰ اﻟﺸﺮطﻲ )ﻛﺮوﻧﻮس( اﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﯿﻜﻢ ﻟﻠﺠﮫﺮ ﺑﺎﻟﺼﻼة ،وﻟﻮﻻ رﺷﻮة ھﺒَ ْ ﻣﻘﺪارھﺎ أﻟﻒ دﻳﻨﺎر َذ َ ﺖ ﻟﺼﺎﺣﺐ اﻟﺸﺮطﺔ ﻷرﺳﻠﻜﻢ ﻟﻠﻤﺤﺎﻛﻤﺔ. ﻋﻠﻤﺖ أن اﻟﻀﺎﺑﻂ اﻟﺒﻐﯿﺾ اﺳﻤﻪ )ﻛﺮوﻧﻮس( ،وﺻﻤﺖ اﻟﺠﻤﯿﻊ ،ووﺟﺪﺗﻨﻲ أﻗﻮل دون وﻋﻲ ﻣﻨﻲ وأﻧﺎ أﺗﺄھﺐ ﻟﻠﻘﯿﺎم: ﻧﺤﻤﺪ اﻟﺮب )إﻳﻞ( أن ﻧﺠﻮﻧﺎ ﺑﻔﻀﻠﻚ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﺷﮫﺒﻮر(!ﺳﺄﻟﻘﻲ ﻧﻈﺮة ﻋﻠﻰ )ﻋﻤﺮو(! وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻧﻄﻖ ﻟﺴﺎﻧﻲ ﺑﺸﻲء أذھﻠﻪ ،ﻓﻘﺎل راﻓًﻌﺎ ﺣﺎﺟﺒﯿﻪ ﻣﻦ اﻟﺪھﺸﺔ: -اﻟﺮب )إﻳﻞ(! ! ھﻞ أﻧﺖ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻳﺎ ﻓﺘﻰ؟ ﺑﺎن اﻻﻧﺰﻋﺎج ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻲ وﺷﻌﺮت ﺑﺎﻻﺗﮫﺎم ﻓﻲ طﯿﺎت ﻛﻼﻣﻪ ،ﻓﻘﻠﺖ ﻣﻀﻄﺮﺑًﺎ: ﻧﻌﻢ!وﻛﺄﻧﻤﺎ أﻟﻘﯿﺖ ﻓﻲ وﺟﮫﻪ ﺑﺤﺠﺮ ﺻﻠﺪ ،ﻓﻘﺎل: أرﺟﻮ أﻻ ﻳﻌﻠﻢ أﺣﺪ ﺑﺬﻟﻚ!! ﻓﮫﻮ ﻳﻜﺮه ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ اﻵن ،أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﻜﺮه ﺑﻨﻲ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( وﻋﯿﺴﻮ! ﺳﺄﻟﻪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: ﻟﻤﺎذا؟ﻗﺎل: ﻗﺪ ﺗﺰوج )ھﺪد ﺑﻦ ﺑﺪد( ﺑﺎﺑﻨﺔ اﻟﻔﺮﻋﻮن اﻟﺬي ھﻠﻚ وراء )ﻣﻮﺳﻰ( ،وأظﻨﻪ ﻟﻦﻳﺠﺪ أﺛﻤﻦ ﻣﻦ رأس ﻋﺒﺮاﻧﯿﺔ ﻳﮫﺪﻳﮫﺎ إﻟﻰ ﺻﮫﺮه ﻓﻲ أرض ﻣﺼﺮ. وﻛﺄﻧﻤﺎ ارﺗﻔﻌﺖ ﺑﻲ ﻳٌﺪ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﻗﻮﻟﻪ ،ﺛﻢ أﻟﻘﺖ ﺑﻲ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﺳﺤﯿﻖ! ∞∞∞∞∞ ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ اﻧﻘﺴﻤﻨﺎ إﻟﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺘﯿﻦ ،ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ أﺧﺬت ﻓﻲ ﻋﺮض اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻟﺘﻲ أﺗﺖ ﺑﮫﺎ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻣﻦ ﺑﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ ﺑﻌﺪ أن ﺧﺼﺺ ﻟﻨﺎ اﻟﺘﺎﺟﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( ﺣﺎﻧﻮﺗﯿﻦ ﻟﮫﺬا اﻟﻐﺮض ،وﻣﺠﻤﻮﻋﺔ أﺧﺮى ـوھﻲ اﻷﻛﺒﺮ -طﺎﻓﺖ ﻓﻲ اﻟﺴﻮق ﻟﺘﺸﺘﺮي ﺑﻀﺎﻋﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻛﻲ ﺗﺤﻤﻠﮫﺎ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻣﻌﮫﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﺮﺣﯿﻞ إﻟﻰ وادي ﺑﻜﺔ. ﺧﯿﱠﺮﻧﻲ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﺑﯿﻦ اﻟﺒﻘﺎء ﻓﻲ اﻟﺤﺎﻧﻮت ﻣﻊ وﻟﺪه اﻟﺼﻐﯿﺮ )ﻟﯿﺚ( أو أن أراﻓﻘﻪ إﻟﻰ اﻟﺴﻮق ﻟﻠﺸﺮاء ،ﻓﺎﺧﺘﺮت اﻟﺒﻘﺎء ﻓﻲ اﻟﺤﺎﻧﻮت ،ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ أرﻏﺐ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺮاﺣﺔ ﻟﻘﻠﺔ ﻧﻮﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ،ﻓﻀًﻼ ﻋﻦ ﻋﻠﻤﻲ ﺑﺄن )أروى( ﺳﺘﺮاﻓﻖ أﺧﺎھﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم. ﻛﺎن اﻟﺠﻮ ﺻﺤًﻮا واﻟﺴﻮق ﻟﻢ ﺗﻜﺘﻆ ﺑﻌﺪ ﺑﺎﻟﻨﺎس ،وﺿﻌﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺎﻧﻮت اﻷول ﺟﺮار اﻟﻌﺠﻮة اﻟﻤﻄﺒﻮﺧﺔ ﻋﺸﺮات اﻟﺠﻮاﻟﻖ ﻣﻦ اﻟﺘﻤﺮ اﻟﺠﺎف واﻟﺘﻤﺮ اﻟﺮطﺐ و ِ ﺑﺎﻟﺴﻤﻦ واﻟﻌﺴﻞ ،ﻋﻠﻤﺖ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻰ )ﻟﯿﺚ( أن ﻗﺒﯿﻠﺘﮫﻢ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﮫﺎ ﻣﻦ ﺷﻤﺎل ﺔ ﻣﺎ ﻳﻨﺒﺖ ﻓﯿﮫﺎ ض ھﻨﺎك ﺗﺸﺒﻪ »اﻟﻌﺮﻳﺶ« ﻣﻦ ﻛﺜﺎﻓ ِ ﺳﯿﻨﺎء ،وﺣﻜﻰ ﻟﻲ ﻋﻦ أر ٍ ﻤ ْ ﺟﻨﯿًﺔ ﻟِ َ ﻣﻦ اﻟﻨﺨﯿﻞ ﺣﺘﻰ إن اﻟﱡﺮطَﺐ ﺗﺘﺴﺎﻗﻂ ﻣﻨﮫﺎ َ ﻦ ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻲ ﺟﻤﻌﮫﺎ ،وﻛﺎن اﻷﻋﺮاب ﻳَِﻔُﺪون إﻟﯿﮫﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ﻛﻲ ﻳﺠﻤﻌﻮا اﻟﺘﻤﻮر ،ﻓﯿﺠﻔﻔﻮن ﺑﻌﻀﮫﺎ، وﻳﺒﻘﻮن ﺑﻌﻀﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻪ أو ﻳﺨﺰﻧﻮﻧﮫﺎ ﻓﻲ ﺟﺮار ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﻋﺠﻮة ﻣﻄﺒﻮﺧﺔ. ﺳﺄﻟﺘﻪ: وﻟﻤﺎذا ﻻ ﺗﺒﯿﻌﻮن اﻟﺘﻤﻮر ﻓﻲ ﺑﻜﺔ؟ﻗﺎل: ﻓﻲ ﺑﻜﺔ ﺗﻜﺜﺮ اﻟﺘﻤﻮر وﻳﻔﺪ إﻟﯿﮫﺎ أﻧﻮاع أﺟﻮد ﻣﻦ ﻓﺎران وﺣﻀﺮﻣﻮت ،ﻓﻀًﻼ ﻋﻦ أنطﻮل اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﻗﺪ ﻳﻔﺴﺪ اﻟﻌﺠﻮة ﻓﻨﻀﻄﺮ إﻟﻰ ﺑﯿﻌﮫﺎ رﺧﯿﺼﺔ ،وﻟﮫﺬا ﻧﺒﯿﻊ ﻣﺎ ﻧﻤﻠﻜﻪ ھﻨﺎ ﻓﻲ إدوم ،ﺛﻢ ﻧﺸﺘﺮي ﻣﻨﮫﺎ اﻷﻗﻤﺸﺔ واﻟﻔﺨﺎر وأﻧﻮاًﻋﺎ أﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﺤﺒﻮب واﻟﻄﺤﯿﻦ ﻟﻨﺒﯿﻌﮫﺎ ﻓﻲ ﺑﻜﺔ. أﻣﺎ اﻟﺤﺎﻧﻮت اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻜﺎن ﻳﻘﺎﺑﻞ ﺣﺎﻧﻮت اﻟﺘﻤﺮ ،وﻗﻔﺖ ﻓﯿﻪ )أروى( وﻛﺎن ُﻳﺒﺎع ﻓﯿﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺸﻐﻮﻻت اﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺟﺮﻳﺪ اﻟﻨﺨﻞ و َ ص وﻣﺸﺎﻧﻲ ﺳْﻌِﻔﻪ ِﻣﻦ أﻗﻔﺎ ٍ وﺣﺒﺎل ،وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﻤﺸﻐﻮﻻت ﻣﻦ ﺻﻨﻊ ﻧﺴﺎء اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ ،ﻳﻘﻤﻦ ﺑﺈﻋﺪادھﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى ﺷﮫﻮر ﻟﺒﯿﻌﮫﺎ ﻓﻲ ﺳﻮق ﺑﺼﺮى ،واﻟﻌﺠﯿﺐ أن ھﺬه اﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎت ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻘﻰ روا ً ﺟﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﻤﻮر ،وﻟﻌﻞ اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ذﻟﻚ أن أﻏﻠﺐ زﺑﺎﺋﻨﮫﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء. وﻋﻨﺪ اﻟﻈﮫﯿﺮة ﺗﻜﺎﺛﺮت اﻟﺰﺑﺎﺋﻦ ﻓﻲ اﻟﺴﻮق ،وﺻﺮت أﻧﺎ و)ﻟﯿﺚ( ﻻ ﻧﮫﺪأ ﻣﻦ اﻟﻜﯿﻞ واﻟﺒﯿﻊ ،ﻛﺎن ﻳﻘﻮم ھﻮ ﺑﺘﻌﺒﺌﺔ اﻷﻛﯿﺎل وأﻗﻮم أﻧﺎ ﺑﻤﺤﺎﺳﺒﺔ اﻟﻤﺸﺘﺮﻳﻦ ،وﺑﯿﻦ اﻟﻔﯿﻨﺔ واﻟﻔﯿﻨﺔ ﻛﻨﺎ ﻧﻠﻘﻲ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻠﻰ )أروى( اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﺎرس ﺑﯿﻌﮫﺎ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ وﻣﮫﺎرة رﻏﻢ أﻧﮫﺎ وﺣﺪھﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﯿﻨﺎ ﻣﺒﺘﺴﻤﺔ ﻛﻠﻤﺎ أﺿﺎﻓﺖ ﻗﻄﻌﺔ ﻧﻘﺪﻳﺔ إﻟﻰ ﻛﯿﺲ ﻧﻘﻮدھﺎ اﻟﺬي ﻋﻠﻘﺘﻪ ﻓﻲ رﻗﺒﺘﮫﺎ ﺛﻢ ﺗﺮﻓﻌﻪ إﻟﯿﻨﺎ وھﻲ ﺗﻐﻤﺰ ﺑﻌﯿﻨﮫﺎ ﻛﻲ ﺗﺜﯿﺮ ﻏﯿﻈﻨﺎ ،وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﺘﺤﺪاﻧﺎ ﻓﻲ أن ﻧﺤﻘﻖ ﻣﺎ ﺗﺤﻘﻘﻪ ھﻲ ﻣﻦ أرﺑﺎح! وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻧﺤﻦ ﻣﺸﻐﻮﻟﻮن ﺑﺎﻟﺒﯿﻊ ،إذ ﺣﺪﺛﺖ ﺟﻠﺒﺔ ﻋﻨﺪ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺴﻮق ﻣﻦ ﺟﮫﺔ اﻟﺸﻤﺎل ورأﻳﻨﺎ اﻟﺰﺣﺎم ﻳﻔﺘﺮق ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺎﻧﺒﯿﻦ وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻳﻔﺴﺢ اﻟﻨﺎس اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﻤﻮﻛﺐ ﻗﺎدم ،وﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺛﺎر اﻟﻐﺒﺎر ﻓﻲ اﻟﺴﻮق ورأﻳﻨﺎ أرﺑﻌﺔ ﻓﺮﺳﺎن ﻣﻦ رﺟﺎل اﻟﺸﺮطﺔ ﻳﺘﻘﺪﻣﮫﻢ )ﻛﺮوﻧﻮس( ﻳﻤﺮون ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﻤﺰدﺣﻢ وﻗﺪ ﻛﺎدت ﺳﻨﺎﺑﻚ ﺧﯿﻠﮫﻢ أن ﺗﻄﺄ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺎرة ،ﻋﻠﻤﻨﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أن اﻟﺸﺮطﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﱡﺮ ﻣﺮﺗﯿﻦ ﻳﻮﻣﯿﺎ، ﻣﺮة ﻋﻨﺪ اﻟﻈﮫﯿﺮة ،وﻣﺮة ﺑﻌﺪ اﻧﺘﮫﺎء اﻟﺴﻮق ،وﻛﺎﻧﺖ دﻋﻮاھﻢ اﻟﻈﺎھﺮة ﺣﻔﻆ اﻟﻨﻈﺎم واﻷﻣﻦ ،وﻣﻨﻊ اﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺎت وﻟﻜﻨّﺎ ﻋﻠﻤﻨﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أن ﻓﺮﻗﺔ اﻟﺸﺮطﺔ ھﺬه ﺗﻘﻮم ﺑﺤﺼﺮ اﻟﺤﻮاﻧﯿﺖ اﻟﻤﻔﺘﻮﺣﺔ ﺑﺎﻟﻨﮫﺎر ،ﺛﻢ ﺗﻤﺮ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻐﯿﺐ وﺗﺘﺠﻤﻊ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﺎب اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﻟﻠﺴﻮق ﻣﻊ أﺻﺤﺎب اﻟﺤﻮاﻧﯿﺖ ﻣﻦ ﺗﺠﺎر إدوم ﻟﺘﺠﻤﻊ ﻣﻨﮫﻢ ﻣﻜﻮ ً ﺳﺎ وﺿﺮاﺋﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﯿﻊ واﻟﺸﺮاء! ﻣﱠﺮ )ﻛﺮوﻧﻮس( ﻣﻦ أﻣﺎﻣﻨﺎ ﻓﺘﻮﺗﺮت ﻋﻀﻼت وﺟﮫﻲ ،وﺗﺬﻛﺮت ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﺑﺎﻷﻣﺲ بـ)ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ( ﻓﺎﻧﻘﺒﻀﺖ ﻋﻀﻼت ﻳﺪي ،ﻟﻤﺢ )ﻟﯿﺚ( ﺗﻌﺒﯿﺮات وﺟﮫﻲ، ﻓﻮﻛﺰﻧﻲ وﻗﺎل ﻓﻲ ﺻﻮت ﺧﺎﻓﺖ: ﻻ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﯿﮫﻢ.وﻛﺄﻧﻤﺎ اﺷﺘﻢ )ﻛﺮوﻧﻮس( راﺋﺤﺔ اﻟﺒﻐﺾ ﺗﺨﺮج ﻣﻊ أﻧﻔﺎﺳﻲ ﻓﺎﻟﺘﻔﺖ ﻧﺤﻮي، اﻟﺘﻘﻰ ﻧﺎظﺮاﻧﺎ ،واﺑﺘﻠﻌﺘﻨﻲ ُزرﻗﺔ ﻋﯿﻨﯿﻪ اﻟﺘﻲ ﺑﺪت ﻛﻌﯿﻨﻲ ﺛﻌﺒﺎن ،ﺛﺒﱠﺖ ﻧﻈﺮاﺗﻪ ﻧﺤﻮي ﺑﯿﻨﻤﺎ دارت رأﺳﻪ ﻓﻮق ﺟﺴﺪه وﻓﺮﺳﻪ ﻻ ﻳﺰال ﻳﺘﻘﺪم إﻟﻰ اﻷﻣﺎم ،ﺷﻌﺮت ﻲ ،ﻓﺨﻔﻖ ﻗﻠﺒﻲ وﺗﺴﺎرﻋﺖ ﺿﺮﺑﺎﺗﻪ وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻮھﻠﺔ أن ﺳﯿﺴﺘﺪﻳﺮ ﺑﻔﺮﺳﻪ وﻳﻌﻮد إﻟ ّ اﺳﺘﻤﺮ ﻓﻲ ﺳﯿﺮه واﻟﺘﻔﺖ ﻋﻨﻲ أﺧﯿًﺮا. ﻟﻜﺰﻧﻲ )ﻟﯿﺚ( ﻓﻲ ﻛﺘﻔﻲ ﺑﺮﻓﻖ وﻗﺎل ﻓﻲ ﻣﺰاح ﺑﻌﺪ أن اﻧﺼﺮف اﻟﺠﻨﺪ: ظﻨﻨﺘﻚ ﺳﺘﻨﻘﺾ ﻋﻠﯿﻪ!ﻗﻠﺖ ﺻﺎدًﻗﺎ: ﻻ أدري ،وﻟﻜﻨﻲ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺒﻐﺾ ﻧﺤﻮ ھﺬا اﻟﺮﺟﻞ.ﺟﺎءﻧﻲ ﺻﻮت )أروى( وھﻲ ﺗﻘﻮل: )ﺷﻤﻌﻮن(!ﻲ ﻗﺎﺋﻠﺔ: ﻧﻈﺮت إﻟﯿﮫﺎ ،ﻓﺄﺷﺎرت إﻟ ّ ﺗﻌﺎل.ﺧﻔﻖ ﻗﻠﺒﻲ وﺗﺴﺎرﻋﺖ ﺿﺮﺑﺎﺗﻪ ﻣﺮة أﺧﺮى ،وﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎن ﺗﺴﺎرًﻋﺎ ﻣﺤﺒﺒًﺎ إﻟﻰ ﺖ إﻟﯿﮫﺎ ،ﻓﺄﻣﺴ َ ﻧﻔﺴﻲ ،ﺗﺮﻛﺖ )ﻟﯿﺚ( وذھﺒ ُ ﻜﺖ ﻳﺪي ودﺧﻠَﺖ ﺑﻲ إﻟﻰ داﺧﻞ اﻟﺤﺎﻧﻮت ،ﺧﻠَﻌﺖ ﻛﯿﺲ اﻟﻨﻘﻮد ﻣﻦ ﺣﻮل ﺟﯿﺪھﺎ وﻗﺎﻟﺖ: ﻗﻒ ﻣﻜﺎﻧﻲ ھﻨﺎ ،ﺳﺄذھﺐ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺰل ﻷﻋﺪ اﻟﻐﺪاء ﻷﺑﻲ ولـ)ﻋﻤﺮو( اﺑﻦﻋﻤﻲ. ﺣﺮﻛّﺖ ﻛﯿﺲ اﻟﻨﻘﻮد ﺑﯿﺪي ﻷﻋﻠﻰ وأﺳﻔﻞ وﻛﺄﻧﻨﻲ أِزﻧﻪ ،ﺛﻢ ﻗﻠﺖ ﺑﺎﺳ ً ﻤﺎ: ك ﺗﺜﻘﯿﻦ ﺑﻲ! ﺗﻠﻚ ﺛﺮوة طﺎﺋﻠﺔ ،أرا ِزﱠﻣﺖ ﺷﻔﺘﯿﮫﺎ وﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﻣﺮح: ﻟﯿﺲ ﺗﻤﺎًﻣﺎ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻻ أﺛﻖ ﻓﻲ )ﻟﯿﺚ( أﻛﺜﺮ!ﻗﻠﺖ ﻣﺎز ً ﺣﺎ: ﺣﻘﺎ!أﻋﺘﻘﺪ أﻧﻚ ﺳﺘﻜﻮﻧﯿﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻟﻪ ﺑﺎﻻﻋﺘﺬار ﻓﻲ ﻧﮫﺎﻳﺔ اﻟﯿﻮم! ﻗﻄ ّﺒﺖ ﺣﺎﺟﺒﯿﮫﺎ وﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺗﮫﺪﻳﺪ ﻣﺼﻄﻨﻊ وھﻲ ﺗﺴﺘﻌﺪ ﻟﻼﻧﺼﺮاف: ﻟﻦ ﺗﺠﺮؤ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺎس ﺑﻨﻘﻮدي!ﺛﻢ اﺳﺘﺪارت ﻋﺎﺋﺪة ﺑﻌﺪ أن ﺧﻄﺖ ﺧﻄﻮات ﺧﺎرج اﻟﺤﺎﻧﻮت وﻗﺎﻟﺖ: ﻛﻤﺎ أﻧﻲ أﺛﻖ ﺑﻚ ﻋﻠﻰ أي ﺣﺎل!ﻗﻠﺖ ﺿﺎﺣ ً ﻜﺎ: وﻣﺎ ﻣﺼﺪر ﺗﻠﻚ اﻟﺜﻘﺔ؟ﻗﺎﻟﺖ: ﻣﻨﺬ أﻧﻘﺬﺗﻨﻲ ﻓﻲ ﺣﺎدﺛﺔ اﻟﺴﯿﻞ!ﻓﻐﺮت ﻓﺎھﻲ دھﺸﺔ وﻗﻠﺖ: أﻣﺎ زﻟﺖ ﺗﺬﻛﺮﻳﻦ؟ﻗﺎﻟﺖ وﻗﺪ ﺗﻮرد ﺧ ّ ﺪاھﺎ ﺧﺠًﻼ: ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ،ھﻞ ﻧﺴﯿﺖ أﻧﺖ؟!ﻗﻠﺖ ﻣﻀﻄﺮﺑًﺎ: ﻛﻼ ،وﻟﻜﻨﻲ أﻗﺼﺪ أﻧﻚ ﻛﻨﺖ ﺻﻐﯿﺮة.اﺑﺘﺴ َ ﻤﺖ وﻗﺎﻟﺖ: وأﻧﺖ أﻳ ًﻀﺎ ﻛﻨﺖ ﺻﻐﯿًﺮا ،وﻟﻜﻦ ھﻨﺎك ﻣﻦ اﻟﺤﻮادث ﻣﺎ ﻻ ﻳﻨﺴﻰ! ﻟﻢ أﺟﺪ ﻣﺎ أﻗﻮﻟﻪ ،وﺗﻌﺜﺮت اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺘﻲ ،ﻓﺎﺳﺘﺪارت وھﻲ ﺗﻘﻮل: ﺳﺄﻋﻮد ﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺔ ﺑﺎﻟﻐﺪاء ﻟﻚ وﻷﺧﻲ )ﻟﯿﺚ(.وﺗﺮﻛﺘﻨﻲ ﻓﻲ ﺣﺎل ﻣﻦ اﻻﺿﻄﺮاب واﻟﻨﺸﻮة ﻟﻢ أﺷﻌﺮ ﺑﮫﻤﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﻼﺛﻮن ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ﻛﺎن اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻓﻲ ﻓﻨﺎء اﻟﻤﻨﺰل اﻟﺨﻠﻔﻲ ،اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ووﻟﺪاه وأﻧﺎ، ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺟﻠﺲ اﻟﺘﺎﺟﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺘﺼﻒ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪھﺸﺔ ﺑﺎدﻳﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( وھﻮ ﻳﺘﺤﺪث ﻋﻦ أﺣﺪاث ﻳﻮﻣﻪ ،وﻋ ّ ﻤﺎ رآه ﻓﻲ ﺟﻮﻟﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺴﻮق أﺛﻨﺎء اﻟﻨﮫﺎر ،ﻛﺎن ﻳﺮى أن اﻟﺒﻠﺪة ﻗﺪ ﻋ ّ ﻤﮫﺎ اﻻزدھﺎر وﻟﻢ ﻳﺘﺨﯿﻞ أﻧﻪ ﻓﻲ ﻓﺘﺮة وﺟﯿﺰة ﻗﺪ أﺻﺒﺢ ھﻨﺎك ھﺬا اﻟﻜﻢ ﻣﻦ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﺮق واﻟﻐﺮب واﻟﺠﻨﻮب ،وﻟﻜﻨﻪ ﺷﻜﺎ ﻣﻦ اﻟﻐﻠﻮ اﻟﻔﺎﺣﺶ ﻓﻲ اﻷﺳﻌﺎر، واﻟﺘﻲ ﺗﻀﺎﻋﻔﺖ ﻣﺮات ﻋﺪﻳﺪة ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﺄﺳﻌﺎر اﻟﺒﻠﺪة ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﺴﻨﻮات ﺛﻼث! ﺳﺄﻟﻪ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ(: ھﻞ رأﻳﺖ ﺳﻮق اﻟﺴﻼح؟ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﺑﺎﺳ ً ﻤﺎ: ﻧﻌﻢ!ووددت ﻟﻮ اﺷﺘﺮﻳﺖ ﺳﯿًﻔﺎ وﺗﺮ ً ﺳﺎ ﻟﻜﻞ ﻓﺮد ﻓﻲ اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ ،وﻟﻜﻨﻲ ﺣﯿﻦ ﻋﻠﻤﺖ أﺳﻌﺎرھﺎ اﻛﺘﻔﯿﺖ ﺑﺸﺮاء ﺑﻀﻌﺔ ﺳﯿﻮف ﻟﺤﺮاس اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ. ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر( ﻣﻌﻘﺒًﺎ ﻓﻲ ﺟﺪﻳﺔ: ھﺬه اﻟﺴﻮق ﻣﻤﺎ أﺗﻰ ﺑﻪ اﻟﻤﺮﺗﺰﻗﺔ اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﻮن إﻟﻰ ﺑﻼدﻧﺎ!ﺛﻢ أردف ﺳﺎﺧًﺮا: أدﺧﻠﻮا ﻋﻠﻰ أﺳﻮاﻗﻨﺎ ﺳﻮًﻗﺎ ﻟﻠﺴﻼح وﺳﻮًﻗﺎ ﻟﻠﺠﻮاري وﺳﻮًﻗﺎ ﻟﻠﺨﻤﺮ!ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ(: ﻧﻌﻢ رأﻳﺖ ﺳﻮًﻗﺎ ﻟﻠﺨﻤﺮ ﻓﻲ أطﺮاف اﻟﺒﻠﺪة ﻳﺒﯿﻌﻮن ﻓﯿﻪ أﺻﻨﺎًﻓﺎ ﺷﱠﺘﻰ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﯿﺬاﻟﻤﻌﺘﻖ ،اﻟﻤﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻜﺮم واﻟﺘﻤﺮ. ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( وﻛﺎن ﻳﺴﺘﻤﻊ إﻟﻰ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ وﻻ ﻳﻌﻠﻖ: وھﻞ ﺗﻠﻘﻰ اﻟﺨﻤﻮر روا ًﺟﺎ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺒﻠﺪ؟! ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر( ﻓﻲ أﺳﻒ: أﺻﺒﺤﺖ ﺷﺮاﺑًﺎ ﻟﻠﻌﺎﻣﺔ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،وﺗﻘﺎم اﻟﺤﺎﻧﺎت ﻓﻲ أطﺮاف اﻟﻤﺪﻳﻨﺔﻟﺸﺮﺑﮫﺎ. ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ أ ً ﺳﻰ: ﻗﺪ أﺻﺒﺤﻨﺎ ﻛﺎﻟﻐﺮﺑﺎء ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺒﻠﺪ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻣﻦ ﻣﻼﻣﺢ ﺑﺼﺮياﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻟﻜﺜﯿﺮ ،وﻳﻀﯿ ّﻘﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺠﺎر اﻟﺸﺮﻓﺎء اﻟﺨﻨﺎق ﻳﻮًﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﻳﻮم ﺑﺎﻟﻀﺮاﺋﺐ واﻟﻤﻜﻮس ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺸﻐﻞ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﺑﻘﻮت ﻳﻮﻣﻪ ،ﻓﻼ ﻳﻠﺘﻔﺖ إﻟﻰ ﺷﻲء آﺧﺮ! أﺗﺪري ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ )ﻛﺮوﻧﻮس( اﻟﻠﻌﯿﻦ اﻟﯿﻮم؟! ﻧﻈﺮﻧﺎ إﻟﯿﻪ ﺑﺎھﺘﻤﺎم ،ﻓﺘﺎﺑﻊ: ﻗﺪ ﻓﺮض ﻋﺸﺮ ﻓِ ّﻀﯿﺎت زﻳﺎدة ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺗﺎﺟﺮ ،ﻷﻧﻪ ﻣﱠﺮ ﺑﺎﻟﺴﻮق ووﺟﺪ روا ً ﺟﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﯿﻊ واﻟﺸﺮاء! ﺑﺎن اﻷﺳﻒ ﻋﻠﻰ وﺟﻮه اﻟﺴﺎﻣﻌﯿﻦ ،ووﺟﺪﺗﻨﻲ أﺳﺄﻟﻪ ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: وﻟﻤﺎذا ﻳﻘﺒﻞ أھﻞ اﻟﺒﻠﺪة ﺑﺎﻟﻈﻠﻢ واﻟﻐﻼء؟ﻲ وطﺎﻟﺖ ﻧﻈﺮﺗﻪ ،ﺛﻢ ﺗﻨﮫﺪ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻧﻈﺮ إﻟ ّ ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻟﻌﺪل ﻳﺼﯿﺮ اﻟﻜﻞ ﻋﺎدًﻻ ،وﻓﻲ دوﻟﺔ اﻟﻈﻠﻢ ﻳﺼﯿﺮ اﻟﻜﻞ ظﺎﻟ ًﻤﺎ ،ﻓﺎﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ دﻳﻦ ﻣﻠﻮﻛﮫﻢ ﻳﺎ ﻏﻼم! ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﺗﮫﻜﻢ: ﻟﻢ ﻳُﺮﱠد اﻟﻨﺎس اﻟﻈﻠﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻈﺎﻟﻢ ﺑﻞ ﺗﻨﺎﻗﻠﻮه ﺑﯿﻨﮫﻢ!ﺣﺘﻰ أﺻﺤﺎب اﻟﻤﺮوءة واﻟﻜﺮم ،ﺗﻜﺒﱠﻠﺖ أﻳﺪﻳﮫﻢ ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻟﻌﺪل ﻳﺼﯿﺮ اﻟﻜﻞ ﻋﺎدًﻻ ،وﻓﻲ دوﻟﺔ اﻟﻈﻠﻢ ﻳﺼﯿﺮ اﻟﻜﻞ ظﺎﻟ ً ﻤﺎ ،ﻓﺎﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ دﻳﻦ ﻣﻠﻮﻛﮫﻢ ﻳﺎ ﻏﻼم! ﺑﺎﻟﻮﺷﺎﻳﺔ واﻟﻔﺘﻦ ﺣﺘﻰ أﻣﺴﻚ ﻛﻞ ذي ﻓﻀﻞ ﻋﻦ ﻓﻀﻠﻪ ،أﺗﺪرون ﻣﻦ اﻟﺬي أﺧﺒﺮ )ﻛﺮوﻧﻮس( ﺑﺄﻣﺮﻛﻢ ﻟﯿﻠﺔ أﻣﺲ؟! ﻧﻈﺮﻧﺎ إﻟﯿﻪ ﻣﻨﺪھﺸﯿﻦ ،ﻓﻘﺎل وھﻮ ﻳﺰﻓﺮ ﻓﻲ ﻗﻮة: ﺗﺎﺟٌﺮ ﺻﻐﯿﺮ ،ﻛﺎن ﻳﻌﻤﻞ ﻳﻮًﻣﺎ ﻣﺎ أﺟﯿًﺮا ﻋﻨﺪي!ﺷﻌﺮﻧﺎ ﺑﺎﻷﺳﻒ ،وﺷﻌﺮ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺑﺄن اﻟﮫﻢ ﻗﺪ ﺛﻘﻞ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺐ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻓﻘﺎل وھﻮ ﻳﺮﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎت ﻟﯿﮫﻮن ﻋﻠﯿﻪ ﺑﺆﺳﻪ: ﺻﺒًﺮا ﻳﺎ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻗﺪ ﻳﺒﺪل ﷲ اﻷﻣﺮ ﻣﻦ ﺣﺎل إﻟﻰ ﺣﺎل.ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر( وﻗﺪ اﺣﺘﻘﻦ وﺟﮫﻪ: ﻧﻔﺪ اﻟﺼﺒﺮ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،وﻟﻢ ﻳﺘﺒﻖ ﺳﻮى اﻟﺮﺣﯿﻞ!رﻓﻊ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺣﺎﺟﺒﯿﻪ دھﺸﺔ ،وﻗﺎل: اﻟﺮﺣﯿﻞ!ﺻﻤﺖ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻗﻠﯿًﻼ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﺻﻮت ﺧﺎﻓﺖ ﺗﺤﺴﺒًﺎ ﻷي أذن ﺗﺴﺘﺮق اﻟﺴﻤﻊ: ﻧﻌﻢ ،ھﺬا آﺧﺮ ﻣﻮاﺳﻢ اﻟﺘﺠﺎرة ﻟﻲ ﻓﻲ إدوم وﺳﻮف أرﺗﺤﻞ ﻣﻊ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻛﺒﯿﺮةﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎر إﻟﻰ »ﻛﻮش«! ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻻﺳﻢ ﻏﺮﻳﺒًﺎ ﻋﻠﻰ أذﻧﻲ ،ﻓﺄﻧﺎ أﻋﺮف أن »ﻛﻮش« ﻣﻤﻠﻜﺔ ﺑﻌﯿﺪة ﺗﻘﻊ إﻟﻰ اﻟﺠﻨﻮب ﻣﻦ أرض ﻣﺼﺮ ،وﻟﻜﻨﻲ ﺗﻌﺠﺒﺖ ﻛﯿﻒ ﻳﺼﻞ إﻟﯿﮫﺎ ﻋﻠﻰ ُﺑﻌﺪ اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﻤﻠﻜﺘﯿﻦ ،ورﺑﻤﺎ ھﺬا ﻣﺎ دار ﻓﻲ ﺧﻠﺪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﻓﺴﺄﻟﻪ: وﻛﯿﻒ ﺗﺼﻞ إﻟﯿﮫﺎ؟ﻗﺎل ﺑﺼﻮت أﺷﺪ ﺧﻔﻮﺗًﺎ: ﻋﻦ طﺮﻳﻖ اﻟﺒﺤﺮ.ﺳﺄﻟﻪ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ(: وﻟﻤﺎذا ﻛﻮش؟ﻗﺎل: ھﻨﺎك ﻳﻘﺎﻳﺾ اﻟﺘﺠﺎر اﻟﻄﺤﯿﻦ ﺑﺄﺟﻮﻟﺔ اﻟﺬھﺐ!ﻛﻤﺎ أن اﻟﺘﺠﺎرة ﻻ ﺗﻨﻘﻄﻊ ﺑﯿﻨﮫﺎ وﺑﯿﻦ ﺑﻜﺔ. ﺿﺤﻚ )ﻧﺎﺑﺖ( وﻗﺎل ﻣﻤﺎز ً ﺣﺎ: اﻵن ﻋﺪت )ﺷﮫﺒﻮر( اﻟﺘﺎﺟﺮ اﻟﺬي أﻋﺮﻓﻪ!ﻟﻮھﻠﺔ ظﻨﻨﺘﻚ ﻣﮫﺎﺟًﺮا ﻟﺘﻔﺮ ﺑﺪﻳﻨﻚ ،وﻟﻜﻨﻲ آراك طﺎﻣًﻌﺎ ﻓﻲ ذھﺐ اﻷﺣﺒﺎش! ﺗﺬﻛﺮت ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﻋﻦ أﺳﻄﻮل )ھﺪد ﺑﻦ ﺑﺪد( ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ: أﻟﻢ ﺗﻘﻞ أن أﺳﻄﻮل )ھﺪد( ﻳﻄﺎرد اﻟﺴﻔﻦ ،أﻣﺎ ﺗﺨﺸﻰ أن ﻳﺴﻄﻮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﻟﻚ؟ﻲ ﻧﻈﺮة طﻮﻳﻠﺔ ،وﻛﺄﻧﻤﺎ اﺳﺘﺤﺴﻦ ذﻛﺎﺋﻲ ،وﺷﻌﺮت ﺑﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ﻧﻈﺮ إﻟ ّ ﺣﯿﻦ ﻗﺎل: أﻋﺪدت اﻟﻌﺪة ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺎ ﻓﺘﻰ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،وﻟﻦ ﻧﺘﺤﺮك ﻣﻦ إدوم ﻋﻠﻰ أي ﺣﺎلوإﻧﻤﺎ ﻣﻦ »ﻣﺠﻤﻊ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ«. ﻗﻠﺖ ﻣﺴﺘﻔﺴًﺮا: -ﻣﺠﻤﻊ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ؟! أوﻣﺄ ﺑﺮأﺳﻪ وﻗﺎل: ﻧﻌﻢ ،إﻧﻪ ﻣﺮﻓﺄ ﻳﻘﻊ ﺟﻨﻮﺑﻲ ﺑﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ ﺣﯿﺚ ﻳﻠﺘﻘﻲ ﺧﻠﯿﺞ )ﻟﺤﯿﺎن( ﺑﺨﻠﯿﺞ)اﻟﻘﻠﺰم( ،وﻣﻦ ھﻨﺎك ﺳﻨﺄﺧﺬ ﺳﻔﯿﻨﺔ إﻟﻰ ﻛﻮش. ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أﻧﻪ ﻗﺪ أﻋﺪ اﻟﻌﺪة ﻟﻜﻞ ﺷﻲء ،وأﻧﻪ ﻻ راﱠد ﻟﻤﺎ ﻋﺰم ﻋﻠﯿﻪ ،ﻓﻘﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻓﻲ ﺻﺪق: ﺳُﺘﻈِﻠﻢ )ﺑﺼﺮى( دوﻧﻚ ﻳﺎ )ﺷﮫﺒﻮر( وﺳﻨﻔﺘﻘﺪ أ ًﺧﺎ ﻋﺰﻳًﺰا ﺑﮫﺎ ،وﻟﻜﱠﻨﺎ ﻧﺴﺄل ﷲ ﻟﻚ اﻟﺴﻼﻣﺔ ﻋﻠﻰ أي ﺣﺎل. ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر(: ﻻ ﺗﻘﻠﻖ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،ﻓﺴﻮف ﺗﺮاﻧﻲ ﻓﻲ ﺑﻜﺔ ﻓﻲ ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺤﺞ اﻟﻘﺎدم!ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: إذن ﻧﺴﺄل ﷲ أن ﻳﺠﻤﻌﻨﺎ ﺑﻚ ﻋﻠﻰ ﺧﯿﺮ.وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻧﺤﻦ ﻛﺬﻟﻚ ،إذا ﺑﺎﻟﻔﺘﻰ )ﻟﯿﺚ ﺑﻦ ﻧﺎﺑﺖ( ﻳﺪﺧﻞ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻣﻜﻔﮫﺮ اﻟﻮﺟﻪ وﻳﺒﺪو ﻋﻠﯿﻪ اﻻﻧﺰﻋﺎج ،ﺗﻄﻠﻌﻨﺎ إﻟﯿﻪ ﺟﻤﯿًﻌﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻗﺒﻞ أن ﻧﺘﻮﺟﻪ إﻟﯿﻪ ﺑﺎﻟﺴﺆال: ﻟﻘﺪ اﺷﺘﺪت اﻟﺤ ﱠﻤﻰ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﺮو وﻳﺒﺪو أﻧﻪ ﻟﯿﺲ ﺑﺨﯿﺮ. ∞∞∞∞∞ أﺳﺮﻋﻨﺎ إﻟﻰ ﺣﺠﺮة ﻋﻤﺮو ،ﻛﺎن ﺟﺴﺪه ﻣﺘﻌ ِﺮًّﻗﺎ وﻳﻨﺘﻔﺾ ﻣﻦ اﻟﺤ ﱠ ﻤﻰ ،ﺷﻌﺮﻧﺎ ﺑﺤﺮارة ﺟﺴﺪه دون أن ﻧﻤ ﱠ ﺴﻪ وﺳﻄﻌﺖ أﻧﻔﻲ راﺋﺤﺔ ﻛﺮﻳﮫﺔ ﻓﺄدرﻛﺖ أن اﻟﺘﻘﯿﱡﺢ ﻗﺪ زاد ﺑ ُ ﺠﺮﺣﻪ. ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر( وھﻮ ﻳﻨﺼﺮف ﺑﺴﺮﻋﺔ: ﺳﺄﺑﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻄﺒﯿﺐ.ﺷﻌﺮت أن وﻗًﺘﺎ ﺛﻤﯿًﻨﺎ ﻗﺪ ُﻧﮫﺪره ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮد )ﺷﮫﺒﻮر( ﺑﺎﻟﻄﺒﯿﺐ ،ﻓﺘﺬﻛﺮت ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ اﻟﻄﺒﯿﺐ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وطﻠﺒﺖ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻰ )ﻟﯿﺚ( أن ﻳﺤﻀﺮ ﻟﻲ إﻧﺎءﻳﻦ ،أﺣﺪھﻤﺎ ﺑﻪ ﻣﺎء ﺑﺎرد ،واﻵﺧﺮ ﺑﻪ ﻣﺎء ﻓﺎﺗﺮ ،ﺑﻠﻠﺖ ﺧﺮﻗﺔ ﺑﺎﻟﻤﺎء اﻟﺒﺎرد ﺛﻢ وﺿﻌﺘﮫﺎ ﻋﻠﻰ رأﺳﻪ وﺑﻠﻠﺖ اﻷﺧﺮي ﺑﻤﺎء ﻓﺎﺗﺮ وطﻠﺒﺖ ﻣﻦ )ﻟﯿﺚ( أن ﻳﻌﺼﺮھﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺘﯿﻪ ،ﺗﺬﻛﺮت أن اﻟﻄﺒﯿﺐ طﻠﺐ ﻣﻨﻲ أن ُأﻏ ِﯿ ّﺮ اﻟﻀﻤﺎدة ﺑﻌﺪ ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم ،وﻟﻜ ﱠ ﻦ اﺑﺘﻼﻟﮫﺎ ﺑﺎﻟﻘﯿﺢ وراﺋﺤﺘﮫﺎ اﻟﻨﺘﻨﺔ ،أﺷﻌﺮاﻧﻲ ﺑﻀﺮورة ﻧﺰﻋﮫﺎ. أدﻧﯿ ُ ﺖ اﻟﻤﺼﺒﺎح ﻣﻨﻲ وﻗﻤﺖ ﺑﻨﺰع اﻟﻀﻤﺎدة ،ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﻐﺜﯿﺎن ﻣﻦ اﻟﺮاﺋﺤﺔ اﻟﺨﺒﯿﺜﺔ وﻣﻦ رؤﻳﺔ ﺟﺮﺣﻪ ،أﺳﺮﻋﺖ ﺑﺘﺠﮫﯿﺰ ﻣﺎء اﻟﺤﺮﻣﻞ وﻣﻨﻘﻮع اﻟﺜﻮم واﻟﻘﺮﻧﻔﻞ، وﺷﺮﻋﺖ أﻏﺴﻞ ُ ﺟﺮﺣﻪ ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ اﻟﻄﺒﯿﺐ ،ﻓﻤﺎ أن ﺿﻐﻄﺖ ﺑﺈﺻﺒﻌﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺮح ،ﺣﺘﻰ اﻧﻔﺠﺮ ﺟﯿﺒًﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﯿﺢ ﻟﻮث أرض اﻟﺤﺠﺮة وﻣﻼﺑﺴﻲ ،وﺟﻌﻠﻪ ﻳﺼﺮخ أﻟ ً ﻤﺎ ،ظﻠﻠﺖ أﺿﻐﻂ ﻣﺮات ﻣﺘﺘﺎﻟﯿﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺮح ،رﻏﻢ ﺻﺮاﺧﻪ ،ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻗﻒ ﻧﺰﻳﻒ اﻟﻘﯿﺢ ،ﻓﻐﺴﻠﺖ ﺟﺮﺣﻪ ﻣﺮة أﺧﺮى ووﺿﻌﺖ ﻋﻠﯿﻪ ﻓﺼﻮص اﻟﺜﻮم وﺿﻤﺪﺗﻪ ﺛﺎﻧﯿﺔ. اﻟﻌﺠﯿﺐ أن ﺟﺴﺪه ﻗﺪ ھﺪأ ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺖ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺪ إﻟﻰ ﺳﺎﺑﻖ اﻧﺘﻔﺎﺿﺘﻪ، وﺷﻌﺮﻧﺎ أن اﻟﺤﻤﻰ ﻗﺪ ھﺪأت ﻗﻠﯿًﻼ. ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( وﻗﺪ ﺑﺎن اﻷﻟﻢ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ واﻧﺴﺎﻟﺖ دﻣﻮﻋﻪ ﻋﻠﻰ ﺧﺪﻳﻪ: ﺑﺎرك ﷲ ﻓﯿﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(.أوﻣﺄت ﺑﺮأﺳﻲ إﻟﯿﻪ ﺷﺎﻛًﺮا ،ﻓﺮﺑﺖ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ وﻗﺎل: ھﯿﺎ ﻳﺎ )دوﻣﺔ( ،ﻟﻨﺪﻋﻪ ﻳﺴﺘﺮﻳﺢ ﺣﺘﻰ ﻳﺄﺗﻲ )ﺷﮫﺒﻮر( ﺑﺎﻟﻄﺒﯿﺐ ،وإن ﻛﻨﺖ أظﻦأن )ﺷﻤﻌﻮن( ﻗﺪ ﻓﻌﻞ ﻛﻞ ﺷﻲء. ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ: اﺳﺘﺮح ﻳﺎ ﻋﻤﺎه ،وﺳﺄﺑﯿﺖ أﻧﺎ ﻣﻌﻪ اﻟﻠﯿﻠﺔ ،وﻟﯿﺬھﺐ )ﻟﯿﺚ( إﻟﻰ ﻣﺮﻗﺪه ﻓﻐًﺪا ﻳﻮمﻋﻤﻞ طﻮﻳﻞ. اﺳﺘﺤﺴﻦ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﻛﻼﻣﻲ ،ﻓﺄﺧﺬ وﻟﺪه وأﺧﺎه وﺗﺮﻛﻮﻧﻲ ﻣﻊ )ﻋﻤﺮو( ﻓﻲ ﺣﺠﺮﺗﻪ ،أﻋﺪت اﻟﻤﺼﺒﺎح إﻟﻰ ﻣﻮﺿﻌﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎﺋﻂ وﺟﻠﺴﺖ إﻟﻰ ﺟﻮار رأس )ﻋﻤﺮو( ،أﻋﺼﺮ ﻋﻠﯿﮫﺎ اﻟﻤﺎء اﻟﺒﺎرد ﺑﯿﻦ اﻟﻔﯿﻨﺔ واﻟﻔﯿﻨﺔ ،وأﺗﻤﺜﻞ أﻣﺎﻣﻲ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﻌﻠﻪ أﻣﻲ )روﻣﺎﻧﺎ( ﻣﻌﻲ ﻓﻲ ﺻﻐﺮي ﺣﯿﻦ ﺗﺼﯿﺒﻨﻲ اﻟﺤﻤﻰ. ﻋﺠﺒًﺎ ﻟﻸﻗﺪار! ﻣﻦ ﻛﺎن ﻳﺘﺨﯿﻞ أن ﺗﺤﻤﻠﻨﻲ أﺟﻨﺤﺔ اﻟﻘﺪر إﻟﻰ ﺑﻠﺪ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻓﻲ أرض ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻣﻊ ﻗﻮم ﻏﺮﺑﺎء ،ﻷﺟﻠﺲ ھﻨﺎ ﻛﻲ أداوي ﺷﺎﺑﺎ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻋﻤﺮي ﻟﻢ أﻋﺮﻓﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ، وﻟﻜﻨﻲ أﺷﻌﺮ ﻧﺤﻮه ﺑﻤﺸﺎﻋﺮ اﻷخ ﻷﺧﯿﻪ؟! ظﻠﺖ أﺣﺪاث اﻟﯿﻮم ﺗﻼطﻤﻨﻲ ﻓﺸﺮﻋﺖ أﺳﺘﻌﯿﺪھﺎ ﺣﺪﺛًﺎ ﺣﺪﺛًﺎ وﻟﺤﻈﺔ ﺑﻠﺤﻈﺔ، اﺑﺘﺪاء ﺑﺄﺣﺪاث اﻟﺴﻮق واﻧﺘﮫﺎء ﺑﺤﺪﻳﺚ )ﺷﮫﺒﻮر( ،ﻣﺮت ﺳﺎﻋﺎت وأن ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﺤﺎل ﺣﺘﻰ ﻛﺎد اﻟﻠﯿﻞ أن ﻳﻨﺘﺼﻒ ،أدرﻛﺖ أن )ﺷﮫﺒﻮر( ﻟﻦ ﻳﻌﻮد ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﺑﺎﻟﻄﺒﯿﺐ ،وﻛﺎن ﺟﺴﺪ )ﻋﻤﺮو( ﻗﺪ ھﺪأ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻤﻰ ،ﻓﺤﻤﺪت اﻟﺮب أن ﺟﻌﻠﻨﻲ ﺳﺒﺒًﺎ ﻓﻲ إﻧﻘﺎذه ،ﻓﻘﻤﺖ ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻲ ﺑﺮﻓﻖ ﺣﺘﻰ ﻻ أوﻗﻈﻪ ،ﻓﺨﻠﻌﺖ ﺛﻮﺑﻲ اﻟﻤﻠﻮث وأﻟﻘﯿﺘﻪ ﺧﺎرج اﻟﺤﺠﺮة ﺛﻢ أﻟﻘﯿﺖ ﺑﺠﺴﺪي اﻟﻌﺎري ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺼﯿﺮ إﻟﻰ ﺟﻮار ﻋﻤﺮو ،ﻛﺎن اﻟﺘﻌﺐ ﻗﺪ اﺳﺘﺒﺪ ﺑﻲ وﻣﻊ ذﻟﻚ ظﻞ ﻋﻘﻠﻲ ﻣﺘﯿﻘﻈًﺎ ،ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﺄن ﺟﻌﺒﺘﻲ ﻗﺪ اﻣﺘﻸت ﺑﺎﻟﺤﻜﺎﻳﺎت واﻷﺣﺪاث وأﻧﻲ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ أن أﻓﺮﻏﮫﺎ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻓﻲ أﻗﺮب وﻗﺖ ،وﻋﺎھﺪت ﻧﻔﺴﻲ أن أﻣﻜﺚ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻓﻲ ﺣﺠﺮﺗﻲ ﻛﻲ أدون أوراﻗﻲ ،وﺣﻜﺎﻳﺎﺗﻲ. وﻗﺒﻞ أن أﻏﻤﺾ ﻋﯿﻨﻲ ﻷﺑﺪأ ﻓﻲ اﻟﻨﻮم ،ﺳﻤﻌﺖ ﺻﻮت )ﻋﻤﺮو( ﻳﺘﻤﺘﻢ ﺑﻜﻠﻤﺎتٍ ﻟﻢ أﻓﮫﻤﮫﺎ ،ظﻨﻨﺘﻪ ﻗﺪ اﺳﺘﯿﻘﻆ ﻓﺄدﻧﯿﺖ أذﻧﻲ ﻣﻨﻪ ﻛﻲ أﺳﻤﻌﻪ ،وﻟﻜﻨﻲ أدرﻛﺖ أﻧﻪ ﻳﮫﺬي ﻓﻲ ﻧﻮﻣﻪ ﺑﻜﻠﻤﺎت أﺧﺮﺟﺘﮫﺎ اﻟﺤﻤﻰ ﻣﻦ ﺧﺒﯿﺌﺔ ﻧﻔﺴﻪ ،وﻛﺎن ﻣﻦ ﺑﯿﻨﮫﺎ ﻛﻠﻤﺘﺎن ﻗﺮﻋﺘﺎ أذﻧﻲ ﻓﻲ وﺿﻮح ﻻ ﻟﺒﺲ ﻓﯿﻪ ،ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻳﻘﻮل: »أﺣﺒﻚ… )أروى(«. ∞∞∞∞∞ ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ﺟﺎء اﻟﺘﺎﺟﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( وﻣﻌﻪ اﻟﻄﺒﯿﺐ واﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ،ﻛﺎن )ﻋﻤﺮو( ﻓﻲ ﺣﺎل أﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﻟﯿﻠﺔ أﻣﺲ ،أﺛﻨﻰ اﻟﻄﺒﯿﺐ ﻋﻠﻰ ﻓﻌﻠﻲ وﻧﺼﺢ ﺑﺄن أﻛﺮر ﺗﻨﻈﯿﻒ اﻟﺠﺮح ﻛﻞ ﻳﻮم ،ﺛﻢ وﺻﻒ ﻟﻪ ﺷﺮب ﺛﻤﺎر اﻟﻌﻮﺳﺞ اﻟﻤﺠﻔﻔﺔ واﻟﻤﻀﺮوﺑﺔ ﻣﻊ ﺑﯿﺎض اﻟﺒﯿﺾ ﻟﻤﻨﻊ اﻟﺘﻘﯿﺢ ،ذﻛﺮﺗﻨﻲ رؤﻳﺔ اﻟﻌﻮﺳﺞ ﺑﺒﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ وﻋﻮﺳﺠﮫﺎ اﻟﺬي ﻟﻢ أذق ﻣﺜﻠﻪ ﻓﻲ ﺣﻼوﺗﻪ. ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو( ﻓﻲ ﺿﺠٍﺮ َﻣِﺮح: اﻟﻠﮫﻢ ﺻﺒًﺮا ﻋﻠﻰ آﻻم اﻟﻤﺮض ،وﻋﺬاب اﻟﺒﯿﺾ!اﺑﺘﺴﻢ اﻟﻄﺒﯿﺐ ،ﻓﻘﺎل اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ(: إﻧﻪ ﻳﻜﺮه اﻟﺒﯿﺾ!ﻗﺎل اﻟﻄﺒﯿﺐ ﺑﺎﺳ ً ﻤﺎ: ﻻ ﺑﺄس ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺿﺮﺑﻪ ﻣﻊ ﻟﺒﻦ اﻟﺸﺎة اﻟﻤﺨﻔﻒ ﺑﺎﻟﻤﺎء.ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو( ﻣﻤﺘًﻨﺎ: ھﺬا أﻓﻀﻞ ﺑﻜﺜﯿﺮ!اﻧﺼﺮف اﻟﺠﻤﯿﻊ وﺗﺮﻛﻮﻧﻲ ﻣﻊ )ﻋﻤﺮو( ،اﻟﺬي اﻋﺘﺪل ﺟﺎﻟ ً ﺴﺎ ﻓﻲ ﺻﻌﻮﺑﺔ ،ﺛﻢ ﺗﻨﮫﺪ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﺷﻜًﺮا ﻟﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻟﻘﺪ ﺻﺮت ﻣﺪﻳًﻨﺎ ﻟﻚ ﺑﺎﻟﻜﺜﯿﺮ!ﻗﻠﺖ ﺻﺎدًﻗﺎ: أﻧﺎ ﻣﺪﻳﻦ ﻟﻜﻢ ﺑﺤﯿﺎﺗﻲ ،ﻓﻠﻮﻻﻛﻢ ﻟﮫﻠﻜﺖ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء!ﺳﺄﻟﻨﻲ: ﻛﯿﻒ ﺣﺎل اﻟﺴﻮق؟أﺷﺘﺎق ﻟﻠﺨﺮوج إﻟﯿﮫﺎ! ﻗﻠﺖ: -ﺑﺎﻷﻣﺲ ﻛﺎن اﻟﺒﯿﻊ ﻣﻤﺘﺎًزا ،ﻳﻘﺒﻞ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻤﻮر واﻟﻌﺠﻮة وﻟﻜﻨﮫﻢ ﻳﻘﺒﻠﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺸﺎﻧﻲ واﻷﻗﻔﺎص أﻛﺜﺮ. ﺿﺤﻚ وﻗﺎل: ﺗﻠﻚ ﺑﺮاﻋﺔ )أروى( ﻓﻲ اﻟﺒﯿﻊ!ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺤﺪاﻧﺎ أﻧﺎ و)ﻟﯿﺚ( ﻓﻲ اﻟﺒﯿﻊ وﺗﺘﻔﻮق ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮة! أﺻﺎﺑﻨﻲ اﻟﻮﺟﻮم ﺑﺮھﺔ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ أدرﻛﺖ أن ﻟﺤﻈﺎت اﻹﺛﺎرة اﻟﺘﻲ ﻋﺸﺘﮫﺎ ﺑﺎﻷﻣﺲ، ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺤﻈﺎت ﻣﻜﺮرة ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﮫﺎ ،ﻣﻊ اﺧﺘﻼف اﻷﺷﺨﺎص ،أﻓﻘﺖ ﻣﻦ وﺟﻮﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻟﻪ: أﺗﺪري ﺣﯿﻦ ﺟﺎءت )أروى( ﺑﺎﻟﻐﺪاء أﻣﺲ ،رﺟﻮﺗﮫﺎ أن ﺗﻌﯿﻨﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﺬھﺎب ﻣﻌﮫﺎإﻟﻰ اﻟﺴﻮق ﻟﻜﻨﮫﺎ ﺿﺮﺑﺘﻨﻲ ﻓﻲ ﺻﺪري واﺗﮫﻤﺘﻨﻲ ﺑﺎﻟﺠﻨﻮن. ﺛﻢ ﺿﺤﻚ وﻗﺎل: أﺣﻤﺪ ﷲ أﻧﮫﺎ ﻟﻢ ﺗﻮاﻓﻘﻨﻲ وإﻻ ﻛﻨﺖ ﺻﺮﻳًﻌﺎ اﻵن.أطﺒﻘﺖ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺻﺪري ﻓﻠﻢ أﻗﻮ ﺣﺘﻰ ﻋﻠﻰ اﻻﺑﺘﺴﺎم ،ﺷﻌﺮ ﺑﻮﺟﻮﻣﻲ ﻓﻘﺎل ﻣﻐﯿًﺮا ﻣﺠﺮى اﻟﺤﺪﻳﺚ: ھﻞ ﺳﺘﺬھﺐ إﻟﻰ اﻟﺤﺎﻧﻮت اﻟﯿﻮم؟ھﺰزت رأﺳﻲ ﻧﻔﯿًﺎ وﻗﻠﺖ: ﻛﻼ ،ﻓﺄﻧﺎ ﻣﺘﻌﺐ ﻣﻨﺬ ﻟﯿﻠﺔ أﻣﺲ ،وأرﻳﺪ أن أﺳﺘﺮﻳﺢ.أﻳﺪ ﻛﻼﻣﻲ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻧﻌﻢ ،ﺗﺒﺪو ﻣﺘﻌﺒًﺎ ،ﻣﻌﺬرة ﻹرھﺎﻗﻲ ﻟﻚ.ﻏﻤﻐﻤﺖ ﺑﻜﻠﻤﺔ »ﻻ ﺑﺄس« ﺛﻢ اﻧﺼﺮﻓﺖ وﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ ﻏﻀﺐ ﻣﻦ ذاك اﻟﺸﻌﻮر اﻟﺬي أﻟﻢ ﺑﻲ. ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻏﻀﺒًﺎ ﻣﻦ )ﻋﻤﺮو( اﻟﺬي ﺗﻔﻀﺤﻪ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ وھﻨّﺎت أﺣﻼﻣﻪ ﺑﻌﺸﻖ )أروى(، وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻏﻀﺒًﺎ ﻣﻦ )أروى( اﻟﺘﻲ أرﺧﺖ ﻟﺠﺎم ﺳﺤﺮھﺎ ﺣﺘﻰ وطﺄ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﮫﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ،وﻟﻜﻨﻪ ﻏﻀﺐ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻲ اﻟﻤﺎﺋﻌﺔ اﻟﺨﺎﻧﻌﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗﮫﯿﻢ ﻓﻲ ﺑﺤﻮر اﻟﻌﺸﻖ وھﻲ ﻏﺮﻗﻰ ﻓﻲ أوﺣﺎل اﻟﻮاﻗﻊ! ﺻﻔﻘﺖ ﺑﺎب ﺣﺠﺮﺗﻲ ﺧﻠﻔﻲ ﻓﻲ ﻗﻮة واﻧﮫﻠﺖ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻲ ﺻﻔًﻌﺎ وﻟﻜ ً ﻤﺎ وأن أﻗﻮل ﺑﺼﻮت ھﺎدر ﻳﺸﺒﻪ ﺻﻮت أﺑﻲ ﺣﯿﻦ ﺻﻔﻌﻨﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ: وﻳﺤﻚ ﻳﺎﺑﻦ )روﻣﺎﻧﺎ(!وﻳﺤﻚ ﻳﺎﺑﻦ )روﻣﺎﻧﺎ(! أﻣﺎ آن ﻟﻚ أن ﺗﺼﯿﺮ رﺟًﻼ ،أﻣﺎ آن ﻟﻚ أن ﺗﺼﯿﺮ رﺟًﻼ. وﻟﻢ أﺗﻮﻗﻒ ﻋﻦ اﻟﺼﻔﻊ واﻟﻠﻜﻢ إﻻ ﺑﻌﺪ أن اﻧﻔﺠﺮت اﻟﺪﻣﻮع ﻣﻦ ﻋﯿﻨﻲ وﺳﺎل ﺧﯿﻂ ﻣﻦ اﻟﺪﻣﺎء ﻣﻦ ﺷﻔﺘﻲ ،ووﺟﺪﺗﻨﻲ أﺳﻘﻂ أر ً ﺿﺎ وأﻧﺎ أﺟﮫﺶ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء. ﻗﻤﺖ ﺑﻌﺪﻣﺎ ھﺪأت ﻧﻔﺴﻲ ،ﺷﻌﺮت ﺑﺄﻧﻲ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﻣﻠﺤﺔ ﻟﻮﺟﻮد رﺑﻲ ﻣﻌﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ،ﺗﻤﻨﯿﺖ أن أﻗﻒ أﻣﺎم اﻟﻤﺬﺑﺢ وﻳﺪ اﻟﻜﺎھﻦ ﺗﻤﺴﺢ رأﺳﻲ ﺑﺎﻟﻤﺎء اﻟﻤﻘﺪس وراﺋﺤﺔ اﻟﺒﺨﻮر ﺗﻄﮫﺮ أﻧﻔﺎﺳﻲ اﻟﻤﻠﻮﺛﺔ ،وﺗﻤﻨﯿﺖ ﻟﻮ أﻣﺘﻠﻚ ﺛﻤًﻨﺎ ﻟﻘﺮﺑﺎن أﻗﺪﻣﻪ ﻟﻠﺮب »إﻳﻞ« ﻟﻌﻠﻪ ﻳ ُ ﻲ ﺑﺎﻟ ّ ﺴﻜﯿﻨﺔ ،وﻟﻜﻦ أﻳﻦ أﻧﺎ ﻣﻦ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻤﻦ ﻋﻠ ّ اﻵن؟ ھﺪاﻧﻲ ﻋﻘﻠﻲ إﻟﻰ أن أﻏﺘﺴﻞ ﺑﺎﻟﻤﺎء وأن أﺗﻄﮫﺮ ﻛﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( وﻗﻮﻣﻪ ،ﺛﻢ وﻗﻔﺖ ﻓﻲ ﺣﺠﺮﺗﻲ وﺣﺪي ،ﺗﺘﺴﺎﻗﻂ ﻣﻦ رأﺳﻲ وﻣﺮاﻓﻘﻲ ﻗﻄﺮات اﻟﻤﺎء وأﺧﺬت أﺗﺤﺪث إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺮب اﻟﺬي ﻣﻸ ﺣﻀﻮره اﻟﻤﻠﻜﻮت! ﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ ﻳﻘﯿﻦ ﺑﺄﻧﻪ ﺳﯿﺴﻤﻌﻨﻲ ،أﻻ ﻳﺴﺘﻤﻊ إﻟﻰ ﺻﻠﻮات اﻟﻜﺎھﻦ ﻓﻲ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻓﻠﻤﺎذا ﻻ ﻳﺴﺘﻤﻊ إﻟﻰ ﻋﺒﺪ ﻣﻦ ﻋﺒﯿﺪه ﻳﺌﻦ ﻗﻠﺒﻪ وﺟًﻌﺎ وﻳﺮﺟﻮ اﻟﺴﻜﯿﻨﺔ ﻣﻨﻪ؟ ﺗﺤﺪﺛﺖ إﻟﯿﻪ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﺟﺎل ﻋﻠﻰ ﺧﺎطﺮي ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺎت وﺑﻜﻞ ﻣﺎ أﺛﻘﻞ ﻗﻠﺒﻲ ﻣﻦ ھﻤﻮم ،ﻛﻼًﻣﺎ ﻋﻔﻮﻳﺎ ﻻ ﺳﺠﻊ ﻓﯿﻪ وﻻ ﺗﺮﻧﯿﻢ! اﻟﻌﺠﯿﺐ أﻧﻲ ﺷﻌﺮت أﻧﻪ ﻣﻨﻲ ﻗﺮﻳﺐ ،وأن ﻣﺴﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻜﯿﻨﺔ ﻗﺪ ﻻﻣﺲ ﻗﻠﺒﻲ ﻓﮫﺪأت أﺣﺰاﻧﻲ وﺳﻜﻨﺖ ﺟﻮارﺣﻲ واﺳﺘﻠﻘﯿﺖ ﻋﻠﻰ ﻓﺮاﺷﻲ اﻟﻠﺪن ﺛﻢ رﺣﺖ ﻓﻲ ﺳﺒﺎت ﻋﻤﯿﻖ. اﺳﺘﯿﻘﻈﺖ ﺑﻌﺪ اﻟﺰوال ،ﻓﻮﺟﺪت ﺻﺤًﻨﺎ ﺑﻪ طﻌﺎم اﻟﻐﺪاء ،ﺧﺒًﺰا وﻗﻄﻌﺘﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﻠﺤﻢ وﺟﺮة ﻣﺎء ،أدرﻛﺖ أن أﺣﺪھﻢ ﻗﺪ ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎب وأﻧﺎ ﻧﺎﺋﻢ ووﺿﻊ ﻟﻲ ﻏﺪاﺋﻲ ،ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺠﻮع ،ﻓﻄﻮﻳﺖ رﻏﯿﻒ اﻟﺨﺒﺰ ﻋﻠﻰ ﻗﻄﻌﺘﻲ اﻟﻠﺤﻢ واﻟﺘﮫﻤﺘﮫﻤﺎ ﻓﻲ ﻧﮫﻢ، وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﻟﺘﮫﻢ طﻌﺎﻣﻲ ،ﻻﺣﻈﺖ أن ﺻﺮة أﻏﺮاﺿﻲ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ وﻗﺪ ﺗﺒﻌﺜﺮت ﻣﺤﺘﻮﻳﺎﺗﮫﺎ وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻋﺒﺚ ﺑﮫﺎ ﺷﺨﺺ ﻣﺎ ،أﻋﺪت اﻟﻄﻌﺎم ﻓﻲ اﻟﺼﺤﻦ وﻗﻤﺖ ﻣﻨﺰﻋ ً ﺠﺎ ﻛﻲ أﺗﺤﻘﻖ ﻣﻤﺎ أراه ،وﺟﺪت ﺧﻨﺠﺮي وﻣﻼﺑﺴﻲ ﻛﻤﺎ ھﻤﺎ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﺟﺪ أوراﻗﻲ اﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﺖ ﺑﮫﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻣﺮ ﺑﻲ ﺧﻼل اﻟﺴﻨﻮات اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ،وﻗﺪ ﺑﺪا أن أﺣﺪھﻢ ﻗﺪ ﺳﺮق اﻷوراق وﺗﺮك ﻟﻲ اﻟﺪواة واﻟﻘﻠﻢ! ! ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺤﺎدﻳﺔ واﻟﺜﻼﺛﻮن ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﯿﺮة ﺳﯿﺪة اﻟﻤﻮﻗﻒ ،ﻛﺎن اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻳﺘﻔﻜﺮون ﻓﻲ وﺟﻮم وأﺳﻒ ﻋﻤ ّ ﻦ أﻗﺪم ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺮﻗﺔ ،وﻛﺎن اﻟﺴﺆال اﻟﺬي ﻳﺸﻐﻞ أذھﺎﻧﻨﺎ ﺟﻤﯿًﻌﺎ ھﻮ ﻟﻤﺎذا اﻛﺘﻔﻰ اﻟﻠﺺ ﺑﺄﺧﺬ ﺗﻠﻚ اﻷوراق دون ﻏﯿﺮھﺎ ﻣﻦ اﻷﻣﺘﻌﺔ؟ ﺳﺄل اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( اﻟﺨﺎدم اﻟﺬي ﻗﺎم ﺑﻮﺿﻊ اﻟﻄﻌﺎم إن ﻛﺎن رآھﺎ أو ﻟﻤﺢ ﺷﯿًﺌﺎ ﻣﺴﺘﻐﺮﺑًﺎ ﺣﯿﻦ دﺧﻞ اﻟﺤﺠﺮة ،ﻓﺄﻛﺪ اﻟﺮﺟﻞ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ ﻓﻲ اﻟﺤﺠﺮة ﺳﻮى ﻟﺤﻈﺎت وﺿﻊ ﻓﯿﮫﺎ اﻟﻄﻌﺎم ﺛﻢ اﻧﺼﺮف ،وﻛﺎﻧﺖ ﻟﮫﺠﺔ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺼﺎدﻗﺔ وﺗﺎرﻳﺨﻪ ﻣﻊ أﺳﺮة اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻳﻨﻔﯿﺎن ﻋﻨﻪ أي ﺷﺒﮫﺔ ﺑﺎﻟﺴﺮﻗﺔ ،ﻛﺎد اﻟﺤﺰن ﻳﻘﺘﻠﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻓﻘﺪان ﺗﻠﻚ اﻷوراق وﺷﻌﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( ﺑﺬﻟﻚ ،وﻛﺎن ﻳﻠﺘﺰم اﻟﺼﻤﺖ طﻮال اﻟﺠﻠﺴﺔ ﻓﺴﺄﻟﻨﻲ ﻓﻲ ﺣﺬر: )ﺷﻤﻌﻮن(!ھﻞ أﺧﺒﺮت أﺣًﺪا ﺑﺄﻣﺮ ﺗﻠﻚ اﻷوراق ھﻨﺎ أو ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ؟ ھﺰزت رأﺳﻲ ﻧﻔﯿًﺎ وﻗﻠﺖ ﻟﻪ: ﻻ.ﻗﺎل: وﻣﺎ ﻣﻘﺪار ﺗﻠﻚ اﻷوراق؟ﻗﻠﺖ: ﻋﺸﺮات اﻟﻠﻔﺎﺋﻒ ﻣﺮﺗﺒﺔ وﻣﻔﮫﺮﺳﺔ ﺑﺎﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻣﻨﺬ ﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﻊ ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ(وﺣﺘﻰ وﺻﻮﻟﻨﺎ إﻟﻰ إدوم. ﻗﺎل: وﺗﻘﻮل إن اﻟﻠﺺ ﻗﺪ ﺗﺮك اﻟﻤﺘﺎع وﻗﻄﻊ اﻟﻨﻘﻮد واﻛﺘﻔﻰ ﺑﺎﻷوراق ،أﻟﯿﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟ﻗﻠﺖ: ﺑﻠﻰ.ھﺰ رأﺳﻪ ﻣﺮﺗﯿﻦ ﻓﻲ ﺗﺄﻛﯿﺪ وﻛﺄﻧﻪ ﻗﺪ وﺻﻞ إﻟﻰ ﺣﻞ اﻷﺣﺠﯿﺔ! ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﻳﻘﯿﻦ أﺛﺎر ﻣﺨﺎوﻓﻲ: ﻻ ﺑﺪ أن اﻟﺴﺎرق ھﻮ أﺣﺪ اﻟﺒﺼﺎﺻﯿﻦ!ھﺘﻒ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻓﻲ اﺳﺘﻨﻜﺎر وﻏﻀﺐ: ﻣﺎذا؟ﻳﻘﺘﺤﻤﻮن اﻟﺒﯿﻮت وﻳﻨﺘﮫﻜﻮن ﺣﺮﻣﺘﮫﺎ ﻛﺎﻟﻠﺼﻮص! ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر( ﻓﻲ أﺳﻒ: ﺗﻠﻚ طﺮﻳﻘﺘﮫﻢ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،ﻳﺘﻠﺼﺼﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﻣﺨﺎدﻋﮫﻢ ،ﻟﻌﻠﮫﻢﻳﺠﺪون ﺻﯿًﺪا ﻳﻘﺪﻣﻮﻧﻪ ﻟﺴﯿﺪھﻢ اﻟﻘﺎﺑﻊ ﻓﻲ »أﻓﯿﺚ«. ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺘﻮﺗﺮ واﻧﺰﻋﺞ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﺑﺸﺪة ﺛﻢ ﻗﺎل: وﻟﻤﺎذا ﻳﺘﺘﺒﻊ اﻟﺒﺼﺎﺻﻮن )ﺷﻤﻌﻮن(؟ﻣﻂ )ﺷﮫﺒﻮر( ﺷﻔﺘﯿﻪ وﻗﺎل: ﻟﻌﻞ )ﻛﺮوﻧﻮس( ﻗﺪ اﺷﺘﺒﻪ ﻓﻲ أﻣﺮه!ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﺻﻮت ﺧﺎﻓﺖ: وﻗﺪ أﺧﺒﺮﺗﻚ ﺑﺄن اﻟﻤﻠﻚ )ھﺪد ﺑﻦ ﺑﺪد( ﻻ ﻳﺮﺣﺐ ﺑﺎﻟﻌﺒﺮاﻧﯿﯿﻦ!ﺗﺬﻛﺮت ﻧﻈﺮة )ﻛﺮوﻧﻮس( اﻟﻤﺮﻳﺒﺔ ﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﻮق ،وﺑﺪا ﻟﻲ أن ﻛﻼم )ﺷﮫﺒﻮر( أﻗﺮب إﻟﻰ اﻟﻤﻨﻄﻖ اﻟﺴﻠﯿﻢ ،ﻓﺸﻌﺮت ﺣﯿﻨﮫﺎ ﺑﻘﻠﻖ ﺑﺎﻟﻎ ،ﺑﺎن ﺟﻠﯿﺎ أﻣﺎم اﻟﺠﻠﻮس ،ﻓﻘﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻄﻤﺄﻧﺘﻲ: أﻻ ﻳﺤﺘﻤﻞ أن ﻳﻜﻮن اﻷﻣﺮ ﻣﺠﺮد ﺳﺮﻗﺔ؟ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر( وھﻮ ﻳﺘﺮﻓﻖ ﺑﻜﻠﻤﺎﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ اﻷﺣﻮال ﻳﺠﺐ أن ﻳﺄﺧﺬ )ﺷﻤﻌﻮن( ﺣﺬره ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( وأﻧﺼﺤﻪ ﺑﺄﻻﻳﻮﺟﺪ اﻷﻳﺎم اﻟﻤﻘﺒﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻮق ،وﻣﻦ اﻷﻓﻀﻞ أﻻ ﻳﻈﮫﺮ ﻣﻄﻠًﻘﺎ ھﻨﺎك ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺘﮫﻲ إﻗﺎﻣﺘﻜﻢ ﻓﻲ ﺑﺼﺮى. ﻏﻤﻐﻢ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﻓﻲ أذن اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺑﻜﻠﻤﺎت وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺘﻔﻖ ﻣﻌﻪ ﻋﻤﺎ ﺳﯿﺘﻢ ﻓﻌﻠﻪ ،ﻓﻠﺬت ﺑﺎﻟﺼﻤﺖ وﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ ﺑﺆس ﻟﻮ وزع ﻋﻠﻰ رﺟﺎل اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ ﻟﻜﻔﺎھﻢ ،ﺑﻠﻎ ﺑﻲ اﻟﺤﺰن ﻣﺒﻠﻐﻪ ،وﻗﺪ ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻷﺳﻒ ﻷﻧﻲ ﻗﺪ ﺻﺮت ﻋﺒًﺌﺎ وﻣﺼﺪًرا ﻟﻠﻤﺘﺎﻋﺐ ﻟﮫﺬه اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻀﺎﻓﺘﻨﻲ. رأﻳﺖ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻳﮫﺰ رأﺳﻪ ﻣﻮاﻓًﻘﺎ ﺑﻌﺪﻣﺎ اﻧﺘﮫﻰ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﻣﻦ ھﻤﺴﻪ اﻟﺨﻔﯿﺾ ،ﻓﻘﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ(: اﺳﻤﻊ ﻳﺎ )ﺷﮫﺒﻮر( ،ﻧﺮﻳﺪك أن ﺗﺨﻔﻲ )ﺷﻤﻌﻮن( ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ ھﺬا اﻟﻨﺰل ﻣﻦاﻟﻠﯿﻠﺔ ،ﻓﻨﺤﻦ ﻻ ﻧﺪري ﻣﺎ اﻟﺬي ﻗﺪ ﻳﻔﻌﻠﻪ )ﻛﺮوﻧﻮس( إذا أﺻﺒﺢ اﻟﺼﺒﺎح وﻗﺮأ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻷوراق ،ﻓﺪﺑﺮ ﻟﻪ ﻣﺒﯿﺘﻪ وطﻌﺎﻣﻪ وﺳﻨﺘﻜﻔﻞ ﻧﺤﻦ ﺑﻜﻞ ﺷﻲء إﻟﻰ أن ﻧﻐﺎدر ﺑﺼﺮى. اﺷﺘﺪ ﺣﺰﻧﻲ ﻟﮫﺬا اﻟﻜﻼم ،وﺷﻌﺮت ﺑﻀﻌﻒ ﻗﻮﺗﻲ وﻗﻠﺔ ﺣﯿﻠﺘﻲ ،وأﻧﻲ ﻻ أﻣﻠﻚ ﻣﻦ أﻣﺮي ﺷﯿﺌﺎ ﻓﻈﻠﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﺻﻤﺘﻲ وھﻢ ﻳﻘﺮرون ﻣﺼﯿﺮي ،رﺣﺐ )ﺷﮫﺒﻮر( ﺑﺎﻗﺘﺮاﺣﻪ وﻗﺎل: ﻻ ﺑﺄس ﻣﻦ ذﻟﻚ وإن ﺷﺌﺖ ﺗﺮﻛﺘﻪ ﺣﺘﻰ اﻟﺼﺒﺎح ،ﻓﻈﻨﻲ أن )ﻛﺮوﻧﻮس(ﺳﯿﺴﺘﻐﺮق وﻗًﺘﺎ طﻮﻳًﻼ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺮﺟﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻷوراق ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺮاﻧﯿﺔ ﻓﮫﻮ أﺟﮫﻞ ﻣﻦ داﺑﺔ! ﺛﻢ ﺿﺤﻚ ﺿﺤﻜﺔ ﻗﺼﯿﺮة ﻛﻲ ﻳﺨﻔﻒ ﻣﻦ وطﺄة اﻟﻜﺂﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺸﻌﺮ ﺑﮫﺎ ،ووﺟﺪﺗﻨﻲ أﻗﻮل ﻟﻪ ﺑﻌﻔﻮﻳﺔ: ھﻲ ﻟﯿﺴﺖ ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﺑﺎﻟﻌﺒﺮاﻧﯿﺔ ،ﺑﻞ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ!اﺗﺴﻌﺖ ﺣﺪﻗﺘﺎ )ﺷﮫﺒﻮر( وﻟﻤﻊ ﺿﻮُءھﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺘﻤﺔ ،وﻛﺄﻧﻤﺎ أﺿﺎءت ﻓﻲ رأﺳﻪ ﻓﻜﺮة ،ﻓﺄﻧﺎرت ﻧﺎﻓﺬة ﻋﯿﻨﯿﻪ ﺛﻢ ﻗﺎل وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﻣﻤﺎ ﻗﻠﺘﻪ: ھﻞ ﻛﺘﺒﺘﮫﺎ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ؟ﻗﻠﺖ ﻣﺆﻛًﺪا: ﻧﻌﻢ.ﻗﺎل ﻓﻲ أﻣﻞ: وھﻞ ﺗﺘﺤﺪث ﺑﮫﺎ؟ﻗﻠﺖ: ﻧﻌﻢ ،ﻓﺄﻣﻲ ﻣﺼﺮﻳﺔ!ﺗﮫﻠﻠﺖ أﺳﺎرﻳﺮ وﺟﮫﻪ ﺣﺘﻰ ﺑﺪت ﺣﻤﺮة ﺧﺪوده ﻛﺠﻤﺮﺗﻲ ﻧﺎر ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻳﺎ ﻟﺴﻌﺎدﺗﻲ ﺑﻚ ﻳﺎ ﻏﻼم!ﻏًﺪا ﺳﻮف آﺗﯿﻚ ﺑﻌﺪ ﺷﺮوق اﻟﺸﻤﺲ ،ﻓﻠﺘﻜﻦ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎري. وﻛﺎﻧﺖ ﻓﺮﺣﺘﻪ ﻛﻔﯿﻠﺔ ﺑﺄن ﺗﺰﻳﻞ اﻟﮫﻢ ﻋﻦ ﻗﻠﺒﻲ ،وﻗﺪ ﺷﻌﺮت أن ﺳﺤﺎﺑﺔ ﻣﻦ ﻛﺮم اﻟﺮب ﻗﺪ ﻣﺮت ﻓﻮق ﺳﻤﺎء اﻟﻨﺰل ،ﻓﺄﻣﻄﺮت ﺳﻜﯿﻨﺔ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ. ∞∞∞∞∞ ﻋﻨﺪ اﻟﺸﺮوق ﻛﺎن )ﺷﮫﺒﻮر( ﻳﻄﺮق ﺑﺎب اﻟﺤﺠﺮة ،ﻓﺘﺤﺖ ﻟﻪ ﻣﺘﺄھﺒًﺎ ﻟﻠﺨﺮوج ﻓﺄوﻗﻔﻨﻲ ﺑﯿﺪه ،ﺛﻢ أﻋﻄﺎﻧﻲ رداًء وﻧﻌﻠﯿﻦ وﻗﺎل ﻟﻲ: ارﺗِﺪ ھﺬا وھﺬﻳﻦ!دﺧﻠﺖ اﻟﺤﺠﺮة ﻓﺨﻠﻌﺖ ﺛﯿﺎﺑﻲ وارﺗﺪﻳﺖ اﻟﺮداء اﻟﺬي أﻋﻄﺎﻧﯿﻪ ،ﻛﺎن رداًء ﻣﺼﺮﻳﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎن ذا أﻛﻤﺎم ﻗﺼﯿﺮة وﻳﺼﻞ طﻮﻟﻪ إﻟﻰ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺮﻛﺒﺔ ﺑﻘﻠﯿﻞ ،ﻳﺘﺰﻳﻦ ﺟﯿﺒﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﺼﺪر ﺑﺠﻠﺪ ﻣﺰﺧﺮف ،وﻓﻲ اﻟﻤﻨﺘﺼﻒ ﺣﺰام ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش اﻟﻤﻨﻘﻮش ،أﻣﺎ اﻟﻨﻌﻼن ﻓﻜﺎﻧﺎ ﻣﻦ ﺟﻠﺪ اﻟﺘﻤﺴﺎح وﺗﻌﺠﺒﺖ ﻣﻦ أﻳﻦ أﺗﻲ ﺑﮫﻤﺎ )ﺷﮫﺒﻮر(. ﻲ اﻟﺰي ﺷﻜﻞ اﻟﻨﺒﻼء اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ ،واﻟﺤﻘﯿﻘﺔ أﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﺷﺪﻳﺪ أﺿﻔﻰ ﻋﻠ ّ اﻟﺴﻌﺎدة ﺑﺘﻠﻚ اﻟﮫﯿﺌﺔ ،ﻓﺘﺤﺖ اﻟﺒﺎب ،ﻓﻀﺤﻚ )ﺷﮫﺒﻮر( وﻗﺎل: ﻣﺮﺣﺒًﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ اﻟﺘﺎﺟﺮ اﻟﻤﺼﺮي اﻟﻨﺒﯿﻞ!ﺗﺒﺴﻤﺖ ﺿﺎﺣ ً ﻜﺎ ،وﺳﺄﻟﺘﻪ: ﻣﻦ أﻳﻦ ﺣﺼﻠﺖ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﺰي؟ﻗﺎل ﺿﺎﺣ ً ﻜﺎ: طﻠﺒﺘﻪ ﻟﯿﻠﺔ أﻣﺲ ﻣﻦ ﺗﺎﺟﺮ ﻣﺼﺮي ﺻﺪﻳﻖ.ﻗﻠﺖ ﻟﻪ ﻣﺎز ً ﺣﺎ: ﺣﺴًﻨﺎ وإﻟﻰ أﻳﻦ ﺳﻨﺬھﺐ ﺑﻪ؟ھﻞ ﺳﺘﻌﯿﺪﻧﻲ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ؟! ﻗﺎل ﻓﻲ ﺟﺪﻳﺔ: ﻛﻼ ،ﺳﻨﺬھﺐ إﻟﻰ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺸﺮطﺔ!ﺗﻮﻗﻔﺖ ﻣﻨﺪھ ً ﺸﺎ ،ﻓﻘﺎل: ھﯿﺎ ﺑﻨﺎ!وﻻ ﺗﺘﺤﺪث إﻻ إذا طﻠﺐ ﻣﻨﻚ ذﻟﻚ. ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﻳﻘﺮب ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺔ ،ﻛﻨﺎ ﻧﻘﻒ ﻓﻲ ﺣﺠﺮة ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺸﺮطﺔ ،ورأﻳﺖ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻳﺘﺤﺪث ﻓﻲ اﻧﻔﻌﺎلِ ،ﻛْﺪت أﺻ ِّ ﺪﻗﻪ ،وﻗﺪ اﺣﻤﱠﺮ وﺟﮫﻪ وﺗﻌﱠﺮق ﺟﺒﯿﻨﻪ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﺳﯿﺪي ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺸﺮطﺔ ،ﻟﻘﺪ ﺑﻠﻐﺖ ﻣﻀﺎﻳﻘﺎت )ﻛﺮوﻧﻮس( ﻣﺒﻠﻐﮫﺎ ﺿﺪ ﺻﺪﻳﻘﻲوﺿﯿﻔﻲ اﻟﺘﺎﺟﺮ اﻟﻤﺼﺮي )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻗﻞ ﻟﻲ ﺑﺤﻖ ﻣﻠﻜﻨﺎ اﻟﻌﻈﯿﻢ )ھﺪد( ،ﻛﯿﻒ ُﻳﻌﺎﻣﻞ ﻧﺒﯿﻞ ﻣﺼﺮ ّ ي ﻣﺜﻞ ھﺬه اﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ إدوم ،ﻳﻠﻘﯿﻪ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ دون ذﻧﺐ، ﺛﻢ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺒﺼﺎﺻﯿﻦ ﻛﻲ ﻳﺴﺮﻗﻮا أوراﻗﻪ وﻗﺮاطﯿﺴﻪ وﺑﮫﺎ أﺳﺮار ﺗﺠﺎرﺗﻪ، اﻋﻠﻢ ﻳﺎ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺸﺮطﺔ أن ﺻﺪﻳﻘﻲ ﻗﺪ طﻔﺢ ﺑﻪ اﻟﻜﯿﻞ ،وﻟﻘﺪ أﻗﺴﻢ أن ﻳﺮﺳﻞ ﺑﺮﺳﺎﻟﺔ إﻟﻰ ﻣﻮﻻﻧﺎ اﻟﻤﻌﻈﻢ )ھﺪد ﺑﻦ ﺑﺪد( ﻓﻲ »أﻓﯿﺚ« ﻳﺴﺘﻨﺠﺪ ﺑﻪ ﻟﯿﺮﻓﻊ ﻋﻨﻪ اﻟﻈﻠﻢ اﻟﻮاﻗﻊ ﻋﻠﯿﻪ ﻓﻲ »ﺑﺼﺮى«. اﻧﺰﻋﺞ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺸﺮطﺔ ﻣﻤﺎ ﺳﻤﻌﻪ ﻣﻦ )ﺷﮫﺒﻮر( ،وﺑﺎن ﻋﻠﯿﻪ اﻻﺿﻄﺮاب ﻓﻲ ﺻﻮﺗﻪ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﺮﺿﻰ أن ﺗﻘﻊ ﻣﻈﻠﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﯿﺪ )ﺷﻤﻌﻮن اﻟﻤﺼﺮي( ،وﻻ ﻧﻈﻦ أناﻟﻔﺎرس )ﻛﺮوﻧﻮس( ﻗﺪ ﻳﻔﻌﻞ ھﺬا ﻣﻊ رﺟﻞ ﺷﺮﻳﻒ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ! ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر( ﻣﮫﺎﺟ ً ﻤﺎ أﻛﺜﺮ ،وﻗﺪ ﺷﻌﺮ ﺑﺄن ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺸﺮطﺔ ﻗﺪ اﺗﺨﺬ ﻣﻮﻗﻒ اﻟﺪﻓﺎع: ﻓﻠﺘﺄذن ﻟﺼﺪﻳﻘﻲ اﻟﻨﺒﯿﻞ ﺑﺎﺳﺘﺮداد أوراﻗﻪ ،وﻟﺘﺄﻣﺮ اﻟﻔﺎرس )ﻛﺮوﻧﻮس( ﺑﺄﻻﻳﺘﻌﺮض ﻟﻪ! اﻛﺘﻔﻰ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺸﺮطﺔ ﺑﺈﻳﻤﺎءة ﻣﻦ رأﺳﻪ ﻛﻲ ﻳﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﻓﻘﺘﻪ ،ﺻﺎح ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎرس اﻟﻘﺎﺑﻊ أﻣﺎم اﻟﺤﺠﺮة وأﺷﺎر إﻟﯿﻪ ﻛﻲ ﻳﺪﻧﻮ إﻟﯿﻪ ﺑﺮأﺳﻪ ﺛﻢ ھﻤﺲ ﻓﻲ أذﻧﻪ ﺑﺒﻀﻊ ﻛﻠﻤﺎت ،اﻧﺼﺮف ﺑﻌﺪھﺎ اﻟﺤﺎرس ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮة ،ﻗﺎم ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻪ واﺗﺠﻪ ﻧﺤﻮ ﺧﺰاﻧﺔ ﺿﺨﻤﺔ ﻓﻲ ﺣﺠﺮﺗﻪ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻧﺤﻦ ﻧﺤﺐ أھﻞ ﻣﺼﺮ ،وﻻ ﺗﺴﺘﻘﯿﻢ اﻟﺘﺠﺎرة ﻓﻲ »ﺑﺼﺮى« دون ﻣﺴﺎھﻤﺔأﻣﺜﺎﻟﻜﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻼء. ﻓﺘﺢ اﻟﺨﺰاﻧﺔ وأﺧﺮج ﻣﻨﮫﺎ ﺷﯿًﺌﺎ ﻟﻢ أﺗﺒﯿﻨﻪ وھﻮ ﻳﺘﺎﺑﻊ: وﻳﺴﻌﺪﻧﺎ أن ﻧﻘﺪم ﻟﻜﻢ اﻟﮫﺪاﻳﺎ ﻛﻲ ﺗﺬﻛﺮوﻧﺎ ﺑﻜﻞ ﺧﯿﺮ ﻋﻨﺪ ﻓﺮﻋﻮن اﻟﻌﻈﯿﻢ وﻋﻨﺪﻣﻮﻻﻧﺎ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻤﻌﻈﻢ )ھﺪد ﺑﻦ ﺑﺪد(. ﺛﻢ ﻣﺪ ﻳﺪه ﻧﺤﻮي ﺑﮫﺪﻳﺘﻪ وھﻮ ﻳﻘﻮل: أرﺟﻮ أن ﺗﻘﺒﻞ ھﺬه اﻟﮫﺪﻳﺔ ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺸﺮطﺔ ﻓﻲ ﺑﺼﺮى ،وﺳُﺘﺪھﺶ أنھﺬا ھﻮ ﻣﻌﺒﻮدي اﻟﻤﻔﻀﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن أذھﺐ إﻟﯿﻪ ﺣﺘﻰ ھﻨﺎ ﻓﻲ إدوم. ﻣﺪدت إﻟﯿﻪ ﻳﺪي ﻓﺈذا ﺑﻲ أﺟﺪ ﺗﻤﺜﺎًﻻ ذھﺒﯿﺎ ﺻﻐﯿًﺮا ﻟﻠﻌﺠﻞ أﺑﯿﺲ ،اﺿﻄﺮﺑﺖ ﻳَِﺪي وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻣﺴﺖ ﺟﻤﺮة ﻣﻦ اﻟﻨﺎر ،وﺗﻔﺠﺮ ﻓﻲ رأﺳﻲ ﺑﺮﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت اﻟﻤﻘﯿﺘﻪ ﻪ ﺗﻨﮫﺎل ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪي ،ﺣﺘﻰ ﺗﻌﺮق ﺟﺒﯿﻨﻲ وﻛﺪت أن أﺳِﻘﻂ ﻤ ِ ﺷﻌﺮت ﺑﺤﻤ ِ اﻟﺘﻤﺜﺎل ﻣﻦ ﻳﺪي. ﺔ ﻋﯿﻨﻪ أن ﺷﻌﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( ﺑﺎﺿﻄﺮاﺑﻲ ،ﻓﺮﻣﻘﻨﻲ ﺑﻨﻈﺮة ﻏﺎﺿﺒﺔ ،وأﻣﺮﻧﻲ ﺑﺨﺎﺋﻨ ِ أﻗﺒ َ ﻞ اﻟﮫﺪﻳﺔ! ﺗﻨﺎوﻟﺖ اﻟﺘﻤﺜﺎل ﺑﯿٍﺪ واھﻨﺔ ،وأﻧﺎ أﻟﻌﻦ ﻓﻲ ﺳﺮي ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﺠﺪ طﺮﻳﻘﺔ أﺧﺮى ﻳﺒﺮھﻦ ﺑﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺴﺎﻣﺤﻪ ﺳﻮى إھﺪاء ھﺬا اﻟﺘﻤﺜﺎل اﻟﺬي ﻟﻢ أﺑﻐﺾ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ﻣﺜﻠﻪ ،ﺛﻢ ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺧﻔﻮت ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻛﻲ أﻗﻨﻌﻪ ﺑﻜﻼم )ﺷﮫﺒﻮر(: ﺷﻜًﺮا ﻟﻚ ﻳﺎ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺸﺮطﺔ.دﺧﻞ اﻟﺤﺎرس وﻓﻲ ﻳﺪه ﻟﻔﺎﺋﻒ ﻣﻦ اﻷوراق اﻟﺘﻲ ﻋﻠﻤﺖ ﻓﯿﮫﺎ أوراﻗﻲ ،وﺿﻌﮫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﻀﺪة ،وھﻤﺲ ﻓﻲ أذن ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺸﺮطﺔ ﺑﻜﻠﻤﺎت رأﻳﺖ وﺟﮫﻪ ﻳﻨﻘﺒﺾ ﻋﻠﻰ أﺛﺮھﺎ ﻣﻦ اﻟﻐﯿﻆ ،وﻟﻜﻦ ﺻﻮﺗﻪ ﺧﺮج ھﺎدﺋًﺎ رﻏﻢ ذﻟﻚ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻳﺒﺪو أن أﺣﺪ اﻟﻠﺼﻮص ﻗﺪ ﺳﺮﻗﮫﺎ ﺑﺎﻷﻣﺲ وھﻮ ﻳﻈﻦ ﺑﮫﺎ ﻧﻔًﻌﺎ ﺛﻢ أﻟﻘﺎھﺎ وﻓﱠﺮھﺎرﺑًﺎ ﺣﯿﻦ أﺣﺲ ﺑﻪ اﻟﺤﺮاس. اﺑﺘﻠﻌﻨﺎ ﻛﺬﺑﺘﻪ ﻛْﺮ ً ھﺎ ،ﻓﺎﻟﺘﻒ ﺣﻮل اﻟﻤﻨﻀﺪة ،ﺛﻢ ﻗﺎم ﺑﻔﺘﺢ ﺑﻌﺾ اﻟﻠﻔﺎﺋﻒ ﻟﯿﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ أﻧﮫﺎ ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ،وﻗﺎل ﻣﺘﻈﺎھًﺮا ﺑﺎﻻھﺘﻤﺎم: ﻳﺒﺪو أن اﻟﻠ ﱠﺺ ﻗﺪ ﺗﺮﻛﮫﺎ ﻛﺎﻣﻠﺔ وﻟﻢ ُﻳﺘِﻠﻒ ﻣﻨﮫﺎ ﺷﯿًﺌﺎ! ﺗﻨﻔﺴﺖ اﻟﺼّﻌﺪاء واﺑﺘﺴﻢ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻓﻲ ظﻔﺮ وﻗﺎل وھﻮ ﻳﻘﻮم ﺑﺠﻤﻊ اﻟﻠﻔﺎﺋﻒ ﻓﻲ ﺻﺮة ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش: ﻧﺸﻜﺮك أﻳﮫﺎ اﻟﺴﯿﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗﺪﻣﺘﻪ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﻣﻌﺮوف ،وﻻ أﻋﺘﻘﺪ أن اﻟﺴﯿﺪ)ﺷﻤﻌﻮن( ﺳﯿﻨﺴﻰ ھﺬا اﻟﻜﺮم. وﻗﺒﻞ أن ﻧﻨﺼﺮف ،إذا ﺑﻨﺎ ﻧﺠﺪ اﻟﻔﺎرس )ﻛﺮوﻧﻮس( ﻟﺪى اﻟﺒﺎب ،ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺘﻮﺗﺮ ذاﺗﻪ اﻟﺬي ﻳﻨﺘﺎﺑﻨﻲ ﻛﻠﻤﺎ رأﻳﺘﻪ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺑﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ اﻟﺪھﺸﺔ ﻣﻦ رؤﻳﺘﻨﺎ ،ورﺑﻤﺎ أﺛﺎر ﻣﻈﮫﺮي رﻳﺒﺘﻪ أﻛﺜﺮ. أﻧﮫﺖ ﻛﻠﻤﺎت ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺸﺮطﺔ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺘﺮﻗﺐ واﻟﺘﺴﺎؤل ﺣﯿﻨﻤﺎ ﻗﺎل: ﺣﺴًﻨﺎ ﻳﺎ )ﻛﺮوﻧﻮس( ،ﻟﻘﺪ أﺑﻠﯿﺖ ﺑﻼًء ﺣﺴًﻨﺎ ﺣﯿﻨﻤﺎ أﻟﻘﻰ رﺟﺎﻟﻚ اﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻰاﻟﻠﺺ اﻟﺬي ﺳﺮق أوراق اﻟﺴﯿﺪ اﻟﻨﺒﯿﻞ )ﺷﻤﻌﻮن(. ھ ّ ﻢ أن ﻳﻨﻄﻖ وﻟﻜﻦ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺸﺮطﺔ أﻧﮫﻰ اﻟﻠﻘﺎء ﻟﯿﻘﻄﻊ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻟﻘﺪ ﺳﻌﺪﻧﺎ ﺑﻮﺟﻮدك ﻳﺎ ﺳﯿﺪ )ﺷﻤﻌﻮن(.ﻓﺤﯿ ّﺎه اﻟﺘﺎﺟﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( وأﻣﺴﻚ ﻳﺪي ﺛﻢ اﻧﺼﺮﻓﻨﺎ ﻣﺴﺮﻋﯿﻦ. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ واﻟﺜﻼﺛﻮن ﻣﺮت اﻷﻳﺎم اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ ﺑﮫﺪوء دون أن ﻳﻌﻜﺮ ﺻﻔﻮھﺎ ﺷﻲء ،ﺗﻌﺎﻓﻰ ﺟﺮح )ﻋﻤﺮو( وأﺻﺒﺢ ﻗﺎدًرا ﻋﻠﻰ اﻟﺴﯿﺮ واﻟﺤﺮﻛﺔ ،ﻣﺴﺘﻨًﺪا ﻋﻠﻰ ﻋﺼﺎ أھﺪاھﺎ ﻟﻪ اﻟﺘﺎﺟﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( ،ﻛﻤﺎ راﺟﺖ ﺗﺠﺎرة اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،وأوﺷﻜﺖ ﺑﻀﺎﻋﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﻤﻮر واﻟﻌﺠﻮة واﻟﻤﺸﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻔﺎد. ﻛﻨﺖ ﺧﻼل ھﺬه اﻷﻳﺎم أﺗﺠﻨﺐ اﻟﺘﻮاﺟﺪ ﻓﻲ اﻟﺴﻮق ،أظﮫﺮت أﻧﻨﻲ أﻓﻌﻞ ھﺬا ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﻧﺼﯿﺤﺔ اﻟﺘﺎﺟﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( ،وﻟﻜﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﻛﻨﺖ أھﺮب ﻣﻦ ﻟﻘﺎﺋﮫﺎ! ﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪﻣﺎ أﻟﺢ )ﻋﻤﺮو( ﻓﻲ رﻏﺒﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺬھﺎب إﻟﻰ اﻟﺴﻮق ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺷﻌﺮ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺘﻌﺎﻓﻲ. ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ﺷﻌﺮت ﺑﻐﺮﺑﺘﻲ ووﺣﺪﺗﻲ ﻓﻲ اﻟﻨﺰل رﻏﻢ ﻛﻞ اﻟﻤﺤﺒﺔ اﻟﺘﻲ أﺣﺎطﻨﻲ ﺑﮫﺎ اﻟﺠﻤﯿﻊ ،ورﻏﻢ أﻧﻲ ﻗﺪ ﺣﺎوﻟﺖ ﺷﻐﻞ وﻗﺘﻲ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ إﻟﻰ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( أو ﺑﺘﺪوﻳﻦ أوراﻗﻲ ،ﻓﺈﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﺳﺘﻄﻊ أن أﻧﺠﻮ ﻣﻦ ﺑﺮاﺛﻦ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ﺑﮫﺎ ﻻ ﺳﯿﻤﺎ إذا ﺟﻦ اﻟﻠﯿﻞ واﺧﺘﻠﯿﺖ إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻲ ،ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻟﯿﻠﺔ أﺗﻤﻨﻰ ﻟﻮ ﺑ ﱠ ﻜﺮت ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ﻓﺨﺮﺟﺖ ﻣﻌﮫﺎ إﻟﻰ اﻟﺴﻮق ،ﻓﺄذﻧﻲ ﺗﺤﻦ ﻟﺴﻤﺎع ﺻﻮﺗﮫﺎ وﻋﯿﻨﻲ ﺗﺸﺘﺎق ﻟﺮؤﻳﺔ وﺟﮫﮫﺎ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﻋﻮد ﻓﺄﺗﺬﻛﺮ ﻧﻈﺮة اﻟﻮﻟﻪ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ )ﻋﻤﺮو( وھﻮ ﻳﺴﯿﺮ إﻟﻰ ﺟﻮارھﺎ ﻣﺘﻜًﺌﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺼﺎه ﻓﺄﺻﺮف ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻣﺎﻧﻲ اﻟﻜﺎذﺑﺔ. وﺛﻘﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻲ اﻟﮫﻤﻮم ،ﻓﺨﺮﺟﺖ ذات ﺿﺤﻰ ﻣﻦ اﻟﻨﺰل ،أﺑﻐﻲ أن أﺗﺠﻮل ﻓﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ وﺣﺪي ﻛﻲ أرى ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻟﻤﮫﺎ ﻣﺎ أﺳﺮي ﺑﻪ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻲ ،ﺗﺠﺎوزت ﺳﻮق اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ واﺗﺠﮫﺖ ﻏﺮﺑًﺎ ،ﻓﻮﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﺷﺪﻳﺪة اﻟﺠﻤﺎل ﺗﻜﺴﻮ ﺟﺒﺎﻟﮫﺎ اﻷﺷﺠﺎر وﺗﺘﻔ ّ ﺠﺮ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﺷﻘﻮﻗﮫﺎ اﻟﯿﻨﺎﺑﯿﻊ ﻋﻠﻤﺖ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن اﺳﻤﮫﺎ »ﺿﺎﻧﺎ« ،ﻓﺬﻛﺮﺗﻨﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻮاﺣﺔ اﻟﯿﺎﻧﻌﺔ ﺑﻮاﺣﺔ ﻗﺎدش ﺑﺮﻧﯿﻊ ،أﺑﮫﺮﻧﻲ أن أرى ﻗﻄﯿًﻌﺎ ﻣﻦ اﻟﻐﺰﻻن اﻟﺠﺒﻠﯿﺔ ﻓﻮق إﺣﺪى اﻟﮫﻀﺎب ﻳﺮﻋﻰ ﺑﻌﻀﮫﺎ ﻓﻲ ھﺪوء وﻳﺘﻨﺎطﺢ اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ وﻗﺪ ﺑﺪا ﻣﻦ ﻛﺜﺮﺗﮫﻢ أﻧﮫﻢ ﻗﺪ اﺳﺘﻮطﻨﻮا ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺑﻮة ﻣﻨﺬ أﻣﺪ ﺑﻌﯿﺪ ،ﺟﺬﺑﻨﻲ ﺟﻤﺎﻟﮫﺎ ﻓﺴﺮت إﻟﯿﮫﺎ ﻣﺸﺪو ً ھﺎ ﺑﯿﻦ ظﻼل اﻷﺷﺠﺎر اﻟﻮارﻓﺔ، ﻢ ﻟﻪ ﻣﺬاق! أﺗﻨﺴﻢ ﻋﺒﯿًﺮا رطﺒًﺎ ،ﻳﻤﻸ ﺻﺪري ﺑﻨﺴﯿ ٍ وﻳﻐﺸﻰ ﺳﻤﻌﻲ ﻣﺰﻳﺞ ﺣﻠﻮ ﻣﻦ ﺻﻮت ﺧﺮﻳﺮ اﻟﻤﯿﺎه ﺑﯿﻦ اﻟﺼﺨﻮر وزﻗﺰﻗﺎت ﻣﺌﺎت اﻟﻌﺼﺎﻓﯿﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺎﻳﻨﺖ ﻧﻐﻤﺎﺗﮫﺎ ورددت اﻟﺠﺒﺎل رﻧﯿﻨﮫﺎ ﻓﺒﺪت ﻛﺘﺴﺎﺑﯿ َ ﺢ ﺗﺼﻞ إﻟﻰ ﻋﻨﺎن اﻟﺴﻤﺎء ،وﻛﺄن اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ ﺗﺘﻐﻨﻰ إﻟﻰ ﺑﺎرﺋﮫﺎ اﻟﻌﻈﯿﻢ! وﺟﺪﺗﻨﻲ أﻗﻮل ﺑﻠﺴﺎن ﻟﻢ أﻋﺘﺪ ﻋﻠﯿﻪ وﻟﻜﻨﻲ أﺣﺴﺴﺖ ﺑﻪ: ﻳﺎ آ ! ﻣﺎ أﺑﺪﻋﻚ! ﺷﻌﺮت ﺑﺄن ﷲ ﻗﺪ ﺗﺠﻠﻰ ﺑﺠﻤﺎﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻘﻌﺔ ﻣﻦ اﻷرض ،وﺗﺬﻛﺮت ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻟﻲ ﻓﻲ أول ﻟﻘﺎء ﺑﯿﻨﻨﺎ )إن ﷲ ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻛﯿﻔﻤﺎ ﻧﺮاه( ،وﻟﻘﺪ رأﻳﺖ ﷲ ﺟﻤﯿًﻼ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ،ﻓﻤﻦ ﻳﺼﻨﻊ ذاك اﻟﺠﻤﺎل ﻻ ﺑﺪ وأن ﻳﻜﻮن ﺟﻤﯿًﻼ! ﻗﺎدﺗﻨﻲ ﻗﺪﻣﺎي إﻟﻰ أﻋﻠﻰ اﻟﺮﺑﻮة ،ﻟﻢ أﻗﺘﺮب ﻛﺜﯿًﺮا ﻣﻦ ﻗﻄﯿﻊ اﻟﻐﺰﻻن ﺣﺘﻰ ﻻ أﻓﺰﻋﮫﺎ ،رﻏﻢ أﻧﮫﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﺘﺮث ﻛﺜﯿًﺮا ﻟﺮؤﻳﺘﻲ ،ﻧﻈﺮت إﻟﻰ أﺳﻔﻞ اﻟﺮﺑﻮة ﻓﺨﻔﻖ ﻗﻠﺒﻲ رھﺒﺔ ﻓﻲ ﺣﺮم ذﻟﻚ اﻟﺠﻤﺎل! ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮﺑﻮة ﺗﻨﺘﮫﻲ إﻟﻰ ﺳﻔﺢٍ ﻳﺤﺪه واٍد أﺧﻀﺮ ،ﺗﺘﺎﺧﻤﻪ ﻛﺜﺒﺎن ﻣﻦ اﻟﺮﻣﺎل اﻷرﺟﻮاﻧﯿﺔ واﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﮫﻲ إﻟﻰ ﺷﺎطﺊ ﺑﺤٍﺮ ﺳﺎﻛﻦ ،ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺰرﻗﺔ ،ﻋﻠﻤﺖ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن اﺳﻤﻪ )ﺑﺤﺮ ﻟﻮط( ،وﻋﻠﻤﺖ أﻳ ً ﻀﺎ أن اﻷﺳﻤﺎك ﻻ ﺗﺤﯿﺎ ﻓﯿﻪ ﻟﺸﺪة ﻣﻠﻮﺣﺘﻪ، وﻟﻌﻞ ھﺬا ﻛﺎن ﻣﻦ ﻋﻘﺎب اﻟﺮب ﻋﻠﻰ ﻗﻮم ﻟﻮط. ﺟﻠﺴﺖ ﻓﻮق ﺻﺨﺮة ﻣﻠﺴﺎء وﻣﻸت ﺻﺪري ﺑﺸﮫﯿﻖ ﻋﻤﯿﻖ ،ﻟﻮ ﻛﺎن ﻟﻲ ﻣﻄﻠﺐ واﺣﺪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ،ﻟﺘﻤﻨﯿﺖ أن ﺗﻜﻮن أﻣﻲ )روﻣﺎﻧﺎ( إﻟﻰ ﺟﻮاري! ﻣﺪدت ﺑﺼﺮي إﻟﻰ أﻗﺼﻰ ﻣﺪاه وﻛﺄﻧﻤﺎ أﺑﺤﺚ ﻋﻨﮫﺎ ﻓﻲ اﻷﻓﻖ اﻟﻤﻔﺘﻮح ،ﻓَﺘﺎه ﻪ أﺣﺒﺎﺑﻲ! اﻟﺒﺼﺮ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ﻛﺘﯿ ِ آه ﻣﻦ ﻗﺴﻮة اﻷﻳﺎم! ﻛﻢ أﻓﺘﻘﺪك أﻳﺘﮫﺎ اﻟﻐﺎﻟﯿﺔ! أﺗﻤﻨﻰ أن ﺗﺘﻤﺎﺳﻜﻲ ﺣﺘﻰ أراك! وأﻋﺪك أﻻ أﺧﺬﻟﻚ ﻣﺮة أﺧﺮى. ھﺒﻂ إﻟﻰ ﺟﻮاري طﺎﺋﺮ ﺻﻐﯿﺮ ﻣﺰرﻛﺶ ،ﻧﻘﺮ اﻷرض ﻣﺮات ﺑﻤﻨﻘﺎره ﺛﻢ دار ﺣﻮﻟﻲ ﻓﻲ ھﺪوء ،ﻓﺬﻛﺮﻧﻲ ھﺪوءه ﺑﻄﺎﺋﺮ اﻟﺴﻠﻮى اﻟﻤﺴﺨﺮ ﻓﻲ ﻧﺰﻟﻨﺎ اﻟﻤﻔﻘﻮد. ﻓﺠﺄة طﺎر اﻟﻄﺎﺋﺮ وﻛﺄﻧﻤﺎ رأى ﺷﯿًﺌﺎ أﺧﺎﻓﻪ ،ﻧﻈﺮت ﺧﻠﻔﻲ ﺑﺴﺮﻋﺔ ،ﻓﻮﺟﺪﺗﮫﺎ ھﻲ) ..أروى(! ﻛﻨﺖ ﻛﻤﻦ ﻳﺤﻠﻢ ،ﻓﻤﺎ اﻟﺬي ﻳﺄﺗﻲ ﺑﮫﺎ إﻟﻰ ھﻨﺎ ،ﻗﻠﺖ ﻣﻨﺪھ ً ﺸﺎ: )أروى(!ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﻠﮫﺞ ﻣﻦ ﺻﻌﻮد اﻟﺮﺑﻮة: أﺗﻌﺒﺘﻨﻲ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﺛﻢ أﻟﻘﺖ ﺑﻨﻔﺴﮫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺨﺮة إﻟﻰ ﺟﻮاري وھﻲ ﺗﻀﻊ ﻳﺪھﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﺪرھﺎ اﻟﺬي ﺗﻼﺣﻘﺖ أﻧﻔﺎﺳﻪ ،ﺳﺄﻟﺘﮫﺎ: ﺖ إﻟﻰ ھﻨﺎ؟ ﻛﯿﻒ أﺗﯿ ِﻗﺎﻟﺖ ﺑﻌﺪ أن ھﺪأت أﻧﻔﺎﺳﮫﺎ: ﻛﻨﺖ ﻋﺎﺋﺪة إﻟﻰ اﻟﺴﻮق ﺑﻌﺪ أن أﻋﺪدت اﻟﻐﺪاء ﻟﺠ ِّﺪي ﻓﺮأﻳﺘﻚ ﺗﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﻨﺰل، ﺗﻌﺠﺒﺖ أﻧﻚ ﺗﺠﺎوزت اﻟﺴﻮق وﺳﺮت ﻏﺮﺑًﺎ ،ﻓﺘﺘﺒﻌﺘﻚ إﻟﻰ ھﻨﺎ. ﺛﻢ ﺗﻨﮫﺪت ﻓﻲ زﻓﺮة طﻮﻳﻠﺔ وﻗﺎﻟﺖ: أﺣﻤﺪ ﷲ أﻧﻲ وﺻﻠﺖ إﻟﯿﻚ ﻓﻘﺪ ﻛﺪت أﻓﻘﺪ أﺛﺮك ﺑﯿﻦ اﻷﺷﺠﺎر اﻟﻮارﻓﺔ.ﻗﻠﺖ ﻣﺒﺘﺴ ً ﻤﺎ: ﻲ؟ وﻟﻤﺎذا ﻟﻢ ﺗﻨﺎدي ﻋﻠ ّأﺿﺎﻗﺖ ﻋﯿﻨﯿﮫﺎ وزﻣﺖ ﺷﻔﺘﯿﮫﺎ وﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﻣﻜٍﺮ ﻟﻌﻮب: أردت أن أﻋﺮف ﺳﱠﺮك!ﻓﻠﻚ أﺳﺒﻮع ﻻ ﺗﺄﺗﻲ إﻟﻰ اﻟﺴﻮق وﺗﺒﺪي ﺣﺠ ً ﺠﺎ واھﯿﺔ. ﺛﻢ ﻧﻈََﺮت ﺣﻮﻟﮫﺎ ﻓﻲ اﻧﺒﮫﺎر وﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﺸﯿﺮ ﺑﯿﺪھﺎ إﻟﻰ اﻟﺤﺪاﺋﻖ اﻟﻐﱠﻨﺎء ﺣﻮﻟﻨﺎ: إذن ﻓﮫﺬه ﺧﻠﻮﺗﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺮﻛﻨﺎ ﻷﺟﻠﮫﺎ!ﺐ ﻣﺤﺒﺐ: ﺛﻢ ﻋﻘﺪت ﺷﻔﺘﯿﮫﺎ وھﻲ ﺗﮫﺰ رأﺳﮫﺎ ﻣﺴﺘﺤﺴﻨﺔ وﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺷﻐ ٍ ﻋﻤﻮًﻣﺎ ھﻲ ﺗﺴﺘﺤﻖ!ﻓﺸﺘﺎن ﻣﺎ ﺑﯿﻦ ﻏﺒﺎر اﻟﺴﻮق وﺗﻠﻚ اﻟﺠﻨﺔ اﻟﻐﱠﻨﺎء. ﺔ ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺒﯿﮫﺎ ﺔ ﻣﻦ ﻳﺪھﺎ أو ﺗﻘﻄﯿﺒ ٍ ﻛﻨﺖ أﺣﺘﻮﻳﮫﺎ ﺑﺒﺼﺮي وﻗﻠﺒﻲ ﻳﺨﻔﻖ ﻟﻜﻞ ﺣﺮﻛ ٍ ﱠ ﺔ ﻣﻦ ﺷﻔﺘﯿﮫﺎ ،وﻛﻨﺖ أﺗﺴﺎءل ﻛﯿﻒ طﻮﻋﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺎة ﻣﻼﻣﺢ وﺟﮫﮫﺎ أو زّﻣ ٍ اﻟﺮﻗﯿﻖ ھﻜﺬا ﻛﻲ ﻳﺰداد ﻓﺘﻨﺔ ﻣﻊ ﻛﻞ ﻛﻠﻤﺔ ﺗﻨﻄﻘﮫﺎ ،أدرت ﺑﺼﺮي ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻨﮫﺎ وﻧﻈﺮت إﻟﻰ اﻷﻓﻖ ھﺮﺑًﺎ ﻣﻦ ﺳﺤﺮھﺎ واﺳﺘﺪﻋﯿﺖ ﻛﻠﻤﺎت )ﻋﻤﺮو( اﻟﺘﻲ ﺑﺎﺣﺖ ﺑﮫﺎ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ إﻏﻤﺎءة ﻛﻲ أﺗﺸﺒﺚ ﺑﮫﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﻐﺮق ﻓﻲ ﺑﺤﻮر اﻟﻮھﻢ. أﺧﺠﻠﮫﺎ ﺷﺮودي ،وﺷﻌَﺮت ﺑﺎﻟﺤﺮج ﻣﻦ ردة ﻓﻌﻠﻲ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺟﺪﻳﺔ ﺣﻤﻠﺖ ﻓﻲ طﯿﺎﺗﮫﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻨﺎن: أراك ﺣﺰﻳًﻨﺎ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﻣﺎ ﺑﻚ؟ ﻗﻠﺖ ﺑﻌﺪ ﺗﻨﮫﯿﺪة أزاﺣﺖ ﻋﻨﻲ ﺛﻘﻞ ﻟﺴﺎﻧﻲ: -أﺷﺘﺎق إﻟﻰ أﻣﻲ! أوﺟﻌﺘﮫﺎ ﻛﻠﻤﺎﺗﻲ ،ورأﻳﺖ اﻟﺸﻔﻘﺔ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮫﺎ ﺗﻤﺘﺰج ﺑﺪﻣﻌﺔ ،ﻓﺘﺎﺑﻌﺖ وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ أﺑﻮح ﻓﯿﮫﺎ ﻷﺣٍﺪ ﺑﻤﺜﻞ ھﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ: أﺷﻌﺮ وﻛﺄﻧﻲ ﺷﺠﺮة ﻏﺎب اﻗﺘﻠﻌﺖ ﻣﻦ ﺟﺬورھﺎ وأﻣﻲ ھﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺬور ،ﻻأﺷﺘﺎق ﻟﻘﻮﻣﻲ وﻻ ﻟﺪﻳﻨﻲ ،ﻓﻘﺪ ﻋﻠﻤﺖ اﻵن أن اﻟﻌﺸﯿﺮة ھﻲ ﻣﻦ طﺎﺑﺖ ﻋﺸﺮﺗﮫﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،وأن اﻟﺪﻳﻦ ھﻮ اﻹﻳﻤﺎن ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺮب اﻟﻌﻈﯿﻢ اﻟﺬي ﻳﺘﺠﻠﻰ ﺑﻌﺪﻟﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﯿﻊ ،أﺻﺪﻗﻚ اﻟﻘﻮل ﻳﺎ )أروى( ،ﻣﺎ ﺷﻌﺮت أن اﻟﺮب ﺣﻠﯿﻔﻲ إﻻ ﻓﻲ ھﺬه اﻷﻳﺎم ،ﻛﻨﺖ ﺑﯿﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أﺷﻌﺮ أن ﻋﻘﺎب اﻟﺮب أﻗﺮب إﻟﯿﻨﺎ ﻣﻦ رﺣﻤﺘﻪ ،ﺣﺘﻰ وﻧﺒﻲ ﷲ ﺑﯿﻨﻨﺎ ﻟﻢ ﻳﻨﻞ أﺑﻲ ﺑﻪ اﻟﺸﻔﺎﻋﺔ! ﺻﺪﻗﯿﻨﻲ ﻟﻘﺪ ﺳﺌﻤﺖ اﻟﺤﯿﺎة إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﮫﻢ وﻻ أرﻳﺪ اﻟﻌﻮدة إﻟﯿﮫﻢ ،ﻓﻘﻂ أرﻳﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻛﺖ وطﻨﮫﺎ وأھﻠﮫﺎ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﺒﮫﺎ ،ﻓﺈذا ﺑﮫﺎ ﺗﻔﻘﺪ اﻷھﻞ واﻟﻮطﻦ. ارﺗﻌﺸﺖ ﺷﻔﺘﺎي وأﻧﺎ أﻗﻮل: ُ إذا ُﻗ ِّﺪر ﻟﻲ أن أﻟﻘﺎھﺎ ﺳﺄﻗ ِﺒ ّﻞ ﻗﺪﻣﯿﮫﺎ ﻛﻲ ﺗﺴﺎﻣﺤﻨﻲ! ﺛﻢ اﻧﻔﺠﺮت ﺑﺎﻛﯿًﺎ وأﻧﺎ أﻗﻮل: وﻟﻜﻨﻲ أﺧﺸﻰ أن ﺗﻤﻮت ﻗﺒﻞ أن أﻟﻘﺎھﺎ ﺛﺎﻧﯿﺔ!ﻟﻢ ﺗﺤﺘﻤﻞ ﺑﻜﺎﺋﻲ ﻓﺎﻧﻔﺠﺮت ھﻲ اﻷﺧﺮى ﺑﺎﻛﯿﺔ واﺣﺘﻀﻨﺖ رأﺳﻲ إﻟﻰ ﺻﺪرھﺎ ﺑﻘﻮة وھﻲ ﺗﺮﺑﺖ ﻋﻠﻰ ظﮫﺮي ﻣﺮات ﻣﺘﺘﺎﺑﻌﺔ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ودﻣﻮﻋﮫﺎ ﺗﺘﺴﺎﻗﻂ ﺣﺎرة ﻏﺰﻳﺮة: ﺳﺘﻌﻮد إﻟﯿﮫﺎ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﺳﺘﻌﻮد إﻟﯿﮫﺎ ﻷﻧﻚ ﻧﻘﻲ اﻟﻘﻠﺐ ،أﻗﺴﻢ ﻟﻚ أﻧﻲ ﺳﺄدﻋﻮ ﻟﻚ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺻﻼة ﺣﺘﻰ ﺗﺮاھﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻻ ﺗﻔﻄﺮ ﻗﻠﺒﻲ ﺑﺒﻜﺎﺋﻚ! ﻻ ﺗﻔﻄﺮ ﻗﻠﺒﻲ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(! رﻓﻌﺖ رأﺳﻲ ﻋﻨﮫﺎ ﻓﺮأﻳﺖ وﺟﮫﮫﺎ ﺗﻐﻄﯿﻪ اﻟﺪﻣﻮع وﻗﺪ ذﺑﻠﺖ ﻋﯿﻨﺎھﺎ ،ھﺎﻟﻨﻲ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺘﻪ ﺑﻮﺟﮫﮫﺎ اﻟﺼﺒﻮح اﻟﻤﺮح اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻔﯿﺾ ﺑﺸﺎﺷﺔ ﻣﻨﺬ ﻗﻠﯿﻞ ،ﻣﺪدت ﻳﺪي إﻟﻰ وﺟﮫﮫﺎ ﻓﺄﺣﻄﺖ ﺧﺪھﺎ اﻷﻳﻤﻦ ﺑﻜﻔﻲ ﺛﻢ ﻣﺴﺤﺖ دﻣﻮﻋﮫﺎ ﺑﺈﺑﮫﺎﻣﻲ ،ھﺪأ ﺑﻜﺎؤھﺎ وﻟﻜﻦ ظﻠﺖ أﻧﻔﺎﺳﮫﺎ ﺗﺘﻼﺣﻖ ،ﻣﺪدت ﻳﺪي اﻷﺧﺮى ﺛﻢ ﻣﺴﺤﺖ اﻟﺪﻣﻮع ﻋﻦ ﺧﺪھﺎ اﻵﺧﺮ وظﻠﻠﺖ أﺣﯿﻂ ﺧﺪﻳﮫﺎ ﺑﻜﻔﻲ ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻜﺎﻧﺖ أﻧﻔﺎﺳﮫﺎ ،ﺗﻨﮫﺪت ﺛﻢ أرﺧﺖ أھﺪاﺑﮫﺎ وأﻣﺎﻟﺖ ﺧﺪھﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﻔﻲ ﻟﻠﺤﻈﺎت وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﺘﻮﺳﺪه ،ﺛﻢ أﻣﺴﻜﺖ ﻛﻔﻲ ورﻓﻌﺘﮫﺎ ﻋﻦ ﺧﺪھﺎ وﻗﺒﻠﺘﻨﻲ ﻓﻲ راﺣﺔ ﻳﺪي ﻗﺒﻞ أن ﺗﻘﻮل: ھﯿﺎ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﺳﯿﻔﺘﻘﺪﻧﺎ اﻟﻘﻮم. ﺗﻨﮫﺪت أﻧﺎ اﻵﺧﺮ ﺛﻢ ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﻣﺮح ﻛﻲ أﺧﻔﻒ ﻣﻦ وطﺄة اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ: ﻧﻌﻢ ،ﻓﻔﻲ آﺧﺮ ﻣﺮة اﺟﺘﻤﻌﻨﺎ ﻓﯿﮫﺎ ﻓﻮق اﻟﺠﺒﻞ اﻧﮫﻤﺮ اﻟﺴﯿﻞ وﻛﺪﻧﺎ ﻧﻐﺮق ﻣًﻌﺎ.ﺿﺤﻜﺖ وﻗﺎﻟﺖ: اﻷھﻢ أﻻ ﻧﺠﺪ اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ ﻛﻠﮫﺎ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎرﻧﺎ ﺗﺤﺖ اﻟﺴﻔﺢ ﻣﺮة أﺧﺮى!ﻗﻤﻨﺎ ﻣﻦ ﺟﻠﺴﺘﻨﺎ ﺛﻢ ھﺒﻄﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﺴﻔﺢ وﻗﺪ ﺗﺸﺎﺑﻜﺖ أﻳﺪﻳﻨﺎ ﻛﻄﻔﻠﯿﻦ ﺗﺸﺎﺑﻜﺖ أﻳﺪﻳﮫﻤﺎ وﺟﻤﻌﺖ ﺑﯿﻨﮫﻤﺎ اﻷﻗﺪار ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﻌﺸﺮ ﺳﻨﻮات ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ. ∞∞∞∞∞ ﻛﺎن اﻟﯿﻮم اﻷﺧﯿﺮ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻮق ،ﺑﯿﻌﺖ ﻛﻞ ﺑﻀﺎﻋﺘﻨﺎ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ وﻟﻢ ﻳﺘﺒﻖ ﺳﻮى ب ﺑﮫﺎ ،ﻓﺄھﺪﺗﮫﺎ إﻟﻰ ن ﻓﻲ ﺣﺎﻧﻮت )أروى( ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﻣﻦ ﻳﺸﺘﺮﻳﮫﺎ ﻟﻌﯿﻮ ٍ ﺑﻀﻊ ﻣﺸﺎ ٍ ﻓﺘﯿﺎت اﻟﺴﻮق ،أﻣﺮﻧﺎ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( أﻧﺎ و)ﻟﯿﺚ( أن ﻧﺘﺮك اﻟﺴﻮق وأن ﻧﺮاﻓﻖ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح اﻟﺒﺎﻛﺮ إﻟﻰ اﻟﻤﺨﺎزن ﻛﻲ ﻧﻨﻘﻞ ﺑﻀﺎﻋﺘﻨﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﺳﻨﺒﯿﻌﮫﺎ ﻓﻲ ﺑﻜﺔ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ذھﺐ ھﻮ ﻣﻊ )ﻋﻤﺮو( اﻟﺬي ﺗﻌﺎﻓﻲ ﻣﻦ ﺟﺮﺣﻪ ،إﻻ ﻣﻦ ﻏﻤﺰٍة ﺑﺴﯿﻄﺔ ﻓﻲ ﻣﺸﯿﻪ ،إﻟﻰ اﻟﺘﺠﺎر ﻟﯿﺴﺪد ﻣﺎ ﻋﻠﯿﻪ ﻣﻦ ﻧﻘﻮد آﺟﻠﺔ ﺑﻌﺪ أن ﺑﺎع ﺑﻀﺎﻋﺘﻪ ورﺑﺢ ﻣﻨﮫﺎ. ﻛﺎن اﻟﻤﺨﺰن ﻳﺒﺪو ﻛﺼﻮﻣﻌﺔ ھﺎﺋﻠﺔ ﺗﺘﺮاص ﻓﻲ أﺣﺪ ﺟﺎﻧﺒﯿﻪ ﻋﺸﺮات اﻟﺠﻮاﻟﻖ ﻣﻦ ﺑﺨﻮر ﺳﺒﺌﻲ وﺑﮫﺎرات ﺷﺮﻗﯿﺔ وﺣﺒﻮب اﻟﻘﻤﺢ اﻟﻤﺼﺮي اﻟﺬي ﺗﺘﻸﻷ ﺣﺒﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﺿﻮء اﻟﺸﻤﺲ ﻛﺤﺒﯿﺒﺎت اﻟﺬھﺐ ،وﻋﻠﻰ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻵﺧﺮ وﺿﻌﺖ ﻋﺸﺮات اﻷواﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻔﺨﺎر اﻹدوﻣﻲ اﻟﻤﻠﻮن ﺑﺎﻷﺻﻔﺮ واﻷزرق واﻷﺣﻤﺮ واﻟﺘﻲ ﻟﻢ أر ﻣﺜﯿًﻼ ﻟﮫﺎ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ،وﻋﻠﻤﺖ ﻣﻦ )ﺷﮫﺒﻮر( أن ھﺬا اﻟﻔﺨﺎر ﻳﺒﺎع ﻟﺴﺎدة ﺑﻜﺔ ﺑﻤﺒﺎﻟﻎ طﺎﺋﻠﺔ، وﻟﮫﺬا أﻣﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻋ ّ ﻤﺎﻟﻪ ﺑﺄن ﻳﻘﻮﻣﻮا ﺑﻨﻘﻞ اﻟﺠﻮاﻟﻖ أوًﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮﺑﺎت اﻟﺨﺸﺒﯿﺔ ،وأن ﻳﺘﺮﻛﻮا اﻟﻘﺪور اﻟﻔﺨﺎرﻳﺔ ﻟﻠﺴﺎﻋﺎت اﻷﺧﯿﺮة ﻗﺒﻞ اﻟﺴﻔﺮ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺘﻌﺮض ﻟﻠﻜﺴﺮ. ﻛﻨﺖ ﻛﻠﻤﺎ ُ ﺣ ِﺮّك ﺟﻮال ﻣﻦ أﺟﻮﻟﺔ اﻟﺒﮫﺎرات ،أﻋﻄﺲ ﺑﺸﺪة ،ﺛﻢ ﻳﺘﺒﻌﻨﻲ )ﻟﯿﺚ( ﻓﻲ اﻟﻌﻄﺲ ،ﻓﯿﻀﺤﻚ )ﺷﮫﺒﻮر( اﻟﺬي اﻋﺘﺎدت أﻧﻔﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺮاﺋﺤﺔ وﺻﺎرت ﻻ ﺗﺆﺛﺮ ﻓﯿﻪ ،وﻳﻘﻮل: ﻣﺎذا ﺳﺘﻔﻌﻼن ﺣﯿﻦ ﺗﻔﺮﻏﺎن ﻣﺎ ﺑﮫﺎ؟!! اﻣﺘﻸت اﻟﻌﺮﺑﺔ اﻷوﻟﻰ ،ﻓﻌﱠﺪ )ﺷﮫﺒﻮر( ﺣﻤﻮﻟﺘﮫﺎ ﺛﻢ ﺳ ﱠ ﺠﻞ اﻟﻌﺪد ﻓﻲ ورﻗﺔ ﻓﻲ ﻳﺪه وﻗﺎل: ﻋﺸﺮة ﺟﻮاﻟﻖ.ﺛﻢ أﻋﻄﻰ )ﻟﯿﺚ( ﻋﺸﺮ ﻓﻀﯿﺎت ﻓﻲ ﻳﺪه وﻗﺎل: ادﻓﻌﮫﻢ إﻟﻰ ُﻣﺘَﻮ ِ ّل اﻟﺤﺴﺒﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﻮاﺑﺔ ،ﻓﻀﯿًﺔ ﻟﻜﻞ ﺟَﻮال. ﺛﻢ ھﺘﻒ: ھﯿﺎ اﻧﻄﻠﻘﻮا!ﻓﺪﻓﻊ اﻟﺤ ﱠ ﻤﺎﻟﻮن اﻟﻌﺮﺑﺔ ،ﻣﺘﺠﮫﯿﻦ ﺑﮫﺎ إﻟﻰ ﺧﺎرج اﻟﻤﺨﺰن ﻳﺘﻘﺪﻣﮫﻢ )ﻟﯿﺚ( ،ﺑﯿﻨﻤﺎ أﺧﺬت ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ أﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎل ﻓﻲ ﺗﺠﮫﯿﺰ اﻟﻌﺮﺑﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ. ﻻﺣﻈﺖ أن اﻟﺘﺎﺟﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( ُﻳﺤِّﻔﺰ ﻋ ّ ﻤﺎﻟﻪ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ وﻛﺄﻧﻪ ﻓﻲ ﻋﺠﻠﺔ ﻣﻦ أﻣﺮه ،وﻓﻀﺢ َﻗﻠَﻘﻪ وﺗﻮﺗﺮه اﺣﻤﺮار وﺟﮫﻪ واﻧﻔﻌﺎﻟﻪ اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﺎل ﻛﻠﻤﺎ اﻧﻔﺘﺤﺖ أﺣﺪ اﻷﺟﻮﻟﺔ ﺧﻄًﺄ ،اﻣﺘﻸت اﻟﻌﺮﺑﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ،ﻓﻲ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ دﺧﻞ ﻓﯿﮫﺎ أﺣﺪ اﻷﺷﺨﺎص إﻟﻰ اﻟﻤﺨﺰن ،أﺣﺴﺴﺖ أن ﺗﻮﺗﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻗﺪ ازداد ﺣﯿﻨﻤﺎ رأى ذﻟﻚ اﻟﺸﺨﺺ ،أﺷﺎر إﻟﯿﻪ ﻛﻲ ﻳﻨﺘﻈﺮ ،ﺛﻢ ﺻﺎح ﻓﻲ ﻋ ﱠ ﻤﺎﻟﻪ: ھﯿﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻲ آﻣًﺮا: ﺗﻘﺪﻣﮫﻢ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(.ﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺨﺰن وﻗﻄﻌﻨﺎ اﻟﺸﺎرع اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﻣﻦ اﻟﺴﻮق ﻓﻲ اﺗﺠﺎه اﻷﺳﻮار، أﻟﻘﯿﺖ اﻟﻨﻈﺮات اﻷﺧﯿﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻮق ،وﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ إﺣﺴﺎس ﺑﺎﻟﺤﻨﯿﻦ ﻛﺎن ﻳﺮاﻓﻘﻨﻲ داﺋ ً ﻤﺎ ﻛﻠﻤﺎ آن وﻗﺖ اﻟﺮﺣﯿﻞ ﻣﻦ ﻣﻜﺎن إﻟﻰ ﻣﻜﺎن ،ﻓﻐﺪا ﻣﻊ ﺷﺮوق اﻟﺸﻤﺲ ،ﺳﻨﻐﺎدر ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ وﻻ أدري ھﻞ ﺳُﯿَﻘﱠﺪر ﻟﻲ أن أراھﺎ ﺛﺎﻧﯿﺔ أم ﻻ، واﻟﺤﻖ أﻧﻨﻲ ﻗﺪ أﺣﺒﺒﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ رﻏﻢ اﻷﺣﺪاث اﻟﺴﯿﺌﺔ اﻟﺘﻲ وﻗﻌﺖ ﻓﻲ اﻷﻳﺎم اﻷوﻟﻰ ،رﺑﻤﺎ ﻷﻧﮫﺎ أول ﻣﺪﻳﻨﺔ أراھﺎ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ،أو ﻷﻧﮫﺎ ﻗﺪ ﻗﺮﺑﺘﻨﻲ ﻣﻦ )أروى( ﺑﺸﺪة! اﻗﺘﺮﺑﻨﺎ ﻣﻦ ﺑﻮاﺑﺎت اﻟﺴﻮر اﻟﺸﺎھﻘﺔ ﻓﮫﺎﻟﻨﻲ ارﺗﻔﺎﻋﮫﺎ وﺗﻌﺠﺒﺖ ﻛﯿﻒ اﺳﺘﻄﺎع ﻞ ﻣﺘﺼﻞ ﻟﻠﻌﺒﻮر ﻣﻦ ﻞ طﻮﻳ ٍ ھﺆﻻء اﻟﻘﻮم ﺑﻨﺎءھﺎ ،رأﻳﺖ اﻟﺤﻤﺎﻟﯿﻦ ﻳﻘﻔﻮن ﻓﻲ رﺗ ٍ اﻟﺒﻮاﺑﺔ ،وذﻛﺮﻧﻲ اﻟﺰﺣﺎم ﺑﺄﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻋﻠﻢ ﻣﻦ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻋﺪد اﻷﺟﻮﻟﺔ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﻟﻢ ل اﻟﺤﺴﺒﺔ ،ﻗﻤﺖ ﺑﻌ ِّ ﻳﻌﻄﻨﻲ اﻟﻔﻀﯿﺎت اﻟﺘﻲ ﺳﺄدﻓﻌﮫﺎ إﻟﻰ ُﻣﺘﻮ ِ ّ ﺪ اﻷﺟﻮﻟﺔ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ﻓﻮﺟﺪﺗﮫﺎ اﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ ﺟﻮاًﻻ ،ﻗﻠﺖ ﻟﻠﻌﻤﺎل: اﻧﺘﻈﺮوﻧﻲ ﻟﺤﻈﺎت ،ﺳﺄﺣﻀﺮ اﻟﻨﻘﻮد ﻣﻦ )ﺷﮫﺒﻮر( وأﻋﻮد.ﻋﺪت ﻓﻲ ﺧﻄﻮات ﺳﺮﻳﻌﺔ أﻗﺮب إﻟﻰ اﻟﻌﺪو ﺣﺘﻰ ﻻ أﺗﺄﺧﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﺎل ،وﺻﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﻤﺨﺰن ﻓﻮﺟﺪت اﻟﺒﺎب ﻣﻮﺻًﺪا ،ﺗﻌﺠﺒﺖ وﻛﺪت أطﺮق اﻟﺒﺎب ،وﻟﻜﻨﻲ وﺟﺪت ُﻓﺮﺟﺔ ﺑﻪ ﻓﻨﻈﺮت ﺧﻼﻟﮫﺎ ،وھﺎﻟﻨﻲ ﻣﺎ رأﻳﺖ! ﻛﺎن )ﺷﮫﺒﻮر( ﻳﻘﻒ ﻣﻊ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي وﺻﻞ إﻟﻰ اﻟﻤﺨﺰن ﻗﺒﻞ ﺧﺮوﺟﻲ ،وﻣﻌﻪ اﺛﻨﺎن آﺧﺮان ﻳﺠﻠﺴﺎن اﻟﻘﺮﻓﺼﺎء وﻳﻮﻟﯿﺎن ظﮫﺮھﻤﺎ ﻟﻠﺒﺎب ﻓﻠﻢ أر وﺟﮫﯿﮫﻤﺎ ،ﻛﺪت أﺷﮫﻖ ﺣﯿﻨﻤﺎ رأﻳﺖ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش إﻟﻰ ﺟﻮارھﻢ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﺗﻞ ﺻﻐﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد اﻟﺬھﺒﯿﺔ ﻗﺪ ﻳﺘﺠﺎوز ﻣﺎ ﺑﻪ ﻋﺸﺮات اﻵﻻف ﻣﻦ اﻟﺪﻧﺎﻧﯿﺮ اﻟﺬھﺒﯿﺔ ،ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻐﺮﻓﻮن ﻣﻨﻪ ﺑﺄﻳﺪﻳﮫﻢ ﺣﻔﻨﺎت ،ﺛﻢ ﻳﻀﻌﻮﻧﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺪر ،وﺑﻌﺪ أن ﺗﻤﺘﻠﺊ اﻟﻘﺪر إﻟﻰ ﻣﻨﺘﺼﻔﮫﺎ، ﻳﺤﺸﻮن ﻧﺼﻔﮫﺎ اﻟﺒﺎﻗﻲ ﺑﺎﻟﻘﺶ ،ﻛﻲ ﻳﺨﻔﻮا ﻣﺎ ﺑﮫﺎ ﻣﻦ ذھﺐ ،ﻻﺣﻈﺖ أﻳ ً ﻀﺎ أﻧﮫﻢ ﻳﻤﻠﺌﻮن اﻟﻘﺪور اﻟﺼﻔﺮاء ﻓﻘﻂ ﺑﺎﻟﺬھﺐ ،أﻣﺎ اﻟﻘﺪور اﻟﺰرﻗﺎء واﻟﺤﻤﺮاء ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳﻤﻠﺌﻮﻧﮫﺎ ﺑﺤﻔﻨﺎت ﻣﻦ اﻟﺤﺼﻰ ﺛﻢ ﻳﻐﻄﻮﻧﮫﺎ ﺑﺎﻟﻘﺶ! ﻛﻞ ھﺬا ﻛﺎن ﻳﺤﺪث ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ وﻓﻲ ِرﻓﻖ ،ﺣﺘﻰ إن ﺟﻨﯿﮫﺎت اﻟﺬھﺐ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺴﻤﻊ ﻟﮫﺎ رﻧﯿﻦ. ﻓﺮﻏﻮا ﻣﻦ ﻋﻤﻠﮫﻢ ،ﻓﺄﻋﺎدوا اﻟﻘﺪور إﻟﻰ وﺿﻌﮫﺎ ،واﺳﺘﺪار اﻟﺮﺟﻼن ﻓﻜﺪت أﺷﮫﻖ ﺣﯿﻨﻤﺎ رأﻳﺖ وﺟﮫﯿﮫﻤﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺎ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( و)ﻋﻤﺮو( ،ﻳﺘﻨﻜﺮان ﻓﻲ ز ّ ي إدوﻣﻲ وﻗﺪ ﻏﻄﻰ رأﺳﯿﮫﻤﺎ وﺷﺎح أﺑﯿﺾ! ﺗﺮاﺟﻌﺖ ﻋﻦ اﻟﺒﺎب ﺣﯿﻨﻤﺎ رأﻳﺘﮫﻢ ﻳﺘﻘﺪﻣﻮن ﻧﺤﻮه وﺳﺘﺮت ﺟﺴﺪي ﺧﻠﻒ ﺟﺪار ﺟﺎﻧﺒﻲ إﻻ ﻣﻦ طﺮف ﻋﯿﻦ ظﻞ ﻳﺘﺎﺑﻌﮫﻢ ،ﺧﺮج اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺎب ،وﺗﺮﻛﻮا ﺧﻠﻔﮫﻢ )ﺷﮫﺒﻮر( ،ﻧﻈﺮوا ﻳﻤﻨﺔ وﻳﺴﺮة ﺛﻢ ﺗﻠﺜﻤﻮا ﺑﺎﻟﻮﺷﺎح ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﻄﻠﻘﻮا ﻓﻲ طﺮﻳﻖ اﻟﺸﻤﺎل ،وﻗﺪ ﻓﻀﺤﺖ )ﻋﻤﺮو( ﻏﻤﺰﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﺸﻲ ﻣﻦ ﺑﯿﻨﮫﻢ! اﻧﺘﻈﺮت دﻗﺎﺋﻖ اﺳﺘﺠﻤﻌﺖ ﻓﯿﮫﺎ ھﺪوﺋﻲ ،ﺛﻢ دﺧﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﻤﺨﺰن ﻓﻲ ھﺪوء، ﻓﻮﺟﺊ ﺑﻲ اﻟﺘﺎﺟﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( ،ﻓﺒﺎدرﺗﻪ ﺑﺎﻟﻜﻼم ﻗﺎﺋًﻼ: أﻧﺖ ﻟﻢ ﺗﻌﻄﻨﻲ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ،وُﻣﺘَﻮ ِ ّل اﻟﺤﺴﺒﺔ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎرﻧﺎ. ﻻ أدري ﻟﻤﺎذا رأﻳﺖ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﻧﻈﺮة ﺷﻚ ،رﻏﻢ أﻧﻨﻲ ﺣﺎوﻟﺖ أن أﺑﺪو طﺒﯿﻌﯿﺎ، أردﻓﺖ وﻗﺪ ارﺗﻌﺶ ﺻﻮﺗﻲ ﻗﻠﯿًﻼ: ﻟﻘﺪ ﻋﺪدت اﻷﺟﻮﻟﺔ ووﺟﺪﺗﮫﺎ اﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ ﺟﻮاًﻻ.اﻗﺘﺤﻤﺘﻨﻲ ﻧﻈﺮاﺗﻪ اﻟﻤﺘﺸﻜﻜﺔ ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﺧﺒﺚ وھﻮ ﻳﺨﺮج اﻟﻨﻘﻮد ﻣﻦ ﻧﻄﺎﻗﻪ: ﻟﻤﺎذا ﻟﻢ ﺗﻄﺮق اﻟﺒﺎب ﺣﯿﻦ أﺗﯿﺖ؟ﻧﻜﺴﺖ ﻋﯿﻨﻲ إﻟﻰ اﻷرض ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻔﻀﺢ ﻛﺬﺑﻲ ،ورددت ﻋﻠﻰ ﺳﺆاﻟﻪ: ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺒﺎب ﻣﻐﻠًﻘﺎ.ﺗﺄﻛﺪ ﻟﺪﻳﻪ أﻧﻨﻲ أﺧﻔﻲ ﺷﯿًﺌﺎ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ )ﺷﮫﺒﻮر( ﺑﺎﻟﺮﺟﻞ اﻟﻐﺮّ ﻟﯿﺘﻼﻋﺐ ﺑﻪ ﺷﺎب ﻣﺜﻠﻲ ﺗﻔﻀﺤﻪ ﻣﻼﻣﺢ وﺟﮫﻪ! وﺿﻊ اﻟﻨﻘﻮد ﻓﻲ ﻳﺪي ﺑﺒﻂء ﺛﻢ أطﺒﻖ ﻋﻠﻰ أﺻﺎﺑﻌﻲ ﺑﻘﻮة ،وﻗﺎل وھﻮ ﻳﺪﻧﻮ ﺑﻮﺟﮫﻪ ﻣﻨﻲ: اﺳﻤﻊ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻻ أﺧﻔﯿﻚ ﺳﺮا أﻧﻲ ﻻ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺮاﺣﺔ ﺗﺠﺎه اﻟﻌﺒﺮاﻧﯿﯿﻦ،وﻟﻘﺪ رأﻳﺖ ﻣﻨﮫﻢ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ﻣﺎ ﻳﻜﻔﯿﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﺨﯿﺎﻧﺔ ،وﻟﻜﻨﻲ وﺛﻘﺖ ﺑﻚ ﻷﺟﻞ ھﺬا اﻟﺸﯿﺦ اﻟﺬي أﻋﺘﺒﺮه أﺑﻲ. ﺛﻢ ازدادت ﺿﻤﺔ ﻳﺪه ﻋﻠﻰ ﻛﻔﻲ ﺣﺘﻰ آﻟﻤﺘﻨﻲ ﻗﺒﻀﺘﻪ ،وﺧﺮﺟﺖ ﺣﺮوف ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ﺣﺎدة ﻣﺸﺒﻌﺔ ﺑﺄﻧﻔﺎﺳﻪ وھﻮ ﻳﻘﻮل: وﻟﻜﻦ وﺣﻖ اﻟﺮب ،ﻷﻗﺘﻠﻨﻚ إن ﺑﺎح ﻟﺴﺎﻧﻚ ﺑﺸﻲء رأﻳﺘﻪ ﺧﻠﺴﺔ أو ﺻﺪﻓﺔ ﻓﻲھﺬا اﻟﻤﻜﺎن! ﺛﻢ أﻓﻠﺖ ﻳﺪي ﻣﻦ ﻳﺪه وﻗﺎل: اذھﺐ وﻻ أرﻳﺪ أن أراك ﺣﺘﻰ ﺗﺮﺣﻞ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻣﻦ ھﻨﺎ!∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ واﻟﺜﻼﺛﻮن اﺳﺘﯿﻘﻈﺖ ﻗﺒﻞ ﺷﺮوق اﻟﺸﻤﺲ ﺑﺴﺎﻋﺘﯿﻦ ،ﻓﺎرﺗﺪﻳﺖ ﺟﻠﺒﺎﺑﻲ ﺛﻢ ﺟﻤﻌﺖ أﻏﺮاﺿﻲ اﻟﺒﺴﯿﻄﺔ ﻓﻲ ﺻﺮة ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش ،وﺿﻌﺖ ﻟﻔﺎﺋﻒ أوراﻗﻲ أوًﻻ وﺗﻌﻤﺪت أن أطﻮﻳﮫﺎ ﻣﺮات ﻣﺘﻌﺪدة ﻛﻲ ﻻ ﺗﺸﻐﻞ ﺣﯿًﺰا ﻛﺒﯿًﺮا ﻣﻦ اﻟﺼﺮة ﺛﻢ وﺿﻌﺖ رداًء وﻧﻌًﻼ اﺷﺘﺮﻳﺘﮫﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻮق وأرﻓﻘﺖ ﺑﮫﻤﺎ اﻟﺮداء واﻟﻨﻌﻞ اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ اﻟﺬي أﻋﻄﺎﻧﯿﮫﻤﺎ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻛﮫﺪﻳﺔ ،ﻋﻘﺪت طﺮﻓﻲ اﻟﺼﺮة ﻓﻲ ﻗﻮة وﺗﺮﻛﺘﮫﺎ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﺒﺎب ،ﺟﻠﺴﺖ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﻧﺪاء اﻟﺮﺣﯿﻞ ،ﺗﺬﻛﺮت اﻟﺒﻮق اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻓﻲ ﺳﻤﺎء ﻧﺰﻟﻨﺎ ﻛﻠﻤﺎ ﺟﺎء اﻹذن ﺑﺎﻟﺮﺣﯿﻞ ﻟﺒﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻣﻦ ﻣﻜﺎن إﻟﻰ ﻣﻜﺎن ،أﻣﺎ ھﻨﺎ ﻓﻼ ﺗﻮﺟﺪ أﺑﻮاق ،ﻓﻘﻂ ﻛﺎن ھﻨﺎك ﻣﻨﺎٍد ﻳﺴﯿﺮ ﺣﺎﻣًﻼ ُدﻓﺎ ﺻﻐﯿًﺮا ﻳﻨﻘﺮ ﻋﻠﯿﻪ ﻧﻘﺮات ﻣﺘﺘﺎﺑﻌﺔ ﺑﻌﺼﺎ ﺻﻐﯿﺮة ،ﺛﻢ ﻳﻨﺎدي ﻋﻠﻰ أھﻞ اﻟﻨﺰل ﻟﻼﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻠﺮﺣﯿﻞ ،وﺟﺪت ﻛﺴﺮات ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺰ ،وﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﻦ ﻣﺘﺒﻘﯿﺔ ﻣﻦ ﻟﯿﻠﺔ أﻣﺲ ﻓﺄﻛﻠﺘﮫﺎ ﺛﻢ ﺗﺠﺮﻋﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺎء ﻣﻦ ﻗﺮﺑﺘﻲ ﻗﺒﻞ أن أﺧﺮج إﻟﻰ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻨﺰل. ﻓﻮﺟﺌﺖ ﺑﺄن أﻏﻠﺐ أھﻞ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻗﺪ اﺳﺘﯿﻘﻈﻮا وأﻧﻲ آﺧﺮھﻢ ،ﻛﺎن اﻟﺸﺒﺎب ﻳﻌﺎوﻧﻮن اﻟﻨﺴﺎء واﻟﺸﯿﻮخ ﻓﻲ ﻧﻘﻞ أﻏﺮاﺿﮫﻢ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮات إﻟﻰ ﺧﺎرج اﻷﺳﻮار ﺣﯿﺚ ﻳﻮﺟﺪ اﻟﺮﻛﺐ ،رأﻳﺖ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ( وأﺑﯿﻪ وﻋﻤﻪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﻳﻘﻔﺎن ﻓﻲ وﺳﻂ اﻟﺴﺎﺣﺔ ﻳﺘﺎﺑﻌﻮن اﻧﺘﻘﺎل اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اھﺘﻤﺎم ،وﻳﺘﺄﻛﺪون ﻣﻦ أن أﺣًﺪا ﻟﻢ ُﻳﻔﻘﺪ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺟﻠﺲ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻋﻠﻰ ﺣﺠﺮ ﻣﺮﺗﻔﻊ ﻣﺘﻜًﺌﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺼﺎه ،وﻗﺪ وﻗﻔﺖ إﻟﻰ ﺟﻮاره )أروى( وﺷﻘﯿﻘﮫﺎ )ﻟﯿﺚ(. ﺗﻘﺪﻣﺖ إﻟﻰ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻓﻘﺒﻠﺖ ﻳﺪه ،ﺛﻢ أﻟﻘﯿﺖ اﻟﺘﺤﯿﺔ ﻋﻠﻰ وﻟﺪﻳﻪ وأﺣﻔﺎده، ﺗﻌﺠﺒﺖ ﻣﻦ ھﯿﺌﺔ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( و)دوﻣﺔ( ووﻟﺪﻳﮫﻤﺎ )ﻋﻤﺮو( و)ﻟﯿﺚ( ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮﺗﺪون زﻳﺎ أﺷﺒﻪ ﺑﺰي اﻟﻔﺮﺳﺎن وﻗﺪ ﺗﻤﻨﻄﻖ ﻛﻞ ﻣﻨﮫﻢ ﺑﺤﺰام ﺟﻠﺪي ﻳﺘﺪﻟﻰ ﻣﻨﻪ ﺳﯿﻒ ﺟﺪﻳﺪ ،ﺑﺪا ﻟﻲ أﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺴﯿﻮف اﻟﺘﻲ اﺷﺘﺮاھﺎ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﻣﻦ اﻟﺴﻮق. ﻻﺣﻆ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﺗﻌﺠﺒﻲ ،ﻓﺎﺑﺘﺴﻢ وﻗﺎل: ھﻜﺬا ﻧﺮﺗﺪي ﻓﻲ رﺣﻠﺔ اﻟﻌﻮدة.ﺛﻢ اﻧﺘﺒﻪ وﻛﺄﻧﻪ ﻗﺪ ﺗﺬﻛﺮ ﺷﯿًﺌﺎ ﻣﮫ ً ﻤﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻲ: )ﺷﻤﻌﻮن( ھﺬا ﻟﻚ!ُ ﺧﺬ ﻣﻨﻲ ﻳﻮم وﺟﺪوﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء، وﺟﺪﺗﻪ ﻳﻘﺪم ﻟﻲ اﻟﺨﻨﺠﺮ ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻗﺪ أ ِ ﻓﺎﺑﺘﺴﻤﺖ ﺣﯿﻦ رأﻳﺘﻪ وﻗﺪ ُ ﺤﺬ ﻧَﺼﻠﻪ وُﻟ ِ ّ ﻤﻊ ﻣﻘﺒﻀﻪ ،وﺷﻜﺮﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻔﺎظ ﺷ ِ ﻋﻠﯿﻪ. ﺧﺮﺟﻨﺎ ﺟﻤﯿًﻌﺎ ﻣﻦ اﻷﺳﻮار ﻣﻊ ﺑﺪاﻳﺔ أول ﺷﻌﺎع ﻟﻠﺸﻤﺲ ،ﻛﺎن اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻗﺪ اﺗﺨﺬ ﻣﺠﻠﺴﻪ إﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﮫﻮة ﺟﻮاد أو ﻋﻠﻰ ﺳﻨﺎم ﻧﺎﻗﺔ أو ﻣﺴﺘﺘًﺮا ﺑﮫﻮدج ،رأﻳﺖ ﺣﺮاس اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ وﻗﺪ اﺧﺘﻠﻔﺖ ھﯿﺌﺘﮫﻢ أﻳ ً ﻀﺎ ﻋﻤﺎ ﺳﺒﻖ ،ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳﺘﻤﻨﻄﻘﻮن ﺑﺎﻟﺴﯿﻮف اﻟﺠﺪﻳﺪة ،ﻛﻤﺎ أﺿﺎﻓﻮا إﻟﻰ رداﺋﮫﻢ اﻷﺑﯿﺾ ﻗﻤﯿ ً ﺼﺎ أﺳﻮد ﺗﻜﺴﻮه ﺻﺪﻳﺮﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺪن. اﻣﺘﻄﯿﺖ ﺻﮫﻮة ﺟﻮادي ﺛﻢ ﻋﻠﻘﺖ ﺻﺮة أﻏﺮاﺿﻲ ﻋﻠﻰ ﺳﺮﺟﻪ ،أطﻠﻖ ﺣﺎدي اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﺻﻔﯿًﺮا طﻮﻳًﻼ ،ﻓﻌِﻠﻤﺖ اﻟﻨﻮق أﻧﻪ ﻗﺪ آن وﻗﺖ اﻟﺮﺣﯿﻞ ،ﻗﺎﻣﺖ اﻟﻨﻮق ﻣﻦ ﺟﻠﺴﺘﮫﺎ ﺗﻨﻮء ﺑ َ ْ ﻦ ﻣﻸ ﺟﻨﺒﺎت وادي ﻗﺮﻗﻮر ﻜﻠﻜِﻠﮫﺎ ،وﺗﺮد ﻋﻠﻰ ﺻﻔﯿﺮ اﻟﺤﺎدي ﺑﺤﻨﯿ ٍ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﻮدع اﻷرض اﻟﺘﻲ ﻣﻜﺜﻨﺎ ﻓﯿﮫﺎ ﻗﺮاﺑﺔ ﺳﺘﯿﻦ ﻳﻮًﻣﺎ. ﺗﻘﺪم ﺑﻌﺾ اﻟﺤﺮاس اﻟﺮﻛﺐ وﺳﺎر ﺑﻌﻀﮫﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺆﺧﺮة ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺳﺮت أﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺘﺼﻒ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( وأﺑﻨﺎﺋﻪ ،ﻻﺣﻈﺖ أن اﻟﻨﻮق اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﺠﻮاﻟﻖ ،ﺗﺴﯿﺮ ﻓﻲ ﻣﺆﺧﺮة اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ،أﻣﺎ اﻟﻨﻮق اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﻘﺪور ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺧﻠﻔﻨﺎ ﻣﺒﺎﺷﺮة ﺗﻠﯿﮫﺎ اﻟﻨﻮق اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ھﻮادج اﻟﻨﺴﺎء ،أدرﻛﺖ ﺑﺴﮫﻮﻟﺔ أن )ﺷﮫﺒﻮر( ﻗﺪ ﻧﻘﻞ اﻟﻘﺪور ﻟﯿًﻼ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻨﻜﺸﻒ أﻣﺮھﺎ ،وﻟﻢ ﺗﺨﻄﺊ ﻋﯿﻨﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﻗﺔ اﻟﮫﺎﺋﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﯿﺮ ﺧﻠﻔﻲ وﻳﺘﺪﻟﻰ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﯿﮫﺎ ﻋﺸﺮات اﻟﻘﺪور اﻟ ﱡ ﺼﻔﺮ! ﻛﺎن ﻗﺮص اﻟﺸﻤﺲ ﻗﺪ ﺗﺴﻠﻞ إﻟﻰ اﻷﻓﻖ واﻧﻌﻜﺴﺖ أﻧﻮار اﻟﺸﻔﻖ اﻷﺣﻤﺮ ﻋﻠﻰ ﺟﺒﺎل إدوم اﻷرﺟﻮاﻧﯿﺔ ،ﻓﺘﻠﻮن ﻛﻞ ﺷﻲء ﺣﻮﻟﻨﺎ ﺑﺎﻟﻠﻮن اﻟﺒﺮﺗﻘﺎﻟﻲ ،ﺣﺘﻰ وﺟﻮه اﻟﻨﺎس وظﮫﻮر اﻹﺑﻞ! اﻣﺘﻸ ﺻﺪري ﺑﻨﺴﻤﺎت اﻟﺼﺒﺎح اﻟﻌﻠﯿﻠﺔ ودﻋﻮت اﻟﺮب أﻻ ﻳﻘﻊ ﺷﻲٌء ﻳﻌﻜﺮ ﺻﻔﻮھﺎ، ﺛﻢ ﺳﺄﻟﺖ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ(: ﻛﻢ ﺗﺒﻠﻎ اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺑﻜﺔ!ﻗﺎل ﺑﻮﺟﻪ ﺟﺎﻣﺪ: ﻣﺴﯿﺮة ﺷﮫﺮ.ﺛﻢ أردف وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻳﺸﻐﻞ ﺑﺎﻟﻪ أﻣٌﺮ ﻣﺎ: ﺤﺠﺮ أوًﻻ. وﻟﻜﻨﻨﺎ ﺳﻨﺘﻮﻗﻒ ﺑﺎﻟ ِﻗﺎل ﻋﻤﺮو: ھﺬا اﻟﻄﺮﻳﻖ اﺳﻤﻪ طﺮﻳﻖ اﻟﺒﺨﻮر ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،وﻗﺪ أﺳﻤﺎه اﻟﺘﺠﺎر ﺑﮫﺬا اﻻﺳﻢﻷن ﺗﺠﺎرة اﻟﺒﺨﻮر واﻟﺒﮫﺎرات ﺗﺴﯿﺮ ﻋﻠﯿﻪ ﻣﺎ ﺑﯿﻦ ﺳﺒﺄ وﻛﻨﻌﺎن وﻣﺼﺮ ،وﺗﺘﻮﻗﻒ اﻟﻘﻮاﻓﻞ ﻓﻲ ﻣﺪن أﻗﯿﻤﺖ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﻠﺮاﺣﺔ واﻟﺘﺰود ﺑﺎﻟﻤﺎء ،وأوﻟﻰ ﺤﺠﺮ. ﻣﻨﺎزﻟﻨﺎ ھﻲ اﻟ ِ ﺳﺄﻟﺘﻪ: ﺤﺠﺮ؟ وﻟﻤﺎذا ﺗﺴﻤﻮﻧﮫﺎ اﻟ ِﻗﺎل: ﻻ أدري ،وﻟﻜﻨﮫﺎ أرض ﻻ ﻧﮫﻮى اﻟﺒﻘﺎء ﺑﮫﺎ ﻋﻠﻰ أي ﺣﺎل.ﺳﺄﻟﺘﻪ ﻣﺴﺘﻔﮫ ً ﻤﺎ: وﻟِ َﻢ؟ ﻗﺎل: ھﻲ أرض )ﺛﻤﻮد( ،ﻗﻮم أﺑﯿﻨﺎ )ﺻﺎﻟﺢ( ،وﻳﻘﻮﻟﻮن إن ﷲ ﻗﺪ أھﻠﻜﮫﻢ ﻟﺬﻧﻮﺑﮫﻢ.ﻗﻠﺖ ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: أﺑﻮﻧﺎ )ﺻﺎﻟﺢ(؟!! أھﻮ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء أﺑﯿﻨﺎ )إﺑﺮام(؟! ﻗﺎل ﻣﺴﺮًﻋﺎ: ﻛﻼ ،ﺑﻞ ﺳﺒﻘﻪ ﺑﻤﺌﺎت اﻟﺴﻨﯿﻦ!ﻟﻢ أﻛﻦ ﻗﺪ ﺳﻤﻌﺖ ﻋﻦ ﻧﺒﻲ اﺳﻤﻪ )ﺻﺎﻟﺢ( ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: وھﻞ ﻳﻘﻄﻦ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺜﻤﻮدﻳﻮن اﻵن؟ﻗﺎل: اﻟﻘﻠﯿﻞ ﻣﻤﻦ ﺑﻘﻮا ﻣﻦ ﻗﻮم )ﺻﺎﻟﺢ( ،واﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﻧﺰﺣﺖ إﻟﯿﮫﺎ ﻣﻦاﻟﺠﻨﻮب. ﺳﺄﻟﺘﻪ: وﻟﻤﺎذا ﺗﻜﺮھﻮن اﻟﻤﻜﻮث ﺑﮫﺎ؟ھﺰ ﻛﺘﻔﯿﻪ وﻗﺎل: ﻻ أدري!ﺛﻢ اﺑﺘﺴﻢ ﻗﺎﺋًﻼ وھﻮ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻋ ِ ّ ﻤﻪ: ﻳﻘﻮﻟﻮن إﻧﮫﺎ أرض ﻣﻠﻌﻮﻧﺔ!ﻗﻠﺖ ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: ﻣﻠﻌﻮﻧﺔ؟أﺟﺎب اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ھﺬه اﻟﻤﺮة: ﻧﻌﻢ ﻓﺎﻟﻨﺎس ﺗﺨﺸﻰ اﻟﻌﯿﺶ ﻓﻲ أرض وﻗﻊ ﻋﻠﯿﮫﺎ اﻟﻌﺬاب.ﺳﺄﻟﺘﻪ ﻓﻲ ﺷﻐﻒ وﻗﺪ أﺳﻌﺪﻧﻲ اﻧﻀﻤﺎﻣﻪ ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ: وﻟﻤﺎذا ﻋﺎﻗﺐ اﻟﺮب ﺛﻤﻮًدا وﻗﻀﻰ ﻋﻠﯿﮫﻢ ﺑﺎﻟﻌﺬاب؟ﺗﻨﮫﺪ ﺛﻢ ﻗﺎل: ﺗﻠﻚ ﺳﻨﺔ ﷲ ﻓﻲ اﻷﻣﻢ ﻳﺎ ﻏﻼم ،طﻐﯿﺎن ،ﻓﺘﺤﺬﻳﺮ ،ﻓﻌﺼﯿﺎن ،ﻓﻌﻘﺎب!ﺛﻢ ﺣﻜﻰ ﻟﻲ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ أﻣﺮ ﺛﻤﻮد وطﻐﯿﺎﻧﮫﻢ ﺣﺘﻰ وﻗﻊ ﻋﻠﯿﮫﻢ اﻟﻌﻘﺎب. اﺳﺘﻐﺮﻗﺖ ﻓﻲ اﻟﺼﻤﺖ ﻟﻠﺤﻈﺎت وأﻧﺎ أﺗﺪﺑﺮ ﻗﺼﺘﮫﻢ ﺛﻢ ﺗﻤﺘﻤﺖ ﻓﻲ ﺗﻌﺠﺐ وأﻧﺎ أﻗﻮل: ﻳﺎ !أﺗﺪري ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ،ﻣﺎ اﻟﺬي أﺷﻌﺮ ﺑﻪ اﻵن؟ ﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﻣﺴﺘﻔﮫ ً ﻤﺎ ،ﻓﻘﻠﺖ: إن اﻟﺮب ﻛﺎن رﺣﯿ ًﻤﺎ ﺑﺒﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،وإﻧﻨﺎ رﻏﻢ اﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﻟﻢ ﻧﺮ ﻋﺬاب ﷲ ﺑﻌﺪ! ھﻢ أن ﻳﻌﻠِ ّﻖ ﻋﻠﻰ ﻛﻼﻣﻲ ،وﻟﻜﻦ ﻗﺎطﻌﺘﻨﺎ ﺟﻠﺒﺔ ﻓﻲ ﻣﺆﺧﺮة اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﺟﻌﻠﺘﻪ ﻳﺄﻣﺮ اﻟﺤﺎدي ﺑﺎﻟﺘﻮﻗﻒ ،ﻧﻈﺮﻧﺎ ﺧﻠﻔﻨﺎ ﻓﺈذا ﺑﺤﺮاس اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻳﺸﯿﺮون إﻟﻰ ﺳﺤﺎﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﺒﺎر ،ﺗﺒﺪو ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻣﻰ اﻟﺒﺼﺮ وﺗﻘﺘﺮب ﻣﻨﺎ ﺑﺴﺮﻋﺔ ،رأﻳﺖ اﻟﻘﻠﻖ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ،ﻓﺎﺳﺘﺪار ﺑﻔﺮﺳﻪ واﺗﺠﻪ إﻟﻰ ﻣﺆﺧﺮة اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ،ﺗﺒﻌﻨﺎه أﻧﺎ و)ﻋﻤﺮو( و)ﻟﯿﺚ( ،وﻟﺤﻖ ﺣﺮاس اﻟﻤﻘﺪﻣﺔ ﺑﻨﺎ ،ﻣﺮت ﻟﺤﻈﺎت ﻗﻠﯿﻠﺔ ،ﻗﺒﻞ أن ﺗﻨﻘﺸﻊ ﺳﺤﺎﺑﺔ اﻟﻐﺒﺎر ،ﻟﻨﺮى ﻓﺮﻗﺔ ﻣﻦ ﻓﺮﺳﺎن اﻹدوﻣﯿﯿﻦ ﻳﻤﺘﻄﻮن ﺟﯿﺎدھﻢ وﻳﺘﻘﺪﻣﻮن ﻧﺤﻮﻧﺎ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ،وﻟﻢ ﺗﻤﺾ ﺳﻮى ﻟﺤﻈﺎت أﺧﺮى ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺢ اﻟﻤﺸﮫﺪ ﺟﻠﯿﺎ، ﻛﺎن اﻟﻀﺎﺑﻂ )ﻛﺮوﻧﻮس( ﻳﺘﻘﺪم ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺮﻗﺔ ،ﻣﺸﮫًﺮا ﺳﯿﻔﻪ ﻓﻲ اﻟﮫﻮاء وﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﺷﱞﺮ ﻋﻈﯿﻢ. ﺗﻮﻗﻔﺖ اﻟﻔﺮﻗﺔ اﻟﺘﻲ زادت ﻋﻦ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻓﺎر ً ﺳﺎ أﻣﺎﻣﻨﺎ ،ﺑﻌﺪ أن أﺛﺎرت ﺳﺤﺎﺑﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﺎل ﻣﻸت أﻧﻮﻓﻨﺎ وﺻﺪورﻧﺎ ،دار ﻛﺮوﻧﻮس ﺑﻔﺮﺳﻪ أﻣﺎﻣﻨﺎ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ أﺛﺎرت ﻏﯿﻈﻲ وﻏﯿﻆ ﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ،ﺛﻢ ﺟﺬب ﻟﺠﺎم ﻓﺮﺳﻪ ﺑﻘﻮة ﻓﺮﻓﻊ اﻟﻔﺮس ﺳﺎﻗﯿﻪ ﻷﻋﻠﻰ وھﺒﻂ ﺑﮫﻤﺎ أﻣﺎم اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﻛﻲ ﻳﺮھﺒﻪ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ظﻞ ﻣﺘﻤﺎﺳ ً ﻜﺎ وﻟﻢ ﻳﺘﺤﺮك وﻛﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﺄﺑﻪ ﻟﺤﺮﻛﺎت )ﻛﺮوﻧﻮس( اﻟﺘﻲ ﺗﻔﯿﺾ ﻏﻼ. ﻗﺎل )ﻛﺮوﻧﻮس( ﺑﻠﮫﺠﺔ إدوﻣﯿﺔ ،ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﻓﻤﻪ رﻛﯿﻜﺔ ﺑﻐﯿﻀﺔ ،وھﻮ ﻳﺸﯿﺮ ﺑﻄﺮف ﺳﯿﻔﻪ إﻟﻰ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ(: أﻧﺘﻢ ﻟﺼﻮص!رﻓﻊ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( رأﺳﻪ إﻟﯿﻪ وﻗﺎل ﻓﻲ ﻛﺒﺮﻳﺎء: ﻟﺴﻨﺎ ﻟﺼﻮ ًﺻﺎ ،ﻧﺤﻦ ﺗﺠﺎر ﺷﺮﻓﺎء! أﺣﺎط اﻟﻔﺮﺳﺎن ﺑﺎﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ ﻟﯿﻤﻨﻌﻮھﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﯿﺮ ،ﺛﻢ ﻗﻔﺰ )ﻛﺮوﻧﻮس( ﻣﻦ ﻓﻮق ﺻﮫﻮة ﺟﻮاده واﺗﺠﻪ إﻟﯿﻨﺎ ،ﻳﺼﺎﺣﺒﻪ ﻓﺎرس آﺧﺮ ﻳﺒﺪو ﻣﻦ ﻟﮫﺠﺘﻪ أﻧﻪ ﻣﻦ أھﻞ إدوم ،ﻗﺎل اﻟﻔﺎرس: ﻟﻘﺪ ﺧﺎﻟﻔﺘﻢ ﻗﺎﻧﻮن إدوم ،وأﺧﺮﺟﺘﻢ ذھﺒًﺎ ﻣﻦ أرﺿﮫﺎ ،وﺗﻠﻚ ﺳﺮﻗﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔﻋﻘﻮﺑﺘﮫﺎ اﻟﻘﺘﻞ! ﺧﻔﻖ ﻗﻠﺒﻲ ﺑﺸﺪة ،وأدرﻛﺖ أن واﺷﯿًﺎ ﻗﺪ ﻓﻀﺢ أﻣﺮ اﻟﻘﺪور أو ﻟﻌﻞ أﺣﺪ اﻟﺒﺼﺎﺻﯿﻦ ﻗﺪ ﺷﺎھﺪ ﻧﻘﻠﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﻠﯿﻞ ،ﺗﻘﺪم اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻣﺘﻜًﺌﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺼﺎه، وﻗﺎل ﻓﻲ ھﺪوء وﺛﻘﺔ ﻟﻠﻔﺎرس اﻹدوﻣﻲ: ﻟﻘﺪ أﺗﯿﻨﺎ ھﻨﺎ ﻟﻠﺘﺠﺎرة أﻳﮫﺎ اﻟﺸﺎب ،ﻟﻢ ﻧﺤﻤﻞ ذھﺒًﺎ ،وﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻨﺎ ﻓﯿﻪ ،وھﺬهﺑﻀﺎﻋﺘﻨﺎ أﻣﺎﻣﻜﻢ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺑﮫﺎ ذھﺐ وﻻ ﻓﻀﺔ. ﻣﺎدت ﺑﻲ اﻷرض ،وﻗﺪ أدرﻛﺖ أن اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ دﺑﺮه وﻟﺪه )ﻧﺎﺑﺖ( وﺣﻔﯿﺪه )ﻋﻤﺮو( ﻣﻊ اﻟﺘﺎﺟﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( ،اﺑﺘﺴﻢ )ﻛﺮوﻧﻮس( اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻣﻘﯿﺘﺔ ،وأزاح ﺔ ﻻ ﺗﻠﯿﻖ ﺑﺎﻟﺸﯿﺦ اﻟﺠﻠﯿﻞ ،ﻓﺄﺛﺎرت طﺮﻳﻘﺘﻪ ﺑﯿﺪه اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻋﻦ طﺮﻳﻘﻪ ﺑﺼﻔﺎﻗ ٍ )ﻋﻤﺮو( اﻟﺬي اﺷﺘﺪت ﻗﺒﻀﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺒﺾ ﺳﯿﻔﻪ ﻟﻮﻻ أن أﻣﺴﻜﺖ ﺑﯿﺪه ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺮﺗﻜﺐ ﺣﻤﺎﻗﺔ أﺧﺮى ،وھﺬه اﻟﻤﺮة ﺳﺘﻜﻮن اﻟﻌﺎﻗﺒﺔ وﺧﯿﻤﺔ! ﺳﺎر )ﻛﺮوﻧﻮس( ﻓﻲ ﻏﺮور وھﻮ ﻳﺘﻔﺤﺺ ﻣﺆﺧﺮة اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﺑﻌﯿﻨﻪ ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺳﺎر ﺧﻠﻔﻪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( و)ﻋﻤﺮو( ﻓﻲ ﺗﺤﻔﺰ ،ﺑﻘَﺮ ﺑﻄﺮف ﺳﯿﻔﻪ ﺟﻮاًﻻ ﻳﺘﺪﻟﻰ ﻣﻦ ظﮫﺮ ﻧﺎﻗﺔ ﻓﺴﺎل ﻣﻨﻪ اﻟﻄﺤﯿﻦ ﻋﻠﻰ اﻷرض ،ﻓﻨﻈﺮ إﻟﯿﻪ وﺗﺠﺎوزه دون أن ﻳﺄﺑﻪ ﻟﻤﺎ ﻓﻌﻠﻪ ،ﺑﺎن اﻟﻐﯿﻆ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( و)ﻋﻤﺮو( وﻟﻜﻨﮫﻤﺎ ﺗﻤﺎﺳﻜﺎ ،اﺳﺘﻤﺮ ﻓﻲ ﺳﯿﺮه إﻟﻰ أن وﺻﻞ إﻟﻰ ھﻮادج اﻟﻨﺴﺎء ،أﺷﺎر ﺑﯿﺪه إﻟﻰ اﻟﻔﺎرس اﻹدوﻣﻲ ،وﻗﺎل: أﻧﺰﻟﻮا ھﺆﻻء!ﺗﺮدد اﻟﻔﺎرس اﻹدوﻣﻲ ﻟﺤﻈﺔ ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻌﻠﻢ أن ھﺬا اﻟﺘﺼﺮف ﻏﯿﺮ ﻣﻘﺒﻮل ﻋﻨﺪ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻷﻋﺮاب ،وﻟﻜﻨﻪ ﻗﺎل: أﺧﺮﺟﻮا اﻟﻨﺴﺎء ﻣﻦ اﻟﮫﻮادج.ھﺘﻒ )ﻋﻤﺮو( ﻓﻲ ﻏﻀﺐ ﻧﺤﻮ )ﻛﺮوﻧﻮس( وﻗﺎل: ﻳﺎ ﻟﻚ ﻣﻦ ﺣﻘﯿﺮ!ﺣﺪق )ﻛﺮوﻧﻮس( ﻧﺤﻮ )ﻋﻤﺮو( ﻓﻲ ﺗﺤﻔﺰ وﺑﺪا أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻔﮫﻢ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ )ﻋﻤﺮو( ،وﻟﻢ ﻳﺘﺮﺟﻢ اﻟﻔﺎرس اﻹدوﻣﻲ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ،ﻓﺎﺣﺘﻮى اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( اﻷﻣﺮ ﺑﺴﺮﻋﺔ وھﺘﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮاس: -أﻧﯿﺨﻮا اﻟﺠﻤﺎل ،وأﺧﺮﺟﻮا اﻟﻨﺴﺎء ﻣﻦ اﻟﮫﻮادج. ﺧﺮﺟﺖ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﺬﻋﻮرات ،ورأﻳﺖ اﻟﺨﻮف ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ )أروى( وھﻲ ﺗﺤﺘﻀﻦ أﻣﮫﺎ وﺗﻘﻒ ﺑﮫﺎ ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ اﻟﻔﺮﺳﺎن ،ﻣﺰق )ﻛﺮوﻧﻮس( ﺳﺘﺎﺋﺮ اﻟﮫﻮادج ﺑﺴﯿﻔﻪ ،وأﺧﺬ ﻳﻨﻈﺮ ﻓﯿﮫﺎ اﻟﻮاﺣﺪ ﺗﻠﻮ اﻵﺧﺮ ،وﻛﺎن ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮة ﻻ ﻳﺠﺪ ﺑﺪاﺧﻠﮫﺎ ﺷﯿًﺌﺎ ،ﻳﺰداد رﻋﻮﻧًﺔ واﻧﻔﻌﺎًﻻ. وﻗﻒ ﻳﻠﮫﺚ ﺑﻌﺪ أن اﻧﺘﮫﻰ ﻣﻦ آﺧﺮ ھﻮدج وﻗﺪ اﺣﺘﻘﻦ وﺟﮫﻪ ﻏﯿﻈًﺎ ،وﻣﺴﺢ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﺑﻌﯿﻨﻪ وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺘﺴﺎءل ،أﻳﻦ أﺧﻔﻰ ھﺆﻻء اﻷﻋﺮاب اﻟﺬھﺐ. وﻗﻊ ﺑﺼﺮه ﻋﻠﻰ ﻗﺪور اﻟﻔﺨﺎر ،ﻓﺘﻘﺪم ﻧﺤﻮھﺎ وﻗﺪ ﺧﻔﻖ ﻗﻠﺒﻲ ﺑﺸﺪة ،ﺿﺮب ﺑﺴﯿﻔﻪ ﻗﺪرة زرﻗﺎء ﻓﺘﺤﻄﻤﺖ ﺑﺪًدا وﺳﻘﻂ ﻋﻨﮫﺎ ﺣﺼﺎھﺎ وﻗ ﱠ ﺸﮫﺎ ،ﺟﺜﻰ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﯿﻪ وأﻣﺴﻚ اﻟﺤﺼﻰ واﻟﻘ ﱠ ﺶ ﺑﯿﺪه وﻗﺪ ﺗﻌﺠﺐ ،ﻟﻤﺎذا ﻳﺤﺸﻮ ھﺆﻻء اﻟﻨﺎس اﻟﻘﺪور ﺑﺎﻟﺤﺼﻰ واﻟﻘﺶ؟ ﻟﻤﻌﺖ ﻋﯿﻨﻪ واﺷﺘﻌﻠﺖ ﺣﻤﺎﺳﺘﻪ وﻗﺪ ﺷﻌﺮ ﺑﺄﻧﻪ ﻗﺪ أوﺷﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﺿﺎﻟﺘﻪ ،ﺿﺮب ﻗﺪًرا ﺛﺎﻧﯿًﺎ ﺛﻢ ﺛﺎﻟًﺜﺎ ﺛﻢ راﺑًﻌﺎ ،وظﻞ ﻳﺤﻄﻢ ﻓﻲ اﻟﻘﺪور اﻟﺰرﻗﺎء واﻟﺤﻤﺮاء وھﻮ ﻳﻠﮫﺚ ﻛﺎﻟﻤﺠﻨﻮن ،وﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮة ﻻ ﻳﺠﺪ ﺷﯿًﺌﺎ ﺳﻮى اﻟﻘﺶ واﻟﺤﺼﻰ! ﺻﺮخ ﻓﻲ ﻏﻀﺐ ،ﺛﻢ ﺗﻮﺟﻪ ﻧﺤﻮ اﻟﻘﺪور اﻟﺼﻔﺮاء ،ﻓﺘﺴﺎرﻋﺖ ﺿﺮﺑﺎت ﻗﻠﺒﻲ ﺣﺘﻰ ﻛﺎدت أن ﺗﻮﻗﻔﻪ ،رﻓﻊ ﺳﯿﻔﻪ ﻋﺎﻟﯿًﺎ ﻓﻲ اﻟﮫﻮاء وھﻢ أن ﻳﺤﻄﻤﮫﺎ ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﺑﺴﺎﺑﻘﺘﮫﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻧﺼﻞ ﺳﯿﻔﻪ ﻟﻢ ﻳﺼﻞ إﻟﯿﮫﺎ ﻓﻘﺪ ﺗﻠﻘﺎه ﻧﺼﻞ ﺳﯿﻒ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( وھﻮ ﻳﺼﺮخ ﻓﯿﻪ ﻏﻀﺒًﺎ: ﻛﻔﻰ!اﺗﺴﻌﺖ ﺣﺪﻗﺘﺎ )ﻛﺮوﻧﻮس( واﺣﻤﺮ وﺟﮫﻪ ﺣﺘﻰ ﺑﺪا ﻛﺸﯿﻄﺎن رﺟﯿﻢ ،ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻮﻋﺐ ﻛﺒﺮﻳﺎؤه أن ﻳﻨﮫﺮه أﻋﺮاﺑﻲ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺮاء أو أن ﻳﺮد ﻋﻠﯿﻪ ﻧﺼًﻼ ﺑﻨﺼﻞ، ﻓﺮﻓﻊ ﺳﯿﻔﻪ ﻣﺮة أﺧﺮى ودار ﺑﻪ دورة ﻓﻲ اﻟﮫﻮاء وھﺒﻂ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ذراع اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( اﻟﺬي اﻧﻔﺼﻞ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﺎل ،وھﻮ ﻳﺼﺮخ ﺻﺮﺧﺔ ﻣﻸت ﺟﻨﺒﺎت اﻟﻮادي أﻟﻤﺎ. ن ﺗﺴﺎﻗﻄﺖ ﺣﻤﻤﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻮادي ﺣﺘﻰ ﻛﺎدت أن ﺗﺤﺮق ﻛﻞ واﻧﻔﺠﺮ اﻟﻮﺿﻊ ﻛﺒﺮﻛﺎ ٍ ﻣﻦ ﻓﯿﻪ ،ارﺗﻌﺪت اﻷرض ﺑﺼﺮاخ اﻟﻨﺴﻮة ،وﺻﯿﺤﺎت اﻟﻐﻀﺐ ﻣﻦ رﺟﺎل اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ، اﺷﺘﺒﻚ اﻟﺤﺮاس ﻓﻲ ﺑﺴﺎﻟﺔ ﻣﻊ ﻓﺮﺳﺎن ﻳﺰﻳﺪون ﻋﻠﯿﮫﻢ ﻓﻲ اﻟﻌﺪد ﻣﺮﺗﯿﻦ، واﻧﻘﺾ )ﻋﻤﺮو( ﻋﻠﻰ )ﻛﺮوﻧﻮس( ﻳﻨﮫﺎل ﻋﻠﯿﻪ ﺿﺮﺑًﺎ ﺑﺎﻟﺴﯿﻒ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻘﻀﻲ ﻋﻠﯿﻪ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻔﺎرس اﻟﻤﺤﻨﻚ ﻛﺎن ﻳﺘﻔﺎدى طﻌﻨﻪ ،وﻳﺮد ﻧﺼﻠﻪ ،ﻣﺘﺤﯿًﻨﺎ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻛﻲ ﻳﺴﺪد إﻟﯿﻪ طﻌﻨﺔ ﻓﻲ ﻣﻘﺘﻞ ،وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﺑﻌﺪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻋﻦ ﺳﻨﺎﺑﻚ اﻟﺨﯿﻞ اﻟﺜﺎﺋﺮة إذا بـ)ﻋﻤﺮو( ﻳﺴﻘﻂ أر ً ﺿﺎ ﻣﺘﺄﻟ ً ﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن أﺻﯿﺒﺖ ﻓﺨﺬه ﺑﻄﻌﻨﺔ، ورأﻳﺖ )ﻛﺮوﻧﻮس( اﻟﻠﻌﯿﻦ ﻳﺪور ﺑﺴﯿﻔﻪ ﻓﻲ اﻟﮫﻮاء وﻳﺘﺄھﺐ ﻟﺴﺪاد طﻌﻨﺔ ﻗﺎﺗﻠﺔ ﻟﻪ ،ﻓﺄﺳﺮﻋﺖ ﺑﺎﻟﻘﻔﺰ ﻧﺤﻮه وﺳﺪدت ﻟﻪ طﻌﻨﺔ ﺑﺨﻨﺠﺮي اﻟﻤﺸﺤﻮذ ،ﻧﻔﺬت ﻓﻲ ﻛﺘﻔﻪ اﻷﻳﺴﺮ ،ﻓﺼﺮخ ﻣﻦ اﻷﻟﻢ ،ﺛﻢ اﺳﺘﺪار ﻧﺤﻮي وأطﺎح ﺑﺴﯿﻔﻪ ﻧﺤﻮ ﺻﺪري ﻛﺎﻟﻤﺠﻨﻮن وﻟﻮﻻ رﺣﻤﺔ رﺑﻲ ﻟﻨﻔﺬ اﻟﻨﺼﻞ ﺑﯿﻦ ﺿﻠﻮﻋﻲ ،أﺧﺮج ﺧﻨﺠًﺮا ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﻪ ﻲ ،ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻔﺘﻚ ﺑﻲ ﻓﺸﻌﺮت أﻧﻲ ھﺎﻟﻚ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ. وھﺠﻢ ﻋﻠ ّ ﻲ ﻣﺮة أﺧﺮى وإذا ﺑﺮﻣﺢ ﻳﺸﻖ اﻟﮫﻮاء ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ وﻳﻤﺮ ﻓﺈذا ﺑﺮﺣﻤﺔ رﺑﻲ ﺗﺘﻨﺰل ﻋﻠ ّ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ أذﻧﻲ ،ﻟﯿﺴﺘﻘﺮ ﻓﻲ ﺻﺪر )ﻛﺮوﻧﻮس( اﻟﻠﻌﯿﻦ ،ﻗﺒﻞ أن ﻳﺴﻘﻂ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ اﻟﻘﺒﯿﺢ ،اﻟﺘﻔﺖ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ﻷرى ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺮﻣﺢ ،ﻓﺈذا ﺑﻲ أرى رﺟًﻼ ﻣﻠﺜ ً ﻤﺎ ﻳﻤﺘﻄﻲ ﺟﻮاده ،وﻣﻌﻪ ﻋﺼﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﻤﻠﺜﻤﯿﻦ ﻳﺤﻤﻠﻮن ﺣﻤﻠﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ﻋﻠﻰ ُ رﺟﺎل )ﻛﺮوﻧﻮس( وﻳﻨﮫﺎﻟﻮن ﻋﻠﯿﮫﻢ طﻌًﻨﺎ وﺿﺮﺑًﺎ ،وأﺳِﻘﻂ ﻓﻲ ﻳﺪ اﻟﻔﺮﺳﺎن ﺣﯿﻨﻤﺎ رأوا اﻟﻤﺪد ﻗﺪ ﻗﻠﺐ ﻣﻮازﻳﻦ اﻟﻘﺘﺎل ،ﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن ﺳﻘﻂ ﻗﺎﺋﺪھﻢ )ﻛﺮوﻧﻮس( ﻣﺠﻨﺪًﻻ ،ﻓﻨﻔﺦ اﻟﻔﺎرس اﻹدوﻣﻲ ﻓﻲ ﺑﻮق ﻓﻲ ﻳﺪه ،وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺪﻋﻮ ﺟﻨﻮده ﻟﻼﻧﻀﻤﺎم إﻟﯿﻪ ،ﺛﻢ اﻧﺴﺤﺐ ﺑﮫﻢ ﻓﻲ ﺣﻨﻜﺔ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻠﻘﻮا ﻣﺼﯿﺮ ﻗﺎﺋﺪھﻢ ،ﺗﺎرﻛﯿﻦ ﺧﻠﻔﮫﻢ ﺳﺤﺎﺑﺔ اﻟﺮﻣﺎل اﻟﺘﻲ أﺗﻮا ﺑﮫﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ. أﻣﺎط اﻟﻤﻠﺜﻤﻮن اﻟﻠﺜﺎم ﻋﻦ وﺟﻮھﮫﻢ ،ﻓﺈذا ﺑﻲ أرى اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻊ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺴﺎﺑﻖ وﻣﻌﻪ ﻋﺼﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ،ﺑﺪا ﻋﻠﯿﮫﻢ اﻟﻤﺘﺎﻧﺔ وﻗﻮة اﻟﺒﻨﯿﺎن ،ﻋﻠﻤﺖ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن اﺳﻤﻪ )َدْﻋﺲ( وأﻧﮫﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮاﻗﺒﻮن اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﯿﺪ ،ﺗﺤﺴﺒًﺎ ﻟﻮﻗﻮع ﺧﯿﺎﻧﺔ ،وﻗﺪ ﺻﺪق ﺣﺪ ُ ﺳﮫﻢ ،أﺳﺮﻋﻨﺎ إﻟﻰ ﻧﺠﺪة اﻟﻤﺼﺎﺑﯿﻦ، وﻋﺎوﻧﺖ اﻟﻤﻠﺜﻤﯿﻦ ﻓﻲ ﺗﻀﻤﯿﺪ ﺟﺮاﺣﮫﻢ ،ﻛﺎن ﺟﺮح )ﻋﻤﺮو( ﻏﺎﺋًﺮا وﻟﻜﻨﻪ ﻟﯿﺲ ﺑﻘﺎﺗﻞ ،أﻣﺎ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ إﺻﺎﺑﺘﻪ ﺑﺎﻟﻐﺔ وﻗﺪ اﻧﻔﺼﻞ ﺳﺎﻋﺪه ـأو ﻛﺎد- ﻋﻦ ﻣﺮﻓﻘﻪ ،أﺳﺮع )َدﻋﺲ( ﺑﻜﺘﻢ اﻟﻨﺰﻳﻒ ﺑﺨﺮﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش ﺛﻢ ﺿﻤﺪه ﺑﻄﺒﻘﺎت ﻣﺘﻌﺪدة ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎن ،ﺛﻢ أﺳﻨﺪ اﻟﺴﺎﻋﺪ واﻟﻤﺮﻓﻖ ﺑﺠﺮﻳﺪة ﻧﺨﻞ ،ﺷﺬﺑﮫﺎ وﻟﻔﮫﺎ ﺑﻠﻔﺎﺋﻒ اﻟﻜﺘﺎن ،ﻛﺎن اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻓﻲ ﺣﺎل ﺳﯿﺌﺔ ﻣﻦ اﻟﮫﻠﻊ واﻟﺨﻮف ﻋﻠﻰ وﻟﺪه وﺣﻔﯿﺪه ﺣﺘﻰ أﺷﻔﻘﺖ ﻋﻠﯿﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﺰن ،أﻣﺎ )أروى( وﺑﺎﻗﻲ اﻟﻨﺴﻮة ﻓﻜﻦ ﻋﻠﻰ ﺣﺎل ﻻ ﻳﻨﻘﻄﻊ ﻣﻦ اﻟﻌﻮﻳﻞ واﻟﺒﻜﺎء. ﻧﻈﺮت ﺣﻮﻟﻲ ﻓﻮﺟﺪت اﻷﻣﺮ ﺑﺎﺋ ً ﺴﺎ ﺣﺰﻳًﻨﺎ ،أﺻﯿﺐ اﻟﺮﺟﺎل ،وﺗﺤﻄﻤﺖ اﻟﻘﺪور وﻣﺰﻗﺖ اﻟﮫﻮادج وﺳﺎل اﻟﻄﺤﯿﻦ ﻋﻠﻰ اﻷرض ،أي ﺷﺮ أﻟﺤﻘﻪ ﺑﻨﺎ ذﻟﻚ اﻟﻤﺠﻨﻮن ﻗﺒﻞ ﻣﻮﺗﻪ ،وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﺿﻤﺪ ﺟﺮ ً ﺣﺎ ﻷﺣﺪ اﻟﺤﺮاس إذا ﺑﺴﺤﺎﺑﺔ ﻏﺒﺎر أﺧﺮى ﺗﻌﻠﻮ ﻓﻲ اﻷﻓﻖ ،ھﺘﻒ اﻟﺤﺎرس ﻣﺤﺬًرا وﻗﺪ ظﻦ أن ﻓﺮﺳﺎن اﻹدوﻣﯿﯿﻦ ﻗﺪ ﻋﺎدوا ﻣﺮة أﺧﺮى ،ﺗﺄھﺐ اﻟﻤﻠﺜﻤﻮن ﻓﻲ ﻣﻮاﻗﻌﮫﻢ ،وﻟﻜﻦ ﻣﺎ أن ﺗﻜﺸﻔﺖ ﺳﺤﺎﺑﺔ اﻟﺮﻣﺎل ﺣﺘﻰ رأﻳﻨﺎ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻳﻤﺘﻄﻲ ﻧﺎﻗﺔ وﻣﻌﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﻐﻠﻤﺎن ﻳﻤﺘﻄﻮن اﻹﺑﻞ وﻳﺘﻘﺪﻣﻮن ﻧﺤﻮﻧﺎ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ. ﺗﻮﻗﻔﺖ اﻹﺑﻞ أﻣﺎﻣﻨﺎ وأﻧﺎخ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻧﺎﻗﺘﻪ ﺛﻢ ﻗﻔﺰ ﻣﮫﺮوًﻻ ﺑﺠﺴﺪه اﻟﻀﺨﻢ ﻧﺤﻮ ﺻﺪﻳﻘﻪ اﻟﻤﺴﺠﻰ ﻋﻠﻰ اﻷرض وھﻮ ﻳﺒﻜﻲ وﻳﻘﻮل: ﻓﺪاك ﻧﻔﺴﻲ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ،ﻓﺪاك ﻧﻔﺴﻲ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ اﻟﻜﺮﻳﻢ.ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﻓﻲ ﺟﮫﺪ ﺑﺎﻟﻎ: -ﺳﺄﻛﻮن ﺑﺨﯿﺮ ﻳﺎ )ﺷﮫﺒﻮر(. ﺛﻢ اﺑﺘﺴﻢ ﻓﻲ ﺿﻌﻒ وﻗﺎل: اطﻤﺌﻦ ﻟﻢ ﻳﺼﻠﻮا إﻟﻰ ﺷﻲء.ﻗﺒﱠﻞ )ﺷﮫﺒﻮر( رأﺳﻪ ﺑﺎﻛﯿًﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎم ﻣﺴﺮًﻋﺎ وﻗﺎل ﻟﻠﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﺘﺴﻊ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻳﺎ ﺳﯿﺪي ،ﺳﺂﺧﺬ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( و)ﻋﻤﺮو( ﻣﻌﻲ،ﻓﻠﻮ ﺳﺎرا إﻟﻰ ﺑﻜﺔ ﻟﮫﻠﻜﺎ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ! ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻣﺴﺘﻨﻜًﺮا: ﺗﻌﻮد ﺑﮫﻤﺎ إﻟﻰ ﺑﺼﺮى؟!ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر(: ﻛﻼ ،ﺑﻞ ﺳﻨﻤﻜﺚ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ ﺻﻐﯿﺮة ﻣﻊ ﺻﺪﻳﻘﻨﺎ )َدْﻋﺲ( ورﺟﺎﻟﻪ ،واط َﻤِﺌﻦ ﻓﻠﻦ ﺤﺠﺮ، ﻳﺼﻠﻮا إﻟﯿﮫﻤﺎ ،أﻣﺎ أﻧﺘﻢ ﻓﻠﺘﻀﺮﺑﻮا أﻛﺒﺎد اﻹﺑﻞ ﻟﯿﻞ ﻧﮫﺎر ﺣﺘﻰ ﺗﺼﻠﻮا إﻟﻰ اﻟ ِ وھﻨﺎك ﺳﯿﻜﻮن ﺑﺎﻧﺘﻈﺎرﻛﻢ رﺟﺎل ﻣﻨﺎ ﻳﻮردون اﻟﺨﯿﻞ واﻹﺑﻞ وﻳﺼﻠﺤﻮن ﻣﺎ أﻓﺴﺪه اﻟﻠﻌﯿﻦ ﺑﺎﻟﻘﺎﻓﻠﺔ. ﻗﻠﺖ: وﻣﺎذا ﻟﻮ ﻋﺎد اﻟﺠﻨﺪ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻟﻼﻧﺘﻘﺎم ﻟﻤﻘﺘﻞ )ﻛﺮوﻧﻮس(؟ھﺰ )ﺷﮫﺒﻮر( رأﺳﻪ ﻧﻔﯿﺎ وﻧﻈﺮ إﻟﻰ )دﻋﺲ( ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻟﻦ ﻳﻔﻌﻠﻮا!ﻓﺎﻟﻠﯿﻠﺔ ﺳﺘﻜﻮن ﻟﯿﻠﺔ ﺣﺰﻳﻨﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮﺗﺰﻗﺔ اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﯿﻦ ﻓﻲ ﺑﺼﺮى. ﺻﻤﺖ اﻟﺠﻤﯿﻊ ،ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر أﻣﺮ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( اﻟﺬي ﻧﻈﺮ ﻓﻲ ﺣﺰن إﻟﻰ وﻟﺪه وﺣﻔﯿﺪه ،ﻓﺄوﻣﺄ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( إﻟﯿﻪ ﺑﺮأﺳﻪ وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺴﺘﺤﺜﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮاﻓﻘﺔ ،ﻓﻘﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻓﻲ ﺻﻮت واھﻦ: إن ﻛﺎن ھﺬا ﻗﺪر ﷲ ،ﻓﻼ راد ﻟﻘﻀﺎﺋﻪ!ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻮﻟﺪه )دوﻣﺔ(: ُﻣﺮھﻢ أن ﻳﺘﺄھﺒﻮا ﻟﻠﺮﺣﯿﻞ!ارﺗﻔﻊ ﺻﺮاخ اﻟﻨﺴﻮة وھﺮوﻟﺖ )أروى( إﻟﻰ أﺑﯿﮫﺎ اﻟﻤﺴﺠﻰ ﻓﺎﺣﺘﻀﻨﺘﻪ وﻗﺒﻠﺖ رأﺳﻪ ،طﻤﺄﻧﮫﺎ ﺑﺼﻮت ﺧﻔﯿﺾ وﻗﺎل: ﻻ ﺗﻘﻠﻘﻲ ،ﺳﺄﻋﻮد إﻟﯿﻚ!ﺛﻢ ﺣﻤﻞ اﻟﺮﺟﺎل ،اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( و)ﻋﻤﺮو( ،ورأﻳﺖ )ﻋﻤﺮو( ﻳﺒﻜﻲ وھﻮ ﻳﻨﻈﺮ ﺑﻄﺮف ﻋﯿﻨﻪ إﻟﻰ )أروى(. وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻳﺘﺄھﺐ ﻟﺮﻛﻮب اﻟﺨﯿﻞ واﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻼﻧﺼﺮاف دس اﻟﺘﺎﺟﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻓﻲ ﻳﺪي ورﻗﺔ ﻣﻄﻮﻳﺔ ،ﺑﮫﺎ ﻛﻠﻤﺎت ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺒﺒًﺎ ﻓﻲ ﺗﻐﯿﯿﺮ ﺣﯿﺎﺗﻲ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺄﻋﻮام. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ واﻟﺜﻼﺛﻮن ﺤﺠﺮ( ﺑﻌﺪ ﺧﻤﺲ ﻟﯿﺎل ﻣﻦ اﻟﺴﻔﺮ اﻟﺪءوب ،ﻟﻢ ﻧﺬق ﻓﯿﮫﺎ وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ وادي )اﻟ ِ طﻌﻢ اﻟﺮاﺣﺔ إﻻ ﻟﺸﺮﺑﺔ ﻣﺎء أو ﻗﻀﺎء ﺣﺎﺟﺔ ،اﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻨﺎ ﺻﺤﺮاُء ﺷﺪﻳﺪُة اﻟ ﱡ ﺼﻔﺮة، طﻐﺖ ﻋﻠﯿﮫﺎ اﻟﺸﻤﺲ ﺑﻠﮫﯿﺒﮫﺎ ،ﺣﺘﻰ ﺷﻌﺮﻧﺎ ﺑﺴﺨﻮﻧﺔ اﻟﺤﺼﻰ ﻣﻦ ﻓﻮق ظﮫﻮر اﻟﺨﯿﻞ ،ﻧﻈﺮت ﺣﻮﻟﻲ ،وأﻧﺎ أﺣﺠﺐ اﻟﺸﻤﺲ ﻋﻦ ﻋﯿﻨﻲ ﺑﯿﺪي ،ﻟﻌﻠﻲ أرى ظﻼ ﻟﺸﺠٍﺮ أو ﺣ َ ﺠﺮ ،ﻓﻠﻢ أﺟﺪ ﺳﻮى ھﻀﺎﺑًﺎ ﺑﺎﺳﻘﺔ ﺗﻌﻠﻮھﺎ ﺻﺨﻮر ﻣﺪﺑﺒﺔ ﻛﺄﺳﻨﺎم اﻹﺑﻞ ،ﻻ ظﻞ ﻓﯿﮫﺎ وﻻ ﻧﺒﺎت ،أﺷﻔﻘﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( وﻋﻠﻰ ﻧﺴﺎء اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻣﻦ ھﺬا اﻟﺠﮫﺪ اﻟﻤﻀﻨﻰ واﻷﻟﻢ اﻟﺒﺎﻟﻎ ،اﻟﺬي أرھﻖ اﻟﻘﻠﻮب واﻷﺟﺴﺎد ،ﺣﺘﻰ ﺔ أﺷﺒﺎحٍ ،ﻓﻘﺪت أرواﺣﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﺤﺠﺮ ﻛﻘﺎﻓﻠ ِ ﺑﺪت اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻋﻨﺪ دﺧﻮﻟﮫﺎ إﻟﻰ وادي اﻟ ِ أﺑﻮاب اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﻠﻌﻮﻧﺔ! ﻛﻨﺖ ﺑﯿﻦ ﻟﺤﻈﺔ وأﺧﺮى أﻟﻘﻲ ﻧﻈﺮة ﻋﻠﻰ )أروى( اﻟﺠﺎﻟﺴﺔ ﻓﻲ ھﻮدﺟﮫﺎ اﻟﻤﻤﺰق ،ﻓﺄرى ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮫﺎ ﻧﻈﺮة ذاﺑﻠﺔ ﻟﻢ ﺗﺘﺠﺎوز ﻣﺤﺠﺮﻳﮫﺎ اﻟﻐﺎﺋﺮﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﺒﻜﺎء واﻟﺘﻌﺐ ،ﻓﯿﻨﻔﻄﺮ ﻗﻠﺒﻲ ﺣﺰﻧًﺎ ﻋﻠﯿﮫﺎ ،وأﺗﻤﻨﻰ ﻟﻮ ﺗﺘﺎح ﻟﻲ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻛﻲ أﺿﻤﮫﺎ إﻟﻰ ﺻﺪري ،ﻟﻌﻠﮫﺎ ﺗﺴﺘﻤﺪ ﻣﻦ ﻓﺆادي ﻣﺎ ﺗﺮﺑﻂ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﮫﺎ. أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻠﻢ أﻛﻦ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺤﺰن واﻷﻟﻢ ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﺷﻌﻮري ﺑﺎﻟﮫﻢ أﻛﺒﺮ، وﻛﺎن ھﻤﻲ ھﻮ ﺗﻠﻚ اﻷﻣﺎﻧﺔ اﻟﺘﻲ وﺿﻌﮫﺎ )ﺷﮫﺒﻮر( ﺣﻮل ﻋﻨﻘﻲ ،ﻓﺄي ﺷﻲء أﺛﻘﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻔﺲ ﻣﻦ أﻣﺎﻧﺔ ﺗﺤﻤﻠﮫﺎ ﻟﻤﻦ ﻻ ﻳﺜﻖ ﺑﻚ! ﻤﺎ ﻋﻨﻚ ،ﺻﱠﺪ َ ﻓﺈن ﺿﯿﱠﻌﺘﮫﺎ اﻷﻳﺎم رﻏ ً ق ظﱠﻨﻪ ﻓﯿﻚ ،وﻟﻢ ﻳﺸﻔﻊ ﻟﻚ ﻋﻨﺪه ﻋﺬٌر! ﺗﺤ ﱠ ﺴﺴﺖ ﻳﺪي رﺳﺎﻟﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻗﺮأﺗﮫﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﺸﺮ ﻣﺮات ﺧﻼل اﻷﻳﺎم اﻟﺨﻤﺴﺔ اﻟﻤﺎﺿﯿﺔ ،أﻋﺎد ﻋﻘﻠﻲ ﻛﻠﻤﺎﺗﮫﺎ وﻛﺄﻧﻤﺎ أﻧﻄﻘﺘﻪ ﻣﺴﺔ أﻧﺎﻣﻠﻲ ﻟﻠِ ّﻔﺎﻓﺔ اﻟﻤﻄﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺟﯿﺐ ﺟﻠﺒﺎﺑﻲ. ﺴﱡﺮ ﺑﯿﻨﻚ وﺑﯿﻦ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺣﺘﻰ أﻋﻮد ،إن ھﻠَﻜﺖ ﻓﺎﻟﻤﺎ ُ ل ﻟﻜﻤﺎ، »ﻟﯿﻜﻦ اﻟ ّ ِﻚ اﻟﱡﺮﺑﻊ ﻣ ﱠ وإن ُﻋﺪت ﻓﻠ َ ﻤﺎ ﺣﻔﻈﺖ! ﺴﺮ اﻟﺬي « وﺣﯿﻦ أﺧﺒﺮت اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺑﺄﻣﺮ رﺳﺎﻟﺔ )ﺷﮫﺒﻮر( وأطﻠﻌﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻟ ّ ِ أﺧﻔﺎه ﻋﻨﻪ وﻟﺪه وﺻﺪﻳﻘﻪ ،ﺑﻜﻰ واﺷﺘﺪ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﮫﻢ واﻟﺤﺰن وﻗﺎل: ﻟﯿﺘﻨﺎ ﻓﻘﺪﻧﺎ اﻟﻤﺎل وﻟﻢ ﻧﻔﻘﺪھﻢ!ﻗﻠﺖ ﻟﻪ ﻣﮫﻮﻧًﺎ: ﻟﻢ ﻳﻜﻦ )ﻛﺮوﻧﻮس( ﻟﯿﺘﺮﻛﮫﻢ أﺣﯿﺎء ﻓﻲ ﻛﻞ اﻷﺣﻮال ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،وﺣﺴﺒﻨﺎأن ﻟﺪﻳﮫﻢ اﻵن ﻓﺮﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﺠﺎة. ﻣﺴﺢ ﻟﺤﯿﺘﻪ اﻟﺘﻲ اﺑﺘﻠﺖ ﺑﺪﻣﻮﻋﻪ وﻗﺎل: -ﺑﻞ ﺣﺴﺒﻨﺎ ﷲ ،وﻻ ﺷﻲء ﻏﯿﺮه ،ﻓﮫﻮ أرﻓﻖ ﺑﮫﻢ ِﻣﱠﻨﺎ. وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ ﻧﮫﺎﻳﺔ اﻟﻮادي ،ﻓﻮﺟﺪﻧﺎ ﻓﻲ اﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻨﺎ رﻛ ٌ ﺐ ﻣﻦ أﺻﺪﻗﺎء )ﺷﮫﺒﻮر( ﻳﻘﻔﻮن ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻄﺮﻳﻖ وﻳﺤﻤﻠﻮن ﻓﻲ أﻳﺪﻳﮫﻢ ﻗَِﺮب اﻟﻤﺎء اﻟﺒﺎرد ،اﺑﺘﮫﺞ ﻗﻠﺒﻲ ﻟﺮؤﻳﺘﮫﻢ ،ﻧﺰﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﻓﻮق ظﮫﻮر اﻟﺪواب ﺛﻢ ﺗﺮﺟﻠﻨﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎ ،ﺻﺎﻓﺤﮫﻢ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( واﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( وﺑﺪا أﻧﮫﻢ ﻳﻌﺮﻓﻮن ﺑﻌﻀﮫﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،ﺗﻨﺎوﻟﺖ ﻗﺮﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء ﻣﻦ أﺣﺪھﻢ ،ﺛﻢ ﺷﺮﺑﺖ ﺣﺘﻰ ارﺗﻮى ﺟﻔﺎف ﺣﻠﻘﻲ ،أﻣﺴﻚ ﺑﻌﻀﮫﻢ ﺑﺰﻣﺎم اﻟﻨﻮق واﻟﺨﯿﻞ اﻟﻤﻨﮫﻜﺔ وﺳﺎروا ﺑﮫﺎ ﻣﻊ اﻟﺤﺮاس ﻛﻲ ﻳﻮردوھﺎ إﻟﻰ ﻣﺸﺮب اﻟﺪواب اﻟﻤﻮﺟﻮد ﺧﻠﻒ اﻟﮫﻀﺒﺔ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺻﺤﺒﻨﺎ دﻟﯿﻞ ﻣﻨﮫﻢ إﻟﻰ ﻣﺴﺎﻛﻦ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﺑﺄﻋﻠﻰ اﻟﮫﻀﺒﺔ ،ورﻏﻢ إرھﺎق اﻟﺼﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﺠﺒﻞ ،ﻟﻢ أﺳﺘﻄﻊ أن أﻣﻨﻊ ذھﻮﻟﻲ ﻣﻤﺎ رأﻳﺖ ﺣﻮﻟﻲ ،ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ ﺑﯿﻮت اﻟﺜﻤﻮدﻳﯿﻦ ﻣﺒﺎﻧﻲ ﺑﻨﯿﺖ ﺑﺎﻟﺤﺠﺮ ،ﺑﻞ ﻧﺤﺘﺖ ﻞ ﺗﺴﺎوت أﺿﻼُﻋﮫﺎ ﻧﺤًﺘﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﺒﺎل ،ﺣﺘﻰ ﺑﺪت اﻟﺠﺒﺎل ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ ﻛﺒﯿﻮت ﻧﺤ ٍ ﺑﺪﻗﺔ وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻧﺤﺘﺘﮫﺎ ﻳُﺪ اﻟﺠﺎ ﱠ ن ،وھﺘﻔﺖ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﻋﺠﺒًﺎ ﺣﯿﻦ رأﻳﺖ ﺻﺨﺮة ﻣﮫﻮﻟﺔ ﺗﺤﻮﻟﺖ إﻟﻰ ﻗﺼﺮ ﻣﺸﯿﺪُ ،ﻧِﻘﺸﺖ واﺟﮫﺘﻪ وﺗﺰﻳﻨﺖ ﺑﯿﺪ ﻧﺎﺣﺘﮫﺎ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﻗﻄﻌﺔ ﺧﺸﺒﯿﺔ ،ﺗﻠﻘﻔﺘﮫﺎ ﻳﺪ ﻧﺠﺎر ﻣﺎھﺮ! أﺷﺎر اﻟﺪﻟﯿﻞ إﻟﻰ ﺟﺒﻞ ﺑﻪ ﻋﺸﺮات اﻟﺒﯿﻮت وﻗﺎل: ھﻨﺎ إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺮﺟﺎل ﺛﻢ أﺷﺎر إﻟﻰ ﺟﺒﻞ أﺻﻐﺮ وﻗﺎل: وھﻨﺎ إﻗﺎﻣﺔ اﻟﻨﺴﺎء.دﺧﻠﺖ إﻟﻰ إﺣﺪى اﻟﺤﺠﺮات ﻓﺘﻨﺴﻤﺖ أﻧﻔﻲ ﻷول ﻣﺮة ﻧﺴﯿ ً ﻤﺎ رطﺒًﺎ وھﻮاًء ﻋﻠﯿًﻼ ﻻ ﻳﻘﺎرن ﺑﻘﯿﻆ اﻟﻮادي ،وﺗﻌﺠﺒﺖ ﻛﯿﻒ ﺗﺤﺘﻔﻆ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺠﺮات اﻷﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﻜﮫﻮف ﺑﺒﺮودﺗﮫﺎ ،ﻧﻈﺮت ﺣﻮﻟﻲ ﻓﺮأﻳﺖ اﻟﺠﺪران اﻟﺼﺨﺮﻳﺔ وﻗﺪ اﺳﺘﻮى ﺳﻄﺤﮫﺎ وﻓﺘﺤﺖ ﺳﱠﺮة وﻗﻨﻮات ﺗﺤﻤﻞ ﻣﯿﺎه ﺑﮫﺎ ﻧﻮاﻓﺬ ﻟﻠﻀﻮء واﻟﮫﻮاء ،ﻛﻤﺎ ﻧﺤﺘﺖ ﺑﮫﺎ ﻣﻘﺎﻋﺪ وأ ِ اﻷﻣﻄﺎر ﻣﻦ ﺳﻘﻒ اﻟﺤﺠﺮة إﻟﻰ ﺣﻮض داﺧﻠﮫﺎ! وﺗﺬﻛﺮت ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﻋﻦ ﺑﺄس اﻟﺜﻤﻮدﻳﯿﻦ وأﻳﻘﻨﺖ ﺣﯿﻦ رأﻳﺖ ﻣﺎ ﺻﻨﻌﻮه أﻧﮫﻢ ﻛﺎﻧﻮا أﺷﺪ ﺑﺄ ً ﺳﺎ ﻣﻤﺎ ظﻨﻨﺖ. ﺧﺮﺟﺖ ﻓﻮﺟﺪت رﺟﺎل اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ وﻗﺪ وﻗﻔﻮا ﻟﻠﺼﻼة ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻣﻨﺒﺴﻄﺔ أﻣﺎم ﻤﻤﻮا وﺟﻮھﮫﻢ ﺷﻄﺮ اﻟ ﱠ اﻟﺤﺠﺮات وﻗﺪ ﻳ ﱠ ﺸﻤﺎل ،ﺗﻌﺠﺒﺖ أن اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ھﻮ ﻣﻦ ﻳﻘﻮم ﺑﺈﻣﺎﻣﺘﮫﻢ ﻓﻲ اﻟﺼﻼة وأن اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﯿﻨﮫﻢ ،ﺟﺎء ﻓﻲ ﺧﺎطﺮي أﻧﻪ ﻗﺪ أﺧﻠﺪ إﻟﻰ اﻟﺮاﺣﺔ ﺑﻌﺪ ﻣﺠﮫﻮد اﻟﺴﻔﺮ اﻟﺸﺪﻳﺪ ،ﻓﻠﻢ أﺳﺄل ﻋﻨﻪ، ﻛﻤﺎ أن ذھﻨﻲ ﻛﺎن ﻣﺸﻐﻮًﻻ ﺑﺄﻣﺮ اﻟﻨﺎﻗﺔ اﻟﻤﺤﻤﻠﺔ ﺑﻘﺪور اﻟﺬھﺐ وﻛﻨﺖ ﻗﻠًﻘﺎ ﻣﻦ ﻛﻮﻧﮫﺎ ﺑﻌﯿﺪة ﻋﻦ ﻋﯿﻨﻲ وﺧﺸﯿﺖ ﻣﻦ أن ﺗﻘﻊ ﻣﺼﺎدﻓﺔ ﻏﯿﺮ ﻣﺤﻤﻮدة ﺗﺰﻳﺪ اﻷﻣﺮ ﺗﻌﻘﯿًﺪا ﻓﻨﺰﻟﺖ إﻟﻰ ﻣﺸﺮب اﻟﺪواب ﻛﻲ أرﻗﺒﮫﺎ ،وﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﺒﺌﺮ ﻓﻮﺟﺪت ﺣﺎر ً ﺳﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻣﻊ أﺻﺪﻗﺎء )ﺷﮫﺒﻮر( ،ﻳﻘﻔﻮن إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﻨﺎﻗﺔ ،ﻳﻨﺘﻈﺮون دورھﻢ ﻓﻲ اﻟﺴﻘﯿﺎ ،ﻛﺎن ﻣﺸﺮب اﻟﺪواب ﻣﺘﺴًﻌﺎ ،ﻳﺘﻮﺳﻄﻪ ﺑﺌﺮ ﺿﺨﻢ ﺗﺮﻓﻊ ﻣﻨﻪ اﻟﻤﯿﺎه ﺛﻢ ﺗﺼﺐ ﻓﻲ ﻗﻨﻮات ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺎﻧﺒﯿﻦ ﺗﻨﮫﻞ ﻣﻨﮫﺎ ﺻﻔﻮف اﻟﺪواب ،وﻛﻠﻤﺎ ﻓﺮغ ﺻﻒ ﻣﻦ اﻟﺴﻘﯿﺎ ،أﺻﺪَره اﻟﺮﻋﺎء ﻛﻲ ﻳﺤﻞ ﻣﺤﻠﻪ ﺻﻒ آﺧﺮ ،ﻋﻠﻤﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﺎرس أن ھﺬه اﻟﺒﺌﺮ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﺮب ﻣﻨﮫﺎ ﻧﺎﻗﺔ ﺻﺎﻟﺢ ،وأن اﻟﻨﺎس ﺑﻌﺪ ھﻼك ﺛﻤﻮد ﻟﻢ ﻳﻌﻮدوا ﻳﺸﺮﺑﻮن ﻣﻨﮫﺎ وﺟﻌﻠﻮھﺎ ﻟ ُ ﺴﻘﯿﺎ اﻟﺪواب ﻓﻘﻂ ﺗﻜﺮﻳ ً ﻤﺎ ﻟﻠﻨﺎﻗﺔ! اﻧﺘﻈﺮت ﻣﻌﮫﻢ ﻗﻠﯿًﻼ ﺣﺘﻰ ﺣﺎن دورﻧﺎ ،أراد أﺣﺪ اﻟﻌﻤﺎل أن ﻳﻀﻊ ﻋﻦ اﻟﻨﺎﻗﺔ ﺣﻤﻮﻟﺘﮫﺎ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺸﺮب ،وھﻢ أن ﻳﺮﻓﻊ أﺣﺪ اﻟﻘﺪور وﻟﻜﻨﻲ ﻧﮫﺮﺗﻪ ﻋﻦ ذﻟﻚ، وﻗﻠﺖ ﻟﻪ ﻣﺤﺬًرا: ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﺳﻮى ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺪور ،ﻓﺤﺬاِر ﻣﻦ أن ﺗﺘﺤﻄﻢ ﻣﻨﮫﺎ واﺣﺪة!ظﻠﺖ اﻟﻨﺎﻗﺔ ﺗﻨﮫﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء ﻟﻔﺘﺮة طﻮﻳﻠﺔ ،ﻛﻲ ﺗﻌﻮض اﻟﻌﻄﺶ اﻟﺬي ﻋﺎﻧﺖ ﻣﻨﻪ ﺧﻼل اﻷﻳﺎم اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ،وﺑﻌﺪ أن ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻦ ﺳﻘﯿﺎھﺎ ﺳﺤﺒﺘﮫﺎ ﻣﻦ ﻟﺠﺎﻣﮫﺎ ﻓﺎﺳﺘﺠﺎﺑﺖ ﻟﻲ وﺳﺎرت ﺧﻠﻔﻲ ﻓﻲ ﺧﻀﻮع ،ﺗﻌﺠﺐ اﻟﺤﺎرس ﻣﻦ ﺻﻨﯿﻌﻲ وﺳﺄﻟﻨﻲ: أﻟﻦ ﺗﺘﺮﻛﮫﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺎخ اﻟﺪواب؟!ﻗﻠﺖ ﻟﻪ ﻛﺎذﺑًﺎ: أﻣﺮﻧﻲ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺑﺄن أﻋﻘﻠﮫﺎ وﺣﺪھﺎ ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ اﻟﺒﻌﯿﺮ ﻛﻲ ﻻ ﺗﺘﺤﻄﻢاﻟﻘﺪور. ﺻﻌﺪت ﺑﺎﻟﻨﺎﻗﺔ ﺣﺘﻰ وﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﻣﺪﺧﻞ ﺣﺠﺮﺗﻲ ،ﻓﺄﻧﺨﺘﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺣﺔ اﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺤﺠﺮة ﺛﻢ رﺑﻄﺖ ﺣﺒﻠﮫﺎ ﺣﻮل ﺣ َ ﺠٍﺮ ﻛﺒﯿﺮ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﺎﺣﺔ ﺧﺎﻟﯿﺔ ،وﻗﺪ ﺑﺪا أن رﺟﺎل اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻗﺪ ﻓﺮﻏﻮا ﻣﻦ ﺻﻼﺗﮫﻢ ﺛﻢ أﺧﻠﺪوا ﻟﻠﺮاﺣﺔ ،ﻗﻤﺖ ﺑﺤﻤﻞ اﻟﻘﺪور ور ﱠ ﺻﮫﺎ اﻟﻮاﺣﺪة ﺗﻠﻮ اﻷﺧﺮى داﺧﻞ ﺣﺠﺮﺗﻲ ﺣﺘﻰ اﻣﺘﻸت اﻟﺤﺠﺮة ﺑﺎﻟﻘﺪور إﻻ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﺴﺮﻳﺮ ،ﻧﻔﺪت ﻗﻮاي أو ﻛﺎدت ﺑﻌﺪ ھﺬا اﻟﺠﮫﺪ اﻟ ُ ﻤﺘﺼﻞ ،ﻓﺄﻟﻘﯿﺖ ﺑﺠﺴﺪي ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺮﻳﺮ اﻟﻤﻨﺤﻮت ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ واﻟﻤﻔﺮوش ﺑﺼﻮف اﻟﻐﻨﻢ وﻗﺪ ﻋﺰﻣﺖ أن أﻧﺎم ﻳﻮًﻣﺎ أو ﺑﻌﺾ ﻳﻮم! ﻟﻢ أدر ﻛﻢ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﱠﺮ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻛﺎن وﻗﺖ ﺳﺤﺮ ﺣﯿﻨﻤﺎ أﻳﻘﻈﺘﻨﻲ ھﱠﺰٌة َرﻓِﯿَﻘ ٌ ﺔ ﻓﻲ ظﻼم اﻟﻠﯿﻞ ،ﻓﺘﺤﺖ ﻋﯿﻨﻲ ﻣﻨﺘﻔ ً ﻀﺎ ﻷﺟﺪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻳﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ ﻲ ﺑﯿﺪه ﻛﻲ أھﺪأ وأﻻ أﺻﺪر طﺮف اﻟﺴﺮﻳﺮ وﻓﻲ ﻳﺪه ﻗﻨﺪﻳﻞ ﻣﻦ اﻟﺰﻳﺖ ،أﺷﺎر إﻟ ّ ﺻﻮﺗًﺎ ،ﺛﻢ أﺷﺎر إﻟﻰ ﻋﺒﺪﻳﻦ أﺳﻮدﻳﻦ وﻗﻔﺎ أﻣﺎم ﺑﺎب اﻟﺤﺠﺮة ﻓﺄﻣﺮھﻤﺎ ﺑﺄن ﻳﻨﻘﻼ ﺔ ﺧﺸﺒﯿﺔ وﺿﻌﻮھﺎ أﻣﺎم اﻟﺒﺎب. اﻟﻘﺪور إﻟﻰ ﻣﺤﱠﻔ ٍ ﻗﺎم اﻟﻌﺒﺪان ﺑﻨﻘﻞ اﻟﻘﺪور ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ،وأﻧﺎ ﻣﺎ زﻟﺖ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﺒﻲ وﺑﻌﺪ أن ﻓﺮﻏﺎ ﻗﺎم اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻪ وﻧﺎدى ﺑﺼﻮت ﺧﻔﯿﺾ: )ﻋﺪﻧﺎن(!دﺧﻞ إﻟﻰ اﻟﺤﺠﺮة ﺷﺎب أﻋﺮاﺑﻲ ،ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻄﻮل ﻋﺮﻳﺾ اﻟﻜﺘﻔﯿﻦ ﺣﺘﻰ أن رأﺳﻪ ﻛﺎدت أن ﺗﻼﻣﺲ ﺳﻘﻒ اﻟﺤﺠﺮة ،ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: )ﻋﺪﻧﺎن( ﺣﺪاد ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮب ،وﺑﯿﻨﻨﺎ وﺑﯿﻨﻪ ﺻﮫﺮ ،ﻗﺎﺑﻠﺘﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﻈﮫﯿﺮة ،وطﻠﺒﺖﻣﻨﻪ أن ﻳﺼﮫﺮ ﻟﻨﺎ اﻟﺬھﺐ ﻓﻲ ﺳﺒﺎﺋﻚ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﯿﺴﺮ ﻟﻨﺎ ﺣﻤﻠﻪ. اﺳﺘﺤﺴﻨﺖ اﻟﻔﻜﺮة ووﺟﺪت ﻓﯿﮫﺎ ﺣﻼ ﻟﻤﻌﻀﻠﺔ اﻟﻘﺪور ،ﻓﺘﺎﺑﻊ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻣﻮﺟًﮫﺎ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻟﻠﺤﺪاد: ﻣﺘﻰ ﺗﻔﺮغ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻳﺎ )ﻋﺪﻧﺎن(؟ﻗﺎل )ﻋﺪﻧﺎن( ﺑﺼﻮت رﻧﺎن ﻳﺸﺒﻪ طﺮﻗﺎت اﻟﻤﻌﺪن: ﻟﻦ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﺑﻀﻌﺔ أﻳﺎم ﻳﺎ ﺳﯿﺪي اﻟﺸﯿﺦ.ھﺰ اﻟﺸﯿﺦ رأﺳﻪ وﻗﺎل: أﺣﻀﺮھﺎ إﻟﻰ ھﻨﺎ ﻓﻲ ﺣﺠﺮة )ﺷﻤﻌﻮن( ،وﻗﺖ أن ﺗﻔﺮغ ﻣﻨﮫﺎ ،وﺣﺬاِر أن ﻳﻌﻠﻢأﺣﺪ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﺳﻮاك. ﻗﺎل )ﻋﺪﻧﺎن( ﻓﻲ ﺛﻘﺔ: ﺳﺂﺗﻲ ﺑﮫﺎ إﻟﻰ ھﻨﺎ ،وﻟﻦ ﻳﻌﻠﻢ اﻟﻌﺒﺪان ﺑﻤﺎ ﺗﺤﻮﻳﻪ اﻟﻘﺪور.ﺛﻢ اﺳﺘﺄذن )ﻋﺪﻧﺎن( ﻓﻲ اﻻﻧﺼﺮاف. ﺟﻠﺲ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﺴﺮﻳﺮ ،ﻓﻀﻤﻤﺖ ﺳﺎﻗﻲ وأﻓﺴﺤﺖ ﻟﻪ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻟﻠﺠﻠﻮس ،ﻛﺎن اﻹﺟﮫﺎد ﻳﻌﻠﻮ وﺟﮫﻪ وﻳﺒﺪو أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻨﻢ ﻧﻮًﻣﺎ ﻛﺎﻓﯿًﺎ ،ﻗﻠﺖ ﻣﺸﻔًﻘﺎ: أﻻ ﺗﺴﺘﺮﻳﺢ ﺳﯿﺪي اﻟﺸﯿﺦ ،ﻓﻘﺪ ﺷﻖ ﻋﻠﯿﻚ اﻟﺴﻔﺮ واﻟﺴﮫﺮ.ﺗﻨﮫﺪ ﺛﻢ ﻗﺎل: ُ ُ ﻳﺴﺘﺮﻳﺢ اﻟﺠﺴُﺪ ﺑﺎﻟﻨﻮم وﻳﺴﺘﺮﻳ ُﺢ اﻟﻘﻠ ُ ﺖ أﻧﺎﺟﻲ اﻟﻨﻮَر ﻓﻲ ﺐ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ ،وﻗﺪ ﻣﻜﺜ ظﻼِم اﻟﻠﯿﻞ! ﻧﻈﺮت إﻟﯿﻪ ﻓﻲ إﺷﻔﺎق وﻗﻠﺖ ﻟﻪ ﻣﻌ ِﺰّﻳًﺎ: ﺳﺄدﻋﻮ ﻟﮫﻤﺎ ﺑﺎﻟﻨﺠﺎة!ﻢ أﻋﺠﺰﻧﻲ ﻋﻦ اﻟﻜﻼم: ﻗﺎل ﻓﻲ ﺗﺴﻠﯿ ٍ ﺔ واﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻼء وأن ﻧﺘﻮﻛﺄَ ﻋﻠﻰ اﻷﻋﻤﺎل ﺗﻌﻠﱠﻤﻨﺎ اﻟﺸﻜَﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻌﻤ ِاﻟﺼﺎﻟﺤﺔ ﻓﻲ أﻳﺎم اﻻﻧﻜﺴﺎر. ﺗﻨﮫﺪ ﺛﻢ ﺗﺎﺑﻊ: ﻢ طﺎﺋِﺶ وإﻧﻤﺎ ﺳﮫ ٌ ﻢ ﻧﺎﻓِﺬ ﺗﺤﻜ ُ ﻤﻪ اﻋﻠﻢ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( أن ﻗﻀﺎء ﷲ ﻟﯿﺲ ﺑﺴﮫ ٍﻳُﺪ اﻟﻘَﺪِر ،ﻓُﯿﺼﯿ ُ ﺔ ﻻ ﻧﺴﺘﻘﯿﮫﺎ. ﻢ ﻧﺠﮫُﻠﻪ و ِ ﺣﻜﻤ ٍ ﺐ ﺑﻪ َﻣﻦ ﻳﺸﺎء وﻗﺘﻤﺎ ﻳﺸﺎء ﻟﻌﻠ ٍ ﻛﻨﺖ ﻷول ﻣﺮة أﺳﻤﻊ ﻛﻠﻤﺔ )اﻟﻘَﺪر( ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ ﻣﺸﺪو ً ھﺎ: -وﻣﺎ اﻟﻘَﺪر؟ ﺻﻤﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ ﻗﺎل: اﻟﻘَﺪُر ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ھﻮ اﻟﺘﺪﺑﯿُﺮ ﺑﻤﯿﺰان اﻟﺤﻜﻤﺔ ،واﻟﻠ ّﻄ ُن اﻟﺮﺣﻤﺔ ،واﻟﺘﻘﻮﻳ ُ ﻢ ﻒ ﺑﻤﯿﺰا ِ ﺑﻤﯿﺰان اﻟﻌﺪل ،وﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻘ ِّ ﻒ ﻣﻦ ﺔ ﻳﺪﺑِ ّﺮھﺎ ،أو ﻟﻄ ٍ ﺪره ﷲ ﻟﻨﺎ ﻳﻜﻮن إﻣﺎ ﻟﺤﻜﻤ ٍ ﻢ ﻟﻤﺎ أﻋﻮ ﱠ ج ﻣﻦ أﻣﺮﻧﺎ ،وﻟﺬا وﺟﺐ ﻋﻠﯿﻨﺎ اﻟﺜﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﻗﺪره ﻓﻲ ﻛﻞ رﺣﻤﺘﻪ ،أو ﺗﻘﻮﻳ ٍ ﺣﺎل. ﻧﺰﻟﺖ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻲ ﻛﻘﻄﺮات اﻟﻨﺪى ﻓﻘﻠﺖ: ﻣﺎ أﺻﺪق ﻛﻠﻤﺎﺗﻚ ﻳﺎ ﺳﯿﺪي!ﺛﻢ ﻗﻠﺖ ﺣﺎﻟ ً ﻤﺎ وأﻧﺎ أﻗﯿﺲ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻲ: ﻗﱠﺪر ﷲ ﻟﻲ أن أﻓﺎرق أھﻠﻲ ،وأن أﻣﱠﺮ ﺑﺘﻠﻚ اﻷﺣﺪاث ﺗﻘﻮﻳ ًﻤﺎ ﻟﻤﻌﺼﯿﺘﻲ ،ﺛﻢ ﻛﺎن ﻟﻄﯿًﻔﺎ ﺑﻲ إذا ﺟﻤﻌﻨﻲ ﺑﻜﻢ ،وأﺷﻌﺮ أن ھﺬا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﺒًﺜﺎ ،وإﻧﻤﺎ ﻟﺤﻜﻤﺔ ﻻ أﻋﻠﻤﮫﺎ ،وﻣﺎ زﻟﺖ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﻣﻌﺮﻓﺘﮫﺎ. وﺿﻊ ﻳﺪه ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ ﺛﻢ ﻗﺎل: اﺳﻤﻊ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ﻗﺪ ﺻﺎرت ﻟﻚ ﺑﯿﻨﻨﺎ ﻣﻜﺎﻧﺔ ،وﺻﺮت ﻋﻨﺪي ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ اﻟﺤﻔﯿﺪ،ُ ﺳﱡﺮ إﻟﯿﻚ ﺑﺄﻣﺮ ﻟﻢ أﺧِﺒﺮه ﻷﺣٍﺪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ. وﻟﮫﺬا ﺳﺄ ِ أوﻣﺄت ﺑﺮأﺳﻲ ﻣﻮاﻓًﻘﺎ دون أن أﻧﻄﻖ ،ﻓﻘﺎل: أﺷﻌﺮ ﺑﺄﻧﻲ ﻟﻦ أﻗﻮى ﻋﻠﻰ ﻣﻐﺎدرة ﺑﻜﺔ ﺑﻌﺪ أن ﻧﺼﻞ إﻟﯿﮫﺎ ،وﻻ رﻏﺒﺔ ﻟﻲ ﻓﻲاﻟﻌﻮدة إﻟﻰ ﺑﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ ﻣﺮًة أﺧﺮى. ُ ﻓﻐﺮت ﻓﺎھﻲ دھﺸﺔ ،وﻗﺪ أﺳِﻘﻂ ﻓﻲ ﻳﺪي ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺮ ،ﻓﺘﺎﺑﻊ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻟﻘﺪ ﻋﺰﻣﺖ ﻋﻠﻰ أن أﺗﺮك اﻟﺘﺠﺎرة وأﻣﺮ اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ إﻟﻰ )ﻧﺎﺑﺖ( إذا رﱠده ﷲ ﺳﺎﻟ ًﻤﺎ أو إﻟﻰ )دوﻣﺔ( إذا ﻗﻀﻰ ﷲ أﻣًﺮا ﻛﺎن ﻣﻔﻌﻮًﻻ! أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﺴﺄﺑﻘﻰ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﺒﯿﺖ ﻓﻘﺪ ﺗﻘﺪم ﺑﻲ اﻟﻌﻤﺮ وأﻧﮫﻜﻨﻲ اﻟﺴﻔﺮ واﻟﺘﺮﺣﺎل ،وأرﻳﺪ أن أﻗﻀﻲ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻣﻦ ﺣﯿﺎﺗﻲ إﻟﻰ ﺟﻮار ﺑﯿﺖ اﻟﺮب. اﻟﻘَﺪُر ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ھﻮ اﻟﺘﺪﺑﯿُﺮ ﺑﻤﯿﺰان اﻟﺤﻜﻤﺔ ،واﻟﻠ ّﻄ ُ ن اﻟﺮﺣﻤﺔ ،واﻟﺘﻘﻮﻳ ُ ﻢ ﻒ ﺑﻤﯿﺰا ِ ﺑﻤﯿﺰان اﻟﻌﺪل ،وﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻘ ِّ ﻒ ﻣﻦ ﺔ ﻳﺪﺑِ ّﺮھﺎ ،أو ﻟﻄ ٍ ﺪره ﷲ ﻟﻨﺎ ﻳﻜﻮن إﻣﺎ ﻟﺤﻜﻤ ٍ ﻢ ﻟﻤﺎ أﻋﻮ ﱠ ج ﻣﻦ أﻣﺮﻧﺎ ،وﻟﺬا وﺟﺐ ﻋﻠﯿﻨﺎ اﻟﺜﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﻗﺪره ﻓﻲ ﻛﻞ رﺣﻤﺘﻪ ،أو ﺗﻘﻮﻳ ٍ ﺣﺎل. ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺣﺰن ﺣﻘﯿﻘﻲ: وﻟﻜﻦ ﺻﺤﺒﺘﻚ ھﻲ ﻣﺎ ﺗﮫﻮن ﻋﻠ ﱠﻲ أﻣﺮ اﻟﺪﻧﯿﺎ! رﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ ﻓﻲ ﻋﻄﻒ وﻗﺎل: وﻟﮫﺬا أﺧﺒﺮﺗﻚ ﻗﺒﻞ أن أﺧﺒﺮ أﺑﻨﺎﺋﻲ.ﺛﻢ ﺗﺎﺑﻊ: وأرى ﻳﺎ ﺑﻨﻲ أن ﺗﻈﻞ ﻓﻲ ﺻﺤﺒﺘﮫﻢ إﻟﻰ أن ﻳﺸﺎء ﷲ ﻟﻚ أن ﺗﺠﺪ ﻗﻮﻣﻚ ﻓﻲﺑﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ ،واﻧﺰع ﻣﻦ رأﺳﻚ ﻓﻜﺮة اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،ﻓﺎ ﻣﻮﺟﻮد ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن. ﻟﻮ ﻛﺎن ھﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻗﺪ دار ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻦ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﺸﮫﻮر ،ﻣﺎ ﺗﺮددت ﻓﻲ رﻓﺾ طﻠﺒﻪ ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ـﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﻣﱠﺮ ﺑﻲ ﻓﻲ اﻷﺳﺎﺑﯿﻊ اﻟﻤﺎﺿﯿﺔ- وﺟﺪﺗﻨﻲ أﻗﻮل ﻟﻪ ﻓﻲ اﺳﺘﺴﻼم وﻗﺪ اﻏﺮورﻗﺖ ﻋﯿﻨﻲ ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع: ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻟﻲ أھﻞ ﺳﻮاﻛﻢ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،وﺣﺘﻰ ﻳﺠﻤﻊ ﷲ ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻦ أھﻠﻲﻓﻠﻦ أﻓﺎرﻗﻜﻢ ﻣﺎ ﺣﯿﯿﺖ. ﻗﺒﻞ رأﺳﻲ ﻓﻲ ﻋﻄﻒ ﺛﻢ ﻗﺎم ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻪ ،ﻓﻘﻤﺖ اﺣﺘﺮاًﻣﺎ ﻟﻪ ،ﺣﻤﻞ ﻣﺼﺒﺎﺣﻪ ﻓﻲ ﻳﺪه ﺛﻢ ﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﺒﺎب وﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﺼﺮف ﻗﺎل ﻟﻲ: ﻻ ﺗﺘﺮك ﺑﺎﺑﻚ ﻣﻔﺘﻮ ًﺤﺠﺮ ﺗﻜﺜﺮ ﻗﻄﻂ اﻟﺼﺤﺮاء واﻟﻀﺒﺎع ﻟﯿًﻼ. ﺣﺎ أﺛﻨﺎء اﻟﻠﯿﻞ ،ﻓﻔﻲ اﻟ ِ ∞∞∞∞∞ ﻛﺎن اﻟﯿﻮﻣﺎن اﻟﺘﺎﻟﯿﺎن ﻣﻠﯿﺌﯿﻦ ﺑﺎﻷﺣﺪاث ،ﺷﺮﻋﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻷول ﻓﻲ إﺻﻼح اﻟﮫﻮادج اﻟﺘﻲ ﺣﻄﻤﮫﺎ )ﻛﺮوﻧﻮس( وﺟﻨﻮده ﺣﺘﻰ أﻋﺪﻧﺎھﺎ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ،ﻛﻨﺖ ﺳﻌﯿًﺪا ﺑﻤﺎ ﺻﻨﻌﻨﺎه وأﻋﺎدﺗﻨﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻋﻤﺎل إﻟﻰ ذﻛﺮﻳﺎت اﻟﻨﺠﺎرة ﻓﻲ ﻧﺰﻟﻨﺎ اﻟﺴﺎﺑﻖ، ﻓﺎﺳﺘﯿﻘﻈﺖ ﻓﻲ ﺻﺒﺎح اﻟﯿﻮم اﻟﺜﺎﻧﻲ وﻗﺪ ﺗﻠﺒﺴﺘﻨﻲ روح أﺑﻲ )زﺧﺎري( اﻟﻨﺠﺎر وﻗﺪ ﺗﻔﺘﻖ ذھﻨﻲ ﻋﻦ ﺻﻨﻊ ﻋﺮﺑﺔ ﺧﺸﺒﯿﺔ ،ﺗﺤﻤﻞ ﻟﻨﺎ اﻷﺟﻮﻟﺔ وﺗﺠﺮھﺎ اﻷﺣﺼﻨﺔ ﺑﺪًﻻ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ،ﻋﻠﻰ ﻏﺮار اﻟﻌﺮﺑﺎت اﻟﺘﻲ رأﻳﺘﮫﺎ ﻓﻲ إدوم ،ﻗﻀﯿﺖ اﻟﯿﻮم ﻛﻠﻪ ﺤﺠﺮ( ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ رﻏﻢ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ أﻟﻮاح اﻟﺨﺸﺐ اﻟﻤﻼﺋﻤﺔ ﻓﻲ ﺳﻮق )اﻟ ِ زﺣﺎﻣﮫﺎ ،ﺻﻐﯿﺮة اﻟﺤﺠﻢ وﻻ ﺗﻘﺎرن ﺑﺴﻮق )ﺑﺼﺮى( اﻟﻤﮫﻮﻟﺔ ﻓﻲ إدوم ،اﺳﺘﺄذﻧﺖ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺎل ﻛﻲ أﺷﺘﺮي ﻣﺜﻘﺎﺑًﺎ ودﻗﻤﺎًﻗﺎ وﺣﺠًﺮا ﻟﻠﻜﺸﻂ، وﻣﺎ ﻳﻠﺰﻣﻨﻲ ﻣﻦ أﺣﺒﺎل وُدﺳﺮ ،ﻓﺄﻋﻄﺎﻧﻲ إﻳﺎھﺎ ،ﺗﻌﺎوﻧﺖ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ ﻧﻘﻞ اﻷﻟﻮاح اﻟﺘﻲ ﺟﻠﺒﻨﺎھﺎ إﻟﻰ ﺳﺎﺣﺔ ظﻠﯿﻠﺔ ﺧﻠﻒ اﻟﺘﻞ اﻟﺬي ﻧﻘﻄﻦ ﺑﻪ ،ﻛﻲ أﺑﺪأ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﺔ ،ﻗﻀﯿﺖ وﻗﺖ اﻟﻈﮫﯿﺮة ﻛﻠﻪ ﻓﻲ ﺗﻘﻄﯿﻊ اﻷﻟﻮاح وﻛﺸﻄﮫﺎ ﺑﺎﻟﺤﺠﺮ ﻓﻲ ﺣﻤﺎس ﺣﺘﻰ ﻣﺎﻟﺖ اﻟﺸﻤﺲ إﻟﻰ اﻟﻤﻐﯿﺐ ،اﻛﺘﺸﻔﺖ أﻧﻲ ﻟﻢ آﻛﻞ ﺷﯿﺌﺎ ﻓﻲ ﺧﻼل اﻟﯿﻮم ،وﻗﺪ ﺷﻌﺮت ﺑﻘﺮﺻﺎت اﻟﺠﻮع ﻓﻲ ﺑﻄﻨﻲ ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻓﻀﻠﺖ أن أﺗﺤﻤﻢ ﻗﺒﻞ أن آﻛﻞ ،ﻋﻠﻤﺖ أن ھﻨﺎك ﺣﻤﺎًﻣﺎ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﺒﺌﺮ ،ﻳﺴﺘﺤﻢ ﺑﻪ أھﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،ﻓﺮاﻗﺖ ﻟﻲ ﻓﻜﺮة أن أﻛﺎﻓﺊ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺘﺪﻟﯿﻞ ﺑﻌﺪ ھﺬا اﻟﯿﻮم اﻟﺸﺎق ،ﻧﻈﺮت إﻟﻰ ﻗﻄﻌﺘﻲ اﻟﻨﻘﻮد اﻟﻠﺘﯿﻦ ﺑﻘﯿﺘﺎ ﻣﻌﻲ ،ﻓﻘﺮرت أن أﺷﺘﺮي ﺑﺄﺣﺪھﻤﺎ طﻌﺎًﻣﺎ ،وأن أدﻓﻊ اﻷﺧﺮى ﻣﻘﺎﺑﻞ دﺧﻮل اﻟﺤﻤﺎم. وﺻﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﺤﻤﺎم اﻟﺬي ﺑﻨﻲ ﺑﺎﻟﺤﺠﺮ ﻓﻮﺟﺪﺗﻪ ﻣﻔﺘﻮ ً ﺣﺎ ،وﻗﺪ ﺟﻠﺲ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﺑﻪ رﺟﻞ ﺣﺒﺸﻲ ،ﻣﮫﻮل اﻟﺠﺴﺪ ،ﻏﻠﯿﻆ اﻟﻮﺟﻪ واﻟﺸﻔﺘﯿﻦ ،ﻳﺘﺸﻘﻖ ﺧﺪاه ﺑﻌﻼﻣﺎت ﺑََﺪ ْ ت ﻛﺎﻷﺧﺎدﻳﺪ ﻓﻲ ﺟﻠﺪه اﻟﺴﻤﯿﻚ ،دﻓﻌﺖ إﻟﯿﻪ ﻗﻄﻌﺔ اﻟﻨﻘﻮد ،ﻓﺄﺷﺎر إﻟﻰ ﺑﺎب ﺟﺎﻧﺒﻲ ﻗﺎﺋًﻼ: اذھﺐ إﻟﻰ اﻟﻤﺴﻠﺦ!ﻋﻠﻤﺖ أن اﻟﻤﺴﻠﺦ ھﻮ ﺣﺠﺮة واﺳﻌﺔ ﻣﻘﺴﻤﺔ إﻟﻰ ﻋﯿﻮن ﻳﺪﺧﻠﮫﺎ اﻟﻨﺎس ﻛﻲ ﺤﺠﺮ -ﻳﻌﻄﻲ ﻳﺨﻠﻌﻮا ﻓﯿﮫﺎ ﻣﻼﺑﺴﮫﻢ ،وﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﺑﺎﺑﮫﺎ رﺟﻞ ـﻳﺒﺪو أﻧﻪ ﻣﻦ أھﻞ اﻟ ِ ﻟﻠﺪاﺧﻞ إزاًرا ﻛﻲ ﻳﺴﺘﺘﺮ ﺑﻪ ،ﺧﻠﻌﺖ ﻣﻼﺑﺴﻲ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﯿﺤﺎء ﺛﻢ اﺳﺘﺘﺮت ص ﺷﺪﻳﺪ ﺧﺸﯿﺔ أن ﺗﻨﻔﻚ ،رأى اﻟﺮﺟﻞ ارﺗﺒﺎﻛﻲ ﺑﺎﻹزار ،وأﻧﺎ أﻣ ِ ﺴﻚ ﻋﻘﺪﺗﻪ ﺑﺤﺮ ٍ وﻓﮫﻢ أﻧﮫﺎ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﻤﺎم ،ﻓﺄﺷﺎر إﻟﻰ ﺣﺠﺮة داﺧﻠﯿﺔ وﻗﺎل: اذھﺐ إﻟﻰ اﻟﻤﻐﻄﺲ.دﺧﻠﺖ إﻟﻰ ﺣﺠﺮة ﻣﺘﺴﻌﺔ ﻳﺘﻮﺳﻄﮫﺎ ﺣﻮض ﻛﺒﯿﺮ ﻳﺘﺼﺎﻋﺪ ﻣﻨﻪ اﻟﺒﺨﺎر وﻗﺪ اﻣﺘﻸت أﻧﻔﻲ ﺑﺎﻟﺒﺨﺎر اﻟﺮطﺐ ،رأﻳﺖ ﻋﺪًدا ﻗﻠﯿًﻼ ﻣﻦ اﻷﺷﺨﺎص ﺑﺎﻟﻤﻐﻄﺲ ،وﻳﺒﺪو أﻧﮫﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﮫﺎﻳﺔ اﻟﯿﻮم ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻤﻜﺎن ،اﺧﺘﺮت رﻛًﻨﺎ ﻣﻨﺰوﻳًﺎ ،ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﺟﻠﺴﻮا ﻓﻲ ﺣﻮض اﻟﻤﻐﻄﺲ وﻗﺪ ﻏﻤﺮﺗﮫﻢ اﻟﻤﯿﺎه إﻟﻰ أﻋﻠﻰ ﺻﺪورھﻢ، ھﺒﻄﺖ اﻟﺪرج ،ﻓﻐﻤﺮﻧﻲ اﻟﻤﺎء اﻟﺪاﻓﺊ وﺷﻌﺮت ﺑﻪ ﻳﺘﺨﻠﻞ ﺟﺴﺪي ،ﻓﺠﻠﺴﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺮﺳﻲ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ وأﻧﺎ ﻓﻲ ﺣﺎل ﺑﯿﻦ اﻟﻄﻔﻮ واﻟﺴﻜﻮن ﺟﻌﻠﻨﻲ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﻨﺸﻮة واﻻﺳﺘﺮﺧﺎء ،ﻏﻤﺮت رأﺳﻲ ﺑﺎﻟﻤﺎء وﻣﻜﺜﺖ ﺗﺤﺖ ﺳﻄﺤﻪ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﺳﻤﺤﺖ ﺑﻪ أﻧﻔﺎﺳﻲ ،ﻓﺎﻣﺘﻸت أذﻧﻲ ﺑﺴﻜﻮن ﻣﺤﺒﺐ ،ﺣﺠﺐ ﻋﻦ رأﺳﻲ ﺻﺨﺐ اﻟﻌﺎﻟﻢ وﻧﻔﺾ ﻋﻨﮫﺎ زﺧﻢ اﻷﻓﻜﺎر ،أﻋﻄﺎﻧﻲ ﻋﺎﻣﻞ اﻟﻤﻐﻄﺲ ،ﺣﺠًﺮا ﻟﻠﺘﺪﻟﯿﻚ، ﻓﺄﺧﺬت أﻣﺤﻮ ﺑﻪ درن اﻟﺠﺴﺪ وﻣﺘﺎﻋﺐ اﻟﯿﻮم ﻓﻲ ﺳﻌﺎدة ﺑﺎﻟﻐﺔ. ﺛﻢ دﺧﻞ اﻟﻲ ﺣﺠﺮة اﻟﻤﻐﻄﺲ رﺟﻼن ،ﺑﺪا ﻋﻠﯿﮫﻤﺎ اﻟﻮﺟﺎھﺔ واﻷھﻤﯿﺔ ،وأﺛﺎرا ﺟﻠﺒﺔ ﻋﻨﺪ دﺧﻮﻟﮫﻤﺎ ،أﺳﺮع ﻋﺎﻣﻞ اﻟﻤﻐﻄﺲ ﺑﺈﻓﺴﺎح اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﮫﻤﺎ ،ﻓﻨﺰﻻ إﻟﻰ اﻟﻤﻐﻄﺲ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﻻ ﻳﺒﺘﻌﺪ ﻋﻨﻲ ﻛﺜﯿًﺮا ،ﻛﺎن اﻷول ﺑﺪﻳﻨﺎ ﺗﺘﮫﺪل أﺛﺪاؤه وﺗﺴﺘﻘﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﻄﻦ ﻋﻈﯿﻤﺔ ،أﻣﺎ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻜﺎن وﺳﻄًﺎ ﻓﻲ ﺣﺠﻤﻪ ،ﻳﻠﻤﻊ ﺷﻌﺮه اﻟﻤﺼﻔﻒ ﺑﺎﻟﺪھﻦ واﻟﺰﻳﺖ وﺗﻠﻤﻊ ﻋﯿﻨﻪ ذﻛﺎء ﺣﺘﻰ وھﻮ ﺻﺎﻣﺖ. ﻛﺎن اﻟﺮﺟﻼن ﻳﺘﺤﺪﺛﺎن ﺑﺼﻮت ﻋﺎل ﻓﻲ ﻧﻘﺎش ﺑﺪا أن وﺟﮫﺎت اﻟﻨﻈﺮ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻓﯿﻪ.ﻗﺎل اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺒﺪﻳﻦ وھﻮ ﻳﺒﻠﻞ ﻛﺘﻔﯿﻪ وﺻﺪره ﺑﺎﻟﻤﺎء: ھﻠﻚ )اﻟﺤﺎرث( وﺗﺮك ﺧﻠﻔﻪ ﻏﻼًﻣﺎ ﻳﮫﯿﻢ ﻓﻲ ﺑﺤﻮر اﻟﺸﻌﺮ وﻻ ﻳﻠﺘﻔﺖ ﻷﻣﺮاﻟﺒﯿﺖ ،ﻟﻮ ﻛﺎن )اﻟﺤﺎرث( ﺣﯿﺎ ﻣﺎ ﺟﺮؤت ﻗﺒﯿﻠﺔ ﺧﺰاﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺎزﻋﺔ ) ُ ﺟﺮھﻢ( ﻓﻲ أﻣﺮ اﻟﺒﯿﺖ. اﻟﺘﻘﻄﺖ أذﻧﻲ اﺳﻢ )ﺟﺮھﻢ( وﺗﺬﻛﺮت ﺣﺪﻳﺚ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻣﻌﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻋﻦ اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ أﻣﺮ اﻟﺒﯿﺖ ﻓﻲ ﺑﻜﺔ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﻋﺮف ﻣﻦ ھﻲ ﺧﺰاﻋﺔ. ﻗﺎل اﻟﺮﺟﻞ ذو اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻤﻨﻤﻖ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﻣﺤﺴﻮب اﻟﻜﻠﻤﺎت: ﻟﻘﺪ وﻟﱠﻰ ﻋﮫُﺪ )ﺟﺮھﻢ( وأﻗﺒﻞ ﻋﮫﺪ )ﺧﺰاﻋﺔ( اﺣﻤﺮ وﺟﻪ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺒﺪﻳﻦ ،وﻗﺎلﻓﻲ ﺣﺪة: أي ﺳﻔﻪ ھﺬا!ﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﺒﻨﻲ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( وأﺧﻮاﻟﮫﻢ ﻣﻦ )ﺟﺮھﻢ( أن ﻳﺘﺮﻛﻮا أﻣﺮ اﻟﺒﯿﺖ لـ)ﺧﺰاﻋﺔ(! ﻗﺎل اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ھﺪوء وھﻮ ﻳﻤﻂ ﺷﻔﺘﯿﻪ: ﻒ واﺣﺪ ،ﻓﻘﺪ ﺳﺨﻂ ﺑﻨﻮ ﻻ ﺗﻀﻊ ﺑﻨﻲ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( و)ﺟﺮھﻢ( ﻓﻲ ﺣﻠ ٍ)إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﻋﻠﻰ )ﺟﺮھﻢ( ﺑﻌﺪﻣﺎ وﻗﻊ ﻣﻦ أﻣﺮ )إﻳﺴﺎف( و)ﻧﺎﺋﻠﺔ(. ﺑﺪا ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺟﻞ أﻧﻪ ﻻ ﻳﻌﺮف ﺷﯿًﺌﺎ ﻋﻦ ھﺬا اﻷﻣﺮ ﻓﻘﺎل: ﻣﻦ ھﻤﺎ )إﻳﺴﺎف( و)ﻧﺎﺋﻠﺔ(؟ﻧﻈﺮ اﻟﺮﺟﻞ ﺣﻮﻟﻪ وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻳﺘﺤﺮج ﻣﻤﺎ ﺳﯿﻘﻮﻟﻪ ،ﻓﺄﺑﻌﺪت ﺑﺼﺮي ﻋﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ أﻧ ّﻲ أﻟﻘﻲ اﻟﺴﻤﻊ ﻋﻠﻰ ﺣﺪﻳﺜﮫﻤﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻳﻘﺎل إن رﺟًﻼ ﻣﻦ )ﺟﺮھﻢ( اﺳﻤﻪ )إﻳﺴﺎف( ،ﻗﺪ ﻋﺸﻖ ﻓﺘﺎة ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮباﺳﻤﮫﺎ )ﻧﺎﺋﻠﺔ( وأﻧﮫﻤﺎ ﻛﺎﻧﺎ ﻳﺘﻮاﻋﺪان ﺳﺮا. اﺳﺘﺨﻒ اﻟﺮﺟﻞ ﺑﻜﻼﻣﻪ وﻗﺎل: وﻣﺎذا ﻓﻲ ذﻟﻚ ،إن ﻗﺼﺺ اﻟﻌﺸﺎق ﺗﺮوى ﻟﯿﻞ ﻧﮫﺎر ﻓﻲ أﺷﻌﺎر اﻟﻤﺎﺟﻨﯿﻦ ﻓﻲأﺳﻮاق ﺑﻜﺔ. ھﺰ اﻟﺮﺟﻞ رأﺳﻪ وﻗﺎل: اﻷﻣﺮ ﻣﺨﺘﻠﻒ ،ﻓﺎﻟﻨﺎس ﺗﻘﻮل إن )إﻳﺴﺎف( ﻗﺪ واﻋﺪ )ﻧﺎﺋﻠﺔ( ذات ﻟﯿﻠﺔ ،واﺧﺘﺒﺄﻣﻌﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﻜﻌﺒﺔ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻔﺘﻀﺢ أﻣﺮھﻤﺎ ،وﺑﻌﺪ أن ﻟﻌﺒﺖ اﻟﺨﻤﺮ ﺑﺮأﺳﯿﮫﻤﺎ وﻗﻊ ﻋﻠﯿﮫﺎ داﺧﻞ اﻟﻜﻌﺒﺔ وَﻓ َ ﺠَﺮ ﺑﮫﺎ ،وﺑﻌﺪ أن ﺧﺮﺟﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﻌﺒﺔ ،اﻧﻘﻀﺖ ﻋﻠﯿﮫﻤﺎ ﺻﺎﻋﻘﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺼﻔﺎ واﻟﻤﺮوة ،ﻓﻤﺴﺨﺘﮫﻤﺎ ﺣﺠﺮﻳﻦ ھﻨﺎك ،واﻟﻨﺎس ﻳﺨﺸﻮن ﻣﻦ أن ﺗﺤﻞ اﻟﻠﻌﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻜﺔ ﺑﻤﺎ ﻓﻌﻠﻪ رﺟﻞ ﻣﻦ )ﺟﺮھﻢ(. اﺗﺴﻌﺖ ﻋﯿﻨﺎ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺒﺪﻳﻦ ﻟﺤﻈﺎت ،ﺛﻢ اﻧﻔﺠﺮ ﺿﺎﺣ ً ﻜﺎ وﻗﺪ ارﺗﺠﺖ أﺛﺪاؤه ﻣﻊ ﺻﺪى ﻗﮫﻘﮫﺘﻪ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻟﻌﻤﺮي إﻧﮫﺎ ﻟﻜﺬﺑﺔ اﺑﺘﺪﻋﺘﮫﺎ ﺧﺰاﻋﺔ ﻛﻲ ﺗﺆﻟِ ّﺐ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ )ﺟﺮھﻢ(!ﺛﻢ ھﱠﺰ رأﺳﻪ ﻏﯿﺮ ﻣﺼﺪق ،وﻗﺎل وھﻮ ﻣﺴﺘﻤﺮ ﻓﻲ اﻟﻀﺤﻚ: أي ﺷﯿﻄﺎن أوﺣﻰ إﻟﯿﮫﻢ ﺑﺄن ﻳﻀﻌﻮا ﺣﺠﺮﻳﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﺼﻔﺎ واﻟﻤﺮوة ﻓﻲ اﻟﻠﯿﻞ ﺛﻢﻳﺄﺗﻲ أﺣﺪھﻢ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ﻓﯿﺮوي ﻟﮫﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺼﺔ اﻟﺒﺬﻳﺌﺔ. ﺛﻢ ﻋﻼ ﺿﺤﻜﻪ أﻛﺜﺮ وھﻮ ﻳﻘﻮل: أو ﻟﻌﻠﮫﻢ اﺗﻔﻘﻮا ﻣﻊ اﻟﺸﺎب اﻟﻌﺎﺷﻖ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺬﺑﺔ ﻛﻲ ﻳﻔﺮّ ﺑﻤﺤﺒﻮﺑﺘﻪ!ﺗﺒﺮم اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻤﻨﻤﻖ ﻣﻦ ﺿﺤﻜﻪ وﻗﺎل: أﻳﺎ ﻣﺎ ﻳﻜﻦ ،ﻟﻘﺪ اﻓﺘﺘﻦ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﻘﺼﺔ ،وﺳﺎر أﺗﺒﺎع )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( اﻟﺨﺰاﻋﻲﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس وھﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮن إن اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ذﻟﻚ ھﻮ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( اﻟﺠﺮھﻤﻲ اﻟﺬي أذھﺐ ﻋﻘﻮل اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﺨﻤﺮ واﻟﺸﻌﺮ ،ووﺟﺪ اﺑﻦ ﻟﺤﻲ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻳﺒﻐﻲ اﻟﻔﺘﻨﺔ وﻳﻨﺘﻈﺮ أن ﺗﺪور ﻋﻠﻰ )ﺟﺮھﻢ( اﻟﺪواﺋﺮ. ﺻﻤﺖ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺒﺪﻳﻦ ﻋﻦ ﺿﺤﻜﻪ ،ﺛﻢ ﻋﺒﺲ وﺟﮫﻪ وھﻮ ﻳﻘﻮل: أﺗﻮﻗﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﺴﺔ ﻣﻨﻪ ،ﻓﻜﻢ ﻛﺮھﺖ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﻟﺨﺒﺜﻪ!ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﺟﺪﻳﺔ: اﺳﻤﻊ ﻳﺎ )زﺑﯿﺪ( ﻻ ﺑﺪ أن ﻧﺨﺮج ﻟﻠﺤﺞ ھﺬا اﻟﻌﺎم ،ﻓﻈﻨﻲ أن )ﺧﺰاﻋﺔ( ﺳﺘﺘﺤﺎﻟﻒﻣﻊ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﻌﺮب ﻟﺪﺣﺮ )ﺟﺮھﻢ( وﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻨﺎ أن ﻧﺘﯿﺢ ﻟﮫﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺮﺻﺔ. ﻗﺎل اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻤﻨﻤﻖ اﻟﺬي ﻋﻠﻤﺖ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ أن اﺳﻤﻪ )زﺑﯿًﺪا(: أﺗﻨﺼﺮ )ﺟﺮھﻢ( ﻋﻠﻰ )ﺧﺰاﻋﺔ( ،وأﻧﺖ )اﻟﻐﻮث( ﺳﯿﺪ ﻗﺒﯿﻠﺔ )طﯿﺊ( وﺑﯿﻨﻚ وﺑﯿﻦ)ﺧﺰاﻋﺔ( ﻋﮫﺪ؟ ﻗﺎل اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ﺣﺴﻢ: ﺑﻞ أﻧﺼﺮ دﻳﻦ )إﺑﺮاھﯿﻢ(!ﻓﻮﷲ ﻟﻮ ﺗﻢ اﻷﻣﺮ لـ)ﺧﺰاﻋﺔ( ﻟﺒﺪﻟﻮا دﻳﻦ )إﺑﺮاھﯿﻢ( ﺣﺴًﺪا ﻣﻦ ﻋﻨﺪ أﻧﻔﺴﮫﻢ وﺣﻘًﺪا ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ(! ﻣﻂ )زﺑﯿﺪ( ﺷﻔﺘﯿﻪ وﻗﺎل: اﻷﻣﺮ ﻟﻚ ﻳﺎ ﺳﯿﺪ ﻗﺒﯿﻠﺔ طﯿﺊ.وﻟﻢ أﺳﺘﻄﻊ أن أﺑﻘﻰ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻓﺨﺮﺟﺖ ﻣﻦ اﻟﻤﻐﻄﺲ ﺛﻢ ﺟﻔﻔﺖ ﺟﺴﺪي وﻛﻠﻲ ﺷﻮق إﻟﻰ أن أﺟﻠﺲ إﻟﻰ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،ﻛﻲ أﻗﺺ ﻋﻠﯿﻪ ھﺬه اﻟﻘﺼﺺ. ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ﻛﻨﺖ أﺟﻠﺲ إﻟﻰ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ووﻟﺪه )دوﻣﺔ( ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺣﺔ اﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﺤﺠﺮة اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( وﻗﺪ ﺧﯿﻢ اﻟﻮﺟﻮم واﻟﺤﺰن ﻋﻠﯿﮫﻤﺎ ،ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: ظﻨﻨﺎ أن )اﻟﺤﺎرث( ﺳﯿﺼﻠﺢ ﻣﺎ أﻓﺴﺪﺗﻪ )ﺟﺮھﻢ( ،وﻟﻜﻦ اﻟﻘﺪر ﻟﻢ ﻳﻤﮫﻠﻪ.ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻓﻲ ﺷﻔﻘﺔ وﻏﻀﺐ: ﺣﺰﻧﻲ ﻋﻠﻰ وﻟﺪه )ﻋﻤﺮو(!ﻻ ﻳﺰال ﻓًﺘﻰ ﻳﺎﻓًﻌﺎ ،وﻟﻦ ﻳﺼﻤﺪ أﻣﺎم ﻣﻜﺮ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ(! ﺛﻢ أردف ﻓﻲ ﺣﻤﺎس: ﻳﺠﺐ أن ﻧﺠﻤﻊ ﺑﻨﻲ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﺧﻠﻒ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﻳﺎ أﺑﺘﺎه.أطﺮق اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺻﺎﻣًﺘﺎ ﻟﺤﻈﺎت ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﺒﻨﻲ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( أن ﻳﻘﺎﺗﻠﻮا ﻷﻣﺮ ﻣﻦ أﻣﻮر اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻳﺎ وﻟﺪي!ﻗﺎل )دوﻣﺔ( ﻓﻲ دھﺸﺔ: وﻟﻜﻨﻪ أﻣﺮ ﻣﻦ أﻣﻮر اﻟﺪﻳﻦ ﻳﺎ أﺑﺘﺎه) ،ﺟﺮھﻢ( ھﻢ وﻻة اﻟﺒﯿﺖ!ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: وﻟﻜﻨﮫﻢ ﻟﻢ ﻳﺆدوا ﺣﻖ اﻟﺒﯿﺖ!ﺗﻨﮫﺪ )دوﻣﺔ( ﺛﻢ ﻗﺎل: أﻳﺎ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻮه ﻳﺎ أﺑﺘﺎه ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﻓﮫﻮ أھﻮن ﻣﻦ أن ﺗﻠﻲ )ﺧﺰاﻋﺔ( أﻣﺮ اﻟﺒﯿﺖ.وﺟﺪﺗﻨﻲ أﺷﺘﺮك ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻘﻠﺖ: ﻟﻘﺪ ﺳﻤﻌﺖ )اﻟﻐﻮث( ﻳﻘﻮل إﻧﮫﻢ ﺳﯿﺒﺪﻟﻮن دﻳﻦ )إﺑﺮاھﯿﻢ( إذا ﻣﺎ ﺗﻮﻟﻮا أﻣﺮاﻟﺒﯿﺖ ،أﺣﻖ ھﺬا ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(؟ ﺗﻨﮫﺪ ﺛﻢ ﻗﺎل: ذﻟﻚ رﺟ ٌﻢ ﺑﺎﻟﻐﯿﺐ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ،وﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﺣﺴٍﺪ ﺑﯿﻦ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ. ﻗﺎل )دوﻣﺔ( ﻣﺪاﻓًﻌﺎ: وﻟﻜﻦ اﻟﻌﺮب ﺗﻌﻠﻢ أن )ﺧﺰاﻋﺔ( ﻟﻢ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ دﻳﻦ )إﺑﺮاھﯿﻢ( إﻻ ﻣﻦ أﺟﻞاﻟﺰﻋﺎﻣﺔ! ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: وھﻞ ﺗﺒﻐﻲ )ﺟﺮھﻢ( ﻏﯿﺮھﺎ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ؟!ﻟﻢ أﻓﮫﻢ ﺣﺘﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ،ﻟﻤﺎذا ﻳﺮﻓﺾ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻧﺼﺮة )ﺟﺮھﻢ( ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻳﺘﺤﻤﺲ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻟﺬﻟﻚ ،وﺑﺪا ﻟﻲ أن ھﻨﺎك ﻣﻦ اﻟﺘﻔﺎﺻﯿﻞ ﻣﺎ أﺟﮫﻠﻪ، ووﺟﺪﺗﻨﻲ أﺳﺄل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: -ھﻞ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻘﻊ اﻟﺤﺮب ﻓﻲ ﺑﻜﺔ ﻳﺎ ﺳﯿﺪي؟! ﺑﺎن ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ اﻻﻧﺰﻋﺎج ،وﺻﻤﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ ﻗﺎل: اﻟﺤﺮب ﻓﺘﻨﺔ ﻳﺎ ﻏﻼم ،واﻟﻘﺘﺎل ﻓﻲ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺤﺮام أﻣﺮ ﻛﺒﯿﺮ ،أﺳﺄل ﷲ أﻻ ﺗﺮاقدﻣﺎء ﻓﻲ ﺑﻜﺔ. وﻳﺒﺪو أن ﺳﺆاﻟﻲ ﻗﺪ أﺛﺎر ﻗﻠًﻘﺎ ﻟﺪﻳﻪ ﻓﻘﺎم واﻗًﻔﺎ وﻗﺎل: ھﯿﺎ ﻳﺎ )دوﻣﺔ( ﻛﻲ ﻧﻨﺎم ،وﻏًﺪا ﻧﺬھﺐ أﻧﺎ وأﻧﺖ إﻟﻰ ﺑﯿﺖ )اﻟﻐﻮث( وﻟﻌﻠﻨﺎ ﻧﻌﻠﻢﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻳﺨﻠﻒ ﺳﻮء ظﻨﻨﺎ. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ واﻟﺜﻼﺛﻮن اﺳﺘﯿﻘﻈ ُ ﺖ ﻣﺒﻜًﺮا ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ،وﻗﺪ ﻋﺰﻣﺖ أن أﻓﺮغ ﻣﻦ ﺻﻨﻊ اﻟﻌﺮﺑﺔ ،أﺧﺬت ﻗﺮﺑﺔ اﻟﻤﺎء وﻓﻄﯿﺮة ﻣﺤﻼة ﺑﺎﻟﻌﺴﻞ أﺑﻘﯿﺘﮫﺎ ﻣﻦ طﻌﺎم اﻷﻣﺲ ﺛﻢ ھﺒﻄﺖ ﻣﻦ اﻟﺘﻞ وذھﺒﺖ إﻟﻰ اﻟﺴﺎﺣﺔ اﻟﺘﻲ وﺿﻌﺖ ﺑﮫﺎ اﻷﻟﻮاح واﻷدوات ﺑﺠﻮار ﺻﺨﺮة ﻛﺒﯿﺮة ،ﻛﺎن اﻟﺠﻮ ﺻﺤًﻮا ﺟﻤﯿًﻼ وﻗﺪ زاد ﻣﻦ ﺻﺤﻮه ﻧﺴﻤﺎت اﻟﺼﺒﺎح اﻟﻠﻄﯿﻔﺔ اﻟﺘﻲ ھﺒﱠﺖ ﻣﻦ ﻞ اﻟﺘﻲ اﻣﺘﺪت ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﺣﺔ أﻣﺎﻣﻲ ،ﺷ ﱠ ﻤﺎل ،وظﻼل اﻟﺘ ِ ّ ﺔ اﻟﺸ َ ﻤﺮت ﺟﮫ ِ ﺳﺎﻋﺪي ،وﺣﱠﺰﻣﺖ ﺟﻠﺒﺎﺑﻲ ،وﺑﺪأت ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ھﻤﺔ وﺣﻤﺎس ،ﺛﻘﺒﺖ اﻷﻟﻮاح ﻣﻦ أطﺮاﻓﮫﺎ ﺑﺎﻟﻤﺜﻘﺎب واﻟﺪﻗﻤﺎق ،وﻛﻨﺖ ﻣﻊ ﻛﻞ طﺮﻗﺔ أﺗﺬﻛﺮ أﺑﻲ ﻓﻲ ﻣﺸﺎھﺪ ﻋﺪة ،ﺗﺎرة وھﻮ ﻳﺼﻨﻊ أﻋﻤﺪة ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ،وﺗﺎرة وھﻮ ﻳﻨﺤﺖ ﺗﺎﺑﻮت اﻟﻌﮫﺪ وﺛﺎﻟﺜﺔ وھﻮ ﻳﺼﻨﻊ ﻛﻮﺧﻨﺎ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻋﺎﻣًﺮا ﺑﺎﻟﻤﺤﺒﺔ واﻟﻮد ﻓﻲ واﺣﺔ »رﻓﯿﺪﻳﻢ«، وﺑﻌﺪ أن ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻦ ﺛﻘﺐ اﻷﻟﻮاح ﻗﻤﺖ ﺑﺮﺻﮫﺎ ﺟﻨﺒًﺎ إﻟﻰ ﺟﻨﺐ ،ﺛﻢ ﺟﻤﻌﺘﮫﺎ ﺑﺎﻷﺣﺒﺎل ﻗﺒﻞ أن أﺣﻜﻤﮫﺎ ﻣﻦ زواﻳﺎھﺎ وﺟﻮاﻧﺒﮫﺎ ﺑﺎﻟ ّ ﺪﺳﺮ ﺣﺘﻰ ﺻﺎرت ﻛﻤﺤﻔﺔ ﻛﺒﯿﺮة ﻣﺘﯿﻨﺔ ،أردت ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أن أرﻓﻌﮫﺎ ﻛﻲ أﺿﻊ ﻟﮫﺎ اﻟﻘﻮاﺋﻢ اﻟﺘﻲ ﺳﺘﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺠﻼت ،ﻓﺠﻤﻌﺖ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﺠﺎر ووﺿﻌﺘﮫﺎ ﻓﻮق ﺑﻌﺾ ،ﺛﻢ رﻓﻌﺖ اﻟﻤﺤﻔﺔ ﻣﻦ أﺣﺪ ﺟﺎﻧﺒﯿﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻷﺣﺠﺎر ووﺿﻌﺖ ﺟﺎﻧﺒﮫﺎ اﻵﺧﺮ ﻓﻮق اﻟﺼﺨﺮة. وﻗﻔﺖ أﻟﮫﺚ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﮫﻮد اﻟﺬي ﺑﺬﻟﺘﻪ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻷﻟﻮاح ﺑﻌﺪ ﺗﺠﻤﯿﻌﮫﺎ ﺛﻘﯿﻠﺔ، وﺧﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻟﻲ طﯿﻒ )رام( اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺴﺎﻋﺪ أﺑﻲ ﻓﻲ ﺻﻨﻊ اﻟﺼﻨﺎدﻳﻖ، وﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﻔﺨﺮ أﻧﻲ ﻗﺪ ﻗﻤﺖ ﺑﮫﺬا اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻌﻈﯿﻢ وﺣﺪي دون ﻣﺴﺎﻋﺪة! ﻓﺘﺤﺖ ﻗﺮﺑﺔ اﻟﻤﺎء وﺷﺮﺑﺖ دﻓﻘﺘﯿﻦ ﻣﻨﮫﺎ ،وﻣﺎ أن وﺿﻌﺘﮫﺎ ﻋﻦ ﻓﻤﻲ ﺣﺘﻰ رأﻳﺘﮫﺎ ﺗﻘﻒ أﻣﺎﻣﻲ. ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺎﺣﺒًﺔ واھﻨﺔ ،وﻗﺪ ﺗﻀﺎءل ﺟﺴُﺪھﺎ ﻋﻦ ذي ﻗﺒﻞ ،ﺗﻨﻈﺮ إﻟ ﱠ ن ﻲ ﺑﻌﯿﻮ ٍ ﺑﺎﻛﯿﺔ ،ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ اﻟﻠﻮم وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﻘﻮل ﻟﻲ »ﻛﯿﻒ اﻧﺸﻐﻠﺖ ﻋﻨﻲ وﺗﺮﻛﺘﻨﻲ ﻓﻲ أﺣﺰاﻧﻲ؟ « أﻟﻘﯿﺖ اﻟﻘﺮﺑﺔ ﺟﺎﻧﺒًﺎ ،واﻧﺪﻓﻌﺖ إﻟﯿﮫﺎ ﻣﻠﮫﻮًﻓﺎ ،اﺣﺘﻀﻨُﺘﮫﺎ ﻓﻲ ﻗﻮة ﺑﻼ إﺣﺠﺎم وﻻ ھ ُ ت ﻗﻠﺒﮫﺎ اﻟ ُ ﻲ ﺷﺘﺎ َ ﺐ ﺑﺨﻔﻘﺎن ﻗﻠﺒﻲ دﺑﯿﺐ ﻤﺒﻌَﺜﺮ ،وأَ ِ ﺗﺮﱡدد ،أﻟﻤِﻠﻢ ﺑﯿﻦ ذراﻋ ّ اﻟﺤﯿﺎة ﻟﻔﺆاِدھﺎ اﻟﻤﻜﺴﻮر ،ﺗﺘﺎﺑَﻌﺖ أﻧﻔﺎ ُ ﻖ ﻳﺘﻠﱠﻘﻒ أﻧﻔﺎﺳﻪ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ،ﻗﺒﻞ ﺳﮫﺎ ﻛﻐﺮﻳ ٍ أن ﺗﺸﮫﻖ ﺑﺎﻛﯿًﺔ ﺑﺄﻧﻔﺎس ﻣﺤﺘﺮﻗﺔ ،أﺣﺴﺴ ُ ﺖ ﻟﮫﯿﺒَﮫﺎ ﻓﻲ ﺻﺪري ،ﺗﺮﻛُﺘﮫﺎ ﺗﺒﻜﻲ ﺖ ،ﻓﻘﺪ ﻋﻠﱠﻤﺘﻨﻲ أوﺟﺎ ُ ﺣﺘﻰ اﺑﺘﻞ ﻛﺘﻔﻲ ﺑﺪﻣﻮﻋﮫﺎ ،وﻟﺬ ُ ع اﻟﺤﯿﺎة أن ت ﺑﺎﻟﺼﻤ ِ ﻟﻠ ُ ن ﻧﺼﯿﺒَُﻪ ﻣﻦ اﻟﺒﻜﺎء اﻟﺬي ﻻ ﺗﺤِﺒﺴﻪ اﻟﻜﻠﻤﺎت ،وأن ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺘﻌﺎزي ﻻ ﺗﻘﻒ ﺤﺰ ِ أﻣﺎم طﻮﻓﺎن اﻟﺪﻣﻮع اﻟﮫﺎدرة ﻓﻲ ذروة اﻷﺣﺰان ،وﺧﯿٌﺮ ﻟﻘﺎﺋﻠﮫﺎ أن ﻳﺒﺬﻟَﮫﺎ ﺣﯿﻦ ﺠﻒ اﻟﻤﺂﻗﻲ ،وﺗﻨﺤﺴﺮ اﻷﻣﻮاج. ﺗ ِ أﺟﻠﺴﺘﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﺨﺮة إﻟﻰ ﺟﻮاري ،وأﺧﺬت أﻧﻈﺮ إﻟﯿﮫﺎ وھﻲ ﺗﺠﻔﻒ دﻣﻮﻋﮫﺎ ﺑﺮاﺣﺘﯿﮫﺎ ،ﻧﻈﺮة اﺧﺘﻠﻔﺖ ﻋﻦ ذي ﻗﺒﻞ ،ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻧﻈﺮة اﻟﺼﺒﻲ اﻟﺬي ﻓﺎرق َرھ َ ﻖ ُ ﺔ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﮫﺎ أﻧﺜﻰ ،ﻻ ﺳﯿﻤﺎ اﻟﺼﺒﺎ إﻟﻰ ﺛﻮرة اﻟﺸﺒﺎب ،ﺗﻀﻄﺮب ﻣﺸﺎﻋﺮه ﻟﻜﻞ ﺧﻠﺠ ٍ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻷﻧﺜﻰ ھﻲ اﻟﻤﺮأة اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﺘﻲ رآھﺎ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻪ ﻏﯿﺮ أﻣﻪ ،ﺑﻞ ﺻﺎرت ﻧﻈﺮة رﺟﻞ ﻳﺮى اﻣﺮأة ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﮫﺎ ﻗﻠﺒﻪ ،أْﻓ َ ﻀﺖ إﻟﯿﻪ ﺑﻤﻜﻨﻮن ﻗﻠﺒﮫﺎ ،ﻓﺨﻠﻌﺖ ﻋﻨﻪ ﻋﺒﺎءة اﻟﺼﺒﺎ ،ووھﺒﺘﻪ ﻗﻮاﻣًﺔ ﻻ ﻳﺤﻤﻠﮫﺎ إﻻ رﺟﻞ! ﻗ ﱠ ﺴﻤﺖ ﻓﻄﯿﺮة اﻟﻌﺴﻞ ﺷﻄﺮﻳﻦ ﻓﻤﻨﺤﺘﮫﺎ ﺷﻄًﺮا وﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ: ﺗﺄﻛﻠﯿﻦ؟!أﻧﺎ ﻟﻢ آﻛﻞ ﻣﻨﺬ اﻟﺼﺒﺎح! ﺗﻨﺎوﻟﺘﮫﺎ ﻣﺘﺜﺎﻗﻠﺔ وﻗﺎﻟﺖ: وأﻧﺎ ﻟﻢ آﻛﻞ ﻣﻨﺬ أﺗﯿﻨﺎ إﻟﻰ ھﻨﺎ ،وﻣﺎ زاﻟﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﺗََﻌﺎ ُف اﻟﻄﻌﺎم! ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ ﻣﺸﺠًﻌﺎ: ُﻛِﻠﻲ!ﺖ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﻘﻮة ﻛﻲ ﺗﺘﺤﻤﻠﻲ اﻟﺴﻔﺮ إﻟﻰ ﺑﻜﺔ! ﻓﺄﻧ ِ ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ: وﻣﺘﻰ اﻟﺴﻔﺮ إﻟﻰ ﺑﻜﺔ؟ﻟﻢ أﻗﺺ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ أﻣﺮ )ﻋﺪﻧﺎن( اﻟﺤﺪاد وﻟﻢ أﺷﺄ ﻛﺬﻟﻚ أن أزﻋﺠﮫﺎ ﺑﺄﺧﺒﺎر ﺑﻜﺔ اﻟﻤﺤﺰﻧﺔ ﻓﺄﺟﺒﺖ: ﻻ أﻋﻠﻢ ،وﻟﻜﻨﻲ أظﻦ أن إﻗﺎﻣﺘﻨﺎ ھﻨﺎ ﺳﺘﻤﺘﺪ ﻷﺳﺎﺑﯿﻊ.ﺗﻨﮫﺪت ،ﺛﻢ ﻗﻀﻤﺖ ﻗﻀﻤﺔ ﺑﺴﯿﻄﺔ ﻣﻦ ﺷﻄﯿﺮة اﻟﻌﺴﻞ. ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ: ﻗﺪ ﺣﺪﺛﻨﻲ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻋﻦ أﻣﺮ ﻟﻢ أﺳﻤﻊ ﻋﻨﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﺳﻤﻪ )اﻟﻘﺪر(،أﺳﻤﻌﺖ ﻋﻨﻪ ﻳﺎ )أروى(؟ اﺑﺘﺴﻤﺖ ﻓﻲ ﺟﮫﺪ وﻗﺎﻟﺖ: أﺳﻤﻌﻪ وأراه ،وأﻋﯿﺸﻪ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(.ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ وأﻧﺎ أﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﻋﯿﻨﯿﮫﺎ ﻣﺒﺎﺷﺮة: ﻚ …. أﺗﺪرﻳﻦ ﻳﺎ )أروى( أﻧ ِارﺗﺠﻔﺖ ﺷﻔﺘﺎي ﻓﺼﻤ ﱡ ﻲ وﻗﺎﻟﺖ: ﺖ وﻟﻢ أﻧﻄﻖ ،ﻓﻨﻈﺮت إﻟ ّ -أَﻧِ ّﻲ ﻣﺎذا؟ ﺧﺮج ﺻﻮﺗﻲ ﻣﺮﺗﺠًﻔﺎ ﺧﻔﯿ ً ﻀﺎ وأﻧﺎ أﻗﻮل: أﻧﻚ ﻗﺪري.أﻏﻤﻀﺖ ﻋﯿﻨﯿﮫﺎ وﻛﺄﻧﻤﺎ أﺳﻜﺮﺗﮫﺎ اﻟﻜﻠﻤﺔ ،ﻓﺎﻧﺤﻠﱠﺖ ُﻋﻘﺪة ﻟﺴﺎﻧﻲ وﻗﻠﺖ: ﻄﺮ ﻓﯿﮫﺎ اﺳ ُ ﻧﻌﻢ ،ﺣﯿﻦ أﻧﻈﺮ إﻟﯿﻚ أرى ﺻﺤﯿﻔﺔ أﻗﺪاري وﻗﺪ ُﻤﻚ! ﺳ ِ أﻟﻢ ﺗﺠﻤﻌﻨﺎ اﻷﻗﺪار ﺻﻐﺎًرا ﺛﻢ ﺟﻤﻌﺘﻨﺎ ﻛﺒﺎًرا؟! ﺖ أول ﻣﻦ رأﻳﺘﻪ ﺣﯿﻦ أﻓﻘﺖ ﺑﻌﺪ أن أﺷﺮﻓﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﮫﻼك ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳﺔ؟! ﺖ أﻧ ِ أﻟﺴ ِ أﺷﻌﺮ أﺣﯿﺎﻧًﺎ أن اﻟﺮب ﻗﺪ أﻣﺮ أﺑﻲ ﺑﺎﻟﮫﺠﺮة إﻟﻰ )ر ﱠ ﺳﺔ( ،ﻻ ﻟﺸﻲء ،إﻻ ﻛﻲ أراك! وﺗﺤﺪﺛﻨﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﺄﻧِ ّﻲ ﻣﺎ ﺗﺒﻌﺖ ﺟﯿﺶ )ﻋﻔﺮة( ﺑﺈرادﺗﻲ! وإﻧﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﺳﯿﺮ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﻰ ﻣﺴﺤﻮرة ﻛﻲ أﻟﻘﺎك. ﺛﻢ ﻗﻠﺖ وﻗﺪ اﺧﺘﻨﻖ ﺻﻮﺗﻲ: ﻲ ﻋﻠ ﱠ ﻲ ﻛﻤًﺪا وﺣﺰﻧًﺎ ﺻﺪﻗﯿﻨﻲ أﻳﺘﮫﺎ اﻟﺼﻐﯿﺮة ﻟﻮﻻ وﺟﻮدك ﺑﺤﯿﺎﺗﻲ اﻵن ،ﻟُﻘ ِﻀ َ ﻋﻠﻰ ﻓﺮاق أﻣﻲ ،وﻟﻜﻨﮫﺎ »أﻟﻄﺎف اﻟﻘﺪر« ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل ﺟﺪك! ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻣﻨﺤﺘﻨﻲ أﺳﺒﺎﺑًﺎ أﺧﺮى ﻛﻲ أﺗﺸﺒﺚ ﺑﺎﻟﺤﯿﺎة. ﻛﺎﻧﺖ ﻋﯿﻮﻧﮫﺎ ﺗﺬرف دﻣًﻌﺎ ﺻﺎﻣًﺘﺎ ﻓﻘﻠﺖ ﻟﮫﺎ وأﻧﺎ أﻣﺴﺢ دﻣﻮﻋﮫﺎ: ﻟﻦ أﻧﺘﻈﺮ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮد أﺑﻮك ،ﺳﺄﺗﺤﺪث إﻟﻰ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،وإن ﺷﺌﺖ ﺗﺤﺪﺛﺖإﻟﻰ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( أو إﻟﻰ أﺧﯿﻚ )ﻟﯿﺚ( ،ﻓﺄﻧﺎ أود أن أﺧﻄﺒﻚ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﻳﺎ )أروى(. وﺿﻌﺖ ﻳﺪھﺎ ﻋﻠﻰ ﻓﻤﻲ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﺮﻳﺪﻧﻲ أن أﺗﻮﻗﻒ ﻋﻦ اﻟﻜﻼم وﻗﺎﻟﺖ ﺣﺰﻳﻨﺔ: ﻛﻼ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﺻﺪﻣﺘﻨﻲ ﻛﻠﻤﺎﺗﮫﺎ وﻣﺎدت ﺑﻲ اﻷرض ﻟﺤﻈﺔ ﻗﺒﻞ أن أردد ﻛﻠﻤﺘﮫﺎ ﻣﺬھﻮًﻻ: ﻛﻼ؟!! ﺛﻢ ﻗﻤﺖ ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻲ وأﻧﺎ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺨﺰي ،ﻓﺄﻣﺴﻜﺖ ﺑﯿﺪي وﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﻟﮫﻔﺔ: اﻧﺘﻈﺮ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،أﺷﻌﺮ ﻣﺜﻠﻚ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻗﻠﺖ وزﻳﺎدة ،وﻟﻜﻨﻲ أﺳﺘﺤﻠﻔﻚ ﺑﺎأﻻ ﺗﺘﺤﺪث إﻟﻰ أﺣﺪ ،ﻻ ﻷﺧﻲ ،وﻻ ﻟﻌﻤﻲ وﻻ ﻟﺠﺪي ،ﻻ ﺗﺨﺒﺮ أﺣًﺪا ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(! ل رﺟﻞ ﺣﺎﻟِﻢ ﻗﺪ اﺳﺘﺤﺎل ﺣﻠﻤﻪ إﻟﻰ ﻛﺎﺑﻮس، ﻛﻨﺖ أﻧﻈﺮ إﻟﯿﮫﺎ ﻓﻲ ذھﻮ ِ ﻓﺎﺳﺘﺠﻤﻌﺖ ﻗﻮاي ،وﻗﻠﺖ ﺑﺼﻮت ﻣﺘﮫﺪج ﺧﺮج ﻣﻨﻲ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ: ﻟﻤﺎذا؟أھﻮ )ﻋﻤﺮو(؟! اﻧﺘﺒﮫﺖ ﻣﺬﻋﻮرة ،وﻗﺎﻟﺖ ﻣﻨﺪھﺸﺔ: ﻛﯿﻒ ﻋﺮﻓﺖ؟ﻟﻢ أﺟﺒﮫﺎ ﻋﻦ ﺳﺆاﻟﮫﺎ ،وﻟﻜﻦ ﺳﺄﻟﺘﮫﺎ: ھﻞ أﺧﺒﺮك ﺑﺤﺒﻪ؟!ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺑﻜﺎء ﺻﺎدق: ﻟﻢ ﻳﺨﺒﺮﻧﻲ ﺑﺸﻲء ،وﻟﻢ أﻋﻠﻢ ﺷﯿًﺌﺎ ،ﻛﺎن )ﻋﻤﺮو( أ ًﺧﺎ ﻟﻲ ﻣﻨﺬ اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ، وﻗﻀﯿﺖ ﻋﻤﺮي وأﻧﺎ أﻋﺘﺒﺮه أﺧﻲ اﻷﻛﺒﺮ و)ﻟﯿﺚ( أﺧﻲ اﻷﺻﻐﺮ ،ﺣﺘﻰ ﻛﺎن اﻟﯿﻮم اﻷﺧﯿﺮ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ إدوم. ﻧﻈﺮت إﻟﯿﮫﺎ ﻣﺴﺘﺤﺜﺎ ،ﻓﻤﺴﺤﺖ دﻣﻮﻋﮫﺎ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ: ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﺗﺤﺪث )ﻋﻤﺮو( إﻟﻰ أﺑﻲ ،وأﺧﺒﺮه أﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺨﻄﺒﻨﻲ ﻟﻨﻔﺴﻪ،وﻛﺎن ﻣﻌﮫﻤﺎ ﻋﻤﻲ )دوﻣﺔ( ،ﻓﺄﺑﺪى أﺑﻲ ﺳﻌﺎدﺗﻪ ﺑﺬﻟﻚ وﻟﻜﻨﻪ طﻠﺐ ﻣﻨﻪ أن ﻳﺮﺟﺊ اﻟﺤﺪﻳﺚ إﻟﻰ ﺟﺪي اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺑﻌﺪ اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ ﺑﻜﺔ. ﺻﻤﺘﺖ ﻟﺤﻈﺔ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﺑﺎﻛﯿﺔ: ﻲ اﻟﺨﺒﺮ ،وﻟﻜﻨﮫﺎ وﺟﺪﺗﻨﻲ ﺷﺎردة وﻓﻲ ﻣﺴﺎء ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﺟﺎءﺗﻨﻲ أﻣﻲ ﻟﺘﺰف إﻟ ّﺣﺰﻳﻨﺔ ،ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ إن )ﻋﻤﺮو( أﺧﻲ وﻻ أﺷﻌﺮ ﺑﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺰواج ﻣﻨﻪ ،ﻓﻨﮫﺮﺗﻨﻲ وﺣﺬرﺗﻨﻲ ﻣﻦ أﻗﻮل ﺷﯿًﺌﺎ ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻜﻼم ﺣﺘﻰ ﻧﻌﻮد إﻟﻰ ﺑﻜﺔ ،وﺑﺖ ﻟﯿﻠﺘﮫﺎ ﺑﺎﻛﯿﺔ ﺣﺰﻳﻨﺔ ،أدﻋﻮ ﷲ أن ﻳﺼﺮف ﻋﻨﻲ ھﺬا اﻷﻣﺮ ﺑﺄي وﺳﯿﻠﺔ ،ﺣﺘﻰ وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻘﺪاﻧﻲ ﻟﺤﯿﺎﺗﻲ! ﺛﻢ دﻓﻨﺖ رأﺳﮫﺎ ﻓﻲ راﺣﺘﯿﮫﺎ وﻗﺎﻟﺖ ﻣﻨﺘﺤﺒﺔ: ﺛﻢ ﻛﺎن ھﺬا اﻟﺼﺒﺎح اﻟﻤﺸﺌﻮم ،اﻟﺬي ﺷﻌﺮت ﺑﺄﻧﻨﻲ اﻟﺴﺒﺐ ﻓﯿﻤﺎ ﺣﺪث ﻓﯿﻪ،وﻛﺄن ﷲ أراد أن ﻳﻌﺬﺑﻨﻲ ﺑﺪﻋﺎﺋﻲ! ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ وﻗﺪ زادت وﺗﯿﺮة ﺑﻜﺎﺋﮫﺎ: أﺷﻌﺮ أﻧﻲ آﺛﻤﺔ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!أﺷﻌﺮ أن ﷲ ﻳﻌﺎﻗﺒﻨﻲ ،وأﻧﻪ ﻳﺬﻳﻘﻨﻲ اﻟﻌﺬاب ﺿﻌﻔﯿﻦ ﻋﻠﻰ دﻋﺎﺋﻲ ﻓﺄﻓﻘﺪﻧﻲ أﺑﻲ واﺑﻦ ﻋﻤﻲ. ﺷﻌﺮت ﺑﻘﻠﺒﻲ ﻳﺘﻤﺰق ،وﻟﻜﻨﻨﻲ وﻗﻔﺖ ﻋﺎﺟًﺰا ﻋﻦ اﻟﺮد ،ﻧﻈﺮت إﻟﯿﮫﺎ ﻣﺸﻔًﻘﺎ وﻟﻜﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﺷﺎرًدا ﻓﻲ ﺣﺎﻟﻲ أﻧﺎ أﻳ ً ﻀﺎ. ﻳﺎ رﺑﺎه! ﻟﻤﺎذا ﺗﺴﺤﻘﻨﻲ اﻟﺤﯿﺎة ﺑﻀﺮﺑﺎﺗﮫﺎ إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺤﺪ؟ ﻟﻤﺎذا أﺟﺪ ﻧﻔﺴﻲ داﺋ ً ق طﺮق ُﻣﺨﯿﱠًﺮا ﺑﯿﻦ أﻣﺮﻳﻦ أﺣﻼھﻤﺎ ُﻣﺮّ؟ ﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﻔﺘﺮ ِ ﻟﻤﺎذا ﻳﺘﻼﻋﺐ ﺑﻲ ذﻟﻚ )اﻟﺘﯿﻪ( اﻟﻠﻌﯿﻦ ﻓﻲ ﻛﻞ أﻣﺮ ﻣﻦ أﻣﻮر ﺣﯿﺎﺗﻲ؟ ﻳﻐِﺰل ﻟﻲ اﻷﻣﻨﯿﺎت ﻓﺄھﺮول إﻟﯿﮫﺎ ﻣﺴﺘﺒﺸًﺮا ،ﻷﺟﺪھﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﮫﺎﻳﺔ ﺣﺒﺎﺋﻞ ﺻﯿﺎد ﻣﺎﻛﺮ أوﻗﻊ ﻓﺮﻳﺴﺘﻪ ووﻗﻒ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﯿﮫﺎ ﻓﻲ ﺳﻌﺎدة وھﻲ ﺗﺘﺨﺒﻂ ﻓﻲ ﺷَﺮاِﻛﻪ! وﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﻐﻀﺐ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻲ. وﻟﻌﻞ ﻟﺤﻈﺔ اﻟﻐﻀﺐ ﺗﻠﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺒﺒًﺎ ﻓﻲ أن ﺗﻨﺠﻠﻲ أﻣﺎم ﻋﯿﻨﻲ ﺣﻘﯿﻘﺔ ﺣﯿﺎﺗﻲ وﺟﻮھﺮھﺎ. ﻓﻘﺪ أدرﻛﺖ أن اﻟﺤﯿﺎة ﻣﺎ ھﻲ إﻻ اﺧﺘﯿﺎر! وأن )اﻟﺘﺎﺋﻪ( ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة ھﻮ ذاك اﻟﻌﺎﺟﺰ ﻋﻦ اﻻﺧﺘﯿﺎر! وﻣﮫﻤﺎ ﺗﻜﻦ ﺗﺒﻌﺎت ذﻟﻚ اﻻﺧﺘﯿﺎر ﻓﮫﻲ ﺧﯿﺮ ﻟﻪ ﻣﻦ أن ﻳﻜﻮن ﻻ ﺷﻲء. ﻓﺄﻗﺴﻤﺖ أﻻ أﺳﺘﺴﻠﻢ ﻟﺬﻟﻚ اﻹﺣﺴﺎس اﻟﺒﻐﯿﺾ ﺑﺎﻟﻌﺠﺰ واﻟﺘﺴﻠﯿﻢ ،وأن أﻛﻮن ﻓﺎﻋًﻼ ﻣﺘﻔﺎﻋًﻼ ﻻ ﻣﻔﻌﻮًﻻ ﺑﻪ. ﻓﺠﻠﺴﺖ ﻋﻠﻰ ﺻﺨﺮة ،وأﻣﺴﻜﺖ ﻳﺪﻳﮫﺎ وﻗﻠﺖ: اﺳﻤﻌﻲ ﻳﺎ )أروى( ،ﻗﺪ آﻣﻨﺖ ﺑﺄﻧﻚ ﻗﺪري ،وﻟﻦ ﻳﻔﺮﻗﻨﺎ ﺳﻮى ذﻟﻚ اﻟﻘﺪر.ﺛﻢ ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺣﺴﻢ: ﻳﻮم أن ﻧﺼﻞ إﻟﻰ ﺑﻜﺔ ﺳﻮف أﺧﻄﺒﻚ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﻣﻦ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،ﻓﺈﻣﺎ وﺻﺎلﺑﻌﺪھﺎ وإﻣﺎ ﻓﺮاق. ﻲ ﻓﻲ ھﻠﻊ وﻗﺎﻟﺖ: ﻧﻈﺮت إﻟ ّ أﺧﺸﻰ اﻟﻔﺮاق ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﻓﻘﻠﺖ وأﻧﺎ أذھﺐ ﺑﺒﺼﺮي ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻨﮫﺎ: ﻚ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ! اﻟﻔﺮاق ﺧﯿﺮ ﻟﻲ ﻣﻦ أن أﻣﻮت ﻛﻤًﺪا وأﻧﺎ أﻛﺘﻢ ﺣﺒ ِ∞∞∞∞∞ ﺔ ﺑﺎﻟﺴﺎﺣﺔ اﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﻞ، ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ﻛﺎن ﻛﺒﺮاء اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ ﻳﺠﻠﺴﻮن ﻓﻲ ﺣﻠﻘ ٍ وﻗﺪ ُأوﻗَِﺪ ْ ت ﻧﺎٌر ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺘﺼﻒ أﺿﺎءت ﻣﺎ ﺣﻮﻟﮫﺎ وﻣﻨﺤﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﺪفء ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻏﺸﯿﺘﮫﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﺮودة ،رﻏﻢ ﻧﮫﺎرھﺎ اﻟﻘﺎﺋﻆ ،ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم ﻧﺘﺄرﺟﺢ ﺑﯿﻦ ﺻﯿﻒ ﻗﺎﺋﻆ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح وﺷﺘﺎء زﻣﮫﺮﻳﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء، ﺟﻠﺴﺖ إﻟﻰ ﺟﻮار )ﻟﯿﺚ( ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺟﻠﺲ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( واﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻓﻲ اﻟﺠﮫﺔ اﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ وﻗﺪ أﺣﺎط ﺑﮫﻤﺎ ﻣﺸﺎﻳﺦ اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ ورﺟﺎﻟﮫﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻋﺎدا ﻣﻦ ﻟﻘﺎء )اﻟﻐﻮث( ﻣﺤﻤﻠﯿﻦ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺘﻔﺎﺻﯿﻞ ،ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻓﻲ أ ً ﺳﻰ: ﺗﺤﻮم اﻟﻔﺘﻦ ﻓﻲ ﺳﻤﺎء ﺑﻜﺔ وﺗﻮﺷﻚ أن ﺗﺤﻂ ﻋﻠﻰ أرﺿﮫﺎ واﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﻏ ِﯿ ّﮫﻢﻳﺘﺒﺎرون! ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻟﻘﺪ ﺟﻤﻌﺖ )ﺧﺰاﻋﺔ( أﻣﺮھﺎ واﺳﺘﻤﺎﻟﺖ أﺑﻨﺎء ﻋﻤﻮﻣﺘﻨﺎ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ(ﻛﻲ ﻳﻨﺰﻋﻮا وﻻﻳﺔ اﻟﺒﯿﺖ ﻣﻦ )ﺟﺮھﻢ( ،وﻗﺪ ﺟﻤﻌﺘﻜﻢ ﻵﺧﺬ ﻣﻨﻜﻢ اﻟﺮأي واﻟﻤﺸﻮرة. ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻓﻲ ﻟﮫﺠﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﺑﻌﺾ اﻟﻐﻀﺐ: ﺑﻞ إن )ﺧﺰاﻋﺔ( ﻗﺪ ﺗﻤﺎدت ،وﺳﺎروا ﺧﻠﻒ ﻛﻼم )طﺮﻳﻔﺔ( اﻟﻌﱠﺮاﻓﺔ وﺣ ّﻖ ﻋﻠﯿﻨﺎ أﻧﺎ ﻧﺮدھﺎ ﻋﻦ ﻏﯿِ ّﮫﺎ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺘﺨﻀﺐ رﻣﺎل ﺑﻜﺔ ﺑﺎﻟﺪﻣﺎء. ﻋﻠﻤﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أن )طﺮﻳﻔﺔ( ھﺬه ﻛﺎﻧﺖ ﻋﱠﺮاﻓﺔ ﻣﻦ )ﺧﺰاﻋﺔ( ،وﻟﮫﺎ ﻣﻜﺎﻧﺔ وﻛﻠﻤﺔ ﻣﺴﻤﻮﻋﺔ ﻋﻨﺪ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﺳﯿﺪ )ﺧﺰاﻋﺔ( وأﻧﮫﺎ ھﻲ اﻟﺘﻲ أﺷﺎرت ﻋﻠﯿﻪ ﺑﺪﺧﻮل ﺑﻜﺔ. ﺻﻤﺖ اﻟﺮﺟﺎل ﻗﻠﯿًﻼ ،إﻟﻰ أن ﻗﺎل أﺣﺪھﻢ: ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،ﻣﺎ ﻧﺮﺿﻰ ﺑﺒﻐﻲ )ﺧﺰاﻋﺔ( ،وﻟﻜﻦ ﺑﻐﻲ )ﺟﺮھﻢ( أﻛﺒﺮ!ﻟﻘﺪ اﻣﺘﻸت اﻟﺴﻮق ﺑﺄﻗﺎﺻﯿﺺ ظﻠﻤﮫﻢ ﻷھﻞ ﺑﻜﺔ وﺣﺠﯿﺠﮫﺎ. وﻛﺄﻧﻤﺎ أزاﻟﺖ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ اﻟﺤﺮج ﻋﻦ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﻨﺎس ،ﻓﻘﺎل رﺟﻞ آﺧﺮ: ﺻﺪﻗﺖ!ﻟﻘﺪ ﻗﺎل ﻟﻲ أﺣﺪھﻢ اﻟﯿﻮم إﻧﮫﻢ اﺳﺘﺨﻔﻮا ﺑﺤﺮﻣﺔ اﻟﺒﯿﺖ وإﻧﮫﻢ ﻳﺄﻛﻠﻮن ﻣﻦ اﻟﻤﺎل اﻟﺬي ﻳﮫﺪي إﻟﯿﻪ ﺳﺮا وﻋﻼﻧﯿًﺔ ،وﻳﻔﺮﺿﻮن اﻟﻌﺸﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺠﺎر. ﺷﻌﺮت أن اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻗﺪ ﺳﺎءه أن ﺗﺪور دﻓﺔ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻧﺤﻮ اﻟﻘﺪح ﻓﻲ )ﺟﺮھﻢ( ،ﻓﻘﺎل ﻣﺬﻛًﺮا أﺑﻨﺎء ﻋﻤﻮﻣﺘﻪ: ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر ،ﻻ ﺗﻨﺴﻮا أن )ﺟﺮھﻢ( ھﻢ أﺧﻮاﻟﻨﺎ ،وﻳﺠﺐ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻧﺼﺮﺗﮫﻢ ،وإنأﻋﻮج ﺷﻲء ﻣﻦ أﻣﺮھﻢ ﻓﻨﺤﻦ أوﻟﻰ ﺑﺘﻘﻮﻳﻤﻪ. ﺗﺴﺎءل أﺣﺪھﻢ ﻓﻲ ﻣﺰﻳﺞ ﻣﻦ اﻟﺮﻓﺾ واﻻﺳﺘﻨﻜﺎر: -وﻛﯿﻒ ﻧﺼﻠﺢ ﻣﺎ أﻋﻮج ﻣﻦ أﻣﺮھﻢ؟! ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ(: ﺑﺎﻟﻨﺼﺢ واﻹرﺷﺎد!ﺑﺎﻧﺖ ﺧﯿﺒﺔ اﻷﻣﻞ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺴﺎﺋﻞ ،وﻗﺎل: ﻟﻮ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺘﻤﻌﻮن ﻟﻠﻨﺼﺢ ،ﻻﺳﺘﻤﻌﻮا ﻟﺴﺎدة اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ!وﻗﺎل رﺟﻞ آﺧﺮ: ـﻋﺠﺒًﺎ ﻟﻚ ﻳﺎ أﺑﺎ )ﻋﻤﺮو( ،أﺗﺮﻳﺪ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( أن ﻳﻘﺎﺗﻠﻮا )ﺧﺰاﻋﺔ( ﻛﻲ ﺗﻠﻲ )ﺟﺮھﻢ( أﻣﺮ اﻟﺒﯿﺖ ،أوﻟﯿﺲ ﻣﻦ اﻷوﻟﻰ ﻧﻘﺎﺗﻠﮫﻢ ﻣﻦ أﺟﻞ وﻻﻳﺔ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺘﻲ اﻧﺘﺰﻋﺘﮫﺎ )ﺟﺮھﻢ( ﻣﻨﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ؟! ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻓﻲ ﺣﺴﻢ: ﻟﻦ ﻧﻘﺎﺗﻞ ﻷﺟﻞ )ﺟﺮھﻢ( وﻟﻦ ﻧﻘﺎﺗﻞ ﻷﺟﻞ وﻻﻳﺔ اﻟﺒﯿﺖ ،وﻟﻦ ﻳﺮﻓﻊ ﺳﯿﻒ ﺑﻨﻲ)إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( إﻻ ﻓﻲ اﻟﺤﻖ. ﺛﻢ أردف: ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر ،إن ﷲ ﻗﺪ اﻓﺘﺪى دﻣﺎء أﺑﯿﻜﻢ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( وﻧ ﱠﺠﺎه ﻣﻦ اﻟﺬﺑﺢ ﻗﺮﺑﺎﻧًﺎ ﻟﻪ ،ﻓﻜﯿﻒ ﺗﺒﺬﻟﻮن دﻣﺎءﻛﻢ ﻓﯿﻤﺎ ھﻮ أدﻧﻰ؟ وﷲ ﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ وﻻﻳﺔ اﻟﺒﯿﺖ ﺑﻘﻄﺮة دم ﻣﻦ ﺑﻨﻲ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﻣﺎ ﺳﻔﻜﻨﺎھﺎ ،ﻓﻘﺪ أﻣﺮﻧﺎ ﷲ ﺑﺄن ﻧﺤﻔﻆ دﻣﺎءﻧﺎ وأﻻ ﻧﺆدﻳﮫﺎ إﻻ ﺑﺤﻘﮫﺎ ،ﻓﺨﯿﺮ ﻟﻨﺎ وﻟﺒﺎﻗﻲ ﺑﻄﻮن ﺑﻨﻲ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( أن ﻧﻌﺘﺰل ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﻨﺔ وﻋﻠﻰ )ﺟﺮھﻢ( أن ﺗﺒﻮء ﺑﺈﺛﻤﮫﺎ ،وﻋﻠﻰ ﺧﺰاﻋﺔ أن ﺗﺤﻤﻞ أوزارھﺎ ،وﻟﻨﺤﻤﺪن ﷲ أن ﻧﺠﺎﻧﺎ ﻣﻦ اﻹﺛﻢ وأن ﻋﺎﻓﺎﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﻮزر. ﺻﻤﺖ اﻟﺠﻤﯿﻊ أﻣﺎم ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺸﯿﺦ اﻟﻔﺎﺻﻠﺔ ،ﻓﺘﺎﺑﻊ: وﻟﻘﺪ اﺗﻔﻘﺖ ﻣﻊ )اﻟﻐﻮث( ﺳﯿﺪ ﻗﺒﯿﻠﺔ طﯿﺊ أن ﻧﻌﻘﺪ ﻣﺠﻠ ًﺴﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮب ﻓﻲ أﺷﮫﺮ اﻟﺤﺞ ﻟﻌﻠﻨﺎ ﻧﻨﮫﻲ اﻷﻣﺮ ﺻﻠ ً ﺤﺎ وﻧﺤﻘﻦ اﻟﺪﻣﺎء ﺑﯿﻦ اﻟﻘﺒﯿﻠﺘﯿﻦ. اﺳﺘﺠﺎب اﻟﻨﺎس ﻟﻜﻼم اﻟﺸﯿﺦ ﻓﻘﺎﻟﻮا: ﺳﻤًﻌﺎ وطﺎﻋﺔ ،ﺑﺎرك ﷲ ﻓﯿﻚ ﻳﺎ أﺑﺎ )ﻧﺎﺑﺖ(.ﻓﺄﺷﺎر إﻟﯿﮫﻢ اﻟﺸﯿﺦ ﺑﺎﻻﻧﺼﺮاف ،ﻓﺎﻧﺼﺮﻓﻮا اﻟﻮاﺣﺪ ﺗﻠﻮ اﻵﺧﺮ ،وﺑﻘﻲ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( واﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( وأﻧﺎ. ﻆ: ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻓﻲ ﻟﻮٍم وﻏﯿ ٍ -ﻟﻘﺪ ﺧﺬﻟﺖ أﺧﻮاﻟﻨﺎ أﻣﺎم اﻟﻘﻮم ﻳﺎ أﺑﺘﺎه. ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻓﻲ ھﺪوء: ﻻ ﺗﺠﻌﻞ اﻟﺤﻤﯿﺔ ﺗﺄﺧﺬك إﻟﻰ طﺮﻳﻖ اﻟﺤﺮب ﻳﺎ )دوﻣﺔ( ،ﻓﻜﻞ اﻟﺪﻣﺎء ﺣﺮام ﻓﻲاﻷرض اﻟﺤﺮام. ﻗﺎل: ﺣﺘﻰ وإن ﻧﺎزﻋﺘﻨﺎ )ﺧﺰاﻋﺔ( ﻣﻠﻜﻨﺎ!ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: ُﻣﻠﻜﻨﺎ؟!ﻟﺴﻨﺎ ﻣﻠﻮًﻛﺎ ﺑﻞ ﺧﺪاًﻣﺎ ﻟﻠﺒﯿﺖ ﻳﺎ )دوﻣﺔ(. وﺟﺪﺗﻨﻲ أﻗﻮل ﻓﻲ ﻋﻔﻮﻳﺔ: وﻣﺎذا ﻟﻮ أﻓﺴﺪت )ﺧﺰاﻋﺔ( دﻳﻦ )إﺑﺮاھﯿﻢ( ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(؟ﻻ أدري ﻟﻤﺎذا ،أﺛﺎرت ﻛﻠﻤﺘﻲ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ،رﻏﻢ أن ﻋﺒﺎرﺗﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺆﻳﺪ ﺣﺠﺘﻪ، ﻲ وﻳﻘﻮل ﻧﺎھًﺮا: ﻓﻮﺟﺪﺗﻪ ﻳﺼﺐ ﻏﻀﺒﻪ ﻋﻠ ّ ﻛﻒ ﻋﻦ ھﺬا أﻳﮫﺎ اﻟﻐﻼم ،ودع أﻣﺮ ﺑﻨﻲ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﻟﺒﻨﻲ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ(!وﻣﺎ دﻋﺎك أﺣﺪ ﻛﻲ ﺗﺸﺎرﻛﻨﺎ ذﻟﻚ اﻟﻤﺠﻠﺲ! ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺨﺠﻞ وھﻤﻤﺖ ﺑﺎﻻﻧﺼﺮاف: وﻟﻜﻦ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻗﺎل: اﺟﻠﺲ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(.ﻓﺎزداد ﺿﯿﻖ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( أﻛﺜﺮ ،وﻗﺎم ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻪ ﻗﺎﺋًﻼ: اﺳﺘﺄذﻧﻚ ﻳﺎ أﺑﺘﺎه ﻓﻲ اﻻﻧﺼﺮاف ،ﻓﻐًﺪا أﺑﻜﺮ إﻟﻰ اﻟﺴﻮق ،ﻋﻤﺖ ﻣﺴﺎء!ﺛﻢ ﻗﺎم واﻧﺼﺮف وأﻧﺎ أﺷﻌﺮ ﺑﺠﺴﺪي ﻳﺬوب ﺧﺠًﻼ ،اﻧﺘﻈﺮ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺣﺘﻰ اﻧﺼﺮف ،وﻗﺎل: ﻻ ﺗﺤﺰن ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻓﺄﻧﺎ أدرك ﺧﻮﻓﻚ وﻧﺒﻞ ﻣﺸﺎﻋﺮك.ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺻﺪق: أﺻﺪﻗﻚ اﻟﻘﻮل ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،إﻧﻲ أﺧﺸﻰ ﻋﻠﻰ دﻳﻦ أﺑﯿﻨﺎ )إﺑﺮام( ﻣﺜﻠﻤﺎأﺧﺸﻰ ﻋﻠﻰ دﻳﻦ )ﻣﻮﺳﻰ( وأﻋﻠﻢ ﻳﻘﯿًﻨﺎ أن اﻟﻨﻮر اﻟﺬي أﺗﻰ ﺑﻪ )ﻣﻮﺳﻰ( إﻧﻤﺎ ھﻮ ﻗﺒﺲ ﻣﻦ ﻣﺸﻜﺎة أﺑﯿﻨﺎ )إﺑﺮام( ،وﻟﻘﺪ رأﻳﺖ ﻗﻮﻣﻲ وﻗﺪ ﻋﺒﺪوا اﻟﻌﺠﻞ وﻧﺒﻲ ﷲ ﻻ ﻳﺰال ﺑﯿﻦ أظﮫﺮھﻢ ،وﻓﺘﻨﮫﻢ اﻟﺸﯿﻄﺎن ﻋﻠﻰ ﺳﻔﺢ ﺟﺒﻞ ﺗﺠﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻰ ﻗﻤﺘﻪ ،ﻓﻮرب )إﺑﺮاھﯿﻢ( و)ﻣﻮﺳﻰ( أﻧﺎ ﻻ أﺧﺸﻰ إﻻ ﻓﺘﻨﺔ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﮫﺎ )ﺧﺰاﻋﺔ(، ﻓُﺘﻌﺒﺪ اﻷوﺛﺎن ﻓﻲ ﺑﯿﺖ ﻳﺘﺠﻠﻰ رﺑﻜﻢ ﻋﻠﯿﻜﻢ ﻓﯿﻪ ﺑﺮﺣﻤﺘﻪ. ﻲ ﻣﺒﺘﺴ ً ﻤﺎ وﻛﺄﻧﻤﺎ أﻋﺠﺒﻪ ﺻﺪق ﻛﻼﻣﻲ ،ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻧﻈﺮ إﻟ ّ ﻳﻌﻠﻢ ﷲ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( أﻧﻲ أﺧﺸﻰ ﻣﺎ ﺗﺨﺸﺎه ،وﻟﻜﻨﮫﺎ ﺳﱠﻨﺔ ﷲ ﻓﻲ أرﺿﻪ وﻻراد ﻟﻘﻀﺎﺋﻪ ،وﻣﻨﺬ ﻋﻠﻤﺖ ﺑﺄن ﷲ ﻗﺪ ﺑﻌﺚ ﻓﻲ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻧﺒﯿﺎ ،وأﻧﺎ أﺷﻌﺮ ﺑﺄن ﺷﻤﺲ ﺑﻜﺔ ﺳﺘﻐﺮب وﻟﻮ إﻟﻰ ﺣﯿﻦ! ﻧﻈﺮت إﻟﯿﻪ ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ ،ﻓﻘﺎل: ﺗﻮﻟﺪ اﻷﻣﻢ ﺿﻌﯿﻔﺔ ،ﻓﺘﺘﻮﻻھﺎ رﻋﺎﻳﺔ ﷲ ﺣﺘﻰ ﺗﺸﺐ ،ﺛﻢ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻓﺘﯿﺔ ﻗﻮﻳﺔﺑﺎﻟﺴﯿﺮ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﻰ اﻵﺑﺎء اﻷوﻟﯿﻦ ،ﺛﻢ ﺗﮫﺮم وﺗﻀﻌﻒ وﺗﻤﻮت! ﺛﻢ ﻳﺴﺘﺒﺪﻟﮫﺎ ﷲ ﺑﻘﻮم آﺧﺮﻳﻦ! أﺛﺎر ﻛﻼﻣﻪ ﺗﻔﻜﯿﺮي ووﺟﺪﺗﻨﻲ أﺳﺄﻟﻪ ﺳﺆاًﻻ ظﻞ ﻳﻠﺢ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻠﻲ ﻣﻦ وﻗﺖ ﻵﺧﺮ وﻛﻨﺖ أﺧﺸﻰ أن أﺳﺄﻟﻪ ﻷﺣﺪ ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ: ﻟﻤﺎذا ﻟﻢ ﻳﺨﻠﻘﻨﺎ ﷲ ﺟﻤﯿﻌﺎ ﻣﺆﻣﻨﯿﻦ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(؟!ﺻﻤﺖ ﻟﺤﻈﺎت ،ﺛﻢ ﺗﻨﮫﺪ ،وأﺷﺎر إﻟﻰ ﺻﻔﺤﺔ اﻟﻘﻤﺮ اﻟﺘﻲ أطﻠﺖ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﺑﺪًرا وھﻮ ﻳﻘﻮل: اﻧﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﻘﻤﺮ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻣﺎ رأﻳﻚ ﺑﻪ؟ﻖ ﻋﻈﯿﻢ؟ أﻟﯿﺲ ﺑﺨﻠ ٍ ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: ﺑﻠﻰ.ﻗﺎل: واﻟﺸﻤﺲ واﻟﻨﺠﻮم واﻟﺴﻤﺎء واﻷرض واﻟﺒﺤﺎر واﻟﺠﺒﺎل ،ﻛﻠﮫﺎ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎت ﷲاﻟﻌﻈﯿﻤﺔ ،أﻟﯿﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟ ﻗﻠﺖ: ﺑﻠﻰ.ﻗﺎل: وﻟﻜﻨﻚ أﻧﺖ ﺧﻠﻖ ﷲ اﻷﻋﻈﻢ!اﻧﺘﺎﺑﺘﻨﻲ رﻋﺪة وأﻧﺎ أردد: ﺧﻠﻖ ﷲ اﻷﻋﻈﻢ!! ﻗﺎل ﻣﺆﻳًﺪا ﺑﺈﻳﻤﺎءة ﻣﻦ رأﺳﻪ: ﻧﻌﻢ ،ﺑﻞ أﻧﺖ أﻋﻈﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ،واﻟﺠﻦ ،أﺗﺪري ﻟﻤﺎذا؟!ھﺰزت رأﺳﻲ وأﻧﺎ ﻻ أزال ﻣﺄﺧﻮًذا ﺑﻜﻠﻤﺎﺗﻪ ﻓﻘﺎل: ﻷﻧﻚ ﻣﻦ ﺗﺤﻤﻞ اﻷﻣﺎﻧﺔ!أﺗﺪري ﻣﺎ اﻷﻣﺎﻧﺔ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(؟! ھﺰزت رأﺳﻲ ﻧﻔﯿًﺎ ،ﻓﻘﺎل: إﻧﮫﺎ ﺣﺮﻳﺔ اﻻﺧﺘﯿﺎر!ارﺗﻄﻤﺖ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ﺑﻘﺎع ﻧﻔﺴﻲ ﻓﺄﺣﺪﺛﺖ ﺻًﺪى ﻷﻓﻜﺎٍر ﻛﺎدت ﺗﻌﺼﻒ ﺑﻲ ﻣﻨﺬ ﻳﻮم ﺳﺒﻖ وأﻧﺎ أﺗﺤﺪث إﻟﻰ )أروى( ﻓﻨﻈﺮت إﻟﯿﻪ ﻣﺸﺪو ً ھﺎ وﻗﻠﺖ: ﺣﺮﻳﺔ اﻻﺧﺘﯿﺎر!! أﺟﺎب: ﻧﻌﻢ ،ﻓﺎﻟﻜﻞ ﻣﺴﺨٌﺮ ﻷﻣﺮه ،إﻻ أﻧﺖ!إن ﺷﺌﺖ آﻣﻨﺖ ﺑﻪ وإن ﺷﺌﺖ أﻧﻜﺮﺗﻪ! ﻟﻦ ﻳﻤﻨﻊ ﻧﻌﯿﻤﻪ ﻋﻨﻚ إن ﺟﺤﺪﺗﻪ! وﻻ ﻳﻀﻤﻦ ﻟﻚ ﻧﻌﯿﻢ اﻟﺪﻧﯿﺎ إن آﻣﻨﺖ ﺑﻪ! ﻓﺎﻟﺠﺰاء ﻛﻠﻪ ﻣﺆﺟﻞ ﻟﻶﺧﺮة وھﺬا أﺻﻌﺐ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻷﻣﺮ ،ﻓﻠﻮ ﻛﺎن اﻟﺴﻔﺮ ﻗﺮﻳﺒًﺎ ﻟﻌﻠﻤﻨﺎ ﻣﻘﺼﺪه ،وﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪت ﻋﻠﯿﻨﺎ اﻟﺮﺣﻠﺔ و ُ طﻤﺴﺖ ﻋﻨﺎ ﻧﮫﺎﻳُﺘﮫﺎ! ﺷﻌﺮت ﺑﺮﺟﻔﺔ ،واﻏﺮورﻗﺖ ﻋﯿﻨﻲ ﺑﺎﻟﺪﻣﻊ ،وﻗﻠﺖ: وﻟﻜﻨﮫﺎ أﺛﻘﻞ أﻣﺎﻧﺔ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(!أﻟﯿﺲ ظﻠ ً ﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻀﻌﯿﻒ أن ﻳﺤﻤﻞ وﺣﺪه ﻣﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت ﺗﺒﻌﺔ اﺧﺘﯿﺎره! ﻓﺎﻟﻜﻞ ﻣﺴﺨٌﺮ ﻷﻣﺮه ،إﻻ أﻧﺖ! إن ﺷﺌﺖ آﻣﻨﺖ ﺑﻪ وإن ﺷﺌﺖ أﻧﻜﺮﺗﻪ! ﻟﻦ ﻳﻤﻨﻊ ﻧﻌﯿﻤﻪ ﻋﻨﻚ إن ﺟﺤﺪﺗﻪ! وﻻ ﻳﻀﻤﻦ ﻟﻚ ﻧﻌﯿﻢ اﻟﺪﻧﯿﺎ إن آﻣﻨﺖ ﺑﻪ! ﻓﺎﻟﺠﺰاء ﻛﻠﻪ ﻣﺆﺟﻞ ﻟﻶﺧﺮة وھﺬا أﺻﻌﺐ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻷﻣﺮ ،ﻓﻠﻮ ﻛﺎن اﻟﺴﻔﺮ ﻗﺮﻳﺒًﺎ ﻟﻌﻠﻤﻨﺎ ﻣﻘﺼﺪه ،وﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪت ﻋﻠﯿﻨﺎ اﻟﺮﺣﻠﺔ و ُ طﻤﺴﺖ ﻋﻨﺎ ﻧﮫﺎﻳُﺘﮫﺎ! اﺑﺘﺴﻢ وﻗﺎل: ﺿﻌﯿﻒ!اﻧﻈﺮ ﺣﻮﻟﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻗﺪ ﺳ ﱠ ﺨﺮ ذﻟﻚ اﻹﻧﺴﺎن »اﻟﻀﻌﯿﻒ« اﻟﺠﺒﺎل ﻓﻨﺤﺘﮫﺎ ﺑﯿﻮﺗًﺎ ،وﺳ ﱠ ﺨﺮ اﻟﺒﺤﺎر ورﻛﺐ اﻟﻔﻠﻚ ،وﺳ ّ ﺨﺮ اﻹﺑﻞ واﻟﺪواب واﻷﻧﻌﺎم ،وﻧﺎل ﻣﻨﮫﺎ ﻣﺄﻛﻠﻪ وﻣﺸﺮﺑﻪ وﻣﺒﻠﺴﻪ ،اﻹﻧﺴﺎن ﻟﯿﺲ ﺑﻀﻌﯿﻒ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(! ﻓﻘﺪ ﻣﻨﺤﻪ ﷲ ﺑﻌ ً ﻀﺎ ﻣﻦ ﺻﻔﺎﺗﻪ ،وﻧﻔﺨًﺔ ﻣﻦ روﺣﻪ وھﺒﺖ ﻟﻪ أﺳﺮار اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻻﺧﺘﯿﺎر. ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ أ ً ﺳﻰ: ﻢ ،ﺟﺎھ ٌ اﻹﻧﺴﺎن ظﺎﻟ ٌﺸﺊ ،وأن اﻟﺴﻔَﺮ ﺑﻼ ﻣﻘﺼﺪ، ﻞ ﺣﯿﻦ ﻳﻈﻦ اﻟﻨﺸﺄة ﺑﻼ ُﻣﻨ ِ وأن اﻟﺮﺣﻠﺔ ﺑﻼ ﻧﮫﺎﻳﺔ! ! اﻧﺴﺎﻟﺖ اﻟﺪﻣﻮع ﻋﻠﻰ وﺟﻨﺘﻲ ﻓﻲ ﺑﻂء ،ﻓﺮﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ وﻗﺎل: ھﯿﺎ ﺑﻨﺎ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ﻓﻘﺪ اﺷﺘﺪ اﻟﺒﺮد.وﺣﯿﻦ اﺧﺘﻠﯿﺖ ﺑﻨﻔﺴﻲ ،ﻓﺎﺿﺖ دﻣﻮﻋﻲ وﺑﻜﯿﺖ ،ﻛﻤﺎ ﻟﻢ أﺑﻚ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ! ﺑﻜﺎًء ﺣﻠًﻮا ﻧﺰﻟﺖ دﻣﻮﻋﻪ ﺣﺎرة ﺻﺎﻓﯿﺔ ،ﻓﻐﺴﻠﺖ ﻗﻠﺒﻲ وﻣﻨﺤﺘﻪ ﺻﻔﺎء ﻟﻢ أﺷﻌﺮ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وﺣﯿﻦ ﻣﺴﺤﺘﮫﺎ ﺑﯿﺪي ﺷﻌﺮت ﺑﺄﻧﮫﺎ ﻗﺪ أﺿﺎءت وﺟﮫﻲ ﺑﻨﻮٍر ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺔ ﺻﺎدﻓﺘﮫﺎ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ. اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﻤﻘﻤﺮة أﺿﺎء ﻛﻞ ﻋﺘﻤ ٍ وﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ ،أدرﻛﺖ أن اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻗﺪ ﻋﺒﺮ ﺑﻲ ﻣﻦ ﻣﻨﺎزل اﻟﺘﯿﻪ اﻟﺘﻲ ﻣﺮرت ﺑﮫﺎ ﻓﻲ اﻷﺷﮫﺮ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ إﻟﻰ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﯿﻘﯿﻦ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻷﺻﻞ إﻟﯿﮫﺎ دوﻧﻪ. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ واﻟﺜﻼﺛﻮن اﻧﺘﮫﯿﺖ أﺧﯿًﺮا ﻣﻦ ﺻﻨﻊ اﻟﻌﺮﺑﺔ! ن ﺑﯿﻀﺎء ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺮﺣﺘﻲ طﺎﻏﯿﺔ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﻋﻠﻘﺖ ﻗﺎﺋﻤﯿﮫﺎ اﻷﻣﺎﻣﯿﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﺳﺮج أﺗﺎ ٍ ﺗﺸﺒﻪ اﻷﺗﺎن اﻟﺘﻲ ﺧﺮﺟﻨﺎ ﻋﻠﯿﮫﺎ أﻧﺎ وأﻣﻲ ﻣﻦ أرض ﻣﺼﺮ ،وﻣﺎ إن ﺗﺤﺮﻛﺖ اﻷﺗﺎن وﺳﺤﺒﺖ ﺧﻠﻔﮫﺎ اﻟﻌﺮﺑﺔ ،ﻣﺼﺪرة ﺻﺮﻳًﺮا ﻣﻦ ﻋﺠﻼﺗﮫﺎ اﻟﺨﺸﺒﯿﺔ ،ﺣﺘﻰ رﻗﺺ ﻗﻠﺒﻲ ﻓِﺮ ً ﺣﺎ وأﻧﺎ أھﺘﻒ ﻣﻦ اﻟﺴﻌﺎدة ،ﻗﻔﺰت ﻓﻮق ﻣﻘﻌﺪھﺎ اﻷﻣﺎﻣﻲ وأﻣﺴﻜﺖ ﻟﺠﺎم اﻷﺗﺎن ﺛﻢ ﺟﺬﺑﺘﻪ ﺑﻘﻮة ﻓﺎﻧﻄﻠﻘﺖ اﻟﻌﺮﺑﺔ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ وﻗﺪ ﻋﻼ ﺻﻮت ﻋﺠﻼﺗﮫﺎ ﺣﺘﻰ ﻟﻔﺖ أﻧﻈﺎر اﻟﻨﺎس اﻟﻌﺎﺋﺪة ﻣﻦ اﻟﺴﻮق ﻓﻲ ﻧﮫﺎﻳﺔ اﻟﯿﻮم ،درت ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﺔ ﺣﻮل اﻟﺘﻞ واﻟﻨﺎس ﺗﺮﻣﻘﻨﻲ ﺑﺈﻋﺠﺎب ،ورآﻧﻲ )ﻟﯿﺚ( اﻟﻮاﻗﻒ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺣﺔ ﻓﻮق اﻟﺘﻞ، ﻓﺼﺮخ ﻓﻲ ﺳﻌﺎدة ﻣﺸﺠًﻌﺎ: راﺋﻊ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﺛﻢ ھﺒﻂ ﻣﻦ اﻟﺘﻞ وﺟﺮى إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﻌﺮﺑﺔ ﺛﻢ ﻗﻔﺰ ﻓﻮﻗﮫﺎ ﻓﻲ ﺧﻔﺔ ورﺷﺎﻗﺔ وﺟﻠﺲ إﻟﻰ ﺟﻮاري ،وﻛﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻌﺎدﺗﻲ ﺑﺎﻟﻐﺔ ﺣﯿﻨﻤﺎ رأﻳﺖ )أروى( ﺗﻘﻒ ﻓﻮق ﺗﻞ اﻟﻨﺴﺎء ﺗﻨﻈﺮ إﻟﯿﻨﺎ ﻓﻲ ﺳﻌﺎدة ،وھﻲ ﺗﻠﻮح ﻟﻨﺎ ﺑﯿﺪﻳﮫﺎ ﻛﻲ ﺗﻠﺤﻖ ﺑﻨﺎ. ﺻﻌﺪﻧﺎ إﻟﻰ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻨﺰل ﺑﻘﺪر ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ اﻷﺗﺎن أن ﺗﺼﻌﺪ ﺛﻢ أوﻗﻔﺖ اﻟﻌﺮﺑﺔ، ﻓﮫﺒﻄﺖ إﻟﯿﻨﺎ )أروى( اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ اﻟﻤﺘﺒﻘﯿﺔ ،أﻣﺴﻚ )ﻟﯿﺚ( ﺑﯿﺪھﺎ ،وﺳﺎﻋﺪھﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﻌﻮد ﻛﻲ ﺗﺠﻠﺲ إﻟﻰ ﺟﻮارﻧﺎ ،ﺛﻢ اﻧﻄﻠﻘﻨﺎ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﮫﺒﻂ اﻟﺘﻞ اﻟﺬي ﺳﺎﻋﺪ اﻧﺤﺪاره ﻋﻠﻰ اﻧﻄﻼﻗﮫﺎ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ﻛﺎدت أن ﺗﻄﯿﺢ ﺑﻨﺎ ﻣﻦ ﺷﺪة اﻧﺪﻓﺎع اﻟﮫﻮاء ،وأﺧﺬ )ﻟﯿﺚ( و)أروى( ﻳﺼﺮﺧﺎن ﻣﻦ ﺷﺪة اﻹﺛﺎرة واﻟﻔﺮح ،وأﺛﺎرت اﻟﺠﻠﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺻﻨﻌﻨﺎھﺎ اﻧﺘﺒﺎه اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﻧﺰل اﻟﺮﺟﺎل ،ووﺟﺪت ﺑﻌﺾ أﻓﺮاد اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ ﻳﻨﻈﺮون إﻟﯿﻨﺎ ﻣﻦ ﻓﻮق اﻟﺘﻞ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ وﻗﺪ ﻋﻠﺖ وﺟﻮھﮫﻢ اﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ،درﻧﺎ ﺣﻮل اﻟﺘﻞ دورة ﻛﺎﻣﻠﺔ وﻋﺰﻣﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوران ﻣﺮة أﺧﺮى ،وﻟﻜﻨﻲ ﺗﻮﻗﻔﺖ ﻓﺠﺄة ﺟﺎذﺑًﺎ ﻟﺠﺎم اﻷﺗﺎن ﺑﺄﻗﺼﻰ ﻣﺎ أﺳﺘﻄﯿﻊ ﻣﻦ ﻗﻮة ،ﻓﻘﺪ وﺟﺪت اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻳﻘﻒ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻄﺮﻳﻖ أﻣﺎﻣﻨﺎ وﻳﺒﺪو ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ اﻟﻐﻀﺐ ،ھﺒﻄﻨﺎ ﻣﻦ ﻓﻮق اﻟﻌﺮﺑﺔ اﺣﺘﺮاًﻣﺎ ﻟﻪ ،ﻧﻈﺮ إﻟﻰ )ﻟﯿﺚ( ﻧﻈﺮة ﻏﺎﺿﺒﺔ ﺛﻢ ﻗﺎل: أﻋﺪ أﺧﺘﻚ إﻟﻰ اﻟﻨﺰل!اﻧﺼﺮف )ﻟﯿﺚ( دون أن ﻳﻨﻄﻖ ﺑﻜﻠﻤﺔ ،واﺳﺘﺪارت )أروى( ﺧﻠﻔﻪ ﻣﻄﺄطﺌﺔ رأﺳﮫﺎ ﺣﱠﺪة وﻗﺪ اﻋﺘﺮاھﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺨﻮف ،اﻧﺘﻈﺮ ﺣﺘﻰ اﺑﺘﻌﺪا ﻋﱠﻨﺎ ﺑﻤﺴﺎﻓﺔ ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻲ ﻓﻲ ِ ﻟﻢ ﻳﺘﺤﺪث ﺑﮫﺎ ﻣﻌﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ: اﺳﻤﻊ ﻳﺎ ﻏﻼم ،إن ﻟﻠﻘﺒﯿﻠﺔ أﻋﺮاًﻓﺎ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﺘﺠﺎوزھﺎ!ﻗﻠﺖ ﻣﻌﺘﺬًرا: -أﻋﺘﺬر ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )دوﻣﺔ( إن ﺗﻤﺎدﻳﺖ ﻓﻲ ﻓﺮﺣﻲ! ﻟﻢ ﻳﻠﺘﻔﺖ إﻟﻰ اﻋﺘﺬاري وﻗﺎل: أراك ﻻ ﺗﺪرك أﻧﻨﺎ ﻓﻲ أﻳﺎم ﺣﺰن ﻻ وﻗﺖ ﻓﯿﮫﺎ ﻟﻤﺮح اﻟﺼﺒﯿﺔ!ﺷﻌﺮت ﺑﻤﺰﻳﺞ ﻣﻦ اﻟﺨﺠﻞ واﻹھﺎﻧﺔ ،ﻓﺘﺎﺑﻊ ﻓﻲ ﻟﮫﺠﺔ أﻛﺜﺮ ﻗﺴﻮة: ﻛﻤﺎ أن ﻓﺘﯿﺎت اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ ﻻ ﻳﺨﺘﻠﻄﻦ ﺑﺎﻟﻐﺮﺑﺎء ،ﻓﻼ ﻳﻐﱠﺮﻧﻚ ﺳﻤﺎﺣﺔ اﻟﺸﯿﺦ ﻣﻌﻚ!ﻟﻢ أﺟﺪ ﻣﺎ أﻗﻮﻟﻪ ،وﻋﺠﺰ ﻟﺴﺎﻧﻲ ﻋﻦ اﻟﻨﻄﻖ ،وأزاح ﻋﻨﻲ ﻋﺐء اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻣﻘﺪم اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،اﻟﺬي رأى اﻟﻌﺮﺑﺔ ﻓﻘﺎل: ﺑﺎرك اﻟﺮب ﻓﯿﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻣﺎ ﺗﺨﯿﻠﺖ أﻧﻚ ﺑﺎرع إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺤﺪ ،زﻓﺮت ﻣﺎ ﻓﻲﺻﺪري ﻣﻦ ﺗﻮﺗﺮ وأﻧﺎ أﻗﻮل: ﺷﻜًﺮا ﺳﯿﺪي اﻟﺸﯿﺦ ﺛﻢ وﺟﮫﺖ ﻛﻼﻣﻲ ﻟﻠﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻗﺎﺋًﻼ: واﻟﺸﻜﺮ ﻟﻠﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ،ﻓﮫﻮ اﻟﺬي أﻗﺮﺿﻨﻲ اﻟﻤﺎل وﻟﻮﻻه ﻣﺎ ﺻﻨﻌﺘﮫﺎ.ﻗﺎل )دوﻣﺔ( ﻓﻲ ﺟﻔﺎء ﻟﻢ ﻳﺨﻒ ﻋﻦ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: ﻟﻢ أﻋﻄﻚ اﻟﻤﺎل ﻗﺮ ًﺿﺎ ﻳﺎ ﻓﺘﻰ ،ﺑﻞ ھﻮ ﺣﻘﻚ ،ﻓﻨﺤﻦ ﻻ ﻧﺒﺨﺲ اﻷﺟﯿﺮ ﺣﻘﻪ. ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺨﺰي ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺔ )اﻷﺟﯿﺮ( ،وأدرﻛﺖ أن اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻀﻊ ﺣﺪا ﻟﻌﻼﻗﺘﻲ ﺑﮫﻢ ،اﺑﺘﻠﻌﺖ ﻟﻌﺎﺑﻲ وأظﮫﺮت ﻓﻲ ﺻﻮﺗﻲ اﻻﻣﺘﻨﺎن رﻏﻢ اﻷﻟﻢ وأﻧﺎ أﻗﻮل: ﺣﻘﻲ أﺧﺬﺗﻪ طﻌﺎًﻣﺎ وﻣﺄوى وزاد ﻋﻠﯿﻪ اﻟﻜﺮم واﻟﻠﻄﻒ ﻣﻨﻜﻢ ﺳﯿﺪي اﻟﺸﯿﺦ،واﺳﻤﺢ ﻟﻲ أن أرد إﻟﯿﻜﻢ اﻟﻤﺎل ﻓﻲ ﺑﻜﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻋﺰﻣﺖ أن أﻋﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﻨﺠﺎرة ﺣﯿﻦ ﻧﺼﻞ. ﺷﻌﺮ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺑﺄن ﺣﺪﻳًﺜﺎ ﻏﯿﺮ ود ّ يٍ ﻳﺠﺮي ،ﻓﻘﺎل ﻣﻐﯿًﺮا اﻟﺤﺪﻳﺚ: ﻢ اﻟﻌﻤ ُ ﻧِﻌ َﻞ اﻟﻨﺠﺎرة ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(! ﺛﻢ أردف: أﺗﺪري أن ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻧﻮح( ﻛﺎن ﻧﺠﺎًرا!! ﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ ﺑﺄﻣﺮ ھﺬا اﻟﻨﺒﻲ ،ﻓﻘﺪ أﺧﺒﺮﻧﻲ أﺑﻲ أن أﻏﻠﺐ ﻣﻦ ﻓﻲ اﻷرض ھﻢ ﻣﻦ أﺑﻨﺎﺋﻪ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﻋﻠﻢ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻧﺠﺎًرا ،ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ ﻣﺠﺎرﻳًﺎ ﺣﺪﻳﺜﻪ: ﺣﻘﺎ!ﻗﺎل: -ﻧﻌﻢ ،ﻓﮫﻮ اﻟﺬي ﺻﻨﻊ اﻟﻔﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺣﻤﻠﺖ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ،ﻟﻮ أراد ﷲ أن ﻳﻨ ِﺰّل ﻋﻠﯿﻪ اﻟﻔﻠﻚ ﻷﻧﺰﻟﮫﺎ ﻛﻤﺎ أﺧﺮج ﻧﺎﻗﺔ ﺻﺎﻟﺢ ،وﻟﻜﻨﻪ أراد ﻟﻪ أن ﻳﺼﻨﻌﮫﺎ ﺑﯿﺪه! وﺣﻤﻠﻪ ﻳﻘﯿﻨﻪ إﻟﻰ أن ﻳﺼﻨﻌﮫﺎ ﻓﻲ ﺻﺤﺮاَء ﻻ ﻳَ ﱠ ﻢ ﻓﯿﮫﺎ وﻻ ﺑَﺤﺮ. ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﻋﻔﻮﻳﺔ: اﻟﯿﻘﯿﻦ ﻳﻤﻨﺢ اﻟﻘﻮة ﻳﺎ ﺳﯿﺪي ،وﻳﻘﯿﻨﻲ أن اﻟﺮب ﻻ ﻳﺨﺬل أﻧﻘﯿﺎء اﻟﻘﻠﺐ ﺷﻌﺮتﺑﺎﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ أن أﻧﺼﺮف ،ﻓﻘﻠﺖ: اﺳﻤﺢ ﻟﻲ ﺳﯿﺪي اﻟﺸﯿﺦ ﺑﺄن أﻋﯿﺪ اﻟﻌﺮﺑﺔ واﻷﺗﺎن إﻟﻰ ﻣﺮﺑﻂ اﻟﺪواب ﻓﻘﺪأوﺷﻜﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻐﯿﺐ. ﺗﺮﻛﺘﮫﻤﺎ وﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ وﺧﺰة ،وﺷﻌﻮر ﺑﺎﻟﺤﺰن ﻣﻦ ﺗﻐﯿﱡﺮ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( اﻟﺬي ﻟﻢ أﻋﻠﻢ ﻟﻪ ﺳﺒﺒًﺎ ،درت ﺣﻮل اﻟﺘﻞ واﻗﺘﺮﺑﺖ ﻣﻦ ﻣﺮﺑﻂ اﻟﺪواب ﻓﻮﺟﺪت اﻟﻔﺘﻰ )ﻟﯿﺚ( ﺑﺎﻧﺘﻈﺎري ،اﻗﺘﺮب ﻣﻨﻲ وﻗﺎل: ﻻ ﺗﺤﺰن ،ﻗﺪ ﺳﻤﻌﺖ ﻛﻼﻣﻪ!ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أﺗﻨﮫﺪ: ﻟﺴﺖ ﺣﺰﻳًﻨﺎ ﻣﻨﻪ ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ﺣﺰﻳﻦ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻲ ،ﻓﯿﺒﺪو أﻧﻲ ﻗﺪ أﻓﺮطﺖ ﻓﻲاﻟُﻘﺮب! ھﱠﺰ رأﺳﻪ ﻧﻔﯿًﺎ وﻗﺎل: اﻷﻣﺮ ﻟﯿﺲ ﻛﺬﻟﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻓﮫﺬا ھﻮ اﻟﻤﻌﺘﺎد ﻣﻦ ﻋﻤﻲ )دوﻣﺔ(!ﺛﻢ ﺗﺎﺑﻊ ﻓﻲ ﺣﺰن: أﺗﻤﻨﻰ أﻻ ﺗﻄﻮل ﻏﯿﺒﺔ أﺑﻲ!ﻓﺈﻧﻲ ﻟﻦ أطﯿﻖ اﻟﺤﯿﺎة ﻓﻲ ﺑﻜﺔ دوﻧﻪ! ﺷﻌﺮت ﺑﺄن اﻟﻔﺘﻰ ﻳﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﺰن ﻓﻘﻠﺖ ﻣﮫﻮﻧًﺎ: ﺳﯿﻌﻮد ﺑﻤﺸﯿﺌﺔ اﻟﺮب ﻳﺎ )ﻟﯿﺚ(.ﺛﻢ ﺳﺄﻟﺘﻪ: وﻟﻜﻨﻲ ﻻ أﻋﻠﻢ ﻟﻤﺎذا ﺗﻐﯿﺮ ﺧﺎطﺮ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻧﺤﻮي؟!ﺗﻨﮫﺪ ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻟﻢ ﻳﺘﻐﯿﺮ ،ﻓﺘﻠﻚ ﻣﺸﺎﻋﺮه داﺋ ًﻤﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﻐﺮﺑﺎء! ﺿﺎﻳﻘﺘﻨﻲ ﻛﻠﻤﺘﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻣﻮﺿ ً ﺤﺎ: -إن ﻋﻤﻲ )دوﻣﺔ( ﺷﺪﻳﺪ اﻻﻋﺘﺰاز ﺑﻘﺒﯿﻠﺘﻨﺎ وﺑﻘﺒﯿﻠﺔ زوﺟﺘﻪ )ھﻨﺪ( اﻟﺠﺮھﻤﯿﺔ! وﻳﺸﻌﺮ ﺑﻔﻀﻠﮫﻤﺎ ﻋﻤﻦ ﺳﻮاھﻤﺎ ،ورﺑﻤﺎ ﻗﺪ ﺳﺎءه أﻧﻚ ﺗﺤﺪﺛﺖ ﻓﻲ أﻣﺮ ﺑﻨﻲ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( و)ﺟﺮھﻢ( أﻣﺎم اﻟﻨﺎس. ﺳﺄﻟﺘﻪ: وھﻞ أﻣﻚ ﻣﻦ ﻗﺒﯿﻠﺔ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(!ھﺰ رأﺳﻪ ﻧﻔﯿًﺎ وﻗﺎل: ﻛﻼ إن أﺧﻮاﻟﻲ ﻓﺮع ﻣﻦ ﻗﺒﯿﻠﺔ ﻳﻘﺎل ﻟﮫﺎ )ُﻋﺒﯿﻞ( ﺳﻜﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﺸﻤﺎل ﻣﻦ ﺑﻜﺔﻓﻲ أرض ﻳﻘﺎل ﻟﻪ )ﻳﺜﺮب(. ﺛﻢ أردف ﻓﻲ ﺣﻠﻢ: أﺗﺪري ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( أﻧﻨﻲ أﺗﻤﻨﻰ داﺋ ًﻤﺎ أن أﻋﯿﺶ ﻓﻲ )ﻳﺜﺮب( ،ﻻ ﻳﺰال ﻗﻠﺒﻲ ﻣﻌﻠًﻘﺎ ﺑﺒﺴﺎﺗﯿﻨﮫﺎ وﻧﺨﯿﻠﮫﺎ وھﻮاﺋﮫﺎ اﻟﻄﯿﺐ ،وﻣﺎ زﻟﺖ أذﻛﺮ دﻳﺎر أﺧﻮاﻟﻲ اﻟﻤﺤﺎطﺔ ﺑﺄﺷﺠﺎر اﻟﺰﻳﺘﻮن وَﻛﺮﻣﺎت اﻟﻌﻨﺐ. أدرﻛﺖ أن اﻟﺼﺒﻲ ﻗﺪ اﻛﺘﺴﺐ رﻗﺔ اﻟﻘﻠﺐ ،ﻣﻦ أﻣﻪ ،واﻟﺘﻲ اﻛﺘﺴﺒﺘﮫﺎ ﺑﺪورھﺎ ھﺮ ﻣﻦ اﻷرض اﻟﺘﻲ ﻧﺒﺘﺖ ﻓﯿﮫﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻋﻠﻤﺘﻨﻲ اﻟﺤﯿﺎة أن اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺜﻞ اﻟﻨﺒﺎتُ ،ﻳﺰ ِ ﺑﻘﺪِر ﻣﺎ ﺗﻤﻨﺤﻪ أرﺿﻪ! ﺷ ﱠ ﻓﻤﻦ ذاق ُ ﺢ اﻟﺼﺤﺮاء ،ﻻ ُﻳِﺰھﺮ إﻻ ﺷﻮًﻛﺎ ،وﻣﻦ ذاق ﻧﻌﯿ َ ﻢ اﻟﻤﺪنُ ،ﻳِﺰھﺮ وروًدا وﻳﺎ َ ﺳﻤﯿﻦ. ﺛﻢ ﻗﻄﻊ ﺗﻔﻜﯿﺮي ﻗﺎﺋًﻼ: اﻟﻌﺠﯿﺐ أن )ﻋﻤﺮو( ﻟﻢ ﻳﺮث ﺷﯿًﺌﺎ ﻣﻦ ﻋﻤﻲ )دوﻣﺔ( ،ﺑﻞ إن اﻟﻨﺎس ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻈﻨﻪأﺧﻲ ﻣﻦ ﻛﺜﺮة ﻗﺮﺑﻪ ﻷﺑﻲ! ﺛﻢ ﻗﺎل ﻣﻌﺠﺒًﺎ: )ﻋﻤﺮو( ھﻮ ﻓﺎرس ﻗﺒﯿﻠﺘﻨﺎ ،وأﻣﯿﺮھﺎ اﻟﻤﺮﺗﻘﺐ!ﻓﻘﺪ أﺧﺬ ﻣﻦ أﺑﯿﻪ ﻏﯿﺮﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﯿﻠﺘﻨﺎ وﺣﺒﻪ ﻟﮫﺎ ،وأﺧﺬ ﻣﻦ أﺑﻲ اﻟﺤﻜﻤﺔ وﺣﺐ اﻟﻨﺎس ،أﺗﻌﻠﻢ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،أﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﻳﻘﯿﻦ ﺑﺄن )ﻋﻤﺮو( ﺳﯿﻜﻮن ﺳﯿﺪ ﺑﻜﺔ ﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم. ھﺮ ﺑﻘﺪِر ﻣﺎ ﺗﻤﻨﺤﻪ أرﺿﻪ! ﻓﻘﺪ ﻋﻠﻤﺘﻨﻲ اﻟﺤﯿﺎة أن اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺜﻞ اﻟﻨﺒﺎتُ ،ﻳﺰ ِ ﺷ ﱠ ﻓﻤﻦ ذاق ُ ﺢ اﻟﺼﺤﺮاء ،ﻻ ُﻳِﺰھﺮ إﻻ ﺷﻮًﻛﺎ ،وﻣﻦ ذاق ﻧﻌﯿ َ ﻢ اﻟﻤﺪنُ ،ﻳِﺰھﺮ وروًدا وﻳﺎ َ ﺳﻤﯿﻦ. ارﺗﺠﻒ ﻗﻠﺒﻲ ﻏﯿﺮًة ،وﺣﺎك ﻓﻲ ﺻﺪري ﺷﻌﻮٌر ﻛﺮھﺖ أن ﻳﻄﻠﻊ ﻋﻠﯿﻪ )ﻟﯿﺚ(، ﻓﻮأدُﺗﻪ ﻓﻲ ﻣﮫﺪه وأﻧﺎ أﻗﻮل ﺻﺎدًﻗﺎ: ﻢ اﻟﺸﺎب )ﻋﻤﺮو( ،أﺳﺄل ﷲ أن ﻳﻌﯿﺪه ﺳﺎﻟ ً ﻧِﻌ َﻤﺎ ھﻮ وواﻟﺪك اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ(. ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﻗﺪ أﺷﺮﻓﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻐﯿﺐ ،ﻓﺸﻜﺮﺗﻪ واﻧﺼﺮﻓﺖ ﻋﺎﺋًﺪا إﻟﻰ اﻟﻨﺰل، وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﺻﻌﺪ اﻟﺘﻞ ﻻح ﻟﻲ اﻟﻘﻤﺮ اﻟﺬي ﺻﺎر أﺣﺪ َ ب ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ،ﻳﺘﻮارى ﺧﻠﻒ اﻟﻐﻤﺎم ﻓﻲ ﺧﺠﻞ ،وﻳﺒﮫﺖ ﻧﻮره ﻓﻲ أوﻟﻰ ﻟﺤﻈﺎت اﻟﻐﺮوب وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻳﻨﺘﻈﺮ أن ﺗﻐﯿﺐ اﻟﺸﻤﺲ ﻛﻲ ﻳﺤﯿﻦ دوره وﻳﺴﻄﻊ ﻧﻮره ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ،ﻓﺸﻌﺮت ﺑﺄن اﻟﺴﻤﺎء ﺗﮫﻤﺲ ﻓﻲ أذﻧﻲ ﻗﺎﺋﻠﺔ: ُ إن ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة أﻗﻤﺎًرا وﺷﻤﻮ ً ﺳﺎ ،وأِذن ﻟﻸﻗﻤﺎر أن ﺗﺨﺒﻮ ﻓﻲ ﺣﻀﺮة اﻟﺸﻤﻮس! ∞∞∞∞∞ ﻓﻲ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ ،اﺳﺘﯿﻘﻈﺖ وﻗﺖ اﻟﺴﺤﺮ ﻋﻠﻰ طﺮق طﻔﯿﻒ ﻋﻠﻰ ﺑﺎب ﺣﺠﺮﺗﻲ ،ﻗﻤﺖ وﻓﺘﺤﺖ اﻟﺒﺎب ﻓﻮﺟﺪت اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻳﺤﻤﻞ ﻗﻨﺪﻳﻞ اﻟﺰﻳﺖ وﺧﻠﻔﻪ )ﻋﺪﻧﺎن( اﻟﺬي اﻣﺘﺪ ظﻠﻪ ﻓﻮق اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺣﺘﻰ طﻐﻰ ﻋﻠﻰ ﺿﻮء اﻟﻤﺼﺒﺎح، وھﻮ ﻳﺤﻤﻞ ﺑﯿﻦ ذراﻋﯿﻪ ﺷﯿًﺌﺎ أﺧﻔﺎه ﺑﻐﻄﺎء ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎن. دﺧﻼ إﻟﻰ اﻟﺤﺠﺮة ،ﻓﺄﻏﻠﻖ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( اﻟﺒﺎب ﺧﻠﻔﻪ وﻗﺎل ﻓﻲ ﺻﻮت ﺧﻔﯿﺾ: ﺿﻌﻪ ھﻨﺎ ﻳﺎ )ﻋﺪﻧﺎن(.ﺣﻤﻠَﻪ ﻋﻠﻰ اﻷرض ورﻓﻊ ﻋﻨﻪ ﻏﻄﺎء اﻟﻜﺘﺎن ،ﻓﻮﺟﺪﺗﻪ ﺻﻨﺪوًﻗﺎ ﺑﺪﻳﻊ وﺿﻊ )ﻋﺪﻧﺎن( ِ اﻟﺼﻨﻊ ،ﻣﺼﻨﻮًﻋﺎ ﻣﻦ ﺧﺸﺐ اﻟﺴﺎج اﻟﻤﻄﻌﻢ ﺑﺎﻟﻨﺤﺎس ﻓﻲ ﺟﻮاﻧﺒﻪ ،ذﱠﻛﺮﻧﻲ ﺑﺼﻨﺪوق »اﻟﻌﺮوس« اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺼﻨﻌﻪ أﺑﻲ ﻓﻲ ﺣﯿﻨﺎ ﻟﻔﺘﯿﺎت اﻟﻨﺰل اﻟ ُ ﻤﻘﺒﻼت ﻋﻠﻰ اﻟﺰواج ،ﻓﻘﻠﺖ ﻣﺒﺘﺴ ً ﻤﺎ: أھﺬا ﺻﻨﺪوق اﻟﻌﺮوس؟!أوﻣﺄ )ﻋﺪﻧﺎن( ﺑﺮأﺳﻪ وھﻮ ﻳﻘﻮل ﺑﺼﻮﺗﻪ اﻟﺮﻧﺎن اﻟﺬي ﻳﺸﺒﻪ طﺮﻗﺎت اﻟﻤﻌﺪن: ﻧﻌﻢ وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﺴﻤﯿﻪ ھﻨﺎ )ﺻﻨﺪوق اﻟﻤﺒﯿﺖ(.ﺛﻢ أردف: وﻟﻜﻦ ھﺬا اﻟﺼﻨﺪوق ﻟﯿﺲ ﺻﻨﺪوًﻗﺎ ﻋﺎدﻳﺎ.ﺛﻢ ﺟﻠﺲ اﻟﻘﺮﻓﺼﺎء ﻓﺘﺴﺎوت رأﺳﻪ ﻣﻊ ﻛﺘﻔﻲ وأﺷﺎر إﻟﻰ ﻣﻮﺿﻊ أرﺑﻌﺔ ﻣﺰاﻟﯿﺞ دﻗﯿﻘﺔ أﺧﻔﺎھﺎ ﺑﺪﻗﺔ ﻓﻲ ﺣﻮاﺷﻲ اﻟﻐﻄﺎء وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻻ ﻳﻨﻔﺘﺢ ﻏﻄﺎء اﻟﺼﻨﺪوق إﻻ إذا ﻓﺘﺤﺖ ﻣﺰاﻟﯿﺠﻪ اﻷرﺑﻌﺔ أوًﻻ!وﺑﻌﺪ أن ﻓﺘﺢ اﻟﻤﺰاﻟﯿﺞ ،رﻓﻊ اﻟﻘﻔﻞ ﻋﻦ اﻟﻐﻄﺎء ،ﻓﺎﻧﻔﺘﺢ ﻏﻄﺎء اﻟﺼﻨﺪوق وﺳﻂ دھﺸﺘﻨﺎ ﺑﺼﻨﯿﻌﻪ. أﺷﺎر إﻟﻰ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻛﻲ ﻳﺪﻧﻲ ﻣﺼﺒﺎﺣﻪ ﻣﻦ اﻟﺼﻨﺪوق ،ﻓﺄدﻧﺎه وﻧﻈﺮﻧﺎ إﻟﻰ ﺟﻮف اﻟﺼﻨﺪوق ﻓﺒﺪا أﻣﺎم أﻋﯿﻨﻨﺎ ﻓﺎرًﻏﺎ ،اﺑﺘﺴﻢ ﻟﺪھﺸﺘﻨﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﺑﺴﻌﺎدة ﺟﻌﻠﺖ ﺻﻮﺗﻪ أﻛﺜﺮ رﻧﯿًﻨﺎ: ﻟﻮ ﻓﺘﺢ أﺣﺪھﻢ اﻟﺼﻨﺪوق ﺳﯿﺠﺪه ﻓﺎرًﻏﺎ ،وﻟﻜﻨﻪ إذا ﺟﺬب ﺗﻠﻚ اﻟﺬراع اﻟﺼﻐﯿﺮةھﻨﺎ ﺳﯿﻨﻔﺘﺢ ﻗﺎع اﻟﺼﻨﺪوق ھﻜﺬا. ﺛﻢ ﺟﺬب اﻟﺬراع اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻟﺖ ﻓﻲ ﺧﻔﺎء ﻓﻲ زاوﻳﺘﻪ ،ﻓﺈذا ﺑﻘﺎع اﻟﺼﻨﺪوق ﻳﺪور ﻣﻨﻘﻠﺒًﺎ ﻷﻋﻠﻰ ﻛﺎﺷًﻔﺎ ﻋﻦ ﺣﺠﺮة ﺳﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻗﺎﻋﻪ ﺗﺮاﺻﺖ ﻓﯿﮫﺎ ﻋﺸﺮات اﻟﺴﺒﺎﺋﻚ ﻣﻦ اﻟﺬھﺐ اﻟﺘﻲ ﺗﻸﻷ ﺑﺮﻳﻘﮫﺎ ﻣﻊ ﺿﻮء اﻟﻤﺼﺒﺎح ﺣﺘﻰ ﻛﺎد أن ﻳﺬھﺐ ﺑﺎﻷﺑﺼﺎر. ﻗﺎل )ﻋﺪﻧﺎن(: ﻋﺸﺮون ﺳﺒﯿﻜﺔ ،ﻛﻞ ﺳﺒﯿﻜﺔ ﺑﺄﻟﻒ دﻳﻨﺎر.ھﺘﻔﺖ ﻓﻲ اﻧﺒﮫﺎر ﻗﺎﺋًﻼ: ﻳﺎ ﻟﻠﺮوﻋﺔ!ﻛﯿﻒ ﺻﻨﻌﺖ ھﺬا اﻟﺼﻨﺪوق اﻷﻋﺠﻮﺑﺔ. ﻗﺎل: ﻟﻢ أﺻﻨﻌﻪ وﻟﻜﻦ أﻋﻄﺎﻧﯿﻪ ﺗﺎﺟﺮ ﻣﻦ )ﻣﺼﺮ( ﻣﻨﺬ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات ﻛﻲ أﺻﻠﺤﻪ ،ﻓﻠﻤﺎﺗﺄﺧﺮت ﻋﻠﯿﻪ ﺑﺎﻋﻪ ﻟﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻣﺒﻠﻎ زھﯿﺪ ،ﺛﻢ ﺿﺤﻚ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻗﻀﯿﺖ ﺛﻼﺛﺔ أﻋﻮام ﻛﻲ أﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ إﺻﻼﺣﻪ وﻓﮫﻢ طﺮﻳﻘﺔ ﺻﻨﻌﻪ اﻟﻌﺠﯿﺒﻪ.اﺑﺘﺴﻢ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( وﻗﺎل: ﺣﻘﺎ إن ﻣﺜﻞ ھﺬه اﻷﻋﺎﺟﯿﺐ ﻻ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﮫﺎ ﺳﻮى اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ.ﺛﻢ أردف وھﻮ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﯿﻪ ﺷﺎﻛًﺮا: وﻟﻦ ﻧﺠﺪ أﻓﻀﻞ ﻣﻦ ھﺬا اﻟﺼﻨﺪوق ﻛﻲ ﻧﺤﻔﻆ ﻓﯿﻪ أﻣﺎﻧﺔ )ﺷﮫﺒﻮر( ،ﻗﺎم)ﻋﺪﻧﺎن( ﻣﻦ ﻗﺮﻓﺼﺎﺋﻪ ﻓﻜﺎدت رأﺳﻪ أن ﺗﺮﺗﻄﻢ ﺑﺴﻘﻒ اﻟﺤﺠﺮة ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ أدب ﺟﻢ: أرﺟﻮ أن ﺗﻘﺒﻠﻪ ھﺪﻳﺔ ﻣﻨﻲ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(.رﺑﺖ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻋﻠﻰ ﻳﺪه وھﻮ ﻳﻘﻮل: ھﺪﻳﺔ ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ.ﺛﻢ وﺿﻊ ﻛﯿ ً ﺴﺎ ﻛﺒﯿًﺮا ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد ﻓﻲ ﻳﺪه وھﻮ ﻳﻘﻮل: -وھﺬا أﺟﺮ ﻣﺎ ﺻﻨﻌﺘﻪ ﺑﺎﻟﺬھﺐ ،وﻧﺤﻤﺪ ﻟﻚ أن ﺣﻔﻈﺖ أﻣﺎﻧﺘﻨﺎ وﻛﺘﻤﺖ ﺳﺮﻧﺎ. ﺷﻜﺮه )ﻋﺪﻧﺎن( ﺛﻢ أﺧﺬ ﻏﻄﺎء اﻟﻜﺘﺎن ﻓﺄﺳﺪﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ وﺷﺪ طﺮﻓﻪ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﺒﺎب وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺘﺨﻔﻰ ،رﻏﻢ أن ھﯿﺌﺘﻪ ﻻ ﺗﺨﻔﻰ ﻋﻠﻰ أﻋﺸﻰ ﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻞ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻓﻲ ظﻼم اﻟﻠﯿﻞ! ﺳﺄﻟﺖ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: أﻳﻦ ﺳﻨﺨﻔﻲ اﻟﺼﻨﺪوق؟!ﻗﺎل: ﻟﻦ ﻧﺨﻔﯿﻪ!ھﺬا ھﻮ ﺻﻨﺪوق )ﺷﻤﻌﻮن( اﻟﻨﺠﺎر اﻟﺒﺎرع ،اﻟﺬي ُ ﺳِﺮﻗﺖ أوراﻗﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻓﺼﻨﻊ ھﺬا اﻟﺼﻨﺪوق ﻛﻲ ﻳﺤﻔﻆ ﻓﯿﻪ أوراﻗﻪ وأﻏﺮاﺿﻪ ،اﺑﺘﺴﻤﺖ ﻟﻤﺎ ﻗﺎل ،وﺷﻜﺮﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺛﻘﺘﻪ ﺑﻲ ﻗﺎﺋًﻼ: أﺷﻜﺮك ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(.أﺟﺎب: اﻟﺸﻜﺮ ﻟﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ﻋﻠﻰ ﺣﻔﻆ اﻷﻣﺎﻧﺔ ،وﻛﺘﻤﺎن اﻟﺴﺮ.ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺤﺮص: أﻟﯿﺲ ﻣﻦ اﻷﻓﻀﻞ أن ﻳﻌﻠﻢ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﺑﺄﻣﺮ اﻟﺬھﺐ؟!ﺳﺎر ﺧﻄﻮات ﻧﺤﻮ اﻟﺴﺮﻳﺮ اﻟﺤﺠﺮي ﻓﻮﺿﻊ اﻟﻘﻨﺪﻳﻞ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﺛﻢ ﺟﻠﺲ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺮﻳﺮ وﻗﺎل: ﻧﻌﻢ!ﻟﯿﺲ ﻣﻦ اﻷﻓﻀﻞ أن ﻳﻌﻠﻢ )دوﻣﺔ( ،وﻻ أي ﺷﺨﺺ آﺧﺮ ﻓﻲ اﻟﻨﺰل ،ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮد )ﻧﺎﺑﺖ( و)ﻋﻤﺮو( أو ﻳﻌﻮد )ﺷﮫﺒﻮر(! ﺟﻠﺴﺖ ﻋﻠﻰ اﻷرض أﻣﺎﻣﻪ واﻟﻘﻨﺪﻳﻞ ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻨﻪ ﺛﻢ ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أﺗﺤﺴﺲ ﻛﻠﻤﺎﺗﻲ: أﺧﺸﻰ أن ﻳﺴﺘﺎء اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم ﻣﻦ أن ﺷﺎﺑﺎ ﻋﺒﺮاﻧﯿﺎ ﻗﺪﻋﻠﻢ ﺳﺮا أ ُ ﺧِﻔﻲ ﻋﻨﻪ! ﻗﺎل وﻗﺪ ﻓﮫﻢ ﻣﺎ أرﻣﻲ إﻟﯿﻪ: اﻟﻤﺎل ﻟﯿﺲ ﻣﺎل اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ،وﻗﺪ ﻋﮫﺪ إﻟﯿﻚ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺑﺤﻔﻈﻪ ،ﻓﺄﺗِ ﱠﻢ إﻟﯿﻪ ﻋﮫﺪه وﻻ ﺗﻠﺘﻔﺖ ﻟﺸﻲء آﺧﺮ. ﺻﻤ َ ﺖ ﻟﺤﻈﺎت ﺛﻢ ﻣﺴﺢ ﻋﻠﻰ ذﻗﻨﻪ ﻛﻌﺎدﺗﻪ ،ﺛﻢ ﺗﺎﺑﻊ: اﺳﻤﻊ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻻ ﺗﺒﺘﺌﺲ ﺑﻤﺎ ﻗﺎﻟﻪ )دوﻣﺔ( ﻓﻜﻠﻨﺎ ﻓﻘﺮاء إﻟﻰ ﷲ وﻛﻠﻨﺎأﺟﯿٌﺮ ﻳﺴﺄل ﷲ اﻷﺟﺮ. ﻗﻠﺖ ﺻﺎدًﻗﺎ: ﻟﺴﺖ ﺑﺎﺋ ًﺴﺎ وﻻ ﺣﺰﻳًﻨﺎ ﻓﻠﻮﻻﻛﻢ ﻟﮫﻠﻜﺖ ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳﺔ أو ﻛﻨﺖ ﻋﺒًﺪا ﻳﺒﺎع وﻳﺸﺘﺮى؟! ﺛﻢ أردﻓﺖ وﻗﺪ أﺧﺬﻧﻲ اﻟﺤﻤﺎس: أﺗﺪري ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( أن ﻧﺒﯿﻨﺎ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻗﺪ ﻋﻤﻞ أﺟﯿًﺮا ﻋﻨﺪ اﻟﻜﺎھﻦ )ﻳﺜﺮون(ﺑﻌﺪ أن ﺗﺮﺑﻰ ﻓﻲ ﻗﺼﺮ اﻟﻔﺮﻋﻮن ﻓﻲ ﻣﺼﺮ! ﻧﻈﺮ إﻟ ﱠ ﻲ ﺑﺎھﺘﻤﺎم وﻛﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﻌﺮف ﺑﺎﻷﻣﺮ ،ﻓﺘﺎﺑﻌﺖ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻛﺎن ﺷﺎﺑﺎ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻋﻤﺮي ﺣﯿﻦ رأى ﺷﺎﺑﺎ ﻋﺒﺮاﻧﯿﺎ ﻳﻘﺎﺗﻞ رﺟًﻼ ﻣﺼﺮﻳﺎ،ﻓﺎﺳﺘﻨﺠﺪ اﻟﺸﺎب اﻟﻌﺒﺮاﻧﻲ ﺑﻤﻮﺳﻰ ﺣﯿﻦ أوﺷﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﮫﻼك ،ﻓﺪﻓﻊ )ﻣﻮﺳﻰ( اﻟﺸﺎب اﻟﻤﺼﺮي ﻋﻨﻪ ﻓﺄرداه ﻗﺘﯿًﻼ ﻓﻲ اﻟﺤﺎل! ﺑﺎن ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺘﻌﺠﺐ ﻓﻘﻠﺖ: وﻟﻤﺎ أﺣﺲ )ﻣﻮﺳﻰ( ﺑﺄن ﻗﺼﺮ اﻟﻔﺮﻋﻮن ﻗﺪ ﻋﻠﻢ ﺑﺎﻷﻣﺮ ھﺮب إﻟﻰ )ﻣﺪﻳﻦ(ﻓﻘﺎﺑﻞ ھﻨﺎك اﻟﻜﺎھﻦ )ﻳﺜﺮون( وﺗﺰوج ﻣﻦ اﺑﻨﺘﻪ )ﺻﻔﻮرة(. ﺗﺮاﻗﺼﺖ ذؤاﺑﺔ اﻟﻀﻮء ﻣﻊ زﻓﺮة ﻣﻨﻪ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻳﺎ ﻟﺮﺣﻤﺔ ﷲ!ﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﯿﺒﻌﺜﻪ ﻧﺒﯿﺎ وھﻮ ﻳﻨﻌﻢ ﺑﺮﻏﺪ اﻟﻌﯿﺶ ﻓﻲ ﻗﺼﻮر ﻣﺼﺮ! ﻤ َ ﺤﻦ ،ﺛﻢ أﺧﺬه ﻣﻦ ﺿﯿﻖ اﻟﻜﺮب إﻟﻰ ﺳﻌﺔ اﻟَﻔَﺮج وأﻋﻄﺎه ﺧﯿًﺮا ﻣﻤﺎ أﺧﺬ رﺑﱠﺎه ﺑﺎﻟ ِ ﻣﻨﻪ! وﺗﻠﻚ ﺗﺮﺑﯿﺔ اﻷﻧﺒﯿﺎء ﻳﺎ ﺑﻨﻲ! ﺿﻤﻤﺖ ﺳﺎﻗﻲ وأﺣﻄﮫﻤﺎ ﺑﺬراﻋﻲ وأﻧﺎ أﻗﻮل: أﺗﺪري ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻣﺎذا ﻛﺎن ﻣﮫﺮ زوﺟﺘﻪ؟!ھﺰ رأﺳﻪ ﻧﻔﯿﺎ ،ﻓﺄﺟﺒﺖ: أن ﻳﻌﻤﻞ أﺟﯿًﺮا ﻋﻨﺪ اﻟﻜﺎھﻦ )ﻳﺜﺮون( ﺛﻤﺎن ﺳﻨﻮات ﻳﺮﻋﻰ ﻟﻪ ﻓﯿﮫﺎ أﻏﻨﺎﻣﻪ!وﻟﻜﻨﻪ ﻣﻜﺚ ﻣﻌﮫﻢ ﻋﺸﺮة أﻋﻮام ﺣﺘﻰ أرﺳﻠﻪ ﷲ إﻟﻰ ﻓﺮﻋﻮن! ! اﺑﺘﺴﻢ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻻ ﻋﺠﺐ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ﻓﺬﻟﻚ ﻋﺰم اﻷﻧﺒﯿﺎء.اﺳﺘﻐﺮﻗﺘﻨﺎ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﻤﺖ ﺗﻼﺣﻘﺖ ﻓﯿﮫﺎ أﻧﻔﺎﺳﻲ ﺣﺘﻰ ﻛﺎدت أن ﺗﻄﻔﺊ اﻟﻤﺼﺒﺎح ،ﺛﻢ ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﻣﺒﺎﺷﺮة: وﻟﻜﻨﻲ أﻣﻠﻚ ﻣﻦ اﻟﻌﺰم ﻳﺎ ﺳﯿﺪي اﻟﺸﯿﺦ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻠﻨﻲ أﻋﻤﻞ أﺟﯿًﺮا ﻟﺪﻳﻚ ﻣﺎﺑﻘﻲ ﻣﻦ ﻋﻤﺮي! رأﻳﺖ اﻟﻌﺠﺐ ﻳﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ ﻓﻲ ﺿﻮء اﻟﻤﺼﺒﺎح ،ﻓﺄردﻓﺖ وﻗﺪ ﺗﮫﺪج ﺻﻮﺗﻲ ﺣﺘﻰ ﻛﺎد أن ﻳﺨﺒﻮ: وأﺳﺄﻟﻚ ﺑﺎﺳﻢ ﷲ رﺑﻲ ورﺑﻚ أن ﺗﺠﻌﻞ ذﻟﻚ ﻣﮫًﺮا ﻟﺤﻔﯿﺪﺗﻚ )أروى(!ﺻﻤ َ ﺖ ،ﻓﺴﻜﻦ ﻣﻊ ﺻﻤﺘﻪ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺣﺘﻰ ذؤاﺑﺔ اﻟﻀﻮء ﻓﻲ اﻟﻤﺼﺒﺎح وأﺻﻮات اﻟﺮﻳﺎح ﺧﺎرج اﻟﺤﺠﺮة ،ﻟﻢ ﻳﻘﻄﻊ اﻟﺼﻤﺖ ﺳﻮى ﺿﺮﺑﺎت ﻗﻠﺒﻲ اﻟﻤﺘﻼﺣﻘﺔ وأﻧﺎ أﺗﻄﻠﻊ إﻟﻰ ﻋﯿﻨﯿﻪ اﻟﺘﻲ أﻏﻤﻀﮫﺎ ،وإﻟﻲ ﺻﻔﺤﺔ وﺟﮫﻪ اﻟﺒﯿﻀﺎء اﻟﺘﻲ ﻏﺸﯿﺘﮫﺎ ﺳﺤﺎﺑﺔ ﻣﻦ اﻻﻧﺰﻋﺎج. ﻟﻢ أﺷﺄ أن ﻳﻄﻮل اﻟﺼﻤﺖ ﻓﻘﻠﺖ ﻣﺴﺘﺠﻤًﻌﺎ ﺷﺠﺎﻋﺘﻲ: أﻋﻠ ُﻢ أﻧﻲ ﻏﺮﻳﺐ ﻓﻘﯿﺮ وﻟﻜﻨﻲ ﻟﺴﺖ ﻣﻌﺪًﻣﺎ ،ﻓﺎﻟﻐﺮﻳﺐ ﻳﻤﻠﻚ أﻣﻠﻪ واﻟﻔﻘﯿﺮ ﻳﻤﻠﻚ ﺣﻠﻤﻪ ،وأﻣﻠﻲ أن أﻋﻮد إﻟﻰ أھﻠﻲ ﺧﯿًﺮا ﻣﻤﺎ ﺧﺮﺟﺖ ،وﺣﻠﻤﻲ أن ﺗﻜﻮن )أروى( رﻓﯿﻘﺘﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ ،ﻟﯿﺲ ﻟﻲ طﻤﻊ ﻓﻲ ﻣﺎل وﻻ ﻣﺄوى ،وﻟﻜﻨﻲ أﺗﻮق أن أﻗﻀﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ زو ً ﺟﺎ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺘﻲ ﺟﻤﻌﺘﻨﻲ ﺑﮫﺎ اﻷﻗﺪار ﻣﺮﺗﯿﻦ! ﻓﺘﺢ ﻋﯿﻨﻪ ﺛﻢ ﻗﺎل ﻣﺘﻨﮫًﺪا: ﻣﺎ ﻳﻌﯿﺒﻚ اﻟﻔﻘﺮ وﻻ اﻟﻐﺮﺑﺔ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻓﻠﻮﻻ اﻟُﻐﺮﺑﺔ ﻣﺎ اﻛﺘﺸﻒ اﻹﻧﺴﺎن ذاﺗﻪ،ﻲ إﻻ وھﺎﺟﺮ ﻋﻦ ﻗﻮﻣﻪ! وﻣﺎ ﻣﻦ ﻧﺒ ّ ٍ ﻲ أذﻟﱠﻪ اﻟ ﱡ ً ﺸﺢ! وﻟﻘﺪ رأﻳﺖ ﻓﻲ ﻓﻘﺮك ﻋﻔﺎﻓﺎ أﻋﱠﺰ ﻣﻦ ﻗﺪرك ،وﺟﻌﻠﻚ ﺧﯿًﺮا ﻣﻦ ﻏﻨ ّ ٍ ﻓﺰﻳﻨﺔ اﻟﻔﻘﺮ اﻟﻌَﻔﺎ ُ ف وآﻓُﺔ اﻟِﻐَﻨﻰ اﻟ ﱡ ﺸﺢ! ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻻﻣﺘﻨﺎن ﻟﻜﻠﻤﺎﺗﻪ ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻟﻢ أﺳﺮف ﻓﻲ اﻷﻣﻞ ،ﻓﺎﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺮﻗﯿﻘﺔ أﺣﯿﺎﻧًﺎ ﺗﻤﮫﺪ ﻟﺨﻄﻮب ﻻﺣﻘﺔ ،ﻓﺎﻧﺘﻈﺮت أن ﻳﺄﺗﻲ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺤﻖ ﻣﺎ ﻗﺒﻠﮫﺎ وأن ﻳﻘﻮل ﻟﻲ )وﻟﻜﻦ( ،وﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻗﺎل: وﻟﻜﻦ ﻟﻠﺰواج أﻋﺮاًﻓﺎ وﺗﻘﺎﻟﯿﺪ ﻓﻲ ﻗﺒﯿﻠﺘﻨﺎ!ﻲ ھﻮ أﺑﻮھﺎ ،وﻻ ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺧﻄﺒﺘﮫﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮد. وﻟﻠﻔﺘﺎة وﻟ ٌ رﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ھﺬه أﻟﻄﻒ )وﻟﻜﻦ( أﺳﻤﻌﮫﺎ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ،وأﺧﻔﮫﺎ وطﺄة ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗﺒﻠﮫﺎ ،ﻓﻘﻠﺖ وﻗﺪ داﻋﺒﻨﻲ اﻷﻣﻞ: وھﻞ ﺗﺰﻛﯿﻨﻲ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(؟اﺑﺘﺴﻢ وﻗﺎل: ﷲ ﻳﺰﻛﯿﻚ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ.ﻗﻠﺖ ﻓﻲ وﺟﻞ: أﺧﺸﻰ أن ﻳﺨﻄﺒﮫﺎ ﺧﺎطﺐ!ﻗﺎل وھﻮ ﻳﻘﻮم ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻣﻪ: اﻷﻣﺮ ﺣﯿﻨﺌﺬ ﻟﮫﺎ!ﻗﻤﺖ واﻗًﻔﺎ ﻓﺮﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ھﯿﺎ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻓﻐًﺪا ﻧﺘﺄھﺐ ﻟﻠﺮﺣﯿﻞ إﻟﻰ ﺑﻜﺔ ،ودع اﻷﻣﺮ ﺳﺮا ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮدأﺑﻮھﺎ. ﺛﻢ اﻧﺼﺮف آﺧًﺬا ﻣﻌﻪ اﻟﻤﺼﺒﺎح ،ﻓﻐﺎﺑﺖ اﻟﺤﺠﺮة ﻓﻲ اﻟﻈﻼم ،إﻻ ﻣﻦ ﺷﻌﺎع أﻣﻞ ظﻞ ﻳﺤﺪوﻧﻲ طﯿﻠﺔ اﻟﺸﮫﻮر اﻟﻤﻘﺒﻠﺔ. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ واﻟﺜﻼﺛﻮن »اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻰ ﺑﻜﺔ« -ھﻜﺬا ﻋﻨﻮﻧﺖ ذﻟﻚ اﻟﻔﺼﻞ ﻣﻦ أوراﻗﻲ واﻟﺬي ﻛﺘﺒﺘﻪ أﺛﻨﺎء ﺤﺠﺮ( إﻟﻰ )ﺑﻜﺔ(. رﺣﻠﺘﻨﺎ ﻣﻦ )اﻟ ِ »اﻟﯿﻮم اﻷول«: ﺗﺠ ﱠ ﻤﻌﺖ اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ ﻋﻨﺪ ﻣﺮﺑﻂ اﻟﺪواب ﻣﻊ ﺑﺪاﻳﺎت ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي اﺣﺘﻔﻆ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻨﺴﻤﺎت اﻟﺒﺎردة ﻣﻦ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ،اﻣﺘﻸت ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻤﺮﺑﻂ ﺑﻀﺠﯿﺞ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﻤﺨﺘﻠﻄﺔ ﺑﺮﻏﺎء اﻹﺑﻞ وزﻓﺮات اﻟﺨﯿﻮل اﻟﺼﺎھﻠﺔ ،ﺟﻠﺴﺖ اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻲ ھﻮادﺟﮫﺎ واﺳﺘﻘﺮ اﻟﺮﺟﺎل ﻋﻠﻰ رواﺣﻠﮫﻢ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺟﻠﺴﺖ أﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺮﺑﺘﻲ اﻟﺨﺸﺒﯿﺔ ،اﻟﺘﻲ وﺿﻌﺖ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﺣﻤﻮﻟﺔ ﻣﻦ ﺟﻮاﻟﻖ اﻟﻄﺤﯿﻦ وﺻﻨﺪوًﻗﺎ ﺑﻪ أﻏﺮاﺿﻲ وأوراﻗﻲ، ُ ظﮫﺮ اﻟﺼﻨﺪوق ﻓﻮﺿﻌﺖ وﺳﺒﺎﺋﻚ ﻣﻦ اﻟﺘﺒﺮ ﻣﺨﻔﯿﺔ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﻪ ،وﺗﻌﻤﺪت أﻻ أ ِ ﻋﻠﯿﻪ ﺛﻮﺑًﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎن ﻛﻲ أﺣﺠﺒﻪ ﻋﻦ اﻷﻧﻈﺎر ،ﺛﻢ أﺻﺪر ﺣﺎدي اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﺻﻔﯿًﺮا ُﻣﻨﱠﻐ ً ﻤﺎ ﻓﺘﺤﺮﻛﺖ اﻹﺑﻞ طﻮًﻋﺎ ﻟﻨﺪاء ﺣﺎدﻳﮫﺎ. ﻤﻌﺒﱠﺪ ،واﺳﺘﻘﺒﻠﻨﺎ طﺮﻳ ٌ ﺤﺠﺮ( ،ﻓﺎﻧﺘﮫﻰ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟ ُ ﻖ ﻓﻲ ﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﻦ ﺣﺪود )اﻟ ِ اﻟﺒﯿﺪاء ﺗﺤﱡﻔﻪ اﻟﮫﻀﺎب اﻟﺼﺨﺮﻳﺔ اﻟﻤﺪﺑﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺎﻧﺒﯿﻦ ،ﻛﺎن اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺿﯿًﻘﺎ وﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﺘﺴﻊ ﻟﻌﺮض راﺣﻠﺘﯿﻦ ،ﺗﺴﺎءﻟﺖ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﺎذا ﻟﻮ أﻗﺒﻠﺖ ﻗﺎﻓﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﮫﺔ اﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ؟ ﺤﺠﺮ؟ ھﻞ ﺗﻌﻮد إﺣﺪاھﻤﺎ أم أن ھﻨﺎك طﺮﻳًﻘﺎ آﺧﺮ ﻟﻠﺼﻌﻮد إﻟﻰ اﻟ ِ ﻋﻠﻤﺖ ﻣﻦ )ﻟﯿﺚ( أن اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻰ ﺑﻜﻪ ﻗﺪ ﻳﺴﺘﻐﺮق ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻟﯿﻠﺔ ،ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﮫﺐ ﺑﻪ اﻟﻌﻮاﺻﻒ واﻷﺗﺮﺑﺔ ،وھﻮ اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﺘﻮﻗًﻌﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﺷﮫﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺒﻖ دﺧﻮل اﻟﺸﺘﺎء ،وﻋﻠﻤﺖ ﻛﺬﻟﻚ أﻧﻨﺎ ﻟﻦ ﻧﺴﺘﺮﻳﺢ إﻻ ﻣﻊ دﺧﻮل اﻟﻠﯿﻞ ﻤﺘﻌ ﱠ ﻓﻲ أﻣﺎﻛﻦ ﻣﺤﺪدة ﻳﻘﺎل ﻟﻪ »اﻟ ُ ﺸﻰ« وھﻲ أﻣﺎﻛﻦ ﻣﺘﻌﺪدة ﻋﻠﻰ طﻮل اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺗﻮﺟﺪ ﺑﮫﺎ آﺑﺎر ﻟﻠﺘﺰود ﺑﺎﻟﻤﺎء وﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﻘﻮاﻓﻞ ﻓﯿﮫﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﺼﻐﯿﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻄﻦ ﺣﻮل ﺗﻠﻚ اﻵﺑﺎر ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﻐﻼل أو ﻗﻄﻊ اﻟﻨﻘﻮد. ﻛﺎن اﻟﻨﮫﺎر ﻗﺪ اﻧﺘﺼﻒ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺑﺪأ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﻲ اﻻﺗﺴﺎع ،ﺗﺤﻮﻟﺖ اﻟﮫﻀﺎب اﻟﺼﺨﺮﻳﺔ إﻟﻰ ﺗﻼل ﻣﻦ اﻟﺮﻣﺎل اﻟﻨﺎﻋﻤﺔ ،ﺷﻌﺮت ﺑﺄن اﻷﺗﺎن ﻻ ﺗﻘﻮى ﻋﻠﻰ ﺟﺮّ اﻟﻌﺮﺑﺔ ﺑﺴﮫﻮﻟﺔ ﻓﻮق اﻟﺮﻣﺎل اﻟﻨﺎﻋﻤﺔ ﻓﺄﺷﻔﻘﺖ ﻋﻠﯿﮫﺎ وأرﺣﺘﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﯿﺮ ،ﻓﺘﺄﺧﺮت ﻋﻦ ﻋﯿﺮ اﻟﻤﻘﺪﻣﺔ وﺳﺮت ﺑﺤﺬاء ھﻮادج اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻒ. ﻲ ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻋﺬﺑﺔ وأﻧﺎ أﺧﺘﻠﺲ ﻟﻤﺤﺘﻨﻲ )أروى( ﻓﻄﻮت ﺧﻤﺎر ھﻮدﺟﮫﺎ ،وأﻟﻘﺖ إﻟ ّ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﯿﮫﺎ ،ظﻠﻠﻨﺎ ﻧﻘﺎﻳﺾ اﻟﻨﻈﺮ ﺑﺎﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺎت ﺣﺘﻰ ارﺗﻔﻊ ﺻﻮت ﺣﺎدي اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ، وھﻮ ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ ﺑﺎﻟﺘﻮﻗﻒ وﻣﺤﺎذاة ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻄﺮﻳﻖ. ﺳﺄﻟﺖ أﺣﺪھﻢ ﻋﻦ اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻘﺎل: -ﻳﺒﺪو أن ﻗﺎﻓﻠﺔ ﻛﺒﺮى ﻗﺎدﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ. ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻟﻢ ﻳﻤﺾ ﺳﻮى وﻗﺖ ﻗﺼﯿﺮ ﺣﺘﻰ رأﻳﻨﺎ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻳﻤﻸ ﻏﺒﺎرھﺎ اﻷﻓﻖ ،وﻳﺠﻠﺠﻞ ﺻﻮت ﻧﻔﯿﺮھﺎ ﻓﻲ اﻟﻮادي ،ﺣﺘﻰ ﻧﻔﺮت ﻣﻦ ﺻﻮﺗﻪ اﻟﻌﯿﺮ. وﻓﺠﺄة ﻋﻼ اﻟﺼﯿﺎح وﻓﺘﺤﺖ اﻟﻨﺴﺎء ھﻮادﺟﮫﺎ ورأﻳﺖ )ﻟﯿﺚ( ﻳﻌﺪو ﻧﺤﻮي ،ﺛﻢ ﻗﻔﺰ ﻓﻮق ﻋﺮﺑﺘﻲ ووﻗﻒ ﻋﻠﯿﮫﺎ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!اﻧﻈﺮ! ﻗﻤﺖ واﻗًﻔﺎ إﻟﻰ ﺟﻮاره ﻓﻮق اﻟﻌﺮﺑﺔ ﻓﺮأﻳﺖ ﺣﯿﻮاﻧًﺎ ﻳﺘﻘﺪم اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ اﻟﻤﻘﺒﻠﺔ ،ﻟﻢ أر ﻣﺜﻠﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ،ﺣﯿﻮان ﻳﺼﻞ طﻮﻟﻪ إﻟﻰ ﻋﺸﺮ أذرع وﻳﺘﺪﻟﻰ ﻣﻦ أﻧﻔﻪ ﺧﺮطﻮم طﻮﻳﻞ وﻣﻦ ﻓﻤﻪ ﻧﺎﺑﺎن ﻛﻨﺼﻠﻲ اﻟﺴﯿﻒ ،أﻣﺎ اﻷﻋﺠﺐ ﻓﻜﺎن ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺠﺎﻟﺲ ﻋﻠﻰ ﻋﻨﻘﻪ ﻳﺮﻛﻞ أذﻧﯿﻪ اﻟﻤﮫﻮﻟﺘﯿﻦ ﺑﻘﺪﻣﯿﻪ ﺑﻜﻞ ھﺪوء دون أن ﻳﺄﺑﻪ ﻟﻀﺨﺎﻣﺔ ذﻟﻚ اﻟﺤﯿﻮان اﻟﺬي ﻗﺪ ﻳﻔﺘﻚ ﺑﻪ ﺑﻀﺮﺑﺔ طﻔﯿﻔﺔ ﻣﻦ ﺧﺮطﻮﻣﻪ! ﻋﻠﻤﺖ ﻣﻦ )ﻟﯿﺚ( أن ھﺬا اﻟﺤﯿﻮان اﺳﻤﻪ اﻟﻔﯿﻞ ،وأن ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ھﻲ ﻗﺎﻓﻠﺔ )ﺑﺎﺑﻠﯿﺔ( ﺗﺨﺮج ﻣﺮة واﺣﺪة ﻓﻲ اﻟﻌﺎم وﺗﺤﻤﻞ ﻣﻦ ﺳﺒﺄ اﻟﺼﻤﻎ واﻟﺒﺨﻮر وﺗﺄﺗﻲ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺤﯿﻮان ﻣﻌﮫﺎ ﻛﻲ ﺗﻔﺮض ھﯿﺒﺘﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ وﻋﻠﻰ ﻗﻄﺎع اﻟﻄﺮق، ﺛﻢ ﻗﺎل ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: ﻋﻠﻤﺖ ﻣﻦ أﺑﻲ أن ھﺬا اﻟﺤﯿﻮان ﻳﺴﻜﻦ ﻓﻲ اﻷﺻﻞ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻷﻧﮫﺎر ،وأﻧﻪﻳﺸﺮب ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﻮاﺣﺪ ﻗﺪر ﻣﺎ ﻳﺸﺮﺑﻪ ﻣﺎﺋﺔ رﺟﻞ ،وأن ﻗﺎﻓﻠﺔ اﻟﺒﺎﺑﻠﯿﯿﻦ ھﺬه ﺗﻨﻔﻖ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻷﻣﻮال ﻛﻲ ﺗﻮﻓﺮ ﻟﻪ اﻟﻤﺎء ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء. ﺗﻌﺠﺒﺖ ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻪ ،وﺗﻌﺠﺒﺖ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻗﺪرة اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ ﺗﺴﺨﯿﺮ ﺣﯿﻮان ﺑﮫﺬا اﻟﺤﺠﻢ اﻟﻤﮫﻮل ،وﺗﺄﻛﺪت ﻟﻲ ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻋﻦ ظﻠﻢ اﻹﻧﺴﺎن وﺟﮫﻠﻪ! ﻓﯿﻮم أن ﻣﻨﺤﻪ ﷲ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ ﺗﺴﺨﯿﺮ ذﻟﻚ اﻟﺤﯿﻮان ،ﻧﺰﻋﻪ ﻣﻦ أرﺿﻪ وأﺗﻰ ﺑﻪ إﻟﻰ ﺻﺤﺮاء ﻗﺎﺣﻠﺔ وﺳﻘﺎه ﻣﻦ ﻣﯿﺎه اﻵﺑﺎر ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ﻣﯿﺎه اﻷﻧﮫﺎر. ﺟﺎوزﺗﻨﺎ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ وﻧﺤﻦ ﻧﺘﻄﻠﻊ ﻋﻠﻰ أﻋﺪاد ﻓﺮﺳﺎﻧﮫﺎ اﻟﻤﺪﺟﺠﯿﻦ ﺑﺎﻟﺴﯿﻮف واﻷﺗﺮاس ،وﻗﺪ ﺗﺨﻮذت رءوﺳﮫﻢ ﺑﺨﻮذات ﺻﻠﺒﺔ وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺧﺮﺟﻮا ﻟﻠﺤﺮب وﻟﯿﺲ ﻟﻠﺘﺠﺎرة ،ذﻛﺮﺗﻨﻲ ﺧﻮذاﺗﮫﻢ ﺑﺨﻮذة اﻟﻔﺎرس اﻟﻤﺼﺮي اﻟﺘﻲ ﻋﺜﺮت ﻋﻠﯿﮫﺎ ﻳﻮم اﻟﺨﺮوج ،واﻟﺘﻲ أھﺪﻳﺘﮫﺎ إﻟﻰ أﺑﻲ ﻳﻮم ﺣﺮب اﻟﻌﻤﺎﻟﯿﻖ ،وﺗﺴﺎءﻟﺖ ﻋﻦ ﻣﺼﯿﺮھﺎ، وھﻞ ﻣﺎ زاﻟﺖ ﺗﺤﺘﻔﻆ ﺑﮫﺎ أﻣﻲ أم ﻻ؟ ﺟﺎءﻧﺎ ﺻﻮت اﻟﺤﺎدي ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ ﺑﺎﺳﺘﺌﻨﺎف اﻟﺮﺣﯿﻞ ﺑﻌﺪ أن ﻣﺮت اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ اﻟﺒﺎﺑﻠﯿﺔ، أﺳﺮﻋﺖ ﺑﺎﻷﺗﺎن اﻟﺘﻲ ازدادت ﻧﻔﺮاﺗﮫﺎ وﺳﺮت ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺪﻣﺔ ﺑﺠﻮار اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( واﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ(. ﺣﯿﻦ رآﻧﻲ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻗﺎل ﻟﻲ آﻣًﺮا: ﻤﺘَﻌ ﱠ ﺣﯿﻦ ﻧﺼﻞ إﻟﻰ »اﻟ ُﺸﻰ« اﺳﺘﺒﺪل اﻷﺗﺎن ﺑﺒﻐﻠﺔ أﺧﺮى ﺗﻜﻦ أﻛﺜﺮ ﺟﻠًﺪا ﻋﻠﻰ ﺟﺮ اﻟﻌﺮﺑﺔ. ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻠﻮم: ﺳﺘﮫﻠﻚ اﻷﺗﺎن ﻗﺒﻞ أن ﻧﺼﻞ إﻟﻰ »وادي اﻟ َﺠْﯿﻒ«! ﺤﺠﺮ ﻋﻠﻤﺖ ﻣﻦ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( أن وادي اﻟﺠﯿﻒ ھﻮ ﻣﻜﺎن ﻓﺴﯿﺢ ﻣﺎ ﺑﯿﻦ ﻳﺜﺮب واﻟ ِ ﻋﻠﻰ طﺮﻳﻖ اﻟﺒﺨﻮر ،ﺗﻜﺜﺮ ﻓﯿﻪ اﻟﺴﺒﺎع واﻟﻀﺒﺎع ،وأن اﻟﻘﻮاﻓﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺮ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻤﻜﺎن ﺗﺘﺮك ﻓﯿﻪ اﻹﺑﻞ اﻟﻤﺮﻳﻀﺔ أو ﺑﻌﺾ اﻟﺨﺮاف اﻟﺼﻐﯿﺮة طﻌﺎًﻣﺎ ﻟﻠﺴﺒﺎع، ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﮫﺎﺟﻢ اﻟﺴﺒﺎع اﻟﻘﻮاﻓﻞ أﺛﻨﺎء ﻣﺮورھﺎ. ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺸﻔﻘﺔ ﻧﺤﻮ اﻷﺗﺎن وﻗﺪ ﻓﮫﻤﺖ أن اﻟﺸﯿﺦ ﺳﯿﮫﺒﮫﺎ ﻟﺴﺒﺎع اﻟﺼﺤﺮاء، ﻓﻘﻠﺖ ﻣﺴﺘﻔﺴًﺮا: أھﻲ ﻣﺮﻳﻀﺔ؟!ﻗﺎل دون أن ﻳﻠﺘﻔﺖ ﻧﺤﻮي: ﺨﻨﺎق( ،أﻣﺎ ﺗﺮاھﺎ واھﻨﺔ ﻳﺴﯿﻞ ُﻣﺨﺎ ُ طﮫﺎ؟! ﻗﺪ أﺻﺎﺑﮫﺎ )اﻟ ِﻟﻢ أﻛﻦ ﻋﻠﻰ دراﻳﺔ ﺑﺄﻣﺮاض اﻟﺨﯿﻞ واﻟﺤﻤﯿﺮ ،وﻛﻨﺖ أظﻦ وھﻨﮫﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﺣﻤﻮﻟﺔ اﻟﻌﺮﺑﺔ ،وﻧﻌﻮﻣﺔ اﻟﺮﻣﺎل! ﻧﻈﺮت إﻟﯿﮫﺎ ﻣﺸﻔًﻘﺎ وﺗﻤﻨﯿﺖ ﻟﻮ أطﻠﻘﺘﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺎل! وﺷﻌﺮت ﺑﺮﻋﺪة وأﻧﺎ أﺗﺨﯿﻠﮫﺎ ﻓﺮﻳﺴﺔ ﻟﻠﺴﺒﺎع! ﻤﺘَﻌ ﱠ وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ »اﻟ ُ ﺸﻰ« ﻣﻊ أوﻟﻰ ﻟﺤﻈﺎت اﻟﻐﺮوب ،ﻛﺎن اﻟﻤﻜﺎن ﻣﺘﺴًﻌﺎ وﻣﻌًﺪا ﻟﻠﻤﺒﯿﺖ ،ﺿﺮﺑﺖ ﻓﻲ أرﺟﺎﺋﻪ اﻟﺨﯿﺎم اﻟﻔﺴﯿﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻔﻲ أﻋﺪاًدا ﻛﺒﯿﺮة ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،وﻳﺘﻮﺳﻄﻪ ﺑﺌﺮ وﻣﺸﺮب ﻟﻠﺪواب. رﺑﻄﻨﺎ اﻟﻌﯿﺮ ،ورﻓﻌﺖ أﻧﺎ اﻟﻌﺮﺑﺔ ﻋﻦ اﻷﺗﺎن ﺛﻢ أرﺣﺖ ﻗﺎﺋﻤﯿﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﺨﺮة ﺗﺮﺗﻔﻊ ذراًﻋﺎ ﻋﻦ اﻷرض ،وﺗﺮﻛﺖ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﺟﻮاﻟﻖ اﻟﻄﺤﯿﻦ واﻟﺼﻨﺪوق اﻟﻤﻐﻄﻰ ﺑﺜﻮب اﻟﻜﺘﺎن ،ﺛﻢ ﺳﺤﺒﺖ اﻷﺗﺎن ورﺑﻄﺘﮫﺎ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﺨﯿﻞ ﻋﻨﺪ ﻣﺸﺮب اﻟﺪواب ،ﺗﻔﺮق اﻟﺠﻤﻊ ﻓﺬھﺐ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﻟﻘﻀﺎء اﻟﺤﺎﺟﺔ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ اﻏﺘﺴﻞ آﺧﺮون ﻗﺒﻞ أن ﻳﺘﺠﮫﻮا ﺟﻤﯿًﻌﺎ إﻟﻰ اﻟﺴﺎﺣﺔ ﻟﻠﺼﻼة. ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺠﻮع ﺣﯿﻦ داﻋﺒﺖ أﻧﻔﻲ راﺋﺤﺔ اﻟﺨﺒﺰ واﻟﺜﺮﻳﺪ اﻟﻤﻌﺪ ﻟﻠﻘﺎﻓﻠﺔ ،ذھﺒﺖ إﻟﻰ اﻟﻄﺎھﻲ اﻟﺠﺎﻟﺲ أﻣﺎم ﻣﺴﺘﻮﻗﺪ اﻟﻄﻌﺎم اﻟﻤﺴﺘﻌﺮ ﻣﻦ ﺷﺪة اﻟﻨﺎر اﻟﻤﻮﻗﺪة أﺳﻔﻠﻪ ،ﻓﻤﻨﺤﻨﻲ ﺻﺤًﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺜﺮﻳﺪ ﻟﻢ أذق أطﯿﺐ ﻣﻨﻪ ،وﺿﻊ ﺑﻪ ﻛﺴﺮات ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺰ اﻟﻄﺎزج ﺛﻢ أﻓﺮغ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﻤﺮق اﻟﺴﺎﺧﻦ وﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﻟﺤﻢ اﻟﻀﺄن ،اﻟﺘﻲ ﺗﺬوب ﻧﻌﻮﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺮق ﻣﻦ ﺣﺴﻦ طﮫﯿﮫﺎ ،ﺗﻠﻘﻔﺖ اﻟﺼﺤﻦ إﻟﻰ ﻓﻤﻲ وﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﻤﺮق اﻟﺪاﻓﺊ ﻳﺮطﺐ ﺟﻮﻓﻲ ،ﺛﻢ اﻟﺘﮫﻤﺖ اﻟﺨﺒﺰ اﻟﺬي ﺗﺸﱠﺮب ﺑﺎﻟﻤﺮق واﺧﺘﻠﻂ ﺑﻨﺘﻔﺎت اﻟﻠﺤﻢ ﻓﻲ ﺳﻌﺎدة ﺑﺎﻟﻐﺔ ،وﺑﻌﺪ أن ﻓﺮﻏﺖ رددت إﻟﯿﻪ اﻟﺼﺤﻦ ﺷﺎﻛًﺮا وأﻧﺎ أﻏﺒﻂ ھﺆﻻء اﻟﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﺣﺴﻦ طﻌﺎﻣﮫﻢ. ﻣﻨﺤﻨﻲ اﻟﻄﻌﺎم دﻓًﺌﺎ ﻓﻲ اﻟﺪﻣﺎء ،وﻓﻮرة ﺟﻌﻠﺘﻨﻲ أطﻮف ﺣﻮل اﻟﻨﺰل رﻏﻢ ﺑﺮودة اﻟﺠﻮ اﻵﺧﺬة ﻓﻲ اﻟﺘﺰاﻳﺪ ،ﺗﺠﺎوزت ﻣﻀﺮب اﻟﺨﯿﺎم وﺟﻠﺴﺖ ﻋﻠﻰ ﺻﺨﺮة أﺗﻄﻠﻊ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء اﻟﺼﺎﻓﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻸﻷ ﻓﯿﮫﺎ اﻟﻨﺠﻮم ﻓﻲ ﻏﯿﺎب ﺿﻮء اﻟﻘﻤﺮ اﻟﺬي ﺻﺎر ھﻼًﻻ ،رأﻳﺖ اﻣﺮأة ﻋﺠﻮًزا ﺗﺘﻮﻛﺄ ﻋﻠﻰ ﻏﺼﻦ زﻳﺘﻮن وﺗﺘﺠﻪ ﻧﺤﻮ اﻟﺼﺤﺮاء ،ظﻨﻨﺘﮫﺎ ﻣﺘﺠﮫﺔ ﻧﺤﻮ اﻟﺨﻼء وﻟﻜﻨﮫﺎ ﺗﻮﻗﻔﺖ أﻣﺎﻣﻲ وھﻲ ﺗﻨﻈﺮ ﻧﺤﻮي ،ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺻﻮت ﻧﺤﻠﺘﻪ اﻷﻳﺎم: اﻟﻄﺎﺋﺮ اﻟﻐﺮﻳﺐ ﻗﺪ ﻳﻄﯿﺮ ﻣﻊ اﻟﺴﺮب وﻟﻜﻨﻪ ﺣﯿﻦ ﻳﺤﻂ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻳﻈﻞ وﺣﯿًﺪاﻣﻨﺰوﻳًﺎ. ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﺪﻧﻮ ﺑﻮﺟﻪ ﺗﻘﺎطﻌﺖ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺘﺠﺎﻋﯿﺪ ﺣﺘﻰ ﺑﺪا ﻛﻠﺤﺎِء ﺷﺠﺮٍة ُﻣِّﻌﻤﺮة: أﻧﺖ رﻓﯿﻖ رﺣﻠﺔ ،وﻟﺴﺖ ﻣﻦ أھﻞ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ!ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺨﻮف ﻣﻨﮫﺎ ﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﺣﯿﻦ ﻓﺘﺤﺖ ﻓﻤﮫﺎ اﻟﺬي ﺗﻌﺎﻣﺪت ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺸﻘﻮق وﺑﺪا ﻣﻈﻠ ً ﻤﺎ ﺧﺎﻟﯿﺎ ﻣﻦ اﻷﺳﻨﺎن ،ﻏﺮﺳﺖ ﻏﺼﻦ اﻟﺰﻳﺘﻮن ﻓﻲ اﻟﺮﻣﺎل ﺑﻘﻮٍة ﻻ ﺗﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ ھﯿﺌﺘﮫﺎ اﻟﻀﻌﯿﻔﺔ ،ﺛﻢ اﻓﺘﺮﺷﺖ اﻷرض أﻣﺎﻣﻲ وﻓﺘﺤﺖ ﺻﺮة ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش وﺟﺪت ﺑﮫﺎ ﻗﺪ ً ض اﻟُﻮْرق. ﺣﺎ وﺑﻌﺾ اﻷﻗﻼم ،وﺣﺼﻮات ﺑﯿﻀﺎء ﺑﺪت ﻛﺒﯿﻮ ِ ﻗﺎﻟﺖ: اﺟﻠﺲ أﻳﮫﺎ اﻟﻐﺮﻳﺐ ﻓﺎﻟﻠﯿﻠﺔ ﺗﺘﮫﺘﻚ ﻟﻚ ﺳﺘﺎﺋﺮ اﻟﺤﺠﺐ ،وﺗﺘﻜﺸﻒ ﻟﻚ ﺧﺒﯿﺌﺔاﻷﻳﺎم. أدرﻛﺖ أن اﻟﻤﺮأة »ﻋﱠﺮاﻓﺔ« ،وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه ھﻲ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ أرى ﻓﯿﮫﺎ »ﻋﱠﺮاﻓﺔ« ،وإن ﻗﺎﺑﻠﺖ ﺑﻌﺪھﺎ اﻟﻜﺜﯿﺮ ،ﻓﺤﯿﺎة اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ ﻓﺎران وﺑﻜﺔ ﻳﺪﻳﺮھﺎ اﻟﻜﮫﻨﺔ واﻟﻌﺮاﻓﻮن ،ﺣﺘﻰ إن اﻟﺮﺟﻞ ﻛﺎن ﻻ ﻳﺴﻤﻲ وﻟﺪه وﻻ ﻳﺨﺮج ﻟﻠﺘﺠﺎرة ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺄل ﻛﺎھًﻨﺎ أو ﻋﺮاًﻓﺎ! وﻛﺎن ھﺬا اﻷﻣﺮ أﺣﺪ اﻷﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺠﺒﺖ ﻟﮫﺎ ،ووﺟﺪت ﻓﯿﻪ ﻓﺮًﻗﺎ ﺑﯿﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ اﻟﻘﺎﺑﻌﯿﻦ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ وھﺆﻻء اﻷﻋﺮاب اﻟﻘﺎطﻨﯿﻦ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ ﻓﺎران، ﻓﻠﻢ أر ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻣﻊ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﺷﻐًﻔﺎ ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ أﻣﻮر اﻟﻐﯿﺐ أو ﻣﺎ ﺗﺨﺒﺌﻪ اﻷﻳﺎم ،ﺑﻘﺪر ﻣﺎ رأﻳﺖ ﺻﺮاًﻋﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﻮت اﻟﯿﻮم وﺑﻜﺎًء ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،أﻣﺎ ھﻨﺎ ﻓﻜﺎن اﻟﺨﻮف ﻣﻦ ﺗﻘﻠﺒﺎت اﻟﺪھﺮ وﻏﺪر اﻷﻳﺎم ﻳﻔﺴﺪ اﻟﺤﺎﺿﺮ وﻳﺪﻓﻊ اﻟﻨﺎس إﻟﻰ اﻟﺘﻤﺴﻚ ﺑﺄي ﻧﺒﻮءة ﺷﺎردة ﺗﺠﻠﺐ ﻓﺄًﻻ أو ﺗﺪﻓﻊ طﯿﺮة ،وﻗﺪ أدرﻛﺖ ذﻟﻚ اﻟﻔﻀﻞ اﻟﺬي ﻣ ﱠ ﻦ اﻟﺮب ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﺑﻌﺪ أن ﻋﺸﺖ ﺳﻨﻮات ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ ﻓﺎران، ﻓﻠﯿﺲ ھﻨﺎك طﻤﺄﻧﯿﻨﺔ أﻛﺒﺮ ﻣﻦ طﻤﺄﻧﯿﻨﺔ ﺗﻤﻨﺤﮫﺎ »اﻟﻨﺒﻮة » ،وﻻ ﺛﻘﺔ أﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﻖ ﺑﺎﻟﺴﻤﺎء! ﺷﺨﺺ ﻳﺘﺼﻞ ﻋﻦ ﺣ ّ ٍ ﺧﻄﱠﺖ اﻟﻤﺮأة ﺧﻄﻮطًﺎ ﻓﻲ اﻟﺮﻣﻞ ﺑﺄﺻﺒﻌﮫﺎ ،ﺛﻢ ﺣﻠﻘﺖ ﺑﯿﻨﮫﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻠﻘﺎت ،أﻟﻘﺖ ﺑﺎﻟﺤﺼﻮات اﻟﺒﯿﻀﺎء ﻓﺴﻘﻂ ﺑﻌﻀﮫﺎ ﻓﻮق اﻟﺨﻄﻮط وﺑﻌﻀﮫﺎ ﻓﻮق اﻟﺤﻠﻘﺎت ،ﻋﺒﺴﺖ وﻗﻄﱠﺒﺖ ﺣﺎﺟﺒﯿﮫﺎ ﺛﻢ ﺗﻄﻠﻌﺖ ﻧﺤﻮي ﺑﻨﻈﺮة أرھﺒﺘﻨﻲ وﻗﺎﻟﺖ: ﻣﻨﺒﻮٌذ أﻧﺖ ﻓﻲ ﻗﻮﻣﻚ!ﻣﺮﺟٌﻮ ﻓﻲ ﻏﯿﺮھﻢ! ﺣﺎد ﺑﻚ اﻟﺪرب وﺗﺎﺋ ٌ ﺸﻌﺎب! ﻪ ﺑﯿﻦ اﻟﺴﺒﻞ واﻟ ّ ِ اﺳﺘﺤﻮذت ﻛﻠﻤﺎﺗﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻠﻲ ،وزادت رھﺒﺘﮫﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ ،رﻏﻢ أن ﻛﻼﻣﮫﺎ ﺣ ﱠ ﻤﺎل أوﺟﻪ ،دﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﻞ ﺛﻢ ﺗﺎﺑﻌﺖ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﻘﺮأ ﻓﻲ ﻟﻮحٍ ﻣﺨﻄﻮط: ﻋﻤﺎ ﻗﺮﻳﺐ ﻳﻨﻜﺴﺮ ﻓﺆادك ،وﻳﻔﺎرﻗﻪ اﻟﺴﻨﺪ!ﻋﻘﺮﺗﻨﻲ ﻛﻠﻤﺎﺗﮫﺎ ،ﻓﺸﻌﺮت ﺑﺎﻷﻟﻢ واﻟﻐﻀﺐ ،وﻗﻠﺖ ﺳﺎﺧًﺮا: ﻻ أﻣﻠﻚ ﻧﻘﻮًدا ﻳﺎ ﺧﺎﻟﺔ ،ﻓﻼ ﺗﺴﺮﻓﻲ ﻓﻲ اﻟﺮﺟﻢ ﺑﺎﻟﻐﯿﺐ!ﻲ ذات اﻟﻨﻈﺮة اﻟﻤﺮھﺒﺔ وﻗﺎﻟﺖ: ﻧﻈﺮت إﻟ ّ ﻛﺬﺑﺖ وﻣﺎ أﻧﺖ ﺑﻜﺬوب.ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﺸﯿﺮ ﻧﺤﻮ اﻟﺠﻨﻮب: إذا وﻗﻊ اﻟﺨﻄﺐ ھﻨﺎك ﻓﺎﻧﺞ ﺑﺄھﻠﻚ.ﻲ ﻗﺎﺋﻠﺔ: ﺛﻢ ﻧﻈﺮت إﻟ ّ ﻛﻦ اﺑﻦ أﺑﯿﻚ ،ﺗﻜﻦ ﻓﻲ أﻣﻦ ﻣﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﻠﺤﻖ ﺑﻚ!ﺛﻢ ﺟﻤﻌﺖ ﺣﺼﻮاﺗﮫﺎ وطﻤﺴﺖ ﺧﻄﻮط اﻟﺮﻣﺎل ﺑﯿﺪھﺎ ،وﻗﺎﻣﺖ ﻣﺴﺘﻨﺪة ﻋﻠﻰ ﻏﺼﻦ اﻟﺰﻳﺘﻮن وھﻲ ﺗﻘﻮل: ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻲ ﺑﻨﻘﻮدك اﻵن ،وﻟﻜﻦ ﺣﯿﻦ ﺗﻤﻠﻚ اﻟﺬھﺐ واﻟﻔﻀﺔ وﺗﻤﺮ ﻣﻦ ھﻨﺎ،ﺗﺬﱠﻛﺮ »أم إﻳﺎس« اﻟﻌﺮاﻓﺔ أﻳﮫﺎ اﻟﻐﺮﻳﺐ. ﺛﻢ اﻧﺼﺮﻓﺖ وﻗﺪ ﺗﺮﻛﺖ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﺰﻳ ً ﺠﺎ ﻣﻦ اﻟﺮھﺒﺔ واﻟﺨﻮف ﻣﻦ أﻳﺎم ﺣﺒﻠﻰ ﺑﺨﻄﻮب ﻻ ﻳﻌﻠﻤﮫﺎ إﻻ اﻟﺮب. »اﻟﯿﻮم اﻟﺮاﺑﻊ«: اﻗﺘﺮﺑﻨﺎ ﻣﻦ »وادي اﻟ َ ﺤﺪأ ﺗﺤﻠﻖ ﻓﻮق ﺠْﯿﻒ« ،ﻳﺴﺘﻄﯿﻊ اﻟﻤﺮء أن ﻳﻠﺤﻆ أﺳﺮاب اﻟ ِ ﺳﻤﺎء اﻟﻮادي ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﻟﺤﻈﺔ ﺣﺎﺳﻤﺔ ﺗﻨﻘﺾ ﻓﯿﮫﺎ إﺣﺪاھﻦ ﻋﻠﻰ ﺟﺮذ ﺑﺮي أو وﻟﯿﻤﺔ ﻳﺘﺸﺎرﻛﻦ ﻓﯿﮫﺎ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﺟﯿﻔﺔ ﺗﺮﻛﺘﮫﺎ ﺳﺒﺎع اﻟﺼﺤﺮاء ،اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻳﻤﺘﻠﺊ ﺑﻌﻈﺎم إﺑﻞ رﱠﻣﺖ ،ﺟﺬﺑﺘﮫﺎ اﻟﻀﺒﺎع إﻟﻰ أطﺮاف اﻟﻮادي ﻓﺄﺗﺖ ﻋﻠﯿﮫﺎ وﻟﻢ ﺗﺒﻖ ﻣﻨﮫﺎ ﺳﻮى ﻋﻈﺎٍم ﻟﻮ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ أﻧﯿﺎﺑﮫﺎ طﺤﻨﮫﺎ ﻟﻄﺤﻨﺘﮫﺎ ،راﺋﺤﺔ اﻟﮫﻮاء ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺎن وﻛﺂﺑﺔ اﻟﻤﻨﻈﺮ أظﻠﺘﻨﻲ ﺑﺴﺤﺎﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺰن ،زادﺗﮫﺎ رؤﻳﺔ اﻷﺗﺎن ﺗﮫﺮول ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ ﻛﻼب اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻧﺒﺤﺖ ﻋﻠﯿﮫﺎ ،ﻓﮫﺮﺑﺖ إﻟﻰ ﻗﻠﺐ اﻟﻮادي ،وھﻲ ﻻ ﺗﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻳﻨﺘﻈﺮھﺎ ھﻨﺎك! ُ اﻟﺤﯿﺎة ﻏﯿﺮ ﻋﺎدﻟﺔ أﺣﯿﺎﻧًﺎ ،ﻳﻮﻟﺪ اﻟﺒﻌﺾ أُﺗًﻨﺎ وﻳﻮﻟﺪ اﻟﺒﻌﺾ ﺳﺒﺎًﻋﺎ ،وﺻﻨﻒ ﺛﺎﻟﺚ ﻳﻮﻟﺪ ﺠﯿَﻒ ،ﺣﻘﺎ ﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﺠﻤﯿﻊ أُﺗًﻨﺎ ﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺖ اﻟﺤﯿﺎة! آﻛًﻼ ﻟﻠ ِ ﺗﺮﻛﻨﺎ اﻟﻮادي وﺟﺎوزﻧﺎه ﺑﻤﺴﯿﺮة ﻳﻮم ،ﺛﻢ وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ »اﻟﻤﺘﻌﺸﻰ« اﻟﺬي ﻛﺎن ﻓﺴﯿ ً ﺤﺎ وﻳﺒﺪو ﻛﻤﻠﺘﻘﻰ ﻟﻘﻮاﻓﻞ اﻟﺸﺮق واﻟﺸﻤﺎل واﻟﺠﻨﻮب ،ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ، وﺟﺪﻧﺎ ﻗﺎﻓﻠﺔ أﺧﺮى ﻗﺪ أﺗﺖ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮب وﻗﺪ اﺳﺘﻘﺮت ﻟﻠﺮاﺣﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﻔﺴﯿﺢ ،رأﻳﺖ ﺧﯿﻤﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ﻗﺪ رﻓﻌﺖ أﻣﺎﻣﮫﺎ راﻳﺎت ُ ﺧﻀﺮ ،ووﻗﻒ أﻣﺎﻣﮫﺎ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺮاس اﻷﺣﺒﺎش داﻛﻨﻲ اﻟﺒﺸﺮة ،ﺿﺨﺎم اﻷﺟﺴﺎد ،ﻣﻤﺎ ﻳﺸﻲ ﺑﺄن ﻋﻈﯿ ً ﻤﺎ ﻳﻘﺒﻊ داﺧﻠﮫﺎ. ﻋﻠﻤﻨﺎ ﻣﻦ رﺟﺎل اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ أن أﻣﯿًﺮا ﻣﻦ أھﻞ اﻟﺠﻨﻮب اﺳﻤﻪ )ﻳﺜﻊ( ﻳﺴﯿﺮ ﻓﻲ ﻗﺎﻓﻠﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ﻣﺘﺠﮫﺔ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ. ﻟﻢ ﻧﻨﻢ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻣﻦ ﺷﺪة اﻟﺠﻠﺒﺔ اﻟﺘﻲ أﺛﺎرھﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﻮن وﻣﻌﮫﻢ اﻷﺣﺒﺎش ،وﺑﺪا أن ﺻﻼة ﻳﻘﯿﻤﻮﻧﮫﺎ ﻓﻲ آﺧﺮ ﻟﯿﻠﺔ ﻣﻦ ﻟﯿﺎﻟﻲ اﻟﻘﻤﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﮫﺮ، ﺼ َ ﺐ ﻓﻲ ﻣﻜﺜﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ ﺳﺎﺣﺘﮫﻢ اﻟﺘﻲ أﺿﺎءﺗﮫﺎ ﻋﺸﺮات اﻟﻤﺸﺎﻋﻞ وُﻧ ِ ﻣﻨﺘﺼﻔﮫﺎ ﺗﻤﺜﺎ ٌ ل ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺗﯿﺲ ﻋﻈﯿﻢ اﻟﻘﺮﻧﯿﻦ ،ﻋﻠﻤﺖ أﻧﻪ إﻟﮫﮫﻢ اﻟﻤﻌﺒﻮد اﻟﻤﺴﻤﻰ »ﻋﺜﺘﺮ« ،أﻗﯿﻤﺖ ﻣﺒﺨﺮة ﻋﻈﯿﻤﺔ أﻣﺎم اﻟﺘﻤﺜﺎل ﻓﺎﺣﺖ ﻣﻨﮫﺎ راﺋﺤﺔ اﻟﺒﺨﻮر اﻟﺴﺒﺌﻲ اﻟﺬي ﻟﻢ ﺗﺴﻄَﻊ أﻧﻔﻲ راﺋﺤﺔ ﺑﺨﻮر ﻣﺜﻠﻪ ،ﻓﻌﻠﻤﺖ ﻳﻘﯿًﻨﺎ أن ﺳﺒﺄ ھﻲ أرض اﻟﺒﺨﻮر! ﻓﯿﻜﻔﻲ أن ﺗﺸﺘﻢ راﺋﺤﺔ اﻟﺒﺨﻮر ﺣﺘﻰ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺨﺪر ﻓﻲ أطﺮاﻓﻚ ،وﻳﺮﺗﻘﻲ ﻋﻘﻠﻚ ﻓﻲ ﻣﻨﺎزل اﻟﻨﺸﻮة ﺣﺘﻰ ﻳﺤﻠﻖ ﺑﻚ ﻓﻲ ﺟﻨﺒﺎت اﻟﻔﺮدوس واﻟﻨﻌﯿﻢ اﻟﺴﺮﻣﺪي! وﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﻲ اﻟﺘﻤﺜﺎل وﻗﻔﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﺒﺸﯿﺎت ﻋﺎرﻳﺎت اﻟﻨﺤﻮر واﻷﺑﺪان إﻻ ﻣﻦ إزار ُ ن ﻣﻜﺸﻮﻓﺔ ،دﻗﺖ اﻟﺼﻨﻮج ﻓﻲ ﺷﱠﺪ ﻋﻨﺪ اﻟﺼﺪر ورداٍء اﻧﺤﺴﺮ ﻋﻦ ﺳﯿﻘﺎ ٍ ﻢ ﺷﺠﻲ ﺗﻤﺎﻳﻠﺖ ﻣﻌﻪ رءوس إﻳﻘﺎعٍ ﻣﻨﻈﻮم ،وارﺗﻔﻊ ﻣﻌﻪ ﺻﻮت اﻟﻜﺎھﻦ ﻓﻲ ﻧﻐ ٍ اﻟﻤﺼﻠﯿﻦ ﻓﻲ ﺧﺸﻮع ،ﺛﻢ ازدادت وﺗﯿﺮة اﻟﺤﻤﺎس ﻣﻊ ﺿﺮﺑﺎت اﻟﺼﻨﻮج اﻟﺮﻧﺎﻧﺔ وﺗﻤﺎﻳﻞ اﻟﻔﺘﯿﺎت اﻟﻌﺎرﻳﺎت ،واﺑﺘﮫﻞ اﻟﻜﺎھﻦ ﻓﻲ ھﺘﺎف ﻣﺤﻤﻮم ذي ﻧﺸﻮة ،ردده اﻟﻤﺼﻠﻮن ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻪ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﺤﻤﺎس: ﻋﺜﺘﺮ ﺷﺮﻗﻦ )اﻟﺸﺮق( ﻋﺜﺘﺮ ﻏﺮﺑﻦ )اﻟﻐﺮب( ﻋﺜﺘﺮ ذو ﻗﺒﻀﻢ )اﻟﻘﺎﺑﺾ( ﻋﺜﺘﺮ ﺳﻤﻌﻢ )اﻟﺴﻤﯿﻊ( ﻋﺜﺘﺮ ﻧﻮرن )اﻟﻤﻨﯿﺮ( ﻋﺜﺘﺮ ذو ﻗﮫﺮم )اﻟﻘﺎھﺮ( وﺣﯿﻨﻤﺎ ﻧﻄﻘﻮا ﺑﺎﻻﺳﻢ اﻷﺧﯿﺮ ﻟﻺﻟﻪ اﻷﻋﻈﻢ ﺧﺮّوا ﺟﻤﯿﻌﺎ ﺳﺎﺟﺪﻳﻦ أﻣﺎم اﻟﺘﻤﺜﺎل ﻓﻲ ﺳﻘﻮط ﻛﺎﻹﻏﻤﺎء ﻣﻦ ﻓﺮط اﻟﻨﺸﻮة اﻟﺘﻲ وﺻﻠﻮا إﻟﯿﮫﺎ. اﻧﻘﻀﺖ ﺻﻼﺗﮫﻢ ﻓﻲ وﻗﺖ ﻣﺘﺄﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﻠﯿﻞ ﻓﻌﺪت إﻟﻰ ﻋﺮﺑﺘﻲ ﺗﺘﻤﺎﻳﻞ رأﺳﻲ ﻣﻦ أﺛﺮ اﻟﺒﺨﻮر وﻣﻦ ﺷﺪة رﻏﺒﺘﻲ ﻓﻲ اﻟﻨﻮم ،ﺗﻠﺤﻔﺖ ﺑﻐﻄﺎء ﻣﻦ وﺑﺮ اﻹﺑﻞ وﻧﻤﺖ أﺳﻔﻞ ﻋﺮﺑﺘﻲ اﻟﺨﺸﺒﯿﺔ ،ﻣﺤﺘﻀًﻨﺎ ﺻﻨﺪوق اﻟﺬھﺐ ،طﺎف ﺑﻌﻘﻠﻲ ﺗﯿﺲ أھﻞ اﻟﺠﻨﻮب اﻟﻌﻈﯿﻢ وﺗﺬﻛﺮت ﻋﺠﻞ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ اﻟﺬھﺒﻲ ،ﻳﺒﺪو أن اﻟﺼﻼة ﻋﻨﺪ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس طﻘﺲ ﻟﻤﺘﻌﺔ اﻟﻌﺎﺑﺪ وﻟﯿﺲ ﻹرﺿﺎء اﻟﻤﻌﺒﻮد! داﻋﺒﺘﻨﻲ اﻟﺴﯿﻘﺎن اﻟﻌﺎرﻳﺔ ﻓﻲ ﺧﯿﺎﻟﻲ ﻓﺄﺛﺎرت ﻓﻲ دﻣﺎﺋﻲ اﻟﺤﻨﯿﻦ إﻟﻰ اﻣﺮأة، أي اﻣﺮأة ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺒﺸﯿﺔ ﻻ ﻳﺒﺪو ﻣﻨﮫﺎ ﻓﻲ ظﻼم اﻟﻠﯿﻞ إﻻ ﺑﯿﺎض أﺳﻨﺎﻧﮫﺎ، ﺿﻤﻤﺖ ﺳﺎﻗﻲ واﺷﺘﺪت ﺿﻤﺘﻲ ﻟﻠﺼﻨﺪوق وأﺳﻠﻤﺖ ﺧﯿﺎﻟﻲ ﻷﻻﻋﯿﺐ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻄﺎﻓﯿﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﯿﻘﻈﺔ واﻟﻤﻨﺎم ،ﻓﺄرﺟﺤﺘﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻳﺮ ﻣﺨﻤﻠﻲ ﻣﻦ اﻟﻨﺸﻮة، ﺗﺰﻛﯿﻪ راﺋﺤﺔ اﻟﺒﺨﻮر اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻔﺎرق أﻧﻔﻲ طﯿﻠﺔ اﻟﻠﯿﻞ. »اﻟﯿﻮم اﻟﺜﺎﻣﻦ«: اﻟﯿﻮم ﻛﺎن ﻳﻮًﻣﺎ ﺳﯿًﺌﺎ ،أﺻﺎب اﻟﺨﻨﺎق ﻋﺪًدا ﻛﺒﯿًﺮا ﻣﻦ اﻟﺨﯿﻮل واﻟﺤﻤﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ،وﻛﺄﻧﮫﺎ ﻟﻌﻨﺔ اﻷﺗﺎن اﻟﺘﻲ أﻟﻘﯿﺖ ﻟﻠﺴﺒﺎع ﻗﺪ أﺻﺎﺑﺖ ﺑﻨﻲ ﺟﻠﺪﺗﮫﺎ، اﻟﻌﺠﯿﺐ أن اﻟﻤﺮض ﻛﺎن أﺷﺪ وطﺄة ﻋﻠﻰ اﻟﺨﯿﻮل ﻣﻦ اﻟﺤﻤﯿﺮ ،ﻓﻤﺎ أن ﻳﺒﺪأ اﻟﻤﺨﺎط ﻓﻲ اﻟﺴﯿﻞ ﻣﻦ أﻧﻒ اﻟﺠﻮاد ،ﺣﺘﻰ ﺗﺼﯿﺒﻪ اﻟﺤﻤﻰ وﺗﻨﺘﻔﺦ اﻟﺒﺜﻮر ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ وﻳﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﻄﻌﺎم واﻟﺸﺮاب ﺣﺘﻰ ﻳﺼﯿﺒﻪ اﻟﮫﺰال ،أﺻﯿﺒﺖ ﻓﺮﺳﺔ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( أوًﻻ ،ﺛﻢ ﻓﺮس اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،ﺛﻢ ﺗﻮاﻟﺖ إﺻﺎﺑﺎت اﻟﺨﯿﻞ اﻟﻮاﺣﺪة ﺗﻠﻮ اﻷﺧﺮى ،وﻣﻤﺎ زاد اﻷﻣﺮ ﺻﻌﻮﺑﺔ ،أن اﻟﺨﯿﻞ اﻟﻤﺼﺎﺑﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ اﻟﺮاﺣﺔ، واﻟﻌﺰل ﻋﻦ ﺑﺎﻗﻲ اﻷﺣﺼﻨﺔ ،وھﻮ اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳﺘﻌﺬر ﻋﻠﻰ طﺮﻳﻖ اﻟﺴﻔﺮ. ﻓﻲ ﺻﺒﺎح ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﺑﻠﻎ اﻟﮫﺰال ﻣﺒﻠﻐﻪ ﺑﻔﺮﺳﺔ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( اﻟﺘﻲ ﺳﻘﻄﺖ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﮫﺎ وأﺻﺪرت ﺻﮫﯿًﻼ ﺧﺎﻓًﺘﺎ ﻛﺄﻧﻪ ﺣﺸﺮﺟﺔ اﻟﻤﻮت ،رأﻳﺖ اﻟﺪﻣﻮع ﻓﻲ ﻋﯿﻦ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺑﻜﻰ )ﻟﯿﺚ( ﻋﻠﯿﮫﺎ ﺑﻜﺎًء ﺻﺮﻳ ً ﺤﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺮﺳﺔ اﻷﺛﯿﺮة ﻟﺪﻳﮫﻢ ﻣﻨﺬ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﮫﺮة ﺻﻐﯿﺮة ،ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺤﺰن ﻟﮫﻢ وﻟﮫﺎ، ووﺟﺪت اﺗﮫﺎًﻣﺎ ﻟﻲ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﺗﺤﻮل إﻟﻰ ﻛﻠﻤﺎت ﻏﺎﺿﺒﺔ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻚ أن ﺗﺮﺑﻂ اﻷﺗﺎن ﻓﻲ ﻣﺮﺑﻂ اﻟﺪواب.ﺗﺮﻛﻨﺎ اﻟﻔﺮﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻔﻘﺖ أو ﺗﻜﺎد ﻟﻤﺼﯿﺮھﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ،واﺳﺘﺄﻧﻔﺖ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻣﺴﯿﺮھﺎ وﻛﻠﻲ أًذى ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺸﯿﺦ اﻟﻼﺋﻤﺔ اﻟﻐﺎﺿﺒﺔ ،اﺳﺘﺒﺪل اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻓﺮﺳﺘﻪ ﺑﺄﺧﺮى ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻓﻀﻞ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( أن ﻳﺴﺘﺒﺪل ﻓﺮﺳﻪ ﺑﺒﻐﻠﺔ ﻓﺘﯿﺔ ،ﺑﻌﺪ أن ﻻﺣﻈﻨﺎ أن اﻟﺒﻐﺎل ﻻ ﺗﺼﺎب ﺑﺎﻟﻤﺮض ،اﺳﺘﺄذﻧﺘﻪ ﻓﻲ أن أرﺑﻂ اﻟﻔﺮس ﻓﻲ ﻣﺆﺧﺮة اﻟﻌﺮﺑﺔ ،ﻓﺬﻟﻚ أھﻮن ﻋﻠﯿﻪ وأدﻧﻰ أﻻ ﻳﺮھﻘﻪ اﻟﺴﯿﺮ أو أن ﻳﺼﯿﺐ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﺨﯿﻞ ،وﺣﯿﻦ وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ »اﻟﻤﺘﻌﺸﻰ« ،راودﺗﻨﻲ ﻓﻜﺮة أن أدواي اﻟﻔﺮس ﻛﻤﺎ داوﻳﺖ )ﻋﻤﺮو( ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،ﻓﺎﻟﺤﯿﻮان ﻛﻤﺎ اﻹﻧﺴﺎن روح وﺑﺪن ،وﻛﻼھﻤﺎ ﻳﺼﺎب ﺑﺎﻟﻌﻄﺐ واﻟﻤﺮض. ﻣﻸت إﻧﺎء ﺑﻤﺎء اﻟﺒﺌﺮ ،ﺛﻢ ﻧﻘﻌﺖ ﺑﻪ ﺑﺬور اﻟﺤﺮﻣﻞ اﻟﺠﺎﻓﺔ ،وأﺳﺮﻓﺖ ﻓﻲ اﻟﻘﺪر اﻟﺬي وﺿﻌﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﺒﺬور ،ﺛﻢ طﺤﻨﺖ ﻓﺼﻮ ً ﺻﺎ ﻣﻦ اﻟﺜﻮم ووﺿﻌﺘﮫﺎ ﻓﻮق اﻟﺒﺜﻮر اﻟﻤﺘﻘﯿﺤﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﻔﺮس اﻟﻤﺼﺎب ،ﻗﺪﻣﺖ اﻟﻤﺎء إﻟﻰ اﻟﻔﺮس اﻟﮫﺰﻳﻞ ،ﻓﺸﺮب ﻣﻨﮫﺎ ﻗﺪًرا ﻳﺴﯿًﺮا ﻓﻲ ﺑﺎدئ اﻷﻣﺮ ،ﻗﺒﻞ أن ﻳﺄﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻹﻧﺎء ﻛﻠﻪ وﻛﺄﻧﻤﺎ راﻗﻪ طﻌﻢ ﻣﻨﻘﻮع اﻟﺤﺮﻣﻞ ،ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ﻛﺮرت ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺘﻪ ﺑﺎﻟﻠﯿﻞ وداوﻣﺖ ﻋﻠﯿﻪ ﺑﯿﻦ اﻟﻔﯿﻨﺔ واﻟﻔﯿﻨﺔ طﯿﻠﺔ اﻟﻤﺴﯿﺮ وأﻧﺎ أﺗﻠﻘﻰ اﻟﻨﻈﺮات اﻟﻤﺘﻌﺠﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( واﻟﻨﻈﺮات اﻟﺴﺎﺧﺮة ﻣﻦ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ،اﻟﻌﺠﯿﺐ أﻧﻪ ﺑﻌﺪ اﻧﻘﻀﺎء اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ، ھﺪأت اﻟﺤﻤﻰ اﻟﺘﻲ أﺻﺎﺑﺖ اﻟﻔﺮس ،وأﻗﺒﻞ اﻟﻔﺮس ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻌﺎم ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺎﻓﻪ ﻧﻔﺴﻪ ،وﻓﺮح اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺑﺘﺤﺴﻦ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻔﺮس ،ﻓﻘﺎل ﺣﯿﻦ ﺗﻮﻗﻔﻨﺎ ﻟﻠﺮاﺣﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻠﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﺴﯿﺮ: أﻟﺪﻳﻚ ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻲ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻣﻞ واﻟﺜﻮم؟!ھﺰزت رأﺳﻲ ﻧﺎﻓﯿًﺎ ،ﻓﺼﻤﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻠﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ(: أرى أن ﻋﻼج )ﺷﻤﻌﻮن( ﻟﻠﺨﯿﻞ ﻧﺎﺟ ٌﺢ ،ﻣﻦ اﻟﺨﯿﺮ أن ﻧﺘﻮﻗﻒ ﺑﻀﻌﺔ أﻳﺎم ﻟﻌﻼج ﺑﺎﻗﻲ اﻟﺨﯿﻞ اﻟﻤﺼﺎﺑﺔ. ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ(: أﻳﻦ ﻧﺘﻮﻗﻒ؟ﻻ ﻳﺘﺴﻊ اﻟﻤﺤﻂ ﻟﻠﻤﺒﯿﺖ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻟﯿﻠﺔ أو ﻟﯿﻠﺘﯿﻦ ،وأظﻦ أﻧﻨﺎ ﻟﻦ ﻧﺠﺪ ﺑﺬور اﻟﺤﺮﻣﻞ وﻓﺼﻮص اﻟﺜﻮم ھﺎھﻨﺎ! ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: ﻧﻌﺮج إﻟﻰ ﻳﺜﺮب ﻏًﺪا ،ﻓﮫﻲ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﻣﺴﯿﺮة ﻳﻮم!وﺟﺪت اﻟﻀﯿﻖ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﺑﯿﻨﻤﺎ ھﺘﻒ )ﻟﯿﺚ( ﻓﻲ ﻓﺮح وﻗﺎل: ﺣﻘﺎ!ﻟﻘﺪ اﺷﺘﻘﺖ إﻟﻰ أﺧﻮاﻟﻲ ،أﺷﻜﺮك ﻳﺎ ﺟﺪي ،ﺳﺘﻔﺮح أﻣﻲ ﺑﺬﻟﻚ أﻳﻤﺎ ﻓﺮح! ﻏﻤﻐﻢ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻗﺎﺋًﻼ: أﺧﺸﻰ أن ﺗﺘﻌﻄﻞ اﻟﻤﺴﯿﺮة وﻟﻜﻦ اﻷﻣﺮ ﻟﻚ ﻳﺎ أﺑﻲ.وﺑﺘﻨﺎ ﻟﯿﻠﺘﻨﺎ ﺗﻠﻚ وأﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﻮق أﻧﺎ أرى ﻳﺜﺮب ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﻳﻜﻔﯿﻨﻲ أن ﻧﻤﻜﺚ ﻓﯿﮫﺎ ﺑﻀﻌﺔ أﻳﺎم ،أرى ﻓﯿﮫﺎ )أروى( وأرى ﻓﯿﮫﺎ اﻷرض اﻟﺘﻲ ﻧﺒﺘﺖ ﺑﮫﺎ أﻣﮫﺎ. »اﻟﯿﻮم اﻟﻌﺎﺷﺮ«: ﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﻦ طﺮﻳﻖ اﻟﺒﺨﻮر واﺗﺠﮫﻨﺎ ﻳﻤﯿًﻨﺎ ﺟﮫﺔ اﻟﻐﺮب ﺳﺎﻟﻜﯿﻦ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻰ ﻳﺜﺮب، اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺑﻪ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺮﺗﻔﻌﺎت واﻟﻤﻨﺨﻔﻀﺎت ،واﻟﺒﻠﺪة ﻻ ﻳﻤﻜﻦ رؤﻳﺘﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻣﻰ اﻷﻓﻖ ،ﻓﺎﻟﺠﺒﺎل ﺗﺤﻮطﮫﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ وﻛﺄﻧﮫﺎ ُﻋﺶ ﺻﻘٍﺮ أﻗﯿﻢ ﻓﻲ ﺟﻮف اﻟﺠﺒﻞ ،ﺗﺴﺎرﻋﺖ اﻟﺮﻳﺎح ﻓﺄﺛﺎرت اﻟﺮﻣﺎل واﻷﺗﺮﺑﺔ ،واﻣﺘﻸت أﻧﻔﻲ وﻋﯿﻨﻲ ﺑﺎﻟﻐﺒﺎر، ﺧﻤﺎٍر ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎن ﺑﻠﱠﻠﺘﻪ ﺑﺎﻟﻤﺎء ﻓﺤﺠَﺰ ﻋﻨﻲ أذى اﻷﺗﺮﺑﺔ ،وﻛﻔﻔ ُ ﺖ ﺗﻜﻤﻤﺖ ﺑﻄَْﺮف ِ ﻋﻦ اﻟﺴﻌﺎل اﻟﺬي اﻧﺘﺎﺑﻨﻲ ﺑﺴﺒﺒﮫﺎُ ،درﻧﺎ ﺑﺎﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﺛﻢ ﺳﻠﻜﻨﺎ طﺮﻳًﻘﺎ ﻣﻨﺤﺪًرا ﺑﯿﻦ ﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺠﺒﺎل ،ﺗﺤﯿﻄﮫﺎ أﺷﺠﺎر اﻟﻨﺨﯿﻞ ﻛﺎﻟﺴﯿﺎج، ﺗَﻠﱠْﯿﻦ ﻓﺒﺪت ﻟﻨﺎ اﻟﺒﻠﺪُة ﻛﻮاﺣ ٍ ﺗﻤﺘﺪ ﻓﻲ وﺳﻄﮫﺎ اﻟﺒﺴﺎﺗﯿﻦ ،وﺗﻨﺘﺸﺮ ﺣﻮل آﺑﺎرھﺎ ﻣﻨﺎزل ﺑﻨﯿﺖ ﺑﺎﻟﺤﺠﺮ واﻟﻘﺮﻣﯿﺪ، ﺐ اﻟﺮﻣﺎل واﻷﺗﺮﺑﺔ ،وﻧﺴﻤﺎ ُ اﻟﺮﻳﺎ ُ ح ﺑﯿﻦ اﻟﺠﺒﺎل أﻛﺜﺮ ﺳﻜﻮﻧًﺎ وأﺷﺠﺎر اﻟﻨﺨﯿﻞ ﺗﺤﺠ ُ ت اﻟﻨﮫﺎر اﻟﻤﺘﺄﺧﺮة ﺗﺪاﻋﺒﻨﺎ وﺗﻨِﻌﺶ ﺻﺪورﻧﺎ ،ﺣﺘﻰ ﺗﻤﻨﯿﺖ ﻟﻮ ﺗﻄﻮل إﻗﺎﻣﺘﻨﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻠﺪة طﯿﺒﺔ اﻟﮫﻮاء. اﺳﺘﻘﺒﻠﻨﺎ أﺧﻮال )أروى( ﺑﺘﺮﺣﺎب ﻛﺒﯿﺮُ ، ﺿِﺮﺑﺖ اﻟﺨﯿﺎم ﻋﻠﻰ أطﺮاف اﻟﻮاﺣﺔ، واﺗﱠﺨﺬ ُ ت ﻟﻲ ﺧﯿﻤﺔ وﺿﻌﺖ ﻓﯿﮫﺎ أﻏﺮاﺿﻲ واﻟﺼﻨﺪوق ،ﺑﯿﻨﻤﺎ اﺳﺘﻀﺎف اﻟﻘﻮم اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ووﻟﺪه )دوﻣﺔ( ﻓﻲ ﻣﻨﺰل ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ إﻛﺮاًﻣﺎ ﻟﮫﻤﺎ. ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ أﻗﯿﻤﺖ ﻣﺄدﺑﺔ طﻌﺎم واﻓﺮة ﺑﺄﺻﻨﺎف ﺷﺘﻰ ﻣﻦ ﻟﺤﻮم اﻟﻀﺄن واﻟﻤﺎﻋﺰ واﻹﺑﻞ ،وﻟﻜﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺒﺘﻪ ﻛﺎن ﻟﺤﻮم اﻟﺪﺟﺎج ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ أﺗﺬوﻗﻪ ﻓﯿﮫﺎ وذﻛﺮﻧﻲ طﻌﻤﻪ ﺑﻠﺤﻢ اﻟﺴﻠﻮى اﻟﺬي اﺷﺘﻘﺖ إﻟﯿﻪ ﻣﻨﺬ ﺗﺮﻛﺖ ﻧﺰﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﻗﺎدش ﺑﺮﻧﯿﻊ ،ﻋﻠﻤﺖ أﻧﮫﻢ ﻳﺮﺑﻮن اﻟﺪواﺟﻦ ﻓﻲ ﻣﻨﺎزﻟﮫﻢ ،ﺣﯿﻦ رأﻳﺖ دﺟﺎﺟﺔ ﻋﻠﻰ إﺣﺪى اﻟﻨﻮاﻓﺬ ﺗﻘﻒ آﻣﻨﺔ وھﻲ ﺗﻨﻘﺮ ﻓﻲ اﻟﺨﺸﺐ إﻟﻰ أن ﻗﻔﺰ إﻟﻰ ﺟﻮارھﺎ دﻳ ٌ ﻚ ﺟﻌﻠﮫﺎ ﺗﻔﺮ ﻣﻦ ﻧﻘﺮات اﻟﻐﺰل اﻟﺘﻲ أراد أن ﻳﺘﻘﺮب ﺑﮫﺎ إﻟﯿﮫﺎ ،ﻓﻠﻢ ﺗﺘﻘﺒﻠﮫﺎ. ﻋﱠﺮﻓﻨﻲ )ﻟﯿﺚ( ﻋﻠﻰ ﺧﺎﻟﻪ )أواس( ﻓﻮﺟﺪﺗﻪ رﺟًﻼ ﻣﮫﯿﺒًﺎ ﻗﻮﻳﺎ ﺷﺪﻳﺪ ﺑﯿﺎض اﻟﻮﺟﻪ، ذا ﺷﻌﺮ أﺟﻌﺪ ﻗﺼﯿﺮ أﺣﻤﺮ اﻟﻠﻮن ،وذﻗﻦ ﺣﻤﺮاء ﻧﺤﯿﻠﺔ اﻟﺸﻌﺮ ﺗﻨﺘﺜﺮ ﻓﯿﮫﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻌﯿﺮات اﻟﺒﯿﻀﺎء ،ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻼﻣﺤﻪ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ھﯿﺌﺔ أﻋﺮاب ﻓﺎران اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻤﯿﻞ أﺑﺸﺎرھﻢ ﻟﻠﺴﻤﺮة وأﺟﺴﺎدھﻢ ﻟﻠﻨﺤﻮل ،ﻋﻠﻤﺖ أن ﻗﺒﯿﻠﺔ )ُﻋﺒﯿﻞ( اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺤﺪر ﻣﻨﮫﺎ ﻋﺎﺋﻠﺔ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﻟﯿﺴﺖ ﻓﻲ اﻷﺻﻞ ﻣﻦ أھﻞ ﻓﺎران ،وﻟﻜﻨﮫﻢ ﻧﺰﺣﻮا إﻟﻰ أرض ﻳﺜﺮب ﻣﻦ ﺑﺎﺑﻞ ،وأن ﺟﺪھﻢ اﻷﻛﺒﺮ )ﻳﺜﺮب ﺑﻦ ﻋﺒﯿﻞ( ھﻮ ﻣﻦ أﻗﺎم ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻠﺪة ،ﺛﻢ ﻋﺎﺷﻮا ﺑﮫﺎ ﻗﺮوﻧﺎ إﻟﻰ أن ﻧﺎزﻋﮫﻢ ﻓﻲ أرﺿﮫﻢ اﻟﻌﻤﺎﻟﯿﻖ ،ﻓﺨﺮﺟﺖ ﻗﺒﯿﻠﺔ )ﻋﺒﯿﻞ( ﻣﻦ ﻳﺜﺮب وﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻣﻦ ﻧﺴﻠﮫﺎ ﺳﻮى ﻋﺎﺋﻠﺔ اﻟﺸﯿﺦ )أواس(. ﻻﺣﻈﺖ أن ودا ﺧﻔﯿﺎ ﻳﺮﺑﻂ ﺑﯿﻦ )ﻟﯿﺚ( واﺑﻨﺔ ﺧﺎﻟﻪ )ﻻﻣﺎر( ،ﺗﻔﻀﺤﻪ ﺧﻠﺠﺎت )ﻟﯿﺚ( اﻟﻤﻀﻄﺮﺑﺔ ﻛﻠﻤﺎ وﻗﻌﺖ ﻋﯿﻨﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺒﯿﻀﺎء ذھﺒﯿﺔ اﻟﺸﻌﺮ ،وﺣﯿﻨﻤﺎ أﺗﺖ )أروى( ﻛﻲ ﺗﺨﺒﺮﻧﺎ أن )ﻻﻣﺎر( ﺳﻮف ﺗﺼﺤﺒﻨﺎ ﻓﻲ ﻧﺰھﺔ إﻟﻰ ﺑﺴﺎﺗﯿﻦ اﻟﻜﺮم، ﺳﻤﻌﺖ ﺧﻔﻘﺎت ﻗﻠﺐ )ﻟﯿﺚ( وھﻲ ﺗﺮﻗﺺ ﻓﺮ ً ﺣﺎ. ﻓﻲ ﺑﺴﺎﺗﯿﻦ اﻟﻜﺮم ﻓﻲ ﻳﺜﺮب رأﻳﺖ ﺟﻨﺔ ﻣﻦ ﺟﻨﺎن اﻷرض ،ﺧﻔﻔﺖ اﻟﻮطء ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺆذي أﻗﺪاﻣﻲ أﻋﺸﺎﺑًﺎ ﻟﻢ أر ﻣﺜﻠﮫﺎ ﻓﻲ ﺧﻀﺮﺗﮫﺎ ،ﻟﮫﺎ راﺋﺤﺔ رطﺒﺔ ﻧﺪﻳﺔ ،أظﻠﺘﻨﺎ ﺳﻘﯿﻔﺔ ﻣﻤﺘﺪة ﺗﻜﺎﺛﻔﺖ ﻓﻮﻗﮫﺎ أوراق اﻟﻜﺮم وﺗﺘﺪﻟﺖ ﺑﯿﻦ ﻓﺠﻮاﺗﮫﺎ اﻟﻌﻨﺎﻗﯿﺪ ،ﺑﻌﻀﮫﺎ أﺣﻤﺮ ﻛﺎﻟﯿﺎﻗﻮت ،وﺑﻌﻀﮫﺎ أﺧﻀﺮ ﻛﺎﻟﺰﺑﺮﺟﺪ ،ﻓﺘﺬﻛﺮت ﻋﻨﻘﻮد اﻟﻌﻨﺐ اﻟﺬي ﻋﺎد ﺑﻪ اﻟﻨﻘﺒﺎء اﻻﺛﻨﺎ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺑﺤﺠﻤﻪ اﻟﻤﮫﻮل ،وﺣﺪﺛﺘﻨﻲ ﻧﻔﺴﻲ إن ﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﻌﻨﺎﻗﯿﺪ اﻟﺼﻐﯿﺮة ﺑﻤﺜﻞ ھﺬا اﻟﺠﻤﺎل ،ﻓﻜﯿﻒ ھﻲ ﺑﺴﺎﺗﯿﻦ اﻟﻜﺮم ﻓﻲ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ؟ ﻗﻄﻔﺖ ﺑﻀﻊ ﺣﺒﺎت ﺑﯿﺪي ،وﺗﺬوﻗﺖ إﺣﺪاھﺎ ﻓﺬاﺑﺖ ﺣﻼوﺗﮫﺎ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﻲ، ﻓﺎﺑﺘﺴﻤﺖ اﻟﻔﺘﺎة ﺣﯿﻦ رأت أﺛﺮ اﻟﻄﻌﻢ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻲ ،ﻓﻘﻄﻔﺖ ﺑﯿﺪھﺎ ﻋﻨﻘﻮًدا ﻛﺎﻣًﻼ ،وأﻋﻄﺘﻪ لـ)ﻟﯿﺚ( أوًﻻ ،ﺛﻢ ﻗﻄًﻔﺎ ﺛﺎﻧﯿًﺎ لـ)أروى( وﺛﺎﻟًﺜﺎ ﻟﻲ. ﻗﺎﻟﺖ اﻟﻔﺘﺎة وھﻲ ﺗﺸﯿﺮ إﻟﻰ ﺻﻮﻣﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺴﺘﺎن: ھﻞ ﺗﺮﻳﺪون رؤﻳﺔ ﻣﻌﺼﺮة اﻟﺨﻤﺮ؟ﻗﺎﻟﺖ )أروى( ﻓﻲ ﺗﻌﺠﺐ واﺳﺘﻨﻜﺎر: أﺗﺒﯿﻌﻮن اﻟﺨﻤﺮ ﻓﻲ ﻳﺜﺮب؟ﻗﺎﻟﺖ اﻟﻔﺘﺎة ﺑﺼﻮت ﻳﻨﺴﺎب ھﺎدﺋًﺎ ﻛﺸﻌﺮھﺎ اﻟﺬھﺒﻲ اﻟﻤﺴﺘﺮﺳﻞ وﻗﺪ ﺗﺤ ﱠ ﻤﺮت وﺟﻨﺘﺎھﺎ: اﻟﻤﺤﺼﻮل وﻓﯿﺮ ،وﻻ ﻳﺒﺎع ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ،ﻓﻨﻌﺼﺮ ﺑﻌﻀﻪ ﺧﻤًﺮا وﻧﺠﻔﻒ ﺑﻌﻀﻪ زﺑﯿﺒًﺎ.ﻗﺎﻟﺖ )أروى(: وﻣﻦ ﻳﺸﺘﺮﻳﮫﺎ؟ﻗﺎﻟﺖ )ﻻﻣﺎر(: ﻳﺸﺘﺮﻳﮫﺎ اﻷﻋﺮاب ﻣﻦ ﻏﯿﺮ اﻷﺣﻨﺎف.ﻟﻢ أﺷﮫﺪ أﺑﻲ ﻳﺸﺮب ﺧﻤًﺮا ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻋﻠﻤﺖ أن ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻗﺪ ﺷﺮﺑﻮھﺎ ﻓﻲ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﻤﺎﺟﻨﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﺎﻣﻮا ﻓﯿﮫﺎ ﻗﺪا ً ﺳﺎ ﻟﻠﻌﺠﻞ اﻟﺬھﺒﻲ ،ﺑﻌﺪھﺎ ﻧﮫَﺮ )ﻣﻮﺳﻰ( اﻟﻨﺎس وﻣﻨﻌﮫﻢ ﻣﻦ ﺷﺮﺑﮫﺎ ،وﺣﱠﺬر أن ﻳﺄﺗﻲ اﻟﺮﺟﻞ إﻟﻰ اﻟﺼﻼة ﻓﻲ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻣﺨﻤﻮًرا ،ﺗﻌﺠﺒﺖ ﻣﻦ أن أﺑﻨﺎء )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( أﻳ ً ﻀﺎ ﻻ ﻳﺸﺮﺑﻮﻧﮫﺎ ،وﺗﺴﺎءﻟﺖ ﻛﯿﻒ ﺣﻔﻆ ﺑﻨﻮ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( وﺻﺎﻳﺎ أﺑﯿﻨﺎ )إﺑﺮام( ،وﺗﻨﺎﺳﺎھﺎ ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﺑﻤﺮور اﻟﺰﻣﻦ؟ أﻟﮫﺬا اﻟﺴﺒﺐ ﻛﺎن ﻟﺰاًﻣﺎ أن ﻳﺮﺳﻞ اﻟﺮب ﻧﺒﯿﺎ إﻟﻰ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻛﻲ ﻳﻌﯿﺪھﻢ إﻟﻰ ﻣﻠﺔ أﺑﯿﻨﺎ )إﺑﺮام(؟! ﻋﺎدت اﻟﻔﺘﺎة إﻟﻰ اﻟﺴﺆال ﻓﻲ ﺑﺮاءة: ھﻞ ﺗﺤﺒﻮن رؤﻳﺔ اﻟﻤﻌﺼﺮة؟ﻗﺎل )ﻟﯿﺚ( ﻣﺴﺮًﻋﺎ: ﻧﻌﻢ.ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻗﺎﻟﺖ )أروى(: أرﻏﺐ ﻓﻲ اﻟﺒﻘﺎء ھﻨﺎ.ﻓﺮددت أﻧﺎ ﺑﻼ ﺗﻔﻜﯿﺮ: وأﻧﺎ أﻳ ًﻀﺎ ﺳﺄظﻞ ھﻨﺎ. اﻧﻄﻠﻖ )ﻟﯿﺚ( ﻣﻊ اﻟﻔﺘﺎة ﺳﻌﯿًﺪا ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺟﻠﺴﺖ أﻧﺎ و)أروى( ﻋﻠﻰ أرﻳﻜﺔ ﺧﺸﺒﯿﺔ ﻣﻮ ﱠ ﺳﺪة ﺑﻔﺮاء اﻟﻐﻨﻢ ﻓﺒﺪت وﺛﯿﺮة ﻧﺎﻋﻤﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ أﻗﺘﺮب ﻣﻨﮫﺎ ﺤﺠﺮ( ،ﺗﻌﻠﱠﻘﺖ ﻋﯿﻨﺎي ﺑﻮﺟﮫﮫﺎ وﺗﺸﺒﺜﺖ ﻧﻈﺮاﺗﻲ ﺑﮫﺬا اﻟﻘﺪر ﻣﻨﺬ ﻛﻨﺎ ﻓﻲ )اﻟ ِ ﺑﻠﺤﻈﯿﮫﺎ ﻻ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻐﺎدرھﻤﺎ ،اﺿﻄَﺮﺑَ ْ ﺖ ،ﻓﺄﺣﻨﺖ رأﺳﮫﺎ ﺧﺠًﻼ وﻗﺎﻟﺖ: ﻻ ﺗﻨﻈﺮ إﻟ ﱠﻲ ھﻜﺬا ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(. ﺗﻨﮫﺪ ُ ت وأﻧﺎ أﻗﻮل: اﺷﺘﻘﺖ إﻟﯿﻚ!ازدادت ﺣﻤﺮة وﺟﮫﮫﺎ ﻓﺰادﺗﮫﺎ ﻣﻼﺣﺔ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺘﻠﻌﺜﻤﺔ: اﺷﺘﻘﺖ إﻟﯿﻚ أﻧﺎ أﻳ ًﻀﺎ. ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ ﻓِﺮﺣﺎ: ﺗﺤﺪﺛ ُﺖ إﻟﻰ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،وﺧﻄﺒﺘﻚ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﻣﻨﻪ. ﻓﻐَﺮت ﻓﺎھﺎ ﻣﻨﺪھﺸﺔ وھﻲ ﺗﻘﻮل: أﺣﻘﺎ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﻟﻤﺎذا ﻓﻌﻠﺖ؟ ﺗﻌﺠﺒﺖ ﻣﻦ ﺳﺆاﻟﮫﺎ ودھﺸﺘﮫﺎ ،ﻓﻘﻠﺖ: ُ ﺟﺒﺖ؟ ظﻨﻨﺘﻚ ﺳﺘﺴﺄﻟﯿﻨﻨﻲ ﺑﻤﺎذا أ ِﺻﻤﺘﺖ ،ورأﻳﺖ اﻟﺤﺰن ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮫﺎ ،ﻓﻘﻠﺖ وﻗﺪ أﺻﺎﺑﻨﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻐﯿﻆ: ﺗﻮﻗﻌﺖ أن ﺗﻔﺮﺣﻲ ،ﻓﻠﻤﺎذا اﻟﺤﺰن؟ﻗﺎﻟﺖ: ﻤﻲ )دوﻣﺔ( ،وﻛﻠﱠﻤﺎ ﺗﺨﯿﻠﺖ ردَة ﻓﻌِﻠﻪ ارﺗﺠﻔﺖ ،ﻗﻠُﺒﻪ ﻣﻜﻠﻮ ٌ أﺧﺸﻰ أن ﻳﻌﻠﻢ ﻋ ِ ّم ﻋﻠﻰ وﻟﺪه وﻟﻮ ﻋِﻠﻢ أﻧﻚ ﺗﺒﻐﻲ ﺧﻄﯿﺒﺔ اﺑﻨﻪ ﺳﯿﺠﻦ ﺟﻨﻮﻧﻪ ،أﻏﺎظﻨﻲ أﻛﺜﺮ ﺗﺒﺮﻳﺮھﺎ ،ﻓﻘﻠﺖ ﻓﻲ ﻏﻀﺐ: اﻟﺨﻄﺒﺔ ﻟﻢ ﺗﻌﻘﺪ ،وأﻣﺮھﺎ ُﻣْﺮ َﺟﺄ ﺣﺘﻰ ﻳﻮاﻓﻖ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،وﻗﺪ ﺧﻄﺒﺘﻚ أﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( وأَْر َ ﺟﺄَھﺎ ھﻮ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮد اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ،ﺛﻢ ﻗﻤﺖ ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻲ ﻋﻠﻰ اﻷرﻳﻜﺔ وﺳﺮت ﺑﻀﻊ ﺧﻄﻮات ﺛﻢ ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أوﻟﯿﮫﺎ ظﮫﺮي: اﻟﻜﱠﻔﺘﺎن ﻣﺘﺴﺎوﻳﺘﺎن ﻳﺎ )أروى(!واﻷﻣﺮ ﻟﻚ! طﺎل اﻟﺼﻤﺖ ﻟﺤﻈﺎت ﺛﻢ ﺳﻤﻌﺖ ﺻﻮت ﺑﻜﺎﺋﮫﺎ ،ر ﱠ ق ﻗﻠﺒﻲ ﻟﮫﺎ ﻓﻌﺪت إﻟﯿﮫﺎ ﺟﺎﻟ ً ﺴﺎ وﻗﻠﺖ: ﻟﻤﺎذا ﺗﺒﻜﯿﻦ؟اﺳﺘﻤﺮت ﻓﻲ اﻟﺒﻜﺎء وﻗﺪ دﻓﻨﺖ وﺟﮫﮫﺎ ﻓﻲ راﺣﺘﯿﮫﺎ ،أزﺣﺖ ﻛﻔﯿﮫﺎ ﻋﻦ وﺟﮫﮫﺎ ﺑﺮﻓﻖ ،وأدرت وﺟﮫﮫﺎ ﻧﺤﻮي ،ﻓﻘﺎﻟﺖ واﻟﺪﻣﻮع ﺗﻐﻤﺮ وﺟﮫﮫﺎ: ﻟﯿﺖ اﻷﻣﺮ ﻟﻲ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،أﻧﺖ ﻻ ﺗﺪري أﻋﺮاف ﻗﺒﯿﻠﺘﻨﺎ ،اﻟﻜﻠﻤُﺔ ﻋﻘﺪ ،وﻗﺪوﻋﺪ أﺑﻲ ﻋﻤﻲ )دوﻣﺔ( وﻟﻦ ﻳﻨﻘﺾ وﻋﺪه. ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﯿﺄس ﻣﻦ ﻛﻼﻣﮫﺎ ،ﻓﻘﻠﺖ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﻐﻀﺐ: إذن ﻣﺎ ﺟﺪوى ﺑﻘﺎﺋﻲ؟!ﺣﯿﻦ ﻧﺼﻞ إﻟﻰ ﺑﻜﺔ ﺳﻮف أﻋﻮد ﻣﻊ ﻗﺎﻓﻠﺔ اﻟﺸﻤﺎل. ﺻﺪﻣﺘﮫﺎ ﻛﻠﻤﺎﺗﻲ وﻗﺎﻟﺖ: ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻘﺘﻠﻨﻲ ﺑﺬھﺎﺑﻚ ،ﻛﯿﻒ أطﯿﻖ اﻟﺤﯿﺎة ﺑﻌﺪك إذا ﻏﺎدرﺗﻨﺎ ،ﻣﺎ أﺳﮫﻞاﻟﻔﺮاق ﻋﻨﺪك ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(! اﺿﻄﺮﺑﺖ ﻣﺸﺎﻋﺮي واﻣﺘﺰج اﻟﻐﻀﺐ ﺑﺎﻟﯿﺄس واﻟﺤﯿﺮة ،وﻟﻢ أﻋﺮف ﻣﺎذا أﻗﻮل ،ﻗﻤﺖ ﺛﺎﻧﯿﺔ ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻲ ﻋﻠﻰ اﻷرﻳﻜﺔ وأﺳﻨﺪت ﻛﺘﻔﻲ إﻟﻰ ﺟﺬع اﻟﻜﺮﻣﺔ ،ﻗﺎﻣﺖ ﻛﺴﯿﺮة اﻟﻨﻔﺲ ووﺿﻌﺖ ﻳﺪھﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ ﻗﺎﺋﻠﺔ: ﻲ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(! ﻻ ﺗﻘﺲ ﻋﻠ ّﻓﺒﻲ ﻣﺎ ﻳﻜﻔﯿﻨﻲ ﻣﻦ اﻷﺣﺰان! ﻓﻘﺪت أﺑﻲ وھﻮ ﺳﻨﺪي ،وﻻ أرﻳﺪ أن أﻓﻘﺪك! ﻻ أﺟﺪ ﻣﻦ أﻟﺠﺄ إﻟﯿﻪ ﺳﻮاك ،ﻓﺤﺘﻰ اﻟﺪﻋﺎء إﻟﻰ ﷲ ﻛﻔﻔﺖ ﻋﻨﻪ ﺑﻌﺪ أن ﻋﺎﻗﺒﻨﻲ ﷲ ﺑﺪﻋﺎﺋﻲ. ﻟﻢ أﺣﺘﻤﻞ اﻧﻜﺴﺎر ﻧﻔﺴﮫﺎ ،ﻓﻀﻤﻤﺘﮫﺎ إﻟﻰ ﺻﺪري وأﺣﻂ رأﺳﮫﺎ ﺑﺬراﻋﻲ ،ﻗﺒﱠﻠﺖ ﺷﻌﺮھﺎ وأﻧﺎ أﻗﻮل: ﺖ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﺗﻤﻨﺤﯿﻨﻲ وأﻧﺎ ﻟﯿﺲ ﻟﻲ ﺳﻮاك ﻳﺎ )أروى( ،ﻻ ﻗﺒﯿﻠﺔ وﻻ أب وﻻ أم ،أﻧ ِاﻷﻣﻞ ﻟﻠﺒﻘﺎء ،ﻳﻐﻀﺒﻨﻲ أن ﺗﺴﻘﻲ ھﺬا اﻷﻣﻞ ﺑﻤﺎء اﻟﯿﺄس ،إن ﻟﻢ ﺗﻘﻮ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻋﺎء ﻓﺎطﻠﺒﻲ اﻟﺨﯿﺮ ﻟﻨﺎ ،ﻓﺄﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺛﻘﺔ ﺑﺄن اﻟﺮب ﺳﯿﺠﻌﻞ ﻟﻨﺎ اﻟﺨﯿﺮ. ھﺪأت ﻧﻔﺴﮫﺎ ﻓﺮﻓﻌﺖ رأﺳﮫﺎ ﻧﺤﻮي وھﻲ ﻻ ﺗﺰال ﻣﺴﺘﻨﺪة إﻟﻰ ﻛﺘﻔﻲ وﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺻﻮت ﻋﺎﺷﻖ: ﻛﯿﻒ ﺗﻤﻠﻚ ھﺬا اﻟﯿﻘﯿﻦ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻚ؟ﻗﻠﺖ: ﻻ أﻣﻠﻚ ﻏﯿﺮه!ﻓﻤﺜﻠﻲ ﻻ ﻳﺤﯿﺎ إﻻ ﺑﺎﻷﻣﻞ ،وﻟﻮ ﺣﺎد ﻋﻨﻲ ﻟﮫﻠﻜﺖ. ﺳﻤﻌﻨﺎ ﺻﻮت ﺿﺤﻜﺎت )ﻟﯿﺚ( و)ﻻﻣﺎر( ،ﻓﺎﺑﺘﻌﺪﻧﺎ وﺟﻠﺴﺖ ھﻲ ﻋﻠﻰ اﻷرﻳﻜﺔ، اﻗﺘﺮﺑﺎ ﻣﻨﺎ وھﻤﺎ ﻻ ﻳﺰاﻻن ﻋﻠﻰ ﺿﺤﻚ وﻻﺣﻈﺖ اﺿﻄﺮاﺑًﺎ ﻓﻲ ﻣﺸﯿﺔ )ﻟﯿﺚ( وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺘﺤﺴﺲ ﺧﻄﺎه ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﺘﺎة ﺗﺒﺪو ﺧﺠﻠﻰ وھﻲ ﺗﻀﺤﻚ ﻟﻀﺤﻜﺎﺗﻪ ،ﺗﻌﺠﺒﺖ )أروى( ﻣﻦ أﺧﯿﮫﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ: ﻣﺎ ﺑﻚ ﻳﺎ )ﻟﯿﺚ(؟!ﺻﻤﺖ ﻓﺠﺄة ،ﺛﻢ ﻧﻈﺮ وھﻮ ﻳﻜﺘﻢ ﺿﺤﻜﺘﻪ ﻧﺤﻮ )ﻻﻣﺎر( وﻗﺎل: ﻻ ﺷﻲء.ﺛﻢ اﻧﻔﺠﺮ ﺿﺎﺣ ً ﻜﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى. ﻗﺎﻣﺖ )أروى( وھﻲ ﺗﻘﻮل: ﺣﺴًﻨﺎ ھﯿﺎ ﺑﻨﺎ ﻓﻘﺪ ﺗﺄﺧﺮﻧﺎ.وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﺴﺘﺪﻳﺮ ﻋﺎﺋﺪﻳﻦ ،أﺳﻨﺪت ﻛﺘﻒ )ﻟﯿﺚ( ﺑﯿﺪي ﺣﺘﻰ ﺗﺴﺘﻘﯿﻢ ﻣﺸﯿﺘﻪ، ﻓﻘﺎل ﻟﻲ: ﻟﻤﺎذا ﺗﺴﻨﺪﻧﻲ؟ﻗﻠﺖ ﻣﺒﺘﺴ ً ﻤﺎ: ـﻻ أﺳﻨﺪك ،ﺑﻞ أﺗﻮﻛﺄ ﻋﻠﻰ أﺧﻲ اﻷﺻﻐﺮ. وأدرت وﺟﮫﻲ ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ راﺋﺤﺔ اﻟﺨﻤﺮ اﻟﺘﻲ ﻓﺎﺣﺖ ﻣﻦ ﻓﻤﻪ. »اﻟﯿﻮم اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﺸﺮ«: ﻗﻀﯿﺖ اﻟﯿﻮﻣﯿﻦ اﻟﺴﺎﺑﻘﯿﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﺨﯿﻞ اﻟﻤﺼﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﻣﺮﺑﻄﮫﺎ اﻟﺨﺎص ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﺪواب ،ﻣﻸت ﺣﻮ ً ﺿﺎ ﻛﺒﯿًﺮا ﺑﺎﻟﻤﺎء ووﺿﻌﺖ ﺑﻪ ﻛﻤﯿﺔ ﻛﺒﯿﺮة ﻣﻦ ﺑﺬور اﻟﺤﺮﻣﻞ وﺻﺮت أﺳﻘﻲ اﻟﺨﯿﻞ ﻣﻨﮫﺎ ﺛﻼث أو أرﺑﻊ ﻣﺮات ﻳﻮﻣﯿﺎ ،ﺳﺎﻋﺪﻧﻲ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﻓﻲ ﺗﻄﮫﯿﺮ اﻟﺒﺜﻮر ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﻣﻨﻘﻮع اﻟﺜﻮم ،وﻧﺼﺤﻨﻲ ﺑﺄن أطﮫﺮھﺎ أﻳ ً ﻀﺎ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻨﺒﯿﺬ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻧﻐﺴﻞ ﺟﺮوﺣﻨﺎ ﺑﺎﻟﺨﻤﺮ ﻓﺘﺒﺮأ ﺳﺮﻳًﻌﺎ ،أظﻦ أﻧﮫﺎ ﻗﺪ ﺗﺴﺎﻋﺪ اﻟﺨﯿﻞ ﻋﻠﻰاﻟﺘﻌﺎﻓﻲ أﻳ ً ﻀﺎ. وﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺠﺮوح واﻟﺒﺜﻮر ﺗﺴﺮع ﻓﻲ اﻻﻟﺘﺌﺎم ﻛﻠﻤﺎ ﻣﺴﺤﻨﺎھﺎ ﺑﺎﻟﺨﻤﺮ ،رﻏﻢ اﺳﺘﯿﺎﺋﻲ ﻣﻦ راﺋﺤﺘﮫﺎ اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺘﻨﻲ أﺗﻌﺠﺐ ﻛﯿﻒ ﻳﻘﺪم أﺣﺪھﻢ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﺑﮫﺎ! ﻓﻲ ظﮫﯿﺮة ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﻛﻨﺖ أﺳﯿﺮ ﺣﻮل ﺑﺴﺎﺗﯿﻦ اﻟﻜﺮم وﺣﺪي ،أﺗﺄﻣﻞ ﺟﻤﺎﻟﮫﺎ وأﺗﻔﻜﺮ ﺑﺤﺎﻟﻲ ،ﺻﻔﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﻟﻠﺴﯿﺮ وﺣﯿًﺪا رﻏﻢ ﻋﺪم ﺻﻔﺎء اﻟﺠﻮ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺎح ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮﻳﺎح ﺗﺘﺴﺎرع ،ﺗﻨﺤﻨﻲ ﻟﮫﺎ ﺳﻌﻔﺎت اﻟﻨﺨﯿﻞ ﻓﻮق اﻟﺠﺬوع وﻳﻨﺘﻔﺦ ﺛﻮﺑﻲ ﺑﺴﺒﺒﮫﺎ ﺣﺘﻰ ﺑﺪوت ﻛﺨﯿﻤﺔ ﺗﺴﯿﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣﯿﻦ ،دﺧﻠﺖ إﻟﻰ ﺳﻘﯿﻔﺔ اﻟﻜﺮم ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮﻳﺎح ﺑﮫﺎ أھﺪأ ﻓﻮﺟﺪت اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( واﻟﺸﯿﺦ )أواس( واﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻳﺠﻠﺴﻮن ﻋﻠﻰ ذات اﻷرﻳﻜﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﻠﺴﺖ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﻣﻊ )أروى( ﻗﺒﻞ ﻳﻮﻣﯿﻦ ،ﻳﺴﺘﻨﺪون إﻟﻰ اﻟﺠﺪار وﺻﻔﯿﺮ اﻟﺮﻳﺢ اﻟﻤﺼﻄﺪم ﺑﻪ ﻳﻄﻐﻲ ﻋﻠﻰ أﺻﻮاﺗﮫﻢ ،أﻟﻘﯿﺖ ﻋﻠﯿﮫﻢ اﻟﺘﺤﯿﺔ وﻛﺪت أﺗﺮﻛﮫﻢ وﻟﻜﻦ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( دﻋﺎﻧﻲ ﻟﻠﺠﻠﻮس. ﺟﻠﺴﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺸﺐ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻷرﻳﻜﺔ ﻓﻘﺪم ﻟﻲ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﻋﻨﻘﻮًدا ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺐ ،ﺗﻨﺎوﻟﺘﻪ ﻣﻨﻪ ﺷﺎﻛًﺮا. ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻣﺴﺘﻜﻤًﻼ ﺣﺪﻳًﺜﺎ ﺑﺪؤه: ﺣﺴًﻨﺎ!ﻧﻤﻜﺚ ﻓﻲ ﻳﺜﺮب ﺣﺘﻰ ﺟﻼء اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ. ﺳﺄﻟﺖ ﻋﻦ أي ﻋﺎﺻﻔﺔ ﻳﺘﺤﺪﺛﻮن ،ﻓﺄﺟﺎﺑﻨﻲ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﺑﺄن رﻳﺎح اﻟﺴﻤﻮم ﻗﺪ ﺑﺪأت ﻣﻦ ﺟﮫﺔ اﻟﺸﻤﺎل وأن اﻟﺮﻣﺎل اﻟﺜﺎﺋﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺗﻨﺬر ﺑﻘﺮب وﻗﻮع ﻋﺎﺻﻔﺔ ﻋﻠﻰ طﺮﻳﻖ ﻣﻜﺔ وأﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺨﯿﺮ اﻻﺧﺘﺒﺎء ﺑﯿﻦ ﺟﺒﺎل ﻳﺜﺮب ﺣﺘﻰ ﺟﻼﺋﮫﺎ. ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( وھﻮ ﻳﻜﺘﻢ ﺣﻨﻘﻪ: ﻟﻮ ﻟﻢ ﻧﻌﺮج إﻟﻰ ﻳﺜﺮب ﻟﺴﺒﻘﻨﺎ اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ إﻟﻰ ﺑﻜﺔ!ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﺑﻜﻠﻤﺎت ﻣﺰﺟﺖ ﺑﯿﻦ اﻟﻔﺘﻮر واﻟﺘﮫﻜﻢ وﻛﺄن اﻟﻮد ﺑﯿﻨﮫﻤﺎ ﻣﻮﺻﻮل ﻋﻠﻰ ﺷﻌﺮة: اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ داﺋ ًﻤﺎ أﺳﺒﻖ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )دوﻣﺔ(! ظﻨﻲ أﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﺨﺘﺒﺮ رﻳﺎح اﻟﺴﻤﻮم ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وﻟﻜﻨﻲ رأﻳﺘﮫﺎ وأﻧﺎ طﻔﻞ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺷﺮة ،إﻧﮫﺎ ﻻ ُﺗْﺒِﻘﻲ وﻻ ﺗﺬر ،وﻟﻮﻻ ﻟﺠﻮء آﺑﺎﺋﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﺠﺒﺎل ﺣﯿﻨﺬاك ﻟﮫﻠﻚ ﺑﻨﻮ ﻋﺒﯿﻞ! ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( وھﻮ ﻳﻮﻣﺊ ﺑﺮأﺳﻪ ﻣﺆﻳًﺪا: ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻣﻨﺬ زﻣﻦ طﻮﻳﻞ وﻟﻘﺪ ھﻠﻜﺖ ﻓﯿﮫﺎ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ أھﻞ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ.ﻗﻠﺖ: وﻣﺘﻰ ﺗﻨﺠﻠﻲ اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ؟ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )أواس(: ﻻ ﻧﺪري أﺣﯿﺎﻧﺎ ﺗﻨﺠﻠﻲ ﻓﻲ ﺑﻀﻌﺔ أﻳﺎم ،وأﺣﯿﺎﻧًﺎ ﺗﻈﻞ ﺗﺜﻮر وﺗﮫﺪأ ﻟﻌﺪة أﺳﺎﺑﯿﻊ!ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻧﺎﻗ ً ﻤﺎ: ﻄ َ ﺊ ﺑﺎﻟﺴﯿﺮ إﻟﻰ ﺑﻜﺔ. ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﻨﻘﺼﻨﺎ إﻻ ﻣﺮض اﻟﺨﯿﻞ ،ورﻳﺎح اﻟﺴﻤﻮم ،ﺣﺘﻰ ُﻧْﺒ ِﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: ﻟﻤﺎذا اﻟﻌﺠﻠﺔ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ؟ﻧﺤﻦ ﺑﺄﻣﺎن اﻵن وﻟﻦ ﻳﻀﯿﺮﻧﺎ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﺑﻜﺔ ﺑﻌﺪ ﻋﺸﺮة أﻳﺎم أو ﺑﻌﺪ ﺷﮫﺮ. ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ(: اﻷﻣﺮ ﻳﺰداد ﺧﻄﻮرة ﻳﺎ أﺑﺘﺎه ﻓﻲ ﺑﻜﺔ ،ﻓﻔﻲ آﺧﺮ ﻟﯿﻠﺔ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺘﻌﺸﻰ،أﺧﺒﺮﻧﻲ رﺟﻞ ﻣﻦ ﻗﺎﻓﻠﺔ اﻟﺠﻨﻮب أن )ﺧﺰاﻋﺔ( ﻟﻦ ﺗﻨﺘﻈﺮ ﺣﺘﻰ أﺷﮫﺮ اﻟﺤﺞ ﻛﻲ ُﺗﻐﯿﺮ ﻋﻠﻰ )ﺟﺮھﻢ(. ﺻﻤﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ ﺗﺎﺑﻊ ﻓﻲ أﺳﻒ: أﺧﺒﺮﻧﻲ اﻟﺮﺟﻞ أﻧﮫﻢ ﻳﺠﻤﻌﻮن اﻟﻤﺎل واﻟﺴﻼح وأن أﻣﺮ اﻟﺤﺮب ﻗﺪ أﺻﺒﺢ وﺷﯿ ًﻜﺎ. ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )أواس(: وإﻟﻰ أي اﻟﺠﺎﻧﺒﯿﻦ ﺗﻘﻔﻮن ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )دوﻣﺔ(؟!ﻛﻨﺖ أﺗﺬﻛﺮ ﺟﯿًﺪا ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻓﻲ )اﻟﺤﺠﺮ( ،ﻣﻦ أن ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر ﻟﻦ ﻳﻨﺼﺮوا أﻳﺎ ﻣﻦ اﻟ ُ ﻤﺘﻌﺎِرﻛْﯿﻦ ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻓﻮﺟﺌﺖ ﺑﺎﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻳﻘﻮل ﻓﻲ ﺣﺪة وﻛﺄﻧﻤﺎ اﺳﺘﺜﺎره ﺳﺆال اﻟﺸﯿﺦ )أواس(: ﻣﺎذا ﺗﻈﻦ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )أواس(؟ﺑﯿﻨﻨﺎ وﺑﯿﻦ )ﺟﺮھﻢ( ﺻﮫﺮ وﺣﻠﻒ ،وﻟﻦ ﻧﻘﺒﻞ أن ﻳﻀﯿﻤﮫﻢ أﺣﺪ. ﻗﺎل )أواس( ﻛﺎﻟﻤﻌﺘﺬر أو ﻛﺎﻟﻤﺤﺎور: اﻟﻤﻌﺬرة ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )دوﻣﺔ( ،وﻟﻜﻨﻲ ﻋﻠﻤﺖ أن ﺑﺎﻗﻲ ﺑﻄﻮن ﺑﻨﻲ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ(ﻳﻘﻔﻮن ﻓﻲ ﺻﻒ )ﺧﺰاﻋﺔ(. ﺑﺪا اﻻﻧﺰﻋﺎج ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺑﺪا اﻟﻐﻀﺐ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ )دوﻣﺔ( وﻗﺎل: ﺳﯿﻨﺪم ھﺆﻻء ﻋﻠﻰ ﻧﺼﺮة اﻟﺨﺒﯿﺚ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﯿﺐ ،وﺳﺘﺪاﻓﻊ )ﺟﺮھﻢ( وﻗﯿﺪاروﻳﻄﻮر ﻋﻦ ﺣ ّ ﻖِ )ﺟﺮھﻢ( ﻓﻲ وﻻﻳﺔ اﻟﺒﯿﺖ. رأﻳﺖ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺻﺎﻣًﺘﺎ واﺟ ً ﻤﺎ ،ووﻟﺪه )دوﻣﺔ( ﻳﺘﺤﺪث ﻓﻲ ﻗﺮار اﻟﺤﺮب دون اﻋﺘﺒﺎر ﻟﻜﻼﻣﻪ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ورأﻳﺖ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﻧﻈﺮة ﺗﺤﯿﺮت ﻓﻲ أﻣﺮھﺎ ،أھﻲ ﻧﻈﺮة ﺣﺰن ﻋﻠﻰ ﻣﺎ آﻟﺖ إﻟﯿﻪ اﻷﻣﻮر ﻓﻲ ﺑﻜﺔ ،أم أﻧﮫﺎ ﻧﻈﺮة ﺣﺰن ﻣﻦ وﻟﺪه اﻟﺬي ﻳﺘﻌﺠﻞ ﻓﻲ ﺧﻠﻊ ﻋﺒﺎءة اﻟﺴﯿﺎدة ﻋﻨﻪ؟ وﻳﺒﺪو أن اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﻗﺪ اﺳﺘﺸﺮف أن اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻟﯿﺲ ﻋﻠﻰ اﺗﻔﺎق ﺗﺎم ﻣﻊ ﻣﺎ ﻳﻘﺎل ،ﻓﻘﺎل ﻣﮫﺪﺋًﺎ ﻣﻦ وﺗﯿﺮة اﻟﺤﺪﻳﺚ: أﺳﺄل ﷲ أﻻ ﻳﺘﻘﺎﺑﻞ ﺑﻨﻮ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﺑﺴﯿﻮﻓﮫﻢ ،وأن ﻳﺤﻔﻆ اﻟﺒﯿﺖ ﻣﻦ ﻛﻞﻣﻜﺮوه. ﺛﻢ أردف ﻣﻮﺟًﮫﺎ ﻛﻼﻣﻪ إﻟﻰ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: ﻣﻌﺬرة ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،ﻗﺪ طﻠﺒﺖ ﻣﻨﻲ ﺷﻘﯿﻘﺘﻲ أم )ﻟﯿﺚ( أن ﺗﻤﻜﺚ ھﻲوأﺑﻨﺎؤھﺎ ﻓﻲ ﻳﺜﺮب ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮد اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﻣﻦ )إدوم(. ﻓﺎﺟﺄﻧﻲ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻓﺸﻌﺮت ﺑﻐﺼﺔ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﻲ! ﺗﻌﻠﻘﺖ ﻋﯿﻨﻲ ﺑﺎﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( اﻟﺬي ﺻﻤﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﻛﻲ ﻳﺘﻔﻜﺮ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻗﺎل ﻣﺴﺘﻨﻜًﺮا: وﻟﻤﺎذا ﺗﺘﺮك ﺑﯿﺘﮫﺎ وﺑﯿﺖ زوﺟﮫﺎ ﻓﻲ ﻏﯿﺎﺑﻪ؟ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )أواس(: اﻟﻤﺮأة ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺈﻋﯿﺎء اﻟﺴﻔﺮ ،وﺗﺮﻏﺐ ﻓﻲ اﻟﺮاﺣﺔ ﻓﻲ دﻳﺎر أھﻠﮫﺎ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ)دوﻣﺔ(. ﺛﻢ أردف وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺬﻛﺮه ﺑﻤﺎ ﻗﺎل: ﻛﻤﺎ أن اﻟﺤﺮب ﻋﻠﻰ اﻷﺑﻮاب ﻓﻲ ﺑﻜﺔ وﻟﯿﺲ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻤﺔ أن ﺗﺼﺤﺐ اﻟﻨﺴﺎءإﻟﻰ ھﻨﺎك! ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻓﻲ ﺣﺪة: اﻟﻨﺴﺎء ﻳﺮاﻓﻘﻦ أزواﺟﮫﻦ أﻳﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )أواس( ،وزوﺟﺔ أﺧﻲ ﺗﻈﻞ ﻓﻲﻛﻨﻔﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮد ،وﺧﻄﯿﺒﺔ وﻟﺪي ﻻ ﺗﻔﺎرق دﻳﺎرﻧﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﺒﻨﻲ ﺑﮫﺎ! ﻣﺎدت ﺑﻲ اﻷرض ووﺟﺪت اﻟﺪھﺸﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( وﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﻓﻲ ﺗﻌﺠﺐ: -أﺧﻄﺐ )ﻋﻤﺮو( )أروى( ﻟﻨﻔﺴﻪ؟! ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( واﻟﺤﺪة ﻻ ﺗﻔﺎرق ﺻﻮﺗﻪ: ﻧﻌﻢ ﺧﻄﺒﮫﺎ ﻣﻦ أﺑﯿﮫﺎ ﻓﻲ إدوم ،وﻟﻜﻨﻪ أرﺟﺄ اﻟﺨﻄﺒﺔ ﺣﺘﻰ ﻧﻌﻮد إﻟﻰ ﺑﻜﺔ!ارﺗﻔﻊ ﺻﻮت اﻟﺮﻳﺎح وﺻﻤﺖ اﻟﺠﻤﯿﻊ وﺗﻮﺟﮫﺖ اﻷﻧﻈﺎر إﻟﻰ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،اﻟﺬي أﺳﻨﺪ رأﺳﻪ إﻟﻰ ﻳﺪه اﻟﻤﻤﺴﻜﺔ ﺑﻌﺼﺎه وﻛﺄن رأﺳﻪ ﻗﺪ أﺛﻘﻠﺘﮫﺎ اﻷﻓﻜﺎر ،ﺛﻢ رﻓﻊ رأﺳﻪ ﺑﻌﺪ ﺑﺮھﺔ وھﻮ ﻳﻘﻮل: اﻷﺻﻮب ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﺗﺒﻘﻰ )أروى( وأﻣﮫﺎ ﻓﻲ ﻳﺜﺮب وﻳﺮاﻓﻘﻨﺎ )ﻟﯿﺚ(إﻟﻰ ﺑﻜﺔ. ھﻢ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﺑﺄن ﻳﻨﻄﻖ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( وﻗﻒ ﻗﺎﺋ ً ﻤﺎ وﻗﺎل: ھﯿﺎ ﻧﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﺪور ﻓﻘﺪ اﺷﺘﺪت اﻟﺮﻳﺢ وﻋﺒﺜﺖ اﻟﺮﻣﺎل.»اﻟﯿﻮم اﻟﻌﺸﺮون«: رأﻳﺖ ﻏﻀﺒﺔ اﻟﺼﺤﺮاء وﻋﺮﻓﺖ أن ﻟﻠﺮﻣﺎل ﻏﺪًرا ﻳﻔﻮق ﻏﺪر اﻟﺒﺤﺎر ،ارﺗﻌﺪت ﺟﺒﺎل ﻳﺜﺮب ﻟﺼﻔﯿﻖ اﻟﺮﻳﺎح اﻟﮫﺎدرة وﺣﻤﻠﺖ اﻟﺮﻳﺎح ﻣﻌﮫﺎ ﻛﺜﺒﺎﻧًﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﺎل دارت ﻓﻲ ﻣﻮﺟﺎت ﻣﺘﺘﺎﺑﻌﺔ اﻟﺘﻮت ﻟﮫﺎ ﺟﺬوع اﻟﻨﺨﻞ ﺣﺘﻰ ﻻﻣﺴﺖ ﺳﻌﻮﻓﮫﺎ أرض اﻟﻮادي، واﻛﺘﺴﺤﺖ ﺟﺤﺎﻓﻞ اﻟﺮﻣﻞ ﺑﺴﺎﺗﯿﻦ اﻟﻜﺮوم ﻏﯿﺮ ﻋﺎﺑﺌﺔ ﺑﺴﯿﺎج اﻟﺨﻮص اﻟﺬي ﺧَﺮًﻗﺎ ﺗﺬروھﺎ اﻟﺮﻳﺎح ،ﻛﻨﺎ ﻗﺪ رﻓﻌﻨﺎ اﻟﺨﯿﺎم ﻣﻦ اﻟﻨﺰل ،ﻗﺒﻞ ﺿﺮﺑﻨﺎه ﺣﻮﻟﮫﺎ ،ﻓﺄﺣﺎﻟﺘﻪ ِ ذﻟﻚ ﺑﯿﻮﻣﯿﻦ ﺣﯿﻨﻤﺎ رأﻳﻨﺎ اﺷﺘﺪاد اﻟﺮﻳﺢ ،وأﻣﺮﻧﺎ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﺑﺄن ﻧﻠﺰم اﻟﻤﻨﺎزل اﻟﺤﺠﺮﻳﺔ ،واﺳﺘﻀﺎف ﻛﻞ ﺑﯿﺖ ﻣﻦ أھﻞ ﻳﺜﺮب اﺛﻨﯿﻦ أو ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﯿﻠﺔ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،وﺟﺎء ﻧﺼﯿﺒﻲ أﻧﺎ و)ﻟﯿﺚ( أن ﻧﻤﻜﺚ ﻓﻲ ﻣﻨﺰل اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﻧﻔﺴﻪ ﺧﻼل ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ،رﺑﻄﻨﺎ اﻟﺪواب واﻹﺑﻞ ﻓﻲ ﺣﻈﺎﺋﺮ آﻣﻨﺔ ﻣﺴﯿﺠﺔ ﺑﺴﯿﺎج ﻣﺮﺗﻔﻊ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ أﻗﯿﻢ ﻓﻲ ﺳﻔﺢ اﻟﺠﺒﻞ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻔﺮ اﻟﺪواب ﻣﻨﻪ ﺧﻮًﻓﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ، ﺷﻌﺮت أن ﻛﻞ ﺷﻲء ﻛﺎن ﻣﻌﺪا ﺳﻠًﻔﺎ وﻛﺄن ﻗﺒﯿﻠﺔ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﻗﺪ اﻋﺘﺎدت ﻋﻠﻰ ﻋﻮاﺻﻒ اﻟﺼﺤﺮاء ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ذروة اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ أﻣًﺮا ﻣﮫﯿﺒًﺎ ،ظﻨﻨﺎ ﻣﻌﻪ أن اﻟﮫﻼك ﻗﺎدم ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ ،ظﻞ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﻳﻄﻮف ﻓﻲ اﻟﺒﯿﺖ ﻛﺎﻟﺰﻧﺒﻮر ،ﻳﺘﻠﺼﺺ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﻓﺮﺟﺎت اﻟﻨﻮاﻓﺬ وﻗﻠﺒﻪ ﻣﻠﺘﺎع ﻋﻠﻰ أھﻠﻪ ،وزرﻋﻪ ودواﺑﻪ ،ﻳﺘﻤﻨﻰ أن ﺗﮫﺪأ اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ ﻛﻲ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻣﺎ ﺧﻠﻔﺘﻪ ﻣﻦ دﻣﺎر ،رﻓﻘﺖ ﺑﻨﺎ اﻷﻗﺪار ﻓﺘﺤﻤﻠﺖ أﺣﺠﺎر اﻟﻤﻨﺎزل وطﺄة اﻟﺮﻳﺎح رﻏﻢ ﺗﺴﻠﻞ اﻟﺮﻣﺎل داﺧﻠﮫﺎ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﻓﺮﺟﺎت اﻟﻨﻮاﻓﺬ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻄﻢ ﺑﻌﻀﮫﺎ ،طﻌﻢ اﻟﺘﺮاب ظﻞ ﻓﻲ أﻓﻮاھﻨﺎ طﯿﻠﺔ ھﺬا اﻟﯿﻮم وﻓﻲ اﻷﻳﺎم اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ، اﻟﺘﺼﻘﺖ اﻟﺮﻣﺎل ﺑﻜﻞ ﺷﻲء ﺑﺎﻟﻤﺘﺎع واﻟﻤﻼﺑﺲ واﻟﻤﺎء واﻟﻄﻌﺎم وﺣﺘﻰ ﺷﻌﯿﺮات أﻧﻮﻓﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﺻﺮﻧﺎ ﻧﺘﻨﻔﺴﮫﺎ ﻟﯿﻞ ﻧﮫﺎر ،طﻤﺮت اﻟﺮﻣﺎل ﺑﻌﺾ اﻵﺑﺎر وأﺗﻠﻔﺖ ﺑﻌﺾ ﺼﺐ أﺣًﺪا ﻣﻦ اﻟﺰروع وھﺪﻣﺖ ﺟﺰًءا ﻛﺒﯿًﺮا ﻣﻦ ﺳﻘﯿﻔﺔ اﻟﻌﻨﺐ ،وﻟﻜﻨﮫﺎ ﻟﻢ ُﺗ ِ اﻟﻘﺒﯿﻠﺘﯿﻦ ﺑﺄذى ،ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ﻟﻠﻌﺎﺻﻔﺔ ،ﺑﻜّﺮ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﻓﻲ اﻟﺨﺮوج، ﺑﻌﺪ أن ھﺪأت اﻟﺮﻳﺢ ﻛﻲ ﻳﺘﻔﻘﺪ اﻟﻨﺰل ،أﺣﺰﻧﻪ رؤﻳﺔ اﻟﺪﻣﺎر اﻟﺬي ﻟﺤﻖ ﺑﺴﻘﯿﻔﺔ اﻟﻌﻨﺐ ،وﻣﻌﺼﺮة اﻟﺨﻤﺮ ،وﺣﯿﻦ ﺗﻔﻘﺪ اﻟﺪواب ،ﻟﻢ ﻳﺠﺪ أﺛًﺮا ﻟﻤﮫﺮﺗﻪ اﻟﺸﮫﺒﺎء اﻟﻤﻘﺮﺑﺔ إﻟﻰ ﻗﻠﺒﻪ ،وﻳﺒﺪو أﻧﮫﺎ ﻓﺰﻋﺖ ﻣﻦ اﻟﺮﻳﺎح ﻓﻘﻔﺰت ﻣﻦ ﻓﻮق اﻟﺴﯿﺎج واﺧﺘﻔﻰ أﺛﺮھﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ،ﺗﻤﺘﻢ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻜﻠﻤﺎت ،أﻋﻘﺒﮫﺎ ﺑﻘﻮﻟﻪ )اﻟﺤﻤﺪ ( ،ﺗﻌﺠﺒﺖ ﻣﻦ أن ﻳﺸﻜﺮ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺮب ﻋﻠﻰ ﻣﺼﯿﺒﺔ أﺣﻠﺖ ﺑﻪ، ﻗﺪ أﺗﻔﮫﻢ أن ﻳﺠﺰع اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻠﻤﺼﯿﺒﺔ ،أو أن ﻳﺼﺒﺮ ﻋﻠﯿﮫﺎ ،أو أن ﻳﺮﺿﻰ رﺿﻰ اﻟﻌﺎﺟﺰ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﺣﯿﻠﺔ ﻟﮫﺎ ،وﻟﻜﻦ أن ﻳﺸﻜﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺼﯿﺒﺔ ،ﻓﺬﻟﻚ ﻣﻘﺎم ﻟﻢ أره ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ: ظﻨﻨﺘﻚ ﺳﺘﺸﻜﻮ إﻟﻰ ﷲ ﻣﺎ ﻧﺰل ﺑﻚ!ﻗﺎل وھﻮ ﻻ ﻳﺰال ﻳﺘﻤﺘﻢ ﺑﺎﻟﺤﻤﺪ: أﺷﻜﻮ إﻟﯿﻪ ﺻﻨﯿﻊ ﻣﻦ؟!ذﻟﻚ ﺻﻨﯿﻌﻪ ھﻮ ،واﻟﺤﻤﺪ أن ﻟﻢ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻏﺎﻳﺘﮫﺎ! أﺻﺎﺑﺘﻨﻲ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ﺑﺎﻟﺴﻜﯿﻨﺔ ،ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ وأﻧﺎ أﺷﺪ ﻣﻦ أزره: أﺳﺘﻄﯿﻊ أن أﺻﻠﺢ ﻟﻚ ﺳﻘﯿﻔﺔ اﻟﻌﻨﺐ.ﻗﺎل ﻟﻲ ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: أﺣﻘﺎ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ؟!ﻗﺎل )ﻟﯿﺚ( ﻣﺘﺤﻤ ً ﺴﺎ: )ﺷﻤﻌﻮن( ھﻮ أﻓﻀﻞ ﻧﺠﺎر رأﻳﺘﻪ!ﻗﺎل )أواس(: ﻳﻜﻦ ﻓﻀﻞ ﻣﻨﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻟﺪﻳﻨﺎ أﺧﺸﺎب ﺳﻨﻂ وﺳﺮو ،ﻣﺎذا ﺗﺮﻳﺪ أﻳ ًﻀﺎ؟ ﻗﻠﺖ: ﻓﻘﻂ أﺣﺘﺎج إﻟﻰ اﻟﺒﺮاﻏﻲ ،وﻟﺪي دﻗﻤﺎق وأزاﻣﯿﻞ.ﻗﺎل: ﺳﺂﺗﻲ ﻟﻚ ﺑﮫﺎ ﻣﻦ ﺣﺪاد ﻳﺜﺮب.ﻗﻀﯿﺖ ھﺬا اﻟﯿﻮم ﻓﻲ ﻗﺺ اﻷﺧﺸﺎب ،وﺗﺠﻤﯿﻌﮫﺎ وﺳﺎﻋﺪﻧﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ )ﻟﯿﺚ(، ووﺟﺪھﺎ اﻟﻔﺘﻰ ﻓﺮﺻﺔ ﻛﻲ ﻳﻌﺘﺬر ﻋﻤﺎ وﻗﻊ ﻣﻨﻪ ﻳﻮم أن زار ﻣﻌﺼﺮة اﻟﺨﻤﺮ ،ﻧﺎوﻟﻨﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﺮاﻏﻲ ﻓﻲ ﻳﺪي وﻗﺎل ﻓﻲ ﺧﺠﻞ: أﺷﻜﺮك أﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﻔﻀﺤﻨﻲ أﻣﺎم )أروى(!ﻟﻮ ﻋﻠﻤﺖ أﻧﻲ ﺗﺬوﻗﺘﮫﺎ ﻟﻔﻀﺤﺘﻨﻲ ﻋﻨﺪ أﻣﻲ وﺟﺪي! أﺧﺬت اﻟﺒﺮاﻏﻲ ﻣﻨﻪ ﺛﻢ ﻗﻠﺖ ﻟﻪ ﻣﺸﺎﻛ ً ﺴﺎ: وﻟﻜﻨﻲ أﺷﻚ أﻧﻚ اﻛﺘﻔﯿﺖ ﺑﺘﺬوﻗﮫﺎ!ﺿﺤﻚ وﻗﺎل: ﻧﻌﻢ ،ﻗﺪ ﺗﺤﺪﻳﺖ )ﻻﻣﺎر( ﺑﺄﻧﻨﻲ أﺳﺘﻄﯿﻊ أن أﺷﺮب ﻗﺪﺣﯿﻦ ﻣﻨﮫﺎ دون أن أﺗﺄﺛﺮ!ﺛﻢ ﺿﺤﻚ أﻛﺜﺮ وﻗﺎل: وﻟﻜﻨﻲ ﺧﺴﺮت اﻟﺘﺤﺪي.ﻗﻠﺖ ﻏﺎﻣًﺰا ﺑﻌﺪ أن أوﻗﻔﺖ طﺮﻗﺎت اﻟﺪﻗﻤﺎق: أظﻦ أن ﻣﺎ أﺳﻜﺮك ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻧﺸﻮة اﻟﺨﻤﺮ ﻓﺤﺴﺐ!ﺑﻞ ﻧﺸﻮة اﻟﺤﺐ أﻳ ً ﻀﺎ. ﺑﺎن ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺨﺠﻞ أﻛﺜﺮ وﻗﺎل: ﻳﺒﺪو أﻧﻲ ﻣﻔﻀﻮح ﻋﻨﺪك ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﻗﻠﺖ ﻣﺎز ً ﺣﺎ: ﻟﯿﺲ ﻋﻨﺪي ﻓﺤﺴﺐ!ﺛﻢ أردﻓﺖ: أﺗﺤﺒﮫﺎ؟!ﻗﺎل ﻣﻀﻄﺮﺑًﺎ: ﻻ أدري!وﻟﻜﻨﻲ أﺗﻤﻨﻰ أﻻ أﻓﺎرق ﺟﻮارھﺎ ﻓﻲ ﻳﺜﺮب! ﺛﻢ أردف ﻣﺘﻠﻌﺜ ً ﻤﺎ: أﺷﻌﺮ أن )ﻻﻣﺎر( ﻻ ﺗﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ ھﺬه اﻟﺼﺤﺮاء ،ﻣﺜﻠﮫﺎ ﻣﺜﻞ ﻳﺜﺮب ،ﻛﻼھﻤﺎاﺳﺘﺜﻨﺎء ﻓﻲ ﺻﺤﺮاء ﻓﺎران اﻟﺒﺎﺋﺴﺔ ،أﺣﯿﺎﻧًﺎ أﺗﺴﺎءل ،ﻛﯿﻒ ﺿﻞ ذﻟﻚ اﻟﻤﻼك اﻷﺑﯿﺾ ذھﺒﻲ اﻟﺸﻌﺮ طﺮﻳﻘﻪ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻷرض اﻟﻘﺎﺣﻠﺔ ،ﻛﻠﻤﺎ أﺗﯿﺖ إﻟﻰ ﻳﺜﺮب وأراھﺎ ،أﺗﺬﻛﺮ ﺣﻜﺎﻳﺎت أﻣﻲ ﻋﻦ أﺟﺪادﻧﺎ ﻓﻲ ﺑﺎﺑﻞ وأﺗﺨﯿﻠﮫﺎ أﻣﯿﺮة ﺑﺎﺑﻠﯿﺔ وﻗﻌﺖ أﺳﯿﺮة ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷرض ﻓﮫﻲ ﻟﯿﺴﺖ ﻣﺜﻠﻨﺎ ﻓﻲ أي ﺷﻲء. ﺗﻮﻗﻒ ﻋﻦ اﻟﻜﻼم ،ﺛﻢ ﺗﻨﮫﺪ وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺰﻳﺢ ﻋﻦ ﺻﺪره ھﻤﻪ اﻟﺼﻐﯿﺮ وﻗﺎل ﻣﺴﺘﻔﺴًﺮا: أھﺬا ھﻮ اﻟﺤﺐ؟ﺿﺤﻜﺖ ﻗﺎﺋًﻼ: ﺑﻞ ھﻮ اﻟﻌﺸﻖ!ﺛﻢ ﻗﻠﺖ ﻓﻲ وﺟﻮم وأﻧﺎ أﻗﺎرن ﺣﺎﻟﻲ ﺑﺤﺎﻟﻪ: وﻣﺎ ﻳﻤﻨﻌﻚ أن ﺗﺨﻄﺒﮫﺎ ﻟﻨﻔﺴﻚ ﺑﻌﺪ أن ﻳﻌﻮد أﺑﻮك ،ھﻲ اﺑﻨﺔ ﺧﺎﻟﻚ وﻟﻦ ﻳﺤﻮلﺑﯿﻨﻜﻤﺎ ﺣﺎﺋﻞ! ﻓﺮﱠد ﻓﻲ وﺟﻮم أﻛﺒﺮ: اﻷﻣﺮ ﻟﯿﺲ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺴﮫﻮﻟﺔ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،اﻟﺤﯿﺎة ﻓﻲ اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ وﻓﻲ ﺑﻜﺔ أﺻﺒﺢﻳﺤﻜﻤﮫﺎ اﻟﻔﺨﺮ واﻟﺨﯿﻼء واﻻﺳﺘﻘﻮاء ﺑﺎﻟﻨﺴﺐ واﻟﻌﺸﺎﺋﺮ ،أﻧﺖ ﻟﻢ ﺗﺮ ﻣﻨﺎ ﺳﻮى ﺟﺪي اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( وأﺑﻲ )ﻧﺎﺑﺖ( ،وھﻤﺎ ﺧﯿﺮ ﻣﻦ ﺑﻘﻲ ﻣﻦ وﻟﺪ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ،أﻣﺎ اﻟﺒﺎﻗﻮن ﻓﮫﻢ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻛﻠﺔ ﻋﻤﻲ )دوﻣﺔ(. ﺛﻢ أردف ﻓﻲ ﺣﺰن: أﺗﺪري أن زوﺟﺔ ﻋﻤﻲ )ھﻨﺪ( ﻗﺪ ﻋﯿﱠﺮت أﻣﻲ ذات ﻣﺮة ﺑﻨﺴﺒﮫﺎ اﻷﻋﺠﻤﻲ ،وأنﻋﻤﻲ )دوﻣﺔ( ﻳﺪﻋﻮ ﺧﺎﻟﻲ )أواس( بـ»أواس اﻷﺑﺮص« ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺎﺗﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ! ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﻐﻀﺐ واﻟﺤﺰن ﻣًﻌﺎ ،وﻓﺎﺟﺄﻧﻲ أن وﺟﺪت اﻟﻌﺼﺒﯿﺔ ﺗﻨﺨﺮ ﺑﯿﻦ ﺑﻨﻲ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﻛﻤﺎ ﻧﺨﺮت ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺑﯿﻦ أﺳﺒﺎط ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻓﻘﻠﺖ: وﻟﻜﻦ ﺟﺪك )ﻋﺎﺑﺮ( ﻻ ﻳﺰال ﺣﯿﺎ وﻛﻠﻤﺘﻪ ﻧﺎﻓﺬة ﺣﺘﻰ اﻵن!ﻗﺎل )ﻟﯿﺚ(: ﻟﯿﺲ ﻛﻤﺎ ﺗﻈﻦ!اﻟﻨﺎس ﺗﺨﻀﻊ ﻟﺼﻮت اﻟﻘﻮة ،وﺗﺴﺘﮫﯿﻦ ﺑﺼﻮت اﻟﻌﻘﻞ ،وﻋﻤﻲ )دوﻣﺔ( ھﻮ ﻣﻦ ﻳﺤﻤﻞ ﻟﻮاء اﻟﻘﻮة اﻵن. ﺻﻤﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﺣﺰن: ﻛﺎن أﺑﻲ ﻛﺎﻟﺪرع اﻟﺬي ﻳﺼﺪ ﻋﻨﺎ ﺳﮫﺎم اﻟﻜﺮه ،أﻣﺎ وﻗﺪ ﻏﺎب ﻋﻨﺎ ﻓﻘﺪ اﻧﻜﺸﻔﺖﺻﺪورﻧﺎ ﻟﻜﻞ رام. ﺷﻌﺮت ﺑﮫﻤﻮم اﻟﻔﺘﻰ وأﺷﻔﻘﺖ ﻋﻠﯿﻪ ،وﻟﻜﻨﻲ ﺷﻌﺮت ﺑﺄن ﻣﻌﺎﻧﺎﺗﻪ ﻻ ﺗﺰن ﻧﺘﻔﺔ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻧﺎﺗﻲ اﻟﻤﻨﺘﻈﺮة ،ﺳﺄﻟﺘﻪ ﻣﺘﺤﺴ ً ﺴﺎ أﻣًﻼ أﺗﺸﺒﺚ ﺑﻪ ﻗﺒﻞ أن أھﻮي ﻓﻲ ﺑﺤﺮ اﻟﯿﺄس: ﻗﻞ ﻳﺎ )ﻟﯿﺚ( ،ھﻞ ﻳﻘﺒﻞ ﻗﻮﻣﻚ أن ﺗﺨﻄﺐ )أروى( ﻟﺸﺎب ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻋﺒﯿﻞ!ﺿﺤﻚ وﻗﺎل: أھﻮن ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻲ )دوﻣﺔ( أن ﺗﺘﺮك )ﺟﺮھﻢ( أﻣﺮ اﻟﺒﯿﺖ لـ)ﺧﺰاﻋﺔ( ﻣﻦ أنﻳﺤﺪث ھﺬا! ﻓﮫﻮﻳﺖ ﺑﺎﻟﺪﻗﻤﺎق ﻣﻦ اﻟﻐﯿﻆ ﻋﻠﻰ رأس اﻟﺒﺮﻏﻲ وأﻧﺎ أﺗﺨﯿﻞ رأس )دوﻣﺔ( ﺑﯿﻦ ﻳﺪي. »اﻟﯿﻮم اﻟﺨﺎﻣﺲ واﻟﻌﺸﺮون«: ﻛﺎن اﻟﻮﻗﺖ ﻣﺒﻜًﺮا ﺣﯿﻨﻤﺎ ﻋﻠﺖ اﻟﺠﻠﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﻲ ،ﺳﻤﻌﻨﺎ طﺮًﻗﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﺎب دار اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ،ﻓﺎﺳﺘﯿﻘﻆ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﺪار وﺧﺮﺟﻨﺎ ﻧﺴﺘﻄﻠﻊ اﻷﻣﺮ ،ﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﻳﺘﺠﻤﻌﻮن ﺣﻮل ﻓﺮﺳﺔ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( اﻟﺸﮫﺒﺎء اﻟﺘﻲ ﺣﻤﻠﺖ ﻋﻠﻰ ظﮫﺮھﺎ رﺟًﻼ ﻳﻜﺎد ﻳﺴﻘﻂ ﻣﻦ اﻹﻋﯿﺎء وھﻮ ﻳﺴﺘﻨﺪ ﺑﺮأﺳﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﻨﻘﮫﺎ وﻻ ﻳﻤﻨﻌﻪ ﻣﻦ اﻟﺴﻘﻮط ﺳﻮى ﺗﺸﺒﺚ أﻧﺎﻣﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻟﺠﺎﻣﮫﺎ ،وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺘﺸﺒﺚ ﺑﺂﺧﺮ أﻣﻞ ﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة ،ﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﻗﺪ رأوا اﻟﻔﺮﺳﺔ ﺗﮫﺒﻂ وﺣﺪھﺎ ﻣﻦ ﻓﻮق اﻟﺠﺒﻞ ،ﺛﻢ دﺧﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﺤﻲ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﻌﺮف اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻰ ﺑﯿﺖ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ،ﻓﺎﺳﺘﻮﻗﻔﻮھﺎ وھﻢ ﻳﺘﻌﺠﺒﻮن ﻣﻦ ﺣﻤﻠﮫﺎ. أﺳﺮع اﻟﺸﯿﺦ )أواس( وﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل إﻟﻰ ﺣﻤﻞ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻔﺎﻗﺪ اﻟﻮﻋﻲ، وﺑﺴﻄﻮا ﺟﺴﺪه ﻋﻠﻰ اﻷرض ،ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻼﺑﺴﻪ رﺛﱠﺔ وُﻣﺘﺮﺑﺔ ،وﻛﺄﻧﻤﺎ طﺤﻨﺘﮫﺎ رﺣﻰ اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ ،ﺗﺤﺮﻛﺖ أﺟﻔﺎن اﻟﺮﺟﻞ دون أن ﻳﻘﻮى ﻋﻠﻰ رﻓﻌﮫﺎ ،ﻓﻌﻠﻢ اﻟﻨﺎس أﻧﻪ ﻻ ﻳﺰال ﺣﯿﺎ ،وﺿﻊ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﻗﻄﺮات ﻣﻦ اﻟﻤﺎء ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺘﯿﻪ اﻟﻠﺘﯿﻦ ﺗﺸﻘﻘﺘﺎ وﻛﺄﻧﮫﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺬوﻗﺎ اﻟﻤﺎء ﻟﻔﺘﺮة طﻮﻳﻠﺔ ،اﺑﺘﻠﺖ اﻟﺸﻔﺘﺎن ﺑﺎﻟﻤﺎء ﻓﺘﻮردﺗﺎ ود ﱠ ب ﻓﯿﮫﻤﺎ ﻟﻮن اﻟﺤﯿﺎة وﺗﺤﺮﻛﺖ أﺻﺎﺑﻊ اﻟﺮﺟﻞ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﺘﻠﮫﻒ إﻟﻰ اﻟﻤﺰﻳﺪ ،رﻓﻊ اﻟﺸﯿﺦ رأﺳﻪ ﺛﻢ أﻓﺮغ اﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء ﻓﻲ اﻟﺠﻮف اﻟﻤﺘﻌﻄﺶ ،ﻓﻈﻠﺖ أﻧﻔﺎس اﻟﺮﺟﻞ ﺗﻠﮫﺞ وھﻮ ﻳﻌﺐ ﻣﻨﮫﺎ دﻓﻘﺔ ﺑﺪﻓﻘﺔ ،وﻟﻢ ﺗﮫﺪأ أﻧﻔﺎﺳﻪ إﻻ ﺑﻌﺪﻣﺎ ارﺗﻮى. أراح اﻟﺸﯿﺦ )أواس( رأس اﻟﺮﺟﻞ إﻟﻰ اﻷرض ،ﺛﻢ ﻏﺴﻞ وﺟﮫﻪ وﺷﻌﺮه ﺑﺎﻟﻤﺎء ﻛﻲ ﻳﺰﻳﻞ ﻋﻨﮫﺎ اﻷﺗﺮﺑﺔ وﻛﻲ ﻳﺴﺎﻋﺪه ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻌﺎدة وﻋﯿﻪ. وﻣﺎ أن ﻓﺘﺢ اﻟﺮﺟﻞ ﻋﯿﻨﯿﻪ ،ﺣﺘﻰ ﺗﺬﻛﺮت ذﻟﻚ اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺬي ﺑﺪا أﺷﺪ ﻧﺤﻮًﻻ ﻋﻦ ذي ﻗﺒﻞ ،ذﻛﺮﺗﻨﻲ ﺑﻮﺟﮫﻪ ﺗﻠﻜﻤﺎ اﻟﻌﯿﻨﺎن اﻟﻠﺘﺎن ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻧﺴﯿﺎﻧﮫﻤﺎ ﺣﺘﻰ وإن ﻏﺎرﺗﺎ ﻓﻲ ﻣﺤﺠﺮﻳﮫﻤﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ھﺬا اﻟﺮﺟﻞ ھﻮ )َدْﻋﺲ( ،اﻟﺬي ﻗﺘﻞ اﻟﻀﺎﺑﻂ )ﻛﺮوﻧﻮس( ﻣﻦ ﻗﺒﻞ وﺣﻤﻞ ﻣﻌﻪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( و)ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ(! ﺑﻌﺪ وﻗﺖ ﻟﯿﺲ ﺑﻘﻠﯿﻞ ﻛﻨﺎ ﻧﺠﻠﺲ ﺟﻤﯿًﻌﺎ ﻓﻲ ﺻﺤﻦ دار اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ،أﻧﺎ واﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( و)دوﻣﺔ( وﻣﻌﻨﺎ )ﻟﯿﺚ( ،ﻧﺘﻄﻠﻊ ﺑﻌﯿﻮن ﻣﺘﺮﻗﺒﺔ إﻟﻰ )دﻋﺲ( اﻟﺬي ﺗﻤﺪد ﺟﺴﺪه ﻋﻠﻰ أرﻳﻜﺔ ﻓﻲ ﺻﺤﻦ اﻟﺪار ،ﻛﺎن اﻟﺮﺟﺎل ﻗﺪ ﺧﻠﻌﻮا ﻋﻨﻪ ﻣﻼﺑﺴﻪ وﺣﻤﻤﻮه ﺛﻢ أﻟﺒﺴﻮه ﺟﻠﺒﺎب اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ،اﺳﺘﺮد ﺑﻌ ً ﻀﺎ ﻣﻦ وﻋﯿﻪ ﻓﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ اﻷرﻳﻜﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﺴﻄﻮا ﻋﻠﯿﮫﺎ ﺟﺴﺪه ،طﺎف ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺟﻮه اﻟﻤﺘﻄﻠﻌﺔ ﺑﻨﻈﺮات زاﺋﻐﺔ ،وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺘﺴﺎءل ﻋﻤﺎ أﺗﻲ ﺑﻪ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﻤﻜﺎن وﺣﯿﻨﻤﺎ وﻗﻌﺖ أﻧﻈﺎره ﻋﻠﻰ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،اﺟﺘﮫﺪ ﻟﯿﻔﺘﺢ ﻋﯿﻨﻪ وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﻣﻤﺎ رآه ،ﺛﻢ رﻓﻊ ﻳﺪه وﻛﺄﻧﻪ ﻏﯿﺮ ﻣﺼﺪق ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﺻﻮت أﺟﮫﺸﻪ اﻟﺒﻜﺎء: -أﻧﺖ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،ﺣﻤًﺪا ،ﺣﻤًﺪا . ﺛﻢ ﻗﺎم ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ﻓﺠﻠﺲ ﻋﻨﺪ ﻗﺪﻣﯿﻪ وﻗﺒﻞ ﻳﺪه وھﻮ ﻳﺠﮫﺶ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء ،ﻣﺴﺢ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻋﻠﻰ رأﺳﻪ ،وﻗﺎل وھﻮ ﻳﮫﺪئ ﻣﻦ روﻋﻪ: -ﺣﻤًﺪا ﻋﻠﻰ ﻧﺠﺎﺗﻚ ،اﺳﺘﺮح ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ﻓﯿﺒﺪو أﻧﻚ ﻗﺪ ﻗﺎﺳﯿﺖ اﻟﻜﺜﯿﺮ. ھﺪأ روﻋﻪ ﻗﻠﯿًﻼ ،ﻓﻘﺎل: رأﻳﺖ اﻟﮫﻼك ﺑﻌﯿﻨﻲ ﻣﺮات وﻣﺮات وظﻨﻨﺖ أﻧﮫﺎ اﻟﻨﮫﺎﻳﺔ.أﺟﻠﺴﻪ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﻋﻠﻰ اﻷرﻳﻜﺔ ،وﻗﺪم إﻟﯿﻪ ﻗﺪ ً ﺣﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺮق اﻟﺪاﻓﺊ وﻗﺎل: ﻛﯿﻒ أﺗﯿﺖ إﻟﻰ ھﻨﺎ وﻛﯿﻒ ﻧﺠﻮت ﻣﻦ اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ؟رﺷﻒ رﺷﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺪح ﺛﻢ أﺗﺒﻌﮫﺎ ﺑﺮﺷﻔﺎت أﺧﺮى وﻛﺄﻧﻤﺎ اﺳﺘﻄﺎب طﻌﻤﻪ ﺛﻢ ﺑﺪأ ﻳﺘﺤﺪث ﻟﯿﺤﻜﻲ ﻟﻨﺎ ﻋﻦ رﺣﻠﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﺧﺎﺿﮫﺎ ﺣﺘﻰ وﺻﻞ إﻟﯿﻨﺎ ﻓﻘﺎل: ﺤﺠﺮ( ﺑﺒﻀﻌﺔ أﻳﺎم ﺣﯿﻨﻤﺎ اﺷﺘﺪت اﻟﺮﻳﺢ اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻣﻦ ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﺟﺎوزت )اﻟ ِاﻟﺸﻤﺎل ،أﺣﺴﺴﺖ ﺑﺄن ﺗﻠﻚ اﻟﺮﻳﺎح اﻟﺴﺎﺧﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ذرات اﻟﺮﻣﺎل اﻟﻼﺳﻌﺔ ﻟﯿﺴﺖ ﻣﺠﺮد رﻳﺎح اﻟﮫﺒﻮب اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪث ﻛﻞ ﻋﺎم ،ﺗﻮﻗﻌﺖ أن ﺗﺸﺘﺪ ﻣﻊ اﻷﻳﺎم اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ ،ﻓﻘﺮرت أن أﻧﻄﻠﻖ ﺑﻔﺮﺳﻲ ﺑﺄﻗﺼﻰ ﺳﺮﻋﺔ ﻟﻌﻠﻲ أﺳﺒﻘﮫﺎ إﻟﻰ ﻣﻼذ آﻣﻦ ﻳﻘﯿﻨﻲ ﺷﺮھﺎ ،أﻳﻘﻨﺖ ﺑﻌﺪ أﻳﺎم أن اﻟﻤﻨﺒﺖ ﻻ أر ً ﺿﺎ ﻗﻄ َ ﻊ وﻻ ظﮫًﺮا أﺑﻘﻰ! ُ ﺟﮫﺪ اﻟﻔﺮس وأﺑﻄﺄ ﻓﻲ اﻟﻌﺪو ،وأوﺷﻚ اﻟﻤﺎء اﻟﺬي أﺣﻤﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻔﺎد، ﻓﻘﺪ أ ِ ﺗﺤﻤﻠﺖ اﻟﻌﻄﺶ وآﺛﺮت اﻟﻔﺮس ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻲ ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﮫﻠﻚ ﻓﺄھﻠﻚ ﻣﻌﻪ ،ﻣﺮرﻧﺎ ﻤﺘﻌ ﱠ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺿﻊ اﻟ ُ ﺸﻰ ،ﻓﻮﺟﺪﻧﺎه ﺧﺎوﻳًﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺮوﺷﻪ ،ﻗﺪ ﻧﺰح ﻋﻨﻪ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﺧﻮًﻓﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ وﻻذوا ﺑﺎﻟﺠﺒﺎل ،ﺗﺮﺟﻠﺖ ﻋﻦ اﻟﻔﺮس وﺑﺤﺜﺖ ﻋﯿﻨﻲ ﻋﻦ اﻟﺒﺌﺮ أو ﻋﻦ ﻣﺸﺮب اﻟﺪواب ،وﺟﺪت اﻟﻤﺸﺮب وﻗﺪ ﺑﻘﯿﺖ ﺑﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﯿﺎه اﻟﺮاﻛﺪة ﻓﺘﺮﻛﺖ اﻟﻔﺮس ﻳﻠﻌﻖ ﻣﺎ ﺑﻪ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ذھﺒﺖ أﻧﺎ ﻛﻲ أﺣﻀﺮ اﻟﻤﺎء ﻣﻦ اﻟﺒﺌﺮ وﻛﻲ أﻣﻸ ﻗﺮﺑﺘﻲ، أﻟﻘﯿﺖ ﺑﺎﻟﺪﻟﻮ داﺧﻞ اﻟﺒﺌﺮ وﻓﺠﺄة ﺳﻤﻌﺖ ﺻﻮﺗﮫﺎ اﻟﮫﺎدر ﻳﻤﻸ اﻷﻓﻖ ﻣﻦ ﺟﮫﺔ اﻟﺸﻤﺎل ،اﻟﺘﻔﺖ ﺧﻠﻔﻲ ﻓﺮأﻳﺘﮫﺎ ﺗﻌﺪو ﻧﺤﻮي ﺑﻘﻮة ﻟﻢ أر ﻣﺜﻠﮫﺎ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻤﺌﺎت اﻷﻓﺮاس ﺗﺤﻤﻞ ﻋﻠﻰ ظﮫﻮرھﺎ ﻣﻼﺋﻜﺔ اﻟﻌﺬاب ،وﺗﺴﺤﺐ ﺧﻠﻔﮫﺎ ﺳﺤﺎﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﺎل ﺣﺠﺒﺖ ﺿﻮء اﻟﺸﻤﺲ ﻋﻦ اﻷرض ،أدرﻛﺖ أﻧﻲ ھﺎﻟﻚ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ، وﻛﻨﺖ ﻻ أزال أﻣﺴﻚ ﺑﺤﺒﻞ اﻟﺪﻟﻮ ،ﻓﻘﻔﺰت إﻟﻰ داﺧﻞ اﻟﺒﺌﺮ وأﻧﺎ أﺗﺸﺒﺚ ﺑﻪ، ﻏﻠﻔﻨﻲ ظﻼم اﻟﺒﺌﺮ وﻟﻢ أﺷﻌﺮ إﻻ وﻛﺜﯿﺒًﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﻞ ﻳﮫﻮي ﻓﻮق رأﺳﻲ وﻳﻄﻤﺮ اﻟﺒﺌﺮ ﻓﻲ طﺮﻓﺔ ﻋﯿﻦ ،ﻓﻔﻘﺪت وﻋﯿﻲ وﻗﺪ ﺗﯿﺒﺴﺖ ﻳﺪي ﻋﻠﻰ ﺣﺒﻞ اﻟﻨﺠﺎة. ﺻﻤﺖ ﻟﺤﻈﺎت وﻋﯿﻮﻧﻨﺎ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻪ ،أﻣﺴﻚ ﺑﺎﻟﻘﺪح ﻓﺮﺷﻒ ﻣﻨﻪ رﺷﻔﺎت أﺧﺮى ﺛﻢ ﺗﺎﺑﻊ: ﻻ أدري ﻛﻢ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﺮّ وأﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻲ ،وﻟﻜﻨﻲ ﺷﻌﺮت ﺑﺄﻧﻔﺎﺳﻲ ﺗﺰھﻖﺗﺤﺖ اﻟﺮﻣﺎل اﻟﺘﻲ طﻤﺮﺗﻨﻲ ،اﻧﺘﻔﺾ ﺟﺴﺪي ﻛﻠﻪ وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺒﻌﺚ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ، ووﺟﺪت ﻳﺪي ﻻ ﺗﺰال ﺗﻤﺴﻚ ﺑﺎﻟﺤﺒﻞ ،اﺳﺘﺠﻤﻌﺖ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻟﻲ ﻣﻦ ﻗﻮة وﻣﻨﺤﺘﮫﺎ ﻟﺬراﻋﻲ وﻗﺒﻀﺖ ﻗﺒﻀﺔ رﻓﻌﺘﻨﻲ إﻟﻰ أﻋﻠﻰ ،وأﺧﺮﺟﺘﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﺒﺌﺮ أﺷﻌ َ ﺚ أﻏﺒَﺮ، أﻗﻒ ﻣﺬھﻮًﻻ ﺑﯿﻦ اﻟﺤﻄﺎم اﻟﺬي ﺧﻠﻔﺘﻪ اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ ،ﻧﻈﺮت ﺣﻮﻟﻲ ﻓﻠﻢ أﺟﺪ اﻟﻔﺮس! ھﻞ طﺎر ﻣﻊ اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ أم ﻓﺮ ﻣﻨﮫﺎ ﻻ أدري؟ وﻟﻜﻨﻲ ﻓﻲ ﻛﻞ اﻷﺣﻮال ﻛﻨﺖ ﻣﻤﺘﻨﺎ ﻷﻧﻨﻲ ﻣﺎ زﻟﺖ ﺣﯿﺎ. رﺷﻒ رﺷﻔﺔ أﺧﺮى ﺛﻢ ﻗﺎل: اﻧﺘﻈﺮت ﺣﺘﻰ ھﺪأ ﺻﻔﯿﺮ اﻟﺮﻳﺢ وﻗﻤﺖ أﻣﺸﻲ إﻟﻰ ﺟﮫﺔ اﻟﺠﻨﻮب ﻟﻌﻠﻲ أرىﻧﺎﺟﯿًﺎ أو أﺟﺪ ﻣﻠﺠﺄ آوي إﻟﯿﻪ ،ﻣﺮ ﻳﻮﻣﺎن وأﻧﺎ أﺳﯿﺮ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ،أﺣﻤﻞ ﻗﺪﻣﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻐﻮص إﻟﻰ ﻣﻨﺘﺼﻔﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﺮﻣﺎل ﺑﺠﮫﺪ ﺑﺎﻟﻎ وأﺳﺘﻌﯿﻦ ﺑﯿﺪي أﺣﯿﺎﻧًﺎ ﻛﻤﻦ ﻳﺴﯿﺮ ﻋﻠﻰ أرﺑﻊ ،ﻓﺠﺄة وﺟﺪت ﺷﯿًﺌﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻣﻰ اﻟﺒﺼﺮ ﺑﻌﺚ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ اﻷﻣﻞ ،رأﻳﺖ وﻛﺄن ﺣﻄﺎم ھﻮدج ﺗﺘﻼﻋﺐ ﺑﻪ اﻟﺮﻳﺎح وﻳﺘﺪﺣﺮج ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،دﻓﻌﺖ ﺟﺴﺪي اﻟﻤﻨﮫﻚ ﺑﻘﻮة وﻛﺄﻧﻲ أﺳﺒﺢ ﻓﻲ ﺑﺤﺮ اﻟﺮﻣﺎل ،وﺻﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﻤﻜﺎن ﻓﮫﺎﻟﻨﻲ ﻣﺎ رأﻳﺖ ،ﻋﺸﺮات اﻟﺠﺜﺚ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء ﻗﺪ ﺗﻨﺎﺛﺮت ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ،ﻣﯿﺰت ﻣﻨﮫﺎ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﺒﺎش واﻟﺠﻨﻮﺑﯿﯿﻦ ،ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﻐﺜﯿﺎن ﺣﯿﻦ رأﻳﺖ ﻛﻼب اﻟﺼﺤﺮاء وﻗﺪ ﺑﻘﺮت ﺑﻄﻦ ﻧﺎﻗﺔ ﻧﺎﻓﻘﺔ ،وأﺧﺬت ﺗﻨﮫﺶ ﻓﻲ ﻟﺤﻤﮫﺎ وﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻨﮫﺎ ﺗﻘﻒ ﺑﻌﺾ ﺤَﺪأ طﺎﺋﺮًة ﺣﯿﻦ رأﺗﻨﻲ، ﺤَﺪأ ﻋﻠﻰ ﺟﺜﺔ رﺟﻞ ﺣﺒﺸﻲ ﺗﻨﻘﺮ ﻋﯿﻨﻪ ورأﺳﻪ ،ﻓﱠﺮت اﻟ ِ اﻟ ِ وراﻗﺒﺘﻨﻲ اﻟﻜﻼب وھﻲ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﺟﯿﻔﺘﮫﺎ ﺑﺈﺣﺪى ﻋﯿﻨﯿﮫﺎ وﺗﻨﻈﺮ ﻧﺤﻮي ﻓﻲ ﺣﺬر ﺑﻌﯿﻨﮫﺎ اﻷﺧﺮى ،ﺳﺮت ﺑﯿﻦ اﻟﺤﻄﺎم ﻟﻌﻠﻲ أﺟﺪ ﺑﻌﺾ اﻟﻄﻌﺎم أو اﻟﻤﺎء ،وأﺧﯿًﺮا وﺟﺪت ﺿﺎﻟﺘﻲ ﻓﻲ ھﻮدج ﻣﺤﻄﻢ ﺑﻪ ﺧﺒﺰ وﻗﺮﺑﺔ ﻣﻤﻠﻮءة ﺑﺎﻟﻤﺎء ،ﻓﺠﻠﺴﺖ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﺑﯿﻦ اﻟﺠﯿﻒ ،ﻏﯿﺮ ﻋﺎﺑﺊ ﺑﺸﻲء ﺳﻮى أن أﺳﺪ ﺟﻮﻋﻲ وأروي ﻋﻄﺸﻲ. ﻛﺎن ﺻﻮﺗﻪ ﻗﺪ ﺗﮫﺪج ﺣﯿﻦ وﺻﻞ إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺠﺰء ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺔ ،ﻓﺮﺑﺖ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ ﻟﯿﮫﺪأ ﻣﻦ روﻋﻪ وﻗﺎل: وﻛﯿﻒ وﺟﺪت ﻓﺮﺳﺘﻨﺎ اﻟﺸﮫﺒﺎء؟ﻗﺎل: ھﻲ اﻟﺘﻲ وﺟﺪﺗﻨﻲ ،ﺣﻤﻠﺖ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﻌﺖ ﺣﻤﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء واﻟﻄﻌﺎم وظﻠﻠﺖأﺳﯿﺮ ﺳﺒﻌﺔ أﻳﺎم ﺣﺘﻰ ﻧﻔﺪ ﻣﻨﻲ اﻟﻄﻌﺎم ،اﺗﺠﮫﺖ إﻟﻰ ﺳﻔﺢ ﺟﺒﻞ وﺗﺨﯿﺮت ﻣﻮﺿًﻌﺎ ﺗﺴﺘﺮه اﻟﺼﺨﻮر وﻗﺮرت أﻻ أﺗﺤﺮك ﻣﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺤﯿﻦ اﻷﺟﻞ ،ﻓﺎﻧﺘﻈﺎر اﻷﺟﻞ ﺧﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺴﻌﻲ إﻟﯿﻪ أﺣﯿﺎﻧًﺎ ،ﻓﺠﺄة وﺟﺪﺗﮫﺎ ﺗﺨﺮج ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﺛﻨﺎﻳﺎ اﻟﺠﺒﺎل ،أﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﺄﻧﺲ ﺑﻲ ﻣﻦ ﺧﻮﻓﮫﺎ ،أم أن اﻟﺮب ﻗﺪ أرﺳﻠﮫﺎ ﻟﻲ؟ ﻟﺴﺖ أدري! ﻲ ﺑﺮﺣﻤﺘﻪ ﻟﻠﻤﺮة اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ،وﺑﻌﺪ أن اﻣﺘﻄﯿﺖ وﻟﻜﻨﻲ أدرﻛﺖ أن اﻟﺮب ﻳﻨﻈﺮ إﻟ ّ ظﮫﺮھﺎ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ،ﻋﻘﺪت ﻟﺠﺎﻣﮫﺎ ﺣﻮل ﻳﺪي وﺗﺮﻛﺘﮫﺎ ﺗﻄﻮي أرض اﻟﺼﺤﺮاء ﻛﻤﺎ ﺗﺸﺎء ﺣﺘﻰ أﺗﺖ ﺑﻲ إﻟﻰ ھﻨﺎ. ﺻﻤﺖ وﻋﯿﻮﻧﻨﺎ ﺗﻔﯿﺾ ﺷﻔﻘﺔ ﻋﻠﯿﻪ ،ﺗﺬﻛﺮت اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﺣﯿﻨﻤﺎ ﻗﺎل »ﻧﺤﻤﺪ ﷲ أن ﻟﻢ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻏﺎﻳﺘﮫﺎ« ،واﻧﺘﺎﺑﻨﻲ اﻟﺨﻮف ،ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺗﺨﯿﻠﺖ ﻣﺼﯿًﺮا ﻳﺸﺒﻪ ﻣﺼﯿﺮ ﻗﺎﻓﻠﺔ اﻷﺣﺒﺎش ﻟﻮ ﻛﻨﺎ ﺗﺒﻌﻨﺎ رأي اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( واﺳﺘﺄﻧﻔﻨﺎ اﻟﻤﺴﯿﺮ إﻟﻰ ﺑﻜﺔ. أﻓﻘﻨﺎ ﻣﻦ ﺻﻤﺘﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﺆال اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( اﻟﺬي ﻗﺎل: -ﺣﻤًﺪا ﻋﻠﻰ ﻧﺠﺎﺗﻚ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )دﻋﺲ( وﻟﻜﻨﻚ ﻟﻢ ﺗﺨﺒﺮﻧﺎ ﻟﻤﺎذا ﺗﺒﻌﺘﻨﺎ إﻟﻰ ھﻨﺎ؟ اﻧﺘﺒﻪ )دﻋﺲ( وﻛﺄن أﺣﺪاث اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ ﻗﺪ أﻏﻔﻠﺘﻪ ﻋﻦ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻗﺪ ﺧﺮج ﻣﻦ أﺟﻠﻪ ،ﺻﻤﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ ﻗﺎل وﻗﺪ ظﮫﺮت ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ ﻋﻼﻣﺎت اﻟﺤﺰن وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﺟﺌﺖ إﻟﯿﻜﻢ ﺑﺮﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ »إدوم«.ﺧﻔﻘﺖ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ﺟﻤﯿًﻌﺎ وﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻓﻲ اﻧﻔﻌﺎل: ھﺎت ﺑﮫﺎ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ.ﻗﺎل )دﻋﺲ(: ﻣﺎت اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( وھﺮب )ﻋﻤﺮو( ﻣﻊ )ﺷﮫﺒﻮر( إﻟﻰ ﻣﺠﻤﻊ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ.∞∞∞∞∞ خ اﻟﺤﺰن ِرﺣﺎﻟَﻪ ﻓﻲ ﻳﺜﺮب ،واﺗﺨﺬ ﻣﻦ ﺣﻲ ﺑﻨﻲ ُﻋﺒْﯿﻞ َﻣﺮﺑﻄًﺎ ،ﻋ ﱠ أﻧﺎ َ ﻢ اﻟﺴﻮاد ﱡ ﻋﻠﻰ اﻟﺪور وأﻧﱠﺖ اﻟﺠﺪران ﻟﺼﻮت اﻟﻨﺤﯿﺐ ،ﺑﻜﻰ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﺣﺰﻧًﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﯿﺦ اﻟﺠﻠﯿﻞ اﻟﺬي ﻣﻸ اﻟﻘﻠﻮب ﺑﮫﯿﺒﺘﻪ وﻓﻀﻠﻪ ،ﻛﻨﺖ أﻗﻞ اﻟﻨﺎس ﺻﺤﺒﺔ ﻟﻠﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ،ورﻏﻢ ذﻟﻚ اﻧﻔﻄﺮ ﻗﻠﺒﻲ ﻋﻠﯿﻪ ،وﺷﻌﺮت ﺑﺬات اﻟﻤﺮارة اﻟﺘﻲ ﺷﻌﺮ ُ ت ﺑﮫﺎ ﻳﻮم ﻣﺎت أﺑﻲَ ،ﻓِﻠْﻠَﻔْﻘِﺪ ﻣﺮارة ﻻ ﻳﺘﻐﯿﺮ طﻌﻤﮫﺎ ﻋﻠﻰ أي ﺣﺎل ،ﺣﯿﻦ ﻧﻄﻖ )دﻋﺲ( ﺑﺎﻟﺨﺒﺮ اﻟﻤﺸﺌﻮم ،أﻣﺴﻜ ُ ﺖ ﺑﯿﺪ )ﻟﯿﺚ( ﻓﻲ ﻗﻮة ،وأﺣﻄﺖ ﻛﺘﻔﻪ ﺑﯿﺪي ،أﻋﻠﻢ ﺟﯿًﺪا ﻪ اﻟﯿﺎﺑﺴﺔ وﺻﺎر ﻣﻌﻠًﻘﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺸﻌﺮ ﻓﯿﮫﺎ اﻟﻤﺮء ﺑﺄﻧﻪ ﻗﺪ اﻗﺘِﻠﻊ ﻣﻦ أرﺿ ِ َ ﺴﻚ ﺑﻪ ﻣﺜﻠﻤﺎ أﻣﺴ َ ﻜﺖ ﺑﻲ ﻳﺪ ﻓﻲ اﻟﮫﻮاء ،ﻻ ﻳﺤﺘﺎج اﻟﻤﺮء ﺣﯿﻨﮫﺎ إﻻ ﻟﯿٍﺪ ُﺗﻤ ِ )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ ﺑﻦ ﺣﻮر( ،أﻗﯿﻤﺖ ﺻﻼٌة ﻟﻠﺪﻋﺎء ﻟﻠﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ،وﺟﺪﺗﻨﻲ أﻗﻒ ﺧﻠﻒ اﻟﺼﻔﻮف أدﻋﻮ ﻟﻪ وأﺑﻜﻲ ،ﻗﺪ ﻛﺎن أﺑﻲ أﻛﺜﺮ ﺣﻈﺎ ﻣﻨﻪ ،ﻣﺎت وھﻮ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ وﻟﺪه، أﻣﺎ ھﻮ ﻓﻘﺪ ﻣﺎت ﻏﺮﻳﺒًﺎ وﺣﯿًﺪا ﻣﺘﺄﻟ ً ﻤﺎ ﻣﻦ ﺟﺮﺣﻪ ،ﻣﺎ أﻗﺴﻰ أن ﻳﻐﺎدر اﻹﻧﺴﺎن دون وداع ﻣﻦ ﻳﺤﺐ! ﻣﺎ أﻗﺴﺎھﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺎرك واﻟﻤﺘﺮوك! ﻜًﺌﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺼﺎه، ﺣﯿﻦ ﻓﺮغ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻣﻦ اﻟﺼﻼة ،رأﻳﺘﻪ ﻳﺴﯿﺮ إﻟﻰ داره ُﻣﺘ ِ أﺷﻌﺮ ﺑﻈﮫﺮه ﻗﺪ اﻧﺤﻨﻰ أﻛﺜﺮ ،أھﻮ اﻟﺤﺰن ﻗﺪ أﺛﻘﻞ ﻛﺎھﻠﻪ؟ أم ﺻﻠﺒﻪ اﻟﺬي ﻓﻘﺪ اﻟﺴﻨﺪ؟ أم ھﻮ ذﺑﻮل اﻟﻨﻔﺲ ﺣﯿﻦ ﺗﻔﻘﺪ زھﺮﺗﮫﺎ وﺗﺠﻒ ورﻗﺘﮫﺎ ،ﻛﺎن أﻛﺜﺮ ﺗﻤﺎﺳ ً ﻜﺎ ﺣﯿﻦ ﻛﺎن ﻳﺤﺪوه اﻷﻣﻞ ﻓﻲ ﻧﺠﺎة وﻟﺪه ،وﻟﻜﻦ اﻧﺘﺰاع اﻷﻣﻞ ُﻳﺨﯿﺮ اﻟﻘﻮى ،وﻳﻮھﻦ اﻟﻘﻠﺐ ،أﺷﻔﻘﺖ ﻋﻠﯿﻪ ﻣﻦ اﺑﺘﻼء ﻓﻲ أواﺧﺮ ﺳﻨﻲ ﻋﻤﺮه ،وﻗﺪ أوﺷﻜﺖ اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﮫﺎﻳﺔ واﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺘﻤﺔ. ﻛﺎن اﻟﻤﺼﺎب ﻛﺒﯿًﺮا ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﯿﻊ ،ﻛﻨﺖ أﺟﻮل ﻓﻲ اﻟﺤﻲ ،ﻓﺄﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺤﺰن ﻓﻲ اﻟﻌﯿﻮن ،اﻧﺰوت اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻲ ﻣﻨﺎزﻟﮫﻦ ﺣﺪاًدا ،ﻓﻠﻢ أﺳﺘﻄﻊ رؤﻳﺔ )أروى( ،ﺣﺘﻰ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ،اﻋﺘﻜﻒ ﻓﻲ ﺑﯿﺘﻪ ،وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻛﺴﺮ ﻓﺆاده ﻓﻘﺪان أﺧﯿﻪ ووﻟﺪه ،وﻟﻢ أﺟﺪ ﺳﻮى )َدْﻋﺲ( ،اﻟﺬي اﺳﺘﻌﺎد ﻋﺎﻓﯿﺘﻪ وﺑﺪا ﻗﻮﻳﺎ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن رﻓﯿًﻘﺎ ﻟﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ،ﻛﻨﺖ أﺟﻠﺲ إﻟﯿﻪ أﺳﺄﻟﻪ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ وﻋﻦ ﺗﻔﺎﺻﯿﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺖ ﻋﻮدﺗﮫﻢ إﻟﻰ »إدوم« ،ﺣﻔﻈﺖ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻋﻦ ظﮫﺮ ﻗﻠﺐ ورأﻳﺖ ﻓﻲ ﻗﺼﺘﻪ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﺤﻖ أن أﻛﺘﺒﻪ ﻓﻲ أوراﻗﻲ ،وھﺬا ﻣﺎ ﺣﻜﺎه ﻟﻲ )َدْﻋﺲ( ﻓﻲ أﻳﺎﻣﻲ اﻷﺧﯿﺮة ﺑﯿﺜﺮب. »اﺳﻤﻲ )دﻋﺲ( ،وھﻮ اﺳﻢ ﻳﻌﻨﻲ اﻟﻤﻜﺘﺴﺢ ،ھﻜﺬا أﺳﻤﺎﻧﻲ ﺷﯿﺦ اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ اﻟﺬي رﺑﺎﻧﻲ ،ﻓﺄﻧﺎ ﻻ أﻋﺮف ﻟﻲ أﺑًﺎ ﺳﻮاه ،ﻧﺸﺄت ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ اﺳﻤﮫﺎ )ﻏﺮﻧَﺪل( ﺗﻘﻊ ﻓﻮق ﺟﺒﺎل »إدوم« ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺑﺼﺮى وﺗﺤﯿﻂ ﺑﮫﺎ ﻗﻤﻢ »أدوم« اﻟﺸﺎھﻘﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ ،ﻏﺮﻧﺪل ﻟﯿﺴﺖ ﻗﺮﻳﺔ ﻋﺎدﻳﺔ ،ھﻲ أرض اﻷﺳﻮد وﻣﻤﻠﻜﺔ اﻷﺑﻄﺎل ،ﻻ ﻧﺨﻀﻊ ﻟﺴﻠﻄﺎن وﻻ ﻟﺤﺎﻛﻢ ،ﻻ ﻳﺴﺘﻄﯿﻊ اﻟﻐﺮﻳﺐ اﻟﺪﺧﻮل إﻟﯿﻨﺎ وﻧﻌﺮف ﻟﮫﺎ ـﻧﺤﻦ أھﻞ اﻟﻘﺮﻳﺔ -أﻟﻒ ﻣﺪﺧﻞ وﻣﺨﺮج ،اﻷﻣﺮ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎر ﻛﻤﺎ ﻧﻘﻮل ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺘﻨﺎ: »ﻏﺮﻧﺪل ﻟﻤﻦ ﻋﺎش ﺑﮫﺎ« ،ﻗﺪﻳ ً ﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺒﯿﻠﺘﻨﺎ ﺗﻘﻄﻊ اﻟﻄﺮق ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻮاﻓﻞ ،وﺗﺜﯿﺮ اﻟﺮﻋﺐ ﻋﻠﻰ طﺮﻳﻖ اﻟﺒﺨﻮر ،ﺣﺘﻰ ﺟﺎء اﻟﻤﻠﻚ )ھﻮﺷﺎم( ﻣﻠﻚ »إدوم« وطﻠﺐ اﻟﺼﻌﻮد إﻟﻰ ﻗﺮﻳﺘﻨﺎ ﻓﻮق اﻟﺠﺒﻞ وﺟﻠﺲ إﻟﻰ ﺷﯿﺨﮫﺎ ،وﻋﻘﺪ ﻣﻌﻪ ﺻﻠ ً ﺤﺎ ،ھﻞ ﺗﺘﺨﯿﻞ؟ ﻣﻠﻚ »إدوم« ﻳﻄﻠﺐ اﻟﺼﻠﺢ ﻣﻊ رﺟﺎل ﻏﺮﻧﺪل وﻳﺠﻠﺲ ﻣﻊ ﺷﯿﺦ ﻗﺒﯿﻠﺘﮫﺎ رﺟًﻼ ﻟﺮﺟﻞ! ﻛﺎن ﻣﻦ ﺷﺮوط اﻟﺼﻠﺢ أن ﺗﻜ ﱠ ﻒ اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ ﻋﻦ ﺗﮫﺪﻳﺪ اﻟﺘﺠﺎرة ﻋﻠﻰ طﺮﻳﻖ اﻟﺒﺨﻮر، ﻣﻘﺎﺑﻞ أﻣﻮال ﻳﺮﺳﻠﮫﺎ إﻟﯿﻨﺎ ﻣﻠﻚ »إدوم« ،وأن ُﻳﺴﻤﺢ ﻷھﻞ ﻏﺮﻧﺪل ﺑﺎﻟﺘﺠﺎرة ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﺑﺼﺮى ﺑﻼ ﻗﯿﺪ أو ﺷﺮط ،وظﻞ اﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ إﻟﻰ أن ﺟﺎء اﻟﻤﻠﻌﻮن )ھﺪد ﺑﻦ ﺑﺪد( ،ﻓﺄﻧﻜﺮ اﻟﺼﻠﺢ اﻟﺬي ﻋﻘﺪه )ھﻮﺷﺎم( وﺿﯿﻖ ﻋﻠﻰ أھﻞ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺎرة ،وﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم ﻏﺪر )ﻛﺮوﻧﻮس( اﻟﻠﻌﯿﻦ ﺑﺸﯿﺦ ﻗﺒﯿﻠﺘﻨﺎ وﻗﺘﻞ ﻋﺪًدا ﻛﺒﯿًﺮا ﻣﻦ ﺧﯿﺮة رﺟﺎﻟﻪ ،وﺣﺎول اﻟﮫﺠﻮم ﻋﻠﻰ ﻏﺮﻧﺪل ،وﻟﻜﻦ اﺳﺘﻌﺼﺖ ﻋﻠﯿﻪ ﺟﺒﺎﻟﮫﺎ وطﺮﻗﮫﺎ ،ﻳﻮﻣﮫﺎ أﻗﺴﻤﻨﺎ أﱠﻻ ﻧﺘﺮك ﺛﺄر ﻗﺮﻳﺘﻨﺎ ،ووﺟﺪﻧﺎ ﻣﻦ أھﻞ »إدوم« ﻣﻦ ﻳﺸﺎرﻛﻨﺎ ﻧﻔﺲ اﻟﺮﻏﺒﺔ ،وﻛﺎن ﻣﻦ ﺑﯿﻦ هـؤﻻء اﻟﺘﺎﺟﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( ،اﻟﺬي ﺟﻤﻌﺘﻨﻲ ﺑﻪ ﺻﺪاﻗﺔ وطﯿﺪة ،وﻛﺎن ﻳﻤﺪﻧﺎ ﺑﺎﻟﻤﺎل ﻣﻘﺎﺑﻞ أﻋﻤﺎل ﺗﺜﯿﺮ اﻟﺮﻋﺐ ﻓﻲ ﻗﻠﻮب اﻟﺠﻨﻮد اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﯿﻦ اﻟﻤﺮﺗﺰﻗﺔ ،أﻣًﻼ ﻓﻲ أن ﻳﺪﻓﻌﮫﻢ ذﻟﻚ إﻟﻰ ﺗﺮك اﻟﺨﺪﻣﺔ ﻓﻲ ﺟﯿﺶ اﻹدوﻣﯿﯿﻦ«. »ﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم أﺧﺒﺮﻧﻲ )ﺷﮫﺒﻮر( ﺑﺄﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﻳﻘﯿﻦ ﺑﺄن )ﻛﺮوﻧﻮس( ﻳﺸﺘﺒﻪ ﺑﻪ ،وأﻧﻪ ﻗﺪ ﻗﺮر اﻟﺮﺣﯿﻞ ﻋﻦ )ﺑﺼﺮى( ،وﻟﻜﻨﻪ ﻳﺨﺸﻰ أن ﻳﻄﺎرده )ﻛﺮوﻧﻮس( وﺟﻨﻮده ،وﺟﺪﺗﮫﺎ ﻓﺮﺻﺔ ﻻ ﺗﻌﻮض ﻟﻼﻧﺘﻘﺎم ﻣﻦ )ﻛﺮوﻧﻮس( ،ﺗﺮﺑﺼﻨﺎ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ طﺮﻳﻖ اﻟﺤﺠﺮ ﺧﺎرج أﺳﻮار ﺑﺼﺮى ،واﻧﺘﻈﺮﻧﺎ ﺣﺘﻰ ﺣﺎﻧﺖ اﻟﻠﺤﻈﺔ واﻧﺘﻘﻤﻨﺎ ﻣﻨﻪ وﺣﺪث ﻣﺎ ﺣﺪث ﻟﻠﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ،و)ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ(. ﻳﻮﻣﮫﺎ ﻋﺪﻧﺎ إﻟﻰ )ﻏﺮﻧﺪل( وأرﺳﻠﺖ ﺑﻌﺾ رﺟﺎﻟﻲ ﻹﺛﺎرة اﻟﻔﺰع ﻓﻲ ﺑﺼﺮى ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻔﻜﺮ ﺟﻨﻮد اﻹدوﻣﯿﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ،ﺣﻄﻤﻮا اﻟﺤﻮاﻧﯿﺖ وأﺷﻌﻠﻮا اﻟﻨﯿﺮان ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺨﺎزن ،واﻋﺘﺪوا ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﺠﺎر ﺣﺘﻰ ﺗﻔﺸﻰ اﻟﺬﻋﺮ ﻓﻲ اﻟﺴﻮق واﻧﺸﻐﻠﺖ اﻟﺸﺮطﺔ واﻟﺠﻨﻮد اﻟﻤﺮﺗﺰﻗﺔ ﺑﺎﻟﺴﯿﻄﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮﺿﻰ ،ﻟﯿﻠﺘﮫﺎ أﺗﯿﻨﺎ ﺑﺎﻟﻄﺒﯿﺐ ﻟﻌﻼج اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( اﻟﺬي ﻓﻘﺪ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ دﻣﺎﺋﻪ ﺑﻌﺪ أن ﺑﺘﺮ ﻲ ﻣﻨﺒﺖ اﻟﺬراع )ﻛﺮوﻧﻮس( ذراﻋﻪ ،ﻓﺼﻞ اﻟﻄﺒﯿﺐ اﻟﺬراع ﻋﻦ آﺧﺮھﺎ ﺛﻢ ﻗﺎم ﺑﻜ ّ ِ ﺑﺴﻜﯿﻦ ﻣﻠﺘﮫﺐ ﻛﺎﻟﺠﻤﺮ ﺣﺘﻰ اﻟﺘﺼﻖ اﻟﻠﺤﻢ ﺑﺎﻟﻌﻈﻢ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ظﻠﺖ اﻟﺪﻣﺎء ﺗﻘﻄﺮ وﻟﻢ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻗﺮاﺑﺔ اﻟﺜﻼﺛﺔ أﻳﺎم ،وﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺮاﺑﻊ أﺻﺎﺑﺖ اﻟﺸﯿﺦ ﺣﻤﻰ، وﻛﺎن ﻛﻠﻤﺎ رأى ﻧﻮًرا ﻳﻨﺘﻔﺾ ﺟﺴﺪه ﻣﺘﺸﻨ ً ﺠﺎ وﻳﻨﻘﺒﺾ ﻓﻜّﺎه ﻓﻲ ﻗﻮة ﺣﺘﻰ ﻋﺮ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻧﺴﻤﻊ ﺻﻮت أﺿﺮاﺳﻪ وھﻲ ﺗﺘﺤﻄﻢ ،وﻻ ﻧﺴﺘﻄﯿﻊ ﻓﻌﻞ ﺷﻲءُ ،ذ ِ دوﻣﺔ( و)ﺷﮫﺒﻮر( ،وظﱠﻨﺎ أن ﺷﯿﻄﺎﻧًﺎ ﻗﺪ ﻣ ﱠ ﺲ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ،أﺗﯿﻨﺎ ﺑﺎﻟﻄﺒﯿﺐ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻓﻨﺼﺤﻨﺎ ﺑﺄن ﻧﻌﺼﺐ ﻋﯿﻨﯿﻪ وأن ﻧﻀﻌﻪ ﻓﻲ ﻣﺎء ﻣﺎﻟﺢ ﻓﻲ ﺣﺠﺮة ﻣﻈﻠﻤﺔ، ﻓﺎﻟﻤﺎء اﻟﻤﺎﻟﺢ ﻳﻮﻗﻒ اﻟﺘﺸﻨﺠﺎت ،وﻋﺼﺎﺑﺔ ﻋﯿﻨﯿﻪ واﻟﻈﻼم ﺳﯿﺤﺠﺒﺎن ﻋﻨﻪ ﻣﺎ ﻳﺮاه، ھﺪأت اﻟﺘﺸﻨﺠﺎت ﻗﻠﯿًﻼ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺤﻤﻰ ﻟﻢ ﺗﮫﺪأ وﺑﻠﻎ ﺑﻪ اﻟﻮھﻦ ﻣﺒﻠﻐﻪ ﺣﺘﻰ ﺷﻌﺮﻧﺎ ﺑﺄن اﻟﻤﻮت ﻳﺘﺸﻤﻤﻪ وﻳﻮﺷﻚ أن ﻳﻔﺘﻚ ﺑﻪ ،ﻓﺄﻋﺪ ﻟﻪ )ﻋﻤﺮو( ﻗﺒًﺮا ﻓﻮق ﺿ َ أﻋﻠﻰ رﺑﻮة ﻓﻲ ﺟﺒﺎل )ﻏﺮﻧﺪل( َوَو َ ﻊ ﻟَُﻪ ﺷﺎھًﺪا ،وﻳﻮم دﻓﱠﻨﺎه وﺻﻠﻰ ﻋﻠﯿﻪ )ﻋﻤﺮو( و)ﺷﮫﺒﻮر( وﺑﻌﺾ اﻟﺮﺟﺎل ،أﻣﻄﺮت اﻟﺴﻤﺎء ﻣﻄًﺮا ﺧﻔﯿًﻔﺎ وﺷﻌﺮت ﺑﺄن ﺳﻤﺎء )ﻏﺮﻧﺪل( ﻓﺮﺣﻰ ﺑﻀﻢ رﻓﺎت ھﺬا اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺼﺎﻟﺢ«. ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ﻛﻨﺎ ﻧﺠﻠﺲ أﻧﺎ و)دﻋﺲ( ﺗﺤﺖ ﺳﻘﯿﻔﺔ اﻟﻌﻨﺐ ،أﻣﺴﻚ دﻋﺲ ﺑﻘﻄﻒ ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺐ ﺑﯿﺪه اﻟﯿﺴﺮى ،وأﺧﺬ ﻳﻘﻀﻢ ﺣﺒﺎﺗﻪ ﺑﻔﻤﻪ ﻛﺎﻟﺒﻌﯿﺮ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ أﻣﺴﻚ ﺑﯿﺪه اﻟﯿﻤﻨﻰ ﻗﺪ ً ﺣﺎ ﻣﻤﻠﻮًءا ﺑﺎﻟﺨﻤﺮ ،ﺗﻮرّد وﺟﮫﻪ ﺑﻌﺪ أﻳﺎم ﻣﻦ ﻣﻜﻮﺛﻪ ﻓﻲ ﻳﺜﺮب، وﺑﺪا ﻓﻲ ﺛﯿﺎب اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﻛﺘﺎﺟﺮ ﻣﻨﻌﻢ ﺛﺮي ،ﺷﻌﺮت أن اﻟﺮﺟﻞ ﻗﺪ ﺑ ّ ﺪل ﺛﯿﺎب اﻟﺸﻈﻒ وﺧﺸﻮﻧﺔ اﻟﻤﺤﺎرﺑﯿﻦ ﺑﺜﯿﺎب اﻟﺮﻓﺎھﯿﺔ ﺳﺮﻳًﻌﺎ ،ﻓﻜﺎن ﻳﺴﺮف ﻓﻲ اﻟﻄﻌﺎم واﻟﺸﺮاب ،وﻳﻘﺒﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﯿﺎة ﺑِﺒﺸٍﺮ وﺣﺒﻮر ،رﻏﻢ اﻟﺤﺰن اﻟﺬي ﻳﺤﯿﻂ ﺑﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم أﺧﺒﺮﻧﻲ ﺑﺒﺎﻗﻲ ﻗﺼﺘﻪ ﻓﻘﺎل: »ظﻠﻠﻨﺎ ﻓﻲ )ﻏﺮﻧﺪل( أﻳﺎًﻣﺎ ،ﻻ ﻳﺨﺮج ﻣﻨﮫﺎ أﺣﺪ ،ﻓﻘﺪ ﻋﻠﻤﻨﺎ أن )ھﺪد ﺑﻦ ﺑﺪد( ﻗﺪ أﻏﻀﺒﻪ ﻣﺎ ﺣﺪث ﻓﻲ ﺑﺼﺮى ،ﻓﻌﺰل ﻗﺎﺋﺪ اﻟﺸﺮطﺔ ،وأرﺳﻞ ﻓﺮﻗﺔ ﻛﺒﯿﺮة ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺪ ﺑﻘﯿﺎدة ﺿﺎﺑﻂ ﺟﺪﻳﺪ ﻛﺒﯿﺮ اﺳﻤﻪ )ﺟﻨﺪار( ،ﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﻳﺘﺤﺪﺛﻮن ﻋﻦ )ﺟﻨﺪار( ﺑﺄﻧﻪ ﺧﻠﯿﻔﺔ )ھﺪد ﺑﻦ ﺑﺪد( وﺗﻠﻤﯿﺬه اﻟﻤﺤﺒﺐ إﻟﯿﻪ ،وﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻷول ﻟﻮﺻﻮﻟﻪ ،أﻏﻠﻖ )ﺟﻨﺪار( أﺑﻮاب ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﺼﺮى وﻟﻢ ﻳﺴﻤﺢ ﻷﺣﺪ ﺑﺎﻟﺨﺮوج ﻣﻨﮫﺎ ،وﻗﺎل ﻗﻮﻟﺘﻪ اﻟﻤﺸﮫﻮرة: »ھﻨﺎك ﻣﻦ أھﻞ )ﺑﺼﺮى( ﻣﻦ ﻳﻄﻌﻢ ﻛﻼب )ﻏﺮﻧﺪل( وﻟﻮ ﻣﻨﻊ ﻋﻨﮫﻢ اﻟﻄﻌﺎم، ﻟﺨﺮﺟﺖ اﻟﻜﻼب ﻛﻲ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻨﻪ« ،وﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ،ﻛﺎن ﻟﻨﺎ رﺟﺎل ﻣﻦ ﺑﺼﺮى ﻳﺄﺗﻮن إﻟﯿﻨﺎ ﺑﺎﻟﻄﻌﺎم واﻟﻤﺎء ﻋﺒﺮ دروب )ﻏﺮﻧﺪل( اﻟﺨﻔﯿﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ أﻏﻠﻖ )ﺟﻨﺪار( اﻷﺑﻮاب ﻋﻠﻰ ﺑﺼﺮى ،اﻧﻘﻄﻊ ﻋﻨﺎ اﻟﺰاد واﻟﻤﺎء ،اﺣﺘﻤﻠﻨﺎ اﻧﻘﻄﺎع اﻟﻄﻌﺎم أﻳﺎًﻣﺎ ،وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﺤﺘﻤﻞ اﻧﻘﻄﺎع اﻟﻤﯿﺎه ،أرﺳﻠﻨﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺮﺟﺎل ﺟﮫﺔ اﻟﺸﻤﺎل ﻧﺎﺣﯿﺔ اﻟﻜﺮك ﻛﻲ ﻳﺄﺗﻮﻧﺎ ﺑﺎﻟﻤﺆن ﻓﻜﺎدوا ﻳﻘﻌﻮن أﺳﺮى ﻓﻲ ﻳﺪ ﺟﻨﻮد )ﺟﻨﺪار( وھﻢ ﻋﻠﻰ أﺑﻮاﺑﮫﺎ، واﺳﺘﯿﻘﻈﻨﺎ ذات ﺻﺒﺎح ،ﻋﻠﻰ ﺻﻮت اﻟﻨﻔﯿﺮ ،واﻟﺤﺮاس ﻳﺼﺮﺧﻮن ﻟﻘﺪوم اﻹدوﻣﯿﯿﻦ ،ﻓﻘﺪ وﺷﻲ أﺣﺪ أﻋﻮاﻧﻨﺎ ﻓﻲ ﺑﺼﺮى ـﺑﺴﺒﺐ اﻟﺘﻌﺬﻳﺐ -ﺑﺄﺣﺪ اﻟﺪروب اﻟﺨﻔﯿﺔ إﻟﻰ ﻏﺮﻧﺪل ،ﻛﺎن ھﻨﺎك ﺧﻄﺔ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﻣﺘﻔﻖ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻟﻠﮫﺮوب ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ وﻗﻮع ھﺠﻮم ﻣﻦ )ﺟﻨﺪار( وﺟﻨﻮده ،ﺗﻔﺮق اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ ﻟﻤﺢ اﻟﺒﺼﺮ ،وھﺮﺑﺖ ﻛﻞ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ طﺮﻳﻖ ﻣﺨﺘﻠﻒ ،أﺧﺬت ﻣﻌﻲ )ﺷﮫﺒﻮر( ورﺟﺎﻟﻪ و)ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ( ،واﻧﻄﻠﻘﻨﺎ ﻓﻲ طﺮﻳﻖ ﻳﺆدي إﻟﻰ ﺧﻠﯿﺞ )ﻟﺤﯿﺎن( ،ﻛﺎﻧﺖ ﺧﻄﻮرة ھﺬه اﻟﻄﺮﻳﻖ أﻧﻪ ﻳﻤﺮ ﺑﻮاد ﻣﻨﺨﻔﺾ ﻳﻨﺤﺪر ﺑﺸﺪة ﺣﺘﻰ ﻳﺼﻞ إﻟﻰ اﻟﺨﻠﯿﺞ ،واﻟﻮادي ﻣﻜﺸﻮف ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﯿﻪ وﻳﺴﮫﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻣﺎة ﻗﻨﺼﻨﺎ إن أدرﻛﻮﻧﺎ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺠﺎة ﻓﻲ أن ﻧﻨﻄﻠﻖ ﻓﻲ أﻗﺼﻰ ﺳﺮﻋﺔ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺪرﻛﻨﺎ اﻟﺠﻨﻮد ،وﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻟﻢ ﻧﻨﻘﻄﻊ ﻋﻦ اﻟﻌﺪو ﺣﺘﻰ وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﺨﻠﯿﺞ ﻋﻨﺪ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻠﯿﻞ ،وﻋﻨﺪ اﻟﻔﺠﺮ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺘﻘﻞ )ﺷﮫﺒﻮر( ورﺟﺎﻟﻪ إﻟﻰ ﻣﺠﻤﻊ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ﺗﺘﺄھﺐ ﻟﻠﺮﺣﯿﻞ ،وﻗﻒ )ﻋﻤﺮو( ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎطﺊ أﻣﺎم ﺳﻠﻢ اﻟﺤﺒﺎل ﻻ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺮﻛﺐ ،ﺗﺮﺟﺎه )ﺷﮫﺒﻮر( أن ﻳﺮﻛﺐ وﻟﻜﻨﻪ أﺑﻰ ﻗﺎل ﻓﻲ ﺣﺴﻢ: ﻟﻦ أﺗﺮك أھﻠﻲ!ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر(: ﺳﻨﻠﺤﻖ ﺑﮫﻢ ﻻﺣًﻘﺎ ،ﺻﺪﻗﻨﻲ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ!ﻻ أرﻳﺪ أن أﻓﻘﺪك ﻛﻤﺎ ﻓﻘﺪت ﻋﻤﻚ! ﻳﻜﻔﯿﻨﻲ ذﻧﺐ واﺣﺪ أﻣﺎم اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(. ﺗﺮدد )ﻋﻤﺮو( ﻗﻠﯿًﻼ ،ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ ﻣﺤﺬرا ﻛﻲ أدﻓﻌﻪ ﻟﻠﺮﺣﯿﻞ: ھﯿﺎ ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو( ،إذا اﻧﺒﻠﺞ اﻟﻨﮫﺎر ﻓﻠﻦ ﻳﻨﺠﻮ أﺣﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎطﺊ!ھﯿﺎ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ﻓﮫﻢ ﻓﻲ أﻋﻘﺎﺑﻨﺎ اﻵن. ﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﻛﺎﻟﻤﺴﺘﻐﯿﺚ ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ ﻣﺸﺠًﻌﺎ: ھﯿﺎ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ وﺳﺄﺻﻌﺪ وراءك.أﻣﺴﻚ ﺑﺴﻠﻢ اﻟﺤﺒﺎل وﺻﻌﺪ ﻓﻲ ﺑﻂء وھﻮ ﻳﻠﻘﻲ ﺑﻨﻈﺮة ﺣﺰن ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎطﺊ، وﻣﺎ أن اﺳﺘﻘﺮ ﻓﻮق ظﮫﺮ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ،ﺣﺘﻰ أﺧﺮﺟﺖ ﺳﯿﻔﻲ وﺿﺮﺑﺖ ﺑﻪ ﺳﻠﻢ اﻟﺤﺒﺎل ﺿﺮﺑﺔ ﻗﻄﻌﺘﻪ ،ﺛﻢ ﺿﺮﺑﺖ ﺿﺮﺑﺔ أﺧﺮى ﻗﻄﻌﺖ ﺑﮫﺎ ﺣﺒﻞ اﻟﻤﺮﺳﺎة ﻓﺎﻧﺴﺎﺑﺖ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ﻓﻲ ﻣﯿﺎه اﻟﺒﺤﺮ. ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو( ﺻﺎر ً ﺧﺎ: ﻗﺪ وﻋﺪﺗﻨﻲ ﻳﺎ دﻋﺲ.وﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر( ﻻﺋ ً ﻤﺎ: ﻟﻤﺎذا ﻓﻌﻠﺖ ھﺬا ﻳﺎ دﻋﺲ؟!ﺳﺘﻘﺘﻞ إن ﻋﺪت إﻟﯿﮫﻢ! ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺻﻮت ﻋﺎل وﻗﺪ أﺧﺬت اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ﻓﻲ اﻻﺑﺘﻌﺎد: ﻲ ﺳﺄﺑﺪأ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ! ﻟﻦ أﺗﺮك رﺟﺎﻟﻲ ،ﻻ ﺗﺨﺶ ﻋﻠ ّوﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻗﺮص اﻟﺸﻤﺲ ﻳﻌﻠﻮ ﻓﻲ اﻷﻓﻖ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ﺗﺘﻀﺎءل وھﻲ ﺗﻐﯿﺐ ﻓﻲ ﻋﺮض اﻟﺒﺤﺮ«! اﻧﺘﮫﻰ ﻛﻼم )دﻋﺲ(. وھﺬا ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺧﺒﺮ اﻟﺘﺎﺟﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( ،و)ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ( ﻓﻲ »إدوم« وﺣﺘﻰ رﺣﯿﻠﮫﻤﺎ ﻣﻦ ﻏﺮﻧﺪل. ∞∞∞∞∞ »اﻟﯿﻮم اﻷﺧﯿﺮ«: رأﻳﺘﮫﺎ ﺗﺤﺖ ﺳﻘﯿﻔﺔ اﻟﻌﻨﺐ ،ﻟﻢ أﺗﺮدد ھﺬه اﻟﻤﺮة ﻓﻲ أن أھﺮول إﻟﯿﮫﺎ وأن أﺣﺘﻀﻨﮫﺎ ﻓﻲ ﻗﻮة ﻟﺪﻗﺎﺋﻖ طﻮﻳﻠﺔ ﺣﺘﻰ ﺷﻌﺮت ﺑﮫﺎ ﺗﻔﻨﻰ ﺑﯿﻦ ذراﻋﻲ ،ﻗﺒﻠﺖ ﺷﻌﺮھﺎ وﺟﺒﮫﺘﮫﺎ ،وﺗﻼﻣﺲ ﺧﺪاﻧﺎ اﻟﻠﺬان ﻏﻤﺮﺗﮫﻤﺎ اﻟﺪﻣﻮع ،ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﺪﻓﻦ رأﺳﮫﺎ ﻓﻲ ﺻﺪري: ﻲ أن أﻓﻘﺪﻛﻢ ﺟﻤﯿًﻌﺎ ﻓﻲ وﻗﺖ واﺣﺪ؟! ھﻞ ﻛﺘﺐ ﻋﻠ ّأﺑﻲ وأﺧﻲ وأﻧﺖ؟! اﻋﺘﺼﺮت ﺟﺴﺪھﺎ ﺑﺬراﻋﻲ وأﻧﺎ أﻗﻮل وﻗﻠﺒﻲ ﻳﻨﻔﻄﺮ ﺣﺰﻧًﺎ ﻋﻠﯿﮫﺎ: ﻟﻦ ﺗﻔﻘﺪﻳﻨﻲ ،أﻗﺴﻢ ﻟﻚ أﻧﻲ ﺳﺄﻋﻮد!وأﻗﺴﻢ ﻟﻚ أﻧﻲ ﺳﺄﺗﺰوﺟﻚ. ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﺘﺸﺒﺚ ﺑﺄﺻﺎﺑﻌﮫﺎ ﻓﻲ ﻛﺘﻔﻲ: أرﻳﺪك ﺑﺠﻮاري اﻵن ،ﻻ ﺗﻔﺎرﻗﻨﻲ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(.ﻗﺒﱠﻠﺖ أﺻﺎﺑﻌﮫﺎ وأﻧﺎ أﻗﻮل: -أﻋﻠﻢ ،أﻋﻠﻢ ﻳﺎ ﺣﺒﯿﺒﺔ اﻟﻘﻠﺐ! وﻟﻜﻦ ھﺬا أﻓﻀﻞ ﻟﻚ! ﻟﻦ ﺗﺤﺘﻤﻠﻲ ﻋﻨﺎء اﻟﺴﻔﺮ وﺳﻂ ھﺬه اﻷﺣﺰان ،وﻻ ﻧﺪري ﻣﺎ ﻳﻨﺘﻈﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﺑﻜﺔ! ﺛﻢ أﺟﻠﺴﺘﮫﺎ ﻋﻠﻰ اﻷرﻳﻜﺔ وﺿﻤﻤﺖ رأﺳﮫﺎ إﻟﻰ ﺻﺪري ﺑﯿﺪي اﻟﯿﺴﺮى ،ورﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﺧﺪھﺎ وأﻧﺎ أﻗﻮل: أﻓﻀﻞ ﻟﻚ أن ﺗﻜﻮﻧﻲ ﻣﻊ ﺧﺎﻟﻚ )أواس( ﻣﻦ أن ﺗﻜﻮﻧﻲ ﻣﻊ ﻋﻤﻚ )دوﻣﺔ(.ﺛﻢ أردﻓﺖ: ﺳﻨﻨﮫﻲ ﺗﺠﺎرﺗﻨﺎ ﻓﻲ ﺑﻜﺔ ﺛﻢ أﻋﻮد إﻟﯿﻚ ،ﺳﺄﺧﻄﺒﻚ ﻣﻦ ﺟﺪك )ﻋﺎﺑﺮ( ﻣﺮة أﺧﺮىﻟﻨﻔﺴﻲ ،وإن ﻟﻢ ﻳﺴﻤﺢ ﻋﻤﻚ )دوﻣﺔ( ﺑﺰواﺟﻨﺎ ﺳﺄھﺮب ﺑﻚ وﻣﻌﻲ ﻣﻦ اﻷﻣﻮال ﻣﺎ ﻳﻜﻔﯿﻨﺎ! ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺘﻌﺠﺒﺔ: أي أﻣﻮال ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(؟!ﻗﻠﺖ: ھﺬا أﻣﺮ ﻟﺴﺖ ﻓﻲ ﺣ ٍ ّﻞ أن أذﻛﺮه ،وﻟﻜﻦ ﺛﻘﻲ ﺑﻲ ﻳﺎ ﺣﺒﯿﺒﺘﻲ ،أطﻤﺄﻧﺖ ﻋﯿﻨﺎھﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻄﻤﺌﻦ ﻗﻠﺒﮫﺎ ﺗﻤﺎًﻣﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ: أﺧﺸﻰ ﻋﻠﯿﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ﻣﻦ اﻟﺼﺮاع اﻟﺪاﺋﺮ ﻓﻲ ﺑﻜﺔ!ﺿﺤﻜﺖ ﻗﺎﺋًﻼ: ﺗﻠﻚ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻻ ﻧﺎﻗﺔ ﻟﻲ ﻓﯿﮫﺎ وﻻ ﺟﻤﻞ ﻳﺎ )أروى( ،وﻟﻮﻻ أﻣﺎﻧﺔ أﺣﻤﻠﮫﺎ ﻓﻲﻋﻨﻘﻲ ﻣﺎ أﻛﻤﻠﺖ اﻟﻤﺴﯿﺮ إﻟﻰ ﺑﻜﺔ وﻟﺒﻘﯿﺖ إﻟﻰ ﺟﻮارك ھﺎھﻨﺎ. ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺘﻌﺠﺒﺔ ﻣﺮة أﺧﺮى: ﻟﻘﺪ ﻋﺪت إﻟﻰ اﻷﻟﻐﺎز ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،أﻣﺮك ﻋﺠﯿﺐ اﻟﯿﻮم ،ﻋﻦ أي أﻣﺎﻧﺔ ﺗﺘﺤﺪث؟ﻗﻠﺖ ﻣﺒﺘﺴ ً ﻤﺎ: ھﺬا أﻳ ًﻀﺎ أﻣﺮ ﻟﺴﺖ ﻓﻲ ﺣ ٍ ّ ﻞ أن أذﻛﺮه. اﺑﺘﺴﻤﺖ أﺧﯿًﺮا ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﺤﯿﻂ وﺟﮫﻲ ﺑﻜﻔﯿﮫﺎ اﻟﺼﻐﯿﺮﻳﻦ: ﻋﺪﻧﻲ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( أﻧﻚ ﺳﺘﻌﻮد.ﻗﻠﺖ ﺑﻼ ﺗﺮدد: أﻋﺪك.ﻗﺎﻟﺖ: ﻲ. ﻋﺪﻧﻲ أﻻ ﺗﺘﺄﺧﺮ ﻋﻠ ّﻗﻠﺖ: أﻋﺪك أﱠﻻ أﺗﺄﺧﺮ ﺑﻌﺪ أن أرد اﻷﻣﺎﻧﺔ إﻟﻰ ﺻﺎﺣﺒﮫﺎ.ﻗﺎﻟﺖ ﻏﺎﺿﺒﺔ: ھﺬا وﻋﺪ ﻓﯿﻪ اﺳﺘﺜﻨﺎء!ﻗﻠﺖ ﻣﺒﺘﺴ ً ﻤﺎ: ھﺬا وﻋﺪ ﻓﯿﻪ ﺻﺪق! أﺣﺒﻚ.ﻚ ﻋﺸًﻘﺎ. وأﻧﺎ أذوب ﻓﯿ ِوﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﮫﻢ ﺑﺎﻟﻘﯿﺎم ﺳﻤﻌﻨﺎ ﺻﻮﺗًﺎ ﺧﻠﻒ اﻟﺠﺪار ،ﻓﺰﻋﺖ )أروى( ،ﻓﺄﺳﺮﻋﺖ أﻧﺎ ﺑﺎﻟﺪوران ﺧﻠﻒ اﻟﺠﺪار ﻷﺳﺘﻄﻠﻊ اﻷﻣﺮ ،ﻓﻮﺟﺪت )دﻋﺲ( ﻧﺎﺋ ً ﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻷرض، ﻳﺴﺘﻨﺪ ﺑﺮأﺳﻪ إﻟﻰ اﻟﺠﺪار ﺗﺮﺗﺠﻒ أﻧﻔﻪ ﻣﻊ ﺻﻮت ﺷﺨﯿﺮه وﻳﻐﻂ ﻓﻲ ﻧﻮم ﻋﻤﯿﻖ، وﻓﻲ ﻳﺪه ﻗﺪح ﻣﻦ اﻟﺨﻤﺮ اﻧﺴﻜﺐ ﻣﺎ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﺻﺪره. ∞∞∞∞∞ ق أﻟ ٌ ﻟﻠﻮداعِ ﺷﺠ ٌ ﻢ ،ﻓﺈذا أْﺗﺒ َ ﻊ اﻟﻮداع ﻓﺮاق ﺻﺎر اﻟﺸﺠﻦ واﻷﻟﻢ رﻓﯿﻘﯿﻦ ﻦ وﻟﻠﻔﺮا ِ ﺣﻠِ ّﻪ وﺗِﺮﺣﺎﻟﻪ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﺣﯿﻦ ارﺗﻔﻊ ﺻﻔﯿﺮ اﻟﺤﺎدي أﻟﻘﯿﺖ إﻟﯿﮫﺎ ﺑﻨﻈﺮة ﻟﻠﻤﺮء ﻓﻲ ِ ُ واﺛﻘﺔ ﺗﺤﻤﻞ رﺳﺎﻟﺔ ﻟﻮ ﻛِﺘﺒﺖ ﺑﻤﺪاد ﻟﻜﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺔ واﺣﺪة ھﻲ )ﺳﺄﻋﻮد( ،ﻻ أدري ﻛﯿﻒ ﺗﻤﺎﺳﻜ ُ ﺖ ،وﻻ ﻣﻦ أﻳﻦ أﺗﯿﺖ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺜﻘﺔ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﺸﻌﻮر ﺟﺪﻳﺪ اﺳﻤﻪ )اﻟﯿﻘﯿﻦ( ،ﺗﺬﱠﻛﺮ ُ ت ﻳﻮم ﺧﺮوﺟﻲ ﻣﻦ ﻗﺎدش ﺑﺮﻧﯿﻊ ﻣﺘﻠﺼ ً ﺼﺎ ،ﺣﯿﻨﮫﺎ ﺗﺮﻛﺖ أﻣﻲ دون أن أﻟﻘﻲ إﻟﯿﮫﺎ ﺑﻨﻈﺮة وداع ،ﺗﺮﻛﺖ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ لـ)ﻋﺎﻣﯿﺮ( وﻟﻢ أﺗﺮك ﻟﮫﺎ ﻛﻠﻤﺔ واﺣﺪة ،ﻛﻨﺖ أﺟﺒﻦ ﻣﻦ أن أواﺟﻪ ﻧﻈﺮة ﻋﯿﻨﯿﮫﺎ ،أو أﺗﺨﯿﻠﮫﺎ ﺗﻘﺮأ ﻛﻠﻤﺎﺗﻲ وﺗﺒﻜﻲ ،آﺛﺮت أﻟﻢ اﻟﻔﺮاق ﻋﻠﻰ أﺣﺰان اﻟﻮداع اﻟﻤﺘﺠﺪدة اﻟﺘﻲ ﺗﻈﻞ ﻣﻠﺘﺼﻘﺔ ﺑﺮوح اﻹﻧﺴﺎن طﯿﻠﺔ ﺣﯿﺎﺗﻪ. ﻤﺎ ،وﺧﺮوﺟﻲ ﻣﻦ ﻳﺜﺮب اﻟﯿﻮم ﻓﺎر ٌ ﻣﺎ ﺑﯿﻦ ﺧﺮوﺟﻲ ﻣﻦ ﻗﺎدش ﺑﺮﻧﯿﻊ ﻗﺪﻳ ً ق ﻛﺒﯿﺮ ،ﻻ ﻳﻘﺎس ﺑﺎﻷﻳﺎم أو اﻟﺴﻨﯿﻦ ،وإﻧﻤﺎ ﺑﻤﺎ ﻣﱠﺮ ﺑﻲ ﻣﻦ أﺣﺪاث ،ﻛﻠﺘﺎ اﻟﻘﺮﻳﺘﯿﻦ واﺣ ٌ ﺔ ﺗﺘﻮق اﻟﻨﻔ ُ ﺲ ﻟﻠﻌﯿﺶ ﺑﮫﺎ ،وﻛﻠﺘﺎ اﻟﺮﺣﻠﺘﯿﻦ ﻛﺎﻧﺖ إﻟﻰ أرض ﻳﺘﻘﺪس ﻓﯿﮫﺎ اﻟﺮب وﻳﺮﻓﻊ ﻓﯿﮫﺎ اﺳﻤﻪ ،وﻟﻜﻦ ﺷﺘﺎن ﺑﯿﻦ )ﺷﻤﻌﻮن( »اﻟﺘﺎﺋﻪ« ﻓﻲ ﻗﺎدش وﺷﻤﻌﻮن »اﻟﻤﺴﺘﯿﻘﻦ« ﻓﻲ ﻳﺜﺮب ،ﻋﺒﺮ ﺑﻲ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻣﻦ ﻣﻨﺎزل اﻟﺘﯿﻪ ،إﻟﻰ ﻣﻨﺎزل اﻟﯿﻘﯿﻦ ،وأدرﻛﺖ ﻣﻦ اﻹﻳﻤﺎن ﺣﻼوة ،ﻟﻢ أذﻗﮫﺎ وﻧﺒﻲ ﷲ ﺑﯿﻨﻨﺎ ،أﺻﺒﺖ اﻟﻔﻄﺮة ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ اﻟﺰواﺟﺮ واﻟﻨﻮاھﻲ وﺗﺬﻣﺮ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،ورأﻳﺖ ﷲ ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺎده ﺑﻘﺒﺴﺎت ﻣﻦ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﻻ ﻟﺸﻲء ﺳﻮى اﻟﺘﺴﻠﯿﻢ واﻟﺨﻀﻮع ﻟﻪ وﺣﺪه، أﺣﺒﺒﺖ اﻟﺮ ﱠ ب ﻗﺒﻞ أن أﺧﺸﺎه ،واﺷﺘﻘﺖ ھﺬه اﻟﻤﺮة إﻟﻰ رؤﻳﺔ أرﺿﻪ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،ﻻ ﻲ رﺣﻤﺎﺗﻪ. ﻷﺣﻘﻖ ﺣﻠﻢ أﺑﻲ ،وﻟﻜﻦ ﻷﺷﻌﺮ ﺑﻘﺮﺑﻲ ﻣﻨﻪ وطﻤًﻌﺎ ﻓﻲ أن ﺗﺘﻨﺰل ﻋﻠ ّ ق أﻟ ٌ ﻟﻠﻮداعِ ﺷﺠ ٌ ﻢ ،ﻓﺈذا أْﺗﺒ َ ﻊ اﻟﻮداع ﻓﺮاق ﺻﺎر اﻟﺸﺠﻦ واﻷﻟﻢ رﻓﯿﻘﯿﻦ ﻦ وﻟﻠﻔﺮا ِ ّ ﺣ ِﻠﻪ وﺗِﺮﺣﺎﻟﻪ ،وﺣﯿﻨﻤﺎ أﺷﺮﻓﺖ ﺟﺒﺎل ﺑﻜﺔ ﻓﻲ اﻷﻓﻖ ﻋﻼ ﺻﻮت ﻟﻠﻤﺮء ﻓﻲ ِ اﻟﺤﺎدي ﺑﻜﻠﻤﺎت ﻣﻸت اﻟﻔﻀﺎء ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻨﺎ وﻣﺴﺖ ﻧﻐﻤﺎﺗﮫﺎ أوﺗﺎر ﻗﻠﺒﻲ ،وﺟﺪﺗﻨﻲ أرددھﺎ ﻣﻊ ﺟﻤﻮع اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ اﻟﺬﻳﻦ رددوھﺎ ﺑﺤﻨﺎﺟﺮ ﺑﺎﻛﯿﺔ ﻗﺎﺋﻠﯿﻦ: »ﻟﺒﯿﻚ اﻟﻠﮫﻢ ﻟﺒﯿﻚ ،ﻟﺒﯿﻚ ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻚ ﻟﺒﯿﻚ« اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺜﺎﻟﺚ ﺤﺎﻟَِﮫﺎ َﻓِﺈ ّ ﺸﺎ ُ ﻦ اﻟ ّ ﺻْﺮﻧَﺎ أَ َ ﺣﺎًﻻ َوﻓِﯿَﮫﺎ اﻟﺘّ َ ن ﻟََﮫﺎ َ ﺪْﻧﯿَﺎ َﻋﻠَْﯿَﻨﺎ ﺑِ َ ﺣﺎِدﻳَﺜﺎ َوُﻛﻨّﺎ ﺟُﺮ َو ِ َﻓِﺈْن ﺗَْﻨَﺜ ِ ﻚ َﻋ ّ ﺴُﻨﻮ َ ﻀْﺘَﻨﺎ اﻟ ّ ﺔ ﻛَﺬﻟِ َ ن اْﻟَﻐَﻮاﺑُِﺮ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث اﻟﺠﺮھﻤﻲ( ﺑِِﻐْﺒﻄَ ٍ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ واﻟﺜﻼﺛﻮن ﻣﺎﻟﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء وﻻﻣ َ ﺲ ﻗﺮﺻﮫﺎ ﺟﺒﺎل »ﻓﺎران« ،ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺑﻠﻐﺖ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﺣﺪود »ﺑﻜﺔ« ،اﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻨﺎ ﺟﻤﻮ ٌ ع ﻣﻦ اﻷطﻔﺎل وﻧﺴﺎء ﻣﻦ اﻷﺣﺒﺎش ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب اﻟﻘﺮﻳﺔ ،ھْﺮَوﻟﻮا ﻧﺎﺣﯿﺘﻨﺎ وھﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮن ﻓﻲ ﻟﮫﺠﺔ ﻣﺴﺘﻌﻄﻔﺔ: ﻟﻢ تـُﻣﱠﺮ ﻋﻠﯿﻨﺎ اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ ﺑﺴﻼم ،ﻟﻢ تـُﻣﱠﺮ ﻋﻠﯿﻨﺎ اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ ﺑﺴﻼم.ﻛﺎن ُرﱠﻛﺎب اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻳﻠﻘﻮن إﻟﯿﮫﻢ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺘﻤﺮات ،ﻓﯿﺘﺼﺎرﻋﻮن ﻋﻠﯿﮫﺎ ،ﺟﺮى طﻔ ٌ ﻞ أﺳﻤﺮ اﻟﻠﻮن ،أﺟﻌﺪ اﻟﺸﻌﺮ إﻟﻰ ﺟﻮار ﻋﺮﺑﺘﻲ وھﻮ ﻳﻘﻮل ﻛﻠﻤﺘﯿﻦ ﺑﺪا ﻟﻲ أﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﯿﺪ ﻏﯿﺮھﻤﺎ: طﻌﺎم ﺳﯿﺪي ،طﻌﺎم ﺳﯿﺪي.أﻟﻘﯿﺖ إﻟﯿﻪ ﺑﺜﻤﺮة ُرﱠﻣﺎن أﺣﻀﺮت ﻋﺪًدا ﻣﻨﮫﺎ ﻣﻌﻲ ﻣﻦ »ﻳﺜﺮب« ،ﻓﺎﻟﺘﻘﻔﮫﺎ ﻓﻲ ﺳﻌﺎدة وھﻮ ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﺼﺪق ،ورآه ﺑﻌﺾ اﻷطﻔﺎل اﻷﻛﺒﺮ ﺳﻨﺎ ﻓﺠﺮوا ﺗﺠﺎھﻪ، ﻓﺎﻧﻄﻠﻖ ﻣﮫﺮوًﻻ ﻣﺤﺎوًﻻ اﻟﻔﺮار ﻣﻨﮫﻢ. ﻗﺎل )ﻟﯿﺚ( اﻟﺠﺎﻟﺲ إﻟﻰ ﺟﻮاري ﺣﺰﻳًﻨﺎ: زاد ﻓﻘﺮاء اﻟﺒﻠﺪة ،ﻟﻢ ﻧَﺮ ﻛﻞ ھﺆﻻء اﻷﺣﺒﺎش ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ. ﻗﺎل )دﻋﺲ( اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺴﺘﻠﻘﻲ ﺑﻈﮫﺮه ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮﺑﺔ ﻣﺴﻨًﺪا رأﺳﻪ إﻟﻰ ﺟﻮال اﻟﻄﺤﯿﻦ: ﻗﻠﱠﺖ اﻟﻘﻮاﻓﻞ إﻟﻰ »ﺑﻜﺔ« ﺑﻌﺪ أن ﺳﺮت أﻧﺒﺎء اﻟﺤﺮب ،ﻛﻤﺎ أن اﻟﻨﺎس ﻻ ﺗﺄﻣﻦ»ﺟﺮھﻢ« ﻋﻠﻰ أﻣﻮاﻟﮫﺎ. ﺗﻌﺠﺒﺖ ﻣﻦ أن ﻳﻌﺮف )دﻋﺲ( اﻟﻘﺎطﻦ ﻓﻲ »إدوم« أﺧﺒﺎر »ﺑﻜﺔ« اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﺑﯿﻦ ﺟﺒﺎل ﻓﺎران ،وﻟﻜﻨﻲ ﺗﺬﻛﺮت أﻧﻪ ﻻ ﺑﺪ وﻗﺪ ﺟﻤﻌﺘﻪ أﺣﺎدﻳﺚ ﻣﻊ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ( واﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﻋﻦ »ﺑﻜﺔ« وأﺣﻮاﻟﮫﺎ. ﻧﻈﺮت إﻟﻰ اﻟﻄﻔﻞ اﻷﺳﻤﺮ اﻟﺬي أدرﻛﻪ أﻗﺮاﻧﻪ ﻓﺄﺳﻘﻄﻮه أر ً ﺿﺎ وﺗﻘﺎﺳﻤﻮا ﻣﻌﻪ ﻤﺎ ﻋﻨﻪ ،ﺷﻌﺮت ﺑُﻐ ﱠ ﺛﻤﺮﺗﻪ رﻏ ً ﺼﺔ وﺷﻔﻘﺔ ﻋﻠﯿﻪ ،ﻻ ﻳﻮﺟﺪ أﻗﺴﻰ ﻣﻦ رؤﻳﺔ طﻔﻞ ﺟﺎﺋﻊ ،ﺣﻘﺎ إن اﻟﺤﺮوب ﻻ ﺗﺄﺗﻲ أﺑًﺪا ﺑﺨﯿﺮ ،ﻟﮫﺎ ﻟﮫﯿﺐ ﻳﻠﻔﺢ ﻛﻞ َﻣ ْ ﻦ ﺣﻮﻟﮫﺎ، واﻟﻌﺠﯿﺐ أن ﻣﻦ ﻳﺸﻌﻠﮫﺎ ھﻢ اﻟﻄﺎﻣﻌﻮن وﻣﻦ ﻳﻜﺘﻮي ﺑﻨﺎرھﺎ ھﻢ اﻟﻤﺴﺎﻛﯿﻦ! ﻞ ﺗﻸﻷت ﺻﺨﻮره ﺗﺤﺖ ﺑﺮﻳﻖ اﻟﺸﻤﺲ ،ﻓﺬﻛﺮﺗﻨﻲ ھﯿﺌﺘﻪ أدرت ﺑﺼﺮي إﻟﻰ ﺟﺒ ٍ ﺑﺠﺒﻞ ﺣﻮرﻳﺐ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ. ﻟﻤﺢ )ﻟﯿﺚ( ﻧﻈﺮاﺗﻲ ﻓﻘﺎل: -اﺳﻤﻪ )ﻋﺮﻓﺔ(. رﱠددت اﻻﺳﻢ ﺧﻠﻔﻪ: )ﻋﺮﻓﺔ(!ﻗﺎل )ﻟﯿﺚ(: ﻧﻌﻢ!ﻳﺼﻌﺪ إﻟﯿﻪ اﻟﺤﺠﯿﺞ ﻓﻲ أﺷﮫﺮ اﻟﺤﺞ ،ﻓﯿﻨﺎﺟﻮن اﻟﺮب وﻳﻌﺘﺮﻓﻮن ﺑﺬﻧﻮﺑﮫﻢ! ﻋﺠﯿﺐ أﻣﺮ ھﺆﻻء اﻟﻘﻮم! ﺟﻌﻞ اﻟﺮب ﻟﮫﻢ ﺟﺒًﻼ ﻣﻘﺪ ً ﺳﺎ ،ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺟﻌﻞ ﻟﻨﺎ ﺟﺒﻞ ﺣﻮرﻳﺐ ،ﺛﻢ ﺳﻤﺢ ﻟﮫﻢ ﺑﺄن ﻳﻨﺎﺟﻮه ﻣﻦ ﻓﻮﻗﻪ دون ﻧﺒﻲ ﻛﻠﯿﻢ أو ﻛﺎھﻦ! ﺗﺮى ﻛﯿﻒ ﻳﻜﻮن اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺬي أﻗﺎﻣﻪ ﻟﮫﻢ أﺑﻮﻧﺎ )إﺑﺮام( ﺑﯿﻦ ﺟﺒﺎل ﻓﺎران؟! رﺳﻤﺖ ﻟﻪ ﺻﻮرة ﻓﻲ ﻣﺨﯿﻠﺘﻲ ﻓﺒﺪا ﻛﺄﻧﻪ ﺧﯿﻤﺔ اﺟﺘﻤﺎع ﻋﻈﯿﻤﺔ ،ﻟﮫﺎ ﻣﺬﺑﺢ ﻓﺴﯿﺢ ﺗﺤﯿﻂ ﺑﻪ اﻟﻤﺒﺎﺧﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ ،وﻓﻲ اﻟﻘﻠﺐ ﻳﻘﻊ ﻗﺪس اﻷﻗﺪاس اﻟﺬي ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻓﯿﻪ اﻟﺮب ﻋﻠﻰ ﻛﺎھﻨﮫﻢ ،ﺛﻢ ﻣﺤﻮت ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻮرة ،ورﺳﻤﺖ ﺻﻮرة أﺧﺮى أﻓﺨﻢ وأﻛﺒﺮ ،ﻓﺮأﻳﺘﻪ ﻣﺜﻞ ﻣﻌﺎﺑﺪ اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ اﻟﻀﺨﻤﺔ اﻟﻤﮫﯿﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻸت أﻣﻲ رأﺳﻲ ﺑﺤﻜﺎوﻳﮫﺎ. ﻗﻄﻊ ﺗﻔﻜﯿﺮي ﺻﻮت )دﻋﺲ( وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﺟﻤﯿﻞ ھﺬا اﻟﺼﻨﺪوق ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﻳﺒﺪو ﻟﻲ ﻣﺜﻞ ﺻﻨﺎدﻳﻖ اﻷﻋﺮاس اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻨﻊ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ! أﺳﻘﻂ ﻓﻲ ﻳﺪي وﻧﻈﺮت ﺧﻠﻔﻲ ﻓﻮﺟﺪﺗﻪ وﻗﺪ أزاح ﻏﻄﺎء اﻟﻘﻤﺎش ﻣﻦ ﻓﻮق اﻟﺼﻨﺪوق ،وأﺧﺬ ﻳﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ اﻟﺼﻨﺪوق ﺑﻨﻈﺮة ﻣﺘﻔﺤﺼﺔ ﺑﮫﺎ ﻗﺪر ﻻ ﺑﺄس ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺎﺣﺔ ،ﻗﻠﺖ ﺣﺎﺳ ً ﻤﺎ: أھﺪﺗﻪ ﻟﻲ أﻣﻲ ،ﻓﺄﻣﻲ ﻣﺼﺮﻳﺔ!رﻓﻊ ﺣﺎﺟﺒﯿﻪ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﺣﻘﺎ!أﻋﺪت ﻏﻄﺎء اﻟﻜﺘﺎن ﻓﻮﻗﻪ وأﻧﺎ أﻗﻮل ﺑﻠﮫﺠﺔ ﻏﯿﺮ ودودة: أﺧﺸﻰ ﻋﻠﯿﻪ ﻣﻦ اﻷﺗﺮﺑﺔ ،ﻓﮫﻮ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻟﻲ ﻣﻦ ذﻛﺮى أﻣﻲ.اﺑﺘﺴﻢ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻣﺴﺘﮫﯿﻨﺔ ،ﺛﻢ اﺳﺘﻠﻘﻰ ﻋﻠﻰ ظﮫﺮه ﻣﺮة أﺧﺮى. ﺑﻌﺪ وﻗﺖ ﻏﯿﺮ طﻮﻳﻞ ،ارﺗﻔﻊ ﺻﻔﯿﺮ اﻟﺤﺎدي ﻓﺘﻮﻗﻔﺖ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻓﻲ ﺣﻲ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( أول اﻷﺣﯿﺎء ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« ﻣﻦ ﺟﮫﺔ اﻟﺸﻤﺎل؛ اﻟﺤﻲ ﻓﺴﯿﺢ ﻛﺒﯿﺮُ ،ﺑﻨﯿﺖ ﻣﻨﺎزﻟﻪ ﻣﻦ طﺎﺑﻖ واﺣﺪ ﺑﻠﺒﻨﺎت ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ ،وطﻠﯿﺖ ﺟﺪراﻧﻪ ﺑﺄﺻﺒﺎغ ﺣﻤﺮاء ،ﻣﯿﺰﺗﻪ ﻋﻦ ﺑﺎﻗﻲ اﻷﺣﯿﺎء ،ﻗﻔﺰ )ﻟﯿﺚ( و)دﻋﺲ( ﻣﻦ ﻓﻮق اﻟﻌﺮﺑﺔ ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺑﻘﯿﺖ أﻧﺎ ،اﻧﺘﻈﺮت طﻮﻳًﻼ ﻓﻲ ﻣﺮﺑﻂ اﻟﺪواب ﺣﺘﻰ أﻧﺎخ اﻟﺮﺟﺎل اﻹﺑﻞ ،وﺣﻤﻠﻮا ﺑﻀﺎﻋﺘﮫﻢ إﻟﻰ اﻟﺼﻮاﻣﻊ. رﺑﻄﺖ اﻟﻌﺮﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﺑﻂ وﺣﻤﻠﺖ ﺻﻨﺪوق أﻏﺮاﺿﻲ ،وﺳﺮت ﻓﻲ طﺮﻗﺎت اﻟﺤﻲ ﻻ أدري أﻳﻦ ﻳﻜﻮن ﻣﺒﯿﺘﻲ ،ﺟﺎءﻧﻲ ﺻﻮت )ﻟﯿﺚ( وھﻮ ﻳﻘﻒ ﻓﻲ ﻧﺎﻓﺬة ﻣﺤﻄﻤﺔ ﻷﺣﺪ اﻟﻤﻨﺎزل وإﻟﻰ ﺟﻮاره )دﻋﺲ(: ھﯿﺎ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ھﻨﺎ ﺳﯿﻜﻮن ﻣﺒﯿﺘﻚ!ﻛﺎن اﻟﻤﻨﺰل ھﻮ ﻣﻨﺰل اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ،اﻟﺬي ﺧﻼ ﻣﻦ رﺑِ ّﻪ وﻧﺴﺎﺋﻪ؛ اﻟﻤﻨﺰل ﻣﺘﺴﻊ ،ﺑﻪ ﺛﻼث ﺣﺠﺮات ﻣﺘﺘﺎﻟﯿﺔ ،ﻟﮫﺎ ﺳﻘﻒ ﻣﻦ ﺟﺮﻳﺪ اﻟﻨﺨﻞ ،ﺗﻔﺘﺢ أﺑﻮاﺑﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﻓﻨﺎء ﻓﺴﯿﺢ ﺑﻪ ﺧﺰاﻧﺔ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم ،وأرﻳﻜﺔ ﻣﻮ ﱠ ﺳﺪة ﺑﺠﻠٍﺪ وﺣﺸﻮه ﺔ ﻣﺒﺘﻮرة ُﻳﺤﻜِّﻜﻮن ﺑﮫﺎ اﻟﺨﯿﻞ اﻟ ُ ﻟﯿﻒ ،وﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻔﻨﺎء ُ ﻤﺠﺮﺑﺔ ،ﺑﺪا ﺟﺬﻳﻞ ﻧﺨﻠ ٍ اﻟﻤﻨﺰل ﻣﺘﺮﺑًﺎ ﺑﻔﻌﻞ اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ ،ورأﻳﺖ ﺑﻌﺾ أﺟﺰاء اﻟﺴﻘﻒ واﻟﻨﻮاﻓﺬ ﻣﺤﻄﻤﺔ ،ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أﻗﻒ ﻓﻲ اﻟﻔﻨﺎء ﺣﺎﻣًﻼ اﻟﺼﻨﺪوق: ﻳﺤﺘﺎج اﻟﻤﻨﺰل إﻟﻰ ﺗﻨﻈﯿﻒ وإﺻﻼح.ﻗﺎل )ﻟﯿﺚ(: ﻟﯿﺲ اﻵن ،ﺳﻨﺬھﺐ اﻵن ﻟﻨﻐﺘﺴﻞ ﻣﻦ »زﻣﺰم« ﺛﻢ ﻧﻄﻮف ﺑﺎﻟﺒﯿﺖ!ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﻔﺮح ،وأﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﻮق ﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﺒﯿﺖ: ﺣﻘﺎ!ﻗﺎل )ﻟﯿﺚ(: ﻧﻌﻢ ،ﻓﮫﺬا أول ﺷﻲء ﻳﻔﻌﻠﻪ اﻟﻘﺎدم إﻟﻰ »ﺑﻜﺔ«!ﺛﻢ أﺷﺎر إﻟﻰ إﺣﺪى اﻟﺤﺠﺮات وﻗﺎل: ﺿْﻊ أﻏﺮاﺿﻚ ھﻨﺎ!وﺣﯿﻦ دﺧﻠﺖ اﻟﺤﺠﺮة ﺷﻌﺮت ﺑﺄﻧﻔﺎس )أروى( ﺗﺘﺮدد ﺑﮫﺎ ،رأﻳﺖ ﺳﺮﻳﺮھﺎ اﻟﻤﻔﺮوش ﺑﻮﺑﺮ اﻹﺑﻞ وﻣﻨﻀﺪﺗﮫﺎ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺰال ﻋﻠﯿﮫﺎ ﻣﻜﺤﻠﺔ ﺟﻒ ﻛﺤﻠﮫﺎ ،وﻣﺮآة ﻣﻜﺴﻮر اﻧﻌﻜﺴﺖ ﻋﻠﯿﮫﺎ اﺑﺘﺴﺎﻣﺘﻲ وﻣﻼﻣﺢ وﺟﮫﻲ اﻟﻤﻐﺘﺒﻄﺔ! ∞∞∞∞∞ ﻟﻢ أﺟﺪه ﻛﺨﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع؛ ﻓﻼ ﺑﺨﻮر ،وﻻ ﻣﺬﺑﺢ ،وﻻ ﻗﺪس ﻟﻸﻗﺪاس ،وﻟﻢ أﺟﺪه ﻛﻤﻌﺎﺑﺪ اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ؛ ﻓﻼ أﻋﻤﺪة ،وﻻ ﻧﻘﻮش ،وﻻ ُﻧﺼﺐ ،ﻟﻢ أﺟﺪ ﺳﻮى ﺑﻨﺎء ﻣﻦ ﺿﻊ ﻓﻲ أﺣِﺪھﺎ ﺣﺠٌﺮ أﺳﻮد؛ ﺑﻨﺎًء ﻓﻄﺮﻳﺎ ﺑﺴﯿﻄًﺎ ﺑﺴﺎطﺔ اﻟﺤﺠﺮ ﺗﺴﺎوت أرﻛﺎُﻧﻪ ،وو ِ ﺔ وزﻳﻨﺔ ﺗَ َ ﺠﱡﺮد اﻟﻄﺎﺋﻔﯿﻦ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ، اﻟﺼﺤﺮاء ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ،ﻳﺘﺠﱠﺮُد ﻣﻦ ﻛﻞ أﺑﱠﮫ ٍ ﻏﻤﺮﺗﻨﻲ اﻟﺼﻔﻮف اﻟ ُ ﻤﺘَﺮ ِ ّ ﺟﻠﺔ ﺗﺠﺎھﻪ ﺑﺄﻣﻮاج ﻣﻦ اﻟﺘﺮاﺗﯿﻞ واﻟﺘﺴﺎﺑﯿﺢ ﻟﻢ أﻣ ِﯿ ّﺰ ﻣﻨﮫﺎ ُ ﺳﻮى ﺑﻌﺾ اﻟﻜﻠﻤﺎت ،ﻣﺜﻞ )ﻟﻠﺤﻲ أﺳﺒِ ّﺢ( و)ﻟﻠﻌﻈﯿﻢ أﺳﺠﺪ( ،وﺗﻠﺒﯿًﺔ ﺗﻌﻠﻮ ﻛﻞ ﻦ ﺣﺘﻰ ﺗﺼﻞ إﻟﻰ ﻋﻨﺎن اﻟﺴﻤﺎء ﻓﺘﻀﺊ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻮھﺞ ﻣﻦ اﻟﺴﻼم. ﺣﯿ ٍ ﺣﻔﻈﺘﮫﺎ ﻣﻦ أول ﻣﺮة ،وظﻠﻠﺖ أﻛﺮرھﺎ: »ﻟﺒﯿﻚ اﻟﻠﮫﻢ ﻟﺒﯿﻚ ،ﻟﺒﯿﻚ ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻚ ﻟﺒﯿﻚ« ،ﺣﺘﻰ ﻧﺪاؤھﻢ ﻛﺎن ﺑﺴﯿﻄًﺎ ﻣﺒﺎﺷًﺮا ﻳﺒﻠﻎ ﻣﻘﺼﺪه دون زﺧﺮﻓﺔ وﻻ إطﻨﺎب. ﻚ ﺑﻌﺪ أﺷﻮاط ﺛﻼﺛﺔ ،ﻛﺎن ﺟﺴﺪي ﻳﺪور ﻓﻲ ﻓﻠﻚ اﻟﺒﯿﺖ ،وروﺣﻲ ﺗﺪور ﻓﻲ ﻓﻠ ٍ أﻋﻠﻰ وأرﻗﻰ ،ﺷﻌﺮت ﺑﮫﺎ ﺗﺴﺒﺢ ﻓﻲ ﻣﺮاﺗﺐ ﻣﻦ اﻟﻨﺸﻮة ﻏﯿﺮ ﻣﺪرﻛﺔ ﻟﻸﺟﺴﺎد اﻟﻤﺤﯿﻄﺔ ﺑﮫﺎ ،ﻧﺸﻮة ﻟﻢ أﺷﻌﺮ ﺑﮫﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻓﻲ ﺻﻼﺗﻲ اﻟﺴﺎﻛﻨﺔ ،ووﺻﻠﺖ ذروﺗﮫﺎ ﻣﻊ اﻟﺸﻮط اﻷﺧﯿﺮ. ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻛﺪ أن ﻟﻠﺤﺮﻛﺔ ﺻﻨﯿﻌﮫﺎ ﻓﻲ ﺗﮫﯿﺌﺔ اﻟﻨﻔﺲ ﻟﻠﺨﺸﻮع واﻻﺳﺘﺴﻼم، ﺗﺬﱠﻛﺮت رﻗﺼﺎت اﻷﺣﺒﺎش اﻟﻤﺎﺟﻨﺔ ﻓﻲ ﺻﻼﺗﮫﻢ أﻣﺎم اﻹﻟﻪ )ﻋﺜﺘﺮ( وﺳﻘﻮطﮫﻢ ﻣﻐﺸﯿﺎ ﻋﻠﯿﮫﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺸﻮة واﻟﻤﺠﻮن ،ﻛﻼھﻤﺎ ﻧﺸﻮة ،وﻟﻜﻦ ﺷﺘﺎن ﺑﯿﻦ ﻧﺸﻮة اﻟﺴﻘﻮط وﻧﺸﻮة اﻟﺮﻗﻲ! اﻧﺘﮫﯿﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﻮاف وأﻧﺎ أﺷﻌﺮ ﺑ َ ﻜﯿﻨﺔ ،ﻻ أدري ﺳﺒﺒﮫﺎ؛ ﻓﺄﻧﺎ ﻣﺎ زﻟﺖ ﻏﯿﺮ ﻣﻮﻗﻦ ﺴ ِ ﺑﺄن ﻣﻼك اﻟﺮب ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﺒﯿﺖ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻓﻲ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ،وﻟﻜﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﻣﻮﻗﻦ ﺑﺄن رﺣﻤﺎت ﷲ ﻟﯿﺴﺖ ﺑﻌﯿﺪة ﻋﻦ ھﺬا اﻟﺒﯿﺖ ،أدرك اﻵن أن ﻟﮫﺬا اﻟﻤﻜﺎن ﻗﺪﺳﯿﺔ ﻟﻢ ﺗﻤﻨﺤﮫﺎ ﻟﻪ ﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﻨﺎس ﻋﻨﻪ ،وإﻧﻤﺎ ﻣﻨﺤﺘﮫﺎ ﻟﻪ ﺗﻠﻚ اﻟ ﱠ ﻜﯿﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻞ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺑﺎﺋﺲ، ﺴ ِ أﻟﻘﻰ ﺑﮫﻤﻮﻣﻪ ﻋﻠﻰ أﻋﺘﺎﺑﻪ. أﺧﺬﻧﻲ )ﻟﯿﺚ( ﻣﻦ ﻳﺪي وﻗﺎل: )ﺷﻤﻌﻮن(!ﺗﻌﺎ َ ل! ﺳﺄرﻳﻚ ﺷﯿًﺌﺎ ﺳﺘﺤﺒﻪ. ﺗﻮﺟﮫﻨﺎ إﻟﻰ ﺣﺠٍﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﯿﺖ أﺣﺎطﺖ ﺑﻪ ﺛﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،ﻓﺮﻏﻮا ﻟﺘﻮھﻢ ﻣﻦ اﻟﻄﻮاف ،ﻛﺎن ﺑﻌﻀﮫﻢ ﻳﻤﺴﺤﻪ ﺑﯿﺪه ﺛﻢ ﻳﻨﺼﺮف ،واﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ﻳﻨﺤﻨﻲ ﻟﻪ ﺳﺎﺟًﺪا ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻓُﯿﻘ ِﺒ ّﻠﻪ ﺛﻢ ﻳﻨﺼﺮف. اﻟﺤﺠﺮ ﺻﻐﯿﺮ أﺑﯿﺾ اﻟﻠﻮن ﻣﻄﻤﻮر ﺣﺘﻰ ﻣﻨﺘﺼﻔﻪ ﺑﺎﻟﺮﻣﺎل ،وﻗﻔﻨﺎ ﻗﺒﺎﻟﺘﻪ ،ﻓﺄﺷﺎر )ﻟﯿﺚ( إﻟﻰ ﺳﻄﺤﻪ وﻗﺎل: -اﻧﻈﺮ! ھﺬا أﺛﺮ ﻗﺪﻣﻲ أﺑﯿﻨﺎ )إﺑﺮاھﯿﻢ(! ﻣﱠﺮ ﻣﻦ أﻣﺎﻣﻲ رﺟ ٌ ﻞ ﻓﻤﺴﺢ اﻟﺤﺠﺮ ﺑﯿﺪه ﺛﻢ اﻧﺼﺮف ،ﺗﻄﻠﻌﺖ إﻟﻰ أﺛﺮ اﻟﻘﺪﻣﯿﻦ اﻟﻠﺘﯿﻦ ﺑﺪﺗﺎ ﺑﻼ أﺻﺎﺑﻊ. وﻗﻠﺖ ﻣﺸﺪو ً ھﺎ: ﺣﻘﺎ!ﻗﺎل ﻣﺘﺤﻤ ً ﺴﺎ: ﻧﻌﻢ ،ﻛﺎن ﻳﻘﻒ ھﻨﺎ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﺤﺠﺮ وھﻮ ﻳﺒﻨﻲ اﻟﺒﯿﺖ ،ﻓﻐﺎﺻﺖ ﻗﺪﻣﺎه ﻓﻲاﻟﺤﺠﺮ اﻟﻤﺒﺘﻞ وﺗﺮﻛﺖ أﺛًﺮا ﻟﻢ ﺗﻤﺤﻪ اﻟﺴﻨﻮن. اﻟﺤﺠﺎرة أﺻﺪق ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت داﺋ ً ﻤﺎ ،وﻧﻘﺶ ﻣﺜﻞ ھﺬا ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ ﻛﻞ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﺳﻤﻌﺘﮫﺎ ﻋﻦ ﺑﻨﺎء اﻟﺒﯿﺖ وﻳﺠﻌﻠﻨﻲ أراھﺎ ﺑﻌﯿﻨﻲ وأﻟﻤﺴﮫﺎ ﺑﯿﺪي. ﺴﻪ ﺑﺄﻧﺎﻣﻠﻲ. ھﻮي )ﻟﯿﺚ( ﻋﻠﯿﻪ ُﻣﻘﺒًﻼ ﺑﯿﻨﻤﺎ اﻛﺘﻔﯿﺖ أﻧﺎ ﺑﻤ ّ ِ ﺗﺬﻛﺮت ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ )ﺷﻤﻮع ﺑﻦ ذﻛﻮر( ﻋﻦ ﻗﺒﺮ أﺑﯿﻨﺎ )إﺑﺮام( ﻓﻲ اﻟﺨﻠﯿﻞ ،وﻋﻦ ﺑﯿﺘﻪ اﻟﺬي دﻧﺴﺘﻪ اﻷوﺛﺎن ،وﺑﺎﻷﺧﺺ ﺗﻤﺜﺎل ﻋﺸﺘﺎروت اﻟﻌﺎرﻳﺔُ ،ﺗﺮى ھﻞ أﻣﺮ اﻟﺮب أﺑﺎﻧﺎ )إﺑﺮام( ﺑﺄن ﻳﺒﻨﻲ ﻟﻪ ﺑﯿًﺘﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺤﺮاء ﻟﻌﻠﻤﻪ ﺑﻤﺎ ﺳﯿﺤﺪث ﻟﺒﯿﺘﻪ ﻓﻲ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ؟ أﺛﺎرت رؤﻳﺔ اﻟﺤﺠﺮ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﺷﺠﻮﻧًﺎ ،وﻋﺎودﺗﻨﻲ ذﻛﺮﻳﺎت ﻟﮫﻔﺔ أﺑﻲ ﻋﻠﻰ دﺧﻮل اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ أرض اﻵﺑﺎء واﻷﺟﺪاد! وازددت ﺣﻨًﻘﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺮﻛﻮا ﻗﺒﺮ أﺑﯿﻨﺎ ﻣﺪﻧ ً ﺴﺎ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻳﻘ ِّ ﺪس )ﺑﻨﻮ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( أﺛًﺮا ﻟﻘﺪﻣﻪ ﺣﯿﻦ ﺗﺮﻛﻨﺎ ﻣﻘﺎم )إﺑﺮاھﯿﻢ( ،وﺟﺪﻧﺎ اﻟﻨﺎس ﺗﺘﺰاﺣﻢ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺑﺌﺮ زﻣﺰم ،ظﻨﻨﺖ أن اﻟﺰﺣﺎم ﻷﺟﻞ اﻟﻤﺎء وﻟﻜﻨﻲ وﺟﺪت اﻟﻨﺎس ﺗﺘﺠﻤﻊ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺎت ﺣﻮل رﺟﻞ ﺗﻈﮫﺮ ﺑﺎﻟﻜﺎد رأﺳﻪ ﻓﻮق اﻟﺠﻤﻮع اﻟﻤﺤﯿﻄﺔ ﺑﻪ ،وھﻮ ل ،وﻳﺸﯿﺮ ﺑﺄﺻﺒﻌﻪ إﻟﻰ ﺗﻤﺜﺎﻟﯿﻦ ﺧﻠﻔﻪ ﻧﺤًﺘﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ ﻧﺤًﺘﺎ ﻳﺘﺤﺪث ﺑﺼﻮت ﻋﺎ ٍ ردﻳًﺌﺎ ،أﺣﺪھﻤﺎ ﻋﻠﻰ ھﯿﺌﺔ رﺟﻞ واﻵﺧﺮ ﻋﻠﻰ ھﯿﺌﺔ اﻣﺮأة ،ﻛﺎن اﻟﺮﺟﻞ ﻳﺘﺤﺪث ل أﻗﺮب إﻟﻰ اﻟﺼﺮاخ ﻓﺠﻤﻊ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ: ت ﻋﺎ ٍ ﺑﺼﻮ ٍ اﻧﻈﺮوا ﻳﺎ ﺣﺠﯿﺞ ﺑﯿﺖ ﷲ ،اﻧﻈﺮوا ﻳﺎ ﻋﺒﺎد اﻟﺮﺣﻤﻦ ،اﻧﻈﺮوا إﻟﻰ ﻏﻀﺐ ﷲوﺳﺨﻄﻪ ،ھﺬان َﻣ ْ ﻦ أﺗﯿﺎ ﺑﺎﻟﻔﺎﺣﺸﺔ ﻓﻲ ﺣﺠﺮ اﻟﻜﻌﺒﺔ ،وظﱠﻨﺎ أﻧﮫﻤﺎ ﺑﻤﻌﺰل ﻋﻦ ﻋﯿﻦ اﻟﺮب ،ﻗﺪ ﺟﻌﻠﮫﻤﺎ اﻟﺮب ﻣﺴﺨﯿﻦ ﻳﻄﻼن ﻋﻠﯿﻜﻢ ﻟﯿﺬﻛﺮاﻛﻢ ﺑﻘﺒﯿﺢ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺖ »ﺟﺮھﻢ«! ﺤﺠﺮ( ﻋﻦ )إﻳﺴﺎف( و)ﻧﺎﺋﻠﺔ(. ﺗﺬﻛﺮت ﻣﺎ ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻓﻲ )اﻟ ِ وﺗﺬﻛﺮت )اﻟﻐﻮث( ﺳﯿﺪ ﻗﺒﯿﻠﺔ »طﯿﺊ« وھﻮ ﻳﻀﺤﻚ وﺟﺴﺪه ﻳﺮﺗﺞ ﻓﻲ اﻟﻤﻐﻄﺲ ﻗﺎﺋًﻼ: »أي ﺷﯿﻄﺎن أوﺣﻲ إﻟﯿﮫﻢ ﺑﺄن ﻳﻀﻌﻮا ﺣﺠﺮﻳﻦ ﺑﯿﻦ »اﻟﺼﻔﺎ« و»اﻟﻤﺮوة« ﻓﻲ اﻟﻠﯿﻞ ،ﺛﻢ ﻳﺄﺗﻲ أﺣﺪھﻢ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ﻓﯿﺮوي ﻟﮫﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺼﺔ اﻟﺒﺬﻳﺌﺔ«. اﻷﺳﻄﻮرة أﺻﺒﺤﺖ اﻵن ﺧﺒًﺮا ُﻳﺮوى ﻳﺎ ﺳﯿﺪ )ﻏﻮث(! وﺣﻠﻔﺎء »ﺧﺰاﻋﺔ« ﻳﻠﺼﻘﻮﻧﮫﺎ بـ»ﺟﺮھﻢ« أﻣﺎم ﺳﻤﻊ وﺑﺼﺮ اﻟﺠﻤﯿﻊ! ﺳﻤﻌﺖ ﺑﯿﻦ اﻟﺼﻔﻮف ﺻﻮت اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻛﺬﺑﺖ وﻓﺴﻘﺖ ﻳﺎ رﺟﻞ!ﻛﺴﺮ اﻟﻨﺎس اﻟﺤﻠﻘﺔ ﺛﻢ أﻓﺴﺤﻮا طﺮﻓﯿﮫﺎ ،ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺢ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻔﮫﺎ ﻣﻮاﺟًﮫﺎ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻓﻮﺟﺌﺖ ﺑﻪ ﺷﺎﺑﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺘﺒﻞ اﻟﻌﻤﺮ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻌﺒﻮس. ﺐ ﻋﺎرٍم: ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻓﻲ ﻏﻀ ٍ ﺷﻌﺮ ُ ت أن ﻋﺎﻗﺒﺘﻪ ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻏﯿﺮ ﻣﺤﻤﻮدة: ﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﺴﺪﻧﺔ اﻟﺒﯿﺖ أن ﻳﺄﺗﻮا ﺑﻘﺒﯿﺢ ﻓﻲ ﺑﯿﺖ ﷲ اﻟﺤﺮام!ﺗﺠﻤﻊ ﺣﻮل اﻟﺸﺎب ﺑﻌﺾ رﻓﺎﻗﻪ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻘﻠﻮن ﻋﺒﻮ ً ﺳﺎ ﻋﻨﻪ ووﻗﻔﻮا إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻪ وﻛﺄﻧﮫﻢ ﻳﻈﮫﺮون اﻟﺪﻋﻢ ﻟﻪ. ﺗﺮدد اﻟﺸﺎب ﻗﻠﯿًﻼ أﻣﺎم ﻏﻀﺒﺔ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻗﺒﻞ أن ﻳﻘﻮل: ﻣﻦ أﻧﺖ أﻳﮫﺎ اﻟﻐﺮﻳﺐ؟!وﻛﯿﻒ ﺗﺤﻜﻢ ﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﺗَﺮ؟! ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( وھﻮ ﻻ ﻳﺰال ﻋﻠﻰ ﻏﻀﺒﺘﻪ: ﻏﺮﻳﺐ أﻧﺎ )دوﻣﺔ ﺑﻦ ﻋﺎﺑﺮ( ﺳﯿﺪ ﻗﺒﯿﻠﺔ )ﻳﻄﻮر ﺑﻦ ﻗﯿﺪار ﺑﻦ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ،ﻓﻤﻦأﻧﺖ ﻳﺎ وﻟﯿﺪ اﻷﻣﺲ؟! ارﺗﺒﻚ اﻟﺸﺎب ﺧﺼﻮ ً ﺻﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻋﻠﺖ ھﻤﮫﻤﺎت ﺳﺎﺧﺮة ﺑﯿﻦ رﺟﺎل ﻗﺒﯿﻠﺔ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(. ﻓﻘﺎل وھﻮ ﻳﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﻋﺒﻮس وﺟﮫﻪ ﻛﻲ ﻳﺨﻔﻲ ارﺗﺒﺎﻛﻪ: أﻧﺎ )إﻳﺎد ﺑﻦ اﻟﻤﻨﺬر( ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺗﯿﻤﺎء.ﺗﺬﻛﺮت أن ﻗﺒﯿﻠﺔ ﺗﯿﻤﺎء ﻣﻦ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ،وأن اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﻗﺪ ذﻛﺮ أن ﺑﻌﺾ ﻗﺒﺎﺋﻞ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﻗﺪ أﺻﺒﺤﺖ ﺗﺪﻋﻢ ﺧﺰاﻋﺔ. ﻓﻘﺎل اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ(: ﻣﻦ »ﺗﯿﻤﺎء«!وﻻ ﺗﺨﺠﻞ ﻣﻦ أن ﺗﻘﺪح ﻓﻲ أﺧﻮاﻟﻚ؟! ﻗﺎل اﻟﺸﺎب ﻓﻲ ﻋﻨﻒ: وأﻗﺪح ﻓﻲ آﺑﺎﺋﻲ وأﺟﺪادي ،إذا أﺗﻮا ﺑﻤﺎ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﺷﺮع اﻟﺮب!ﺛﻢ ﻗﺎل ﻣﺘﺠﺎوًزا ﻣﻘﺎم اﻷدب ﻣﻊ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ(: اﺳﻤﻊ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر ،ﻟﻦ ﻧﺒﺮح اﻟﺒﯿﺖ ﺣﺘﻰ ُﻧﺬﻛِّﺮ اﻟﻘﺎﺻﻲ واﻟﺪاﻧﻲ ﺑﻤﺎﻓﻌﻠﺘﻪ »ﺟﺮھﻢ« ﺑﺸﺮﻳﻌﺔ اﻟﺮب ،وﻟﻦ ﻳﻤﻨﻌﻨﺎ ﻣﺎﻧﻊ ﻣﻦ أن ﻧﺰﻳﻞ ﻋﻦ ھﺬا اﻟﺒﯿﺖ ﻣﺎ وﻗﻊ ﺑﻪ ﻣﻦ دﻧﺲ! ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻓﻲ ﻋﻨﻒ ﻣﻀﺎد: إن ﻛﺎن ھﻨﺎك ﻣﻦ دﻧﺲ ﻓﮫﻤﺎ ھﺬان اﻟﻨﺼﺒﺎن اﻟﻠﺬان ﻳﻨﻀﺤﺎن ﺑﮫﺘﺎﻧًﺎ وإﻓ ًﻜﺎ. ﻗﺎل اﻟﺸﺎب )إﻳﺎد( ﻓﻲ ذھﻮل: أﺗﺴﺐ آﻳﺔ اﻟﺮب وﺗﺼﻔﮫﺎ ﺑﺎﻟﺪﻧﺲ؟!اﻧﺤﻨﻰ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( واﻟﺘﻘﻂ ﺣﺠًﺮا ﻣﻦ اﻷرض ﺛﻢ ﻗﺬﻓﻪ ﺗﺠﺎه اﻟﺘﻤﺜﺎﻟﯿﻦ ،ﺛﻢ ﻗﺎل وﻗﺪ أذھﺐ اﻟﻐﻀﺐ ﻋﻘﻠﻪ: ﺑﻞ أرﺟﻢ آﻳﺔ اﻟﺸﯿﻄﺎن ،أﻳﮫﺎ اﻟﻠﻌﯿﻦ!ﺑﮫﺖ اﻟﻨﺎس وﺗﺮاﺟﻌﻮا ﻣﺬھﻮﻟﯿﻦ ،وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗﻮﻗﻌﻮا أن ﺗﺴﻘﻂ ﻋﻠﯿﮫﻢ ﺻﺎﻋﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ،واﻧﺘﻔﺨﺖ ﺳﻮاﻋﺪ اﻟﺸﺎب وﻛﺄﻧﻤﺎ راودﺗﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ اﻻﻧﻘﻀﺎض ﻋﻠﻰ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ،ﻟﻮﻻ أن أﻣﺴﻚ ﺑﻌﻀﺪه زﻣﻼؤه. واﻟﺘﻘﺖ ﻧﻈﺮات ﺷﺎب ﺗﺮى اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺛﻘﺐ ﺿﯿﻖ ﻓﻲ ﺛﻮب أﺳﻮد ﻣﻊ ﻧﻈﺮات ﺷﯿﺦ ﻳﺮى اﻟﺪﻧﯿﺎ ﺑﻌﯿﻦ اﻟﻐﻀﺐ. ﺛﻢ رﻓﻊ اﻟﺸﺎب ﺳﺒﺎﺑﺘﻪ وﻗﺎل وﺟﺴﺪه ﻳﻨﺘﻔﺾ ﻏﻀﺒًﺎ: ﺳﺘﻨﺪم أﻳﮫﺎ اﻟﺸﯿﺦ!ﺳﺘﻨﺪم ﻋﻠﻰ ُﻧﺼﺮة َﻣ ْ ﻦ دﻧﱠﺲ ﺑﯿﺖ ﷲ اﻟﺤﺮام! وإ ﱠ ن ﻏًﺪا ﻟﻨﺎظﺮه ﻗﺮﻳﺐ. ﺛﻢ اﻧﺼﺮف ﻣﻊ زﻣﻼﺋﻪ ﺗﺎرًﻛﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﺳﺆاًﻻ: ﻟﻤﺎذا ﻳﻜﻮن داﺋ ً ﻤﺎ ﻳﻮﻣﻨﺎ اﻷول ﻓﻲ أي ﻣﺪﻳﻨﺔ ھﻮ اﻷﺳﻮأ ﻋﻠﻰ اﻹطﻼق؟! وﻋﺪﻧﺎ أﻧﺎ و)ﻟﯿﺚ( إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺰل ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ذھﺐ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻣﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﺠﺮاھﻤﺔ ﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث اﻟﺠﺮھﻤﻲ( ﻓﻲ ﺳﻘﯿﻔﺘﻪ. ﺠﺮار وﺣﯿﻦ وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺰل ﻟﻢ ﻧﺠﺪ ﻓﯿﻪ )دﻋﺲ( وﻟﻜﻨﻲ رأﻳﺖ ﺟﱠﺮًة زرﻗﺎء ﻣﻦ اﻟ ِ اﻹدوﻣﯿﺔ ﻣﻜﺴﻮرة وﻣﺤﻄﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺘﺒﺔ اﻟﺒﺎب ،أزاح )ﻟﯿﺚ( ﺣﻄﺎم اﻟﺠﱠﺮة ﺑﻘﺪﻣﻪ دون أن ﻳﻌﯿﺮھﺎ اھﺘﻤﺎًﻣﺎ ،وﻟﻜﻨﻨﻲ وﻗﻔﺖ أﻣﺎﻣﮫﺎ ﻟﺒﺮھﺔ أﺗﺄﻣﻠﮫﺎ ،أﺛﺎر ﺣﻄﺎم اﻟﺠﱠﺮة ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ظﻨﻮﻧًﺎ ورﻓﻊ ﺑﻌﻀﮫﺎ إﻟﻰ درﺟﺔ اﻟﻤﺨﺎوف ،ﺟﺮﻳﺖ إﻟﻰ ﻏﺮﻓﺘﻲ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ وﻓﺘﺤﺖ ﺑﺎﺑﮫﺎ ،ﺗﻮﺟﮫﺖ إﻟﻰ اﻟﺼﻨﺪوق واﻧﺤﻨﯿﺖ أﻓﺘﺤﻪ ،ﻛﺎن ﻛﻞ ﺷﻲء ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺮام ،أﻏﻠﻘﺖ اﻟﺼﻨﺪوق وﺟﻠﺴﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺮاش وأﻧﺎ أﺗﻨﮫﺪ ،ﺷﻌﺮت ﺑﻠﻮم ﻋﻠﻰ ﺳﻮء ظﻨﻲ ،وﻟﻜﻦ ھﺎﺟ ً ﺴﺎ ظﻞ ﻳﻨﺨﺴﻨﻲ ﺑﺄﻧﻨﺎ ﻧﺆوي ذﺋﺒًﺎ ﻓﻲ دارﻧﺎ. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ واﻟﺜﻼﺛﻮن اﻷﻳﺎم اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ ﻛﺎﻧﺖ ھﺎدﺋﺔ ،اﻓﺘﺮﺷﻨﺎ اﻷرض ،ووﺿﻌﻨﺎ ﺑﻀﺎﻋﺘﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﻻ ﻳﺒﻌﺪ ﻛﺜﯿًﺮا ﻋﻦ ﻣﻮﺿﻊ أﺣﺪاث اﻟﯿﻮم اﻷول ،ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﮫﺘﻨﺎ ﻧﺮى اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻨﻘﻄﻊ ﻋﻨﻪ اﻟﻄﺎﺋﻔﻮن واﻟﻌﺎﻛﻔﻮن وإﻟﻰ اﻟﯿﺴﺎر ﻧﺮى ﺗﻤﺜﺎﻟﻲ )إﻳﺴﺎف( و)ﻧﺎﺋﻠﺔ( ،اﻟﻠﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻨﻘﻄﻊ ﻋﻨﮫﻤﺎ اﻟﺰاﺋﺮون أﻳ ً ﻀﺎ. اﻟﻨﺎس ﺗﻨﺘﮫﻲ ﻣﻦ طﻮاﻓﮫﺎ ﺛﻢ ﺗﺬھﺐ ﻟﺮؤﻳﺔ آﻳﺔ اﻟﺮب اﻟﺘﻲ ﺣﻠﺖ ﻋﻘﺎﺑًﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺨﻄﺌﯿﻦ ،اﻟﺴﻮق ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« ھﻲ اﻟﻤﻨﺘﮫﻰ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻤﻊ اﻟﺠﻤﯿﻊ ،اﻟﻐﺮﻳﺐ ﻋﻦ اﻟﻤﻜﺎن ﻳﺪرك ﻣﻊ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻷوﻟﻰ أﻧﻪ ﻟﻮﻻ اﻟﺒﯿﺖ ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ »ﺑﻜﺔ«! ﻻ ﺷﻲء ﻳﻐﺮي ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻮادي اﻟﻤﻘﻔﺮ. ﻻ ﺑﺪ وأن أﺑﺎﻧﺎ )إﺑﺮام( ﻗﺪ ﺗﻌﺠﺐ ﻣﻦ اﺧﺘﯿﺎر اﻟﺮب ﻟﮫﺬا اﻟﻤﻜﺎن اﻟﻤﻮﺣﺶ اﻟﻤﺤﺎط ﺑﺎﻟﺠﺒﺎل ﻛﻲ ﻳﺒﻨﻲ ﻓﯿﻪ ﺑﯿﺘﻪ! أﺷﻌﺮ اﻵن ﺑﺄن ھﺬا اﻟﺒﯿﺖ ھﻮ ﺧﺒﯿﺌﺔ اﻟﺮب ،اﻟﺘﻲ أﻣﺮ ﻧﺒﯿﻪ ﺑﺈﺧﻔﺎﺋﮫﺎ ﻓﻲ ﻋﻤﻖ اﻟﺼﺤﺮاء ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ أﻋﯿﻦ اﻟﻤﻤﺎﻟﻚ ،ﺣﺘﻰ إذا ﺗﺪﻧﺴﺖ ﺑﯿﻮﺗﻪ اﻷﺧﺮى ،وﺟﺪ اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن ﻟﮫﻢ ﺑﯿًﺘﺎ ﻳﻌﺒﺪوﻧﻪ ﻓﯿﻪ. اﻟﺴﻮق ھﻨﺎ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺳﻮق ﺑﺼﺮى ،ﻻ ﺣﻮاﻧﯿﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ ،وﻻ ﺻﻮاﻣﻊ ﺿﺨﻤﺔ ،وإﻧﻤﺎ ﺧﯿﺎ ٌ م ﺗﻨﺼﺐ وأﻣﺎﻣﮫﺎ ﺗﻔﺮش اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ. واﺧﺘﻠﻔﺖ أﺣﺠﺎم اﻟﺨﯿﺎم ﺑﺤﺠﻢ ﺛﺮاء ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ؛ ﺧﯿﻤﺔ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث اﻟﺠﺮھﻤﻲ( ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺑﻌﯿﺪة ﻋﻨﺎ ،اﻟﺨﯿﻤﺔ ﻛﺒﯿﺮة ﺑﺪﻳﻌﺔ ﻛﻤﻨﺰل أﻗﯿﻢ ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش، أﻣﺎﻣﮫﺎ ﻓﺮﺷﺖ ﺑﻀﺎﻋﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮم ﺑﺒﯿﻌﮫﺎ أﻗﺎرﺑﻪ وأﺑﻨﺎء ﻋﻤﻮﻣﺘﻪ ،إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﺨﯿﻤﺔ رﺑﻄﺖ ﺧﻤﺲ ﻧﻮق ُﻓﻘﺌﺖ ﻋﯿﻦ ﻟﻜﻞ واﺣﺪة ﻣﻨﮫﺎ ،ﻋﻠﻤﺖ أن ھﺬا ﻣﻘﯿﺎس ﻟﺜﺮاء اﻟﺸﺨﺺ ،ﻛﻞ ﻋﯿﻦ ﻣﻔﻘﻮءة ﺗﻌﻨﻲ أﻟﻒ ﻧﺎﻗﺔ! أي أن )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﻳﻤﺘﻠﻚ وﺣﺪه ﺧﻤﺴﺔ آﻻف ﻧﺎﻗﺔ! ﻟﻢ أره ﻓﻲ اﻟﺴﻮق وﻻ ﺣﻮل اﻟﺒﯿﺖ ﻓﻲ أﻳﺎﻣﻲ اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« ،ﻛﺎن ﻻ ﻳﻐﺎدر ﺳﻘﯿﻔﺘﻪ اﻟﻤﻌﺮوﺷﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﺎﻣﮫﺎ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﻗﺮﻳﺐ اﺳﻤﻪ »أﺟﯿﺎد« ،ﻋﻠﻤﺖ أﻳ ً ﻀﺎ أن ھﺬا اﻟﻤﻜﺎن ھﻮ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﺬي وطﺌﺖ ﻓﯿﻪ ﺟﯿﺎد ﺟﺪه )اﻟﻤﻀﺎض( ﺧﯿﻞ أﻋﺪاﺋﻪ، ﻓﺄﺳﻤﺎه اﻟﻨﺎس »أﺟﯿﺎد«. ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺎح ﻛﻨﺖ أﻗﻒ إﻟﻰ ﺟﻮار )ﻟﯿﺚ( أﻣﺎم ﺧﯿﻤﺘﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻮق ﻧﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ ﺑﺎﻋﺔ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ وھﻢ ﻳﺒﯿﻌﻮن ﺑﻀﺎﻋﺘﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻨﺎس ،أﻋﺪاد اﻟﻤﺸﺘﺮﻳﻦ ﻟﯿﺴﺖ ﻛﺒﯿﺮة ،اﻟﻨﺎس ُﺗﻘ ِﻠ ّﺐ ﻓﻲ أواﻧﻲ اﻟﻔﺨﺎر اﻹدوﻣﻲ وأﻋﯿﻨﮫﻢ ﺗﺪور ﻋﻠﯿﮫﺎ ﺛﻢ ﻳﺘﺮﻛﻮﻧﮫﺎ وﻳﺸﺘﺮون اﻟﺤﻨﻄﺔ واﻟﺤﺒﻮب ،ﺗﻔﻘﺪ اﻟﺰﻳﻨﺔ ﻗﯿﻤﺘﮫﺎ ﻓﻲ أوﻗﺎت اﻟﺸﺪة أو رﺑﻤﺎ ﺗﻜﻦ ھﺬه ھﻲ ﻗﯿﻤﺘﮫﺎ اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ! ﻗﻠﺖ لـ)ﻟﯿﺚ(: ُﻧﺨِّﻔﺾ ﺳﻌﺮھﺎ ﻗﻠﯿًﻼ ﻛﻲ ﺗﺒﺎع.ﻗﺎل: ﻟﻢ ﻳﺮ َض ﻋﻤﻲ )دوﻣﺔ( ﺑﺬﻟﻚ. ﻗﺎل ﻟﻲ: »ﻻ ﻳﮫﺎن اﻟﺬھﺐ إذا ﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﻣﻦ ﻳﺸﺘﺮﻳﻪ«. أﻋﺠﺒﺘﻨﻲ ﻣﻘﻮﻟﺘﻪ ،ﻓﮫﻲ ُﺗﻠ ِ ّ ﺨﺺ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ اﻋﺘﺰاز ﺑﻨﻔﺴﻪ وﺑﻀﺎﻋﺘﻪ! ﻗﻠﺖ لـ)ﻟﯿﺚ(: أرﻳُﺪ أن أﺑﺪأ ﻋﻤﻠﻲ ﻓﻲ اﻟﻨﺠﺎرة ،ﻣﻦ أﻳﻦ ﻟﻲ ﺑﺎﻷﺧﺸﺎب؟!ﻓﻜﺮ ﻗﻠﯿًﻼ ،ﺛﻢ ﻗﺎل: اﻷﺧﺸﺎب ﻳﺄﺗﻮن ﺑﮫﺎ ﻣﻦ ﺷﻌﺎب »ﺑﻜﺔ« وﻣﻦ أﺣﺮاش ﺗﻨﻤﻮ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺮىاﻟﻮادي. ﺟﺎءﺗﻨﻲ ﻓﻜﺮة أن أﺧﺮج ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ﻛﻞ ﻳﻮم ،ﻓﺄﺟﻤﻊ اﻷﺧﺸﺎب ﺛﻢ أﻋﻮد ﻗﺒﻞ أن ﻳﺤﻞ اﻟﻤﺴﺎء ،ھﺬا أﻓﻀﻞ ﻣﻦ اﻟﺠﻠﻮس ﻓﻲ اﻟﺴﻮق ﺑﻼ ﻋﻤﻞ ﺣﻘﯿﻘﻲ، ﻓﺄﻋﺪاد اﻟﺒﺎﻋﺔ ﺗﻔﻮق أﻋﺪاد اﻟﻤﺸﺘﺮﻳﻦ! ﺑﻌﺪ اﻟﻈﮫﯿﺮة ،ﻋﺮﺟﺖ إﻟﻰ ﻣﻨﺰل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻛﻲ أﺳﺘﺄذﻧﻪ ﻓﻲ أن أﺑﺪأ ﻋﻤﻠﻲ ﻣﻨﻔﺮًدا ،وﻟﻌﻠﻲ اﺗﺨﺬﺗﮫﺎ ذرﻳﻌﺔ ﻛﻲ أراه ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻳﻠﺰم ﺑﯿﺘﻪ أﻏﻠﺐ اﻷوﻗﺎت ،وﻛﺄﻧﻤﺎ أراد أن ﻳﻌﺘﺰل اﻟﺠﺪل اﻟﺪاﺋﺮ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ أﻣﺮ »ﺧﺰاﻋﺔ« و»ﺟﺮھﻢ«. طﺮﻗﺖ اﻟﺒﺎب ﻓﻔﺘﺤﺖ ﻟﻲ ﺧﺎدﻣﺘﻪ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻲ: اﻟﺸﯿﺦ ﻓﻲ ﻗﯿﻠﻮﻟﺘﻪ!ﻗﺒﻞ أن أﻧﺼﺮف ،ﺟﺎء ﺻﻮت اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ: أدﺧﻠﯿﻪ ﻳﺎ أم ﺳﻌﺪ.دﺧﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺰل اﻟﻤﺮﺗﺐ اﻟﻨﻈﯿﻒ واﻟﺒﺴﯿﻂ أﻳ ً ﻀﺎ ،ﺑﺪا ﻟﻲ أﻧﻪ أﺻﻐﺮ ﻣﻦ ﻣﻨﺰل اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ،ﻓﺒﻪ ﺣﺠﺮﺗﺎن ﻓﻘﻂ وﻓﺴﺤﺔ ﺻﻐﯿﺮة ﺑﮫﺎ ﺧﺰاﻧﺔ ﻟﻠﻄﻌﺎم. دﺧﻠﺖ إﻟﻰ ﺣﺠﺮة اﻟﺸﯿﺦ ﻓﻮﺟﺪﺗﻪ ﻣﻤﺪًدا ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻳﺮ ﻳﺮﺗﻔﻊ ﻗﻠﯿًﻼ ﻋﻦ اﻷرض، ﺟﻠﺴﺖ اﻟﻘﺮﻓﺼﺎء إﻟﻰ ﺟﻮاره وﻗﺒﱠﻠﺖ ﻳﺪه ،رﻓﻊ ﻳﺪه ورﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻛﯿﻒ ﺣﺎﻟﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(؟!ﻗﻠﺖ ﻣﻤﺘﻨﺎ: ﺑﺨﯿﺮ ﺣﺎل طﺎﻟﻤﺎ إﻟﻰ ﺟﻮارك ﻳﺎ ﺷﯿﺨﻲ اﻟﺤﺒﯿﺐ.ارﺗﺴﻤﺖ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ اﻟﺬي ﺑﺪا ﻟﻲ أﻛﺜﺮ ﻧﺤﻮًﻻ ﻋﻦ ذي ﻗﺒﻞ ﻓﺄﻋﺎدت إﻟﯿﻪ ﺿﯿﺎًء ﻏﺎب ﻋﻨﻪ ﻣﻨﺬ ﻣﺎت وﻟﺪه اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻲ: ھﻞ ﺗﻌﺠﺒﻚ »ﺑﻜﺔ« أم ﻻ ﻳﺰال ﻗﻠﺒﻚ ﻣﻌﻠًﻘﺎ ﺑﺎﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ؟!ﺿﺤﻜﺖ وأﻧﺎ أﻗﻮل: ﻗﻠﺒﻲ أﺻﺒﺢ ﻣﻌﻠًﻘﺎ بـ»ﻗﺎدش ﺑﺮﻧﯿﻊ« ،وﺑﺎﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،وبـ»ﻳﺜﺮب«،وبـ»ﺑﻜﺔ« أﻳ ً ﻀﺎ. وﻻ أدري ﻛﯿﻒ ﺳﯿﺘﺴﻊ ﻟﻜﻞ ھﺆﻻء؟! ﻗﺎل وﻗﺪ زادت اﺑﺘﺴﺎﻣﺘﻪ: ذﻟﻚ ﻗﻠﺐ اﻟﻤﺆﻣﻦ ،ﻻ ﺗﺴﻌﻪ أرض وﻳﺴﻊ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﺑﺤﺎﻟِﮫﺎ.اﺳﺘﺄذﻧﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﻨﺠﺎرة ﻛﻤﺎ ﻋﺰﻣﺖ ،وأن اﺑﻨﻲ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﺑﯿًﺘﺎ ﻣﻨﻔﺮًدا ﻓﻲ أطﺮاف »ﺑﻜﺔ« ،ﻓﺄذن ﻟﻲ ﺑﺎﻷوﻟﻰ وﻟﻜﻨﻪ ﺗﺮدد ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻛﻦ ﺑﯿﻨﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻲ ذﻟﻚ أﻓﻀﻞ ﻓﻲ اﻷﻳﺎم اﻟﻘﺎدﻣﺔ.ﺗﺮددت ﻗﻠﯿًﻼ ﻗﺒﻞ أن أﻣﯿﻞ ﻋﻠﻰ أذﻧﻪ وأھﻤﺲ ﻟﻪ ﺑﺸﻜﻮﻛﻲ ﺣﻮل )دﻋﺲ( ،ﺑﺪا ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ ﻋﺪم اﻟﺘﺼﺪﻳﻖ ،وﻟﺮﺑﻤﺎ ظﻦ أن اﺣﺘﻔﺎظﻲ ﺑﺎﻟﺬھﺐ ﺳﯿﺠﻌﻠﻨﻲ أﺗﺸﻜﻚ ﻓﯿﻤﻦ ﺣﻮﻟﻲ ،ﻓﻘﺎل ﺑﺼﻮت ﺧﻔﯿﺾ: إن ﺷﺌﺖ أﺣﻀﺮت اﻟﺼﻨﺪوق إﻟﻰ ھﻨﺎ!ﻗﻠﺖ ﻣﺘﺤﯿًﺮا: ﻓﻜﺮت ﻓﻲ ھﺬا اﻷﻣﺮ أﻳ ًﻀﺎ وﻟﻜﻨﻲ أﺧﺸﻰ أن أﺛﯿﺮ ﺷﻜﻮﻛﻪ ﻧﺤﻮ اﻟﺼﻨﺪوق. ﺻﻤﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ ﺗﻨﮫﺪ ﻗﺎﺋًﻼ: أراك ﺗﺜﻘﻞ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻚ وﻋﻠﻰ اﻟﺮﺟﻞ ﺑﻈﻨﻮﻧﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻣﺎ رأﻳﻨﺎ ﻣﻨﻪ إﻻإﺧﻼ ً ﺻﺎ وودا ﺗﺠﺎه وﻟﺪﻧﺎ )ﻧﺎﺑﺖ(. وﺣﯿﻦ ذﻛﺮ اﺳﻢ وﻟﺪه ،رأﻳﺖ اﻟﺪﻣﻮع ﺗﻄﻔﻮ إﻟﻰ ﻣﻘﻠﺘﯿﻪ ،ﻓﺂﺛﺮت أﻻ أﻧﺒﺶ ﺑﻜﻠﻤﺎﺗﻲ أﺣﺰاﻧﻪ وﻗﻠﺖ ﻣﻐﯿًﺮا ﻣﺠﺮى اﻟﺤﺪﻳﺚ: ﻞ ،ﻓﺂﺧﺪ دﻗﻤﺎﻗﻲ أﺗﺪري ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،ﺗﺤﺪﺛﻨﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﺄن أﺧﺮج ﺑﻠﯿ ٍوإزﻣﯿﻠﻲ وأﻧﺴﻒ رأﺳﻲ )إﻳﺴﺎف( و)ﻧﺎﺋﻠﺔ(! اﺑﺘﺴﻢ وﻗﺎل: ﺣﺘﻰ أﻧﺖ ﺗﺼﺪق ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮن!ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أھﺰ رأﺳﻲ ﻧﻔﯿًﺎ: ﻛﻼ ،وﻟﻜﻨﻲ أﻛﺮه ﻗﺒﺢ اﻟﺘﻤﺜﺎﻟﯿﻦ ،ﻛﺎﻧﺖ أﻣﻲ ﺗﺤﺪﺛﻨﻲ ﻋﻦ ھﯿﺒﺔ ﺗﻤﺎﺛﯿﻞاﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ وﺟﻤﺎﻟﮫﺎ ،ورأﻳﺖ ﺑﺮاﻋﺔ زوج ﻋﻤﺘﻲ )اﻟﺸﺎﻣﺮي( ﻓﻲ اﻟﻨﺤﺖ ،وﻟﻜﻦ ھﺬا اﻟﻘﺒﺢ اﻟﻤﺠﺎور ﻟﻠﺒﯿﺖ ﻳﺰﻳﻞ ﻋﻦ اﻟﻨﻔﺲ ﻛﻞ ﺻﻔﺎء ﺑﻌﺪ اﻟﻄﻮاف ،وﻣﻤﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﻗﺒﺤﮫﻤﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺮواﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺪاوﻟﮫﺎ أﻧﺼﺎر »ﺧﺰاﻋﺔ« ﺗﺤﺖ أﻗﺪام اﻟﺘﻤﺜﺎﻟﯿﻦ. ھﺰ رأﺳﻪ ﺗﺄﺳًﻔﺎ ،ﻓﺘﺎﺑﻌﺖ: أﺗﺪري ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،أن أﻋﺪاد اﻟﻨﺎس ﺣﻮل اﻟﺘﻤﺜﺎﻟﯿﻦ ﺗﻔﻮق أﻋﺪاد اﻟﻄﺎﺋﻔﯿﻦأﺣﯿﺎﻧًﺎ؟! وأﻛﺎد أﻗﺴﻢ أﻧﻨﻲ أرى ﻓﻲ ﻋﯿﻮﻧﮫﻢ رھﺒًﺔ وﺧﻮًﻓﺎ أﻣﺎم اﻟﺘﻤﺜﺎﻟﯿﻦ أﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ أراھﺎ ﻋﻠﻰ وﺟﻮھﮫﻢ أﺛﻨﺎء اﻟﻄﻮاف ،ﻳﻨﻈﺮون إﻟﯿﮫﻤﺎ ﻋﻠﻰ أﻧﮫﻤﺎ آﻳﺔ ﻣﻦ آﻳﺎت ﻏﻀﺐ اﻟﺮب ،وﻳﺨﺸﻮﻧﮫﻤﺎ وﻳﻘﻔﻮن أﻣﺎﻣﮫﻤﺎ ﺑﺨﺸﻮع ﻳﻔﻮق ﺧﺸﻮﻋﮫﻢ ﻓﻲ اﻟﺼﻼة. ﻗﺎل ﻓﻲ أﺳﻒ: ﺷﺠﺮة اﻹﻓﻚ ﺗﺘﺮﻋﺮع ﺣﯿﻦ ُﺗﺴﻘﻰ ﺑﻤﺎء اﻟﻜﺬب ،وﻳﻤﺪ اﻟﺸﯿﻄﺎن ﻓﻲ ظﻠﮫﺎ!ﺛﻢ اﻧﻘﺒﺾ وﺟﮫﻪ ﺣﺰﻧًﺎ وھﻮ ﻳﺘﺎﺑﻊ: ﻟﻦ ﺗﻨﺘﮫﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺧﯿﺮ!ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: وﻣﺎ اﻟﻌﻤﻞ؟ﻗﺎل: ُﺗﺼﻠﺢ »ﺟﺮھﻢ« ﻣﻦ ﺷﺄﻧﮫﺎ ،ﻓﺎﻟﻨﺎس ﺗﻤﯿﻞ إﻟﻰ اﻟﻌﺪل ،ﻓﺈن ﻟﻢ ﻳﺠﺪوه ،ﻣﺎﻟﻮاإﻟﻰ اﻟﻘﻮة أﻣًﻼ ﻓﯿﻪ ،وﻻ ﺧﯿﺮ ﻓﻲ إذا ﻗﺪﻣﺖ اﻟﻘﻮة ﻋﻠﻰ اﻹﺻﻼح ،اﺳﻤﻊ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ! اﺟﻌﻞ ﻧﮫﺠﻚ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة اﻹﺻﻼح ﻣﺎ اﺳﺘﻄﻌﺖ؛ ﻓﺬاك ھﻮ ﻧﮫﺞ اﻷﻧﺒﯿﺎء. ﻗﻠﺖ ﻣﺘﺮدًدا: وﻣﺎذا إذا ﺑﻐﻰ اﻟﺸﺮ ،أﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎج اﻷﻣﺮ إﻟﻰ ﻗﻮة ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﯿﻪ؟!ﻗﺎل: -اﺟﻌﻞ ﻗﻮﺗﻚ ﻓﻲ ﺗﻘﻮﻳﻢ اﻟﻤﻌﻮج ﻻ ﻓﻲ ﻛﺴﺮه! ﻟﻮ أراد ﷲ ﻟﻨﺎ ﺣﯿﺎة ﺑﻼ ﺷﺮور ﻟﻤﺎ أﺗﯿﻨﺎ إﻟﻰ ھﺬه اﻟﺪﻧﯿﺎ. ﻗﻠﺖ: اﻟﻨﻔﺲ ﺗﻤﯿﻞ إﻟﻰ اﻟﻨﯿﻞ ﻣﻤﻦ ظﻠﻤﮫﺎ ،وﻟﺴﻨﺎ ﺣﺠﺎرة ﺑﻼ أرواح.ﻗﺎل: ذﻟﻚ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﺸﯿﻄﺎن ،ﻳﻐﺮي ﺑﻪ ﺻﺎﺣﺒﻪ ،ﻛﻲ ﻳﺒﺪل ﻋﻠﯿﻪ ﻏﺎﻳﺘﻪ.ﻣﻦ أراد اﻟﺨﯿﺮ ﻋﻔﺎ وأﺻﻠﺢ ﻋﻨﺪ اﻟﻤﻘﺪرة. ﻗﻠﺖ دون ﻗﺼﺪ: أراك ﺗﻤﯿﻞ إﻟﻰ اﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ »ﺟﺮھﻢ« ،وﺗﺘﻮﺟﺲ ﻣﻦ أﻣﺮ »ﺧﺰاﻋﺔ« ،ﻓﻠﻤﺎذا ﻻﺗﻨﻀﻢ إﻟﯿﮫﻢ ﻓﻲ )ﺳﻘﯿﻔﺔ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث(؟ أرى اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻳﺠﻤﻊ رؤﺳﺎء اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﯿﺞ ،وﻳﺨﻄﺐ ﻓﯿﮫﻢ ﻛﻲ ﻳﺴﺘﻤﯿﻠﮫﻢ إﻟﻰ ﺣﻠﻒ ﻳﺠﺎﺑﮫﻮن ﺑﻪ »ﺧﺰاﻋﺔ«. ﺷﻌﺮت ﺑﺨﻄﺌﻲ ﺣﯿﻦ رأﻳﺖ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ اﻟﻐﻀﺐ ﻷول ﻣﺮة ﻣﻨﺬ رأﻳﺘﻪ ﻓﻲ »ر ّ ﺳﻪ« وأﻧﺎ طﻔﻞ ﺻﻐﯿﺮ ،أﻏﻤﺾ ﻋﯿﻨﯿﻪ ،ﺛﻢ ﻓﺘﺤﮫﻤﺎ وھﻮ ﻳﺮﻓﻊ رأﺳﻪ إﻟﻰ ﻋﺮﻳﺶ اﻟﺴﻘﻒ وﻛﺄﻧﻪ ﻳﻨﻔﺚ ﻏﻀﺒﻪ ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎء ،ﺻﻤﺖ ﻟﺤﻈﺎت ﺛﻢ ﻗﺎل وھﻮ ﻳﻤﺴﻚ ﻋﺼﺎه اﻟﻤﺴﺘﻨﺪة إﻟﻰ اﻟﺤﺎﺋﻂ ﺑﺠﻮار ﺳﺮﻳﺮه: ﺧﺬﻧﻲ إﻟﻰ ﺳﻘﯿﻔﺔ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(.دﺧﻠﻨﺎ إﻟﻰ ﺳﻘﯿﻔﺔ »أﺟﯿﺎد« اﻟﺘﻲ أﻗﺎﻣﮫﺎ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث ،اﻟﺴﻘﯿﻔﺔ أﺷﺒﻪ ﺑﻘﺎﻋﺔ ﺣﻜﻢ ﻳﺼﻌﺪ اﻟﺪاﺧﻞ إﻟﯿﮫﺎ ﻋﻠﻰ درج ﻳﻘﻒ أﻣﺎﻣﻪ ﻋﺒﺪان ﺣﺒﺸﯿﺎن ﻣﻨﺘﻔﺨﺎ اﻟﺼﺪر ﻣﻔﺘﻮﻻ اﻟﻌﻀﺪ ،ﺳﻤﺤﺎ ﻟﻨﺎ ﺑﺎﻟﺪﺧﻮل ﻓﻘﻂ ﺣﯿﻦ ﻋﺮﻓﺎ ﻣﻨﻲ أن اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ھﻮ واﻟﺪ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ،اﻟﻘﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ ﺗﺘﺮاص ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﯿﮫﺎ اﻷراﺋﻚ اﻟﺨﺸﺒﯿﺔ اﻟﻤﻮﺳﺪة ﺑﻔﺮاء اﻟﻐﻨﻢ ﻳﺠﻠﺲ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﺑﺪوا ﻣﻦ ھﯿﺌﺘﮫﻢ وﻛﺄﻧﮫﻢ ﻣﻦ ﻋﻠﯿﺔ اﻟﻘﻮم. ﻓﻲ ﺻﺪر اﻟﻘﺎﻋﺔ ﻛﺎﻧﺖ ھﻨﺎك أرﻳﻜﺔ ﻛﺒﯿﺮة ﻳﺠﻠﺲ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﺷﺎب ﻳﻜﺒﺮﻧﻲ ﺑﺨﻤﺲ ﺳﻨﻮات أو ﺗﺰﻳﺪ ،ﺑﺪا ﻟﻲ ﻣﻦ ﻓﺨﺎﻣﺔ ﻣﻠﺒﺴﻪ أﻧﻪ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( اﻟﺠﺮھﻤﻲ، اﻟﺤﺠﺮة ﻣﺴﻘﻮﻓﺔ ﺑﺎﻟﺨﺸﺐ اﻟﻤﻌﺸﻖ ،وﺗﺘﺪﻟﻰ ﻣﻦ أﻟﻮاﺣﮫﺎ ﻗﻨﺎدﻳﻞ أرﺑﻌﺔ، وﻋﻠﻰ ﺟﺪراﻧﮫﺎ ﻋﻠﻘﺖ ﺳﺒﻌﺔ ﺳﯿﻮف ﻻﻣﻌﺔ وﺳﺒﻊ دروع ﺻﻠﺪة ،ﻟﻢ أدر ﻣﺎ اﻟﺴﺮ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻌﺪد ﺗﺤﺪﻳًﺪا وﻟﻢ أﺗﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪه ﻛﺜﯿًﺮا ﺣﯿﻨﻤﺎ وﻗﻊ ﺑﺼﺮي ﻋﻠﻰ ﻏﺰاﻟﺘﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﺬھﺐ وﺿﻌﺘﺎ إﻟﻰ ﺟﻮار أرﻳﻜﺔ ﻋﻤﺮو ،ﻳﺨﻄﻒ ﺑﺮﻳﻘﮫﻤﺎ اﻷﺑﺼﺎر وﺗﺘﻸﻷ ﺟﻮھﺮﺗﯿﻦ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﻌﯿﻨﯿﻦ ﻣﻨﮫﻤﺎ. ﺳﻜﺖ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻟﺪﺧﻮل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،وﻗﺎم )دوﻣﺔ( ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻪ ﻓﻘﺒﻞ ﻳﺪ أﺑﯿﻪ وأﺟﻠﺴﻪ ﻋﻠﻰ اﻷرﻳﻜﺔ ﻣﻜﺎﻧﻪ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ وﻗﻔﺖ أﻧﺎ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﺒﺎب ،ﻓﻠﻢ ﻳﺪﻋﻨﻲ أﺣﺪ ﻟﻠﺪﺧﻮل ،ھﻤﻤﺖ ﺑﺎﻟﺨﺮوج وﻟﻜﻦ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻗﺎل ﻟﻲ: اﻧﺘﻈﺮ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻓﻠﻦ ﻳﻄﻮل ﻣﻘﺎﻣﻲ ھﻨﺎ.اﻧﺘﻈﺮت وأﻧﺎ أﻧﻈﺮ ﺑﻄﺮف ﻋﯿﻨﻲ إﻟﻰ ﻧﻈﺮات اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺮﺣﺒﺔ. ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﻓﻲ ﻟﮫﺠﺔ ﻣﮫﺬﺑﺔ وﺻﻮت رﺧﯿﻢ: ﻳﺴﻌﺪﻧﺎ طﻮل ﻣﻘﺎﻣﻚ ﻣﻌﻨﺎ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(.ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺑﺤﺴﻢ ووﺿﻮح: ﺣﻘﺎ!ﻟﻮ ﻛﺎن ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻣﻲ ﺳﻌﺎدة ﻟﺪﻋﯿﺖ إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺠﻤﻊ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺒﺪأ. ھ ﱠ ﻢ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻛﺎن أﺳﺮع ﻓﻘﺎل: اﻷﺣﺪاث ﺗﺘﺴﺎرع ﻳﺎ أﺑﺘﺎه ،وﻟﻢ ﻳﺘﺴﻊ اﻟﻮﻗﺖ ﻹﺧﺒﺎرك ﺑﺎﻷﻣﺮ.طﺮق اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺑﻌﺼﺎه ﻋﻠﻰ اﻷرض ﺑﻘﻮه وﻗﺎل: اﻷﺣﺪاث أﺳﺮع ﻣﻦ أن ﻳﺤﻂ ﺑﮫﺎ ﺷﯿﺦ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( أم أن اﻷﻣﺮ ﻗﺪ ﺻﺎر ﺑﯿﺪك؟!ﺗﺮاﺟﻊ )دوﻣﺔ( أﻣﺎم ﻏﻀﺒﺔ أﺑﯿﻪ ،وأﺳﺮع )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﻓﻘﺎل: ﻣﻌﺎذ ﷲ ﻳﺎ ﺷﯿﺨﻨﺎ!أﻧﺖ ﻛﺒﯿﺮ ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر ،وﻣﺎ ﻛﻨﺎ ﻟﻨﻘﻄﻊ أﻣًﺮا دون أن ﻧﺴﻤﻊ ﻣﻨﻚ اﻟﺮأي واﻟﻤﺸﻮرة. ﺻﻤﺖ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻟﺤﻈﺎت ھﺪأت ﻓﯿﮫﺎ أﻧﻔﺎﺳﻪ ﺛﻢ ﻗﺎل: وإﻻ َم اﻧﺘﮫﻲ اﻟﻌﺰم؟! ھ ﱠ ﻢ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ وﻟﻜﻦ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( أﺷﺎر ﺑﯿﺪه ﻟﯿﺴﻜﺘﻪ وﻗﺎل ﻓﻲ ﻟﮫﺠﺘﻪ اﻟﻮدودة اﻟﺘﻲ أطﻔﺄت ﻏﻀﺐ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻗﻠﯿًﻼ: ھﺆﻻء ھﻢ ﺳﺎدة ورﺳﻞ »ﺑﻨﻲ ﻟﺨﻢ« و»ﺟﺬام« و»طﯿﺊ« ،وأﻧﺘﻢ ﺳﺎدة )ﺑﻨﻲإﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻗﯿﺪار وﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر! اﺗﻔﻘﻨﺎ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( أن ﻧﺤﻔﻆ ﻟﻠﺒﯿﺖ ُ ﺣﺮﻣﺘﻪ ،وأﻻ ﻧﺮﻓﻊ اﻟﺴﯿﻒ إﻻ إذا ُﺑِﻐﻲ ﻋﻠﯿﻨﺎ. ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: وﻣﺎذا ﻋﻦ ﺑﺎﻗﻲ ﻗﺒﺎﺋﻞ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( اﻟﻌﺸﺮة؟!ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو( وﻗﺪ ﺗﺒﯿﻦ ﻟﻲ أﻧﻪ ُﻣَﻔﱠﻮه ،ﻳﺠﯿﺪ اﻟﺤﺪﻳﺚ: ھﻢ أﺻﮫﺎرﻧﺎ ودﻣﺎؤھﻢ ﺣﺮام ﻋﻠﯿﻨﺎ إﻻ إذا ﻟﻢ ﻳﺮاﻋﻮا ﺣﻘﮫﺎ!ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻻﺋ ً ﻤﺎ: أﺑﻌﺪ اﻟﻌﮫﺪ ووﻻﻳﺔ اﻟﺒﯿﺖ ،ﺗﺜﯿﺮون اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻛﻲ ﺗﺘﻤﺴﻜﻮا ﺑﻤﻠﻚ زاﺋﻞ وﺗﺪﻓﻌﻮنﺑﻔﺘﻨﺘﻜﻢ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﻟﻠﻘﺘﺎل ﺑﺴﯿﻮﻓﮫﻢ؟ ﺷﻌﺮ )دوﻣﺔ( ﺑﺎﻟﺤﺮج ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺎت أﺑﯿﻪ ،وﺻﻤﺖ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث )ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ اﺑﺘﺴﻢ وﻗﺎل ﻓﻲ ھﺪوء: ﺧﱠﻨﺎ اﻟﻌﮫﺪ أو ﻗ ﱠ وھﻞ ُﺼﺮﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻮﻻﻳﺔ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(؟! ﻲ ﻏﯿﺮﻧﺎ أن ﻳﻔﺨﺮ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ أدﻳﻨﺎه ﻟﻠﺒﯿﺖ ﻣﻦ ﺣﻘﻮق. ﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﺤ ّ ٍ ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻣﻨﻔﻌًﻼ: ھﻨﺎ ﻣﺮﺑﻂ اﻟﻔﺮس ﻳﺎ )ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث(!إﻧﻪ اﻟﻔﺨﺮ! أﻧﺘﻢ ﺗﻔﺎﺧﺮﺗﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس ﺑﻮﻻﻳﺔ اﻟﺒﯿﺖ وﻟﻢ ﺗﺼﻮﻧﻮا ﻋﮫﺪ )ﻗﯿﺪار ﺑﻦ ﻧﺎﺑﺖ( ﺣﯿﻦ ﻋﮫﺪ ﺑﺎﻟﻮﻻﻳﺔ إﻟﻰ ﺟﺪك )اﻟﻤﻀﺎض( ،ﻓﺮﺿﺘﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس اﻟﻌﺸﻮر واﻟﻤﻜﻮس، واﺳﺘﺤﻠﻠﺘﻢ أﻣﻮال اﻟﺒﯿﺖ ﻷﻧﻔﺴﻜﻢ وﻣﻨﻌﺘﻮھﺎ ﻋﻦ اﻟﺤﺠﯿﺞ. ﺻﻤﺖ )اﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﻣﺒﮫﻮﺗًﺎ ،وﺗﺎﺑﻊ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: ﻗﻞ ﻟﻲ ﻳﺎ )ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ،ﻣﻦ أﻳﻦ أﺗﯿﺖ ﺑﺘﻠﻜﻤﺎ اﻟﻐﺰاﻟﺘﯿﻦ اﻟﺬھﺒﯿﺘﯿﻦ؟!ارﺗﺒﻚ اﻟﺸﺎب ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ ﻗﺎل: أھﺪﺗﮫﺎ إﻟﯿﻨﺎ ﻗﺒﯿﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮب ﻗﺮﺑﺎﻧًﺎ ﻟﻠﺒﯿﺖ!ﺛﻢ ﻋﻘﺐ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( وﻗﺪ ﻓﮫﻢ ﻣﺎ ﻳﺮﻣﻲ إﻟﯿﻪ أﺑﻮه: وﺿﻌﻨﺎ اﻟﻐﺰاﻟﺘﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﺴﻘﯿﻔﺔ ،ﺧﺸﯿﺔ أن ﻳﺴﺮﻗﮫﺎ أﺣﺪھﻢ ﻣﻦ اﻟﺒﯿﺖ.ھﱠﺰ اﻟﺸﯿﺦ رأﺳﻪ أﺳًﻔﺎ وﻳﺄ ً ﺳﺎ وﻗﺎل: وﻣﺎ ﺣﺎﺟﺔ ﺑﯿﺖ اﻟﺮب ﻟﻠﺬھﺐ واﻟﻔﻀﺔ ،وﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﻳﻄﻮف اﻟﺤﺠﯿﺞ ﺟﻮﻋﻰوﻣﺮﺿﻰ ،أطﻌﻤﻮا ھﺆﻻء ﻓﮫﻢ زﻳﻨﺔ اﻟﺒﯿﺖ ﺑﺤﻖ. ﺛﻢ ﻗﺎم اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( وأﻟﻘﻰ إﻟﯿﻪ ﺑﺮداء اﻟﻨﺼﺢ اﻷﺧﯿﺮ ﻟﯿﺴﺘﺮ ﺑﻪ ﺧﺠﻠﻪ ﻗﺎﺋًﻼ: اﺳﻤﻊ ﻳﺎ ُﺑﻨﻲ ،ﻗﺪ ﻛﺎن أﺑﻮك رﻓﯿًﻘﺎ ﻷﺑﻨﺎﺋﻲ ،واﺳﺘﺒﺸﺮت ﺑﻪ ﺧﯿًﺮا ﺣﯿﻦ ﺗﻮﻟﻰوﻻﻳﺔ اﻟﺒﯿﺖ ﻟﻜﻦ اﻟﻘَﺪر ﻟﻢ ﻳﻤﮫﻠﻪ طﻮﻳًﻼ ،ﻓﻌﺴﻰ أن ﺗﻘﯿﻢ اﻟﻌﺪل ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻄﻤﺢ أﺑﻮك ،واﻋﻠﻢ أن ﻟﻘﻤﺔ ﺗﻀﻌﮫﺎ ﻓﻲ ﻓﻢ ﺟﺎﺋﻊ ﺧﯿﺮ ﻟﻚ ﻣﻦ ﺳﯿﻒ ﺗﻀﻌﻪ ﻓﻲ ﻳﺪ ﻓﺎرس. ﺛﻢ ﻗﺎل وھﻮ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ وﻟﺪه )دوﻣﺔ(: أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﺄﻋﺘﺰل ﺑﯿﺘﻲ ﺣﺘﻰ ﺗﺰول ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﻨﺔ ،ﻓﻤﻦ أراد أن ﻳﺘﺒﻊ أﻣﺮي ﻣﻦ )ﺑﻨﻲﺴْﺮ ،ﻓﺎﻟﻜﻞ ﻣﺮھﻮن ﺑﻤﺎ ﻳﻄﻮر( ﻓﻠﯿﺘﺒﻌﻪ ،وﻣﻦ أراد أن ﻳﺴﯿﺮ ﻓﻲ طﺮﻳﻖ اﻟﻐﻲ ﻓﻠﯿ ِ ﻛﺴﺐ. ﺛﻢ أﺷﺎر إﻟ ﱠ ﻲ وﻗﺎل: ھﯿﺎ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﺧﺬﻧﻲ إﻟﻰ داري.ﺳْﺮت إﻟﻰ ﺟﻮاره ،وأﻧﺎ أﺳﻨﺪ ﺳﺎﻋﺪه إﻟﻰ ﺳﺎﻋﺪي ،ورﻏﻢ وھﻨﻪ ﺷﻌﺮت ﺑﻤﺪد ِ ﻋﱠﺰة ،وﺧﺮﺟﺖ ﻓﻲ ﺣﺎل ﻏﯿﺮ ﻣﻦ ﻗﻮﺗﻪ ﻳﺘﺴﻠﻞ إﻟﻰ ﺟﺴﺪي ،ﻓﺮﻓﻌﺖ رأﺳﻲ ﻓﻲ ِ اﻟﺬي دﺧﻠﺖ ﺑﻪ ،وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ أھﺒﻂ اﻟﺪرج أﻟﻘﯿﺖ ﻧﻈﺮة ﻋﻠﻰ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( اﻟﺬي أراح ﺧﺪه إﻟﻰ ﻗﺒﻀﺘﻪ ،وﻗﺪ ﺑﺪا ﻋﻠﯿﻪ اﻟﻮﺟﻮم ،وﺗﺬﻛﺮت ﻗﻮل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: »اﺟﻌﻞ ﻗﻮﺗﻚ ﻓﻲ ﺗﻘﻮﻳﻢ اﻟﻤﻌﻮج ﻻ ﻓﻲ ﻛﺴﺮه«. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻷرﺑﻌﻮن ﻓﻲ ﺧﻼل أﺳﺎﺑﯿﻊ ﻗﻠﯿﻠﺔ ،ﺟﻤﻌﺖ ﻗْﺪًرا ﻻ ﺑﺄس ﺑﻪ ﻣﻦ اﻷﺧﺸﺎب ،ﻛﻨﺖ أﺧﺮج ﻛﻞ ﺻﺒﺎح ﺑﻌﺮﺑﺘﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﱡﺮھﺎ ﺑﻐﻠﺔ ﻋﻔﯿﺔ إﻟﻰ ﺷﻌﺎب »ﺑﻜﺔ« ،ﻓﺄﻗﻀﻲ اﻟﻨﮫﺎر ﻓﻲ ﻗﻄﻊ اﻟﺠﺬوع واﻷﻓﺮع ،ﺳﺎﻋﺪﻧﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ أن اﻷﺷﺠﺎر ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺎب ﺻﻐﯿﺮة س وﻳٍﺪ ُﺗﺠﯿﺪ اﻟﻀﺮب ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ واﺣﺪ دون ﺧﻄﺄ. ﻧﺤﯿﻔﺔ ﻻ ﺗﺤﺘﺎج إﻻ ﻟﻔﺄ ٍ ﺤْﺮﻓﺔ ﻗﻮة ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺪي وﺻْﺪري ،وﻟﻔﺤﺘﻨﻲ اﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ أﻛﺴﺒﺘﻨﻲ ﺗﻠﻚ اﻟ ِ ذھﺎﺑﻲ وإﻳﺎﺑﻲ ﻓﻤﻨﺤﺘﻨﻲ ُ ﺳ ْ ﻤﺮة ،ﺟﻌﻠﺖ )ﻟﯿﺚ( ﻳﺴﺨﺮ ﻣﻨﮫﺎ ﻗﺎﺋًﻼ: ﺣﺬر ﻣﻦ أن ﻳﺒﯿﻌﻚ ﻋﻤﻲ ﺻْﺮت ﻛﺎﻟﻌﺒﯿﺪ اﻷﺣﺒﺎش ﻓﻲ ﺳﻤﺮﺗﻚ وﻗﻮة ﺑﻨﯿﺎﻧﻚ ،ا ِ ِ)دوﻣﺔ(! وﺻﻨﻌﺖ ﻟﻲ ﻋﺮﻳ ً ﺸﺎ ﻓﻲ طﺮف ﺣﻲ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ اﻟﻤﻨﺎزل ،وﺿﻌﺖ ﺑﻪ اﻷﺧﺸﺎب اﻟﺘﻲ ﺟﻤﻌﺘﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺪار ﺷﮫﺮ ﻛﺎﻣﻞ واﺗﺨﺬﺗﻪ ﻣﻘﺮا ﻟﺤﺮﻓﺘﻲ ،ﺑﺪأت ﺑﺼﻨﻊ اﻟﺼﻨﺎدﻳﻖ ،ﻓﮫﻲ ﺑﺴﯿﻄﺔ اﻟﺼﻨﻊ وزھﯿﺪة اﻟﺜﻤﻦ ،وداﺋ ً ﻤﺎ ﻣﺎ ﺗﺠﺪ ﻣﻦ ﻳﺒﺘﺎﻋﮫﺎ ،ﻛﻨﺖ أﻣﻜﺚ اﻟﯿﻮم ﻛﻠﻪ ﻓﻲ ﻋﺮﻳﺸﻲ ،أﻗﻄﻊ اﻷﻟﻮاح ،وأﺟﻤﻌﮫﺎ ،وﻛﻠﻤﺎ ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻦ ﺻﻨﺪوق ﺻﻘﻠﺘﻪ ﺑﺎﻟﺮﻣﻞ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻌﻢ ،ﺛﻢ طﻠﯿﺘﻪ ﺑﺎﻟﺼﻤﻎ اﻷﺻﻔﺮ ،ﺣﺘﻰ ﺗﺠﻤﻊ ﻟﺪ ﱠ ي ﻋﺸﺮة ﺻﻨﺎدﻳﻖ ،ﺣﻤﻠﺖ اﻟﺼﻨﺎدﻳﻖ اﻟﻌﺸﺮة ﻋﻠﻰ ﻋﺮﺑﺘﻲ اﻟﺨﺸﺒﯿﺔ وﺧﺮﺟﺖ ﻟﺒﯿﻌﮫﺎ ﻷول ﻣﺮة ،ﺗﺠﻨﺒﺖ اﻟﻮﻗﻮف ﻓﻲ اﻟﺴﻮق واﻧﺘﻈﺎر اﻟﻤﺸﺘﺮي وﻓ ﱠ ﻀﻠﺖ أن أطﻮف ﺑﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻗﺎت ﺑﯿﻦ اﻷﺣﯿﺎء ،ﻓﺄﻏﻠﺐ اﻟﻨﺴﺎء ﻳﺤﺒﺒﻦ اﻟﺼﻨﺎدﻳﻖ ،واﻟﻘﻠﯿﻞ ﻣﻨﮫﻦ ﻳﺬھﺒﻦ إﻟﻰ اﻟﺴﻮق ،ﻣﺮرت ﺑﺠﻤﻊ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﻮة ،ﻓﻲ ﺣﻲ ﻗﯿﺪار ،اﻣﺮأﺗﯿﻦ وﻓﺘﺎﺗﯿﻦ ،ﻛﻦ ﻳﺘﺤﺪﺛﻦ أﻣﺎم إﺣﺪى اﻟﺪور ﺣﯿﻦ رأﻳﻦ اﻟﻌﺮﺑﺔ، رﻓﻌﻦ ﺧﻤﺮھﻦ ﻓﻮق رؤوﺳﮫﻦ وھﻦ ﻳﻨﻈﺮن إﻟﻰ اﻟﺼﻨﺎدﻳﻖ ﺑﺘﻌﺠﺐ ،رﻓﻌﺖ ﺻﻮﺗﻲ دون أن أﻧﻈﺮ إﻟﯿﮫﻦ: »ﺻﻨﺪوق اﻟﻌﺮوس ،أﺑﯿﻊ ﺻﻨﺪوق اﻟﻌﺮوس«.ﻧﺎدت أﻛﺒﺮھﻦ ﺳﻨﺎ: ﺑﻜﻢ ﺗﺒﯿﻌﻪ ﻳﺎ ﻓﺘﻰ؟ﻗﻠﺖ: ﺑﺜﻼث ﻓِ ِ ّﻀﯿﺎت ﻳﺎ ﺧﺎﻟﺔ! ﺑﺪا أن اﻟﺴﻌﺮ ﻗﺪ أﻏﺮاھﺎ ،ﻓﺄﺷﺎرت إﻟ ﱠ ﻲ ﻛﻲ أﻗﻒ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻣﺖ ﻣﻦ ﺟﻠﺴﺘﮫﺎ ﻓﻲ ﺻﻌﻮﺑﺔ وھﻲ ﺗﺘﻮﻛﺄ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻒ إﺣﺪى اﻟﻔﺘﺎﺗﯿﻦ ،أﺣ ْ ﻄﻦ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﺔ وأﺧْﺬن ﻳﻨﻈﺮن إﻟﻰ اﻟﺼﻨﺎدﻳﻖ ﺑﺈﻋﺠﺎب ،ورأﻳﺖ اﻟﻔﺮﺣﺔ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ إﺣﺪى اﻟﻔﺘﺎﺗﯿﻦ ،ﻓﺨﻤﻨﺖ ﻣﻦ ﻓﺮﺣﺘﮫﺎ أﻧﮫﺎ ﻋﻠﻰ وﺷﻚ اﻟﺰواج. ﻗﺎﻟﺖ اﻟﻤﺮأة اﻟﻌﺠﻮز: ﻓﻀﯿﺔ واﺣﺪة ﺗﻜﻔﻲ ﻳﺎ وﻟﺪي!ﻗﻠﺖ ﻣﺒﺘﺴ ً ﻤﺎ: ﻗﺪ ﻏﺒﻨﺘﻲ وﻟﺪك ﻳﺎ ﺧﺎﻟﺔ!أﻓﻼ ﺟﻌﻠﺘﯿﮫﺎ اﺛﻨﺘﯿﻦ؟! ﺿﺤﻜﺖ ﻗﺎﺋﻠﺔ: وﺟﮫﻚ ﺑﺸﻮش وﻟﺴﺎﻧﻚ رطﺐ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ،أﻋﻄﯿﻚ ﻓﻀﯿﺔ وﻗﺪ ًﺣﺎ ﻣﻦ ُﺑ ٍﺮّ! ﻟﻢ أﺳﺘﻄﻊ أن أﺟﺎدﻟﮫﺎ ،ﻧﺰﻟﺖ ﻣﻦ اﻟﻌﺮﺑﺔ ،ﻓﺤﻤﻠﺖ اﻟﺼﻨﺪوق ووﺿﻌﺘﻪ أﻣﺎم ﺑﺎب اﻟﺪار ،ﻓﻨﺎوﻟﺘﻨﻲ اﻟﻔﻀﯿﺔ ،وﻗﺪح اﻟُﺒ ِﺮّ وھﻲ ﺗﺪﻋﻮ ﻟﻲ ﺑﺎﻟﺮزق واﻟﻤﺤﺒﺔ ﺑﻜﻠﻤﺎت ﻣﺎ زﻟﺖ أذﻛﺮھﺎ: ﻓﺘﺢ ﷲ ﻟﻚ أﺑﻮاب رزﻗﻪ ،وﺣﺒﱠﺐ ﻓﯿﻚ اﻟﻘﺮﻳﺐ واﻟﻐﺮﻳﺐ وﺳﺎﺋﺮ اﻟﻄﺮﻳﻖ!ﻓﺮﺣﺘﻲ ﺑﺎﻟﻔﻀﯿﺔ وﻗﺪح اﻟُﺒ ِﺮّ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺒﯿﺮة ،أوﻟﻰ ﺑﺮﻛﺎت »ﺑﻜﺔ« ﻋﻠ ﱠ ﻲ ،أﺻﺒﺤﺖ أطﻮف ﻛﻞ ﻳﻮم ﺑﯿﻦ أﺣﯿﺎء »ﺑﻜﺔ« ودروﺑﮫﺎ ،راﻓﻘﻨﻲ )ﻟﯿﺚ( ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ھﺬه اﻟﺠﻮﻻت وﻛﺎن ﻳﺪﻟﻨﻲ ﻋﻠﻰ أﻳﺴﺮ اﻟﺪروب ،ﻋﺮﻓﺖ أﺳﻤﺎء اﻷﺣﯿﺎء واﻟﺠﺒﺎل اﻟﻤﺤﯿﻄﺔ بـ»ﺑﻜﺔ«؛ »ﻗﻌﯿﻘﻌﺎن« و»أﺟﯿﺎد« ،و»اﻟﺤﺠﻮن« ،و»أﺑﻲ ﻗﺒﯿﺲ«، وﻋﺮﻓﺖ ﻟﻤﺎذا ﺳﻤﻲ ﻛﻞ ﻣﻨﮫﺎ ﺑﮫﺬا اﻻﺳﻢ! ﺣﻘﺎ إن ھﺆﻻء اﻟﻘﻮم ﻳﺤﺒﻮن اﻟﻔﺨﺮ ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻨﻔﺴﻮن! ُﻋْﺪت ﻓﻲ أﺣﺪ اﻷﻳﺎم وﻗﺪ اﻧﺘﮫﯿﺖ ﻣﻦ ﺑﯿﻊ اﻟﺼﻨﺎدﻳﻖ ﻛﻠﮫﺎ ،أرﺑﻂ ﺣﻮل وﺳﻄﻲ ﻛﯿﺲ ﻧﻘﻮد ﺑﻪ ﻋﺸﺮون ﻓﻀﯿﺔ ،وأﺣﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻋﺮﺑﺘﻲ ﺟﺮﺗﻲ ﻋﺴﻞ وﻋﺸﺮ ﺑﯿﻀﺎت وﻗﺪ ً ﺣﺎ ﻣﻦ ﺗﻤﺮ ﺣﺼﯿﻠﺔ ﻳﻮم واﺣﺪ! دﺧﻠﺖ اﻟﺤﻲ اﻟﺨﺎﻟﻲ ﺑﻌﺪ اﻟﻈﮫﯿﺮة ،واﺗﺠﮫﺖ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺰل ،اﻟﺒﯿﺖ ﻋﺎدًة ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﺧﺎﻟﯿًﺎ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻮﻗﺖ ،ﻳﻤﻜﺚ )ﻟﯿﺚ( ﻓﻲ اﻟﺴﻮق ﺣﺘﻰ ﻧﮫﺎﻳﺔ اﻟﯿﻮم ،أﻣﺎ )دﻋﺲ( ﺖ ﻣﺘﺄﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﻠﯿﻞ ،وأﺣﯿﺎﻧًﺎ ﻻ ﻳﻌﻮد ،وﺟﺪ )دﻋﺲ( ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﻓﯿﻌﻮد ﻓﻲ وﻗ ٍ أﺟﻮاء اﻟﺤﺮب اﻟﻤﺮﺗﻘﺒﺔ ،ﻓﻤﺤﺎرب ﻗﻮي ﻣﺜﻠﻪ ﻳﺼﺒﺢ ﻟﻪ ﺷﺄن ﺑﺎرز ﻓﻲ أوﻗﺎت اﻻﺿﻄﺮاب ،وﺗﻘﺪر ﺧﺪﻣﺎﺗﻪ ﺑﺄﻣﻮال ﻟﯿﺴﺖ ﺑﺎﻟﻘﻠﯿﻠﺔ. ﺣﯿﻦ دﻟﻔﺖ ﻣﻦ اﻟﺒﺎب وﺟﺪُﺗﻪ ﻳﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ اﻷرﻳﻜﺔ ،ﻳﺮﺗﺪي ﺟﻠﺒﺎﺑًﺎ ﻗﺼﯿًﺮا ﺗﺤﺘﻪ ﺳﺮوال ﺿﯿﻖ وﻳﺘﻤﻨﻄﻖ ﺑﺤﺰام ﻣﻦ اﻟﺠﻠﺪ ﻳﺘﺪﻟﻰ ﻣﻨﻪ ﺣﺴﺎم ﻗﺼﯿﺮ وﻓﻲ ﻳﺪه ﺧﻨﺠﺮ ﺻﻐﯿﺮ ﻳﺰﻳﻞ ﺑﻄﺮﻓﻪ ﻣﺎ ﺗﺮاﻛﻢ ﻣﻦ أوﺳﺎخ ﺗﺤﺖ أظﺎﻓﺮه. أﻟﻘﯿﺖ اﻟﺘﺤﯿﺔ ،وھﻤﻤﺖ ﺑﺎﻟﺪﺧﻮل إﻟﻰ ﺣﺠﺮﺗﻲ ،ﻓُﻔﻮﺟﺌﺖ ﺑﺒﺎﺑﮫﺎ ﻣﻔﺘﻮ ً ﺣﺎ ،دﻟﻔﺖ ﻣﺴﺮًﻋﺎ وأﻟﻘﯿﺖ ﻧﻈﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺠﺮة ،ﻓﻮﺟﺪت أﻏﺮاﺿﻲ ﻣﻠﻘﺎة ﻋﻠﻰ اﻷرض وﺻﻨﺪوﻗﻲ ﻣﻔﺘﻮح ،وﻳﺒﺪو أﻧﻪ ﻗﺪ ﻋﺒﺚ ﺑﻪ ﻗﺒﻞ دﺧﻮﻟﻲ. ﻗﺒﻞ أن أﺳﺘﺪﻳﺮ ﻓﻮﺟﺌﺖ ﺑﻪ ﻳﺪﻓﻌﻨﻲ إﻟﻰ اﻟﺤﺎﺋﻂ ،ﺛﻢ ﻳﺠﺜﻢ ﺑﺴﺎﻋﺪه ﻋﻠﻰ ﺻﺪري ،ﻏﺮز ﻧﺼﻞ ﺧﻨﺠﺮه ﻓﻲ ﻋﻨﻘﻲ ﺣﺘﻰ أدﻣﺎه ،ﺛﻢ اﻗﺘﺮب ﺑﻮﺟﮫﻪ ﻣﻨﻲ ،وﻗﺎل ﺑﻜﻠﻤﺎت ﺗﻔﻮح ﻣﻨﮫﺎ راﺋﺤﺔ اﻟﺨﻤﺮ: أﻳﻦ اﻟﺬھﺐ؟!ﺣﺎوﻟﺖ أن أدﻓﻌﻪ وﻟﻜﻨﻪ ﺿﻐﻂ ﺑﺴﺎﻋﺪه وﻛﻮﻋﻪ أﻛﺜﺮ ﻋﻠﻰ ﺻﺪري ﺣﺘﻰ ﺷﻌﺮت ﺑﺄن ﺿﻠﻮﻋﻲ ﺗﺘﺤﻄﻢ وﻏﺮز اﻟﻨﺼﻞ أﻛﺜﺮ ﺣﺘﻰ ظﻨﻨﺘﻪ ﺳﯿﺨﺘﺮق ﻋﻨﻘﻲ. ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أﺗﻠﻘﻒ اﻟﮫﻮاء ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ: أي ذھﺐ!أﻧﺎ ﻻ أﻣﻠﻚ ﺷﯿًﺌﺎ. ﻗﺎل ﻓﻲ ﺟﻨﻮن: اﻟﺬھﺐ اﻟﺬي وﺿﻌﺘﻪ ﺑﯿﺪي ﻓﻲ اﻟﺠﺮار ﻣﻊ )ﺷﮫﺒﻮر(!ﻣﻦ ﻧﻘﻠَﻪ وأﻳﻦ ذھﺐ؟! ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ ﺑﺎﻟﻜﺎد أﺳﺘﻄﯿﻊ أن أﺗﻨﻔﺲ: ﻻ أدري ﻋﻦ أي ﺷﻲء ﺗﺘﺤﺪث!ﻗﺎل ﻓﻲ ﺗﺮھﯿﺐ: ﺣﻘﺎ!ﻻ ﺗﺪري ﻋﻦ ﺷﻲء أﺗﺤﺪث! وﻣﺎذا ﻋﻦ ھﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ. ﺛﻢ رﻓﻊ اﻟﻨﺼﻞ ﻋﻦ ﻋﻨﻘﻲ وأﺧﺮج ﻣﻦ ﺟﯿﺒﻪ رﺳﺎﻟﺔ )ﺷﮫﺒﻮر( وھﻮ ﻳﻘﻮل ﻣﺘﮫﻜ ً ﻤﺎ: »ﻟﯿﻜﻦ اﻟﺴﺮ ﺑﯿﻨﻚ وﺑﯿﻦ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،إن ﻣﺖ ﻓﺎﻟﻤﺎل ﻟﻜﻤﺎ ،وإن ُﻋﺪ ُ ت ﻓﻠﻚ اﻟﺮﺑﻊ ﻣﻤﺎ ﺣﻔﻈﺖ« ،ﺛﻢ ﺻﺮخ ﻓﻲ ﺟﻨﻮن: أﻧﺖ ﻛﺎذب أﻳﮫﺎ اﻟﻌﺒﺮاﻧﻲ ،أﻧﺖ ﻟﺺ وﻛﺎذب!ﺛﻢ طﻮى اﻟﻮرﻗﺔ ووﺿﻌﮫﺎ ﻓﻲ ﻓﻤﻲ ،ﻗﺎوﻣﺘﻪ وﻟﻜﻨﻪ أطﺒﻖ ﻋﻠﻰ ﻋﻨﻘﻲ ﺑﯿﺪه اﻟﯿﺴﺮى ﻓﻲ ﻗﻮة وظﻞ ﻳﺪﻓﻊ ﺑﺎﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﻓﻤﻲ ﺣﺘﻰ ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻻﺧﺘﻨﺎق وھﻮ ﻳﺼﺮخ ﻓﻲ ﺟﻨﻮن: ﻟﺺ وﻛﺎذب ،وﺗﺴﺘﺤﻖ أن ﺗﻤﻮت ﻟﻜﺬﺑﻚ.ﻣﺎدت ﺑﻲ اﻷرض وﺷﻌﺮت ﺑﻘﺮب اﻟﮫﻼك ،وﻣﻨﺤﺘﻨﻲ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻘﺎء ﻗﻮة ﺟﻤﻌﺘﮫﺎ ﻓﻲ ﺳﺎﻗﻲ ﻓﺮﻛﻠﺘﻪ ﻓﻲ ﺑﻄﻨﻪ ﻓﺄطﺎﺣﺖ ﺑﻪ اﻟﺮﻛﻠﺔ ﺧﻄﻮات ﻟﻠﻮراء ،وﻗﺒﻞ أن ﻳﺴﺤﺐ ﺣﺴﺎﻣﻪ ھﻮﻳﺖ ﻋﻠﻰ رأﺳﻪ ﺑﺠﺮة اﻟﻌﺴﻞ ،ﻓﺴﻘﻂ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﺗﺨﺘﻠﻂ دﻣﺎؤه ﺑﺎﻟﻌﺴﻞ ،وﺳﻘﻄﺖ أﻧﺎ إﻟﻰ ﺟﻮاره ﻣﻦ اﻹﻋﯿﺎء ،ﺗﻨﺰف اﻟﺪﻣﺎء ﻣﻦ ﻋﻨﻘﻲ ،وأﺗﻠﻘﻒ اﻟﮫﻮاء ﺑﺠﮫﺪ ﺑﺎﻟﻎ وﺿﻠﻮﻋﻲ ﺗﻜﺎد أن ﺗﻨﺨﻠﻊ ﻣﻊ اﻟﺴﻌﺎل. ﺟﻠﺴﺖ ﻋﻠﻰ اﻷرض وأﺳﻨﺪت ظﮫﺮي إﻟﻰ اﻟﺤﺎﺋﻂ ،وﻗﺪ اﺳﺘﺴﻠﻤﺖ ﻟﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﺤﺪث. اﻟﻌﺠﯿﺐ أﻧﻪ ﺑﻌﺪ أن اﻋﺘﺪل ﻣﻦ ﺗﺮﻧﺤﻪ ،ﻟﻢ ُﻳ ْ ﺠِﮫﺰ ﻋﻠ ﱠ ﻲ ﺑﻞ أﺧﺬ ﻳﺤﺒﺲ دﻣﺎء رأﺳﻪ ﺑﯿﺪه ﺛﻢ ﺟﻠﺲ ﻋﻠﻰ اﻷرض وأﺳﻨﺪ ظﮫﺮه إﻟﻰ اﻟﺤﺎﺋﻂ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻟﻲ ﺗﺎرًﻛﺎ اﻟﺨﻨﺠﺮ إﻟﻰ ﺟﻮاره وﺣﺴﺎﻣﻪ ﻓﻲ ﻏﻤﺪه ،وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻗﺮر أن ﻳﻤﻨﺤﻨﻲ ھﺪﻧﺔ ،ﻗﺎل وھﻮ ﻳﻤﺴﺢ اﻟﺪﻣﺎء واﻟﻌﺴﻞ ﻋﻦ وﺟﮫﻪ ﺑﻄﺮف ﺛﻮﺑﻪ: ﻟﻮ ﻛﺎن ﻣﻌﻚ ﺳﯿﻒ ﻟﻘﺘﻠﺘﻚ اﻵن ،ﻓﺄﻧﺎ ﻻ أﺟﮫﺰ ﻋﻠﻰ رﺟﻞ أﻋﺰل.ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺗﮫﻜﻢ: وددت ﻟﻮ أﺗﺒﻌﻪ ﺑﻀﺤﻜﺔ ﺳﺎﺧﺮة وﻟﻜﻦ ﺣﺎﻟﺔ ﺿﻠﻮﻋﻲ ﻟﻢ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻲ: وﻟﻜﻨﻚ ﺗﻘﺘﻠﻪ ﺧﻨًﻘﺎ.ﻗﺎل وھﻮ ﻳﻘﻄﻊ ﺟﺰًءا ﻣﻦ ﺛﻮﺑﻪ ﺿﻐﻂ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﺟﺮح رأﺳﻪ اﻟﻨﺎزف: ﻟﻢ أﻧِﻮ ﻗﺘﻠﻚ ،أﻧﺎ أﻋﺎﻗﺒﻚ ﻓﺤﺴﺐ ﻷﻧﻚ ﻛﺎذب.ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺟﺮأة ﻏﯿﺮ ھﯿﺎب: وأﻧﺖ ﺧﺎﺋﻦ!رﻓﻊ ﺣﺎﺟﺒﻪ وﻧﻈﺮ إﻟ ﱠ ﻲ ﺷﺬًرا وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺤﺬرﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﺘﻤﺎدي ،وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﻟﺘﻔﺖ إﻟﻰ ﺗﺤﺬﻳﺮه وأردﻓﺖ: ﺗﺨﻮن ﺻﺪﻳﻘﻚ وﺗﻄﻤﻊ ﻓﻲ أﻣﻮاﻟﻪ ،وﻻ ﺷﻚ ﻋﻨﺪي ﻓﻲ أﻧﻚ ﻣﺎ ﺗﺮﻛﺘﻪ إﻻ ﻷﺟﻞھﺬه اﻷﻣﻮال. ﺻﻤﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ ﻗﺎل ﻣﺴﺘﻨﻜًﺮا: أﺧﻮن ﺻﺪﻳﻘﻲ!ﺛﻢ ﺿﺤﻚ ﺿﺤﻜﺔ ﻗﺼﯿﺮة وھﻮ ﻳﻘﻮل ﻣﺘﮫﻜ ً ﻤﺎ ﻣﻜﺮًرا ﻋﺒﺎرﺗﻪ: أﺧﻮن ﺻﺪﻳﻘﻲ!! اﺳﻤﻊ أﻳﮫﺎ اﻟﻔﺘﻰ! ﺗﺒﺪو ﻟﻲ ﻣﺨﻠ ً ﺼﺎ ﺷﺠﺎًﻋﺎ وﻟﻜﻨﻚ ﻏﱞﺮ ﺗﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﺻﺪرك ﻗﻠﺐ طﻔﻞ ﻟﻢ ﻳَﺮ ﺑﻌﺪ ﻏﺪر اﻷﻳﺎم وﻟﻢ ﻳُﺬ ْ ق ﻗﮫﺮ اﻟﺮﺟﺎل. ﺳﻜﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ ﻗﺎل: أﺗﺪري ﻣﺎذا ﻓﻌﻠﺖ ﻛﻲ أﺣﻔﻆ ﺻﺪﻳﻘﻲ اﻟﺬي ﺗﺘﮫﻤﻨﻲ ﺑﺨﯿﺎﻧﺘﻪ؟ﻗﺪ ﺗﺮﻛﺖ ﺑﻠﺪﺗﻲ »ﻏﺮﻧﺪل« ﺑﺴﺒﺒﻪ ﻟﻸﺑﺪ! »ﻏﺮﻧﺪل« اﻟﺘﻲ ﻋﺸﺖ ﻓﯿﮫﺎ أرﺑﻌﯿﻦ ﻋﺎًﻣﺎ ﻣﻦ ﺣﯿﺎﺗﻲ ﻻ أﻋﺮف ﻟﻲ وطًﻨﺎ ﺳﻮاھﺎ! أﺗﺪري ﻣﺎذا ﻓﻘﺪت أﻳ ً ﻀﺎ ﺑﺴﺒﺒﻪ؟ ﺤﺠﺮ! ﻓﻘﺪت رﺟﺎﻟﻲ وﺧﻠﻌﻮﻧﻲ ﻣﻦ رﺋﺎﺳﺘﮫﻢ وطﺮدوﻧﻲ ﻣﻦ اﻟ ِ ﻗﺎﻟﻮا: إﻧﻨﻲ أﺿﻌﺖ »ﻏﺮﻧﺪل« اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻌﺼﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﺰاة ﻟﻌﺸﺮات اﻟﺴﻨﯿﻦ. أﺗﺪري ﻣﺎ ھﻲ ﺛﺎﻟﺜﺔ اﻷﺛﺎﻓﻲ؟! ﻗﺪ ﻓﻘﺪت ﺟﺎرﻳﺘﻲ اﻟﺘﻲ أﺣﺒﮫﺎ! وﻗﺘﻠﺘﮫﺎ ﺑﯿﺪي ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻘﻊ أﺳﯿﺮة ﻓﻲ ﻳﺪ اﻟﻤﺮﺗﺰﻗﺔ! ﺻﻤﺖ ﻗﻠﯿًﻼ وﻛﺄﻧﻤﺎ اﺧﺘﻨﻖ ﺻﻮﺗﻪ ﺣﯿﻦ ذﻛﺮھﺎ ﺛﻢ ﻗﺎل: ل ﻳﻌﻮض ﻓﻘﺪان اﻟﻮطﻦ واﻷﺻﺪﻗﺎء واﻟﺤﺒﯿﺒﺔ؟! ﻗﻞ ﻟﻲ أﻳﮫﺎ اﻟﻐﱡﺮ أي ﻣﺎ ٍﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺸﻔﻘﺔ ﻋﻠﯿﻪ ،ﻟﻢ أﻛﻦ أﺗﺨﯿﻞ أن ﻳﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﻛﻞ ھﺬه اﻟﮫﻤﻮم ،ﺑﻞ ﻟﻢ أﻛﻦ أﺗﺨﯿﻞ أن ﻳﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﺻﺪره ﻗﻠﺒًﺎ ﻳﺸﻌﺮ وﻳﺘﺄﻟﻢ. ﻋﺠﺒًﺎ! ﺣﺘﻰ ﻗﺴﺎة اﻟﻘﻠﺐ ﺗﻠﯿﻦ ﻗﻠﻮﺑﮫﻢ أﺣﯿﺎﻧًﺎ ﺗﺤﺖ وطﺄة اﻷﻟﻢ. ﻗﻠﺖ رﻏﻢ ذﻟﻚ: وھﻞ ﻳﺸﻔﻊ ﻟﻚ ذﻟﻚ أن ﺗﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻰ أﻣﻮال ﺻﺪﻳﻘﻚ؟ﻟﻤﻌﺖ ﻋﯿﻨﺎه وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻧﺴﻲ ﻣﺎ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺣﺰن ﻋﻨﺪ ذﻛﺮ اﻟﻤﺎل ،وﻗﺎل: اﻟﻤﺎل ﺳﯿﺠﻌﻠﻨﻲ أﻣﻠﻚ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﺴﻼح ،وأﻋﻮد إﻟﻰ ﺑﻠﺪﺗﻲ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻛﻲأطﺮد ﻣﻨﮫﺎ اﻟﻤﺮﺗﺰﻗﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﯿﻦ. ﻗﻠﺖ: وﻟﻜﻨﻪ ﻟﯿﺲ ﻣﻠﻚ ﻟﻚ.ﻗﺎل ﻓﻲ ﻏﻀﺐ أﺧﺎﻓﻨﻲ: وﻟﻦ ﻳﻜﻮن ﻣﻠﻚ ﻷﺣﺪ أﻳﮫﺎ اﻟﻐﺒﻲ!أﻧﺎ أﺣﻖ اﻟﻨﺎس ﺑﻪ! أﺗﻈﻦ أن )ﺷﮫﺒﻮر( وﻋﻤﺮو ﺳﯿﻌﻮدان؟! ﻧﻈﺮت إﻟﯿﻪ ﻣﺼﺪوًﻣﺎ ،ﻓﻘﺎل وھﻮ ﻳﺤﺮك ﺳﺒﺎﺑﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﮫﻮاء: ھﻞ ﺗﻈﻦ أن ﺳﻔﻦ )ھﺪد ﺑﻦ ﺑﺪد( ﻟﻦ ﺗﻠﺤﻖ ﺑﮫﻤﺎ؟ﻟﻢ ﺗﻨ ُ ﺞ ﺳﻔﯿﻨﺔ ﻣﻨﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﻳﮫﺎ اﻟﻤﻌﺘﻮه! إن ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﺎ ﻏﺮﻗﻰ اﻵن ﻓﻲ ﺧﻠﯿﺞ ﻟﺤﯿﺎن ﺗﺄﻛﻠﮫﻤﺎ اﻷﺳﻤﺎك ،ﻓﻼ ﺑﺪ أن ﻳﻜﻮﻧﺎ أﺳﺮى ﻓﻲ ﺳﺠﻮن )ھﺪد ﺑﻦ ﺑﺪد( ﻳﻼﻗﯿﺎن أﺷﺪ اﻟﻌﺬاب. اﻧﻘﺒﺾ ﻗﻠﺒﻲ ﻟﻜﻼﻣﻪ ،وﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﻏﻀﺐ وﺣﺰن: ﻛﻨﺖ ﺗﻌﻠﻢ ﺑﺬﻟﻚ وﻟﮫﺬا ﺗﺮﻛﺘﮫﻢ ﻳﺬھﺒﻮن وﺣﺪھﻢ!ﻗﺎل: ﺗﺮﻛﺖ ﻟﮫﻢ اﻟﻔﺮﺻﺔ اﻷﻛﺒﺮ ﻓﻲ اﻟﻨﺠﺎة!أطﺮﻗﺖ ﺣﺰﻳًﻨﺎ ﻓﻘﺎل ﻣﺤﺎوًﻻ اﺳﺘﻤﺎﻟﺘﻲ: ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺎ ﻓﻲ ﺳﺠﻮن »إدوم« اﻵن ،ﻓﻼ ﺳﺒﯿﻞ ﻟﻨﺠﺎﺗﮫﻤﺎ إﻻ ﺑﺄن أﻋﻮد ﺑﺎﻟﺴﻼحواﻟﺮﺟﺎل ،ﻓﻘﻂ أﺣﺘﺎج اﻟﻤﺎل ﻟﺬﻟﻚ. ﻟﻢ أﺟﺒﻪ ،ﻓﺄردف ﻓﻲ ﺧﺴﺔ: إن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﻤﺎل ﻣﻌﻚ ﻓﮫﻮ ﻣﻊ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،وﻻ أرﻳﺪ أن ﻳﻨﺎل اﻟﺸﯿﺦ اﻟﺠﻠﯿﻞأذى! أﺻﺎﺑﻨﻲ ﺗﮫﺪﻳﺪه ﺑﺎﻟﺨﻮف ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ﺗﻤﺎﺳﻜﺖ وﻟﻢ أظﮫﺮ ﻟﻪ ﺷﯿًﺌﺎ ﻣﻨﻪ وأﻧﺎ أﻗﻮل: ﻟﻦ ﺗﺠﺪ اﻟﻤﺎل ﻣﻊ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(!ﻓﻘﺪ ذھﺐ اﻟﻤﺎل إﻟﻰ ﻣﻦ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻰ ﺣﻤﻞ اﻷﻣﺎﻧﺔ! اﻧﺘﻔﺾ ﺟﺎﻟ ً ﺴﺎ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﯿﻪ وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻟﺪﻏﻪ ﻋﻘﺮب وﻗﺎل: َﻣ ْﻦ؟ ﺗﻜﻠﻢ؟ ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺷﻤﺎﺗﺔ: ) -ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث اﻟﺠﺮھﻤﻲ(! أﻋﻄﺎه اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( اﻟﻤﺎل ﻳﻮم ﻋﺪﻧﺎ ،ﻗﺎل ﻟﻪ: إن ﻋﺎد )ﺷﮫﺒﻮر( ُرﱠد إﻟﯿﻪ ﻣﺎﻟﻪ ،وإن ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻓﺎﻟﻤﺎل ﻗﺮﺑﺎن ﻟﻠﺒﯿﺖ ﻳﻨﻔﻘﻪ ﻛﯿﻒ ﻳﺸﺎء! ﻗﺎم ﻣﻦ ﺟﻠﺴﺘﻪ واﻧﻄﻔﺄ ﺑﺮﻳﻖ اﻷﻣﻞ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻪ وﺣﻠﱠﺖ ﻣﻜﺎﻧﻪ اﻟﺨﯿﺒﺔ ،ﻋﺾ ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺘﻪ ﺑﻐﯿﻆ ﺣﺘﻰ أدﻣﺎھﺎ ،ﺛﻢ ﺑﺼﻖ ﺑﺼﻘﺔ اﺧﺘﻠﻄﺖ ﻓﯿﻪ دﻣﺎء ﺷﻔﺘﻪ ووﺟﮫﻪ ﺛﻢ اﻧﺼﺮف. ﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺎت ﻋﺎد )ﻟﯿﺚ( ﻣﻦ اﻟﺴﻮق ،رآﻧﻲ وأﻧﺎ ﻻ أزال ﻋﻠﻰ ﺟﻠﺴﺘﻲ ﻳﺒﺪو ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻲ اﻷﻟﻢ ،وﻗﺪ ﺗﻤﺰﻗﺖ ﻣﻼﺑﺴﻲ وآﺛﺎر اﻟﺪﻣﺎء ﻻ ﺗﺰال ﻋﻠﯿﮫﺎ ،اﻧﺰﻋﺞ ﻓﮫﺮول ﺗﺠﺎھﻲ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻣﺎ ﺑﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(؟!ﻗﻠﺖ ﻓﻲ أﻟﻢ وأﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻳﻘﯿﻦ ﺑﺄن أﺣﺪ ﺿﻠﻮﻋﻲ ﻗﺪ ﺗﺤﻄﻢ: ھﺎﺟﻤﻨﻲ ﻛﻠﺐ ﻋﻘﻮر ﻓﻲ اﻟﺤﻲ اﻟﺨﺎﻟﻲ ﻋﻨﺪ اﻟﻈﮫﯿﺮة!ﻗﺎل )ﻟﯿﺚ( ﻣﻨﺰﻋ ً ﺠﺎ وھﻮ ﻳﺴﺎﻋﺪﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﮫﻮض: ﺣﻘﺎ!وھﻞ ﻻ ﻳﺰال اﻟﻜﻠﺐ طﻠﯿًﻘﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻲ؟! ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أﺳﺘﻨﺪ إﻟﻰ ﻛﺘﻔﻪ: ﻗﺪ أﺻﺒﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﻘﺘﻞ ،وأظﻨﻪ ﺳﯿﻔﺮ إﻟﻰ اﻟﺼﺤﺮاء ﺑﻼ رﺟﻌﺔ.دﺧﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﺤﺠﺮة ﻓﺨﻠﻌﺖ ﻣﻼﺑﺴﻲ اﻟﻤﻠﻄﺨﺔ وﻟﻔﻔﺖ ﺻﺪري ﺑﺜﻮب ﻋﺪة ﻣﺮات ﻓﺠﺒﺮ ﻣﺎ ﺑﻪ ﻣﻦ أﻟﻢ ،ﺷﻜﺮت )ﻟﯿﺚ( واﺳﺘﺄذﻧﺘﻪ ﻓﻲ أن ﻳﺘﺮﻛﻨﻲ ﻷﺳﺘﺮﻳﺢ ،أﻏﻠﻘﺖ ﺑﺎب اﻟﺤﺠﺮة ،ﺛﻢ ﺟﺜﻮت ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﻲ ﻣﺘﺄﻟ ً ﻤﺎ أﻣﺎم اﻟﺼﻨﺪوق اﻟﻤﻔﺘﻮح ،ﺟﺬﺑﺖ اﻟﻤﻘﺒﺾ اﻟﺴﺮي ﻓﻲ زاوﻳﺘﻪ ﻓﺎﺳﺘﺪار ﻗﺎع اﻟﺼﻨﺪوق ﻷﻋﻠﻰ ،رأﻳﺖ ﺳﺒﺎﺋﻚ اﻟﺬھﺐ ﺗﺘﻸﻷ ﺗﺤﺘﻪ ﻓﺤﻤﺪت اﻟﺮب ﻛﺜﯿًﺮا ﺛﻢ أﻋﺪت اﻟﻤﻘﺒﺾ إﻟﻰ ﻣﻮﺿﻌﻪ وأﻏﻠﻘﺖ اﻟﺼﻨﺪوق ،ﻗﻤﺖ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ واﺗﺠﮫﺖ إﻟﻰ ﺳﺮﻳﺮ )أروى( ،أﻟﻘﯿﺖ ﺑﺠﺴﺪي ﻋﻠﯿﻪ ﻣﺴﺘﻨﺰف اﻟﻘﻮى ،ﻟﻮھﻠﺔ ﺷﻌﺮت ﺑﮫﺎ إﻟﻰ ﺟﻮاري ﺗﺘﺤﺴﺲ ﻣﻮﺿﻊ داﺋﻲ، أﺻﺎﺑﻨﻲ طﯿﻔﮫﺎ ﺑﺎﻟﺨﺪر ﻓﻼ أدري أأدرﻛﻨﻲ اﻟﻨﻮم ﻣﻦ ﺧﺪر طﯿﻔﮫﺎ أم ﻣﻦ ﺷﺪة إﻋﯿﺎﺋﻲ؟! ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ذھﺒﺖ إﻟﻰ ﻣﻨﺰل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( اﻟﻘﺮﻳﺐ ﻣﺤﺘﻤًﻼ آﻻم ﺻﺪري، ﺣﯿﻦ رآﻧﻲ ﺗﻌﺠﺐ ،وﺳﺄﻟﻨﻲ ﻋﻦ ﺟﺮح رﻗﺒﺘﻲ ﻓﺄﺧﺒﺮﺗﻪ ﺑﻤﺎ ﺣﺪث ،ﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺤﺰن واﻟﺨﻮف ﻋﻠﻰ )ﺷﮫﺒﻮر( و)ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ( ،واﺳﺘﺤﺴﻦ ﺻﻨﯿﻌﻲ أو ﻛﺬﺑﺘﻲ ﻓﻘﺎل ﻟﻲ: -أﺟﺮى اﻟﺮب ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻧﻚ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﻧﻮي ﻓﻌﻠﻪ ﺑﺎﻟﻤﺎل ،ﻓﻘﺪ ﻋﺰﻣﺖ أن أﺣﻔﻈﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮد )ﺷﮫﺒﻮر( ،وﻧﺬرت إن ﻟﻢ ﻳﻌﺪ )ﺷﮫﺒﻮر( أن أﻧﻔﻘﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺠﯿﺞ. ﺳﺄﻟﺘﻪ: أﺗﺤﺐ أن أﺣﻤﻠﻪ إﻟﻰ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث اﻟﺠﺮھﻤﻲ(؟ھﺰ رأﺳﻪ ﻧﻔﯿًﺎ وﻗﺎل: إﻳﺎك ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!! ﻟﻮ اﺳﺘﻄﺎع )ﻋﻤﺮو( أن ﻳﺒﺪد اﻟﻐﺰاﻟﺘﯿﻦ ﻟﯿﻨﻔﻖ ﺑﮫﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺮﺑﻪ ﻟﻔﻌﻞ! ﻧﻈﺮت إﻟﯿﻪ ﻣﺘﺤﯿًﺮا ،وﺷﻌﺮ ھﻮ ﺑﺜﻘﻞ اﻷﻣﺎﻧﺔ اﻟﺘﻲ أﺣﻤﻠﮫﺎ وأﺷﻔﻖ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﮫﺎ، ﻓﺼﻤﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﻣﻔﻜًﺮا ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻲ: اﻗﺘﺮب ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!أدﻧﯿﺖ رأﺳﻲ ﻣﻨﻪ ﻓﮫﻤﺲ ﻓﻲ أذﻧﻲ ﺑﻜﻠﻤﺎت ،ﻟﻤﻌﺖ ﻟﮫﺎ ﻋﯿﻨﻲ ،وﺷﻌﺮت ﻓﯿﮫﺎ ﺑﺎﻟﺨﻼص ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻘﻠﻖ اﻟﺬي ﻗﻠﻘﻞ ﺣﯿﺎﺗﻲ وﻛﺪت أﻓﻘﺪھﺎ ﺑﺴﺒﺒﻪ ،ﻓﻘﺒﱠﻠﺖ ﻳﺪه ﺛﻢ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﻋﻨﺪه ﺷﺎﻛًﺮا. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺤﺎدﻳﺔ واﻷرﺑﻌﻮن ﻣﱠﺮ أﺳﺒﻮﻋﺎن ﺗﺤﺴﻨﺖ ﻓﯿﮫﻤﺎ آﻻم ﺻﺪري وﻟﻜﻦ ﻟﯿﺲ ﻟﻠﺪرﺟﺔ اﻟﺘﻲ أﺳﺘﻄﯿﻊ ﻣﻌﮫﺎ ﻗﻄﻊ اﻷﺷﺠﺎر ،اﻛﺘﻔﯿﺖ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ﺑﺎﻟﺨﺮوج ﻣﻊ )ﻟﯿﺚ( إﻟﻰ اﻟﺴﻮق، وأﺣﯿﺎﻧًﺎ ﻛﻨﺖ أذھﺐ وﺣﺪي ﻟﻠﻄﻮاف ﺑﺎﻟﺒﯿﺖ ،أو اﻟﺠﻠﻮس ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺎت اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺘﻲ ﺑﺪأت ﺗﺘﺰاﻳﺪ ﺑﯿﻦ »اﻟﺼﻔﺎ« و»اﻟﻤﺮوة« ،فـ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث اﻟﺠﺮھﻤﻲ( ھﺎ ،وﺷ ﱠ ﻛﺎن ﺷﺎﻋًﺮا ﻣﻔﻮ ً ﺠﻊ ذﻟﻚ اﻟﺸﻌﺮاء ﻟﻠﺠﻠﻮس ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺎت ﻳﺘﺒﺎرون ﻓﯿﮫﺎ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﮫﻲ أواﺧﺮھﺎ ﺑﺤﺮوف ﻟﮫﺎ رﻧﯿﻦ ﻛﻀﺮﺑﺎت اﻟﺼﻨﺞ، اﺳﺘﮫﻮﺗﻨﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻠﻘﺎت ،وﻛﻨﺖ أﻧﺒﮫﺮ ﺑﺒﺮاﻋﺔ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻌﺮاء وأﺗﻤﻨﻰ ﻟﻮ أﺣﺎﻛﯿﮫﻢ ،رﻏﻢ ﻋﺪم ﻓﮫﻤﻲ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻜﻠﻤﺎت. ﻟﻢ أَر )دﻋﺲ( ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ،ﻓﮫﻮ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ إﻟﻰ اﻟﺒﯿﺖ ﻣﺮة أﺧﺮى ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﻪ أﻏﺮاض ﺑﺎﻟﺒﯿﺖ ﻛﻲ ﻳﻌﻮد إﻟﯿﮫﺎ ،أﺧﺒﺮﻧﻲ )ﻟﯿﺚ( أﻧﻪ ﻳﺮاه داﺋ ً ﻤﺎ ﻓﻲ ﺣﻲ »أﺟﯿﺎد« ﻳﺤﻮم ﺣﻮل ﺳﻘﯿﻔﺔ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ،وﻟﻢ ﻳﻨ َ ﺲ أن ﻳﺬﻛﺮ ﺗﻌﺠﺒﻪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺪاﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺄت ﺑﯿﻦ )دﻋﺲ( وﺑﯿﻦ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ،ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﻳﺮاﻓﻘﻪ ﻛﻈﻠﻪ. وﻓﻲ ﺻﺒﺎح أﺣﺪ اﻷﻳﺎم ﻋﻠﺖ ﻓﻲ اﻟﺴﻮق ﺟﻠﺒﺔ ،ورأﻳﺖ رﺟﺎل »ﺟﺮھﻢ« ﻳﺘﻤﻨﻄﻘﻮن ﺑﺎﻟﺴﯿﻮف ،وﺗﻜﺎﺛﻔﺖ اﻟﺤﺮﻛﺔ ﻋﻨﺪ ﺳﻘﯿﻔﺔ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ،ﻓﻘﺪ ﺳﺮت أﻧﺒﺎء أن ﻗﺎﻓﻠﺔ لـ»ﺧﺰاﻋﺔ« ﺳﻮف ﺗﺼﻞ إﻟﻰ »ﺑﻜﺔ« ﻓﻲ ﻏﻀﻮن أﻳﺎم ﻳﺘﻘﺪﻣﮫﺎ ﺳﯿﺪ ﻗﺒﯿﻠﺔ »ﺧﺰاﻋﺔ« )ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ،وﻋﻠﻤﻨﺎ أن اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﺗﺴﺘﻘﺮ اﻵن ﻓﻲ واٍد ﺧﺎرج »ﺑﻜﺔ« اﺳﻤﻪ »ﺑﻄﻦ ﻣﺮّ«. ﻟﻢ ﻳﻨﻘﻄﻊ زﻳﺖ اﻟﻘﻨﺎدﻳﻞ ﻋﻦ ﺳﻘﯿﻔﺔ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم ﻣﺘﺘﺎﻟﯿﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن رؤﺳﺎء اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻳﺼﻠﻮن اﻟﻠﯿﻞ ﺑﺎﻟﻨﮫﺎر ﻟﻠﺘﺸﺎور ﻓﻲ أﻣﺮ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ،اﻧﻘﺴﻤﺖ اﻵراء ﺣﻮل ﻣﺎ ﻳﺠﺐ ﻋﻤﻠﻪ؛ رأى ﺳﺎدة »ﺟﺮھﻢ« ـوﻣﻌﮫﻢ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( -أن ھﺬا إﻋﻼن ﻟﻠﺤﺮب ،ورأى آﺧﺮون وﻣﻨﮫﻢ »ﺑﻨﻲ ﻗﯿﺪار« و»ﻛﻨﺪة« أن اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ آﺗﯿﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎرة ،وأن ھﺬا أﻣﺮ ﻣﻌﺘﺎد ﻓﻲ اﻷﺷﮫﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺒﻖ اﻟﺤﺞ ﻣﺒﺎﺷﺮة ،وأﻧﻪ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﺮﻓﻊ اﻟﺴﻼح ﺣﻮل اﻟﺒﯿﺖ اﻵﻣﻦ ،وأن اﻷﻣﺮ ﻻ ﻳﻌﺪو ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻣﻦ »ﺧﺰاﻋﺔ« ﻹﺛﺎرة ﻏﻀﺐ اﻟﺠﺮھﻤﯿﯿﻦ. وﻗﺎل ﺷﯿﺦ ﻗﺒﯿﻠﺔ »ﻛﻨﺪة لـ)ﻋﻤﺮو( ﻣﺤﺬًرا: ﻧﻌﯿﻨﻜﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮب وﻟﻜﻦ ﻟﻦ ﻧﺮﻓﻊ ﺳﯿﻮﻓﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﻮم ﻗﺼﺪوا ﻣﻨﺎﻓﻊ اﻟﺒﯿﺖ ﻓﻲاﻷﺷﮫﺮ اﻟﺤﺮم. ﺤْﻜﻤﺔ ﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ واﺳﺘﻘﺮ اﻟﺮأي ﻋﻠﻰ أن ُﻳﺮﺳﻞ وﻓﺪ ﻣﻦ ﻧﻘﺒﺎء اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻣﻦ ذوي اﻟ ِ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻧﻮاﻳﺎه أوًﻻ ،ﺛﻢ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﺗﺤﺬﻳﺮه ﻣﻦ أي ﺻﺪام ﻓﻲ اﻷﺷﮫﺮ اﻟﺤﺮم ﺛﺎﻧﯿًﺎ. واﺧﺘﺎروا رﺟًﻼ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻗﺒﯿﻠﺔ ،وﻛﺎن ﻣﻤﺎ أﺛﺎر ﻋﺠﺒﻲ وﺣﯿﺮﺗﻲ أن رأﻳﺖ )دﻋﺲ( ﺿﻤﻦ اﻟﻨﻘﺒﺎء اﻟﺴﺒﻌﺔ اﻟﺬﻳﻦ اﺧِﺘﯿﺮوا ،ﻋﺠﯿﺐ أﻣﺮ ھﺬا اﻟﺮﺟﻞ ،ﻳﺘﻠﻮن ﻛﺎﻟﺤﺮﺑﺎء ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ وﻳﺠﯿﺪ ﺑﻨﺎء ﺟﺴﻮر اﻟﺜﻘﺔ ﻣﻊ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ أﺳﺮع ﻣﻦ ﺗﺒﺪﻳﻞ ﻣﻼﺑﺴﻪ. وﺧﺮج اﻟﻨﻘﺒﺎء ﻓﻲ ﻏﺮة ﺷﮫﺮھﻢ )اﻷﺻﻢ( واﻟﺬي ﻋﻠﻤﺖ أﻧﮫﻢ ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ ﺑﮫﺬا اﻻﺳﻢ؛ ﻷﻧﻪ ﻻ ﺗﺴﻤﻊ ﻓﯿﻪ ﺻﻠﺼﻠﺔ اﻟﺴﯿﻮف ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﺗﺘﻮﻗﻒ طﺮﻗﺎت ﻜّﻠﻪ ﺳﯿﻮًﻓﺎ اﻟﻤﻄﺎرق ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻨﺎدﻳﻦ ،ﺗﺴﺤﻖ ﺗﺤﺘﮫﺎ اﻟﺤﺪﻳﺪ اﻟﻤﺤﻤﻲ ،ﻓُﺘﺸ ِ وﻣﺘﺎرﻳ َ ﺲ ،ﺑﺄﻋﺪاد ﻟﻢ أَر ﻣﺜﻠﮫﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ وﻛﺄن اﻟﺤﺮب اﻟﺘﻲ أوﺷﻜﺖ ﻧﺬرھﺎ ﻗﺪ ﺻﺎرت أﻣًﺮا واﻗًﻌﺎ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ. وأوﺣﯿﺖ إﻟﻰ )ﻟﯿﺚ( أﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻀﺮوري أن ﻧﻘﻮم ﺑﺘﺄﻣﯿﻦ اﻟﺒﯿﺖ ،ﻓﻨﺤﻦ ﻻ ﻧﺪري ﻣﺎ اﻟﺬي ﻗﺪ ﺗﺤﻤﻠﻪ اﻷﻳﺎم اﻟﻘﺎدﻣﺔ ،وﻣﻨﺤﺘﻨﺎ أﻳﺎم اﻟﺘﺮﻗﺐ ﻟﻌﻮدة اﻟﻨﻘﺒﺎء ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻠﻌﻤﻞ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺴﺪت اﻷﺳﻮاق ،وﻛﻨﺰ اﻟﻨﺎس أﻣﻮاﻟﮫﻢ ﺗﺤﺴﺒًﺎ ﻟﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﺤﺪث ﻓﻼ ﺑﯿﻊ وﻻ ﺷﺮاء ،ﺟﻤﻌﻨﺎ اﻷﺣﺠﺎر واﻷﺧﺸﺎب ،وﺑﺪأﻧﺎ ﻓﻲ إﺻﻼح اﻟﺒﯿﺖ وﺗﺤﺼﯿﻨﻪ، ﻗﻤﻨﺎ ﺑﺘﻌﻠﯿﺔ ﺟﺪار اﻟﺒﯿﺖ أوًﻻ ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ أن ﻳﺘﺴﻮره أﺣﺪھﻢ ،ﺛﻢ أﺿﻔﻨﺎ أﻟﻮا ً ﺣﺎ ﻣﻦ اﻷﺧﺸﺎب وﺟﺮﻳﺪ اﻟﻨﺨﻞ إﻟﻰ ﻋﺮﻳﺶ اﻟﺴﻘﻒ ،ﺑﻌﺪھﺎ ﻗﻤﺖ ﺑﺈﺻﻼح اﻟﻨﻮاﻓﺬ وأﺑﻮاب اﻟﺤﺠﺮات ،وأﺿﻔﺖ إﻟﯿﮫﺎ ﺣﺸﻮات ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ،ﺛﻢ ﺻﻨﻌﺖ ﻟﮫﺎ اﻟﻤﺰاﻟﯿﺞ ﺣﺘﻰ ﺻﺎرت ﻛﺄﺑﻮاب اﻟﺤﺼﻮن. وﻋﺎد )ﻟﯿﺚ( ذات ﻣﺴﺎء ﻓﻮﺟﺪﻧﻲ ﻗﺪ ﺻﻨﻌﺖ ﺣﻮ ً ﺿﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ ﻓﻲ ﻓﻨﺎء اﻟﺪار اﻟﺪاﺧﻠﻲ ﺣﻮل ﺟﺬﻳﻞ اﻟﻨﺨﻠﺔ اﻟﻤﺒﺘﻮرة ،ﻣﻸﺗﻪ ﺑﺎﻟﺘﺮاب وﻏﺮﺳﺖ ﺑﻪ ﻋﯿﺪان ﻣﻦ اﻟﺮﻳﺤﺎن ﻓﻤﻸ ﻋﺒﯿﺮھﺎ اﻟﺪار وأﺿﻔﻰ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﺑﮫﺠﺔ ﺗ ُ ﺴﺮ اﻟﻨﺎظﺮ إﻟﯿﮫﺎ. ﻗﺎل )ﻟﯿﺚ(: ﺗﺠﯿﺪ اﻟﺰراﻋﺔ أﻳ ًﻀﺎ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(! ﻗﻠﺖ ﺿﺎﺣ ً ﻜﺎ: أﻣﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺰرع ﺣﯿﻀﺎن اﻟﻔﻮل ﻓﻲ دارﻧﺎ ﻓﻲ »ﻗﺎدش ﺑﺮﻧﯿﻊ«.اﺑﺘﺴﻢ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻻ ﺗﻔﺘﺄ ﺗﺬﻛﺮھﺎ ﺑﻜﻞ ﻓﻀﻞ أﻧﺖ ﻓﯿﻪ!ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺷﺠﻦ: أرﺗﺪي روﺣﮫﺎ ﺑ ُﺤﻠﱠﺔ ﺟﺴﺪي. ﻗﺎل ﻣﺘﺄﺛًﺮا وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗﺬﻛﺮ أﺑﺎه: وأﺑﻮك؟!ﻣﺎذا ورﺛﺖ ﻋﻨﻪ؟! ﻋﺠﺰت ﻋﻦ اﻟﻜﻼم! وﺻﻤ ﱡ ﺖ ﺣﺘﻰ طﺎل ﺻﻤﺘﻲ ..ﺳﺮت ﺧﻄﻮات ﺛﻢ ﺟﻠﺴﺖ ﻋﻠﻰ اﻷرض وأﺳﻨﺪت ظﮫﺮي إﻟﻰ اﻟﺤﺎﺋﻂ ﻓﺠﻠﺲ إﻟﻰ ﺟﻮاري وﻧﻈﺮ ُ ت إﻟﻰ اﻟﻌﺮﻳﺶ وأﻧﺎ أﻗﻮل ﻟﻪ: أﺗﺪري ﻳﺎ )ﻟﯿﺚ(؟أﻧﺎ ﻟﻢ أﺷﻌﺮ ﺑﻘْﺪر ﻣﺎ ﺻﻨﻌﻪ أﺑﻲ ﻟﻲ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ﺣﯿﻦ ﻛﻨﺎ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ ،ﻟﻜﻨﻲ أﺷﻌﺮ ﺑﻪ وأﻋﯿﺸﻪ اﻵن ،أرى طﯿﻔﻪ ﻳﺴﯿﺮ أﻣﺎﻣﻲ ،وﺗﻄﺄ ﻗﺪﻣﻲ آﺛﺎر أﻗﺪاﻣﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺧﻄﻮة أﺧﻄﻮھﺎ ،أﺻﺒﺤﺖ اﻵن ُأ ْ ﺷﺒﮫﻪ ﻓﻲ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر ،ﻧﺎھﺰت طﻮﻟﻪ أو أﻛﺜﺮ ﺑﻘﻠﯿﻞ ،ﺣﯿﻦ أرى وﺟﮫﻲ ﻓﻲ ﻣﺮآة )أروى( اﻟﻤﻜﺴﻮرة ،أظﻦ أﻧﻨﻲ أراه، ﻧﻔﺲ اﻟﺠﺒﮫﺔ واﻷﻧﻒ واﻟﻌﯿﻨﺎن ،وﻟﻮﻻ ﻟﻔﺤﺎت اﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ »ﻓﺎران« ﻟﻈﻞ وﺟﮫﻲ ﺣﻨﻄﯿﺎ ﻛﻮﺟﮫﻪ ..اﻟﻌﺠﯿﺐ أن ﺻﻮﺗﻲ أﻳ ً ﻀﺎ ﻗﺪ اﻗﺘﺮب ﻣﻦ ﺻﻮﺗﻪ ،وﺣﺪﻳﺜﻲ ﺻﺎر أﺷﺒﻪ ﺑﺤﺪﻳﺜﻪ ،وأراﻧﻲ أﺗﻤﺜﻠﻪ ﻓﻲ ﻏﻀﺒﻲ وﻓﺮﺣﻲ وﻳﺄﺳﻲ وﺑﺄﺳﻲ. أظﻦ ﻳﺎ )ﻟﯿﺚ( أن ﺻﻔﺎت اﻷب ﻻ ﺗﻮﱠرث؛ ﻷﻧﮫﺎ ﻻ ﺗﻤﻮت ،ھﻲ ﺗﻨﺘﻘﻞ ﺑﺤﺎﻟﮫﺎ ﻓﻲ ﺟﺴﺪ ﺟﺪﻳﺪ ،ﻣﺎ زﻟﺖ أذﻛﺮ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻮﺗﻪ ،أﺗﺪري ﻣﺎذا ﻗﺎل ﺣﯿﻨﮫﺎ: »اﻟﺤﻤﺪ اﻟﺬي ﺗﺮك ﺑﻀﻌﺔ ﻣﻨﻲ ﺳﺘﺮى اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ«. ﻛﺎن ﻳﻌﻠﻢ أﻧﻨﻲ ﺑﻀﻌﺘﻪ ،واﻟﺒﻀﻌﺔ إذا ﻛﺒﺮت ﺻﺎرت ﻛﺎﻷﺻﻞ ،أﻧﺎ ﻻ أﻓﺘﻘﺪه اﻵن؛ ﻷﻧﻪ ﻣﻌﻲ أﻳﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ ،وﻛﻞ ﻣﺎ أﺧﺸﺎه أﻻ أﺣﻘﻖ ﺣﻠﻤﻪ؛ ﻷﻧﻪ ﺣﺘ ً ﻤﺎ ﺳﯿﺘﺄﻟﻢ ،ھﻞ ﺗﻔﮫﻤﻨﻲ؟ ﻟﻢ أﺳﻤﻊ إﺟﺎﺑﺘﻪ ،ﺑﻞ ﺳﻤﻌﺖ ﺻﻮﺗﻪ ﻳﻨﺘﺤﺐ وﻗﺪ ﺗﺬﻛﺮ أﺑﺎه ،رﺑَ ﱡ ﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ ﺛﻢ ﺷﺪدت ﻋﻀﺪه ﺑﯿﺪي وأﻧﺎ أﻗﻮل: ﺻﺪﻗﻨﻲ ﻳﺎ )ﻟﯿﺚ( ،أﻧﺎ أﻳ ًﻀﺎ أرى ﻓﯿﻚ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ،وﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم ﺳﺘﻜﻮن ﺳﯿًﺪا ﻟﻘﻮﻣﻚ ﻛﺄﺑﯿﻚ ،وﺳﺘﺤﻤﻞ ﺑﯿﻦ ﺿﻠﻮﻋﻚ ﻗﻠﺒًﺎ ﻛﻘﻠﺒﻪ ﻳﻤﺘﻸ رﺣﻤﺔ ،وﺣﻜﻤﺔ، وﻋﺪًﻻ. ﺛﻢ ﻗﻠﺖ ﺑﺎﺳ ً ﻤﺎ: وﻟﻜﻨﻚ إﻳﺎك أن ﺗﺘﺤﺪي )ﻻﻣﺎر( ﻣﺮة أﺧﺮى وإﻻ أﻏﻀﺒﺖ روح أﺑﯿﻚ!اﺑﺘﺴﻢ وﻗﺎل: )ﻻﻣﺎر(!ﻟﯿﺖ ﺷﻌﺮي ﻛﯿﻒ ﺣﺎل »ﻳﺜﺮب« وأھﻠﮫﺎ اﻵن؟ أﺷﺘﺎق إﻟﻰ أﻣﻲ و)أروى( ﻛﺜﯿًﺮا! ﻗﻠﺖ ﻣﺆِّﻣًﻨﺎ ﺑﻐﯿﺮ ﻗﺼﺪ: وأﻧﺎ أﻳ ًﻲ ﻣﻨﺪھ ً ﻀﺎ ﻧﻈﺮ إﻟ ﱠ ﺸﺎ ﻓﻘﻠﺖ ﻣﺴﺮًﻋﺎ: أﻗﺼﺪ أﻧﻲ أﺷﺘﺎق إﻟﻰ »ﻳﺜﺮب« وﺑﺴﺎﺗﯿﻨﮫﺎ!∞∞∞∞∞ أﺷﺮﻓﺖ رءوس اﻹﺑﻞ ﻣﻦ ﻓﻮق ﻛﺜﺒﺎن اﻟﺮﻣﺎل ﺟﮫﺔ اﻟﺸﺮق ،وﻣﻸ ﺻﻮت رﻏﺎؤھﺎ اﻟﻮادي ﺑﯿﻦ ﺟﺒﻠﻲ »ﻗﯿﻘﻌﺎن« و»أﺑﻲ ﻗﺒﯿﺲ« ،ﺧﺮج اﻟﻨﺎس ﻋﻦ ﺑﻜﺮة أﺑﯿﮫﻢ إﻟﻰ ﺳﻔﻮح اﻟﺠﺒﺎل ﺗﺘﻄﻠﻊ أﻋﯿﻨﮫﻢ إﻟﻰ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ اﻷﻛﺒﺮ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ »ﺑﻜﺔ« ﻣﻨﺬ وطﺌﺖ ودﻳﺎﻧﮫﺎ إﺑﻞ »ﺟﺮھﻢ«. ﺗﻘﺪم اﻟﺮﻛﺐ ﻋﺸﺮون ﻧﺎﻗﺔ ﻣﻔﻘﻮءة اﻟﻌﯿﻦ ،ﺗﻨﻮب ﻛﻞ واﺣﺪة ﻣﻨﮫﺎ ﻋﻦ أﻟﻒ، ﺧﻄﻔﺖ اﻟﻌﯿﻮن اﻟﻤﻔﻘﻮءة أﺑﺼﺎر اﻟﻨﺎس ،وظﻠﻮا ﻳﺘﮫﺎﻣﺴﻮن: ﻛﯿﻒ ﻳﻤﺘﻠﻚ ﺷﺨﺺ واﺣﺪ ﻋﺸﺮﻳﻦ أﻟﻒ ﻧﺎﻗﺔ؟! ﻟﺤﻈﺎت وﻛﺎﻧﺖ ﺧﻔﺎف اﻹﺑﻞ ﺗﻌﻠﻮ ﻓﻮق اﻟﻜﺜﺒﺎن اﻟﻨﺎﻋﻤﺔ ،ﺗﺘﺄرﺟﺢ ﻋﻠﻰ أﺳﻨﺎﻣﮫﺎ زﻧﺎﺑﯿﻞ اﻟﻐﻼل اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﺨﯿﺮ إﻟﻰ »ﺑﻜﺔ«. أﺻﺎب اﻟﻤﺸﮫُﺪ رﺟﺎ َ ل »ﺟﺮھﻢ« وﺣﻠﻔﺎءھﻢ ﺑﺎﻟﺬھﻮل ،اﻧﺘﺤﻰ اﻟﻔﺮﺳﺎن ﺟﺎﻧﺒًﺎ، وأﻋﺎدوا اﻟﺴﯿﻮف إﻟﻰ أﻏﻤﺎدھﺎ ،ﺛﻢ وﻗﻔﻮا إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﻌﺎﻣﺔ واﻟﺤﺠﯿﺞ ﻳﺘﻄﻠﻌﻮن إﻟﻰ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻘﺪﻣﮫﺎ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﺳﯿﺪ ﻗﺒﯿﻠﺔ »ﺧﺰاﻋﺔ« ووﻟﺪه ﺛﻌﻠﺒﺔ. اﻛﺘﻤﻠﺖ ﻏﺮاﺑﺔ اﻟﻤﺸﮫﺪ ﺑﺮؤﻳﺔ ﻧﻘﺒﺎء »ﺟﺮھﻢ« اﻟﺴﺒﻌﺔ ﻳﺴﯿﺮون ﺟﻨﺒًﺎ إﻟﻰ ﺟﻨﺐ ﻣﻊ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ اﻟﺮﻛﺐ ،ﺗﻮﻗﻔﺖ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻌﻰ، ظﻞ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻓﻲ ﻣﻮاﺿﻌﮫﻢ ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻗﻔﺰ )دﻋﺲ( ﻣﻦ ﻓﻮق ﺟﻮاده وﺳﺎر ﺧﻄﻮات، ل: ﻗﺒﻞ أن ﻳﻌﺘﻠﻲ ﺻﺨﺮة ﻋﻨﺪ أول »اﻟﻤﺮوة« وﻗﻒ ﻋﻠﯿﮫﺎ وﻗﺎل ﺑﺼﻮت ﻋﺎ ٍ أﻳﮫﺎ اﻟﻨﺎس ،ھﺬا )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ اﻟﺨﺰاﻋﻲ( ،ﺳﯿﺪ ﻗﺒﯿﻠﺔ ﺧﺰاﻋﺔ ،ﻗﺪ ﺟﺎء إﻟﻰﺣﺎ ،وﻻ ﻳﮫﺘﻚ ُ اﻟﺒﯿﺖ آﻣًﻨﺎ ﻣﻄﻤﺌًﻨﺎ ﻻ ﻳﺤﻤﻞ ﺳﻼ ً ﺣْﺮﻣﺔ ،ﺣﺎﻣًﻼ ﻣﻌﻪ ﻗﺮﺑﺎﻧﻪ إﻟﻰ ﺣﺠﯿﺞ ﺑﯿﺖ ﷲ. اﺑﺘﺴﻤﺖ ﺳﺎﺧًﺮا ﺣﯿﻦ رأﻳﺖ )دﻋﺲ( ﻳﺘﺤﺪث! ھﺎ ھﻮ ُﻳﺒ ِّ ﺪل ﺟﻠﺪه ﻣﺮة أﺧﺮى! ﺧﺮج ﻧﺎﺋﺒًﺎ ﻋﻦ »ﺟﺮھﻢ« ،ﻓﻌﺎد ﻳﺘﺤﺪث ﺑﻠﺴﺎن »ﺧﺰاﻋﺔ« ،دار ﻓﻲ ﻋﻘﻠﻲ ﺳﺆال ﻋﻤﺎ إذا ﻛﺎن ﺑﺎﻗﻲ اﻟﻨﻘﺒﺎء ﻗﺪ ﺣﺬوا ﺣﺬوه ،وإن ﺗﺸﻜﻜﺖ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺣﯿﻨﻤﺎ رأﻳﺖ اﻟﺘﺰاﻣﮫﻢ اﻟﺼﻤﺖ وﻟﻤﺤﺖ اﻟﺨﺠﻞ ﻓﻲ ﻋﯿﻮن اﻟﺒﻌﺾ ﻣﻨﮫﻢ. ﺟﺎءت اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﯿﺔ »اﻟﺼﻔﺎ« ،ﻓﻘﺪ ﻋﻠﺖ ﺟﻠﺒﺔ ،ﺛﻢ رأﻳﻨﺎ أﺷﺮاف »ﺟﺮھﻢ« ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮف اﻵﺧﺮ ﻳﺘﻘﺪﻣﮫﻢ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( وإﻟﻰ ﺟﻮاره اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( وﺧﻠﻔﮫﻢ ﻣﺎﺋﺘﺎ ﻓﺎرس ،ﻳﺮﺗﺪون ﺟﻤﯿًﻌﺎ زي اﻟﺤﺮب وإن ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﯿﻮف ﻓﻲ أﻏﻤﺎدھﺎ واﻟﺴﮫﺎم ﻓﻲ أﻛﻨﺎﻧﮫﺎ ،ﺛﻢ وﻗﻔﻮا ﻗﺒﺎﻟﺔ ﻗﺎﻓﻠﺔ »ﺧﺰاﻋﺔ« ﻓﻲ ﺛﺒﺎت ﻻ ﻳﻔﺼﻠﮫﻢ ﻋﻨﮫﺎ إﻻ رﻣﯿﺔ رﻣﺢ. ﺗﻨﻘﻠﺖ اﻷﻋﯿﻦ ﺑﯿﻦ »اﻟَﻌﻤﺮوْﻳﻦ«) ،ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( اﻟﺸﺎب اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻠﻰ ظﮫﺮه ﺗﺎرﻳﺦ أﺳﻼﻓﻪ ﻓﻲ ﺳﺪاﻧﺔ اﻟﺒﯿﺖ ﻟﺜﻼﺛﻤﺎﺋﺔ ﻋﺎم ،وﻳﻘﻒ أﻣﺎﻣﻪ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻤﺤﻨﻚ اﻟﺬي ﻳﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻗﻮﻣﻪ ﻓﻲ اﻟﻮﻻﻳﺔ وﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺆﺳﺲ ﻟﮫﺎ. أﻧﺎخ اﻟﻨﻘﺒﺎء اﻟﺴﺘﺔ اﻟﺒﺎﻗﻮن رواﺣﻠﮫﻢ ﺣﯿﻦ رأوا رﻛﺐ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﻗﺎدًﻣﺎ، ﻧﺰﻟﻮا ﻋﻦ ظﮫﻮرھﺎ وﺳﺎروا ﺗﺠﺎھﻪ ﺑﯿﻨﻤﺎ ظﻞ )دﻋﺲ( ﻋﻠﻰ وﺿﻌﻪ ﻓﻮق اﻟﺼﺨﺮة، ﻗﺎل رﺳﻮل ﻗﺒﯿﻠﺔ »ﻛﻨﺪة« وﻛﺎن أﻛﺒﺮھﻢ ﺳﻨﺎ: ﻳﺎ ﺳﺎدة »ﺟﺮھﻢ« و»ﻗﯿﺪار« ،ﻗﺪ ﺟﺎء ﺳﯿﺪ ﻗﺒﯿﻠﺔ »ﺧﺰاﻋﺔ« ﻣﺴﺎﻟ ًﻤﺎ ،ﻳﺒﻐﻲ اﻟﺒﻘﺎء ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« ﺣﺘﻰ أﺷﮫﺮ اﻟﺤﺞ ،وﻗﺪ أﻋﻄﻰ اﻟﻌﮫﺪ ﺑﺄﻻ ﻳﺮﻓﻊ ﺳﯿًﻔﺎ أو ﻳﮫﺰ رﻣ ً ﺤﺎ. ﺻﻤﺖ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﻗﻠﯿًﻼ ،ﺛﻢ ﻧﻈﺮ إﻟﻰ رﺟﺎﻟﻪ ﻋﻦ ﻳﻤﯿﻨﻪ وﻳﺴﺎره ﺛﻢ ﻗﺎل وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻗﺪ اﺗﻔﻘﻮا ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻣﺴﺒًﻘﺎ: و»ﺟﺮھﻢ« ﻻ ﺗﺮﻓﻊ ﺳﯿﻔﮫﺎ إﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎﻏﻲ اﻟﻤﻌﺘﺪي ،ﻓﻤﻦ أﺗﻰ إﻟﻰ اﻟﺒﯿﺖﻳﺴﺄل اﻷﻣﺎن ﻓﮫﻮ ﻓﻲ ﺣﻤﺎﻧﺎ إﻟﻰ أن ﻳﺮﺣﻞ! اﺑﺘﺴﻢ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﺑﺎﺳﺘﺨﻔﺎف أطﻔﺄ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻔﺨﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪث ﺑﮫﺎ )اﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﺑﺼﻮت ﻋﻤﯿﻖ ظﻨﻨﺘﻪ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺑﻄﻦ اﻟﻮادي: ﻻ ﻳﺴﺄل أﻣﺜﺎﻟﻨﺎ اﻷﻣﺎن!وﺣﻤﻰ »ﺧﺰاﻋﺔ: « ھﻮ اﻟﺤﻤﻰ ﻳﺎ )ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث(! اﻧﺘﻔﺾ ﻓﺮس ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث ،وﻛﺄﻧﻤﺎ أﻏﻀﺒﺘﻪ إھﺎﻧﺔ ﺳﯿﺪه ،ﻓﺮﻓﻊ ﺳﺎﻗﯿﻪ اﻷﻣﺎﻣﯿﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﮫﻮاء ،ﺛﻢ دار دورﺗﯿﻦ ﺣﻮل ﻧﻔﺴﻪ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺴﺘﻘﺮ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻧﺎﻓًﺮا ﻓﻲ ﻏﻀﺐ ،ﺛﻢ ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو( وھﻮ ﻳﻠﮫﺚ ﻣﻨﻔﻌًﻼ: ﻟﻠﺒﯿﺖ ﺳﺪﻧﺔ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﻋﻠﻰ ﻓﺮاﺋﻀﻪ ﻳﺎ )ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ،وﻓﺮﻳﻀﺔ اﻟﺒﯿﺖ اﻟُﻌﺸﺮ ﻣﻤﺎﺗﺤﻤﻠﻮن! اﺗﺴﻌﺖ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ )اﺑﻦ ﻟﺤﻲ( أﻛﺜﺮ وﻗﺎل ﻓﻲ ھﺪوء رﺟﻞ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ طﻔﻞ ﻣﻨﻔﻌﻞ وﻻ ﻳﺄﺑﻪ ﺑﻤﺎ ﻳﻘﻮل: وﻓﯿ َﻢ ﺗﻨﻔﻘﻮن اﻟُﻌﺸﺮ ﻳﺎ ﻓﺘﻰ »ﺟﺮھﻢ«؟! ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺠﯿﺞ أم ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﻜﻢ أم ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻼح؟! رﻓﻊ )ﻋﻤﺮو( رأﺳﻪ ﻓﻲ ﺷﻤﻢ ،ﺛﻢ أﺷﺎر ﺑﯿﺪه إﻟﻰ ﺟﺒﺎل »اﻟﺤﺠﻮن« اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ أطﺮاف »ﺑﻜﺔ« ﻣﻦ ﺟﮫﺔ اﻟﺸﺮق وﻗﺎل: َﻞ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ »اﻟﺤﺠﻮن« إﻟﻰ »اﻟﺼﻔﺎ« ﻋﻤﺎ ﺟﺎدت ﺑﻪ أﻳﺎدي »ﺟﺮھﻢ« ﺳ ِ ﻋﻠﯿﮫﻢ. ﺿﺤﻚ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﺿﺤﻜﺔ أطﺎﺣﺖ ﺑﮫﯿﺒﺔ )اﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ،وأﺷﻌﻠﺖ ﻏﯿﻈﻪ ﺛﻢ ﻗﺎل ﻣﺨﺎطﺒًﺎ اﻟﺠﻤﻮع ﻣﻦ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( واﻟﺤﺠﯿﺞ: اﻧﻈﺮوا ﻳﺎ أھﻞ »ﺑﻜﺔ«!ﻳﻨﻔﻘﻮن ﻗﺮاﺑﯿﻦ اﻟﺒﯿﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺠﯿﺞ ﺛﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮن: ھﺬا ﻣﺎ ﺟﺎدت ﺑﻪ ﻳﺪ »ﺟﺮھﻢ« ﻋﻠﻰ أھﻞ »ﺑﻜﺔ«. ﺛﻢ ﺻﺮخ ﻓﻲ ﻏﻀﺐ ھﺎدر أرھﺐ اﻟﻘﻠﻮب: اﻟﺠﻮد ﺑﻤﺎ ﺗﻤﻠﻚ ﻳﺎ )ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ،وﻟﯿﺲ ﺑﺄﻣﻮال اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ.ﺻﻤﺖ اﻟﺠﻤﯿﻊ ،ﻓﻠﻠﺤﻘﯿﻘﺔ ﺳﻄﻮع ﻣﺜﻞ اﻟﺸﻤﺲ ﻳﺆذي ﻋﯿﻮن اﻟﻤﺘﻌﺎﻣﯿﻦ ﻋﻨﮫﺎ، رأﻳﺖ ﻏﻀﺒًﺎ ﻳﻜﺴﻮ وﺟﻮه ﺑﻌﺾ اﻟﺠﻤﻮع اﻟﻤﺘﺠﻤﮫﺮة وﻧﻜﻮ ً ﺳﺎ أﺻﺎب رءوس اﻟﺒﻌﺾ ،ﻋﺠﺒًﺎ ﻷﻣﺮ ھﺬا اﻟﺮﺟﻞ اﺳﺘﻄﺎع ﺑﻐﯿﺮ ﺳﯿﻒ وﻻ رﻣﺢ أن ﻳﺼﯿﺐ ﻏﺮﻳﻤﻪ ﻓﻲ ﻣﻘﺘﻞ! ﺑﺎت ﺟﻠﯿﺎ أ ﱠ ن ﻣﻌﺮﻛﺔ اﻟﻜﻼم ﺧﺎﺳﺮة ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻏﻤﻐﻢ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﺑﻜﻠﻤﺎت ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﮫﺎ ﻛﻲ ﻳﻮﻗﻒ ﻧﺰﻳﻒ ﻛﺮاﻣﺘﻪ ﻓﻘﺎل: ﻗﻞ ﻣﺎ ﺷﺌﺖ!ل ﻛﻲ ﻳﺴﻤﻌﻪ اﻟﺠﻤﯿﻊ: ﻓﻠﻦ ﻳﻨﻜﺮ ِ ﻋﱠﺰﻧﺎ إﻻ ﺟﺎﺣﺪ ،ﺛﻢ أﻧﺸﺪ ﻓﻲ ﺻﻮت ﻋﺎ ٍ ﻢ ﺑِ ُ ﻈ ْ ﻜَﻨﺎ ﻤْﻠ ِ َﻣﻠَْﻜَﻨﺎ َﻓَﻌﱠﺰْزﻧَﺎ َﻓﺄَْﻋ ِ ﻲ َﻏْﯿِﺮﻧَﺎ ﺛَ ﱠ ﺲ ﻟِ َ َﻓﻠَْﯿ َ ﺧُﺮ ﻢ َﻓﺎ ِ ﺤ ٍّ وﻛﺄﻧﻤﺎ أﻋﻄﻰ ﺑﺄﺑﯿﺎﺗﻪ اﻟﻔﺮﺻﺔ لـ)ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﻛﻲ ﻳﺠﮫﺰ ﻋﻠﯿﻪ ،ﻓﺄﻟﻘﻰ )اﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﺑﺴﮫﻤﻪ اﻷﺧﯿﺮ ﻗﺎﺋًﻼ ﺑﺼﻮت ﻓﺎق ﺻﻮت ﻋﻤﺮو ﻋﻠﻮا: أﻳﮫﺎ اﻟﻨﺎس ،ﻣﺎ ﺟﺌﻨﺎﻛﻢ ﻛﻲ ﻧﻔﺎﺧﺮﻛﻢ ﺑﻤﻠﻚ أو ﻧﻤﻦ ﻋﻠﯿﻜﻢ ﺑِﻌﺰ ،ﻓﻼ ﻋﺰ إﻻ ﻟﺮبھﺬا اﻟﺒﯿﺖ! ھﺬي ﺗﺠﺎرﺗﻨﺎ ﻗﺪ أﺗﯿﻨﺎ ﺑﮫﺎ إﻟﯿﻜﻢ ،ﻻ ﻧﻘﻮل ھﺬا ﻟﻨﺎ وھﺬا ،ﺑﻞ ھﻲ ﻛﻠﮫﺎ ،ﻟﻦ ﻳﺒﻘﻲ ﺟﺎﺋﻊ ،وﻻ ﻣﻌﺘﺮ ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« وﻻ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﮫﺎ ،ﻓﻤﻦ أراد طﻌﺎًﻣﺎ أطﻌﻤﻨﺎه ،وﻣﻦ أراد ﻛﺴﻮة ﻛﺴﯿﻨﺎه ،واﻟﻔﻀﻞ ﻟﻜﻢ وﻻ ﻣﻨﺔ إﻻ ! ﺛﻢ ھﺘﻒ ﻓﻲ رﺟﺎﻟﻪ: -أﻧﯿﺨﻮا اﻟﺪواب! ﻓﮫﻨﺎ ﺳﯿﻜﻮن ﺣﻲ »ﺧﺰاﻋﺔ« ﺑﺈذن ﷲ! واﻧﻄﻠﻘﺖ اﻟﺤﻨﺎﺟﺮ اﻟﺠﺎﺋﻌﺔ ﺗﮫﺘﻒ لـ)ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﺑﺎﻟﺤﻤﺪ واﻟﺸﻜﺮ ،وﺣﯿﻦ أﻧﺎخ داﺑﺘﻪ ،اﻧﻄﻠﻖ اﻟﻨﺎس إﻟﯿﻪ ُﻳﻘ ِﺒ ّﻠﻮن رأﺳﻪ وﻳﺪه ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺳﺤﺐ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( رﺟﺎﻟﻪ ،ﻳﻈﻠﻠﮫﻢ اﻟﻮﺟﻮم وﻗﺪ أدرﻛﻮا أن اﻷﻳﺎم اﻟﻤﻘﺒﻠﺔ ﺳﺘﻜﻮن ُ ﺣْﺒﻠﻰ ﺑﺎﻟﻐﺪر ﺑﻌﺪ أن ﻟﻘﺤﮫﺎ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﺑﺎﻟﻤﻜﺮ. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ واﻷرﺑﻌﻮن ﻣﺮت اﻟﺸﮫﻮر ،واﻗﺘﺮﺑﺖ أﻳﺎم اﻟﺤﺞ ﻓﻲ ﺷﮫﺮ )ُﺑَﺮك( اﻟﺬي ﺗﺒﺮك ﻓﯿﻪ اﻹﺑﻞ اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻓﺞ ﻋﻤﯿﻖ ،ﻟﺘﺤﻞ ﻣﻌﮫﺎ ﺑﺮﻛﺎت اﻟﺤﺠﯿﺞ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻠﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﮫﻮي إﻟﯿﮫﺎ اﻷﻓﺌﺪة ،رأﻳﺖ أﺻﻨﺎًﻓﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺸﺮ ﻟﻢ أرھﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ واﺳﺘﻤﻌﺖ إﻟﻰ ﻟﮫﺠﺎت ﺷﺘﻰ ﻟﻢ أﻓﮫﻢ ﻣﻌﻈﻤﮫﺎ ،وﻋﻠﻤﺖ أن ﺑﻄﻮن اﻟﻌﺮب ﻣﻦ وﻟﺪ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أن ُﺗﺤﺼﻰ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻛﺎن اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻳﻄﻮﻓﻮن ﺣﻮل ﺑﯿﺖ واﺣﺪ ،وﻳﻠﮫﺠﻮن ﺑﻨﺪاء واﺣﺪ، وﻳﺴﺘﺘﺮون ﺑﺮداء واﺣﺪ ،وﻳﺼﻌﺪون إﻟﻰ ﺟﺒﻞ واﺣﺪ ،اﻟﻮﺣﺪاﻧﯿﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻘﻌﺔ ﻛﺎﻧﺖ ھﻲ اﻟﺸﻲء اﻷﻗﺪس واﻷﻛﺜﺮ ﺗﻤﯿًﺰا ،ﻟﻢ ﻳﺨﺮق ﻧﺎﻣﻮس اﻟﻮﺣﺪاﻧﯿﺔ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻌﺎم ﺷﻲء ﺳﻮى اﻟﻮﻓﺎدة ،ﻓﻤﻦ ﻗﺎم ﻋﻠﻰ وﻓﺎدة اﻟﺤﺠﯿﺞ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻌﺎم ﻛﺎﻧﺘﺎ ﻗﺒﯿﻠﺘﯿﻦ ﺑﺪًﻻ ﻣﻦ ﻗﺒﯿﻠﺔ واﺣﺪة ،اﻣﺘﺪت ﺧﯿﺎم »ﺧﺰاﻋﺔ« ،ﻣﻦ ﻧﮫﺎﻳﺔ »اﻟﻤﺮوة« وﺣﺘﻰ ﺟﺒﻞ »ﻗﻌﯿﻘﻌﺎن« ،وﻓﯿﮫﺎ ﻛﺎن اﻟﻄﻌﺎم ﻳﻌﺪ ﻹطﻌﺎم اﻟﺤﺠﯿﺞ ،واﻣﺘﺪت ﺧﯿﺎم »ﺟﺮھﻢ« ﻣﻦ »اﻟﺼﻔﺎ« وﺣﺘﻰ »ﺑﺌﺮ زﻣﺰم« ،وﻣﻨﮫﺎ ﻛﺎن اﻟﻤﺎء ﻳﺨﺮج ﻟﺴﻘﺎﻳﺔ زوار اﻟﺒﯿﺖ. رﻏﻢ اﻧﺸﻐﺎﻟﻲ ﺑﺼﻨﻊ اﻟﺼﻨﺎدﻳﻖ أﺣﯿﺎﻧًﺎ واﻧﺸﻐﺎﻟﻲ ﺑﺎﻟﺒﯿﻊ ﺑﺪًﻻ ﻣﻦ )ﻟﯿﺚ( ﻓﻲ اﻟﺴﻮق أﺣﯿﺎﻧًﺎ أﺧﺮى ،ﻟﻢ أﻣﻨﻊ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﺴﺎت ﻣﻦ اﻟﻨﻮر ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم. راﻓﻘﺖ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( و)ﻟﯿﺚ( ﻓﻲ ﻣﻮاﺿﻊ ﺷﺘﻰ ﺣﻮل اﻟﺒﯿﺖ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻄﻠﻘﻮن ﻋﻠﻰ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﮫﺎ اﺳﻢ )اﻟ َ ﻤﺸَﻌﺮ( ،ﻳﺴﺘﺤﻀﺮون ﻓﯿﮫﺎ ﻣﺸﺎﻋﺮ ﺗﻀﺎﻓﺮت ﻛﺄﻏﺼﺎن ﺷﺠﺮة ﻣﻠﺘﻔﺔ ،ﻣﺰﺟﺖ ﺑﯿﻦ رﺣﻤﺎت ﺗﺠﻠﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ورﺣﻤﺎت ﺗﺮﺗﺠﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﺎﺿﺮ. ھﻨﺎ ھﺮوﻟﺖ اﻟﺠﺎرﻳﺔ )ھﺎﺟﺮ( أم )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﺑﯿﻦ »اﻟﺼﻔﺎ« و»اﻟﻤﺮوة« ،ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻤﺎء ﻟﻮﻟﯿﺪھﺎ ،ﺗﺴﻌﻰ رﻏﻢ اﻧﻘﻄﺎع اﻷﻣﻞ ،ﻓﯿﺘﻔﺠﺮ اﻟﻤﺎء ﻟﺴﻌﯿﮫﺎ وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻟﯿﻌﻠﻤﮫﻢ اﻟﺮب أن اﻟﺴﻌﻲ ﻣﻌﻘﻮد ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺟﺎء ،وھﻨﺎك اﻧﺘﺼﺮ أﺑﻮﻧﺎ )إﺑﺮام( ﻋﻠﻰ ھﻤﺴﺎت اﻟﯿﺄس ووﺳﻮﺳﺎت اﻟﺘﺜﺒﯿﻂ؛ رﺟﻢ اﻟﺸﯿﻄﺎن اﻟﺬي رآه أو اﺳﺘﺸﻌﺮه ﻻ ﻦ ﻟﻪ ﻋﺰم ،وﺑﯿﻦ ھﻨﺎ وھﻨﺎك ،ﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﺠﺒﻞ أدري ،وﻟﻜﻨﻪ اﻧﺘﺼﺮ ﻋﻠﯿﻪ وﻟﻢ ﻳﻨﺜ ِ اﻟﺬي ﻳﻘﻔﻮن ﻓﻮﻗﻪ ﻳﻌﺘﺮﻓﻮن ﺑﺬﻧﻮﺑﮫﻢ ،وﻳﺮﺟﻮن رﺣﻤﺔ رﺑﮫﻢ ،ﻳﺘﺤﺪﺛﻮن إﻟﯿﻪ ﻻ ﺣﺠﺎب. ﻳﻔﺼﻞ ﺑﯿﻨﮫﻢ وﺑﯿﻦ أﺑﻮاب اﻟﺴﻤﺎء ِ أﻣﺎ آﺧﺮ اﻷﻳﺎم ﻓﻜﺎن أﻋﻈﻤﮫﺎ وأﺟﻮدھﺎ ،ﻗﺪﻣﺖ اﻟﻘﺮاﺑﯿﻦ إﺣﯿﺎًء ﻟﺬﻛﺮى ﻓﺪاء أﺑﯿﮫﻢ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ،اﻣﺘﻸ ﺣﺮم اﻟﺒﯿﺖ واﻷﺣﯿﺎء اﻟﻤﺤﯿﻄﺔ ﺑﻪ ﺑﻠﺤﻮم اﻟﻘﺮاﺑﯿﻦ ودﻣﺎﺋﮫﺎ، رأﻳﺖ اﻷﺣﺒﺎش وﻋﺒﺪة اﻷوﺛﺎن ﻳﺄﺗﻮن ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮب ،وﻣﻦ ﺑﻄﻮن اﻟﺠﺒﺎل ﻳﺮﺟﻮن أن ﻳﻨﺎﻟﻮا ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻮم ﻓﻠﻢ ﻳُﺮدھﻢ أﺣﺪ ،ﻟﻢ ُﻳﺴﺄل أﺣﺪ ﻋﻦ ﺟﻨﺴﻪ ،أو ﻗﺒﯿﻠﺘﻪ أو إﻳﻤﺎﻧﻪ ،واﻟﺤﻖ أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أَر ﻣﺜﻞ ھﺬا اﻟﻌﻄﺎء ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺸﺮوط ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ »ﺳﯿﻦ«، ﻓﮫﻨﺎ ﺗﺘﻨﺰل اﻟﺮﺣﻤﺎت ﺑﻼ ﺷﺮط وﻻ اﻧﺘﻘﺎء. وﺗﻨﺎﻓﺴﺖ »ﺟﺮھﻢ« و»ﺧﺰاﻋﺔ« ﻓﻲ اﻟﺬﺑﺎﺋﺢ؛ ذﺑﺢ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﺧﻤﺴﯿﻦ رأس ﺑﻌﯿﺮ ،ﻓﺮد ﻋﻠﯿﻪ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﺑﺬﺑﺢ ﻣﺎﺋﺔ رأس ،ﻓﻀًﻼ ﻋﻦ ﻋﺸﺮات اﻟﺬﺑﺎﺋﺢ اﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﺘﮫﺎ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻗﺮﺑﺎﻧًﺎ ﻟﻠﺒﯿﺖ ،اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﺑﯿﻦ اﻷﻏﻨﯿﺎء ﺗﻌﻮد ﺑﺎﻟﻨﻔﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘﺮاء داﺋ ً ﻤﺎ ﺣﺘﻰ وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ رﻳﺎًء. ُ ﻛﻨﺖ أﺟﻠﺲ أﻧﺎ و)ﻟﯿﺚ( واﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻓﻲ ﺧﯿﻤﺔ ﺿﻤﻦ ﻣﺨﯿﻢ أﻗِﯿﻢ ﻓﻲ وادي ﺑﯿﻦ ﺟﺒﻞ ﻋﺮﻓﺔ وﺑﯿﺖ اﻟﺮب ،ﻳﺴﺘﺮﻳﺢ ﺑﻪ اﻟﺤﺠﯿﺞ ﺑﻌﺪ ﻳﻮم ﻋﺮﻓﺔ ،أﻋﺪ اﻟﻄﮫﺎة ﻟﺤﻢ ﺟﺰور ﻓﻄﻌﻤﻨﺎ ﻣﻨﻪ وطﻌﻤﻪ اﻟﻔﻘﺮاء أﻳ ً ﻀﺎ. اﺑﺘﺴﻢ )ﻟﯿﺚ( وﻗﺎل: أراك أدﻳﺖ ﻣﻨﺎﺳﻜﻨﺎ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،وﻛﺄﻧﻚ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﺔ أﺑﯿﻨﺎ )إﺑﺮاھﯿﻢ(.ﻟﻢ أﺗﺮدد ﻓﻲ اﻹﺟﺎﺑﺔ ،ﻓﻘﻠﺖ ﻓﻲ ﻏﯿﺮ ﺗﺮدد: أﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﺔ أﺑﯿﻨﺎ )إﺑﺮام( ﻳﺎ )ﻟﯿﺚ( ،وظﻨﻲ أﻧﻪ ﻣﺎ ﻣﻦ دﻋﻮة ﺗﺪﻋﻮ إﻟﻰ اﻟﺨﯿﺮ،وﺗﺪﻋﻮ إﻟﻰ ﻋﺒﺎدة اﻟﺮب اﻟﻮاﺣﺪ إﻻ وھﻲ دﻋﻮة أﺑﯿﻨﺎ )إﺑﺮام(. رﻓﻊ )ﻟﯿﺚ( ﺣﺎﺟﺒﯿﻪ ﻣﻨﺪھ ً ﺸﺎ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ اﻧﺘﺒﻪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻟﻜﻠﻤﺎﺗﻲ ﻓﻘﺎل ﻓﻲ ﺣﺒﻮر: ﺑﺎرك اﻟﺮب ﻓﯿﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،أﺻﺒﺖ ﻛﺒﺪ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ،ﻓﺈﻧﻤﺎ ھﻲ ﻣﺸﻜﺎة واﺣﺪةﻳﻘﺘﺒﺲ ﻣﻨﮫﺎ اﻟﻜﻞ ﻧﻮره. ﻗﻠﺖ وﻗﺪ أﻣﺴﻜﺖ ﺑﻄﺮف اﻟﺨﯿﻂ ﻣﻦ ﺗﺸﺒﯿﻪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: ﻛﻨﺖ أﻧﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﻨﻮر ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺛﻘﺐ ﺿﯿﻖ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،أﻣﺎ اﻵنﻓﺎﻟﻨﻮر ﻳﻤﻸ ﻗﻠﺒﻲ وﺑﺼﺮي. ﺛﻢ أردﻓﺖ: أﺗﺪري ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،ﻟﻘﺪ رأى أﺑﻲ ذﻟﻚ اﻟﻨﻮر رﻏﻢ اﻟﻈﻼم اﻟﺬي ﻋﺸﻨﺎه ﻓﻲﺑﺮﻳﺔ »ﺳﯿﻦ« ،ﻧﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﻨﻮر ﻣﻦ ﺧﻼل ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻓﻤﻸ اﻹﻳﻤﺎن ﻗﻠﺒﻪ، ﻟﻢ ﻳﻔﺘﺢ ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻗﻠﻮﺑﮫﻢ وﺻﺪورھﻢ ﻣﺜﻠﻪ ،أوﺻﺪوھﺎ ،ﻓﻌﻤﯿﺖ أﻋﯿﻨﮫﻢ ﻋﻦ اﻟﺮؤﻳﺔ ،ﻟﻮ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺜﻞ أﺑﻲ ﻟﻜﺎن ﻧﻮر اﻟﺮب ﻗﺪ ﻣﻸ ﺑﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﻤﻸ ﺑﺮﻳﺔ ﻓﺎران اﻵن. ﺻﻤﺖ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،وظﻞ ﻣﻄﺮًﻗﺎ ﻟﺤﻈﺎت ﻗﺒﻞ أن ﻳﻘﻮل: ﻣﻦ ﻳﺪري ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻟﻌﻞ ﷲ ﻳﺪﻳﺮ ﻣﺸﻜﺎﺗﻪ ﻣﻦ »ﺑﻜﺔ« إﻟﻰ »ﺳﯿﻦ«!ﺷﻌﺮت ﺑﺘﺨﻮﻓﻪ ﻣﻤﺎ ﺗﺤﻤﻠﻪ اﻷﻳﺎم اﻟﻤﻘﺒﻠﺔ ﻓﻘﻠﺖ وﻗﺪ ﻓﮫﻤﺖ ﻣﻐﺰى ﻛﻼﻣﻪ: أﺗﻈﻦ أن »ﺧﺰاﻋﺔ« ﻟﻦ ﺗﺮﺣﻞ ﺑﻌﺪ اﻧﻘﻀﺎء اﻟ َﺤﺞ؟ أﻣﺎل رأﺳﻪ ﺟﺎﻧﺒًﺎ واﻟﺘﻔﺖ إﻟﻰ ﺧﯿﺎﻣﮫﻢ اﻟﺘﻲ ﻣﻸت »ﻗﯿﻘﻌﺎن« وﻗﺎل: ھﺬه ِرﺣﺎ ٌل إذا ﺑﺮﻛﺖ ﻟﻢ ﺗﻈﻌﻦ! ﻟﻢ أﻓﮫﻢ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺬي ﺿﺮﺑﻪ ﻓﺄردف ﻣﺒﯿًﻨﺎ: أﺗﻰ )اﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻠﻚ ،وھﺬا ﺷﺄن اﻟﻤﺴﺘﻘﺮ ،وﻟﯿﺲ اﻟﻤﻐﺎدر.ﻗﻠﺖ: ت ﺑﻔﺮﺳﺎن وﻻ ﺑﺴﻼح. وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺄ ِﻗﺎل: ت ﺑﻮﻟﺪه )ﺛﻌﻠﺒﺔ(. وﻟﻢ ﻳﺄ ِﻗﻠﺖ وﻗﺪ ﺳﺎورﻧﻲ اﻟﻘﻠﻖ: أﺗﻈﻨﻪ ﻳﻐﯿﺮ ﻋﻠﻰ »ﺑﻜﺔ« ﺑﻌﺪ اﻧﻘﻀﺎء اﻟﺤﺞ؟ﺑﺎﻋﺪ ﺑﯿﻦ ﻛﻔﯿﻪ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻻ أدري ،وﻟﻜﻦ إن ﻟﻢ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺮاده ﺑﺎﻟﻤﺎل ،ﻓﺴﯿﺤﺼﻞ ﻋﻠﯿﻪ ﺑﺎﻟﺴﯿﻒ.ﻟﺬﻧﺎ ﺑﺎﻟﺼﻤﺖ ُﺑﺮھﺔ ،ﻻ أدري ﻟﻤﺎذا ﻗﻔﺰت إﻟﻰ ﻣﺨﯿﻠﺘﻲ ﺻﻮرة اﻟﻌﺮاﻓﺔ )أم إﻳﺎس( ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ،ﺗﺬﻛﺮت ﻣﺎ ﻗﺎﻟﺘﻪ ﻟﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﻤﻈﻠﻤﺔ؛ ﻗﺎﻟﺖ: ﻋﻤﺎ ﻗﺮﻳﺐ ﺗﻔﻘﺪ ﺳﻨﺪك ،وﻗﺪ ﺗﺮﻛﺖ )أروى( ﻓﻲ »ﻳﺜﺮب«. ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ: إذا وﻗﻊ اﻟﺨﻄﺐ ھﻨﺎك ﻓﺎﻧ ُ ﺞ ﺑﺄھﻠﻚ. ﻓﻤﺎذا ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺼﺪ ﺑﺎﻟﺨﻄﺐ ،أھﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮب ،أم أﻣﺮ آﺧﺮ ،أم أن اﻷﻣﺮ ﻻ ﻳﻌﺪو ﺗﺮھﺎت ﺻﺎدﻓﮫﺎ واﻗﻊ ﻳﺴﮫﻞ اﺳﺘﺸﺮاﻓﻪ؟ اﻧﻘﻀﺖ أﻳﺎم اﻟﺤﺞ ،وﻗﻔﻠﺖ رواﺣﻞ اﻟﺤﺠﯿﺞ ﻋﺎﺋﺪة إﻟﻰ أوطﺎﻧﮫﺎ ،أدرﻛﺖ وﺿًﻌﺎ ﻟﻢ أره ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ورأﻳﺖ ﺣﺎﻟﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس ﻟﻢ أرھﺎ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم، ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﺿﻰ واﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺮﺑﺢ ،ﻓﻘﺪ رﺑﺢ اﻟﺠﻤﯿﻊ ،رﺑﺢ اﻟﻨﺎﺳﻚ ،ورﺑﺢ اﻟﺘﺎﺟﺮ، ورﺑﺢ اﻟﻔﻘﯿﺮ ،ورﺑﺢ اﻟﺴﺎدة واﻷﺷﺮاف ،رﺑﻤﺎ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي طﺎﻟﺘﻪ اﻟﺨﺴﺎرة ﻛﺎن )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث اﻟﺠﺮھﻤﻲ( ،ﻟﻢ ﻳﺨﺴﺮ ﻣﺎًﻻ ،ﻓﻤﺎ أوﺗﯿﻪ ﻣﻦ ﻗﺮاﺑﯿﻦ وھﺪاﻳﺎ ﻷﺟﻞ اﻟﺒﯿﺖ ﻳﻔﻮق ﻗﺪرة ﺻﻮاﻣﻌﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﺨﺰﻳﻨﮫﺎ ،وﻟﻜﻨﻪ ﺧﺴﺮ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﺑﻌﺪ أن ﺑﺪا ﺟﻠﯿﺎ أن )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﻗﺪ زﻟﺰل ﺑﺠﻮده وﻋﻄﺎﺋﻪ ﻣﻜﺎﻧﺔ »ﺟﺮھﻢ« ﻓﻲ اﻟﻮﻓﺎدة. ﻓﺮﻏﺖ »ﺑﻜﺔ« ﻣﻦ ﺿﺠﯿﺠﮫﺎ وزﺣﺎﻣﮫﺎ ،وذھﺒﺖ ﺳﺤﺎﺑﺔ اﻹﻳﻤﺎن اﻟﺘﻲ ظﻠﻠﺖ اﻟﺒﯿﺖ ﻣﻊ أﻧﻔﺎس اﻟﺒﺴﻄﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﺟﺎءوه ﺷﻌًﺜﺎ ﻏﺒًﺮا ﻣﻦ ﻛﻞ ﻓﺞ ﻋﻤﯿﻖ ،وﻟﻢ ﻳﺒ َ ﻖ ﺑﮫﺎ إﻻ ﺳﺎدة اﻟﻌﺮب اﻟﺬﻳﻦ اﺟﺘﻤﻌﻮا ﻛﻲ ﻳﻀﻌﻮا ﺣﺪا ﻟﻠﺼﺮاع اﻟﺪاﺋﺮ ﻋﻠﻰ وﻻﻳﺔ اﻟﺒﯿﺖ ،ﺟﻤﯿﻞ أن ﻳﻜﻮن ﻣﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﺴﺎدة ﻣﻦ ﻳﺪﻋﻮ إﻟﻰ اﻟﺤﻜﻤﺔ ،وﻳﮫﺘﻢ ﻷﻣﺮ اﻟﻮﺣﺪة ،وﻟﻜﻦ اﻟﺨﻮف ﻣﻦ أن ﺗﺸﺘﺮي اﻷﻧﻔﺲ ﺑﺎﻟﻤﺎل أو أن ﺗﻤﺘﻄﻲ اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﺟﻮاد اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﺘﻮﺟﮫﻪ ﻛﯿﻒ ﺗﺸﺎء! أﻗﯿﻤﺖ ﻓﻲ »ﻗﯿﻘﻌﺎن« ﺳﻘﯿﻔﺔ لـ)ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ،ﻓﺎﻗﺖ ﺳﻘﯿﻔﺔ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﻓﻲ »أﺟﯿﺎد« ،وﺗﺮدد اﻟﻮﺳﻄﺎء ﻣﻦ ذوي اﻟﺤﻜﻤﺔ ﺑﯿﻦ »ﻗﯿﻘﻌﺎن« و»أﺟﯿﺎد« ﻛﻲ ﻳﻤﺪوا ﺟﺴﻮر اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﺑﯿﻦ اﻟﺰﻋﯿﻤﯿﻦ اﻟﻤﺘﻨﺎﻓﺮﻳﻦ ،وﻛﺎن ﻣﻦ ھﺆﻻء اﻟﻮﺳﻄﺎء اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،و)اﻟﻐﻮث( ﺳﯿﺪ ﻗﺒﯿﻠﺔ »طﯿﺊ«. ﺤﺠﺮ( ،وﺑﺤﺜﺖ ﺣﯿﻦ رأﻳﺖ اﻟﻐﻮث ﺗﺬﻛﺮت ﺻﺪره اﻟﻌﺎري اﻟﻤﺘﮫﺪل ﻓﻲ ﺣﻤﺎم )اﻟ ِ ﻋﯿﻨﺎي ﻋﻦ رﻓﯿﻘﻪ اﻟﻤﻨﻤﻖ )زﺑﯿﺪ( ﻓﻮﺟﺪﺗﻪ وﻗﺪ ﺑﺪا أﻛﺜﺮ ﻧﺤﻮًﻻ وإن ﺣﺎﻓﻈﺖ ﻋﯿﻨﺎه ﻋﻠﻰ ﺑﺮﻳﻖ اﻟﻤﻜﺮ ﻓﯿﮫﻤﺎ ،أﺳﺘﻄﯿﻊ أن أﺧﻤﻦ ﻟﻤﺎذا واﻓﻘﺖ »ﺟﺮھﻢ« ﻋﻠﻰ )اﻟﻐﻮث( وﺳﯿﻄًﺎ رﻏﻢ ﻣﺎ ﺑﯿﻨﻪ وﺑﯿﻦ ﻗﺒﯿﻠﺔ »ﺧﺰاﻋﺔ« ﻣﻦ ﻣﺼﺎھﺮة وﻋﮫﺪ. ﺤﺠﺮ( ﻛﺎن ﻳﺸﻲ ﺑﺒﻐﻀﻪ ﻓﺤﺪﻳﺚ )اﻟﻐﻮث( اﻟﺬي اﺳﺘﻤﻌﺖ إﻟﯿﻪ ﻓﻲ ﺣﻤﺎم )اﻟ ِ لـ)ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( رﻏﻢ اﻟﻘﺮاﺑﺔ ﺑﯿﻨﮫﻤﺎ. اﻗﺘﺮح )اﻟﻐﻮث( أن ﺗﻌﻮد »ﺧﺰاﻋﺔ« إﻟﻰ دﻳﺎرھﺎ ،وأن ﺗﺄﺗﻲ ﺑﺘﺠﺎرﺗﮫﺎ ﻛﻞ ﻋﺎم ﻋﻠﻰ أن ﺗﻌﻔﻲ ﻣﻦ )اﻟﻌ ُ ﺸﺮ( ﻋﻦ دﺧﻮل »ﺑﻜﺔ«. ﻛﺎن واﺿ ً ﺤﺎ أﻧﻪ ﻳﺤﻤﻞ رﺳﺎﻟﺔ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( اﻟﺘﻲ ﻟﻘﻨﮫﺎ ﻟﻪ. ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﻣﺆّﻣًﻨﺎ: وﻛﺄن ﻏﻀﺒﺔ »ﺧﺰاﻋﺔ« ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻤﺎل أو ﺗﺠﺎرة ﻳﺎ ﺳﯿﺪ ﻗﺒﯿﻠﺔ »طﯿﺊ«!ﻗﺎل )اﻟﻐﻮث( ﻓﻲ ﺟﺪﻳﺔ ﺑﺎطﻨﮫﺎ اﻟﺘﮫﻜﻢ وإن ﻟﻢ ﻳﺒُﺪ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ ﺷﻲء: وﻓﯿﻢ اﻟﻐﻀﺒﺔ إذن ﻳﺎ ﺳﯿﺪ ﺧﺰاﻋﺔ؟ﻗﺎل )اﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﻣﻠﻤﻠ ً ﻤﺎ ﻋﺒﺎءﺗﻪ اﻟﺤﺮﻳﺮﻳﺔ ﺗﺤﺖ إﺑﻄﻪ: ﻏﻀﺒﺔ ﻟﻠﺒﯿﺖ اﻟﺬي اﻧﺘﮫﻜﺖ ُﺣﺮﻣﺘﻪ وﻓﺠﺮ ﺑﻪ اﻟﺰواﻧﻲ! وﻏﻀﺒﺔ ﻟﻠﻔﻘﺮاء اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﺘﺺ اﻟُﻌﺸﺮ ﻣﻦ أﻣﻮاﻟﮫﻢ! وﻏﻀﺒﺔ ﻷﻣﻮال اﻟﺒﯿﺖ وﺟﻮاھﺮه اﻟﺘﻲ ﺗﺰﻳﻦ ﺑﯿﻮت اﻟﺴﺎدة ﻣﻦ »ﺑﻨﻲ ﺟﺮھﻢ«. ﻗﺎل )اﻟﻐﻮث(: وﻣﺎ اﻟﺴﺒﯿﻞ ﻟﺤﻘﻦ اﻟﻐﻀﺐ ﻳﺎ ﺳﯿﺪ ﺧﺰاﻋﺔ؟!ﻗﺎل )اﺑﻦ ﻟﺤﻲ( وھﻮ ﻳﻠﻮح ﺑﯿﺪه ﻓﻲ اﻟﮫﻮاء: ﺗﺮﺣﻞ »ﺟﺮھﻢ« ﻋﻦ »ﺑﻜﺔ« وﻳﻘﻮم ﻋﻠﻰ أﻣﺮ اﻟﺒﯿﺖ ﻣﻦ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻰ ﺧﺪﻣﺘﻪ ﺑﻼﺟﻮر وﻻ ظﻠﻢ! ظﮫﺮ اﻟﻐﻀﺐ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ )اﻟﻐﻮث( وﻗﺎل: أﻣﺮ اﻟﺒﯿﺖ ﻣﻮﻛﻮل لـ)ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﻣﻨﺬ أﻧﺸﺄه ﺟﺪھﻢ ﻳﺎ )ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ،وﻗﺪُ ﺧﺬ ﻣﻦ »ﺟﺮھﻢ« ﻟﻌﺎد ﺗﺮﻛﻮه ﻷﺧﻮاﻟﮫﻢ ﻣﻦ »ﺟﺮھﻢ« ﻋﻦ طﯿﺐ ﺧﺎطﺮ ،وإن أ ِ إﻟﯿﮫﻢ ،وﻻ ﺷﺄن ﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮب ﺑﺬﻟﻚ! ﻗﺎل )اﺑﻦ ﻟﺤﻲ(: وﻣﺎذا ﻟﻮ ﺗﺮك )ﺑﻨﻮ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( أﻣﺮ اﻟﺒﯿﺖ ﻟﺨﺰاﻋﺔ؟!ﻗﺎل )ﻏﻮث( ﻓﻲ ﻏﻀﺐ ﺣﻘﯿﻘﻲ ھﺬه اﻟﻤﺮة: ﺗﻜﻮن أﻟﱠﺒﺖ ﻋﻠﯿﻚ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮب ﻳﺎ )ﺑﻦ ﻟﺤﻲ(!ﻻ ﻓﻀﻞ لـ»ﺧﺰاﻋﺔ« ﻋﻠﻰ »ﻛﻨﺪة« ،وﻻ ﻓﻀﻞ لـ»ﻛﻨﺪة« ﻋﻠﻰ »طﯿﺊ«. دع اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻧﺎﺋﻤﺔ وﻻ ﺗﻐﺘﺮ ﺑﺸﺮاء اﻟﻔﻘﺮاء ﻣﻦ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﺑﺎﻟﻤﺎل ،ﻓﻮﷲ ﻟﺤﺠﺮ واﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﯿﺖ أﺣﺐ إﻟﯿﮫﻢ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﯿﺎ وﻣﺎ ﻓﯿﮫﺎ. ﺗﻼﻗﺖ ﻧﻈﺮات اﻟﺮﺟﻠﯿﻦ وﺗﺼﺎدم اﻟﺒﻐﺾ ﺑﯿﻨﮫﻤﺎ وﻗﺪ ﺗﻜﺸﻔﺖ اﻟﺴﺮاﺋﺮ أﻣﺎم اﻟﺠﻤﯿﻊ ،وﺗﺤﺪث اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،ﺑﻌﺪ أن أوﺷﻜﺖ ﺷﻌﺮة اﻟﻮد ﻋﻠﻰ اﻻﻧﻘﻄﺎع ﺑﯿﻦ اﻟﺮﺟﻠﯿﻦ: ﻳﺎ ﺳﯿﺪ »ﺧﺰاﻋﺔ« ،ﻣﺤﻤﻮد ﻟﻚ اﻟﻐﯿﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﺒﯿﺖ واﻻھﺘﻤﺎم ﻷﻣﺮه ،وﻟﻜﻦ أﻣﺮ)ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﻣﻮﻛﻮل إﻟﯿﮫﻢ ﻛﻤﺎ ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻏﻮث( ،وﻧﺄﺑﻰ أن ﻧﻜﻮن ﻗﻤﯿ ً ﺼﺎ ﺗﺘﺠﺎذﺑﻪ أﻳﺪي اﻟﻤﺘﺼﺎرﻋﯿﻦ ،وﻟﯿﺲ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺼﺮاع ﺷﺄن إﻻ أﻣﺮ اﻟﺒﯿﺖ واﻟﺤﺠﯿﺞ ،وﺣﻘﻦ اﻟﺪﻣﺎء ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪ اﻟﺤﺮام ،وﻗﺪ ﻻﻗﻰ اﻟﺤﺠﯿﺞ ﻓﻲ ﻋﺎﻣﮫﻢ ھﺬا ﻣﻦ اﻟﻜﺮم وﺣﺴﻦ اﻟﻮﻓﺎدة ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻠﻘﻮه ﻓﻲ أي ﻋﺎم ﻣﻦ اﻷﻋﻮام ﻣﻨﺬ ﻧﺸﺄﺗﻪ، ﻓﺈن ﺷﺌﺘﻢ ﻋﺮﺿﻨﺎ ﻋﻠﯿﻜﻢ ﻣﺎ ذھﺐ إﻟﯿﻪ )ﺑﻨﻮ ﻳﻄﻮر ﺑﻦ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ(. اﺳﺘﺤﻮذت ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻮل اﻟﺤﻀﻮر ،ﻓﻠﻠﺤﻜﻤﺔ ﺻﻮت ﻳﻨﺼﺖ إﻟﯿﻪ اﻟﺠﻤﯿﻊ ،ﻓﻘﺎل )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ(: ھﺎت ﻣﺎ ﻋﻨﺪك ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(.ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: ﺿﯿﻨﺎ أن ﻳﻄﺮد أﺧﻮاﻟﻨﺎ ﻣﻦ »ﺑﻜﺔ« أو أن ُﻳﻨﺰع ﻋﻨﮫﻢ ﺷَﺮف ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺒﯿﺖ ﻣﺎ ُﻳﺮ ِوھﻢ ﻣﻦ ﻗﺎﻣﻮا ﻋﻠﻰ أﻣﺮه ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ ﻋﺎم ،وإن ﻛﻨﺎ ﻧﻠﻮم ﻋﻠﯿﮫﻢ اﻟﻈﻠﻢ ﻓﻲ ﻓﺮض اﻟﻌﺸﻮر ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس ،ﻓﺈﻧﻲ وﷲ أرى أن ﻳﻘﺴﻢ أﻣﺮ اﻟﺒﯿﺖ إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ أﻗﺴﺎم؛ ﻓﺘﻜﻮن اﻟﻮﻓﺎدة وإطﻌﺎم اﻟﺤﺠﯿﺞ لـ»ﺧﺰاﻋﺔ« ،واﻟﺴﻘﺎﻳﺔ لـ»ﺟﺮھﻢ« ،أﻣﺎ اﻟﮫﺪاﻳﺎ واﻟﻘﺮاﺑﯿﻦ ﻓﯿﻘﻮم ﻋﻠﯿﮫﺎ ﺣﻠﻒ ﻣﻦ ﺳﺎدة ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮب وﻣﻌﮫﻢ )ﺑﻨﻮ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ(، ﻓﯿﻨﻔﻘﻮن اﻷﻣﻮال ﻓﻲ أوﺟﻪ اﻟﺤﻖ اﻟﺘﻲ ﻓﺮﺿﮫﺎ اﻟﺮب ﻋﻠﯿﻨﺎ. ﻟﻤﻌﺖ ﻋﯿﻦ )اﺑﻦ ﻟﺤﻲ( وﻛﺄﻧﻤﺎ راﻗﻪ اﻟﺮأي ،وھﺪأت ﻏﻀﺒﺔ )اﻟﻐﻮث( وﻟﻜﻦ ﺻﻮت اﻟﺤﻤﻖ ﺟﺎء ھﺬه اﻟﻤﺮة ﻣﻦ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺤﻀﺮ اﻟﺠﻠﺴﺔ ﻧﺎﺋﺒًﺎ ﻋﻦ »ﺟﺮھﻢ« ﻓﻘﺎل: ﻧﺘﺮك ﺑﯿﺖ أﺑﯿﻨﺎ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮب ﺗﺘﺸﺎرك ﻓﯿﻪ أﺑﺘﺎه!ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( دون أن ﻳﻠﺘﻔﺖ ﺗﺠﺎھﻪ: اﻟﺒﯿﺖ ﺑﯿﺖ اﻟﺮب وﻟﯿﺲ ﺑﯿﺖ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ،وﻳﺘﺸﺎرك ﻓﯿﻪ ﻛﻞ ﻣﻦ آﻣﻦ ﺑﺎﻟﺮب.ﻗﺎل )دوﻣﺔ( ﺣﺎﻧًﻘﺎ: ﻻ ﺗﺘﺴﻊ »ﺑﻜﺔ« لـ»ﺧﺰاﻋﺔ« و»ﺟﺮھﻢ« ،إﻣﺎ »ﺟﺮھﻢ« أو »ﺧﺰاﻋﺔ«.ﻗﺎل )زﺑﯿﺪ( رﻓﯿﻖ )اﻟﻐﻮث( اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺮاﻗﺐ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﻌﯿﻨﻲ ﺛﻌﺒﺎن طﯿﻠﺔ اﻟﺠﻠﺴﺔ دون ﻣﺸﺎرﻛﺔ: ﺻﺪﻗﺖ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )دوﻣﺔ( ،وإن ﺷﺌﺖ ﻳﺎ ﺳﯿﺪ )ﻏﻮث( ﻗﺪﻣﺖ اﻟﺮأي.أﺷﺎر إﻟﯿﻪ اﻟﻐﻮث ﻣﻮاﻓًﻘﺎ ،ﻓﻘﺎل: ﺗﻘﯿﻢ »ﺧﺰاﻋﺔ« ﺑﺒﻄﻦ اﻟ ُﻤﺮّ ﺧﺎرج »ﺑﻜﺔ« ﻓﻼ ﺗﺘﺠﺎوزھﺎ ،ﻓﺈن ﻛﺎﻧﺖ أﻳﺎم اﻟﺤﺞ أﺗﺖ ﺑﻘﺎﻓﻠﺔ اﻟﻮﻓﺎدة إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺤﻲ ﺑﻼ ﺳﻼح وﻻ ﻓﺮﺳﺎن. اﺳﺘﺤﺴﻦ )اﻟﻐﻮث( اﻟﺮأي ،وﺗﻮﻗﻌﺖ أن ﻳﻨﺒﺬه )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ،وﻟﻜﻨﻪ ﻗﺎل: ﻻ ﺑﺄس وﻟﻜﻦ ﺑﺸﺮط؛ أن ﺗﻨﺰع »ﺟﺮھﻢ« ﺳﻼﺣﮫﺎ.ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ(: وﻣﻦ ﻳﺰود ﻋﻦ اﻟﺒﯿﺖ وﻳﺪﻓﻊ ﻋﻨﻪ اﻟﻤﻌﺘﺪﻳﻦ؟! ﻗﺎل )اﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﺳﺎﺧًﺮا: وھﻞ ﻳﺮوم اﻟﺒﯿﺖ ﻣﻌﺘﺪون؟!ﺛﻢ ﻗﺎم ﻣﻦ ﺟﻠﺴﺘﻪ ُﻣﻨﮫﯿًﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ وﻗﺎل: ﻗﺪ ﻗﺒﻠﻨﺎ ﺑﺸﺮوطﻜﻢ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،وﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻏﻮث( ،وھﺬا ھﻮ ﺷﺮطﻨﺎ اﻟﻮﺣﯿﺪ، ﺗﻨﺰع »ﺟﺮھﻢ« ﺳﻼﺣﮫﺎ ،ﻧﺮﺗﺪ إﻟﻰ »ﺑﻄﻦ ﻣﺮ« ،وﻧﺤﻘﻦ اﻟﺪﻣﺎء ،وإﻻ ﻓﺎﻟﻐﻠﺒﺔ ﻟﻤﻦ ﻏﻠﺐ. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ واﻷرﺑﻌﻮن ﺻْﺮﻧﺎ ﻧﺼﺒﺢ ﻋﻠﻰ ﻣﺮت اﻷﻳﺎم ﺣﺜﯿﺜﺔ اﻟﺨﻄﻰ ﺗﺘﻼﺣﻖ أﺣﺪاﺛﮫﺎ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ﺣﺘﻰ ِ ﺣﺎل وﻧﻤﺴﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﺎل آﺧﺮ ،ﻟﻢ ﻳﻘﺒﻞ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﻓﻲ ﺑﺎدئ اﻷﻣﺮ ﺑﺸﺮط »ﺧﺰاﻋﺔ« ،وﻟﻜﻨﻪ أذﻋﻦ ﻓﻲ ﻧﮫﺎﻳﺘﻪ ﺑﺎﻟﻘﺒﻮل ﻋﻠﻰ أن ُﻳﻨﱠﻔﺬ ﻓﻲ ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺤﺞ اﻟﻤﻘﺒﻞ ،وﻟﻢ ﻳﻮاﻓﻖ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﺑﺎﻟﺨﺮوج إﻻ ﺑﻌﺪ أن ﻛﺘﺒﺖ ﺷﺮوط اﻟﺼﻠﺢ ﻓﻲ ﺻﺤﯿﻔﺔ ،ﺷﮫﺪ ﻋﻠﯿﮫﺎ رؤﺳﺎء اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ وﺷﮫﺪ ﻋﻠﯿﮫﺎ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﺑﻨﻔﺴﻪ. وﺑﻌﺪ أن ﺟﺮى اﻟﺼﻠﺢ ،اﺳﺘﻌﺪت اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻟﻠﺮﺣﯿﻞ ﻋﻦ »ﺑﻜﺔ« ،وودع )اﻟﻐﻮث( ﺳﯿﺪ ﻗﺒﯿﻠﺔ »طﯿﺊ« اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﻪ ،وﻗﺎل ﻟﻪ: ﺑﺎرك ﷲ ﻓﯿﻚ ﻳﺎ )أﺑﺎ ﻧﺎﺑﺖ( ،ﺣﻘﻨﺖ دﻣﺎء اﻟﻌﺮب وﺣﻔﻈﺖ ﻟﻠﺒﯿﺖ ھﯿﺒﺘﻪ وﺷﺮﻓﻪ.ﻗﺒﱠﻠﻪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻓﻲ ﻛﺘﻔﻪ وﻗﺎل: اﻟﺸﻜﺮ ﻟﻚ ﻳﺎ ﺳﯿﺪ »طﯿﺊ« ،ﻟﻮﻻك ﻟﺘﻤﺎدت »ﺧﺰاﻋﺔ« ﻓﻲ ﻏﯿﮫﺎ!ﻗﺎل )اﻟﻐﻮث( وھﻮ ﻳﮫﺰ رأﺳﻪ: أرﺟﻮ أن ﻳﺼﺪق )اﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﻓﻲ ﻋﮫﺪه.ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: ﻧﺴﺄل ﷲ ﻟﻪ وﻟﻨﺎ اﻟﺴﻼﻣﺔ.وﻗﺒﻞ ﻏﺮوب ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﺧﺮﺟﺖ آﺧﺮ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮب ﻣﻦ »ﺑﻜﺔ« وﻟﻢ ﻳﺒ َ ﻖ ﺳﻮى »ﺧﺰاﻋﺔ« اﻟﺘﻲ ﺟﻤﻌﺖ أﻏﺮاﺿﮫﺎ ،وﺷﱠﺪت رﺣﺎﻟﮫﺎ ،وأﻋﻠﻦ ﺣﺎدﻳﮫﺎ أن اﻟﺮﺣﯿﻞ ﺳﻮف ﻳﻜﻮن ﻣﻊ ﺷﺮوق ﺷﻤﺲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﻓﻮدع أﻧﺼﺎرھﺎ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ(، وﺑﺪا أن ﺳﺤﺎﺑﺔ اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ أظﻠﺖ اﻟﺒﯿﺖ ﺳﻮف ﺗﻨﻘﺸﻊ وﻟﻮ إﻟﻰ ﺣﯿﻦ. ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﺟﻠﺴﺖ ﻓﻲ اﻟﺪار ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻳﺮ )أروى( ،أد ِوّن أوراﻗﻲ ﻋﻠﻰ ﺿﻮء ﻗﻨﺪﻳﻞ ﻣﻦ اﻟﺰﻳﺖ ،وﺧﻄﺮ ﻟﻲ أن أﺳﺄل ﻧﻔﺴﻲ: ﻟﻤﺎذا أد ِوّﻧﮫﺎ؟ وﻣﻦ ﺳﯿﻘﺮؤھﺎ؟ وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﺟﺪ ﺣﻘﺎ إﺟﺎﺑﺔ إﻻ أن ھﺬه اﻷوراق ھﻲ اﻟﺸﺎھﺪ اﻟﻮﺣﯿﺪ ﻋﻠﻰ ﺣﯿﺎﺗﻲ؛ ﻓﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﺮ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ﻣﺘﻐﯿﺮ ،إﻻ ھﺬه اﻷوراق ،ﻓﮫﻲ اﻟﺸﻲء اﻟﺜﺎﺑﺖ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﻳﺮﺑﻂ ﺑﯿﻦ ﺣﯿﺎﺗﻲ اﻟﻤﺎﺿﯿﺔ وﺣﯿﺎﺗﻲ اﻟﺤﺎﻟﯿﺔ. ﻣﱠﺮ وﻗﺖ طﻮﻳﻞ ﺣﺘﻰ اﻗﺘﺮب اﻟﻠﯿﻞ ﻣﻦ ﻣﻨﺘﺼﻔﻪ وأﻧﺎ ﻣﺎ زﻟﺖ ﻣﻨﮫﻤ ً ﻜﺎ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ، ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻹﺟﮫﺎد ﻓﺘﻤﻄﻌﺖ ﻣﺘﺜﺎﺋﺒًﺎ ،وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ذؤاﺑﺔ اﻟﻘﻨﺪﻳﻞ ﺗﺘﺮاﻗﺺ وھًﻨﺎ أﻣﺎم ﺗﺜﺎؤﺑﻲ ،ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎد زﻳُﺘﮫﺎ أن ﻳﺠﻒ ،ﺳﻤﻌﺖ ﺻﻮﺗًﺎ ﻛﺤﻔﯿﻒ اﻷرﺟﻞ ﺧﺎرج اﻟﺒﯿﺖ ،أطﻔﺄت ذؤاﺑﺔ اﻟﻘﻨﺪﻳﻞ وﻗﺪ ﺧﻄﺮ ﻟﻲ أﻧﻪ رﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮن )دﻋﺲ( ﻗﺪ ﻋﺎد، أﻧﺼﺖ ﻗﻠﯿًﻼ وأﻟﺼﻘﺖ أذﻧﻲ ﺑﺎﻟﺠﺪار ،ﺛﻢ ﻧﻈﺮت ﻣﻦ ﻓﺮﺟﺔ اﻟﻨﺎﻓﺬة ﻣﺴﺘﺘًﺮا ﺑﺠﺴﺪي ﺧﻠﻒ اﻟﺤﺎﺋﻂ ،رأﻳﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﻤﻠﺜﻤﯿﻦ ،ﻳﺘﮫﺎﻣﺴﻮن وﻳﺤﻤﻠﻮن ﻓﻲ أﻳﺪﻳﮫﻢ اﻟﻤﺸﺎﻋﻞ اﻟﺘﻲ اﻧﻌﻜﺴﺖ أﻧﻮارھﺎ وﺻﻨﻌﺖ ظﻼ داﺧﻞ ﺣﺠﺮﺗﻲ ،اﻧﻄﻠﻘﻮا ﺟﻤﯿًﻌﺎ إﻻ واﺣﺪ ،اﻧﺘﻈﺮ ﺣﺘﻰ اﺧﺘﻔﻰ ﺣﺎﻣﻠﻮا اﻟﻤﺸﺎﻋﻞ ﺛﻢ رأﻳﺘﻪ ﻋﺎﺋًﺪا ،رﻏﻢ ن ﻟﻲ ﺑﺄﻧﻪ اﻟﺸﯿﺦ اﻟﻈﻼم ﺷﻌﺮت أﻧﻲ أﻋﺮﻓﻪ ،طﻮﻟﻪ وﺻﻮت أﻧﻔﺎﺳﻪ ﻳﻮﺣﯿﺎ ِ )دوﻣﺔ(. ﺟﻠﺴ ُ ﺖ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻣﺴﺘﻨًﺪا ﺑﻈﮫﺮي إﻟﻰ اﻟﺤﺎﺋﻂ ،ﻓﺄﻳﺎ ﻣﺎ ﺟﻤﻊ ھﺆﻻء اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﯿﻞ ،ﻓﮫﻮ ﺑﻼ ﺷﻚ ﻟﯿﺲ ﺑﺎﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﺒﺸﺮ ﺑﻪ! ﻋﺪ ُ ت إﻟﻰ ﻓﺮاﺷﻲ وأﻟﻘﯿﺖ ظﮫﺮي ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺮﻳﺮ وﻗﺪ طﺎر ﻣﻦ ﻋﯿﻨﻲ اﻟﻨﻮم، ظﻠﻠ ُ ﺖ أﺗﻘﻠﺐ ﻣﻦ ﺟﻨﺐ إﻟﻰ ﺟﻨﺐ ،وﻛﻠﻤﺎ ﺣﻒ ﺻﻮت ﺑﺠﺎﻧﺒﻲ اﻧﺘﺼﺒﺖ أذﻧﺎي ﻛﻜﻠﺐ ﻳﺴﺘﺸﻌﺮ اﻟﺨﻄﺮ. ﻓﺠﺄة ﺷ ﱠ ﻖ ﺳﻤﺎء »ﺑﻜﺔ« ﺻﺮا ٌ خ ﻣﻸ ﺟﻨﺒﺎت اﻟﻮادي ،وأﺧﺮج اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺻﯿﺎﺻﯿﮫﻢ ،ﺧﺮﺟﺖ أھﺮول ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺪار ،وﻛﺪت أﺻﻄﺪم ﻓﻲ اﻟﻈﻼم بـ)ﻟﯿﺚ( اﻟﺬي أﻳﻘﻈﺘﻪ أﺻﻮات اﻟﺼﺮاخ ﻣﺜﻠﻲ ،ﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺪار ﻓﻮﺟﺪﻧﺎ ﺳﻤﺎء »ﺑﻜﺔ« وﻗﺪ أﺿﺎءﺗﮫﺎ أﻟﺴﻨﺔ اﻟﻠﮫﺐ اﻟﻤﺘﺼﺎﻋﺪة ﻣﻦ ﺟﮫﺔ »اﻟﻤﺮوة« ﺣﯿﺚ ﺗﻮﺟﺪ أﺧﺒﯿﺔ »ﺧﺰاﻋﺔ« وﺧﯿﺎﻣﮫﺎ. اﻧﻄﻠﻘﺖ أﻧﺎ و)ﻟﯿﺚ( ﺗﺠﺎه اﻟﺠﺒﻞ اﻟﺬي اﻣﺘﻸ ﺳﻔﺤﻪ ﺑﺎﻟﺒﺸﺮ ،ﺑﻌﻀﮫﻢ ھﺮب ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻳﻖ وﺑﻌﻀﮫﻢ ﺗﺠﻤﻊ ﻛﻲ ﻳﺘﻌﺎون ﻓﻲ إطﻔﺎﺋﻪ وطﻘﻄﻘﺎت اﻟﻨﯿﺮان ﺗﺒﺪو ﻓﻲ أذﻧﻲ ﻛﺎﺻﻄﻜﺎك ﻓﻜﻲ ذﺋﺐ ﺗﻨﺴﺤﻖ ﺑﯿﻨﮫﻤﺎ ﻋﻈﺎم ﺷﺎة رﺿﯿﻌﺔ ،ﺗﻨﻘﻠﺖ ﺟﺮار ﺟ ْ ﺴﺮ اﻷﻳﺎدي اﻟﺬي اﻣﺘﺪ ﺑﯿﻦ اﻟﻘﻤﺔ واﻟﺴﻔﺢ ،وأﺳﺮﻋﺖ أﻧﺎ و)ﻟﯿﺚ( اﻟﻤﺎء ﺑﯿﻦ ِ ﻓﻲ ﻣﻌﺎوﻧﺔ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ ﻧْﻘﻞ اﻟﻤﺎء ﻣﻦ زﻣﺰم إﻟﻰ »اﻟﻤﺮوة« ،ﻗﺒﻞ أن ﺗﻨﺘﻘﻞ أﻟﺴﻨﺔ اﻟﻨﯿﺮان إﻟﻰ ﺳﻘﯿﻔﺔ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ(. ﻛﻢ ﻗﻀﯿﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ؟ ﻻ أدري ،وﻟﻜﻦ ﻋﺘﻤﺔ اﻟﻠﯿﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ اﻧﺠﻠﺖ وﺣ ﱠ ﺳﺪاف اﻟﻔﺠﺮ ﺣﯿﻦ ﻞ ﻣﺤﻠﱠﮫﺎ ِ ﺗﻮﻗﻔﺖ اﻟﻨﯿﺮان ،واﻧﻄﻔﺄت آﺧﺮ أﻟﺴﻨﺘﮫﺎ ،ﺟﻠﺲ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﻤﺘﻌﺒﻮن إﻟﻰ اﻷرض، واﻧﻄﻠﻖ ﺑﻌﻀﮫﻢ ﺧﻠﻒ اﻹﺑﻞ اﻟﺘﻲ ﺷﺮدت ﺧﻮًﻓﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﯿﺮان ،ﻛﻠﻤﺎت ﻣﺜﻞ اﻟﻐﺪر، وﻧﻘﺾ اﻟ ﱡ ﺼﻠﺢ ،واﻻﻧﺘﻘﺎم ،ﺗﺮددت ﺑﻜﺜﺮة ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس ،ﺳﻤﻌﺖ اﺳﻢ )دﻋﺲ( ﻳﺘﺮدد أﻳ ً ﻀﺎ ،وﻗﯿﻞ إﻧﻪ ُ ھﺪ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﺮﺟﺎل ﺣﻮل »اﻟﻤﺮوة« ﻗﺒﻞ اﻧﺪﻻع اﻟﺤﺮﻳﻖ ﺷﻮ ِ ﻣﺒﺎﺷﺮة. ﻣﻊ ﺗﺒﺎﺷﯿﺮ اﻟﺼﺒﺎح ،ظﮫﺮ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( وﻣﻌﻪ ﺳﺎدة »ﺟﺮھﻢ« واﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ،زﻳﺎرﺗﻪ اﻟﻤﺘﺄﺧﺮة أﺛﺒﺘﺖ ﺷﻜﻮًﻛﺎ ﺣﺎﻛ ْ ﺖ ﺻﺪور اﻟﻨﺎس وﻟﻢ ﺗﺒﺮئ ﺳﺎﺣﺘﻪ أﻣﺎم ﻋﯿﻮن اﻻﺗﮫﺎم رﻏﻢ ﺑﺮاءة ﻋﯿﻨﯿﻪ ،رﻓﺾ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﻣﻘﺎﺑﻠﺘﻪ ،وأرﺳﻞ ﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن رﺳﻮﻟﻪ ﻋﺒﺎرة واﺣﺪة: ﺑﺮاءة ﻣﻦ اﻟﻌﮫﺪ ﺑﯿﻨﻨﺎ وﺑﯿﻨﻜﻢ.ﻋﺎد )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ورﺟﺎﻟﻪ إﻟﻰ ﺳﻘﯿﻔﺘﻪ ﻓﻲ أﻋﺎﻟﻲ »أﺟﯿﺎد« ،وھﻮ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ، ﻣﺎ اﻟﺬي ﺣﺪث وﻣﻦ ﻓﻌﻠﮫﺎ ،أرﺳﻞ ﻓﺮﺳﺎﻧﻪ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻦ )دﻋﺲ( ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪوه، اﻧﻀﻢ َﻣ ْ ﻲ ﻣﻦ أﻧﺼﺎره إﻟﯿﻪ ﻓﻲ اﻟﺴﻘﯿﻔﺔ ﻻ ﻟﯿﻨﺼﺮوه ،وﻟﻜﻦ ﻟﯿﺒ ِﺮّﺋﻮا ﻦ ﺑَِﻘ َ ﺳﺎﺣﺘﮫﻢ ﻣﻦ اﻻﻋﺘﺪاء وﻟﯿﻨﻈﺮوا ﻓﯿﻤﺎ ﺳﺘﺆول إﻟﯿﻪ اﻷﻣﻮر. ﺣﺬره ﺷﯿﺦ ﻗﺒﯿﻠﺔ »ﻛﻨﺪة« ﻣﻦ اﻧﺘﻘﺎم »ﺧﺰاﻋﺔ« وﺣﻠﻔﺎﺋﮫﺎ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻻ ﻳﺰال )ﺛﻌﻠﺒﺔ ﺑﻦ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( راﺑ ًﻀﺎ ﻓﻲ )ﺑﻄﻦ ُﻣﺮّ( وﻣﻌﻪ ﻓﺮﺳﺎﻧﻪ وﺳﻼﺣﻪ وأﻧﺼﺎر ﻟﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮب ،وﻻ ﻳﻔﺼﻞ ﺑﯿﻨﻨﺎ وﺑﯿﻨﮫﻢ إﻻ ﺑﻀﻌﺔ أﻳﺎم. اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻛﺎن ﻳﺆﻛﺪ أن ﻣﺎ ﺣﺪث ﺧﯿﺎﻧﺔ ،وأن )دﻋﺲ( ﻗﺪ ﻓﻌﻠﮫﺎ ﺑﺎﺗﻔﺎق ﻣﻊ »ﺧﺰاﻋﺔ« ﻛﻲ ﺗﺘﺨﺬھﺎ ذرﻳﻌﺔ ﻟﻨﻘﺾ اﻟﺼﻠﺢ ﺑﻌﺪ أن ﻗﻔﻞ اﻟﺤﺠﯿﺞ ﻣﻦ »ﺑﻜﺔ« وﻏﺎدرھﺎ ﺣﻠﻔﺎء »ﺟﺮھﻢ«. ﻟﻢ ﻳﮫﺘﻢ اﻟﺤﺎﺿﺮون ﺑﺼﺮاخ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ،وﻻ ﺑﺎﻷﻋﺬار اﻟﺘﻲ ﻳﺴﻮﻗﮫﺎ ،اھﺘﻤﻮا ﺑﺄﻣﺮ واﺣﺪ؛ أﱠﻻ ﺗﻘﻊ ﺣﺮب ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« ﺗﺄﺗﻲ ﻋﻠﻰ اﻷﺧﻀﺮ واﻟﯿﺎﺑﺲ ،واﻟﺤﻞ أن ﺗﺘﺮك »ﺟﺮھﻢ« وﻻﻳﺔ اﻟﺒﯿﺖ ﻛﺎﻣﻠﺔ لـ»ﺧﺰاﻋﺔ« ،واﻧﺴﺎب ھﺬا اﻟﺮأي ﻛﺎﻟﻤﺎء ﺑﯿﻦ اﻟﺸﻘﻮق ﺣﺘﻰ ﻏﻤﺮ اﻟﺠﻤﯿﻊ وﺟﻌﻞ »ﺟﺮھﻢ« ﺗﺒﺪو وﺣﺪھﺎ ﻛﺠﺰﻳﺮة ﻣﻨﻌﺰﻟﺔ ﻻ ﻳﻘﻒ ﻋﻠﯿﮫﺎ إﻻ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( وﺑﺠﻮاره اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ(. وﺣﻤﻞ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﺎ وﺻﻠﻮا إﻟﯿﻪ ﻣﻦ رأي إﻟﻰ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ،وﺻﻌﺪوا ﺑﻪ إﻟﻰ ﺳﻘﯿﻔﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻘﻌﯿﻘﻌﺎن. ارﺗﻘﻰ اﻟﺮﺟﻞ ﻋﻠﻰ ذل اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﺟﺎءوا إﻟﯿﻪ ُﻣﺤ ﱠ ﻤﻠﯿﻦ ﺑﺎﻟﺨﻮف واﻟﺮﺟﺎء ،ﻓﻘﺎل ﻓﻲ ِﻛْﺒٍﺮ وﺻﻠﻒ: اﻟﻮﻻﻳﺔ ﻟﻨﺎ ﺷﺎءت »ﺟﺮھﻢ« أم أﺑَ ْﺖ. ﻗﺎل ﺑﻌﻀﮫﻢ ﻓﻲ ﺧﻨﻮع: ﺟﺌﻨﺎ إﻟﯿﻚ ﻟﻨﺤﻘﻦ اﻟﺪﻣﺎء ،وﻧﺮﺑﺄ اﻟﺼﺪع ،وﻛﻠﻨﺎ أﺑﻨﺎء ﻋﻤﻮﻣﺔ ﻳﺎ ﺳﯿﺪ »ﺧﺰاﻋﺔ«!ازداد ﻓﻲ ﺻﻠﻔﻪ أﻛﺜﺮ ﻓﻘﺎل: ﺑﻞ ﺳﺒﻖ اﻟﺴﯿﻒ وأھﺪرت اﻟﺪﻣﺎء ﻳﺎ أھﻞ »ﺑﻜﺔ«!ﻻ ﻣﻘﺎم لـ»ﺟﺮھﻢ« ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« أو ﻣﺎ ﺣﻮﻟﮫﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺮى. ﻗﺎل أﺣﺪھﻢ ﺑﯿﻦ اﻻﺳﺘﻌﻄﺎف واﻻﺳﺘﻨﻜﺎر: -ﻳﻐﺎدرون »ﺑﻜﺔ« وھﻢ ﺳﺪﻧﺔ اﻟﺒﯿﺖ وأﺧﻮال )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ(. ﻗﺎل ﻓﻲ ﻏﻀﺐ أرﻋﺒﮫﻢ: اﻟﺒﯿﺖ ﺑﯿﺖ اﻟﻌﺮب وﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا أوﻟﯿﺎءه!وﺣﻖ ھﺬا اﻟﺒﯿﺖ ،ﻟﻮ ﺑﻘﻲ ﻣﻨﮫﻢ أﺣﺪ ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« ﻷھﺪرت دﻣﻪ وﻷﺑﺤ ُ ﺖ ﻣﺎﻟﻪ وﻧﺴﺎءه ،وﻷﺟﻌﻠﻦ اﻟﻌﺮب ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻤﺎ ﻓﻌﻠﺘﻪ »ﺧﺰاﻋﺔ« بـ»ﺟﺮھﻢ«. ﺛﻢ أردف ﻣﺘﻮﻋًﺪا: اﺳﻤﻌﻮا وﻋﻮا ﻳﺎ )ﺑﻨﻲ ﻗﯿﺪار( و)ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( ،ﻣﺎ أﺗﯿﻨﺎ ﻟﻨﻨﺰع ﻋﻨﻜﻢ ﺷﺮﻓﻜﻢ وﻻُ ﻟﻨﺨﺮﺟﻜﻢ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﻛﻨﻜﻢ ،وﻟﻜﻨﺎ ُﻗﻮﺗﻠﻨﺎ ﻓﻲ ﺣﺮم اﻟﺒﯿﺖ وأﺣﺮﻗﺖ دﻳﺎرﻧﺎ ،ﻓﻠﺌﻦ ﻧﺎﺻﺮﺗﻢ ظﺎﻟ ً ﻤﺎ ﻓﺄﻧﺘﻢ ﻋﻠﻰ ظﻠﻤﻪ ،وﻟﺘﺒﺆوا ﺑﺈﺛﻤﻪ ،وﻟﺌﻦ ﻟﺰﻣﺘﻢ ﻣﺴﺎﻛﻨﻜﻢ ﺣﻔﻈﻨﺎ ﻟﻜﻢ ﻓﻀﻠﻜﻢ ،وﻣﺎ ﻧﺎل ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﺘﻜﻢ أﺣﺪ. ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﺣﺴﻢ ﻣﻨﮫﯿًﺎ اﻟﻨﻘﺎش: وﻏًﺪا ﺗﻌﻠﻢ »ﺧﺰاﻋﺔ« ﻣﻦ ﻳﺠﺎورھﺎ ﺣﻮل اﻟﺒﯿﺖ ،وﻣﻦ ﻳﺮﺣﻞ ﻋﻨﻪ!وﻋﺎد اﻟﻮﺳﻄﺎء إﻟﻰ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﻣﻨﻜﺴﻲ اﻟﺮأس ،ﻋﺎﺟﺰي اﻟﻨﻄﻖ. اﺳﺘﺸﺎط )دوﻣﺔ( ﻏﻀﺒًﺎ ،وﺑﮫﺖ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﺣﯿﻨﻤﺎ رأى اﻟﺘﺨﺎذل ﻓﻲ ﻋﯿﻮن أﻧﺼﺎره ﻣﻦ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ،ﻓﻠﻢ ﺗﻔﻠﺢ ﻛﻠﻤﺎت )دوﻣﺔ( اﻟﻤﺆﺟﺠﻪ ﻟﻠﻌﺼﺒﯿﺔ وﺣﻘﻮق اﻟﺨﺌﻮﻟﺔ ﻓﻲ رﻓﻊ اﻟﺮءوس اﻟﻤﻨﻜﺴﺔ ،وإظﮫﺎر ﺑﺮﻳﻖ أﻣﻞ ﻓﻲ اﻟﻌﯿﻮن اﻟﺘﻲ ﻣﻸھﺎ اﻟﺘﺨﺎذل ،ﺑﺎت واﺿ ً ﺤﺎ أن أﻧﺼﺎر اﻷﻣﺲ ﻗﺪ ﺗﺮاﺟﻌﻮا ،وأن »ﺟﺮھﻢ« ﻗﺪ ﻓﻘﺪت داﻋﻤﯿﮫﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﺎدة واﻟﺒﺴﻄﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻮاء ،وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺣﻖ ﻋﻠﻰ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ،أن ﻳﺠﻨﻲ ﺛﻤﺎر ﻣﺎ زرﻋﻪ آﺑﺎؤه ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وﺣﯿﻨﻤﺎ ﺳﺄﻟﻮه ﻋﻤﺎ ﻳﻨﺘﻮي ﻓﻌﻠﻪ ﻗﺎل: ﺟَﺮُه ،وﻟﺌﻦ ﺗﺨﻄﻔﺘﻨﻲ ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻰ »ﺟﺮھﻢ« أن ﺗﺬود ﻋﻦ اﻟﺒﯿﺖ ﻛﺎﻓَِﺮُه وﻓﺎ ِﺟﻮارح اﻟﺠﺒﺎل ،وﻧﮫﺸﺘﻨﻲ ﺳﺒﺎع اﻟﺼﺤﺮاء ﻣﺎ ﺗﺮﻛﺖ ﻣﻠ ً ﻜﺎ ﻣﻠﻜﻨﯿﻪ ﷲ ،وﻣﺎ ُ ﺧﻨﺖ ﻋﮫًﺪا ﻗﻄﻌﻪ آﺑﺎﺋﻲ وأﺟﺪادي ،ﻓﻮﷲ ﻟﺘﻌﻠﻤﻦ »ﺧﺰاﻋﺔ« أن ﺑﺎﻟﻌﺮب رﺟﺎًﻻ ﺻﺪﻗﻮا وﻋﺪھﻢ ،وأن اﻟﺸﺮف أﺣﺐ ﻟﺪﻳﮫﻢ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﯿﺎ وﻣﺎ ﻓﯿﮫﺎ. ﺛﻢ ھﺘﻒ ﻋﻠﻰ ﺣﺮاﺳﻪ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻳﺎ ﺣﺮاس ،ﻧﺎدوا ﻓﻲ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﺤﺮب ،وﻟﯿﺘﺄھﺐ اﻟﻔﺮﺳﺎن ﺑﺎﻟﺴﻼح ،وﻟﯿﻠﺠﺄاﻟﺮﻋﺎة إﻟﻰ اﻟﺠﺒﺎل ،وﻟﯿﻠﺰم ﻣﻦ ﻳﺨﺸﻰ اﻟﺤﺮب ﺑﯿﺘﻪ ،ﻓﺈﻧﺎ وﷲ ﻧﺤﻤﻲ اﻟﺒﯿﺖ ﺑﺼﺪورﻧﺎ وﻧﺠﯿﺮ اﻟﻀﻌﯿﻒ ﻓﯿﻨﺎ. وﻋﻨﺪ اﻟﻈﮫﯿﺮة ،رأﻳﺖ اﻟﻤﻨﺎدي ﻳﺘﺴﻮر ﺟﺪران اﻟﺒﯿﺖ ﺛﻢ ﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺤﻪ ،ﻗﺒﻞ أن ﻳﻤﺴﻚ ﺑﻮًﻗﺎ ذﻛﺮﻧﻲ ﺑﺒﻮق )ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ( ﻧﻔﺦ ﻓﯿﻪ ﺛﻼﺛًﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻛﻠﻤﺔ واﺣﺪة ﻛﺮرھﺎ أﻳ ً ﻀﺎ ﺛﻼﺛًﺎ: -اﻟﺤﺮب! اﻟﺤﺮب! اﻟﺤﺮب! ﻤﮫﺎ ﻧﺬر ﺷﺮ ،وﺗﺄھﺐ اﻟﻨﺎس ﻟﻤﯿﻼد ﺣﺮب ﻛﺒﺮى ﻗﺪ ﺣ ِ وﺣﻤﻠﺖ اﻷﻳﺎم اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ ﻓﻲ َر ِ ﺗﻐﯿﺮ ﻣﺠﺮى ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺒﯿﺖ ﻟﻘﺮون ﻗﺎدﻣﺔ؛ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻌﻨﯿﮫﻢ أﻣﺮ اﻟﻤﺘﺤﺎرﺑﯿﻦ ﻗْﺪر ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻨﯿﮫﻢ ﺣﯿﺎﺗﮫﻢ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﺤﺘﺮق ﻓﻲ أﺗﻮن اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ، ﻧﺰع اﻟﺒﺴﻄﺎء أﻋﻤﺪة أﺧﺒﯿﺘﮫﻢ وﺣﻤﻠﻮا أﻏﻄﯿﺘﮫﺎ ﻣﻦ اﻟﺼﻮف واﻟﻮﺑﺮ ،ﺛﻢ ﺻﻌﺪوا ﺑﮫﺎ إﻟﻰ أﻋﺎﻟﻲ اﻟﺠﺒﺎل ﻳﺪﻓﻌﻮن أﻣﺎﻣﮫﻢ أﻏﻨﺎًﻣﺎ ھﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻠﻜﻮن ﻣﻦ ﺣﻄﺎم اﻟﺪﻧﯿﺎ، اﺣﺘﻤﻰ أﻛﺜﺮھﻢ ﺑﺠﺒﻞ اﻟﺮﺣﻤﺔ ،ﻓﻘﺪ وﻗﺮ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﮫﻢ أن أًذى ﻟﻦ ﻳﻄﻮﻟﮫﻢ ﻓﻮق اﻟﺠﺒﻞ اﻟﻤﻘﺪس ،ﺗﺤ ﱠ ﺼﻨﺖ ﺑﯿﻮت اﻷﺷﺮاف ﻓﻲ »أﺟﯿﺎد« و»أﺑﻲ ﻗﺒﯿﺲ« ﺑﺎﻟﺤﺠﺎرة واﻟﻤﺘﺎرﻳﺲ ،وﻟﺠﺄ )ﺑﻨﻮ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( إﻟﻰ ﻣﻨﺎزﻟﮫﻢ ﻓﻲ اﻟﺒﻄﺤﺎء ﻓﺨﻼ اﻟﻮادي إﻻ ﻣﻦ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺬي ﺻﺎر ﻣﮫﺠﻮًرا ﻻ ﻳﺸﺮف ﻋﻠﯿﻪ إﻻ ﺗﻤﺜﺎﻻن ﻗﺒﯿﺤﺎن ﻋﻠﻰ ھﯿﺌﺔ ﺑﺸﺮ. ﺟﺎءت اﻷﻧﺒﺎء أن )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﻗﺪ اﻟﺘﻘﻰ ﺑﻮﻟﺪه )ﺛﻌﻠﺒﺔ( ﻓﻲ »ﺑﻄﻦ ﻣﺮ« ،وأن ﺣﻠﻔﺎءھﻢ ﻣﻦ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻗﺪ اﻧﻀﻤﻮا إﻟﯿﮫﻢ ،وأﻧﮫﻢ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻰ »ﺑﻜﺔ«. وﻣﻤﺎ أﺛﺎر اﻟﺨﻮف ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« ،ﻣﺎ ﺗﺮدد ﻣﻦ أن )اﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﻛﺎن ﻳﺤﻤﻞ اﻟﻌﺮاﻓﺔ )طﺮﻳﻔﺔ( ﻋﻠﻰ ھﻮدج ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ اﻟﺼﻔﻮف ﻓﻼ ﻳﻘﻄﻊ وادﻳًﺎ وﻻ ﻳﻨﺰل ﻣﻨﺰًﻻ ﺻْﺪق ﻧﺒﻮءاﺗﮫﺎ. إﻻ ﺑﺄﻣﺮھﺎ ،و)طﺮﻳﻔﺔ( ﻋﺮاﻓﺔ ﻳﺨﺸﻰ اﻟﻨﺎس ﺳﺤﺮھﺎ و ِ دوﻧًﺎ ﻋﻦ ﺑﺎﻗﻲ أﺣﯿﺎء )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ،ﻛﺎن ﺣﻲ »ﻳﻄﻮر« ﻓﻲ اﻟﺒﻄﺤﺎء ﻳﻌﺞ ﺑﺎﻟﺠﺪل واﻻﻧﻘﺴﺎم. ﻟﻢ ﻳﻔﻠﺢ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻓﻲ ﺟﻤﻊ اﻟﻨﺎس ﻟﻠﺤﺮب ﻣﻌﻪ ،ﻟﻢ ﻳﺜﻖ ﻓﯿﻪ اﻟﻨﺎس، وﻋﯿﱠﺮه ﺑﻌﻀﮫﻢ ﺑﻌﻘﻮﻗﻪ ﻟﻮاﻟﺪه اﻟﺬي اﻧﻘﻄﻌﺖ اﻟﺼﻠﺔ ﺑﯿﻨﮫﻤﺎ ﻣﻨﺬ ﺣﺎدﺛﺔ ﺳﻘﯿﻔﺔ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ،ﺷﻌﺮ )دوﻣﺔ( ﺑﺎﻟﯿﺄس واﻟﺤﺰن وﺑﺎﻟﻐﻀﺐ أﻳ ً ﻀﺎ ،ذھﺐ إﻟﻰ واﻟﺪه ﻣﺮﺗﺪﻳًﺎ زي اﻟﺤﺮب ،ﺣﯿﻦ طﺮق اﻟﺒﺎب ﻛﻨﺎ أﻧﺎ و)ﻟﯿﺚ( ﺑﺎﻟﺪاﺧﻞ ،دﺧﻞ ﻣﻨﻜﺲ اﻟﺮأس ،وﻗﻒ أﻣﺎم واﻟﺪه وﻗﺎل: ﺧﺬﻟﻨﻲ ﻗﻮﻣﻲ ﻳﺎ أﺑﺘﺎه!أﺷﺎح اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺑﻮﺟﮫﻪ ﺑﻌﯿًﺪا ،ﻓﻘﺎل )دوﻣﺔ( ﻣﻜﺴﻮًرا: أرﻳﺪك أن ﺗﻨﺼﺮﻧﻲ!ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻓﻲ ﻏﻀﺐ ﺿﻌﻀﻌﺘﻪ ﺷﻔﻘﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻧﻜﺴﺎر وﻟﺪه: أﻧﺼﺮك ﻋﻠﻰ ﻏﺪرك!ظﻨﻨﺘﻚ أﺣﻤ َ ﻖ ﻏﻀﻮﺑًﺎ ،وﻟﻜﻨﻲ أراك اﻵن ﺧﺎﺋًﻨﺎ ﻟﻠﻌﮫﺪ ﻏﺎدًرا. ﻟﻢ ﻳﺪﻓﻊ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ اﺗﮫﺎًﻣﺎ ﺑﻞ ﻗﺎل وﻛﺄﻧﻪ ﻳﻠﻘﻲ ﺑﺄﻣﻨﯿﺔ ﺗﻤﻨﺎھﺎ وﻟﻢ ﺗﺘﺤﻘﻖ: -ﻟﻮ ﻧﺠﺢ )دﻋﺲ( ﻟﻘﻀﯿﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺮ »ﺧﺰاﻋﺔ«! ﻗﺎل أﺑﻮه: ﺾ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺮ ﺑﺪاﺧﻠﻚ أوًﻻ! ﺑﻞ اﻗ ِأﻋﻤﺎك ﻏﻀﺒﻚ ﻋﻦ رؤﻳﺔ اﻟﺨﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﺮ ،ووﺛﻘﺖ ﻓﻲ ﻗﺎطﻊ طﺮﻳﻖ! ! أﺗﻈﻦ أﻧﻚ ﻛﻨﺖ ﻗﺎدًرا ﻋﻠﻰ ﺷﺮاﺋﻪ ﺑﺎﻟﻤﺎل؟ ﻣﻦ ﻳﺒﯿﻊ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﻤﺎل ،ﻳﺒﺤﺚ داﺋ ً ﻤﺎ ﻋﻤﻦ ﻳﺪﻓﻊ أﻛﺜﺮ ،وھﺎ ھﻮ ﻗﺪ ﺑﺎع ﻧﻔﺴﻪ وﺑﺎﻋﻚ لـ)اﺑﻦ ﻟﺤﻲ(! ﺛﻢ أردف ﻣﺆﻧﺒًﺎ: ﺗﺨﻮن اﻟﻌﮫﺪ ﻳﺎ اﺑﻦ )ﻋﺎﺑﺮ(!وﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﺴﻔﻚ اﻟﺪﻣﺎء اﻵﻣﻨﺔ ﻓﻲ اﻷﺷﮫﺮ اﻟﺤﺮم! ﻗﺎل )دوﻣﺔ( ﻣﺪاﻓًﻌﺎ: ﻛﻨﺖ أداﻓﻊ ﻋﻦ اﻟﺒﯿﺖ!وﻋﻦ ﻣﻠﻚ أﺑﯿﻨﺎ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ،وﻋﻦ ﻣﻠﻚ أﺧﻮاﻟﻲ! ﺻﺮخ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻏﺎﺿﺒًﺎ: ﻜﺎ وﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻘﺎﻳﺔ اﻟﺒﯿﺖ ﻣﻠ ً ﻣﺎ ﻛﺎن )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﻣﻠ ًﻜﺎ. ﺛﻢ ﻗﺎل ﻧﺎﺻ ً ﺤﺎ: اذھﺐ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ﻓﻘﻞ ﻟﺼﺎﺣﺒﻚ أن ﻳﺘﺮك أﻣﺮ اﻟﺒﯿﺖ ،وﻟﯿﺤﻘﻦ دﻣﺎء ﻗﻮﻣﻪ.ﻗﺎل )دوﻣﺔ( ﻣﻌﺎﻧًﺪا: وﺗﻌﯿﺮﻧﺎ اﻟﻌﺮب ﻣﺎ ﺣﯿﯿﻨﺎ؟!ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: ﺻ ِّﺪﻗﻨﻲ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ،ﻟﺌﻦ ﺑﻘﯿﺖ »ﺟﺮھﻢ« ﺷﻮﻛﺔ ﻓﻲ ظﮫﺮ »ﺧﺰاﻋﺔ« ،ﺧﯿﺮ ﻣﻦ أن ﺗﻨﻜﺴﺮ ﺷﻮﻛﺘﮫﺎ ﻓﻲ ﺣﺮب ﺗﺴﺘﺒﺪ ﺑﻌﺪھﺎ »ﺧﺰاﻋﺔ« ﺑﺎﻷﻣﺮ وﺣﺪھﺎ! ﻗﺎل )دوﻣﺔ( ﻣﺘﻨﮫًﺪا: ﺳﺒﻖ اﻟﺴﯿﻒ ﻛﻤﺎ ﻗﺎل )اﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﻳﺎ أﺑﺘﺎه.ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: -ﺑﻞ ﻻ ﻳﺰال اﻟﺴﯿﻒ ﻓﻲ ﻏﻤﺪه. ﺛﻢ أردف ﻓﯿﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ اﻟﺮﺟﺎء: ارﺣ ْﻞ ﻣﻊ أﺧﻮاﻟﻚ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ،ودع اﻷﻳﺎم ﺗﺮﺑﺄ ﻣﺎ وﻗﻊ ﻣﻦ ﺻﺪع. وﻗﺒﻞ أن ﻳﺠﯿﺐ أﺑﺎه ،ﻋﻼ ﺻﻮت اﻟﻨﻔﯿﺮ ﻣﻦ ﻓﻮق ﺟﺒﻞ أﺑﻲ ﻗﺒﯿﺲ ،وﺣﻤﻠﺖ اﻟﺮﻳﺎح أﺻﻮات طﺒﻮل ﺗﻘﺮع ،ﻓﺘﻨﮫﺪ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﺛﻢ ﻗﺎل: أﺳﺘﻮدﻋﻜﻢ ﷲ ﻳﺎ أﺑﻲ ،ﻟﻮ ﻋﺎد )ﻋﻤﺮو( وﻟﺪي ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪﻧﻲ ،ﻓﻘﻞ ﻟﻪ:إن أﺑﺎك ﻗﺪ ﻣﺎت ﻋﺰﻳًﺰا. ﺛﻢ ﺧﺮج وﺻﻔﻖ اﻟﺒﺎب ﺧﻠﻔﻪ. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ واﻷرﺑﻌﻮن »اﻧﺘﮫﺖ اﻟﺤﺮب ﺑﺄﺳﺮع ﻣﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﻈﻦ؛ اﻧﺴﺤﻘﺖ اﻟﻤﺘﺎرﻳﺲ اﻟﺘﻲ أﻗﻤﻨﮫﺎ ﻓﻲ ﺳﻔﺢ »أﺟﯿﺎد« ﺗﺤﺖ ﺳﻨﺎﺑﻚ ﺧﯿﻞ »ﺧﺰاﻋﺔ« ،ﻟﻢ ﺗﺤﺘﻤﻞ اﻟﻤﺘﺎرﻳﺲ وطﺄة ﺟﺤﺎﻓﻞ اﻟﺠﯿﺶ اﻟﺬي ﻓﺎق ﻋﺪدﻧﺎ ﺑﺨﻤﺲ ﻣﺮات ،رﺟﺎل »ﺟﺮھﻢ« ﻛﺎﻷﺳﻮد وﻟﻜﻦ اﻷﺳﺪ إذا ﺗﻜﺎﺛﺮت ﻋﻠﯿﻪ اﻟﻀﺒﺎع أﻧﮫﻜﺘﻪ. ﻛﺎﻧﺖ ھﺬه ﻛﻠﻤﺎت )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ،ﻛﻨﺎ أﻧﺎ وھﻮ ﻓﻮق ﺟﺒﻞ »اﻟﺤﺠﻮن« ﺑﻌﺪ أﻳﺎم ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ،ﻧﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ ﺟﺒﻞ »أﺟﯿﺎد« اﻟﺬي ﺗﺼﺎﻋﺪت ﻣﻨﮫﺎ أﻋﻤﺪة اﻟﺪﺧﺎن ﻓﻲ اﻟﺠﮫﺔ اﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ ﺑﻌﺪ أن أﺗﺖ اﻟﻨﯿﺮان ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻨﺎزل »ﺟﺮھﻢ«. ﻟﻢ ﻳﺮ َ ض رﺟﺎل »ﺧﺰاﻋﺔ« إﻻ أن ﻳﺤﺮﻗﻮا ﻣﻨﺎزل »ﺟﺮھﻢ« ﻋﻦ آﺧﺮھﺎ ،ﻻ ﻳﺮﻳﺪون أن ﻳﺘﺮﻛﻮا ﻟﮫﻢ أﺛًﺮا؛ ﻓﺎﻷﺛﺮ ﻳﺜﯿﺮ اﻟﺤﻨﯿﻦ واﻟﺸﻮق واﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺮﺟﻮع! أﺑﺎدوھﺎ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ،ﻗﺒﻞ أن ﻳﺤﺮﻗﻮا اﻟﺒﯿﻮت ،أﺧﺮﺟﻮا اﻟﻨﺴﺎء واﻷطﻔﺎل واﻟﺸﯿﻮخ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎزل ،ﺟﻤﻌﻮھﻢ ﻣﻊ اﻷﺳﺮى ﻓﻲ ﻣﺨﯿﻢ بـ»اﻟﺒﻄﺤﺎء« ،وأﺑﻘﻮا ﻋﻠﻰ ﺣﯿﺎﺗﮫﻢ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﻣﺎ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﻪ ﺳﯿﺪ »ﺑﻜﺔ« اﻟﺠﺪﻳﺪ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ(، أھﺪروا دﻣﺎء )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﺑﻌﺪ أن طﻤﺮ »ﺑﺌﺮ زﻣﺰم« ﺑﺎﻟﺤﺠﺎرة واﻟﺘﺮاب وﺳﻮاه ﺑﺎﻷرض ،ارﺗﻜﺐ )اﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( اﻹﺛﻢ اﻷﻋﻈﻢ ،وأﺗﻰ ﺑﺄﺣﻂ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻔﻌﻠﻪ رﺟﻞ ﺷﺮﻳﻒ ﺑﺎﻟﺒﯿﺖ اﻟﻤﻌﻈﻢ ،ﻟﻦ ﺗﻨﺴﻰ ﻟﻪ اﻟﻌﺮب أﻧﻪ طﻤﺮ ﺑﺌﺮ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﺣﯿﻦ ﺷﻌﺮ ﺑﺪﻧﻮ اﻟﮫﺰﻳﻤﺔ ،وﺣﯿﻦ ﺳﻤﻊ اﻟﻤﻨﺎدي ﻳﻘﻮل ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻗﺎت: ﻣﻦ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻪ ﻗﺘﯿًﻼ ﻓﻠﻪ ﻣﺎﺋﺔ رأس ﺑﻌﯿﺮ ،وﻣﻦ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻪ أﺳﯿًﺮا ﻓﻠﻪ أﻟﻒ ،أدرك أﻧﮫﻢ ﻳﺮﻳﺪون اﻹﺑﻘﺎء ﻋﻠﻰ ﺣﯿﺎﺗﻪ ،اﻟﺘﻲ ﻻ ﻟﺸﻲء إﻻ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﺴﺮ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻠﻪ ،ھﻢ ﻳﺮﻳﺪون أن ﻳﻌﺮﻓﻮا أﻳﻦ أﺧﻔﻰ ﻏﺰاﻟﺘﻲ اﻟﺬھﺐ وأﻳﻦ وﺿﻊ ﺳﯿﻒ )اﻟﻤﻀﺎض ﺑﻦ ﺟﺮھﻢ(؟ وإذا ﻋﺮﻓﻮا اﻟﺴﺮ ﺳُﯿﻘﻀﻰ ﻋﻠﯿﻪ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ. ﺑﻌﺪ أن رأى اﻟﮫﺰﻳﻤﺔ وﺷﯿﻜﺔ ،ﺗﺴﻠﻞ ھﺎرﺑًﺎ ﻣﻦ ﻓﻮق ﺟﺒﻞ »أﺟﯿﺎد« ،ﺧﻠﻊ ﻣﻼﺑﺴﻪ وارﺗﺪى ﺟﻠﺒﺎﺑًﺎ ﻣﺮﱠﻗًﻌﺎ ،وأﻟﻘﻰ ﻋﻠﻰ رأﺳﻪ ﺧﻤﺎًرا ،ﺗﻠﺜﻢ ﺑﻄﺮﻓﻪ ﺛﻢ ھﺒﻂ إﻟﻰ اﻟﺒﻄﺤﺎء وﺳﺎر ﺑﯿﻦ اﻟﺠﻤﻮع اﻟﺘﻲ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﺑﯿﻮﺗﮫﺎ ﺗﮫﻠﻞ ﺑﻨﺼﺮ »ﺧﺰاﻋﺔ«. رأى ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻳﮫﺮوﻟﻮن ﺧﻠﻒ ﻧﺎﻗﺔ ﻣﻔﻘﻮءة اﻟﻌﯿﻦ ﻣﻦ ﻧﻮﻗﻪ اﻟﺨﻤﺴﺔ، اﻧﺘﺤﻰ ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ اﻟﻨﺎﻗﺔ اﻟﻤﺬﻋﻮرة اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺮى ﺷﯿًﺌﺎ ،ﺳﻘﻂ ﻟﺜﺎﻣﻪ وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻌﺮﻓﻪ أﺣﺪ ،أﻣﺴﻚ أﺣﺪ اﻟﺮﺟﺎل ﺑﺬﻳﻞ اﻟﻨﺎﻗﺔ وﻗﻄﻊ آﺧﺮ ﻋﺮاﻗﯿﺒﮫﺎ ﻣﻦ ﺧﻼف ،ﻓﺴﻘﻄﺖ اﻟﻨﺎﻗﺔ اﻟﻌﻤﯿﺎء ﻛﺎﻟﻄﻮد. ارﺗﻘﻰ أﺣﺪھﻢ ﻓﻮق ظﮫﺮھﺎ ﺛﻢ ﻋﻘﺮھﺎ وھﻲ ﺗﻨﺘﻔﺾ ﻣﻦ اﻟﺬﻋﺮ واﻷﻟﻢ ،ﺷﻌﺮ ﺑﺎﻷﻟﻢ ﻳﻌﺘﺼﺮ ﻗﻠﺒﻪ ،أﻳﺒﻜﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﻟﻪ اﻟﻤﺴﺘﺒﺎح أم ﻋﻠﻰ ﻧﺎﻗﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﻔﻘﺄ ﻋﯿﻨﺎھﺎ ﻷﺗﯿﺤﺖ ﻟﮫﺎ ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻠﮫﺮوب. أﻟﻘﻰ ﺧﻤﺎره أر ً ﺿﺎ ،ﻓﻘﺪ أدرك أﻧﻪ ﻣﺠﮫﻮل ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس ،ﺳﺎر ﻣﻜﺸﻮف اﻟﻮﺟﻪ، ﺣﺘﻰ وﺟﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ أطﺮاف اﻟﺒﻄﺤﺎء ،ﺧﺸﻲ أن ﻳﺨﺮج إﻟﻰ اﻟﺼﺤﺮاء ﻓﯿﻠﻤﺤﻪ اﻟﻜﺸﺎﻓﺔ ﻣﻦ ﻓﻮق اﻟﺠﺒﻞ ﻓﯿﺸﺘﺒﮫﻮن ﺑﺄﻣﺮه ،ﻗﺮر أن ﻳﻨﺘﻈﺮ ﺣﺘﻰ ﻳﺠﻦ اﻟﻠﯿﻞ ً ُ اﻟﺬي ﺗﻔﺼﻠﻪ ﻋﻨﻪ ُ ﺸﺎ أﻗﯿﻢ وﺣﺪه ﻓﻲ ﺳﻮﻳﻌﺎت ﻗﻠﯿﻠﺔ ،ﻧﻈﺮ ﺣﻮﻟﻪ ﻓﻮﺟﺪ ﻋﺮﻳ أطﺮاف اﻟﺒﻄﺤﺎء ،وﻳﺒﺪو أﻧﻪ ﻏﯿﺮ ﻣﺴﻜﻮن ،دﺧﻞ ﻓﻲ ﺣﺬر ﻓﻮﺟﺪ دﻗﻤﺎًﻗﺎ وﺻﻨﺎدﻳﻖ ﻏﯿﺮ ﻣﻜﺘﻤﻠﺔ وﻋﺮﺑﺔ ﺑﻼ ﺣﺼﺎن ﺗﺴﺘﻨﺪ إﻟﻰ ﻗﺎﺋﻤﯿﮫﺎ ،أدرك أﻧﻪ ﻋﺮﻳﺶ ﻟﻨﺠﺎر ،وأن اﻟﻨﺠﺎر ﻏﯿﺮ ﻣﻮﺟﻮد ،اﺧﺘﺒﺄ ﻓﻲ اﻟﻌﺮﻳﺶ ﺟﺎﻣًﻌﺎ رﻛﺒﺘﯿﻪ إﻟﻰ ﺻﺪره ،وﻳﺪه ﺗﺘﺤﺴﺲ ﺟﺮ ً ﺣﺎ ﻏﯿﺮ ﻧﺎﻓﺬ ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺒﻪ. ﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ﻣﺪد ﺳﺎﻗﯿﻪ واﺳﺘﺮﺧﻰ ﺑﻈﮫﺮه ،اطﻤﺄن ﻟﻠﺴﻜﻮن ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ،ﻓﺄﻏﻤﺾ ﻋﯿﻨﯿﻪ واﻧﺘﻈﺮ ﻣﺠﻲء اﻟﻠﯿﻞ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻠﯿﻞ ﺣﯿﻦ زاره وﺟﺪه ﻧﺎﺋ ً ﻤﺎ ،ﻓﺄرﺧﻰ ﻋﻠﯿﻪ ﺳﻜﻮﻧﻪ وﺗﺮﻛﻪ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻔﻖ إﻻ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ﺣﯿﻦ دﺧﻠﺖ أﻧﺎ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﻌﺮﻳﺶ. ﺣﯿﻦ رأﻳﺘﻪ ﻧﺎﺋ ً ﻤﺎ ﺧﺪﻋﺘﻨﻲ ھﯿﺌﺘﻪ وظﻨﻨﺘﻪ ﻋﺎﺑﺮ ﺳﺒﯿﻞ ،وﻟﻜﻨﻪ ﺣﯿﻦ ﻓﺘﺢ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﻋﺮﻓﺘﻪ ،ﻓﺄﻧﺎ ﻻ أﻧﺴﻰ اﻟﻌﯿﻮن أﺑًﺪاُ ،ذﻋﺮ ﻟﺮؤﻳﺘﻲ ،وﻟﻜﻨﻪ ﺗﻤﺎﺳﻚ ﺑﻌﺪ وھﻠﺔ، ﺗﻈﺎھﺮ ﺑﺄﻧﻪ ﻋﺎﺑﺮ ﺳﺒﯿﻞ ،ﻓﺄﺣﻨﻰ ظﮫﺮه وأطﺮق ﺑﺮأﺳﻪ إﻟﻰ اﻷرض وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻣﻌﺬرة ﻳﺎ ﺳﯿﺪي ،ﻗﺪ داھﻤﻨﻲ اﻟﻠﯿﻞ ﻓﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﻌﺮﻳﺶ اﻟﺨﺎﻟﻲ ﺧﺸﯿﺔاﻟﺬﺋﺎب. ﺗﺠﺎوزﻧﻲ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ واﺻﻄﺪم ﻛﺘﻔﻪ ﺑﻜﺘﻔﻲ وھﻮ ﻳﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﺒﺎب ،اﺳﺘﺪرت إﻟﯿﻪ ﺑﻌﺪ أن ﺧﺮج ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﻌﺮﻳﺶ ،وﻗﻠﺖ ﻣﺤﺬًرا: اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﯿﺲ آﻣًﻨﺎ!ﻳﺒﺤﺜﻮن ﻋﻨﻚ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن. ﺗﺠﻤﺪ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻌﻪ ﻟﺤﻈﺎت ،ﺛﻢ ﻓﺮد ظﮫﺮه ،واﺳﺘﺪار إﻟ ﱠ ﻲ وھﻮ ﻳﻘﻮل ﻓﻲ ﻋﺰة اﻟﻤﻠﻮك: ﻋﺮﻓﺘﻨﻲ إذن!ﻣﻦ أي اﻟﺒﻄﻮن أﻧﺖ؟! ﻗﻠﺖ: ﻟﺴﺖ ﻣﻦ أھﻞ »ﺑﻜﺔ«!ﻗﺎل ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: وﻟﻤﺎذا ﺗﺤﺬرﻧﻲ؟!ﻛﺎن ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻚ ﻗﺘﻠﻲ وأﻧﺎ ﻧﺎﺋﻢ وﺗﺄﺧﺬ اﻟﻤﺎﺋﺔ رأس ﺑﻌﯿﺮ ،أم ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﺴﻠﻤﻨﻲ إﻟﯿﮫﻢ ﺣﯿﺎ ﻛﻲ ﺗﻈﻔﺮ ﺑﺎﻷﻟﻒ رأس؟! ھﯿﺎ أﻳﮫﺎ اﻟﺸﺎب اﺻﺮخ ،واﺳﺘﺪع اﻟﻜﺸﺎﻓﺔ ﻓﻠﻮ ﻛﻨﺖ ﻣﻜﺎﻧﻚ ﻟﻔﻌﻠﺖ. أﺷﺮت إﻟﻰ ﻳﺪي اﻟﺨﺎوﻳﺘﯿﻦ ﻣﻦ أي ﺳﻼح وﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﺑﻘﻌﺔ اﻟﺪﻣﺎء اﻟﺘﻲ ﻛﺒﺮت وطﻔﺤﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﻼﺑﺴﻪ: ﻻ أرﻳﺪ ھﺬا وﻻ ذاك!ﻓﻘﻂ أرﻳﺪ أن أﺳﺎﻋﺪك ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺠﺎة. ﻗﺎل ﻣﺘﺸﻜ ً ﻜﺎ: ﻟﻤﺎذا؟ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺑﺴﺎطﺔ: ﻷن ﻛﻞ إﻧﺴﺎن ﻳﺴﺘﺤﻖ ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻠﻨﺠﺎة.رأﻳﺖ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﺗﺼﺪﻳًﻘﺎ وﺑﺮﻳًﻘﺎ ﻟﻸﻣﻞ ،ﻓﻘﺎل: وھﻞ ﺗﻤﻠﻚ أن ﺗﺴﺎﻋﺪﻧﻲ؟ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺗﺄﻛﯿﺪ: أﺟﻞ ،ﻓﻘﻂ اﻧﺘﻈﺮﻧﻲ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ وﺳﺄﻋﻮد إﻟﯿﻚ.ﻋﺎد اﻟﺸﻚ إﻟﻰ ﻧﻈﺮﺗﻪ ،ﻓﻘﻠﺖ ﻣﻄﻤﺌًﻨﺎ: ﺳﻮف آﺗﻲ ﺑﺒﻐﻠﺔ ﺗﺤﻤﻠﻨﺎ إﻟﻰ ﺧﺎرج »ﺑﻜﺔ«.ﻻ أدري ﻟﻤﺎذا وﺛﻖ ﻓﻲ ﻛﻠﻤﺎﺗﻲ ،رﺑﻤﺎ ﻷن اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺼﺎدﻗﺔ ﺗﺠﺪ طﺮﻳﻘﮫﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﻠﺐ دون اﻟﻤﺮور ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘﻞ ،ورﺑﻤﺎ ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﺧﯿﺎًرا آﺧﺮ. ﻋﺪت ﺑﻌﺪ ﺳﻮﻳﻌﺎت ﻗﻠﯿﻠﺔ ،أرﻛﺐ ﺑﻐﻠﺔ ،وأﺣﻤﻞ ﻣﻌﻲ ﺻﺮﺗﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش، وﺟﺪﺗﻪ ﻣﺘﻠﮫًﻔﺎ ﻗﻠًﻘﺎ ،ﻗﺎل: ﺗﺄﺧﺮت طﻮﻳًﻼ!ﻗﻠﺖ: ﻣﻌﺬرة ،ﺗﻮﻗﻔﺖ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺮة ﺧﺸﯿﺔ أن ﻳﺘﺒﻌﻨﻲ أﺣﺪ.أﻟﻘﯿﺖ إﻟﯿﻪ ﺑ ُ ﺼﱠﺮﺗﻲ اﻟﻘﻤﺎش وﻗﻠﺖ: ھﺬا طﻌﺎ ٌم ،وذاك ﻣﻠﺒﺲ ﺑﺪل ﺟﻠﺒﺎﺑﻚ اﻟﻤﻠﻄﺦ ﺑﺎﻟﺪﻣﺎء ﺑﻌﺪ أن ﺗﻔﺮغ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم. ﻓﺘﺢ ُ ﺻﱠﺮة اﻟﻤﻼﺑﺲ أوًﻻ وھﻮ ﻳﻘﻮل: -ﻻ وﻗﺖ ﻟﻠﻄﻌﺎم. ﻓﺮد اﻟﺰي أﻣﺎﻣﻪ ﻓﻮﺟﺪه ﺟﻠﺒﺎب اﻣﺮأة ،وﻣﻌﻪ ﺧﻤﺎر رأس. ﻗﺎل ﻣﻨﺪھ ً ﺸﺎ: ﻣﺎ ھﺬا؟!ﻗﻠﺖ: ھﺬا أﻓﻀﻞ ﺷﻲء ﻟﻠﺨﺮوج ﻣﻦ ھﻨﺎ ،ارﺗﺪه اﻵن ﺛﻢ أردﻓﺖ ﻣﺒﺘﺴ ً ﻤﺎ: أرﺟﻮ أن ﻳﺘﺴﻊ ﺛﻮب )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﻟﻚ!ﻋﻠﻘﺖ اﻟﻌﺮﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﺮج اﻟﺒﻐﻠﺔ ،ﺛﻢ وﺿﻌﺖ ﻓﻮﻗﮫﺎ ﺑﻘﺎﻳﺎ أﺧﺸﺎب وﺑﻌﺾ اﻟﺼﻨﺎدﻳﻖ ﻏﯿﺮ اﻟﻤﻜﺘﻤﻠﺔ. ﺧﺮج ﻋﻤﺮو ﻣﺮﺗﺪﻳًﺎ ﺟﻠﺒﺎب )أم اﻟﺴﻌﺪ( اﻟﺬي وﺻﻞ إﻟﻰ أﺳﻔﻞ رﻛﺒﺘﯿﻪ ﺑﻘﻠﯿﻞ، واﺿًﻌﺎ ﻋﻠﻰ رأﺳﻪ ﺧﻤﺎرھﺎ. ﻛﺪت أﺿﺤﻚ ،وﻟﻜﻨﻲ ﺗﺮاﺟﻌﺖ! ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: ھﯿﺎ اﻗﻔﺰ.ﻗﻔﺰ ﻓﻮق اﻟﻌﺮﺑﺔ ﺛﻢ اﺳﺘﻠﻘﻰ ﻋﻠﻰ ظﮫﺮه وأﺳﻨﺪ رأﺳﻪ إﻟﻰ أﺣﺪ اﻟﺼﻨﺎدﻳﻖ وﺳﺘﺮ ﺳﺎﻗﯿﻪ ﺑﻐﻄﺎء ﻣﻦ اﻟﺨﯿﺶ ووﺟﮫﻪ ﺑﺎﻟﺨﻤﺎر اﻷﺳﻮد. ﻗﺎل ﻣﻦ ﺧﻠﻒ اﻟﺨﻤﺎر: اﺗﺠﻪ إﻟﻰ »اﻟﺤﺠﻮن«!اﻧﻄﻠﻘﺖ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﺔ ﻣﻦ »اﻟﺒﻄﺤﺎء« ودرت ﺣﻮل ﺟﺒﻞ أﺑﻲ ﻗﺒﯿﺲ دورة ﻛﺎﻣﻠﺔ ،وﺣﯿﻦ اﻗﺘﺮﺑﺖ اﻟﻌﺮﺑﺔ ﻣﻦ ﺳﻔﺢ »أﺟﯿﺎد« ،ﺣﺪث ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﺗﻮﻗﻌﻪ. اﺳﺘﻮﻗﻔﻨﻲ ﺑﻌﺾ ﻓﺮﺳﺎن »ﺧﺰاﻋﺔ« ﺣﯿﻦ رأوا اﻟﻌﺮﺑﺔ ،ﺳﺄﻟﻨﻲ أﺣﺪھﻢ: ﻣﻦ أﻳﻦ ﺗﺄﺗﻲ وﻣﻦ أي اﻟﺒﻄﻮن أﻧﺖ؟ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ھﺪوء: أﻋﻤﻞ ﻧﺠﺎًرا ﻓﻲ »اﻟﺒﻄﺤﺎء« وأﻧﺎ ﻣﻮﻟﻰ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻣﻦ »ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر«.دار اﻟﺤﺎرس ﺣﻮل اﻟﻌﺮﺑﺔ وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺘﻌﺠﺐ ﻣﻦ ﺻﻨﻌﺘﮫﺎ ،ﺛﻢ ﻧﻈﺮ إﻟﻰ )ﻋﻤﺮو( اﻟﻤﺴﺘﺘﺮ ﺑﺰﻳﻪ ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ. ﻓﻘﻠﺖ ﻣﺨﺘﺼًﺮا اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺴﺄﻟﻨﻲ: -ھﺬه أﻣﻲ ،وھﻲ ﻣﺮﻳﻀﺔ ،وﺳﺄذھﺐ ﺑﮫﺎ إﻟﻰ أﺧﻮاﻟﻲ ﻓﻲ »اﻟﺤﺠﻮن«. اﻗﺘﺮب ﻣﻦ أﺣﺪ اﻟﺼﻨﺎدﻳﻖ ﻓﺠﺬﺑﮫﺎ ،ﻓﺴﻘﻂ ﻗﻠﺒﻲ ﺑﯿﻦ أﺿﻠﻌﻲ وﺗﻤﻨﯿﺖ أن ﻳﺤﻔﻆ )ﻋﻤﺮو( ھﺪوءه ..ﻗﻠﱠﺐ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺼﻨﺪوق ﺑﯿﻦ ﻳﺪﻳﻪ وﻗﺎل: ﺗﺒﺪو ﻣﺎھًﺮا أﻳﮫﺎ اﻟﺸﺎب ،أﻓﻼ ﺗﺮﻛﺖ ﻟﻲ ھﺬا اﻟﺼﻨﺪوق؟ﺧﺸﯿﺖ إن واﻓﻘﺖ ،أن ﻳﺤﺬو اﻵﺧﺮون ﺣﺬوه ﻓﻘﻠﺖ ﻣﺘﺬﻣًﺮا: أﻟﻢ ﻳﺮﻓﻊ ﺳﯿﺪ »ﺧﺰاﻋﺔ« اﻟﻌﺸﻮر ﻋﻨﺎ؟!أﺟﺎء إﻟﯿﻨﺎ ﺑﺎﻟﻌﺪل أم أن اﻟﻈﻠﻢ ﻗﺪ ﺑﺪل ﺛﯿﺎﺑﻪ ﻓﺤﺴﺐ؟! ﺷﻌﺮ اﻟﺮﺟﻞ ﺑﺎﻟﺤﺮج ،ﻓﺄﻟﻘﻰ اﻟﺼﻨﺪوق ﻓﻮق اﻟﻌﺮﺑﺔ وﻗﺎل ﻧﺎھًﺮا: ھﯿﺎ أﻳﮫﺎ اﻟﺸﺎب ،ﺗﺒﺪو ﻣﺸﺎﻛ ًﺴﺎ وﻻ ﺗﺨﺠﻞ ﻣﻦ اﻟﺠﮫﺮ ﺑﺎﻟﺸﻜﻮى. ﺗﻨﻔﺴﺖ اﻟﺼﻌﺪاء ﺣﯿﻦ أﻓﺴﺢ اﻟﻄﺮﻳﻖ أﻣﺎﻣﻨﺎ ،ﻓﺼﻔﻌﺖ ﻣﺆﺧﺮة اﻟﺒﻐﻠﺔ ﺑﯿﺪي ﻛﻲ ﺗﺴﺮع اﻟﺨﻄﻰ ،ﻓﺎﻧﻄﻠﻘﺖ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ﺗﻘﻄﻊ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻰ ﺟﺒﺎل »اﻟﺤﺠﻮن« اﻟﺘﻲ ﻻﺣﺖ ﻗﻤﺘﮫﺎ ﻓﻲ اﻷﻓﻖ. اﻋﺘﺪل )ﻋﻤﺮو( ﻗﻠﯿًﻼ ﻣﻦ رﻗﺪﺗﻪ ،ﺑﻌﺪ أن اطﻤﺄن ﻗﻠﯿًﻼ ﻟﺨﻠﻮ اﻟﺼﺤﺮاء ،ﻓﺘﺢ ﺻﺮة اﻟﻄﻌﺎم ،وﺑﺪأ ﻳﻘﻀﻢ ﻗﻄًﻌﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺰ ،ﺳﺄﻟﺘﻪ ﻋﻤﺎ ﺳﯿﻔﻌﻠﻪ ﺑﻌﺪ أن ﻳﺼﻞ إﻟﻰ »اﻟﺤﺠﻮن« ،ﻓﺄﺟﺎب: ﺗﻨﺘﻈﺮﻧﻲ ﻓﺮﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺮاس ﻣﻊ زوﺟﺘﻲ وأﺑﻨﺎﺋﻲ ،أرﺳﻠﺘﮫﻢ إﻟﻰ ھﻨﺎك ﻗﺒﻞاﻟﺤﺮب ﺑﺄﻳﺎم ﺗﺤﺴﺒًﺎ ﻟﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﺤﺪث. ﻗﻠﺖ: إذا ﻛﻨﺖ ﺗﺘﻮﻗﻊ اﻟﮫﺰﻳﻤﺔ ،ﻓﻠﻤﺎذا ﻟﻢ ﺗﺤﻘﻦ اﻟﺪﻣﺎء وﺗﺘﺮك اﻷﻣﺮ لـ»ﺧﺰاﻋﺔ«؟ﺻﻤﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ..ﻓﺸﻌﺮت أﻧﻲ ﻗﺪ ﺗﺠﺎوزت ﻓﻲ ﺳﺆاﻟﻲ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻗﺎل ﺑﻌﺪ ﺻﻤﺘﻪ: ﻤﻠ ُ اﻟ ُﻚ ﻻ ُﻳﺘﺮك أﻳﮫﺎ اﻟﺸﺎب وﻟﻜﻨﻪ ُﻳﻨﺘﺰع اﻧﺘﺰاًﻋﺎ. ﺛﻢ ﻋﺎد إﻟﻰ ﺻﻤﺘﻪ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻗﺒﻞ أن ﻳﻘﻮل: ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺮﻛﻪ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺴﺘﻮ َي ﻋﻠﻰ ﻋﺮﺷﻪ ،ﻓﺈن اﺳﺘﻮﻳﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮش ﻓﺎﻷﻣﺮ ﻟﯿﺲ ﻟﻚ! ﺛﻢ ﺷﻌﺮت ﺑﺼﻮﺗﻪ ﻳﺘﮫﺪج وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﺣﯿﻦ ﻣﺎت أﺑﻲ )اﻟﺤﺎرث( ،رﺟﻮت أﻋﻤﺎﻣﻲ ﺑﺄن ﻳﻌﮫﺪوا ﺑﺎﻷﻣﺮ ﻷﺧﻲ اﻷﺻﻐﺮ)اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ،وﻟﻜﻨﮫﻢ أﺑﻮا ذﻟﻚ؛ ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﺰال ﺻﻐﯿًﺮا ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﻠﺒﻲ ﻣﻌﻠًﻘﺎ ﻋْﻠﻢ ﺑﮫﺎ ﻗﺒﻞ أن ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ ﺑﻘْﺪر ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ ،ﺣﺘﻰ أﻣﻮر اﻟﺒﯿﺖ ﻟﻢ أﻛﻦ ﻋﻠﻰ ِ أﺗﻮﻟﻰ أﻣﺮ »ﺟﺮھﻢ« ،اﻟﺒﯿﺖ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﺗﻌﻠﻖ ﺑﻪ ﻗﻠﺒﻲ ﻣﻨﺬ اﻟﺼﻐﺮ ﻛﺎن ﺑﯿﺖ اﻟﺸﻌﺮ ،ﻋﺸﺖ ﻓﯿﻪ وﻋﺎش ﻓ ﱠ ﻲ وودت أﻻ أﻓﺎرﻗﻪ. ﺼْﺪق ﺣﺪﻳﺜﻪ ،وﻟﻜﻦ ھﺬا ﻟﻢ ﻳﻤﻨﻌﻨﻲ ﻣﻦ أن أﻋﻮد أﺷﻔﻘﺖ ﻋﻠﯿﻪ وﺷﻌﺮت ﺑ ِ ﻷﺳﺄﻟﻪ ﻣﺮة أﺧﺮى: وﻣﺎذا ﺳﺘﻔﻌﻞ ﺑﻌﺪ أن ﺗﺼﻞ إﻟﻰ »اﻟﺤﺠﻮن«؟ﻗﺎل: ﺳﺄﻋﻮد ﺑﺄھﻠﻲ إﻟﻰ اﻟﺠﻨﻮب ،ھﻨﺎك ﺳﺄﺑﺪأ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ وﻳﻮًﻣﺎ ﻣﺎ ﺳﺄﻋﻮد ﻷﺳﺘﺮدﻣﻠﻜﻲ وﻣﻠﻚ آﺑﺎﺋﻲ! ﻗﻠﺖ ﻣﺘﺤﺴ ً ﺴﺎ ﻛﻠﻤﺎﺗﻲ ﺣﺘﻰ ﻻ أﻏﻀﺒﻪ: وھﻞ ﺳﯿﻐﻔﺮ ﻟﻚ اﻟﻨﺎس طﻤﺮ »زﻣﺰم« وﺳﺮﻗﺔ ﻏﺰاﻟﺘﻲ اﻟﻜﻌﺒﺔ؟!ﺻﻤﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻳﻮم ﻧﻌﻮد ﺳﯿﻌﻠﻢ اﻟﻨﺎس أن »ﺟﺮھﻢ« ﻻ ﺗﺪﻧﺲ ﺷﺮﻓﮫﺎ ﺑﺎﻟﺴﺮﻗﺔ!ﻛﻨﺎ ﻗﺪ اﻗﺘﺮﺑﻨﺎ ﻣﻦ ﺟﺒﺎل »اﻟﺤﺠﻮن« ،أﺷﺮف إﻟﯿﮫﺎ ﺑﻨﺎظﺮﻳﻪ وﻛﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﺼﺪق أﻧﻪ ﺳﯿﻠﺘﻘﻲ أھﻠﻪ ﻓﻮق اﻟﺠﺒﻞ ،رﺑﺖ ﻋﻠﻰ ظﮫﺮي وھﻮ ﻳﻘﻮل: أﺷﻜﺮك أﻳﮫﺎ اﻟﺸﺎب ،ﻟﻚ ﻓﻲ ﻋﻨﻘﻲ دﻳﻦ ﻟﻦ أﻧﺴﺎه ﻣﺎ ﺣﯿﯿﺖ!ﺛﻢ ﻗﺎل ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: أﻧﺎ ﻟﻢ أﻋﺮف اﺳﻤﻚ!ﻣﺎ ھﻮ اﺳﻤﻚ؟! وﻗﺒﻞ أن أﺟﯿﺒﻪ ،ﺳﻤﻌﻨﺎ ﺻﯿﺤﺔ ﻋﺎﻟﯿﺔ أﻓﺰﻋﺘﻨﺎ ،ورأﻳﺖ ﻓﺎر ً ﺳﺎ ﻳﺨﺮج ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻄﺮﻳﻖ وﻛﺄﻧﻤﺎ اﻧﺸﻖ ﻋﻨﻪ ﺑﻄﻦ اﻟﺠﺒﻞ ،ﻳﻠﻮح ﺑﺴﯿﻔﻪ ﻓﻲ اﻟﮫﻮاء وﻳﻨﺤﺪر ﺗﺠﺎھﻨﺎ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ،وﺣﯿﻦ اﻗﺘﺮب ﻣﻨﺎ ،وﺗﺒﯿﻨﺖ ﻣﻼﻣﺤﻪ ﻣﺎدت ﺑﻲ اﻷرض وﻛﺄﻧﻲ أراه ﻳﺒﻌﺚ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن )دﻋﺲ( ﻳﺤﻤﻞ ﺳﯿﻔﻪ ،اﻟﺬي ﺗﻸﻷ ﻧﺼﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﮫﻮاء ﻓﺒﺪا ﻛﻠﯿﺚ ﺗﻠﻤﻊ أﻧﯿﺎﺑﻪ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﻘﺾ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﻳﺴﺘﻪ اﻟﺜﻤﯿﻨﺔ. ﺿﺮب ﺑﺴﯿﻔﻪ ﺳﺮج اﻟﺒﻐﻠﺔ ﻓﺎﻧﻘﻄﻊ ،وﻣﺎﻟﺖ اﻟﻌﺮﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﮫﺎ ﻓﺴﻘﻂ اﻟﺠﻤﯿﻊ، أﻧﺎ و)ﻋﻤﺮو( واﻟﺒﻐﻠﺔ وﺣﻤﻮﻟﺔ اﻷﺧﺸﺎب واﻟﺼﻨﺎدﻳﻖ ،ﻗﻔﺰ ﻣﻦ ﻓﻮق ﻓﺮﺳﻪ ﻓﻲ رﺷﺎﻗﺔ وﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﻛﺎن ﻧﺼﻞ ﺳﯿﻔﻪ ﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﺮ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ،وﻗﻒ ﻳﻠﮫﺚ وﻋﯿﻨﺎه ﺗﻨﻈﺮان ﻓﻲ ظﻔﺮ ﻏﯿﺮ ﻣﺼﺪق أﻧﻪ وﻗﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﯿﺪ اﻟﺜﻤﯿﻦ ،ﻓﻚ ﻣﻦ ﻧﻄﺎﻗﻪ ﺣﺒًﻼ ﻣﻠﻔﻮًﻓﺎ ﺗﺪﻟﻰ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﻪ ،أﻟﻘﻰ ﺑﻪ إﻟ ﱠ ﻲ وھﻮ ﻳﻘﻮل ﻟﻲ ﻓﻲ أﻣﺮ ﻧﺎﻓﺬ: ارﺑﻂ ﻗﺪﻣﯿﻪ إﻟﻰ ﻳﺪﻳﻪ.ﺗﻘﺎﻋﺴﺖ ﻓﻲ اﻟﻘﯿﺎم رﻏﻢ ﻧﻈﺮة اﻟﺸﺮ اﻟﺘﻲ رﻣﻘﻨﻲ ﺑﮫﺎ ،ﻓﺮﻛﻞ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﺑﻘﺪﻣﻪ ﺑﻘﻮة ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺒﻪ ﻓﻔﺘﻖ ﻟﻪ ﺟﺮﺣﻪ وﺻﺮخ )ﻋﻤﺮو( ﻋﺎﻟﯿًﺎ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺴﻘﻂ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﻪ وﻗﺪ ﺟﺤﻈﺖ ﻋﯿﻨﺎه ﻣﻦ اﻷﻟﻢ. ﺻﺮخ ﻓﻲ ﺟﻨﻮن أرﻋﺒﻨﻲ: ھﯿﺎ وإﻻ ﻗﺘﻠﺘﻚ!أﻣﺴﻜﺖ ﺑﺎﻟﺤﺒﻞ وﻋﻘﺪﺗﻪ ﺣﻮل ﻳﺪي ﻋﻤﺮو وﻗﺪﻣﯿﻪ ﻛﻤﻦ ﻳﺮﺑﻂ ﺑﻌﯿًﺮا ﻳﻮﺷﻚ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﺮه ،ﻟﻢ ﺗﻄﺎوﻋﻨﻲ ﻧﻔﺴﻲ أن أﻋﻘﺪ اﻟﻌﻘﺪة اﻷﺧﯿﺮة ﻓﺘﺮددت وأﻧﺎ أﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﻋﯿﻨﻲ )ﻋﻤﺮو( اﻟﺘﻲ ﺗﻔﯿﺾ ﺑﺎﻷﻟﻢ ،ﻓﺈذا ﺑﺮﻛﻠﺔ أﺧﺮى ﺗﻄﯿﺢ ﺑﻲ ﺑﻌﯿًﺪا ،ﻗﺒﻞ أن ﻳﻘﻮم ھﻮ ﺑﻌﻘﺪھﺎ ﻓﻲ ﻗﻮة ﺻﺮخ ﻟﮫﺎ )ﻋﻤﺮو( ﻣﻦ اﻷﻟﻢ ،ﻟﮫﺚ وھﻮ ﻳﻠﻒ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﺤﺒﻞ ﺣﻮل رﻗﺒﺔ )ﻋﻤﺮو( وﻗﺎل وھﻮ ﻳﻨﻈﺮ إﻟ ﱠ ﻲ ﻓﻲ اﺣﺘﻘﺎر وﺷﻤﺎﺗﺔ: أﻟﻢ أﻗﻞ ﻟﻚ إﻧﻚ ﻏﱞﺮ ﺗﺎﻓﻪ ،ﺗﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﺻﺪرك ﻗﻠﺐ طﻔﻞ!أﺿﻌﺖ ﻣﻦ ﻳﺪﻳﻚ ﺻﯿًﺪا ﺛﻤﯿًﻨﺎ ،ﻳﻔﻮق أﻣﻮال )ﺷﮫﺒﻮر( اﻟﺘﻲ أﺿﻌﺘﮫﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ! ﺛﻢ ﻗﺎل وھﻮ ﻳﻀﻊ ﺳﯿﻔﻪ ﻓﻲ ﻏﻤﺪه: ﻣﻨﺤﺘﻚ اﻟﺤﯿﺎة ﻓﺮ ًﺻﺎ ﻛﺜﯿﺮة ﻻ ﺗﺴﺘﺤﻘﮫﺎ. ﺛﻢ اﻧﺤﻨﻰ وﺣﻤﻞ )ﻋﻤﺮو( ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ ﻛﻤﻦ ﻳﺤﻤﻞ ﺟﻮاًﻻ ﻣﻦ اﻟﻄﺤﯿﻦ ،ووﺿﻌﻪ ﻣﻜﺒًﻼ ﻓﻮق ظﮫﺮ ﻓﺮﺳﻪ. وﻗﻒ ﻳﻠﮫﺚ ﻛﺨﯿﻞ ﺗﻀﺒﺢ ﻓﻲ ﻋﺪوھﺎ ﻟﻠﺤﻈﺎت ،أﺗﺒﻌﮫﺎ ﺑﺰﻓﺮة طﻮﻳﻠﺔ ﻛﻨﻔﺮة ﻓﺮس ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ إﻟ ﱠ ﻲ وھﻮ ﻳﻘﻮل ﻣﺴﺘﻜﻤًﻼ ﺣﺪﻳﺜﻪ: أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻼ أﻣﻨﺢ اﻷﻏﺒﯿﺎء إﻻ ﻓﺮﺻﺔ واﺣﺪة ،وﻗﺪ أﺿﻌﺘﮫﺎ أﻧﺖ.أﺧﺮج ﺳﯿﻔﻪ ،ورأﻳﺖ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﻋﺰًﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﺘﻠﻲ ،اﻧﺘﻔﻀﺖ واﻗًﻔﺎ وأﻣﺴﻜﺖ ﺑﻘﻄﻌﺔ ﺧﺸﺐ ووﻗﻔﺖ ﻣﺒﺎﻋًﺪا ﺑﯿﻦ ﺳﺎﻗﻲ ﻣﺘﺄھﺒًﺎ ﻟﻠﻘﺘﺎل ﺑﺴﯿﻒ ﻣﻦ ﺧﺸﺐ، ُ ﻛﻨﺖ أﻋﻠﻢ أﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﺆﺧﺮ ﻗﺘﻠﻲ ﺳﻮى ﻟﻠﺤﻈﺎت ،وﻟﻜﻦ ﻧﻔﺴﻲ أﺑَ ْ ﺖ أن أْذﺑﺢ ﺑﻼ ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﻛﺎﻟﺒﻌﯿﺮ ،طﻮﺣﺖ اﻟﺨﺸﺒﺔ ﺗﺠﺎھﻪ ﻣﺮات وﻟﻜﻨﻪ ﺗﻔﺎداھﺎ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺤﯿﻠﮫﺎ ﻧﺼﻔﯿﻦ ﺑﻀﺮﺑﺔ واﺣﺪة ﻣﻦ ﺳﯿﻔﺔ. ﺻﺮخ ورﻓﻊ ﻳﺪه ﺑﺎﻟﺴﯿﻒ ﻋﺎﻟﯿًﺎ ﻓﻲ اﻟﮫﻮاء واﻧﺘﻈﺮت أن ﺗﮫﺒﻂ ﻋﻠﻰ رأﺳﻲ وﻟﻜﻨﮫﺎ ﻟﻢ ﺗﮫﺒﻂ ،ﺗﺮاﺷﻘﺖ ﺳﮫﺎم ﻋﺪة ﻓﻲ ﺻﺪره وﻛﺘﻔﻪ ﻓﺠﺤﻈﺖ ﻋﯿﻨﺎه ﻓﻲ ذھﻮل وأﻟﻢ ،ﺗﺮﻧﺢ ﻗﻠﯿًﻼ وﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﻣﺼﺪرھﺎ ﻓﺮأى ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ اﻷﺣﺒﺎش ﻣﻦ ﻓﺮﺳﺎن )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﻳﻨﺴﻠﻮن ﻣﻦ ﻓﻮق اﻟﺠﺒﻞ. ﺷﺪ أﺣﺪھﻢ ﻗﻮﺳﻪ ﻋﻦ آﺧﺮه ﺛﻢ أﻓﻠﺖ اﻟﺴﮫﻢ اﻷﺧﯿﺮ اﻟﺬي اﺧﺘﺮق ﻋﻨﻘﻪ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺴﻘﻂ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﯿﻪ أر ً ﺿﺎ ،ﻓﺘﺢ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ،ﺛﻢ ﻧﻈﺮ إﻟ ﱠ ﻲ واﺑﺘﺴﻢ ﺳﺎﺧًﺮا ﻏﯿﺮ ﻣﺼﺪق أن ﻧﮫﺎﻳﺘﻪ ﻗﺪ ﺟﺎءت ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺴﮫﻮﻟﺔ ،وﻗﺎل ﺑﺼﻮت ﻣﺘﺤﺸﺮج: -ﻓﻠﯿﻤﺖ )دﻋﺲ( ،وﻟﺘﺤﯿﺎ )ﻏﺮﻧﺪل(. ﺛﻢ ﺳﻘﻂ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ ﺑﻼ ﺣﺮاك. ∞∞∞∞∞ ﻓﻮق »اﻟﺤﺠﻮن« اﺧﺘﻠﻄﺖ دﻣﻮع اﻟﻔﺮح ﺑﺪﻣﻮع اﻟﺸﻮق ،اﺣﺘﻀﻦ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( زوﺟﺘﻪ وأوﻻده وﺷﻘﯿﻘﻪ )اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( واﻧﮫﺎل ﻋﻠﯿﮫﻢ ﺟﻤﯿًﻌﺎ ﺑﺎﻟﻘﺒﻼت ،ﻟﻢ ﻳﺼﺪق أﻧﻪ ﻻ ﻳﺰال ﺣﯿﺎ ،وأن اﻟﺤﯿﺎة ﻗﺪ ﻣﻨﺤﺘﻪ ﻓﺮﺻﺔ أﺧﺮى ،ﻻ ﺷﻲء ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻳﻌﺪل ﻓﺮﺻﺔ ﺛﺎﻧﯿﺔ ﺑﻌﺪ أن ﺗﻨﻐﻠﻖ أﻣﺎﻣﻪ اﻟ ﱡ ﺴﺒﻞ وﻳﻀﯿﻖ ﺑﻪ اﻟﺤﺎل ،وﺑﻌﺪ أن أﻓﺮغ دﻣﻮع أﺷﻮاﻗﻪ ﺗﺠﺎه أھﻠﻪ ،ﻧﻈﺮ إﻟ ﱠ ﻲ ﻣﻤﺘﻨﺎ ،ﺗﻘﺪم ﻣﻨﻲ ﺧﻄﻮات ﺛﻢ اﺣﺘﻀﻨﻨﻲ ﺑﻼ ﻛﻠﻤﺎت ،رﺑﺖ ﻋﻠﻰ ظﮫﺮي ﻓﻲ ﻗﻮة ﺛﻢ ﻗﺎل: أﻧﺎ َﻣِﺪﻳﻦ ﻟﻚ ﺑﺤﯿﺎﺗﻲ.ﻟﻢ أﺟﺪ ﻣﺎ أﻗﻮﻟﻪ ،وﻟﻢ أﻋﺮف ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻘﺎل ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺎت ،ﻣﺴﺢ دﻣﻌﻪ ﺛﻢ أﺷﺎر إﻟﻰ ﺣﺎرس ﻣﻦ ﺣﺮاﺳﻪ ،ﻛﺎن ﻳﺤﻤﻞ ﺑﯿﻦ ﻳﺪﻳﻪ ﺻﻨﺪوًﻗﺎ ،ﻓﺘﺢ اﻟﺼﻨﺪوق وأﺧﺮج ﻣﻨﻪ ﻛﯿ ً ﺴﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺎل ﺑﺪا ﻣﻦ ﺛﻘﻠﻪ أﻧﻪ ﻳﺤﻮي ﻣﺌﺎت اﻟﺪﻧﺎﻧﯿﺮ ،وﺿﻊ ﻛﯿﺲ اﻟﻤﺎل ﻓﻲ ﻳﺪي وھﻮ ﻳﻘﻮل: ھﺬا ﻻ ﻳﻮﻓﯿﻚ ﺣﻘﻚ ،وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﻜﺮم ﻣﻦ أﻛﺮﻣﻨﺎ!ﻟﻢ أطﺒﻖ ﻳﺪي ﻋﻠﻰ ﻛﯿﺲ اﻟﻤﺎل ،ﻧﻈﺮت إﻟﯿﻪ ﺛﻢ إﻟﻰ اﻟﺼﻨﺪوق وﻗﺪ ﺧﻄﺮ ﻟﻲ أﻧﻪ ﻗﺪ ﺳﻠﺐ أﻣﻮال اﻟﺒﯿﺖ ﻣﻌﻪ ..أﺣ ﱠ ﺲ ﺑﻤﺎ ﻳﺪور ﻓﻲ رأﺳﻲ ﻓﻘﺎل وھﻮ ﻳﻄﺒﻖ ﻳﺪي ﻋﻠﻰ ﻛﯿﺲ اﻟﻤﺎل: اﻟﻤﺎل ﻣﺎﻟﻲ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎرة ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ لـ»ﺟﺮھﻢ« أن ﺗﺴﻠﺐ أﻣﻮال ﺑﯿﺖ اﻟﺮب.ﺛﻢ ﻣﺎل ﻋﻠﻰ أذﻧﻲ وﻗﺎل: ﺳﯿﺄﺗﻲ ﻳﻮم ﻧﻌﻮد ﻓﯿﻪ إﻟﻰ »ﺑﻜﺔ« وﻳﺴﺘﺮد ﻛﻞ ذي ﺣﻖ ﺣﻘﻪ.وﺿﻌﺖ ﻳﺪي اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﻜﯿﺲ ﺟﺎﻧﺒًﺎ وﻗﻠﺖ ﻓﻲ ھﺪوء: وإن ﻟﻢ ﺗﻌﺪ؟!ﻗﺎل: ﺣﯿﻨﮫﺎ ﺳﯿﺼﻞ اﻟﻤﺎل ﻟﻤﻦ ﻳﺴﺘﺤﻖ ،وﷲ ﻛﻔﯿﻞ ﺑﮫﺬا!ﻗﻠﺖ: وددت ﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﻄﻤﺮ اﻟﺒﺌﺮ وُﺗﺨﻔﻲ اﻟﻐﺰاﻟﺘﯿﻦ!ﻗﺎل: ﻈ ّﻢ ﻟﻦ ﻳﮫﺘﻢ ﻷﻣﺮ اﻟﺒﺌﺮ إﻻ وﻟﺪ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ،واﻟﻐﺰاﻟﺘﺎن ﺳﯿﺸﮫﺪان ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ُﻳَﻌ ِأﻣﺮ اﻟﺒﯿﺖ. ﻗﻠﺖ ﻣﺒﺘﺴ ً ﻤﺎ: ﺣﺰﻳﻦ ﻟﻔﺮاﻗﻚ وﻟﻜﻨﻲ أﺗﻮق إﻟﻰ ﻟﻘﺎء آﺧﺮ ﺑﻤﺸﯿﺌﺔ اﻟﺮب.ﺗﻨﮫﺪ ﺛﻢ اﺳﺘﺪار وﺳﺎر ﺣﺘﻰ وﺻﻞ إﻟﻰ اﻟﺤﺎﻓﺔ ،ﺳﺮت ﺧﻠﻔﻪ ﺛﻢ وﻗﻔﺖ إﻟﻰ ﺟﻮاره ،ﺗﻄﻠﻌﻨﺎ إﻟﻰ أﻋﻤﺪة اﻟﺪﺧﺎن اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺼﺎﻋﺪ ﻣﻦ ﻓﻮق ﺟﺒﺎل »أﺟﯿﺎد« ،زﻓﺮ وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺰﻳﺢ ھﻤﺎ ﻛﺎﻟﺠﺒﺎل ﺛﻢ ﻗﺎل: ﺳْﻜ ٌ ﺔ َواﻟﱠﺪْﻣُﻊ َ ﺐ ُﻣﺒَﺎِدر َوَﻗﺎﺋِﻠَ ٍ ﺷِﺮَﻗ ْ ﻤ َ ﺖ ﺑِﺎﻟﱠﺪْﻣﻊِ ِﻣْﻨَﮫﺎ اْﻟ َ َوَﻗْﺪ َ ﺟُﺮ ﺤﺎ ِ ن إﻟَﻰ اﻟ ﱠ ﻦ اْﻟﺤ ُ ﻢ ﻳَُﻜ ْ َﻛﺄَْن ﻟَ ْ ﻦ ﺑَْﯿ َ ﺼَﻔﺎ ﺠﻮ ِ ﻤْﺮ ﺑﺒ ﱠ أَﻧِﯿ ٌ ﻢ ﻳَ ْ ﺲ َوﻟَ ْ ﻜَﺔ َ ﺳﺎِﻣُﺮ ﺴ ُ ِ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ أن ﻳﻜﻤﻞ ..ﺻﻤﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ اﺳﺘﺪار ﻗﺎﺋًﻼ: ﻳﺎ ﺣﺮاس ،اﺣﻤﻠﻮا اﻟﻤﺘﺎع ﻓﻘﺪ آ َن وﻗﺖ اﻟﺮﺣﯿﻞ. ﻲ وأﻧﺎ ﺟﺎﻟﺲ ﻋﻠﻰ ﻋﺮﺑﺘﻲ أﻳ ِ ّ وﻗﺒﻞ أن ﻳﺘﺤﺮك اﻟﺮﻛﺐ اﻟﺘﻔﺖ إﻟ ﱠ ﻤﻢ وﺟﮫﻲ ﺷﻄﺮ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺤﺮام ،وﻗﺎل: ﻧﺴﯿﺖ أن ﺗﺨﺒﺮﻧﻲ ﻣﺎ اﺳﻤﻚ؟ﻗﻠﺖ ﻣﺒﺘﺴ ً ﻤﺎ: )ﺷﻤﻌﻮن ﺑﻦ زﺧﺎري( وإن ﺷﺌﺖ ﻧﺎدﻳﺘﻨﻲ )ﺷﻤﻌﻮن اﻟﻤﺼﺮي(.∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ واﻷرﺑﻌﻮن اﺳﺘﻨﺪ ﺑﺴﺎﻋﺪه اﻷﻳﺴﺮ إﻟﻰ ﺳﺎﻋﺪي اﻷﻳﻤﻦ وﺗﻮﻛﺄ ﻋﻠﻰ ﻋﺼﺎه ﺑﯿﺪه اﻟﯿﻤﻨﻰ. ﻛﺎن ﻳﺴﯿﺮ واھًﻨﺎ ﻣﺮﺗﺠًﻔﺎ ،ﺣﺘﻰ ظﻨﻨﺖ أن ﻋﺸﺮة أﻋﻮام ﻗﺪ أﺿﯿﻔﺖ إﻟﻰ ﻋﻤﺮه ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم! دﺧﻠﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﺨﯿﻢ اﻟﻔﺴﯿﺢ اﻟﺬي أﻗﯿﻢ ﻓﻲ ﺻﺤﺮاء اﻟﺒﻄﺤﺎء ﻷﺳﺮى »ﺟﺮھﻢ«، ﺳﻤﺢ ﻟﻨﺎ اﻟﺤﺮاس ﺑﺎﻟﺪﺧﻮل ﺑﻌﺪ أن أذن ﻟﻨﺎ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﺑﺬﻟﻚ وأرﺳﻞ ﻣﻌﻨﺎ ﺧﺎدﻣﻪ ،أﻛﺮم )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﻣﻘﺎم اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻓﻌﻔﺎ ﻋﻦ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( وأﺑﻘﻰ ﻋﻠﻰ ﺣﯿﺎﺗﻪ ﺑﻼ ﻓﺪﻳﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺒﻘﺎء ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« ،أﻣﺮ ﺑﻄﺮده ﻣﻊ ﻧﺴﺎء »ﺟﺮھﻢ« وﺷﯿﻮﺧﮫﻢ ﺧﺎرج »ﺑﻜﺔ« ،ﻗﺎل ﻓﻲ ﺣﺴﻢ: ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﻗﺎﺗًﻼ رﺟًﻼ ﻣﻦ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ،ﻟﻜﺎن وﻟﺪك ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،وﻟﻜﻨﻲأﻋﻔﻮ ﻋﻨﻪ إﻛﺮاًﻣﺎ ﻟَﻘْﺪرك ﺷﺮﻳﻄﺔ أﻻ ﻳﺠﺎورﻧﻲ ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« أﺑًﺪا ﻣﺎ ﺣﯿﯿﺖ. ﺳﺮﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﺬي ﻳﺸﺒﻪ ﻣﺮﺑﻂ اﻟﺪواب ﻓﻲ ﻗﺬارﺗﻪ وراﺋﺤﺘﻪ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺨﯿﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﮫﺎ ﻣﺤﺒﺴﻪ ﻓﻲ طﺮف اﻟﻤﺨﯿﻢ ﻣﻦ ﺟﮫﺔ اﻟﻐﺮب ،دﺧﻠﻨﺎ ﻋﻠﯿﻪ ﻓﻮﺟﺪﻧﺎه ُﻣﻜﺒﱠًﻼ ﻣﻦ ﻗﺪﻣﯿﻪ ﻓﻲ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺪ ،وﻗﺪ ﻋﻘﺪت ﻳﺪاه ﺧﻠﻒ ظﮫﺮه ،ﺷﻌﺮه ﺻﺎر أﺷﻌ َ ﺔ اﻟﺘﺼﻖ ﺑﻮﺟﮫﻪ اﻟﻤﺘﺴﺦ ﺚ وﺗﻨﺎﺛﺮت ﻟﺤﯿﺘﻪ ﺣﺘﻰ ﺑﺪت ﻛﻄﻠﺢ ﻧﺨﻠ ٍ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﺨ ُ ﻞ ﻣﻦ ﺟﺮوح ﺟﻔﺖ دﻣﺎؤھﺎ وﺑﻘﯿﺖ آﺛﺎرھﺎ ﻋﻠﯿﻪ ..ﺣﯿﻦ رآه واﻟﺪه ارﺗﻌﺶ ﺟﺴﺪه واﻧﺘﻔﺾ وأﺧﺬ ﻳﺘﻤﺘﻢ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺬﻛﺮ ،أﺟﻠﺴﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﺠﺮ إﻟﻰ ﺟﻮار وﻟﺪه ﻓﻲ رﻓﻖ ،أﻣﺮ اﻟﺨﺎدم اﻟﺤﺎرس ﺑﺄن ﻳﻔﻚ ﻗﯿﺪه ،ﺛﻢ ﺗﺮﻛﻨﺎ واﻧﺼﺮف ،ﻣﺎ أن اﻧﻔﻜﺖ ﻳﺪاه ﺣﺘﻰ اﻧﺤﻨﻰ ﻋﻠﻰ ﻗﺪم أﺑﯿﻪ ُﻳﻘ ِﺒ ّﻠﮫﺎ وھﻮ ﻳﺠﮫﺶ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء اﻟﺤﺎر، رﺑﺖ أﺑﻮه ﻋﻠﻰ ظﮫﺮه وھﻮ ﻳﻘﻮل: -ﺣﻤًﺪا أﻧﻚ ﻣﺎ زﻟﺖ ﺣﯿﺎ ﻳﺎ وﻟﺪي. ﻗﺎل وھﻮ ﻻ ﻳﺰال ﻳﺒﻜﻲ: ﻟﯿﺘﻨﻲ ﻣﺖ وﻟﻢ أَر ذﻟﻚ اﻟﱡﺬل اﻟﺬي ﺣﺎق ﺑﻨﺎ ﻳﺎ أﺑﺘﺎه!ﻗﺎل أﺑﻮه ُﻣﮫ ِﻮّﻧًﺎ: اﻟﺤﺮب ﻛﱞﺮ وﻓﱞﺮ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ.ﻻ ُذل ﻳﺒﻘﻲ وﻻ ﻋﺰ ﻳﺪوم ،اﺳﺘﻐﻔﺮ ﷲ ،واﺟﻌﻞ ُذﻟﱠﻚ وﺣﺪه. ﻗﺎل ﻓﻲ ﻛﺮب: ﻟﻢ ﻳﻨﺼﺮﻧﺎ أﺣﺪ ﻳﺎ أﺑﺘﺎه ،ﻛﯿﻒ ھﺎن أﻣﺮ »ﺟﺮھﻢ« ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس ھﻜﺬا؟!أﻏﻠﻖ اﻟﻨﺎس ﺑﯿﻮﺗﮫﻢ ﻓﻲ وﺟﻮه اﻟﻔﺎرﻳﻦ ﻣﻦ ﺟﯿﺸﻨﺎ ،أﺳﻠﻤﻮھﻢ إﻟﻰ ﻋﺪوھﻢ وﻛﺄن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﯿﻨﻨﺎ وﺑﯿﻨﮫﻢ ود ﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم! ﻗﺎل أﺑﻮه: ﻟﻢ ﺗﻘﺪم »ﺟﺮھﻢ« ﻟﯿﻮم ﻛﮫﺬا ﻳﺎ ﺑﻨﻲ!ﺟﻨﻰ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﻣﺎ زرﻋﻪ آﺑﺎؤه. ﻗﺎل ﻓﻲ ﺣﺰن: ﻟﮫﻔﻲ ﻋﻠﯿﻚ ﻳﺎ )ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث(!ﻻ أدري إن ﻛﻨﺖ ﻗﺘﯿًﻼ أم أﺳﯿًﺮا أم ﺷﺮﻳًﺪا ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء. ﻧﻈﺮت ﺣﻮﻟﻲ ﻷﺗﺄﻛﺪ أن أﺣًﺪا ﻻ ﻳﺴﺘﻤﻊ إﻟﯿﻨﺎ ،ﺛﻢ ﻗﻠﺖ ھﺎﻣ ً ﺴﺎ: ھﻮ ﺑﺨﯿﺮ!ﻳﻨﺘﻈﺮك ﻓﻲ »ﺳﺒﺄ«! اﺗﺴﻌﺖ ﻋﯿﻨﺎه ﻣﻦ اﻟﻔﺮﺣﺔ ،وﻗﺎل: ﺣﻘﺎ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻛﯿﻒ ﻋﺮﻓﺖ؟!ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻓﻲ ﺧﻔﻮت وھﻮ ﻳﺮﻣﻘﻨﻲ ﺑﺤﻨٍﻮ وﺗﻘﺪﻳﺮ: أﺧﺮﺟﻪ )ﺷﻤﻌﻮن( ﻣﻦ »اﻟﺒﻄﺤﺎء« إﻟﻰ »اﻟﺤﺠﻮن« ،وأﻧﻘﺬه ﻣﻦ اﻟﻘﺘﻞ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ)دﻋﺲ( اﻟﺨﺎﺋﻦ! وﻟﻘﻲ اﻟﺨﺎﺋﻦ ﺟﺰاءه. ﻧﻈﺮ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( إﻟ ﱠ ﻲ ﻓﻲ ذھﻮل وﻗﺎل: أﻧﺖ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ﻓﻌﻠﺘﮫﺎ؟!أطﺮﻗﺖ ﺑﺮأﺳﻲ ﺧﺠًﻼ رﻏﻢ ﻟﻤﻌﺔ اﻟﺰھﻮ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ ،ﻓﺎﻏﺮورﻗﺖ ﻋﯿﻨﺎه ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع، وﻗﺎل: ﻛﻢ أﺳﺄت اﻟﻈﻦ ﺑﻚ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ وأﻏﻠﻈﺖ إﻟﯿﻚ ﻓﻲ اﻟﻘﻮل!رﺑﺖ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ وﻗﺎل: ﻻ ﺗﺜﺮﻳﺐ ﻳﺎ )دوﻣﺔ(!ھﯿﺎ ﻟﺘﻌﺪ إﻟﻰ اﻟﺒﯿﺖ. ﺳﺄﻟﻪ ﻓﻲ اﻧﻜﺴﺎر: ھﻞ دﻓﻌﺖ ﻓﺪﻳﺔ لـ)اﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﻳﺎ أﺑﺘﺎه؟ﺗﻨﮫﺪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻟﯿﺘﻪ ﻗﺒ َﻞ اﻟﻔﺪﻳﺔ وأﺑﻘﺎك! ﺑﻞ أﻣﺮ ﺑﺨﺮوﺟﻚ ﻣﻊ »ﺟﺮھﻢ« ﻣﻦ »ﺑﻜﺔ«! ﺗﻨﮫﺪ ھﻮ ﻓﻲ ارﺗﯿﺎح وﻗﺎل: ﺧﯿًﺮا ﻓﻌﻞ ،وﷲ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻷﺟﺎوره ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« ،وھﻮ ﺳﯿﺪ ﻋﻠﯿﮫﺎ.ﻟﻢ ﻳﻌﺪ إﻟﻰ داره ،ﻓ ﱠ ﻀﻞ أن ﻳﺬھﺐ إﻟﻰ دار أﺑﯿﻪ أوًﻻ ﻟﯿﻐﺘﺴﻞ وﻟﯿﺒﺪل ﺛﯿﺎﺑﻪ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺮاه زوﺟﺘﻪ وﺑﻨﺎﺗﻪ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﺤﺎل ،وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ دار اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺑﻌﺪ ﻣﺮورﻧﺎ ﺑﺄﺣﯿﺎء )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ،ﻧﻈﺮات اﻟﺸﻤﺎﺗﺔ ﻓﻲ أﻋﯿﻦ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﻟﮫﺎ ﻟﺴ ٌ ﻊ ﺷﻌﺮت ﺑﻪ وأﻧﺎ اﻟﻐﺮﻳﺐ ،ﻓﻤﺎ ﺑﺎل وﻗﻌﮫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ووﻟﺪه ..ﺣﺘﻰ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( ،ﻟﻢ ﺗﺨ ُ ﻞ ﻛﻠﻤﺎﺗﮫﻢ اﻟﻤﺮﺣﺒﺔ ودﻋﻮات اﻟﺤﻤﺪ ﺑﺎﻟﺴﻼﻣﺔ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻏﺒﺎر ﺣﻘﺪ ﻓﻀﺤﺘﻪ اﻟﻌﯿﻮن واﻟﺨﻠﺠﺎت وﺧﺎﺋﻨﺔ اﻟﻨﻈﺮات، اﻟﺒﺸﺮ ھﻢ اﻟﺒﺸﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،ﻻ ﻓﺮق ﺑﯿﻦ اﻟﺤﻘﺪ ھﻨﺎ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ »ﻓﺎران« واﻟﺤﻘﺪ ھﻨﺎك ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ »ﺳﯿﻦ«. ﺣﯿﻦ دﺧﻠﻨﺎ اﻟﺒﯿﺖ ﻛﺎن )ﻟﯿﺚ( ﻓﻲ اﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻨﺎ ،اﻧﺤﻨﻰ ﻟُﯿَﻘﺒِ ّﻞ ﻳﺪ ﻋﻤﻪ وﻟﻜﻨﻪ ﺳﺤﺒﮫﺎ وأﺣﺎط ﺑﮫﺎ رأﺳﻪ ﺛﻢ ﻗﺒﱠﻠﮫﺎ ،رﺑﻤﺎ ﻷول ﻣﺮة ﻣﻨﺬ ﻣﺎت اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ(. ﺗﻌﺠﺐ )ﻟﯿﺚ( ،ﻓﻘﺎل اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ(: أﻧﺖ اﻵن رﻓﯿﻖ ﺟﺪك وﺳﯿﺪ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( اﻟﻤﻘﺒﻞ ﻳﺎ )ﻟﯿﺚ(!ﻗﺎل )ﻟﯿﺚ(: ﺣﻔﻈﻚ ﷲ ﻳﺎ ﻋﻤﻲ وأﻋﺎد إﻟﯿﻨﺎ )ﻋﻤﺮًوا( ﺳﺎﻟ ًﻤﺎ. وﻛﺄﻧﻤﺎ أﺛﺎر ذﻛﺮ )ﻋﻤﺮو( اﻟﺸﺠﻦ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﻘﺎل: اذھﺐ إﻟﻰ داري ﻳﺎ )ﻟﯿﺚ( ،وﻗﻞ لـ)أم ﻋﻤﺮو( أن ﺗﺴﺘﻌﺪ وﺑﻨﺎﺗﮫﺎ ﻟﻠﺮﺣﯿﻞﻓﺎﻟﻠﯿﻠﺔ ﻧﺮﺣﻞ ﻋﻦ »ﺑﻜﺔ«. ﺛﻢ ذھﺐ ﻓﺎﻏﺘﺴﻞ ،واﺳﺘﺒﺪل ﺛﯿﺎﺑﻪ ﺑﺄﺧﺮى ،ووﺿﻌﺖ ﻟﻪ )أم اﻟﺴﻌﺪ( طﻌﺎًﻣﺎ ،أﻛﻞ ﻣﻨﻪ ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ ﻋﺎﻓﻪ ،ﻗﺎل ﻷﺑﯿﻪ: ﻣﺘﻰ ﺗﻌﻮد إﻟﻰ »ر ﱠﺳﺔ« ﻳﺎ أﺑﺘﺎه؟! ﺻﻤﺖ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻟﻦ أﺑﺮح »ﺑﻜﺔ« ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮد )ﻋﻤﺮو( و)ﺷﮫﺒﻮر( ،أو ﺗﻌﻮد أﻧﺖ ،أو ﻳﺘﻐﻤﺪﻧﻲ ﷲﺑﺮﺣﻤﺘﻪ ﻓﺄﻟﺤﻖ بـ)ﻧﺎﺑﺖ(! ﺗﺄﻟﻢ )دوﻣﺔ( ﻟﻜﻠﻤﺎت أﺑﯿﻪ ﻓﻘﺎل: -اﻏﻔﺮ ﻟﻲ ﻳﺎ أﺑﻲ! ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: ﻳﻐﻔﺮ ﷲ ﻟﻨﺎ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ!ھﺬه أﻗﺪاره وﻻ ﺣﯿﻠﺔ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺪر. ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ(: وﻣﺎذا ﻋﻦ )أروى( وأﻣﮫﺎ؟اﺿﻄﺮب ﻗﻠﺒﻲ ﻋﻨﺪ ذﻛﺮ )أروى( ،ﻻ أدري ﻟﻤﺎذا ﺷﻌﺮت أﻧﻲ ﻗﺪ ﺷﮫﺪت ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،ھﻞ ﻷﻧﻨﻲ ﺗﻮﻗﻌﺖ أن ﻳﺴﺄل ﻋﻨﮫﺎ ،أم ﻷﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻧﻘﻄﻊ ﻋﻦ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ﻓﯿﮫﺎ ﻣﻨﺬ اﻧﺘﮫﺖ اﻟﺤﺮب ،ﻛﻨﺖ أﺷﺮع ﻓﻲ ﻛﻞ ﻳﻮم ﻓﻲ ﺳﺆال اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻋﻨﮫﺎ ﺛﻢ أﺗﺮاﺟﻊ ﻋﻦ ذﻟﻚ ،وﺣﯿﻦ ﺳﺄﻟﻪ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ظﻨﻨﺖ أﻧﻲ ﻗﺪ ﺳﺒﻘﺘﻪ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻓﻲ ﺧﯿﺎﻟﻲ. ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: ﺳﺄرﺳﻞ إﻟﻰ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﻣﻦ ﻳﻌﯿﺪھﻤﺎ.ﺛﻢ ﺻﻤﺖ ﻟﺤﻈﺎت ﻗﺒﻞ أن ﻳﻘﻮل ﻟﻠﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ(: ﺣ ٍّ ﺧﻄﺒﺔ )ﻋﻤﺮو(! ﻞ ﻣﻦ ِ اﺳﻤﻊ ﻳﺎ )دوﻣﺔ( ،إن )أروى( ﻓﻲ ِرأﻳﺖ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ ﻣﺰﻳ ً ﺠﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺰن واﻷﻟﻢ ،وﺗﻌﻜﺮ ﺻﻮﺗﻪ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻐﻀﺐ وھﻮ ﻳﻘﻮل ﻷﺑﯿﻪ: ھﻞ ﺟﺰﻣﺖ ﺑﮫﻼك )ﻋﻤﺮو( ﻳﺎ أﺑﺘﺎه؟أردف ﻣﺴﺮًﻋﺎ: ﻣﻌﺎذ ﷲ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ!ﺑﻞ أدﻋﻮ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻨﺠﺎة ﻓﻲ ﻟﯿﻠﻲ وﻧﮫﺎري. ﻗﺎل )دوﻣﺔ(: ﺤ ﱡ ﻞ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﺪ ﻣﺎ دام اﻷﻣﻞ ﻣﻌﻘﻮًدا؟ ﻓﻠﻢ اﻟ ِﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: وﻟﻤﺎذا ﻧﺬر اﻟﻔﺘﺎة ﻛﺎﻟﻤﻌﻠﻘﺔ ،وﻗﺪ ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻲ ﺧﻄﺒﺘﮫﺎ أﺣﺪ؟!ﻗﺎل ﻓﻲ ﻏﻀﺐ ﺻﺮﻳﺢ ھﺬه اﻟﻤﺮة: وﻣﻦ ﻳﺠﺮؤ أن ﻳﺨﻄﺒﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺒﺔ )ﻋﻤﺮو(؟ﻻ أدري ﻣﺎ اﻟﺬي دﻓﻌﻨﻲ ﻛﻲ أﺗﻜﻠﻢ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ! ﺷﻌﺮت أﻧﻪ إﻣﺎ أن أﺗﻜﻠﻢ اﻵن أو ﻷﺻﻤﺖ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ ،ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: أﻧﺎ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )دوﻣﺔ(!ﺑﮫﺖ اﻟﺮﺟﻞ وﺗﻠﻮن وﺟﮫﻪ ﺑﺄﻟﻮان ﺷﺘﻰ ،وھﻮ ﻳﻜﻈﻢ ﻏﯿﻈﻪ وﻏﻀﺒﻪ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻘﻮل: ﻛﯿﻒ ﺗﺨﻄﺒﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺒﺔ )ﻋﻤﺮو(؟ﺗﻌﺘﺪي ﻋﻠﻰ ﺣﻖ وﻟﺪي وھﻮ ﻣﻦ اﺗﺨﺬك ﺻﺪﻳًﻘﺎ ﻟﻪ! ﻗﻠﺖ ﻣﺴﺮًﻋﺎ: ﺑﻞ ﻛﺎن وﻻ ﻳﺰال أﺧﻲ وﺻﺪﻳﻘﻲ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﺧﻄﺒﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺒﺘﻪ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ)دوﻣﺔ( ،ﺑﻞ ﺧﻄﺒﺘﮫﺎ ﻗﺒﻠﻪ! واﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻳﺸﮫﺪ أﻧﻲ طﻠﺒﺘﮫﺎ ﻟﻨﻔﺴﻲ ،ﻗﺒﻞ أن ﻳﻌﻠﻢ أﺣﺪ ﺑﺄﻣﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﻄﺒﺔ! ﺨﻄﺒﺔ ﻋﻤﺮو ﻟﮫﺎ! ﺣﺘﻰ )أروى( ﻧﻔﺴﮫﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻌﻠﻢ ﺑ ِ ھ ﱠ ﺐ واﻗًﻔﺎ وﻗﺎل ﻓﻲ ﻏﻀﺐ ھﺎدر: ھﻞ ﺣﱠﺪﺛﺘﮫﺎ ﻓﻲ أﻣﺮ اﻟﺨﻄﺒﺔ دون إذن وﻟﯿﮫﺎ؟!وﷲ ﻟﻘﺪ أﺗﯿﺖ ﻛﺒﯿﺮة ﺗﺴﯿﻞ ﻟﮫﺎ اﻟﺪﻣﺎء! ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ إﻟﻰ أﺑﯿﻪ وﻗﺎل ﻓﻲ ِﻛﺒﺮه اﻟﻤﻌﮫﻮد ،ﻛﺄﻧﻤﺎ ﻋﺎد ﻟﻘﺒﺤﻪ ﻣﺮة أﺧﺮى وﻧﺴﻲ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻓﯿﻪ: ھﺬا ھﻮ ﻋﺎﺑﺮ اﻟﺴﺒﯿﻞ اﻟﺬي ﻋﻄﻔﻨﺎ ﻋﻠﯿﻪ وآوﻳﻨﺎه ﻳﺎ أﺑﺘﺎه!ھ ﱠ ﻢ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( أن ﻳﺘﺤﺪث وﻟﻜﻨﻲ أﺳﺮﻋﺖ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻨﻪ وﻛﺄﻧﻤﺎ اﻧﺤﻠﺖ ﻋﻘﺪة ﻟﺴﺎﻧﻲ ﻓﻘﻠﺖ: وﷲ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻋﺒًﺪا وﻻ أﺟﯿًﺮا وﻻ ﻋﺎﺑﺮ ﺳﺒﯿﻞ!ﺑﻞ ﺗﺒﻌﺘﻜﻢ طﻮًﻋﺎ وطﻤًﻌﺎ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ھﺬا اﻟﺸﯿﺦ اﻟﺠﻠﯿﻞ ،اﻟﺬي أدﻳﻦ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻔﻀﻞ واﻟﻨﻌﻤﺔ. ﻓﻘﺪ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ داري ﻣﺸﺘﺖ اﻟﻔﻜﺮ ،ﺣﯿﺮان اﻟﻔﺆاد ،ﻓﺄﻧﺎر ھﺬا اﻟﺸﯿﺦ ﻋﻘﻠﻲ ﺑﺤﻜﻤﺘﻪ ،وھﺪى ﻗﻠﺒﻲ ﺑﯿﻘﯿﻨﻪ ،وﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻷﻋﺪو ﻋﻠﻰ ُ ﺣﺮﻣﺔ ﺑﯿﺘﻪ ﻏﺪًرا ،وإﻧﻲ وﷲ ﻷﺑﺬل اﻟﺪﻣﺎء ﻓﺪاًء ﻟﮫﺎ ،وﻣﺎ دﻓﻌﻨﻲ ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ إﻟﻰ )أروى( إﻻ ﺧﻮﻓﻲ ﻣﻦ أن أﻛﻮن ﻗﺪ أﺳﺄت ﺗﺄوﻳﻞ ﻛﺮﻣﮫﺎ وﻓﻀﻠﮫﺎ ،ﻓﺄردت أن أﺳﺘﺒﯿﻦ رأﻳﮫﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺪﻳﺚ إﻟﻰ ﺟﺪھﺎ. ﺻﻤﺖ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ،وﻛﺄﻧﻤﺎ أﻟﺠﻤﺘﻪ ﻛﻠﻤﺎﺗﻲ ،وطﺎل اﻟﺼﻤﺖ إﻻ ﻣﻦ ﺻﻮت أﻧﻔﺎﺳﻲ اﻟﻤﺘﻼﺣﻘﺔ ،أﻟﻘﻰ إﻟﻰ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺑﻨﻈﺮة اﺳﺘﺤﺴﺎن ﺛﻢ ﻗﺎل ﺑﻜﻠﻤﺎت رﻗﺺ ﻟﮫﺎ ﻗﻠﺒﻲ: )أروى( ﻓﻲ ﺣ ٍ ّﻞ ﻣﻦ ﺧﻄﺒﺔ )ﻋﻤﺮو( ﻳﺎ )دوﻣﺔ( وﻟﮫﺎ أن ﺗﺘﺨﯿﺮ ﻣﻦ ﻳﺨﻄﺒﮫﺎ ،ﻓﺈن ﺷﺎءت ﻗﺒﻠﺖ بـ)ﺷﻤﻌﻮن( ،وإن ﺷﺎءت اﻧﺘﻈﺮت ﻋﻮدة )ﻋﻤﺮو(. ﺑﮫﺖ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( وﻗﺎل ﻏﯿﺮ ﻣﺼﺪق: ﺗﺮﻓﺾ اﺑﻦ ﻋﻤﮫﺎ ،ﻓﺎرس ﻗﺒﯿﻠﺘﻪ وﺗﺘﺰوج ﻏﺮﻳﺒًﺎ ﻣﻌﺪًﻣﺎ!ﺑﺄي ﻋﻘﻞ ﺗﺘﺰوﺟﻪ إﻻ إذا ﻛﺎن ﺑﯿﻨﮫﻤﺎ ﻋﺸﻖ؟! ﻏﻀﺐ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ھﺬه اﻟﻤﺮة وﻗﺎل ﻻﺋ ً ﻤﺎ: ُﻛ ﱠﻒ ﻋﻦ ھﺬا ﻳﺎ )دوﻣﺔ(! ﻓﻮﷲ ﻻ ﺗﻨﻘﺺ ﻣﻨﺰﻟﺔ )ﺷﻤﻌﻮن( ﻋﻨﺪي ﺧﺮدﻟًﺔ ﻋﻦ ﻣﻨﺰﻟﺔ )ﻋﻤﺮو( و)أروى(! وﻣﺎ ﻋﺎد )ﺷﻤﻌﻮن( ﻏﺮﻳﺒًﺎ ﺑﻌﺪ أن اﻣﺘﺪ ﻓﻀﻠﻪ ﻋﻠﯿﻚ ،وﻋﻠﻰ وﻟﺪك ﻣﻨﺬ ﻋﺮﻓﻨﺎه! وﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﻔﻘﺮ ﻣﻌﺮة ،ﻣﺎ ﺗﺰوج أﺑﻮﻧﺎ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﻣﻦ »ﺟﺮھﻢ« ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وﻗﺪ ﻛﺎن ﻏﺮﻳﺒًﺎ وﺣﯿًﺪا ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺒﻠﺪ. ﺣﯿﻦ اﻧﺘﮫﻰ ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻪ ،ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع ﺗﻜﺎد ﺗﻄﻔﻮ إﻟﻰ ﻣﻘﻠﺘﻲ ،ﻻ أدري ھﻞ أﺛﺎرﺗﮫﺎ ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،أم أﻧﻲ أﺷﻔﻘﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻦ إھﺎﻧﺎت اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( اﻟﻤﺘﻜﺮرة ..أﺧﺮﺟﺖ ﻛﯿﺲ اﻟﻨﻘﻮد اﻟﺬي أﻋﻄﺎﻧﯿﻪ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﻣﻦ ﻧﻄﺎﻗﻲ ،ﻓﺘﺤﺘﻪ وأﻟﻘﯿﺖ ﺑﺪﻧﺎﻧﯿﺮ اﻟﺬھﺐ ﻓﻲ ﺣﺠﺮ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( وأﻧﺎ أﻗﻮل: ھﺬا ﻛﻞ ﻣﺎ أﻣﻠﻚ ﻣﻦ ﻣﺎل ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )دوﻣﺔ(.ﻗﺪ وھﺒﻪ ﻟﻲ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﺣﯿﻦ ﻛﻨﺎ ﻓﻮق »اﻟﺤﺠﻮن« ،ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻲ ﺑﻪ، وأﻋﻄﯿﻪ ﻛﻠﻪ ﻣﮫًﺮا لـ)أروى(! ووﷲ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ أﻣﻠﻚ أﻛﺜﺮ ﻣﻨﻪ ﻟﻘﱠﺪﻣﺘﻪ ﻟﮫﺎ ﻋﻦ طﯿﺐ ﺧﺎطﺮ. أطﺮق اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﺻﺎﻣًﺘﺎ وھﻮ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ دﻧﺎﻧﯿﺮ اﻟﺬھﺐ ﻓﻲ ﺣﺠﺮه ،ﻧﻜﺲ رأﺳﻪ وﻛﺄﻧﻪ ﻋﺎد إﻟﻰ )دوﻣﺔ( اﻟﻜﺴﯿﺮ اﻷﺳﯿﺮ اﻟﻤﻘﯿﺪ ﺑﺎﻟﺴﻼل ﻓﻲ ﺧﯿﻤﺔ اﻷﺳﺮى ،ﻣﱠﺪ ﻳﺪه ﻓﺄﺧﺬ اﻟﻜﯿﺲ وﺟﻤﻊ ﺑﻪ اﻟﺪﻧﺎﻧﯿﺮ ﻣﺮة أﺧﺮى ﺛﻢ ﻗﺎم ﺑﻮﺿﻌﻪ ﻓﻲ ﻳﺪي وھﻮ ﻳﻘﻮل ﻓﻲ ﺣﺰن: ُﺧْﺬ ﻣﺎﻟﻚ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ! ﻓﻮﷲ ﻣﺎ ﻗﺼﺪت ﻣﻌﱠﺮة ،وﻟﺘﻌﺬر أﺑًﺎ ﻳﺘﺸﺒﺚ ﺑﺎﻷﻣﻞ ﻓﻲ ﻋﻮدة وﻟﺪه اﻟﻮﺣﯿﺪ! ﺛﻢ ﻧﻈﺮ إﻟﻰ أﺑﯿﻪ وﻗﺎل: اﻷﻣﺮ ﻣﺘﺮوك ﻟﻚ ولـ)أروى( ﻳﺎ أﺑﺘﺎه!ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺪ ﻟﻲ ﻣﻦ اﻷﻣﺮ ﺷﻲء. ﺣﯿﻨﺌٍﺬ دﺧﻞ )ﻟﯿﺚ( وﻣﻌﻪ زوﺟﺔ ﻋﻤﻪ )ھﻨﺪ( وﺑﻨﺎﺗﮫﺎ ،اﻧﻄﻠﻖ )دوﻣﺔ( إﻟﻰ زوﺟﺘﻪ وأوﻻده ﻳﺠﻤﻌﮫﻢ ﻓﻲ ﺣﻀﻨﻪ ﻛﻄﺎﺋﺮ ﻳﺤﯿﻂ ﺑﺠﻨﺎﺣﯿﻪ ﻓﺮاﺧﻪ. وﻟﻤﺎ ھﺪأت اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ،ﻗﺒﱠﻞ ﻳﺪ واﻟﺪه ورأس )ﻟﯿﺚ( وﺷﱠﺪ ﻋﻠﻰ ﻳﺪي ،ﺛﻢ أﺧﺬ أھﻞ ﺑﯿﺘﻪ وﺧﺮج. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ واﻷرﺑﻌﻮن ﺟﻠَ ْ و َ ﺖ »ﺟﺮھﻢ« ﻋﻦ »ﺑﻜﺔ« ،ووطَﻨﺖ »ﺧﺰاﻋﺔ« وﺣﻠﻔﺎؤھﺎ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ »ﻓﺎران« ،اﻧﺰوى اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻓﻲ داره ،وﻗﺪ ھﺰﻟﺖ ﺻﺤﺘﻪ ،ووھﻦ ﺟﺴﺪه ،وﻛﺄﻧﻤﺎ اﻧﺴﻠﺨﺖ ﻣﻨﻪ ﻗﻄﻌﺔ أﺧﺮى ﺑﺮﺣﯿﻞ )دوﻣﺔ( ،ﺑﻌﺪﻣﺎ اﻧﺴﻠﺦ ﻣﻌﻈﻤﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺑﺮﺣﯿﻞ )ﻧﺎﺑﺖ(؛ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﻐﺎدر اﻟﺪار إﻻ ﻟﻘﻀﺎء ﺣﺎﺟﺔ ،راﻓﻘﺘﻪ طﯿﻠﺔ اﻟﻮﻗﺖ ،ﻛﻨﺖ أطﻌﻤﻪ ﺑﯿﺪي أﺣﯿﺎﻧًﺎ وأﺑﯿﺖ ﺗﺤﺖ ﻗﺪﻣﯿﻪ ،ﻛﻲ أﻋﯿﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﺻﻼة اﻟﻠﯿﻞ ،اﺳﺘﻤﺘﻌﺖ ﺑﺎﻟُﻘﺮب ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ﻻ ﺳﯿﻤﺎ وأﻧﻨﻲ ﻗﺪ ﺷﻌﺮت ﺑﻐﺮﺑﺔ ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﺒﺪﻟﺖ وﺟﻮه اﻟﻨﺎس اﻟﺘﻲ أﻟﻔﺘﮫﺎ ،وأﺻﺒﺢ ﻟﻠﻜﻠﻤﺎت ﻟﺤﻦ ﻲ ﻓﮫﻤﻪ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﯿﺎن ،أﺣﯿﺎء )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( أﻳ ً ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺗﻌﺬر ﻋﻠ ﱠ ﻀﺎ ﺗﺒﱠﺪﻟﺖ ﺑﮫﺎ اﻷﺣﻮال ،وﻋ ﱠ ﻢ اﻟﺸﻘﺎق ،وﻛﺜﺮة اﻟﺸﺠﺎر ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﮫﻢ ﺑﺴﺒﺐ ﻧﻘﺺ اﻟﻤﺎء ،ﻟﻢ ﻳﻨ َ ﺲ اﻟﻨﺎس أن اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻛﺎن ﻋﻮﻧًﺎ لـ)ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( اﻟﺬي طﻤﺮ ﺑﺌﺮھﻢ ،ﻓﺰاد ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻐﻀﺐ ﻋﻠﻰ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( رﻏﻢ ﺣﺐ اﻟﻨﺎس ﻟﻠﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( وﺗﻘﺪﻳﺮھﻢ ﻟﻪ ،وﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم أراد )ﺑﻨﻮ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( اﻟﺬھﺎب إﻟﻰ اﻟﺴﯿﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،ﻛﻲ ﻳﺴﺘﺄذﻧﻮه ﻓﻲ إﻋﺎدة ﺣﻔﺮ اﻟﺒﺌﺮ اﻟﻤﻌﻈﻢ. وأرﺳﻞ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( )ﻟﯿًﺜﺎ( ﺑﺪًﻻ ﻣﻨﻪ ﻓﺴﺎر ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس أن اﻟﺸﯿﺦ ﻗﺪ أﺻﺎﺑﻪ اﻟﻜﺒﺮ ،وأﻧﻪ ﻳﻌﺪ ﺣﻔﯿﺪه ﻛﻲ ﻳﺼﺒﺢ ﺳﯿًﺪا ﻟﻘﺒﯿﻠﺘﻪ. ﺣﯿﻦ ﻋﺎد )ﻟﯿﺚ( ﻛﻨﺖ أﺟﻠﺲ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻓﻲ داره ،ﺑﺪا وﺟﻪ )ﻟﯿﺚ( ﻏﺎﺋ ً ﻤﺎ ،ﻓﺴﺄﻟﻪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: ﺑﻤﺎذا أﺟﺒﺘﻢ؟ﻗﺎل )ﻟﯿﺚ(: رﻓﺾ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( أن ﺗﺤﻔﺮ اﻟﺒﺌﺮ ،وﻗﺎل:»ﻟﻦ ﻧﻤﺤﻮ إﺛﻢ ﺟﺮھﻢ«. ﺳﺄﻟﺘﻪ ﻣﻨﺪھ ً ﺸﺎ: وﻣﻦ أﻳﻦ ﻳﺸﺮب اﻟﻨﺎس واﻟﺪواب؟!اﻵﺑﺎر ﺣﻮل »ﺑﻜﺔ« ﻗﻠﯿﻠﺔ وﻟﻦ ﺗﻜﻔﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﺟﺎءت ﻣﻊ »ﺧﺰاﻋﺔ« ﻓﻤﺎ ﺑﺎﻟﻪ إذا وﻓﺪ اﻟﺤﺠﯿﺞ اﻟﻌﺎم اﻟﻤﻘﺒﻞ! أﺟﺎب ﺣﺎﻧًﻘﺎ: ﺣﺪﺛﻨﺎه ﻓﻲ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺎل:»ﺳﺘﺤﻔﺮ »ﺧﺰاﻋﺔ« آﺑﺎرھﺎ ،وﺳﯿﺮد اﻟﺤﺠﯿﺞ ﻣﻦ آﺑﺎر ﺑﻨﻲ ﻋﺎﻣﺮ«. ﻗﻠﺖ ﺳﺎﺧًﺮا: أراه ﻳﺘﺤﺪث وﻛﺄﻧﻤﺎ أﺳﱠﺮت إﻟﯿﻪ )طﺮﻳﻔﺔ( ﺑﺄﻣﺎﻛﻦ اﻟﻤﺎء!ﻗﺎل )ﻟﯿﺚ( ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: اﻟﻌﺠﯿﺐ أن )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( اﻧﺼﺮﻓﻮا وﻗﺪ ﺳﻠﱠﻤﻮا ﺑﺤﺪﻳﺜﻪ ،وھﻤﺲ ﺑﻌﻀﮫﻢ،ﺑﺄن »ﺧﺰاﻋﺔ« وأھﻞ اﻟﺠﻨﻮب ﺑﺎرﻋﻮن ﻓﻲ ﺣﻔﺮ اﻵﺑﺎر وﺣﺘ ً ﻤﺎ ﺳﯿﺠﺪون اﻟﻤﺎء! ﺛﻢ ﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﺟﺪه اﻟﺬي ﻛﺎن ﺻﺎﻣًﺘﺎ ﻳﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ اﻟﻌﺮﻳﺶ ﻓﻲ وﺟﻮم. وﻗﺎل: ﻟﻢ أﺷﻌﺮ ﺑﺨﯿﺮ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻳﺎ ﺟﺪي!ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺑﺎﻗﺘﻀﺎب ﺑﻌﺪ ﺑﺮھﺔ؛ ﻓﻘﺪ ﺻﺎرت ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ﻗﻠﯿﻠﻪ واﺳﺘﺠﺎﺑﺘﻪ ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﺑﻄﯿﺌﺔ: ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻄﻤﺮ ﺷﺄن )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﻛﻤﺎ ُﻤﺮت ﺑﺌﺮھﻢ ،وأن ﻳﺮﻓﻊ ﻣﻦ ﺷﺄن ط ِ )ﺑﻨﻲ ﻋﺎﻣﺮ( ﺑﺒﺌﺮ ﺟﺪﻳﺪ! ﻗﺎل )ﻟﯿﺚ( ﻣﺆﻛًﺪا: ھﺬا ﻣﺎ ﺷﻌﺮت ﺑﻪ أﻳ ًﻀﺎ ﻳﺎ ﺟﺪي. وﻓﻲ اﻷﻳﺎم اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ ﺗﺤﻘﻖ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ،وﺻﺪق ﻣﺎ ﺗﻨﺒﺄ ﺑﻪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(؛ ﺣﻔﺮت »ﺧﺰاﻋﺔ« ﺑﺌًﺮا ﺿﺨ ً ﻤﺎ ﺟﮫﺔ اﻟﺸﺮق ﻣﻦ اﻟﺒﯿﺖ ﻋﻠﻰ ﺳﻔﺢ ﺟﺒﻞ »ﺧﻨﺪﻣﺔ« ،وﺗﻔﺠﺮ ﻣﺎؤه ﻋﺬﺑًﺎ رﻗﺮاًﻗﺎ ،ﻓﮫﻠﻞ اﻟﻨﺎس ﻓﺮ ً ﺣﺎ ﺑﺎﻟﺨﯿﺮ اﻟﺬي ﺣﻞ ﻋﻠﻰ ﻳﺪي )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( وﻟﻢ ﺗﻨ َ ﺲ أن ﺗﻠﻌﻦ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( اﻟﺬي طﻤﺮ ﺑﺌﺮ زﻣﺰم ﻗﺒﻞ رﺣﯿﻠﻪ ،وﺳﺒﻘﺖ »ﺧﺰاﻋﺔ« اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻓﻀﺮﺑﺖ أﺧﺒﯿﺘﮫﺎ ﺣﻮل اﻟﺒﺌﺮ ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻨﺎزﻋﮫﺎ ﻓﯿﻪ أﺣﺪ ،وﺗﺮدد أن )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﺳﯿﺒﻨﻲ ﺳﻘﯿﻔﺔ ﻟﻢ ﻳﺸﮫﺪ اﻟﻌﺮب ﻣﺜﻠﮫﺎ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﺒﺌﺮ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،ﺣﺘﻰ إذا ﺟﺎء ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺤﺞ أﺷﺮف ﻋﻠﻰ ﺳﻘﺎﻳﺔ اﻟﺤﺠﯿﺞ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﺳﻘﯿﻔﺘﻪ ،وﺗﺤﱠﻮﻟﺖ أﻧﻈﺎر اﻟﻨﺎس إﻟﻰ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﺠﺪﻳﺪ ُ ﺷﻌﺐ ﺑﻨﻲ ﻋﺎﻣﺮ« ،ﻓﺄﻗﯿﻤﺖ ﺣﻮﻟﻪ اﻷﺳﻮاق ،وﻋﻤﺮ ﺑﺎﻟﻤﻨﺎزل اﻟﺬي أطﻠﻖ ﻋﻠﯿﻪ » ِ اﻟﺤﺠﺮﻳﺔ ،وﺑﺪا أن أﻳﺎم )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﻗﺪ داﻟﺖ ﺑﺮﺣﯿﻞ »ﺟﺮھﻢ« ،وأن أﻳﺎم »ﺧﺰاﻋﺔ« ﻗﺪ داﻧﺖ ،وﻻ ﻳﻌﻠﻢ أﺣﺪ ﻣﺎ اﻟﺬي ﺳﺘﺴﻔﺮ ﻋﻨﻪ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم إﻻ ﷲ. وﻟﻢ أﻧﺸﻐﻞ ﺑﻤﻼﺣﻘﺔ أﺣﺪاث »ﺑﻜﺔ« وأﺧﺒﺎرھﺎ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ اﻧﺸﻐﻠ ُ ﺖ ﺑﺤﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( وﺣﺎﻟﻲ ،أرﺳﻞ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( )ﻟﯿًﺜﺎ( وﻣﻌﻪ دﻟﯿﻼن إﻟﻰ »ﻳﺜﺮب« ﻛﻲ ﻳﻌﯿﺪوا )أروى( وأﻣﮫﺎ إﻟﻰ »ﺑﻜﺔ« ،ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﻔﺮاغ ﻟﻐﯿﺎب )ﻟﯿﺚ( ،وﻗﺮض اﻻﻧﺘﻈﺎر ﺻﺒﺮي ﻓﺸﻐﻠﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﺘﻮﺳﻌﺔ اﻟﻌﺮﻳﺶ اﻟﺬي أﻗﻤﺘﻪ ﻓﻲ طﺮف اﻟﺒﻄﺤﺎء، وأﺣﻠﺘﻪ إﻟﻰ ﻣﻨﺰل ﺑﺪﻳﻊ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ واﻟﺨﺸﺐ ،ﺗﻤﺜﻠﺖ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻜﯿﻪ أﻣﻲ ﻋﻦ ُ ﺑﯿﻮت اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ ،وﺷﺮﻋﺖ أﺣﯿﻠﻪ إﻟﻰ واﻗﻊ ﺗﺮاه اﻟﻌﯿﻦ ،أﻋﺎﻧﺘﻨﻲ دﻧﺎﻧﯿﺮ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﻓﻲ اﻛﺘﺮاء ﺑﻌﺾ اﻷﺣﺒﺎش اﻟﺬﻳﻦ أﻋﺎﻧﻮﻧﻲ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء اﻟﺠﺪران، وﻛﺴﻮﺗﮫﺎ ﺑﺎﻟﻄﯿﻦ واﻟﺮﻣﻞ اﻟﻤﺬاب ،ﻟﻮﻧﺖ ﺣﻮاﺋﻂ اﻟﺒﯿﺖ ﺑﻨﻘﻮش زرﻗﺎء وﺻﻔﺮاء وأﺣﻄﺖ ﻓﻨﺎءه ﺑﺴﻮر ﻳﻨﺎھﺰ ﻗﺎﻣﺘﻲ طﻮًﻻ ،ﺛﻢ ﻏﺮﺳﺖ ﻓﻲ أرﻛﺎن اﻟﻔﻨﺎء اﻷرﺑﻌﺔ ﻓﺴﺎﺋ َ ﻞ ﺗﺤﯿﻄﮫﺎ أﺣﻮاض اﻟﺮﻳﺎﺣﯿﻦ ،ﺟﻌﻠﺖ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺠﺪار اﻟﺸﺮﻗﻲ ﻞ ﻧﺨ ٍ ﻟﻠﺴﻮر ﺑﺎﺑًﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ﻟﻪ ﻣﺰﻻج ،وﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﻲ اﻟﺒﺎب ﻧﻘﺸﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺠﺮ أرﺑﻊ ﻛﻠﻤﺎت ﺑﺤﺮوف ﻣﺼﺮﻳﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ،اﺛﻨﺎن ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ ،ﻟﻢ ﻳﻌﻠﻢ أﺣﺪ ﻣﻌﻨﺎھﺎ ﺳﻮاي. وذات ظﮫﯿﺮة وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﺟﻠﺲ ﻓﻮق اﻟﺴﻮر أﻧﻘﺶ ﺣﺮﻓﻪ ﺑﻤﻄﺮﻗﺘﻲ وإزﻣﯿﻠﻲ، ﺖ ﻟﺮؤﻳﺘﮫﺎ وظﻨﻨ ُ رأﻳﺖ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﺗﻘﺘﺮب وھﻲ ﺗﻨﺎدﻳﻨﻲ ،اﻧﺘﻔﻀ ُ ﺖ أن ﻣﻜﺮو ً ھﺎ أﺻﺎب اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،ﻗﻔﺰت ﻣﻦ ﻓﻮق اﻟﺴﻮر ﻣﻨﺘﺼﺒﺎ وﻗﻠﺖ ﻣﺘﻠﮫًﻔﺎ: ﺧﯿًﺮا ﻳﺎ ﺧﺎﻟﺔ!ﻗﺎﻟﺖ ُﻣﻄﻤِﺌﻨﺔ: ﺧﯿًﺮا ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻟﻘﺪ ﺟﺎء اﻟﺒﺸﯿﺮ.رﻗﺺ ﻗﻠﺒﻲ ﻓﺮ ً ﺣﺎ وﻗﻠﺖ: ﺣﻘﺎ!ﻗﺎﻟﺖ: ﻧﻌﻢ ،وأﺧﺒﺮﻧﺎ أن اﻟﺸﯿﺦ )أواس( وﻋﺎﺋﻠﺘﻪ ﻗﺪ راﻓﻘﻮا اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ،ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺸﯿﺦ)أواس( أن ﻳﻌﺘﻤﺮ وأن ﻳﺮى اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(. ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﻏﺒﻄﺔ: وﻣﺘﻰ ﻳﺼﻠﻮن؟ﻗﺎﻟﺖ: ﻏًﺪا ،وﻗﺪ أﻣﺮﻧﻲ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺑﺄن ﻧﻌﺪ ﻣﻨﺰل اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﻻﺳﺘﻘﺒﺎلاﻟﻀﯿﻒ وﻋﺎﺋﻠﺘﻪ! ﺗﻨﮫﺪت وﺗﻄﻠﻌﺖ إﻟﻰ اﻷﻓﻖ اﻟﺬي ﺳﯿﺘﺰﻳﻦ ﻏًﺪا ﺑﺄﺣﺐ ﻗﺎﻓﻠﺔ إﻟﻰ ﻗﻠﺒﻲ ،ﺗﻤﻨﯿﺖ ﻟﻮ ﺗﺄﱠذن اﻟﻠﯿﻞ ﺑﺄن ﻳﺄﺗﻲ اﻟﺼﺒﺎح ﻣﻜﺎﻧﻪ ،ﻋﻠﻰ أن أرﱠد اﻟﺪﻳﻦ ﻋﻨﻪ أﻳﺎًﻣﺎ ﻣﻦ ﻋﻤﺮي ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،ﻓﯿﻜﻔﯿﻨﻲ ﻋﺎًﻣﺎ ﻣﻦ اﻻﻧﺘﻈﺎر ﻓﺎق ﺑﺸﺠﻮﻧﻪ وأﺣﺰاﻧﻪ ﻋﻤًﺮا ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ،ﻣﺎ زﻟﺖ أذﻛﺮ وﺟﮫﮫﺎ وھﻲ ﺗﺮﻧﻮ إﻟ ﱠ ﻲ ﺧﺎﺋﻔﺔ ﻳﻮم ﺧﺮوﺟﻨﺎ ﻣﻦ »ﻳﺜﺮب« ،ﻛﻨﺖ أﻧﻈﺮ إﻟﯿﮫﺎ ﺑﺜﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻠﻘﺎء ﻣﺮة أﺧﺮى ،ﺣﯿﻨﮫﺎ ﻟﻢ أدِر ﻣﺎ ﻣﺼﺪر ﺗﻠﻚ اﻟﺜﻘﺔ ،أﻣﺎ اﻵن وﺑﻌﺪﻣﺎ رأﻳﺖ اﻟﻤﻮت ﻣﺮات وﻣﺮات ،أدرﻛﺖ أن ﻣﺼﺪرھﺎ ھﻮ »ﻳﻘﯿﻦ اﻟ ُ ﺐ«. ﺤ ِّ ﻤ ِ ﻓﺎﻷﻗﺪار ﻟﻢ ﺗﻀﻌﮫﺎ ﻓﻲ طﺮﻳﻘﻲ ﻋﺒًﺜﺎ وﻟﻢ ﺗﺨﺘﺒﺮﻧﺎ ﺑﺎﻟﻔﺮاق ﻣﺮات وﻣﺮات ﻋﺒًﺜﺎ، وإﻧﻤﺎ ﻟﯿﺴﺘﯿﻘﻦ اﻟﻤﺤﺐ ﻣﻦ ﺣﺒﻪ ،واﻟﻌﺎﺷﻖ ﻣﻦ ﻋﺸﻘﻪ. ﻟﻜﺰﺗﻨﻲ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﻓﻲ ﻛﺘﻔﻲ ،ﻓﺄﺧﺮﺟﺘﻨﻲ ﻣﻦ ﺷﺮودي وھﻲ ﺗﻘﻮل: ھﯿﺎ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻓﻼ طﺎﻗﺔ ﻟﻲ ﺑﺘﻨﻈﯿﻒ ﺑﯿﺖ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( وﺑﯿﺖ اﻟﺸﯿﺦ)دوﻣﺔ( وﺣﺪي ،ﺳﺘﺮاﻓﻘﻨﻲ ﺣﺘﻰ ﻧﻨﺘﮫﻲ ﻣﻨﮫﻤﺎ. ﺳﺮت وراءھﺎ وأﻧﺎ أﻗﻮل ﻣﺘﻨﮫًﺪا: أراﻓﻘﻚ ﻳﺎ ﺧﺎﻟﺔ ﺣﺘﻰ اﻟﻤﻨﺘﮫﻰ.وﺟﺎد اﻟﺼﺒﺎح ﺑﺸﻤﺲ أﺧﺮى أﺷﺮﻗﺖ ﺟﮫﺔ اﻟﺸﻤﺎل ﻓﺴﻄﻊ ﻧﻮرھﺎ ﻣﻦ ﺧﻠﻒ ﺟﺒﻞ اﻟﺮﺣﻤﺔ ،رأﻳﺖ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ اﻟﺼﻐﯿﺮة ﺗﮫﺒﻂ ﻣﻦ ﻓﻮق ﺟﺒﻞ اﻟﻨﻮر ،ﻓﻮددت ﻟﻮ أھﺮول إﻟﯿﮫﺎ ﻛﻲ أﺳﺘﻘﺒﻞ رواﺣﻠﮫﺎ ﺑﺎﻟﻀﻢ واﻟﻘﺒﻼت ،أﻧﺎخ اﻟﺤﺎدي ﻧﺎﻗﺔ اﻟﺸﯿﺦ )أواس(، ﺛﻢ اﻟﮫﻮدﺟﯿﻦ اﻵﺧﺮﻳﻦ اﻟﻠﺬﻳﻦ ﺣﺠﺒﺎ ﻋﻦ ﻋﯿﻨﻲ ﻗﻠﺒًﺎ ﺳﻤﻌﺖ دﻗﺎﺗﻪ ﻗﺒﻞ أن أراه، ﻋﻠﺖ ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺘﺮﺣﯿﺐ ﺑﺎﻟﺸﯿﺦ اﻟﻜﺮﻳﻢ واﺳﺘﻘﺒﻠﻪ )ﺑﻨﻮ ﻳﻄﻮر( ﺑﺎﻟﻌﻨﺎق واﻟُﻘﺒﻼت، وﺣﯿﻨﻤﺎ وﺻﻞ إﻟ ﱠ ﻲ ﺿﻤﻤﺘﻪ إﻟﻰ ﺻﺪري وﻗﺒﱠﻠﺖ ﻛﺘﻔﯿﻪ ،وﻋﯿﻨﻲ ﻣﻌﻠﻘﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﮫﻮدج اﻟﺬي اﻧﻄﻮت ﺳﺘﺎﺋﺮه واﺳﺘﻌﺪ ﻟﻜﺸﻒ ﺧﺒﯿﺌﺘﻪ اﻟﺘﻲ اﻧﺘﻈﺮﺗﮫﺎ ﻗﺮاﺑﺔ اﻟﻌﺎم. ھﺒﻄﺖ وھﻲ ﺗﺴﺘﺮ ﺷﻌﺮھﺎ وﻧﺼﻒ وﺟﮫﮫﺎ ﺑﺨﻤﺎرھﺎ وﻟﺤﻈﺎھﺎ ﻳﺒﺤﺜﺎن ﻋﻨﻲ ﺑﯿﻦ اﻟﺮﺟﺎل ،ﺣﯿﻦ اﻟﺘﻘﻰ اﻟﻠﺤﻈﺎن طَﻔﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﺂﻗﻲ دﻣﻮع ﻓﺮح ،واﺧﺘﻠﺠﺖ اﻟﺸﻔﺎه ھﻤ ً ﺴﺎ ،وﺗﺤﺪﺛﺖ اﻟﻌﯿﻮن ﺣﺪﻳًﺜﺎ ﺻﺎﺧﺒًﺎ ظﻨﻨﺖ أن ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ﻗﺪ وﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﻛﻞ اﻟﻮاﻗﻔﯿﻦ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ. دﻓﻌﻨﻲ )ﻟﯿﺚ( أﻣﺎﻣﻪ ﺣﯿﻦ ﺗﺴﻤﺮت ﻗﺪﻣﻲ ﻟﻔﺘﺮة طﻮﻳﻠﺔ ﻓﻲ طﺮﻳﻖ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( وﻗﺎل ﻟﻠﺸﯿﺦ: ﺟﺪي ﻓﻲ اﻟﺒﯿﺖ!ﻗﺪ ﺗﻮﻋﻜﺖ ﺻﺤﺘﻪ وأﺻﺒﺢ ﻏﯿﺮ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ اﻟﺨﺮوج. ن وﺑﻨﺎت اﻟﺨﺎل ،راﺋﺤﺔ طﻌﺎم )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﺗﻮﺟﮫﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﺒﯿﺖ ،ﺗﺴﯿﺮ ﺧﻠﻔﻨﺎ اﻷُﱠﻣﺎ ِ ﻛﺎن أول ﻣﺎ اﺳﺘﻘﺒﻠﻨﺎ ﻓﻲ ﻓﻨﺎء اﻟﺒﯿﺖ ،وﺣﯿﻦ دﺧﻠﻨﺎ وﺟﺪﻧﺎ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻳﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ أرﻳﻜﺔ ﻓﻲ ﺻﺤﻦ اﻟﻤﻨﺰل ﻣﺘﻜًﺌﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺼﺎه ،ھﺮوﻟﺖ )أروى( إﻟﯿﻪ ﻓﻘﺒﱠﻠﺖ رأﺳﻪ وﺧﺪﻳﻪ وﺟﻠﺴﺖ إﻟﻰ ﺟﻮاره ..راﻋﮫﺎ أن ﺗﺮاه ذاﺑًﻼ واھًﻨﺎ ﺗﺘﺤﺮك ﻳﺪاه ﻓﻲ اھﺘﺰاز وﺻﻌﻮﺑﺔ ،أﺻﺒﺤﺖ ﻣﻼﻣﺢ وﺟﮫﻪ ﺟﺎﻣﺪة ،ﺣﺘﻰ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﺻﺎر ﺑﻄﯿًﺌﺎ ﺟﺎﻣًﺪا ﻻ ﺣﺰن ﻓﯿﻪ وﻻ ﻓﺮح ،ﺟﻠﺲ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﻋﻠﻰ أرﻳﻜﺔ أﺧﺮى إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺑﯿﻨﻤﺎ دﺧﻠﺖ زوﺟﺘﻪ وﺑﻨﺎﺗﻪ ﻣﻊ أم )ﻟﯿﺚ( إﻟﻰ اﻟﺤﺠﺮة اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ وﺑﻘﯿﺖ أﻧﺎ و)ﻟﯿﺚ( واﻗﻔﯿﻦ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﺒﺎب ،ھﻮ ﻳﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ اﻟﺤﺠﺮة اﻟﺘﻲ دﻟﻔﺖ ﻣﻨﮫﺎ )ﻻﻣﺎر( ،وأﻧﺎ أﺗﻄﻠﻊ إﻟﻰ )أروى( اﻟﺘﻲ ﺟﻠﺴﺖ إﻟﻰ ﺟﻮار ﺟﺪھﺎ ُﺗﺪﻟِ ّﻚ ﻳﺪه ﺑﯿﻦ ﻛﻔﯿﮫﺎ ،ﻟﻢ ﻳﺜﻘﻞ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﻋﻠﻰ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،ﻛﺎن ﻳﻌﻠﻢ أن ﻻ ﻳﺰال ﺟﺮﻳ ً ﺤﺎ ﺣﺰﻳًﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻓﻘﺪان وﻟﺪﻳﻪ ،ﻓﺎﻛﺘﻔﻰ ﺑﺄﺣﺎدﻳﺚ اﻟﻤﺠﺎﻟﺲ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻌﺪو ﻋﻦ اﻟﺘﺮﺣﯿﺐ وﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﺴﻔﺮ واﻟﻄﺮﻳﻖ ،وﺣﯿﻦ دﺧﻠﺖ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﺑﺎﻟﻄﻌﺎم ،ﺗﻮﻗﻒ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،وھﻤﺖ )أروى( ﺑﺎﻟﻘﯿﺎم ﻛﻲ ﺗﻠﺤﻖ ﺑﺎﻟﻨﺴﺎء ﻓﻲ اﻟﺤﺠﺮة اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( رﻓﻊ ﻳﺪه اﻟﻤﮫﺘﺰة وﻗﺎل ﻓﻲ ﺑﻂء: )أروى(!..ﻋﺎدت إﻟﯿﻪ ُﻣﺴﺮﻋﺔ وﺟﻠﺴ ْ ﺖ إﻟﻰ ﺟﻮاره ﻗﺎﺋﻠﺔ: ﻟﺒﯿﻚ ﺟﺪي!وﺿﻊ ﻳﺪه ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﮫﺎ ﺛﻢ ﻗﺎل: )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻋﻤﻚ دوﻣﺔ(.ﻧﻈﺮت إﻟﯿﻪ ﻓﻲ وﺟﻞ واﻧﺘﻈﺮت ﻓﻲ ﻗﻠﻖ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﺠﻤﻊ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ ،ﻓﺘﺎﺑﻊ ﺑﻌﺪ ﺑﺮھﺔ: ﺣ ٍّ ﻞ ﻣﻦ ﺧﻄﺒﺘﻪ. ﺖ ﻓﻲ ِ أﻧ ِأطﺮﻗﺖ إﻟﻰ اﻷرض وﻟﻜﻨﮫﺎ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ أن ﺗﺨﻔﻲ اﺑﺘﮫﺎج ﻣﻼﻣﺤﮫﺎ. رﻓﻊ ﻳﺪه اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﻌﺼﺎ وأﺷﺎر إﻟ ﱠ ﻲ وھﻮ ﻳﻘﻮل: و)ﺷﻤﻌﻮن( ھﺬا ﻗﺪ طﻠﺒﻚ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻓﻤﺎذا ﺗﺮﻳﻦ؟!ت ﺑﺎﻟﺨﺠﻞ ﻟﻲ وﻟﮫﺎ ،ﺑﻌﺪ أن ﺗﺠ ﱠ ﺷﻌﺮ ُ ﻤﻌﺖ ﻋﻠﯿﻨﺎ اﻟﻌﯿﻮن ،ووددت ﻟﻮ اﻧﻄﻠﻘﺖ ﺧﺎر ً ﺟﺎ. ﻗﺎﻟﺖ وﻗﺪ ذھﺒﺖ أﻧﻔﺎﺳﮫﺎ ﻣﻊ ﺿﺮﺑﺎت ﻗﻠﺒﮫﺎ اﻟﻤﺘﺴﺎرﻋﺔ ﻓﺨﺮج ﺻﻮﺗﮫﺎ ﺧﻔﯿ ً ﻀﺎ ﻣﺒﺤﻮ ً ﺣﺎ: اﻷﻣﺮ ﻟﻚ ﻳﺎ ﺟﺪي ،ﻋﻤﺮو أﺧﻲ وﺷﻤﻌﻮن زﻳﻨﺔ اﻟﺮﺟﺎل.ھﺰ رأﺳﻪ واﺟﺘﮫﺪ ﻛﻲ ﻳﺒﺘﺴﻢ ،وﻟﻜﻦ اﺑﺘﺴﺎﻣﺘﻪ ﻟﻢ ﺗﻨﻔﺮج ﻋﻦ أﺳﻨﺎﻧﻪ اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ أﻏﺒﻄﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﻤﺎﻟﮫﺎ ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻓﻠﯿﺤﻔﻆ اﻟﺮب أﺧﺎك )ﻋﻤﺮًوا( ،وﻟﯿﺒﺎرك ﻟﻚ ﻓﻲ زوﺟﻚ )ﺷﻤﻌﻮن(.أﻓﻠﺘﺖ )أروى( ﻣﻨﻪ ﺛﻢ أﺳﺮﻋﺖ إﻟﻰ داﺧﻞ اﻟﺤﺠﺮة ﺧﺠﻠﻰ ،وﺳﻤﻌﻨﺎ ﺗﮫﻠﯿﻞ اﻟﻨﺴﻮة ﺑﺎﻟﺪاﺧﻞ وزﻏﺮدة ﺧﻔﯿﻀﺔ أطﻠﻘﺘﮫﺎ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ..رﺑﺖ )ﻟﯿﺚ( ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ ﻓﻲ ﻗﻮة وﻗﺎل: ﻢ اﻟﺼﺪﻳﻖ وﻧِْﻌ َ ﻧِْﻌ َﺼّْﮫﺮ! ﻢ اﻟ ِ ﺧﻄﻮت ﻣﺴﺮًﻋﺎ إﻟﻰ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،ﺛﻢ ﺟﺜﻮت ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﻲ أﻗﺒﻞ ﻳﺪه. ﻗﻠﺖ وﻗﺪ طﻔﺮت اﻟﺪﻣﻮع ﻣﻦ ﻋﯿﻨﻲ: ﻟﻦ أﻧﺴﻰ ﻓﻀﻠﻚ ﻣﺎ ﺣﯿﯿﺖ!رﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ ﻓﻲ وھﻦ وﻗﺎل: ﻋﻮﺿﻨﻲ ﷲ ﺑﻚ وبـ)ﻟﯿﺚ( ﻋﻦ ﻓﻘﺪان )ﻋﻤﺮو( و)ﻧﺎﺑﺖ(.ﺻﻤﺖ ﻟﺤﻈﺎت ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﺻﻮت ﻣﺮﺗﻌﺶ ﻛﺎرﺗﻌﺎش ﻳﺪﻳﻪ: وﻟﻮ ﻛﺎن )ﻧﺎﺑﺖ( ﺣﯿﺎ ﻟﺘﺮﻛﮫﺎ ﺗﺘﺨﯿﺮ زوﺟﮫﺎ اﻟﺬي ﺗﺮﺿﯿﻪ!ﺣﯿﻨﺌٍﺬ ﺗﺤﺪث )ﻟﯿﺚ( وﻗﺎل: وأﻧﺎ ﻳﺎ ﺟﺪي!ﻧﻈﺮﻧﺎ إﻟﯿﻪ ﻓﻮﺟﺪﻧﺎ ﺻﺪره ﻳﻌﻠﻮ وﻳﮫﺒﻂ ﻣﻦ اﻻﺿﻄﺮاب. ﻓﻘﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(: أﻧﺖ ﻣﺎذا ﻳﺎ وﻟﺪي؟ﻗﺎل وﻗﺪ ﺗﻌﺮق ﺟﺒﯿﻨﻪ ﺧﺠًﻼ: أرﻳﺪ أن أﺧﻄﺐ )ﻻﻣﺎر( اﺑﻨﺔ ﺧﺎﻟﻲ ﻟﻨﻔﺴﻲ!ﺻﻤﺖ اﻟﺠﻤﯿﻊ دھﺸﺔ ،وﻧﻈﺮ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( إﻟﻰ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( اﻟﺬي ﻓﺎﺟﺄﺗﻪ اﻟﻌﺒﺎرة ،ﻓﺼﻤﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻧﻌﻢ اﻟﺸﺎب )ﻟﯿﺚ( ،وﻟﻜﻨﻲ أﺳﺄﻟﮫﺎ وأﺳﺄل أﻣﮫﺎ أوًﻻ… وﻗﺒﻞ أن ﻳﻜﻤﻞ ﻋﺒﺎرﺗﻪ،اﻧﻄﻠﻘﺖ زﻏﺮدة أﻗﻮى ﻣﻦ ﺳﺎﺑﻘﺘﮫﺎ ﻣﻦ داﺧﻞ اﻟﺤﺠﺮة ﻣﻸت اﻟﺒﯿﺖ ﺑﮫﺠﺔ وﻣﯿﺰﻧﺎ ﻓﯿﮫﺎ ﺻﻮت )أم ﻻﻣﺎر(! ﺿﺤﻚ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( وﻗﺎل: ﻣﺒﺎرك ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ،ﻟﻮ ﻋﻠﻤﻨﺎ أن اﻷﻓﺮاح ﺗﻨﺘﻈﺮﻧﺎ ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« ﻟﻌﺠﻠﻨﺎ ﺑﺎﻟﺰﻳﺎرة ﻣﻦ ﻗﺒﻞ.∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ واﻷرﺑﻌﻮن وﺣﯿﻦ ﻋﺰﻣﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻋﻦ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻨﯿﺖ ﻓﯿﮫﺎ بـ)أروى( ،ﺗﻤﻠﻜﻨﻲ ﻤﺪاد ﻓﻲ ﻗﻠﻤﻲ ﺣﯿﺎًء ،واﻟﺤﻖ أن اﻟﺨﺠﻞ ﻛﺎن رﻓﯿﻘﻲ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺨﺠﻞ ،وﺟﻒ اﻟ ِ اﻟﯿﻮم ﻣﻨﺬ ﺑﺪاﻳﺘﻪ وﺣﺘﻰ ﻧﮫﺎﻳﺘﻪ ..ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح طﻠﺒﻨﻲ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﻓﻲ َﻣ ْ ﻀﯿﻔِﺘﻪ ﺑﺪار اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ،ﺳﺄﻟﻨﻲ ﻋﻦ أﺷﯿﺎء ﺗﺤﺪث ﻓﻲ ﻟﯿﻠﺔ اﻟِﺒَﻨﺎء ﻟﻢ أﺟﺪ إﺟﺎﺑﺔ ﻋﻨﮫﺎ ﺳﻮى اﻟﺼﻤﺖ ،ﻓﺄﻧﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻲ أﻗﺮان ﻣﻦ اﻟﺼﺒﯿﺔ أﺗﺤﺪث ﻣﻌﮫﻢ ﻋﻤﺎ ﻳﺠﯿﺶ ﻓﻲ ﺻﺪري ﻣﻦ ﻧﺰق وﻣﯿﻞ ﻟﻺﻧﺎث ،وﺣﯿﻦ ﻛﺒﺮت ﻗﻠﯿًﻼ ،ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﻲ ﺧﺒﺮات ﻣﻊ اﻟﻨﺴﺎء ﺳﻮى ﺧﯿﺎﻻت ﺟﺎﻣﺤﺔ أراھﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻣﻲ ،ﻛﻠﻤﺎ اﺳﺘﺜﺎرﺗﻨﻲ ﻧﻈﺮة ﺧﺎﺋﻨﺔ أو ﻛﻠﻤﺔ ﻋﺎﺑﺜﺔ ﻣﻦ إﺣﺪاھﻦ ،اﻟﻤﺮة اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪﺛﺖ ﻓﯿﮫﺎ ﻣﻊ أﺑﻲ ﻋﻦ اﻟﻨﻜﺎح ﻛﺎن ﻋﻦ ﻧﻌﺠﺔ وﻛﺒﺸﮫﺎ اﻟﺬﻛﺮ ،رأﻳﺖ اﻟﻜﺒﺶ ﻳﻤﺘﻄﯿﮫﺎ وﻳﺤﻜﻢ ﺳﺎﻗﯿﻪ ﻋﻠﻰ ظﮫﺮھﺎ وھﻲ أﺳﻔﻠﻪ ﺗﺌﻦ دون أن ﺗﮫﺮول ﻣﺒﺘﻌﺪة ،ﺣﯿﻦ ھﻤﻤﺖ ﺑﺄن أﺿﺮﺑﻪ ﻛﻲ أﺑﻌﺪه ﻋﻨﮫﺎ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺆذﻳﮫﺎ ،ﻧﮫﺮﻧﻲ أﺑﻲ وﻗﺎل: »دﻋﮫﺎ ﻟﻌﻠﮫﺎ ﺗﺼﯿﺮ ﻋﺸﺮاء«. أدرﻛﺖ ﺣﯿﻨﮫﺎ أن اﻟﻨﻜﺎح ﻳﺆدي ﻟﻺﻧﺠﺎب ،وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أرھﻖ ﺗﻔﻜﯿﺮي ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ طﺮﻳﻘﺔ إﻧﺠﺎﺑﻲ ،وﻣﻨﻌﻨﻲ اﻟﺤﯿﺎء ﻣﻦ أن أﺳﺄل أﺑﻲ ﻋﻦ ذﻟﻚ ،وﺣﯿﻦ ﺿﻤﻤﺖ )أروى( إﻟﻰ ﺻﺪري ﻷول ﻣﺮة وﺗﻨﺴﻤﺖ ﻋﺒﯿﺮ ﺷﻌﺮھﺎ اﺷﺘﻌﻞ ﻗﻠﺒﻲ ﺑﺎﻟﻨﺒﺾ، وﺣﯿﻦ ﺗﻜﺮر ذﻟﻚ اﺷﺘﻌﻞ ﺟﺴﺪي ﻛﻠﻪ ﺑﺎﻟﻨﺒﺾ ،وﺷﻌﺮت ﺑﺜﻮرة ظﻠﺖ ﺗﻼﺣﻘﻨﻲ ﻓﻲ ﺻﺤﻮي وﻣﻨﺎﻣﻲ ﻟﻢ ﻳﺨﻤﺪھﺎ ﺳﻮى أﻻﻋﯿﺐ اﻟﻮھﻢ وﻣﺠﻮن اﻷﺣﻼم. ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺎح ،وﺟﺪ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( اﻟﺼﻤﺖ رﻓﯿﻘﻲ ﻋﻨﺪ ﻛﻞ ﺳﺆال، ﻚ أﺳﺘﺎًرا ﻛﻨﺖ أﺳﺘﺸﺮف ﺑﻌ ً ﻓﺎﺳﺘﻔﺎض ھﻮ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،ھَﺘ َ ﻀﺎ ﻣﻤﺎ وراءھﺎ ﺑﻔﻄﺮﺗﻲ ،وﻳﻐ ﱡ ْ ﺟﻔﻠ ُ ﻢ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﻣﻨﮫﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻣﺰﻗﺘﮫﺎ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪَ ، ﺖ وﻗﺪ رأﻳﺖ أﻣﺎﻣﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﻋﺎرﻳﺔ. ﻻ أدري ﻟﻤﺎذا ﻟﻢ ﻳﺪﻋﻨﻲ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( أﺗﻜﺸﻒ اﻷﻣﺮ وﺣﺪي؟! اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺄن ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻚ ﻳﻌﻠﻤﻮن ﻣﺎ أﻧﺖ ُﻣﻘِﺪم ﻋﻠﯿﻪ ﻳﻔﻘﺪك ﺑﮫﺠﺔ اﻟﻤﻐﺎﻣﺮة ،وﻟﺬة اﻻﻛﺘﺸﺎف ،وﻳﺠﻌﻠﻚ ﺗﺤﻤﻞ ﻋﺐء ﻧﻈﺮات اﻟﻌﯿﻮن ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻚ ،ﻛﯿﻒ ﺗﺴﺘﺒﺎح أوﻟﻰ ﻟﺤﻈﺎﺗﻨﺎ ﺳﻮﻳﺎ ﺑﮫﺬا اﻟﻘْﺪر ﻣﻦ اﻟﺴﻔﻮر؟! وﺧﻄﺮ ﻓﻲ ﺑﺎﻟﻲ ﺳﺆال ﻋﻤﺎ إذا ﻛﺎﻧﺖ )أروى( ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ ﺑﺬﻟﻚ! وأﺑﺎح ﻟﻲ ھﻮ ﺑﺄن زوﺟﺘﻪ وأم اﻟﺴﻌﺪ ﻳﻤﻜﺜﺎن ﻋﻨﺪھﺎ ﻣﻨﺬ ﻟﯿﻠﺔ أﻣﺲُ ،ﻳﺨ ِ ّ ﻀﺒﺎﻧﮫﺎ ﺑﺎﻟﺤﻨﺎء وﻳﻌﱠﺪاﻧﮫﺎ ﻟﻠﺰﻓﺎف ،ﻟﻢ أﺗﺸﻜﻚ ﻟﺤﻈﺔ ﻓﻲ أن ﺣﺪﻳًﺜﺎ ﻗﺪ ﺟﺮى ﺑﯿﻨﮫﻤﺎ وﺑﯿﻦ )أروى( ﻳﺸﺒﻪ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﻟﻲ ،وﺷﻌﺮت ﺣﯿﻨﮫﺎ ﺑﺄن ﺣﺎل اﻟﻜﺒﺶ اﻟﺬي وطﺊ ﻧﻌﺠﺘﻪ أﻣﺎﻣﻲ ﻛﺎن أﻛﺜﺮ ﺳﺘًﺮا ﻣﻦ ﺣﺎﻟﻲ ،وﺗﻤﻨﯿﺖ ﻟﻮ أرزق ﻗﺪًرا ﻣﻦ ﺑﻼدﺗﻪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ! ُﻋﺪ ُ ت إﻟﻰ ﻣﻨﺰل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻛﻲ أﺗﺠﮫﺰ ﻟﻠﺰﻓﺎف ،ﻓﻘﺪ ﺟﺮى اﻟﻌﺮف ﻋﻨﺪھﻢ أن ﻳﺘﺠﮫﺰ اﻟﺰوج ﻓﻲ ﺑﯿﺖ واﻟﻌﺮوس ﻓﻲ ﺑﯿﺖ آﺧﺮ ،ﺛﻢ ﻳﺰﱠﻓﺎ ﺳﻮﻳﺎ إﻟﻰ دار اﻟﺒﻨﺎء، ﺗﺤﻤﻤﺖ وأزﻟﺖ أدران ﺟﺴﺪي ،وﺗﻌﻄﺮت ﺑﺎﻟﻄﯿﺐ ﺛﻢ ارﺗﺪﻳﺖ ﻗﻤﯿ ً ﺼﺎ أﺑﯿﺾ ﻧﺎﺻﻊ اﻟﺒﯿﺎض ،واﻧﺘﻌﻠﺖ ﺣﺬاﺋﻲ اﻟﻤﺼﺮي اﻟﺬي ادﺧﺮﺗﻪ ﻟﯿﻮم ﻛﮫﺬا ،وﺑﻌﺪ أن اﻧﺘﺼﻒ اﻟﻨﮫﺎر ﺧﺮﺟﺖ ﻓﻲ ﻣﻮﻛﺐ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﯿﺎن ﻳﺘﻘﺪﻣﮫﻢ )ﻟﯿﺚ( ،أﻣﺘﻄﻲ ﻧﺎﻗﺔ ﻳﺘﺪﻟﻰ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﯿﮫﺎ أﻧﻤﺎط اﻟﺤﺮﻳﺮ وﺗﺘﺰﻳﻦ رأﺳﮫﺎ ﺑﺈﻛﻠﯿﻞ ﻣﻦ اﻟﺰھﺮ ،وﻳﺴﯿﺮ أﻣﺎﻣﮫﺎ ﺣﺒﺸﯿﺎن ﻳﺘﻼﻋﺒﺎن ﺑﺸﻌﻠﺘﻲ ﻟﮫﺐ ،وﻳﺪق آﺧﺮون اﻟﺪﻓﻮف ﻣﻦ ﺣﻮﻟﮫﻤﺎ ،وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﻮﻟﯿﻤﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﺎﻣﮫﺎ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( واﻟﺸﯿﺦ )أواس( إﻟﻰ ﺟﻮار »اﻟﺼﻔﺎ«، ﻓُﺄﻧِﯿﺨﺖ اﻟﻨﺎﻗﺔ وﻧﺰﻟﺖ ﻋﻨﮫﺎ ﺛﻢ اﺗﺠﮫﺖ إﻟﻰ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﺟﺎﻟ ً ﺴﺎ، ﻓﻘﺒﱠﻠﺖ ﻳﺪه ووﻗﻔﺖ إﻟﻰ ﺟﻮاره ..ﺗﻮاﻓﺪ إﻟﯿﻨﺎ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﻦ ﺑﻄﻮن )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( وأﻳ ً ﻀﺎ ﻣﻦ »ﺧﺰاﻋﺔ« ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ھﺬا ھﻮ أول زﻓﺎف ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« ﺑﻌﺪﻣﺎ اﻧﺘﮫﺖ اﻟﺤﺮب ووﺿﻌﺖ أوزارھﺎ ،وﺟﺎء )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ووﻟﺪه )ﺛﻌﻠﺒﺔ( ﺗﺘﻘﺪﻣﮫﻤﺎ ﺟﻠﺒﺔ وﺟﻤﻊ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس وﺗﺴﯿﺮ ﺧﻠﻔﮫﻤﺎ ﻧﺎﻗﺔ أھﺪاھﺎ ﻟﻮﻟﯿﻤﺔ اﻟﺰﻓﺎف ،ﺗﻨﺎول اﻟﻘﺼﺎﺑﻮن اﻟﻨﺎﻗﺔ ،وداروا ﺑﮫﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﺬﺑﺢ اﻟﻤﻘﺎم ﺧﻠﻒ »اﻟﺼﻔﺎ« ،وھﻲ ﺗﺠﺮ وراءھﺎ ﺟﻤﻊ ﻣﻦ اﻷطﻔﺎل ﻳﮫﻠﻠﻮن ﻓﻲ ﺑﮫﺠﺔ ،وﻛﺄن اﻟﯿﻮم ﻳﻮم ﻋﯿﺪ ،ﻣﺪت ﺻﺤﺎف اﻟﻄﻌﺎم اﻟﻤﻤﻠﻮءة ﺑﺎﻟﻠﺤﻢ واﻟﻤﺮق واﻟﺜﺮﻳﺪ ،ودارت ﻛﺌﻮس اﻟﺨﻤﺮ ﻓﻲ رﻛﻦ ﺣﻮى ﻛﺒﺮاء اﻟﻘﻮم ﻣﻦ »ﺧﺰاﻋﺔ« وﺑﻌﺾ اﻟﻤﻘﺮﺑﯿﻦ إﻟﯿﮫﻢ ﻣﻦ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ،وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﺸﺎرﻛﮫﻢ اﻟﺸﺮاب أﺣﺪ ﻣﻦ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر(! وﺗﻌﺎﻗﺒﺖ ُزَﻣُﺮ اﻟﻮاﻓﺪﻳﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺄدﺑﺔ ،وﻛﻠﻤﺎ رﺣﻞ ﻓﻮ ٌ ج ﺗﻼه ﻓﻮج آﺧﺮ ﺣﺘﻰ اﻗﺘﺮب اﻟﻨﮫﺎر ﻣﻦ اﻟﺰوال ،وﻣﺎﻟﺖ اﻟﺸﻤﺲ إﻟﻰ اﻟﻤﻐﯿﺐ ،ﺣﯿﻨﺌٍﺬ ﻋﻠﺖ ﺟﻠﺒﺔ ﻣﻦ ﺟﮫﺔ اﻟﺒﻄﺤﺎء ،ورأﻳﻨﺎ ﻣﻮﻛﺐ اﻟﻨﺴﺎء ﻗﺎدًﻣﺎ ﺗﺴﺒﻘﮫﻦ ﻧﻘﺮات اﻟﺪﻓﻮف ،وﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ أﻟﺴﻨﺘﮫﻦ اﻟﺰﻏﺎرﻳﺪ اﻟﺘﻲ ُﺗﺼﺪر ﺻﻮﺗًﺎ ﻛﺎﻟﺴﮫﺎم ﻳﺪﻓﻊ ﻋﯿﻮن اﻟﺤﺎﺳﺪﻳﻦ ﻋﻦ أﺑﮫﻰ ﻋﺮوس ..ﺟﻠﺴﺖ )أروى( ﻋﻠﻰ »ﻣﺰﱠﻓﺔ« ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ وﻛﺄﻧﮫﺎ ھﻮدج ﻣﻜﺸﻮف ﻓﻮق ﻧﺎﻗﺔ ﻣﺰﻳﻨﺔ اﻟﺠﻮاﻧﺐ ﺑﺄﻧﻤﺎط اﻟﺤﺮﻳﺮ ،وﻗﺪ ارﺗﺪت ﺛﻮﺑًﺎ زاھﯿًﺎ ،ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻳﺪﻳﮫﺎ وﻛﻌﺒﯿﮫﺎ اﻟﻠﺬﻳﻦ ﺗﺨﻀﺒﺎ ﺑﺎﻟﺤﻨﺎء وﻳﻔﻮح ﻣﻦ راﺣﻠﺘﮫﺎ ﻋﺒﯿﺮ ﻋﻄﺮھﺎ اﻟﺬي ﺳﺒﻘﮫﺎ إﻟﯿﻨﺎ ،وﺣﯿﻦ وﺻﻞ اﻟﺮﻛﺐ إﻟﯿﻨﺎ أﻧﯿﺨﺖ ﻧﺎﻗﺘﮫﺎ ،ﺛﻢ ھﺒﻄﺖ ﻣﻦ ﻓﻮق )ﻣﺰﱠﻓﺘﮫﺎ( ،وﺟﻠﺴﺖ أﻣﺎﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﺳﻨﺎم ﻧﺎﻗﺘﻲ اﻟﻤﻨﺎﺧﺔ وأﻧﺎ أﺣﯿﻂ ظﮫﺮھﺎ ﺑﺬراﻋﻲ ،وﺣﯿﻦ ﻧﺎءت ﺑﻨﺎ اﻟﻨﺎﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﺎﺋﻤﯿﮫﺎ ،ﻋﻠﺖ اﻟﺰﻏﺎرﻳﺪ ﻣﺮة أﺧﺮى ،وﺳﺎر ﺑﻨﺎ اﻟﺮﻛﺐ إﻟﻰ داري اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻓﻲ طﺮف اﻟﺒﻄﺤﺎء. وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﺒﯿﺖ ،وﻗﺪ ﻏﺎﺑﺖ اﻟﺸﻤﺲ أو ﺗﻜﺎد ،دﺧﻠﺖ أﻧﺎ وھﻲ و)أم اﻟﺴﻌﺪ( و)أم ﻻﻣﺎر( إﻟﻰ اﻟﺪار ،ﺗﻌﺠﺒﺖ ﻣﻦ ﺑﻘﺎء ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺴﺎء واﻟﺮﺟﺎل ﻣﻦ ﺑﯿﻨﮫﻢ أﻣﮫﺎ و)ﻟﯿﺚ( واﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﺧﺎرج اﻟﺪار! ﺟﻠﺴﺖ )أم ﻻﻣﺎر( ﻋﻠﻰ أرﻳﻜﺔ ﻓﻲ ﺻﺤﻦ اﻟﺪار ،ﺑﯿﻨﻤﺎ وﺿﻌﺖ )أم اﻟﺴﻌﺪ( اﻟﻄﻌﺎم اﻟﺬي ﺗﺤﻤﻠﻪ واﻟﻔﺎﻛﮫﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﺰاﻧﺔ ،ﺛﻢ دﺧﻠﺖ إﻟﻰ ﺣﺠﺮﺗﻨﺎ ،ﻓﻨﻔﻀﺖ اﻟﺴﺮﻳﺮ ﺑﯿﺪھﺎ ،وأﺷﻌﻠﺖ ﻗﻨﺪﻳﻞ اﻟﺰﻳﺖ ﺛﻢ ﺧﺮﺟﺖ ..اﺣﺘﻀﻨﺖ )أروى( اﻟﺘﻲ اﻣﺘﻘﻊ ﻟﻮﻧﮫﺎ وﻗﺎﻟﺖ ﻟﮫﺎ وھﻲ ﺗﻀﻊ ﻓﻲ ﻳﺪھﺎ ﺧﺮﻗﺔ ﺑﯿﻀﺎء: ھﯿﺎ ﻳﺎ ﺑﻨﺖ اﻟﺴﻌﺪ واﻟﺸﺮف!ﺛﻢ ﺟﻠﺴﺖ إﻟﻰ ﺟﻮار )أم ﻻﻣﺎر( ﻋﻠﻰ اﻷرﻳﻜﺔ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﺧﺮوﺟﻲ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮة، اﺳﺘﻌﺪت ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺸﯿﺦ )أواس( اﻟﺘﻲ ﺣﻜﺎھﺎ ﻟﻲ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺼﺒﺎح ،ﻓﺸﻌﺮت ﺑﺒﺮودة أطﺮاﻓﻲ ﺛﻢ ﻧﻈﺮت إﻟﻰ اﻟﻤﺮأﺗﯿﻦ ﻣﺘﺤﺮ ً ﺟﺎ. أﻣﺴﻜﺖ ﺑﯿﺪ )أروى( وھﻤﻤﺖ ﺑﺎﻟﺪﺧﻮل إﻟﻰ اﻟﺤﺠﺮة ﻓﻮﺟﺪت ﻳﺪھﺎ أﺷﺪ ﺑﺮودة ﻣﻨﻲ وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻏﺎﺑﺖ ﻋﻨﮫﺎ اﻟﺤﯿﺎة ،وﺗﺴ ﱠ ﻤﺮت ﻗﺪﻣﺎھﺎ ﻓﻠﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ أن ﺗﺪﻟﻒ ﻣﻦ ﺑﺎﺑﮫﺎ. ﺳﻤﻌﺖ ﺻﻮت )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻲ ﻣﺆﻧﺒًﺎ ﻟﮫﺎ: ھﯿﺎ ﻳﺎ )أروى( ،اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎرﻧﺎ.ﻓﺮﻛﺖ ﻳﺪي ﺑﯿﺪھﺎ وھﻤﻤﺖ ﺑﺎﻟﺪﺧﻮل ﻣﺮة أﺧﺮى وﻟﻜﻨﮫﺎ ﺗﺴ ﱠ ﻤﺮت ﻣﺮة أﺧﺮى، وﺳﻤﻌﺘﮫﺎ ﺗﻨﺘﺤﺐ ،ﻟﻢ أﺳﺘﻄﻊ أن أﺗﺤﻤﻞ ھﺬا اﻟﻘﺪر ﻣﻦ اﻟﻘﮫﺮ ﻟﻲ وﻟﮫﺎ ،ﻓﺎﻟﺘﻔﺖ إﻟﯿﮫﻤﺎ وﻗﻠﺖ ﺣﺎﺳ ً ﻤﺎ: اﺧﺮﺟﻲ ﻓﺄﺧﺒﺮﻳﮫﻢ أن اﻟﻌﺮوس ﺑﻨﺖ ﺳﻌﺪ!ﺷﮫﻘﺖ )أم اﻟﺴﻌﺪ( وﻗﺎﻟﺖ: ﻛﯿﻒ؟أدﻣﯿﺖ أﺻﺒﻌﻲ ﻓﻲ ﺑﺮﻏﻲ اﻟﺒﺎب ،وﻟﻄﺨﺖ ﺑﻪ اﻟﺨﺮﻗﺔ اﻟﺒﯿﻀﺎء وﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ: ھﻜﺬا!أرادت أن ﺗﺘﺤﺪث ،وﻟﻜﻦ )أم ﻻﻣﺎر( اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺤﺮج ھﻲ اﻷﺧﺮى، اﻟﺘﻘﻄﺖ اﻟﺨﺮﻗﺔ ﻣﻦ ﻳﺪي وﻗﺎﻟﺖ لـ)أم اﻟﺴﻌﺪ(: أطﻠﻘﻲ زﻏﺮدة ﻳﺎ )أم اﻟﺴﻌﺪ(.ﻓﺄطﻠﻘﺖ زﻏﺮدﺗﮫﺎ ،وﺳﻤﻌﻨﺎ ﺟﻠﺒﺔ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﺨﺎرج ،ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺧﺮﺟﺖ إﻟﯿﮫﻢ اﻟﻤﺮأﺗﺎن ﺑﺎﻟﺒﺸﺮى ،وﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ھﺪأت اﻷﺻﻮات ورﺣﻞ اﻟﺠﻤﯿﻊ وﻟﻢ ﻳﺒ َ ﻖ إﻻ أﻧﺎ و)أروى( وﺳﻜﻮن اﻟﻠﯿﻞ ،رأﻳﺖ وﺟﮫﮫﺎ ﻋﻦ ُﻗْﺮب ﻷول ﻣﺮة ﻓﻲ ﺿﻮء اﻟﻘﻨﺪﻳﻞ ،اﺳﺘﺮدت ﺴ َ ﻟﻮﻧﮫﺎ ﺑﻌﺪ أن ﺧﻤﺪت اﻷﺻﻮات واطﻤﺄﻧﺖ ﻟﺮﺣﯿﻞ اﻟﺠﻤﯿﻊ ،أْﻣ َ ﻜﺖ إﺑﮫﺎﻣﻲ اﻟﻤﺠﺮوح ﻓﻘﺒﱠﻠﺘﻪ وھﻲ ﺧﺠﻠﻰ ﻣﻤﺎ ﺣﺪث ،ﺿﻤﻤﺘﮫﺎ إﻟﻰ ﺻﺪري وﺷﻌﺮت ﺑﻨﻌﻮﻣﺔ ﺧﺪھﺎ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻲ ﻷول ﻣﺮة ،اﺳﺘﻜﺎﻧﺖ رأﺳﮫﺎ ﻣﻄﻤﺌﻨﺔ وأﺣﺎطﺖ ﻛﺘﻔﻲ ﺑﯿﺪﻳﮫﺎ ،وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﺴﺘﺠﯿﺮ ﺑﺤﻀﻨﻲ ،ﺣﺮك ﺧﻀﻮﻋﮫﺎ وﺿﻌﻔﮫﺎ ﺷﻮﻗﻲ إﻟﯿﮫﺎ، ﻓﻀﻤﻤﺘﮫﺎ أﻛﺜﺮ ﺣﺘﻰ ﻻﻣﺴﺖ دﻗﺎت ﻗﻠﺒﻲ ﻗﻠﺒﮫﺎ ،ﻻ ﺷﻲء ﻳﺜﯿﺮ اﻟﺸﻮق ﻓﻲ ﻗﻠﺐ اﻟﺮﺟﻞ ﻗْﺪر ﺧﻀﻮع اﻣﺮأة ُﻣﺤﺒﱠﺔ ،وﻻ ﺷﻲء ﻳﺤﺮك ﺻﻼﺑﺘﻪ ﻗﺪر ذوﺑﺎﻧﮫﺎ ﺑﯿﻦ ﻳﺪﻳﻪ ..وﺣﯿﻦ ﺗﻼﻣﺴﺖ اﻟﺸﻔﺎه ﻋﻔًﻮا ،ﻣ ﱠ ﺲ اﻟﻘﻠﺐ ﻣﺘﻌﺔ ﻟﻢ أﺧﺘﺒﺮھﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ أﺷﺪ أﺣﻼﻣﻲ ﻣﺠﻮﻧًﺎ ،ﺟﺬﺑﺘﻨﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺘﻌﺔ إﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﻣﻦ اﻟﺴﺤﺮ ﻻ ﻳﺮﺿﻰ إﻻ ﺑﺎﻟﻤﺰﻳﺪ ،وﻛﻠﻤﺎ ارﺗﻘﯿﻨﺎ ﻓﯿﻪ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﻛﻠﻤﺎ اﻧﻔﺼﻠﻨﺎ ﻋﻦ ﻋﺎﻟﻤﻨﺎ أﻛﺜﺮ، وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺧﻠﻌﺖ أراوﺣﻨﺎ رداء اﻟﺠﺴﺪ ،وأﺑﺖ إﻻ أن ُﺗﺤﻠِ ّﻖ ﻓﻲ ﺳﻤﺎء اﻟﻨﺸﻮة ﺣﺘﻰ ﺗﺼﻞ إﻟﻰ ﻣﻨﺘﮫﺎھﺎ ..أﻓﻠﺘﻨﺎ ﻋﻘﺎل اﻟﺨﺠﻞ وأﻏﻠﻘﻨﺎ ﺑﺎب اﻟﺤﺠﺮة دوﻧﻪ ،ﺣ َ ﻤْﻠُﺘﮫﺎ إﻟﻰ ﻣﺨﺪﻋﻨﺎ ،وﻗﻀﯿﻨﺎ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻧﻨﮫﻞ ﻣﻦ ﻛﺌﻮس اﻟﺤﺐ ،وﻧﺮﻣﺢ ﻓﻲ ﺑﺴﺎﺗﯿﻦ اﻟﻌﺸﻖ، وﻧﺘﺮﻧﺢ ﻣﻦ ﺳﻜﺮاﺗﻪ ﻣﺮات وﻣﺮات ﺣﺘﻰ أﻧﮫﻜﻨﺎ اﻟﺘﻌﺐ وﻏﺒﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﻮم ﻋﻠﻰ ﻓﺮش ﻣﺨﻤﻠﻲ ﻳﮫﺪھﺪ اﻟﺮوح وﻳﺴﻤﻮ ﺑﻨﺎ ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ ﻋﺎﻟﻢ اﻷﻧﻌﺎم اﻟﺬي أراده ﻟﻨﺎ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( و)أم اﻟﺴﻌﺪ(. واﺳﺘﯿﻘﻈﻨﺎ ﻣﻦ ﻧﻮم طﻮﻳﻞ ﺧﻼ ﻣﻦ اﻷﺣﻼم ،ﻋﻠﻰ طﺮﻗﺎت ﻣﺘﻘﻄﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﺎب اﻟﺒﯿﺖ ،ارﺗﺪﻳﺖ ﺛﯿﺎﺑﻲ وﺧﺮﺟﺖ إﻟﻰ اﻟﻔﻨﺎء ﻓﺴﻄﻊ ﻋﯿﻨﻲ ﺿﻮء اﻟﺸﻤﺲ اﻟﺘﻲ ارﺗﻔﻌﺖ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ،ﻓﺘﺤﺖ اﻟﺒﺎب ﻓﻮﺟﺪت )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﺗﻀﻊ ﻳﺪھﺎ ﻋﻠﻰ ﻓﻤﮫﺎ وﻋﯿﻨﺎھﺎ ﺗﺬرف اﻟﺪﻣﻮع ،ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﻜﺘﻢ ﺻﺮﺧﺔ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻤﺰق ﺻﺪرھﺎ: ﻣﺎت اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!∞∞∞∞∞ »وﻳﻜﺄﻧﻪ أﺳﻠﻢ اﻟﺮوح ﺑﻌﺪ أن أﺗﻢ ﻓﻀﻠﻪ ﻋﻠ ﱠ ﻲ! وﻳﻜﺄن اﻟﺮب ﻗﺪ أرﺳﻠﻪ رﺳﻮًﻻ ﻣﻦ أﺟﻠﻲ أﻧﺎ ﻓﻘﻂ! « ..ھﻜﺬا ﻛﻨﺖ أﺑﻜﯿﻪ وأرﺛﯿﻪ وأﻧﺎ أﺳﯿﺮ ﻓﻲ ﺟﻨﺎزﺗﻪ اﻟﺘﻲ اﻣﺘﺪت ﺻﻔﻮﻓﮫﺎ ﻣﺎ ﺑﯿﻦ »اﻟﻤﻌﻼة« و»اﻟﺼﻔﺎ« ..ﺻﻌﺪﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﺮﺑﻮة اﻟﺘﻲ أﻗﯿﻤﺖ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﻣﻘﺎﺑﺮ أھﻞ »ﺑﻜﺔ«، ﻧﺤﻤﻞ اﻟﻤﺤﱠﻔﺔ اﻟﺨﺸﺒﯿﺔ اﻟﺘﻲ ُرﺑِﻂ إﻟﯿﮫﺎ ﺟﺴﺪه اﻟﻤﻠﺘﻒ بـأﻛﻤﻠﻪ ﻓﻲ ﻟﻔﺎﺋﻒ ﺑﯿﻀﺎء إﻻ ﻣﻦ وﺟﮫﻪ اﻟﺬي ُﺗِﺮﻛﺖ ﺻﻔﺤﺘﻪ اﻟﺒﯿﻀﺎء ﻣﻜﺸﻮﻓﺔ ﻟﻨﺮاه وﻧﻠﻘﻲ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﻨﻈﺮة اﻷﺧﯿﺮة ﻗﺒﻞ أن ﻳﻄﻮﻳﻪ اﻟﺘﺮاب ،ظﻨِّﻲ أن أﺣًﺪا ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« ﻟﻢ ﻳﺨﺮج ﻛﻲ ﻳﻮدﻋﻪ إﻟﻰ ﻣﺜﻮاه ،ﻟﻢ أﺗﺨﯿﻞ ذﻟﻚ اﻟﻘْﺪر ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﻠﻮب ﻟﮫﺬا اﻟﺮﺟﻞ، ﻛﺎﻧﺖ اﻷﻗﺪار ﻛﺮﻳﻤﺔ ﻣﻌﻲ؛ إذ ﻣﻨﺤﺘﻨﻨﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻛﻲ أﻗﺘﺮب ﻣﻨﻪ ،وﺑﺎﻷﺧﺺ ﻓﻲ أﻳﺎﻣﻪ اﻷﺧﯿﺮة ،ﻓﺄي ﺧﯿﺮ ﻗﺪ ﻓﻌﻠﺘﻪ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮن ھﺬا اﻟﺮﺟﻞ ھﻮ ﻣﻌﻠﻤﻲ ودﻟﯿﻠﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة؟ ﺣﯿﻦ ﻧﻈﺮت ﺧﻠﻔﻲ ورأﻳﺖ اﻟﺼﻔﻮف اﻟﻤﻤﺘﺪة إﻟﻰ اﻟﺴﻔﺢ ﺗﺘﺮاص ﻟﻠﺪﻋﺎء ﻟﻪ، ﺷﻌﺮت ﺑﺄن اﻟﺴﻤﺎء ﻗﺪ ﺗﻔﺘﺤﺖ وﺗﮫﯿﺄت ﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻪ ،وﺣﯿﻦ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺗﺴﺒﯿﺤﮫﻢ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺮب )اﻟﻘﺪوس ،اﻟﻘﺪوس ،اﻟﻘﺪوس( ﺷﻌﺮت ﺑﺄن أرواح اﻷﺑﺮار ،ﻗﺪ أﺗﺖ ﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻪ ،ھﻜﺬا أﺧﺒﺮﻧﻲ ذات ﻣﺮة ﻋﻦ أرواح اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ اﻟ ُ ﻤﺴ ِﺒ ّﺤﯿﻦ ﺣﻮل اﻟﻌﺮش ،اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺼﻨﻌﻮن ﻣﺸﯿﺌﺔ اﻟﺮب ،وﻳﺮﻓﻌﻮن اﻟ ُ ﻤﺴ ِﺒ ّﺤﯿﻦ ﻣﻌﮫﻢ إﻟﻰ أﻋﻠﻰ ﻣﻨﺰﻟﺔُ ،ﻋﺪﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﺪار اﻟﺘﻲ ﺧﻠﺖ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺰﻳﻦ وﻓﻲ ﺣﻠﻘﻲ ﻣﺮارة اﻟﻔﻘﺪ ﻣﺮة أﺧﺮى ،أﺷﻔﻘﺖ ﻋﻠﻰ )أروى( و)ﻟﯿﺚ( اﻟﻠﺬﻳﻦ ﻓﻘﺪا أﺑﺎھﻤﺎ ،وھﺎ ھﻤﺎ ﻳﻔﻘﺪان ﺟﺪھﻤﺎ ،ﺣﺘﻰ ﻋﻤﮫﻤﺎ )دوﻣﺔ( ،ﻗﺪ ذھﺐ ﺑﻼ رﺟﻌﺔ ،ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﺣﺎﻟﻲ أﺳﻮأ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﮫﻤﺎ ،وﻟﻜﻦ أﻟﻢ اﻻﻧﻜﺴﺎر ﻳﻜﻮن داﺋ ً ﻤﺎ أﺷﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ اﻋﺘﺎد اﻟﺴﻨﺪ! أ ﱠ ﺧﺮ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﻋﻮدﺗﻪ إﻟﻰ »ﻳﺜﺮب« ﻋﺪة أﺳﺎﺑﯿﻊ. أراد أن ﻳﻄﻤﺌﻦ ﻋﻠﻰ أﺧﺘﻪ وأوﻻدھﺎ ،وأراد أﻛﺜﺮ أن ﻳﺆِّﻣﻦ اﻧﺘﻘﺎل ﺳﯿﺎدة اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ إﻟﻰ اﺑﻦ أﺧﺘﻪ )ﻟﯿﺚ( ،ﺷﻌﺮ ﺑﺄن أﺑﻨﺎء أﺧﻲ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻗﺪ ﻳﻄﻤﺤﻮن إﻟﻰ اﻟﺴﯿﺎدة ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻣﺎت )ﻧﺎﺑﺖ( ورﺣﻞ ﻋﻨﮫﻢ )دوﻣﺔ( ،اﻟﺴﯿﺎدة ﻓﻲ اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ ﺗﻜﻮن ﻟﻠﺤﻜﻤﺔ أو اﻟﻤﺎل أو اﻟﻘﻮة ،و)ﻟﯿﺚ( ـوإن ﻛﺎن واﻋًﺪا -ﻻ ﻳﻤﻠﻚ أﻳﺎ ﻣﻦ ھﺬا ..ﺗﺤﺪث اﻟﻨﺎس ﻓﻲ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( ﻋﻦ ﻣﺼﯿﺮ ﺗﺠﺎرﺗﮫﻢ ﺑﻌﺪ اﻟﺸﯿﺨﯿﻦ )ﻧﺎﺑﺖ( و)دوﻣﺔ(، ﺳﻠَﻌﮫﻢ ﻗﺪ ﺑﺎرت ﻓﻲ ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺤﺞ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻨﺰاع ﺑﯿﻦ ﻻﺳﯿﻤﺎ وأن ِ »ﺟﺮھﻢ« و»ﺧﺰاﻋﺔ«. ﻓﻀًﻼ ﻋﻦ اﻟﺸﻘﺎق اﻟﻮاﻗﻊ ﺑﯿﻨﮫﻢ وﺑﯿﻦ ﺑﻘﯿﺔ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم، أﺛﺎر ﺑﻌﻀﮫﻢ اﻟﺸﻜﻮك ﻓﻲ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ »ر ﱠ ﺳﺔ« أو اﻟﺘﺠﺎرة ﺑﯿﻨﮫﺎ وﺑﯿﻦ »ﺑﻜﺔ« وھﻢ ﻻ ﻳﻤﻠﻜﻮن ﻣﺆن اﻟﺴﻔﺮ ﻣﻦ اﻷﺳﺎس ،وأﺛﺎروا ﺷﻜﻮًﻛﺎ أﻛﺜﺮ ﺣﻮل ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ ﻣﻊ زﻋﯿﻤﮫﺎ اﻟﺼﻐﯿﺮ ..وﺣﯿﻨﻤﺎ اﺟﺘﻤﻊ ﺑﮫﻢ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( اﻗﺘﺮح ﻋﻠﯿﮫﻢ أن ﻳﻘﻮﻣﻮا ﺑﺮﺣﻼت ﻗﺼﯿﺮة ﻟﻠﺘﺠﺎرة ﺑﯿﻦ »ﺑﻜﺔ« و»ﻳﺜﺮب«؛ ﻓﺬﻟﻚ أﻗﻞ ﻛﻠﻔﺔ وأﻳﺴﺮ ﻣﺌﻮﻧﺔ ،وﺷﺠﻌﮫﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﺠﺎرة اﻟﻜﺮم وﻋﺼﯿﺮھﺎ ،ﻓﺎﻟﺨﻤﺮ ﻗﺪ أﺻﺒﺤﺖ ﺷﺮاب اﻟﺴﺎدة ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« ،وﺳﯿﻠﻘﻰ ﺑﯿﻌﮫﺎ روا ً ﺟﺎ ،وﻛﺎن ﻣﻤﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﻟﮫﻢ ﻣﺸﺠًﻌﺎ: ل ﻣﻦ اﻟﻄﺤﯿﻦ! ﻗِﺪٌر ﻣﻦ اﻟﺨﻤﺮ ﻳﻌﺪل ﺛﻤﻦ ﺟﻮا ٍﺛﻢ زﻳﻦ ﻟﮫﻢ اﻷﻣﺮ ﺑﺄن وﻋﺪ ﺑﺄن ﻳﮫﺐ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( ﻗﺎﻓﻠﺔ ﻣﻦ ﻛﺮم ﺑﺴﺎﺗﯿﻨﻪ ﻛﻲ ُﺗﺒﺎع ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ«. وﻗﺎل ﻣﺆﻛًﺪا ﻋﻠﻰ ﻣﺮاده ﻣﻦ ھﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ: إذا أھ ﱠﻞ ﻋﻠﯿﻜﻢ اﻟﺼﯿﻒ ﺧﺮﺟﺘﻢ ﺑﻘﺎﻓﻠﺘﻜﻢ إﻟﻰ »ﻳﺜﺮب« ﻓﻮھﺒﻨﺎ ﻟﻮﻟﺪﻧﺎ )ﻟﯿﺚ( ﻗﺎﻓﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺮم ﻟﻢ ﺗَﺮ »ﺑﻜﺔ« ﻣﺜﻠﮫﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ! ﺷﻌﺮت ﺑﺎﺳﺘﻨﻜﺎر ﻟﻤﺎ ﻗﺎﻟﻪ ،ووﺟﺪت ﻓﻲ ﻛﻼﻣﻪ ﺧﺮًﻗﺎ ﻟﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﺴﯿﺮ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،وﻟﻜﻨﻲ ﻓﻮﺟﺌﺖ ﺑﺎﺳﺘﺤﺴﺎن اﻟﻌﯿﻮن ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ ﻟﻠﻔﻜﺮة ،ﺑﻞ رأﻳﺖ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ )ﻟﯿﺚ( ﻓﺮ ً ﺣﺎ ﺑﮫﺎ ،ﻓﻘﻠﺖ ﻣﺴﺘﻨﻜًﺮا: ﻧﺒﯿﻊ اﻟﺨﻤﺮ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ؟!ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )أواس(: ﺳﺒﻘﻨﺎ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﻜﺜﯿﺮ ،واﻟﺨﻤﺮ ﻟﯿﺴﺖ ﻣﮫﺠﻮرة ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« ﻳﺎ ﺑﻨﻲ!ﻗﻠﺖ: وﻟﻜﻦ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻛﺎن ﻳﻜﺮھﮫﺎ وﻳﺬم ﺷﺎرﺑﮫﺎ.ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )أواس(: أﻧﺎ أﻳ ًﻀﺎ ﻻ أﺷﺮﺑﮫﺎ وﻟﻜﻨﻲ أﺑﯿﻌﮫﺎ ﻟﻤﻦ ﻳﺮﻏﺐ. ﻗﺎل اﺑﻦ أﺧﻲ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( اﻟﺬي ﺳﻨﺤﺖ ﻟﻪ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﺑﻌﺪ ﻛﻼﻣﻲ ﻟﻠﮫﺠﻮم ﻋﻠﻰ رأي اﻟﺸﯿﺦ )أواس(: ﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﺸﯿﺦ ﺣﯿﺎ ﻟﻨﮫﺮﻛﻢ ﻋﻦ ھﺬا!ﻧﺒﯿﻊ اﻟﺨﻤﺮ ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« وﻧﻌﯿﻦ اﻟﻔﺎﺟﺮ ﻋﻠﻰ ُﻓ ْ ﺠِﺮه! أﻣﺎ ﻳﻜﻔﻲ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ )إﻳﺴﺎف( و)ﻧﺎﺋﻠﺔ( ﻓﻲ ﺣﺮم اﻟﻜﻌﺒﺔ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺨﻤﺮ؟! ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )أواس(: ﺤﺖ اﻟﺮواﻳﺔ ﻓﻘﺪ ﺗﺤ ﱠ ﻦ أﺧﻄﺄ ،وإن ﺻ ﱠ اﻟﺨﻄﯿﺌﺔ ﻋﻠﻰ َﻣ ْﻤﻼ وزرھﻤﺎ! وﺟﺪﺗﻨﻲ أﻗﻮل ﻣﻨﻔﻌًﻼ: واﻟﺨﻄﯿﺌﺔ أﻳ ًﻀﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ أﻋﺎن ﻋﻠﯿﮫﺎ! ﻲ ﻣﻨﺪھ ً ﻧﻈﺮ إﻟ ﱠ ﺸﺎ ورأﻳﺖ اﺳﺘﻨﻜﺎًرا ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ )ﻟﯿﺚ( وﺑﻌﺾ اﻟﺠﻠﻮس. ﻓﻘﻠﺖ وﻗﺪ ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺤﺮج ﻣﻦ اﻟﻌﯿﻮن اﻟﻤﺘﻔﺤﺼﺔ: ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )أواس( ،أﻧﺘﻢ ﻗﻮم ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻄﺮة ،وﻟﻢ ﺗﺮوا ﻏﻀﺐ اﻟﺮب وﻋﻘﺎﺑﻪ ،ﻗﺪأﺗﯿﺖ ﻣﻦ ﻗﻮم ﻳﻤﺴﺨﻮن ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺎﻧﺘﮫﻢ إذا أﺧﻄﺌﻮا ،وﻟﻮ أﺧﻄﺄ ﻓﯿﮫﻢ اﻟﻔﺎﺟﺮ ﻟُﻌﻮﻗﺐ اﻟﺼﺎﻟﺢ ﻋﻠﻰ ﻋﺪم ردﻋﻪ ﻟﻪ! ﻗﺎل أﺣﺪھﻢ ﺳﺎﺧًﺮا: وﻣﺎذا ﺗﺮى ﻳﺎ ﺻﮫﺮ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(؟!ﻗﻠﺖ ﻣﺘﺤﻤ ً ﺴﺎ: ﻧﺒﯿﻊ اﻟﺘﻤﺮ واﻟﻌﺠﻮة ﻛﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﻔﻌﻞ ،وإن ﺷﺌﺘﻢ ﻧﺒﯿﻊ اﻟﺼﻨﺎدﻳﻖ أﻳ ًﻀﺎ ،وأﻧﺎ ﻛﻔﯿﻞ ﺑﺼﻨﻌﮫﺎ! ﻋﻠﺖ اﻟﻀﺤﻜﺔ ﺑﯿﻨﮫﻢ ،ورأﻳﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﺮج واﻟﻐﻀﺐ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ )ﻟﯿﺚ( واﻧﺒﺮى أﺣﺪھﻢ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻧِْﻌ َﻢ اﻟﺮأي ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ،وﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( ﺑﯿﻨﻨﺎ ﻟﺬھﺐ إﻟﻰ ﻣﺎ ذھﺐ إﻟﯿﻪ اﻟﺸﯿﺦ )أواس(. ﺛﻢ ﻗﺎم ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻣﻪ وﺻﺎﻓﺢ )ﻟﯿًﺜﺎ( ﻗﺎﺋًﻼ: ﺳْﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﺮﻛﺔ ﷲ وﻧﺤﻦ ﻣﻌﻚ. ﺑﺎرك ﷲ ﻓﯿﻚ وﻓﻲ ﺧﺎﻟﻚ ﻳﺎ )ﻟﯿﺚ(ِ ،ﻓﺈذا ﺑﺎﻟﻨﺎس ﻳﺤﺬون ﺣﺬوه وﻳﻘﻮﻣﻮن اﻟﻮاﺣﺪ ﺗﻠﻮ اﻵﺧﺮ ،ﻳﺼﺎﻓﺤﻮن )ﻟﯿًﺜﺎ( وﻛﺄﻧﮫﻢ ﻳﻤﻨﺤﻮﻧﻪ اﻟﺒﯿﻌﺔ ،ﺣﺘﻰ أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ أﺿﻤﺮوا ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺳﮫﻢ ﺑﻐ ً ﻀﺎ لـ)ﻟﯿﺚ( أو اﺳﺘﻨﻜﺎًرا ﻟﻤﺎ ذھﺐ إﻟﯿﻪ ﻗﺎﻣﻮا ﻓﻤﻨﺤﻮه اﻟﺒﺮﻛﺔ. ووﺟﺪﺗﻨﻲ وﺣﺪي ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺐ ،واﻵﺧﺮون ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺐ آﺧﺮ ،ﻓُﻘ ْ ﻤﺖ ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻲ وذھﺒﺖ إﻟﻰ )ﻟﯿﺚ( ،وﺿﻌﺖ ﻳﺪي ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ وﻗﻠﺖ ﻟﻪ: ﻓﻠُﯿْﺮﺷﺪك اﻟﺮب ﻟﻤﺎ ﻓﯿﻪ اﻟﺨﯿﺮ ﻟﻨﺎ وﻟﻚ أﺧﻲ اﻟﺤﺒﯿﺐ.ﺛﻢ ﺗﺮﻛﺘﻪ واﻧﺼﺮﻓﺖ. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ واﻷرﺑﻌﻮن اﻗﺘﺮﺑﺖ أﺷﮫﺮ اﻟﺼﯿﻒ ،واﺷﺘﺪ ﻗﯿﻆ »ﺑﻜﺔ« ﻣﺒﻜًﺮا رﻏﻢ أﻧﻨﺎ ﻛﻨﺎ ﻻ ﻧﺰال ﻓﻲ ﻧﮫﺎﻳﺎت ﺷﮫﺮ ﻧﯿﺴﺎن ،اﺳﺘﻌﺪت ﻗﺎﻓﻠﺔ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( ﻟﻠﺨﺮوج إﻟﻰ »ﻳﺜﺮب« ﻟﻠﻌﻮدة ﺑﻘﺎﻓﻠﺔ اﻟﻜﺮم أو« ﻗﺎﻓﻠﺔ اﻟﺨﻤﺮ« ﻛﻤﺎ أﺣﺒﺒﺖ أن أدﻋﻮھﺎ! ﻛﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﻌﺮﻳﺶ اﻟﺬي أﻗﻤﺘﻪ ﺑﺠﻮار اﻟﻤﻨﺰل ُأﻧﮫﻲ ُ ﺻﻨﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﺼﻨﺎدﻳﻖ اﻟﻤﺘﺄﺧﺮة ﻋﻠﻰ أﺻﺤﺎﺑﮫﺎ وﻣﻌﻲ ﻏﻼم ﺣﺒﺸﻲ ﻳﻌﺎوﻧﻨﻲ ﻓﻲ ﻛﺸﻂ ﻣﺎ أﻗﻮم ﺑﺘﺠﻤﯿﻌﻪ ﺣﯿﻨﻤﺎ دﺧﻠﺖ ﻋﻠﯿﻨﺎ )أروى( اﻟﻌﺮﻳﺶ ﺑﺒﻄﻨﮫﺎ اﻟﻤﻨﺘﻔﺨﺔ ﺑﺤﻤﻠﮫﺎ واﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺖ أﻧﻔﺎﺳﮫﺎ ﺗﺘﮫﺪج ﻣﻊ ﻛﻞ ﺧﻄﻮة ﺗﺨﻄﻮھﺎ. أﺳﺮﻋﺖ إﻟﯿﮫﺎ ووﺿﻌﺖ ﻟﮫﺎ ﺻﻨﺪوًﻗﺎ ﻛﻲ ﺗﺠﻠﺲ ﻋﻠﯿﻪ ،ﺟﻠﺴ ْ ﺖ ﺻﺎﻣﺘًﺔ وﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮫﺎ ﺣﺪﻳﺚ ﺗﺒﻮح ﺑﻪ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮات ﺑﻌﺪ أن ﻋﺠﺰت ﻛﻠﻤﺎﺗﮫﺎ ﻋﻦ إﻗﻨﺎﻋﻲ ﺑﻪ ﺧﻼل اﻷﻳﺎم اﻟﻤﺎﺿﯿﺔ. ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ: ﻟﻤﺎذا ﻟﻢ ُﺗﺮﺳﻠﻲ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﻓﻲ طﻠﺒﻲ ﺑﺪًﻻ ﻣﻦ أن ﺗﺨﺮﺟﻲ ﻣﻦ اﻟﺪار ﻓﻲھﺬا اﻟﻘﯿﻆ؟ اﺗﺠﮫﺖ ﺑﺒﺼﺮھﺎ إﻟﻰ اﻟﻐﻼم ،وﻛﺄﻧﮫﺎ ﻻ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﺘﺤﺪث أﻣﺎﻣﻪ ..أﻣﺮ ُ ت اﻟﻐﻼم ﺑﺄن ﻳﺬھﺐ ﻟﻠﻄﻌﺎم ،واﻟﺮاﺣﺔ وﺟﻠﺴﺖ ﻋﻠﻰ ﺻﻨﺪوق آﺧﺮ ﻗﺒﺎﻟﺘﮫﺎ ﺛﻢ ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ: ت ﻣﺎ ﻋﻨﺪك؟ ھﺎ ِﻗﺎﻟﺖ: ﺳﺘﺨﺮج ﻗﺎﻓﻠﺔ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( ﺑﻌﺪ أﻳﺎم إﻟﻰ »ﻳﺜﺮب«.ﻗﻠﺖ: وﻣﺎ ﺷﺄﻧﻨﺎ؟ﻗﺎﻟﺖ ﺛﺎﺋﺮة: )ﻟﯿﺚ( أﺧﻲ ،و)أواس( ﺧﺎﻟﻲ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(.وأﻧﺖ ﺗﺜﯿﺮ اﻟﻨﺎس ﺿﺪھﻤﺎ. ﻗﻠﺖ ﺻﺎدًﻗﺎ وﻻﺋ ً ﻤﺎ ﻓﻲ ذات اﻟﻮﻗﺖ: ﻣﻌﺎذ ﷲ ﻳﺎ )أروى( أن ُأﺛِﯿﺮ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﯿﮫﻤﺎ ،فـ)ﻟﯿﺚ( أﺧﻲ أﻳ ًﻀﺎ ،واﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻟﺨﺎل ﻟﻲ. أﻣﺴﻜﺖ ﺑﯿﺪي وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﻌﺘﺬر ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺘﻮﺳﻠﺔ: إذن ﻓﻠﻤﺎذا اﻣﺘﻨﻌﺖ ﻋﻦ اﻟﺨﺮوج ﻣﻌﮫﻢ؟!ﻟﻤﺎذا ﺟﻌﻠﺘﻪ ﻳﺒﺪو ﺻﻐﯿًﺮا ﻓﻲ أﻋﯿﻦ اﻟﻨﺎس ،ﺣﺘﻰ ﻗﺎل ﻋﻨﻪ اﻟﺤﺎﻗﺪون: »ﻗﺪ اﻋﺘﺰﻟﺘﻪ أﺧﺘﻪ وزوﺟﮫﺎ«؟! ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ ﺻﺎرًﻣﺎ: ﺧﯿﺮ ﻟﻪ أن ﻳﻘﻮﻟﻮا ذﻟﻚ ﺑﺪًﻻ ﻣﻦ أن ﻳﻘﻮﻟﻮا ﺣﺎد أﺣﻔﺎد اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻋﻦ ﻣﺴﺎرﺟﺪھﻢ! ﻗﺎﻟﺖ ﺣﺰﻳﻨﺔ: أﺣﺰن ﻟﺬﻟﻚ أﻳ ًﻀﺎ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،وﻟﻜﻨﻪ ﺿﯿﻖ اﻟﺤﺎل وﻋﻮز اﻟﺤﺎﺟﺔ! أﻣﺎ ﺗﺮى أن )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( ﻗﺪ ﺻﺎروا أﻓﻘﺮ ﺑﻄﻮن )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ،وأھﻮن اﻷﺣﯿﺎء ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ«! ﻟﻢ ﻳﻨ َ ﺲ اﻟﻨﺎس ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﻋﻤﻲ )دوﻣﺔ(! ﻗﺪ اﻣﺘﺪ ﺣﻘﺪ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﻋﻠﻰ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( وﺣﻘﺪ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( ﻋﻠﻰ أﺣﻔﺎد اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(! وإن ﻟﻢ ﻳَ ْ ﺴ َ ﻊ )ﻟﯿﺚ( إﻟﻰ ﺟﻠﺐ اﻟﻤﺎل ﻻﻧﻔﺮط ﻋﻘﺪ اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ ﻣﻦ ﻳﺪه! ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: وھﻞ ﻛﺎن اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻳﺮﻛﻦ إﻟﻰ اﻟﻤﺎل ﺣﯿﻦ ﻗﺎد )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر(؟وھﻞ ﻟﻮ ﻋﺎد اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﺣﯿﺎ ھﻞ ﻛﺎن ﺳﯿﺴﻠﻚ ﻧﻔﺲ اﻟﻄﺮﻳﻖ؟! ﺻ ِّ ﺪﻗﯿﻨﻲ ﻳﺎ )أروى( اﻟﻤﺎل وﺣﺪه ﻻ ﻳﺴﺎوي ﺷﯿًﺌﺎ إن ﻟﻢ ﻳﺰﻳﻨﻪ اﻟﺸﺮف! واﻟﻘﻮة وﺣﺪھﺎ ﻻ ﺗﺴﺎوي ﺷﯿًﺌﺎ إن ﻟﻢ ﺗﺰﻳﻨﮫﺎ اﻟﺤﻜﻤﺔ! ﺛﻢ أردﻓﺖ: أﻣﺎ ﻳﺘﻌﻆ ھﺆﻻء ﺑﻤﺎ وﻗﻊ لـ)ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( اﻟﺬي رﻛﻦ إﻟﻰ ﻣﺎﻟﻪ؟أﻣﺎ ﻳﺘﻌﻈﻮن ﺑﻤﺎ وﻗﻊ ﻟﻠﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ( اﻟﺬي اﻏﺘﱠﺮ ﺑﻘﻮﺗﻪ؟! ﻧﻈﺮت إﻟﻰ ﻋﯿﻨﻲ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﺮى ﺷﺨ ً ﺼﺎ آﺧﺮ ﻻ ﺗﻌﺮﻓﻪ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ: ﻣﻦ أﻳﻦ ﺟﺎءﺗﻚ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺴﻮة؟ﻗﻠﺖ ﻣﺒﮫﻮﺗًﺎ: -ﻗﺴﻮة؟! ﻗﺎﻟﺖ ﺑﺎﻛﯿﺔ: ﻧﻌﻢ!ﺧﺬﻟﺖ أﺧﻲ وﺧﺬﻟﺘﻨﻲ! ﺖ ﻣﻦ ﺟﻠﺴﺘﻲ ووﺿﻌ ُ ُﻗﻤ ُ ﺖ ﻳﺪي ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﮫﺎ ﻓﺠﻔﻠﺖ ﻋﻨﻲ وأﺷﺎﺣﺖ ﺑﻜﺘﻔﮫﺎ ﺑﻌﯿًﺪا ،ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ: ﻟﯿﺴﺖ ﻗﺴﻮة ﻳﺎ )أروى( وﻟﻜﻨﻪ اﻟﯿﻘﯿﻦ!ﻳﻘﯿﻦ ﻣﻦ رأى ﺑﻌﯿﻨﯿﻪ ﻛﯿﻒ ﺗﻐﺰل ﺷﺮاك اﻟﻔﺘﻦ ﻓﯿﺘﻌﺜﺮ ﺑﮫﺎ أﻛﺜﺮ اﻟﻨﺎس ﺛﺒﺎﺗًﺎ! رأﻳﺖ أﺑﻲ ﻳﺎ )أروى( وھﻮ ﻳﻔﱡﺮ ﻣﻦ ﻧﺎر اﻟﻔﺘﻨﺔ إﻟﻰ »ر ﱠ ﺳﺔ« ،ﺣﯿﻦ رآھﺎ ﺗﻮﺷﻚ أن ﺗﻠﺘﮫﻢ اﻟﺠﻤﯿﻊ وﻛﺎن زوج أﺧﺘﻪ ھﻮ اﻟﺬي ﻳﻨﻔﺦ ﻓﻲ ﻧﺎرھﺎ! ! رأﻳﺖ أﻳ ً ﻀﺎ ﻛﯿﻒ ﻳﻜﻮن ﻋﻘﺎب اﻟﺮب ﻋﻠﻰ أﻧﺎس ﺗﺤﺎﻳﻠﻮا ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻋﻪ واﻋﺘﺪوا ﻋﻠﻰ ُ ﺣْﺮﻣﺔ اﻟﺴﺒﺖ ﻓﻨﺎﻟﻮا اﻟﻌﺬاب ﻣﻊ اﻟﺬﻳﻦ ﺑﺨﻠﻮا ﻋﻠﯿﮫﻢ ﺑﺎﻟﻨﺼﯿﺤﺔ ،ﺻ ِّ ﺪﻗﯿﻨﻲ ﻳﺎ )أروى( ﻗﺪ رأﻳﺖ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ رأى ﻗﻮﻣﻚ ،وﺗﻌﻠﱠﻤﺖ ﻣﻦ ﺟﺪك اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﻌﻠﻤﻮا! اﻟﻤﺎل وﺣﺪه ﻻ ﻳﺴﺎوي ﺷﯿًﺌﺎ إن ﻟﻢ ﻳﺰﻳﻨﻪ اﻟﺸﺮف! واﻟﻘﻮة وﺣﺪھﺎ ﻻ ﺗﺴﺎوي ﺷﯿًﺌﺎ إن ﻟﻢ ﺗﺰﻳﻨﮫﺎ اﻟﺤﻜﻤﺔ! ﻣﺴﺤﺖ دﻣﻮﻋﮫﺎ وﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﻘﻮم ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﮫﺎ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﻟﻢ ﺗﺴﻤﻊ ﻣﺎ ﻗﻠﺖ أو ﻟﻢ ﺗﻔﮫﻤﻪ: اﻋﺘﺰل اﻟﻔﺘﻨﺔ ،واﻋﺘﺰل أﺧﻲ ،واﻋﺘﺰﻟﻨﻲ أﻧﺎ أﻳ ًﻀﺎ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،وﺣﺴﺒﻲ ﻣﻦ اﻟﺨﺬﻻن ﻣﺎ رأﻳﺘﻪ ﻣﻨﻚ اﻟﯿﻮم! ﺛﻢ اﻧﺼﺮﻓﺖ ﻋﺎﺋﺪًة إﻟﻰ اﻟﺪار. )روﻣﺎﻧﺎ( و)أروى( اﻣﺮأﺗﺎن ﻋﺎﺷﺘﺎ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ وﻛﻠﺘﺎھﻤﺎ ﻋﻠﻰ طﺮﻓﻲ ﻧﻘﯿﺾ! ﻛﻨﺖ أرى أﻣﻲ ﻛﺈﻟﮫﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ )ﺣﺘﺤﻮر( اﻟﺘﻲ رأﻳﻨﺎھﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ »ﺳﯿﻦ« ،اﻣﺮأة ﻓﺎﺗﻨﺔ ﻟﮫﺎ ﻗﺮﻧﺎن ،وﻳﺒﺮز ﻣﻦ ﺟﺴﺪھﺎ أﻏﺼﺎن ﺗﺮﺳﻞ اﻟﻔﻲء وﺗﺴﻘﻲ اﻟﻈﻤﺂﻧﯿﻦ ،ھﻲ اﻷم اﻟﺒﺎرة اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻄﻲ اﻟﺤﻨﺎن ﺑﻼ ﺣﺪود ،وﺗﻤﻨﺢ ﺑﻼ ﻣﻘﺎﺑﻞ ،أﻣﺎ )أروى( ﻓﻜﺎﻧﺖ ظﺒﯿﺔ ﺻﺤﺮاوﻳﺔ ﺟﺎﻣﺤﺔ ،ﻳﻘﻮﻟﻮن ھﻨﺎ: إن اﻟﻈﺒﻲ ﻳﻜﺮه اﻟﻤﻜﻮث ﻓﻲ ﻣﻜﺎن واﺣﺪ ،وﻳﻀﺮﺑﻮن ﺑﻪ اﻟﻤﺜﻞ ﻓﯿﻘﻮﻟﻮن ﻋﻦ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﻳﻐﺎدر ﺣﺎﻟﻪ أﻧﻪ »ﻛﺎﻟﻈﺒﻲ ﻳﻐﺎدر ظﻠ ّﻪ« ،وﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ھﻲ ،ﻛﺎن ﺟﻤﻮﺣﮫﺎ ﻳﻘﻮدھﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء؛ إذا أﺣﺒﺖ ،وإذا ﻛﺮھﺖ ،وإذا ﻏﻀﺒﺖ ،وإذا رﺿﯿﺖ ..ﺣﺘﻰ ﻓﻲ اﻟﻔﺮاش ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﻤﺢ ﺟﻤﻮح ﻓﺮﺳﺔ ﺗﺮﻣﺢ ﻓﻲ اﻟﺒﯿﺪاء إذا ﻛﻨﺎ ﻋﻠﻰ وﻓﺎق ،وإذا ﻏﻀﺒﺖ اﻧﻄﻮت ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﮫﺎ ﻛﻤﺤﺎر رﺧﻮ اﻧﻜﻤﺶ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﻗﻮﻗﻌﺘﻪ ،ﻛﻨﺖ أﻗﺎرن ﺑﯿﻦ ﺗﻘﻠ ﱡِﺒﮫﺎ وﺑﯿﻦ رﺳﻮخ )روﻣﺎﻧﺎ( اﻟﺪاﺋﻢ ﻓﺄﺗﻌﺠﺐ ﻣﻦ أن ﻛﻠﺘﯿﮫﻤﺎ اﻣﺮأة ،وأﺗﻌﺠﺐ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﺸﻘﻲ ﻟﻜﻠﺘﯿﮫﻤﺎ رﻏﻢ وﻗﻮﻓﮫﻤﺎ ﻋﻠﻰ طﺮﻓﻲ ﻧﻘﯿﺾ. اﻋﺘﺰﻟﺘﻨﻲ )أروى( أﻳﺎًﻣﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻏﺎدرت ﻗﺎﻓﻠﺔ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( »ﺑﻜﺔ« ﻣﻦ دوﻧﻨﺎ، اﺗﺨﺬت ﻟﻨﻔﺴﮫﺎ ﻣﺨﺪًﻋﺎ آﺧﺮ وﻧﻘﻠﺖ أﻏﺮاﺿﮫﺎ ﻓﻲ ﺣﺠﺮة أﺧﺮى. أﻏﻀﺒﻨﻲ ذﻟﻚ وﻟﻜﻨﻲ ﺗﻔﮫﻤﺖ ﺣﺰﻧﮫﺎ ،اﺷﺘﺮﻳﺖ ﻟﮫﺎ زﺟﺎﺟﺔ ﻋﻄﺮ وﺗﺮﻛﺘﮫﺎ ﻋﻠﻰ دوﻻب أﻏﺮاﺿﮫﺎ ﻓﻠﻢ ﺗﻔﺘﺤﮫﺎ وﺗﺮﻛﺘﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﮫﺎ ﻷﻳﺎم ،ﻣﺎ أزﻋﺠﻨﻲ ﺣﻘﺎ أﻧﮫﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺘﺰل اﻟﻄﻌﺎم أﻳ ً ﻀﺎ ،وﻛﻨﺖ أﺧﺸﻰ وھﻦ اﻟﺼﯿﺎم ﻣﻊ وھﻦ اﻟﺤﻤﻞ ﻋﻠﯿﮫﺎ وﻛﻨﺖ أوﺻﻲ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﺑﺄن ﺗﻘﻮم ﺑﺈطﻌﺎﻣﮫﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﺗﻌﯿﺶ ﻣﻌﻨﺎ ﻣﻨﺬ ﻣﺎت اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﺷﺌﻮن اﻟﺒﯿﺖ وُﺗِﻌﱡﺪ ﻟﻨﺎ اﻟﻄﻌﺎم وُﺗﻌ ِﻮّض )أروى( وﻟﻮ ﻗﻠﯿًﻼ ﻋﻦ ﻏﯿﺎب أﻣﮫﺎ اﻟﺘﻲ رﺣﻠﺖ ﻣﻊ أﺧﯿﮫﺎ )ﻟﯿﺚ( إﻟﻰ »ﻳﺜﺮب« ..ﺟﺎءﺗﻨﻲ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ذات ظﮫﯿﺮة ﺑﻄﻌﺎم اﻟﻐﺪاء ﻓﻲ ﻋﺮﻳﺶ اﻟﻨﺠﺎرة، وﻗﺎﻟﺖ: )أروى( ﻟﻢ ﺗﺄﻛﻞ اﻟﺰاد ﻣﻨﺬ أﻣﺲ!ﺗﻨﮫﺪت ﻳﺎﺋ ً ﺴﺎ وأﻧﺎ أﻗﻮل: وﻣﺎذا ﻋﺴﺎي أن أﻓﻌﻞ ﻳﺎ ﺧﺎﻟﺔ؟!ﻻ ﺗﻘﺒﻞ ﻟﻲ ﻛﻠﻤﺔ وﻻ ﻧﺼ ً ﺤﺎ. ﻗﺎﻟﺖ ﺑﻠﮫﺠﺔ ﺷﻌﺮت ﻓﯿﮫﺎ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻌﺘﺎب: ﻣﺴﻜﯿﻨﺔ ﺗﻠﻚ اﻟُﺒﻨﯿﺔ!ﻣﺎت ﺟﺪھﺎ وأﺑﻮھﺎ ،ورﺣﻞ ﻋﻨﮫﺎ أﻣﮫﺎ وأﺧﻮھﺎ ،وزادھﺎ اﻟﺤﻤﻞ وھًﻨﺎ ﻋﻠﻰ وھﻦ! ﻗﻠﺖ زاﻓًﺮا: ﻻ ﻳﻨﻘﺼﻨﻲ ﺗﻘﺮﻳﻌﻚ ﻳﺎ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ،أم ﺗﺮﻳﺪﻳﻦ أن ﺗﺰﻳﺪي ﻣﻦ ﻏ ِ ّﻤﻲ؟! ﻗﺎﻟﺖ: ﻣﻌﺎذ ﷲ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،وﻟﻜﻨﻲ أﺷﻔﻖ ﻋﻠﯿﮫﺎ وأﺧﺸﻰ ﻋﻠﯿﮫﺎ اﻟﮫﻠﻜﺔ ،أﻓﻼوَﻋْﺪﺗﮫﺎ وﻟﻮ ﻛﺬﺑًﺎ ﺑﺄن ﺗﻠﺤﻘﻮا ﺑﻘﺎﻓﻠﺔ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﻀﻊ ﺣ ْ ﻤﻠﮫﺎ! ﻟﻢ أﺟﺪ ﻣﺎ أﻗﻮﻟﻪ ..ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺣﺎﻧﻘﺔ: -ﻋﻨﯿﺪ أﻧﺖ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(! ﺣﺘﻰ اﻟﻮﻋﺪ ﺗﺒﺨﻞ ﺑﻪ ﻋﻠﯿﮫﺎ! زﻓﺮت ﻓﻲ ﻳﺄس وأﻧﺎ أﻗﻮل: ﻣﺎﻟﻲ ﺣﯿﻠﺔ أﺧﺮى ﻳﺎ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ،ﻣﺎ دام ﻓﻲ ھﺬا ﻧﺠﺎﺗﮫﺎ ﻓﺈﻧﻲ ﻓﺎﻋﻠﻪ ،وﻟﻦأﻋﺪھﺎ ﻛﺬﺑًﺎ! ﺑﻞ أﻓﻜﺮ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﺑﻌﺪ أن ﺗﻀﻊ ﺣﻤﻠﮫﺎ. اﺑﺘﮫﺠﺖ ﻓﺮ ً ﺣﺎ وﻗﺎﻟﺖ: ﺣﺴًﻨﺎ اذھﺐ ﻟﺘﺨﺒﺮھﺎ ﺑﺬﻟﻚ ..ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ: ﻟﯿﺲ اﻵن!ﻟﺪ ﱠ ي أﻋﻤﺎل وﺳﺄﻋﻮد إﻟﯿﮫﺎ ﻗﺒﯿﻞ اﻟﻐﺮوب. اﻧﺼﺮﻓﺖ ﻣﺒﺘﮫﺠﺔ وﻗﺎﻟﺖ: ﺣﺴًﻨﺎ وﻟﻌﻠﮫﺎ ﺗﺴﺘﺠﯿﺐ ﻟﻲ ﻓﺘﺄﻛﻞ ﺷﯿًﺌﺎ وﻟﻮ ﻳﺴﯿًﺮا.ﻗﺒﻞ اﻟﻐﺮوب ،ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻦ أﻋﻤﺎﻟﻲ ،أﺣﻀﺮ ﻟﻲ اﻟﻐﻼم اﻟﺤﺒﺸﻲ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺰل إﻧﺎء ﺑﻪ ﻣﺎء وﺛﻮﺑًﺎ ﻧﻈﯿًﻔﺎ وزﺟﺎﺟﺔ اﻟﻄﯿﺐ واﻟﺪھﻦ واﻟﻤﺸﻂ ،ﻓﺄﺧﺬﺗﮫﻤﺎ وﺗﺮﻛﺘﻪ ﻳﻨﺼﺮف ﻋﻠﻰ أن ﻳﻌﻮد ﻣﺒﻜًﺮا ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ،ذھﺒﺖ إﻟﻰ اﻟﺨﻼء ﺧﻠﻒ اﻟﺪار ﻓﺨﻠﻌﺖ ﻣﻼﺑﺴﻲ وﺗﺤﻤﻤﺖ ،أﺟﺘﮫﺪ ﻓﻲ أن أزﻳﻞ َﻋَﺮق اﻟﺼﯿﻒ اﻟﻠﺰج ﻣﻦ ﺷﻌﺮي وﺟﺴﺪي ،وﺑﻌﺪ أن ﺗﺠﻔﻔﺖ ﺑﺜﻮﺑﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ،ﻟﺒﺴﺖ ﺛﯿﺎﺑﻲ اﻟﺒﯿﻀﺎء اﻟﻨﻈﯿﻔﺔ ،ﺛﻢ ﻣﺴﺤﺖ ﺷﻌﺮي ﺑﺎﻟﺪھﻦ وﻣﺸﻄﺘﻪ إﻟﻰ ﻓﺮﻗﯿﻦ اﻧﺴﺪﻻ ﻋﻠﻰ أذﻧﻲ وطﯿﱠﺒﺖ ﻣﻔﺮﻗﻪ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻄﯿﺐ. ُ ﻛﻨﺖ أﻣﻨِّﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﺄن ُﺗﺴﱠﺮ )أروى( ﺑﻤﺎ ﺳﺄﺧﺒﺮھﺎ ﺑﻪ ،وأن ﻳﺼﻞ ذﻟﻚ ﻣﺎ اﻧﻘﻄﻊ ﺑﯿﻨﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﻮق طﯿﻠﺔ اﻷﺳﺎﺑﯿﻊ اﻟﻤﺎﺿﯿﺔ ،ﺣﯿﻦ دﺧﻠﺖ إﻟﻰ ﺻﺤﻦ اﻟﺪار وﺟﺪﺗﮫﺎ ﺗﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ اﻷرﻳﻜﺔ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻣﺮأة ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻓﺄرﺑﻜﺘﻨﻲ اﻟﻤﻔﺎﺟﺄة رﻏﻢ أن اﻟﻤﺮأة ﻟﻢ ﺗﺮﺗﺒﻚ ،ﻓﻼ ھﻲ ﺳﺘﺮت رأﺳﮫﺎ وﻧﺤﺮھﺎ ﺑﺨﻤﺎرھﺎ اﻟﻤﻨﺴﺪل ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﯿﮫﺎ ،وﻻ ﻓﺮدت ﺳﺎﻗﮫﺎ اﻟﺘﻲ طﻮﺗﮫﺎ أﺳﻔﻞ ﻋﺠﯿﺰﺗﮫﺎ ﻓﻜﺸﻔﺖ ﻋﻦ رﻛﺒﺘﮫﺎ وﺟﺰًءا ﻣﻦ ﻓﺨﺬھﺎ! أطﺮﻗﺖ ﺑﺼﺮي ﺣﯿﺎًء وﻏﻤﻐﻤﺖ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻋﻤﺘﻢ ﻣﺴﺎًء.ﺛﻢ دﻟﻔﺖ إﻟﻰ اﻟﺤﺠﺮة اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ دون أن أﻧﺘﺒﻪ إن ﻛﺎﻧﺖ إﺣﺪاھﻦ ﻗﺪ ردت اﻟﺘﺤﯿﺔ أم ﻻ! ﺗﺒﻌﺘﻨﻲ )أم اﻟﺴﻌﺪ( إﻟﻰ اﻟﺪاﺧﻞ ،ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ ﻣﺘﺄﻓًﻔﺎ: ﻣﻦ اﻟﻀﯿﻔﺔ؟!ﻗﺎﻟﺖ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﺰف إﻟ ﱠ ﻲ ﺧﺒًﺮا: ﺻﺪﻳﻘﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ لـ)أروى( ،أﺗﺖ ﻟﺘﺰورھﺎ وﺗﻤﻜﺚ ﻣﻌﻨﺎ ﺑﻀﻌﺔ أﻳﺎم.ﻗﻠﺖ ﻣﺴﺘﻨﻜًﺮا: ﺗﻤﻜﺚ ﻣﻌﻨﺎ وﺗﺘﺮك ﻗﻮﻣﮫﺎ!أﻻ ﻳﻨﺘﺨﻲ رﺟﺎل ﻗﺒﯿﻠﺘﮫﺎ؟! ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﺸﯿﺮ إﻟ ﱠ ﻲ ﻛﻲ أﺧﻔﺾ ﺻﻮﺗﻲ: ھﻲ ﻓﺘﺎة ﻳﺘﯿﻤﺔ ﻣﻦ )ﺑﻨﻲ ﻗﯿﺪار( ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﻋﻤﺮ )أروى( ﺣﯿﻦ رﺑﱠﺎھﺎ اﻟﺸﯿﺦ)ﻧﺎﺑﺖ( ﻓﻲ ﺑﯿﺘﻪ ﻟﺴﻨﻮات وﺻﺎرت ﻣﻊ اﻷﻳﺎم ﺻﺪﻳﻘﺔ )أروى( اﻟ ُ ﻤﻘﱠﺮﺑﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻐﺖ ﺳﻦ اﻟﻌﺎﺷﺮة طﻠﺒﺘﮫﺎ ﺧﺎﻟﺘﮫﺎ وأﻟ ﱠ ﺤﺖ ﻓﻲ طﻠﺒﮫﺎ ،ﻓﺘﺮﻛﮫﺎ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﻟﮫﺎ. ﺛﻢ ﺧﻔﻀﺖ ﺻﻮﺗﮫﺎ وھﻲ ﺗﻘﻮل وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﻔﻀﻲ إﻟ ﱠ ﺴ ٍﺮّ: ﻲ ﺑِ ِ ﻛﺎﻧﺖ ﺧﺎﻟﺘﮫﺎ ُﺗﺰﻳِ ّﻦ اﻟﻔﺘﯿﺎت ،وُﺗﻐﻨِّﻲ ﻓﻲ ﻟﯿﺎﻟﻲ اﻟﺰﻓﺎف ،ﻓﻠﻤﺎ رأت اﺑﻨﺔ أﺧﺘﮫﺎوﻗﺪ ﻧﻀﺠﺖ وأﺷﺮﻓﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻠﻮغ آوﺗﮫﺎ إﻟﯿﮫﺎ ﻛﻲ ﺗﺴﺎﻋﺪھﺎ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﮫﺎ وﺗﺘﻜﺴﺐ ﻣﻦ وراﺋﮫﺎ! ﻗﻠﺖ ﺳﺎﺧًﺮا وأﻧﺎ أھﻤﺲ ﻣﺜﻠﮫﺎ: وأﻳﻦ ﺧﺎﻟﺘﮫﺎ اﻵن؟ﻗﺎﻟﺖ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﺸﻤﺖ ﺑﮫﺎ: ﻣﺎﺗﺖ ﻧ ﱠﻤﺎﺻﺔ اﻟﻨﺴﺎء ،ﺑﻌﺪ ﺳﻨﻮات ﻗﻠﯿﻠﺔ وﻟﻢ ﺗﮫﻨﺄ ﺑﺘﺪﺑﯿﺮھﺎ! ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ ﻓﻲ ﻣﺮارة: وﻛﻢ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﺳﺘﻤﻜﺚ ﻣﻌﻨﺎ رﺑﯿﺒﺔ اﻟﻨ ﱠﻤﺎﺻﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺤﺘﺠﺐ ﻋﻦ اﻟﺮﺟﺎل! ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺆﻧﺒﺔ: ﻻ أدري!ﻟﯿﺘﮫﺎ ﻻ ﺗﻐﺎدرﻧﺎ! ﻓﻘﺪ أﻛﻠﺖ )أروى( ﻣﻌﮫﺎ وﺷﺮﺑﺖ ،وﻟﻢ ﻳﻨﻘﻄﻊ اﻟﻀﺤﻚ ﺑﯿﻨﮫﻤﺎ ﺣﺘﻰ ُﻋْﺪ َ ت أﻧﺖ! ﻗﻠﺖ ﻣﺒﮫﻮﺗًﺎ: -ﺣﻘﺎ! ! ﺣﺘﻰ ﻋﺪ ُ ت أﻧﺎ؟! ﺛﻢ أردﻓ ُ ﺖ: ﺣﺴًﻨﺎ ﻳﺎ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ،ﻓﻠﺘﺪﻋﯿﻨﻲ أﻧﺎ ﻣﻊ ﺣﺰﻧﻲ وﻏﻤﻲ ﻓﯿﻜﻔﯿﻨﻲ ﺷﻘﺎء اﻟﯿﻮموﺗﻌﺒﻪ! وﺑﻌﺪ أن اﻧﺼﺮﻓﺖ ﺧﻠﻌﺖ ﺛﯿﺎﺑﻲ وأﻟﻘﯿﺖ ﺑﺠﺴﺪي ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺮﻳﺮ وﻗﺪ أدرﻛﺖ أن أﻣﻨﯿﺎﺗﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻗﺪ أﻓﺴﺪﺗﮫﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺎة. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ واﻷرﺑﻌﻮن اﻷﻳﺎم اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺪﻳﺪة اﻟﺼﺨﺐ ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« ،ﻓﮫﻮ ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺨﺮوج إﻟﻰ اﻟﺸﻤﺎل ﻓﻲ رﺣﻠﺔ اﻟﺼﯿﻒ ،أﻋﺪ ﻛﻞ ﺣﻲ رواﺣﻠﻪ ،وَﻋﻠَ ْ ﺖ أﺻﻮات اﻟ ُ ﺤﺪاة ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻗﺎت ﺗﺪﻋﻮ اﻟﻨﺎس ﻟﻺﺳﺮاع ﻓﻲ اﻟﺨﺮوج ،اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ ھﺬه اﻟﻘﻮاﻓﻞ ﺗﺘﺠﻪ إﻟﻰ أرض »ﻛﻨﻌﺎن« واﻟﻘﻠﯿﻞ ﻣﻨﮫﺎ إﻟﻰ »آﺷﻮر« و»ﺑﺎﺑﻞ« و»ﻣﺼﺮ«. أﺣﺰﻧﺘﻨﻲ ﻣﺸﺎھﺪ اﻟﺮﺣﯿﻞ ،ﻓﺎﻟﺮﺣﯿﻞ ﻋﻨﺪي ﻟﻪ ﺷﺠﻦ ،وذﻛﺮى ﻻ ﺗﻨﻤﺤﻲ ﻟﯿﻮم ﺧﺮوﺟﻲ ﻣﻦ »ﻗﺎدش ﺑﺮﻧﯿﻊ«. ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ اﻷﻣﻮر ﺳﺎرت ﻛﻤﺎ ُدﺑِ ّﺮ ﻟﮫﺎ ﻟﻜﻨﺖ اﻟﯿﻮم أراﻓﻖ إﺣﺪى ھﺬه اﻟﻘﻮاﻓﻞ إﻟﻰ أرض »ﻛﻨﻌﺎن«! وﻟﻜﻦ اﻷﻣﻮر ﺳﺎرت ﻛﻤﺎ اﺧﺘﺎرھﺎ اﻟﻘَﺪر ﻟﻲ وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﻲ ﺣﯿﻠﺔ ﻓﻲ ذﻟﻚ ،اﺧﺘﯿﺎر اﻟﻘَﺪر أﻟﻄﻒ ﺑﻼ ﺷﻚ ،وﻟﻜﻨﮫﺎ اﻟﻨﻔﺲ ﺗﺘﻮق ﻟﻼﺳﺘﺌﺜﺎر ﺑﻜﻞ ﺷﻲء ،ﻓﻤﺎذا ﻟﻮ ﻛﻨﺖ اﻟﯿﻮم ﺧﺎر ً ﺟﺎ إﻟﻰ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ وﻣﻌﻲ أﻣﻲ و)أروى( وﺑﺎﻗﻲ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ؟! ﻗﺎﻓﻠﺔ »ﺧﺰاﻋﺔ« ،ﻛﺎﻧﺖ ھﻲ اﻷﻛﺒﺮ واﻷﻋﻈﻢ ،ﺗﻀﺎرﺑﺖ اﻷﻧﺒﺎء ﺣﻮل ﻣﺮاﻓﻘﺔ )ﻋﻤﺮو ُ ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﻟﮫﺎ ﻣﻦ ﻋﺪﻣﻪ ،وﺳﺮى ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس أﻧﻪ ﻗﺪ أﺻﯿﺐ ﺑﻤﺮض ﻓﻲ ﺑﻄﻨﻪ ﻗﺪ ﻳﻤﻨﻌﻪ اﻟﺨﺮوج ،وﻟﻜﻨﻨﻲ رأﻳﺘﻪ ﻓﻲ ﻳﻮم اﻟﺨﺮوج ﻋﻠﻰ رأس اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ،وإﻟﻰ ﺟﻮاره ج ﻣﺎ أﻟ ﱠ )طﺮﻳﻔﺔ( اﻟﻌﺮاﻓﺔ اﻟﺘﻲ أﻧﺒﺄﺗﻪ ﺑﺄن ﻋﻼ َ ﻢ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻣﺮض ﻣﻮﺟﻮد ﻓﻲ أرض »ﻛﻨﻌﺎن« ،وﺳﻤﻌﺖ ﻣﻦ ﻳﮫﻤﺲ ﺑﺄن اﻟﺠﻦ ﻗﺪ أﺧﺒﺮھﺎ ﺑﺬﻟﻚ! وﺗﻌﺠﺒﺖ ﻣﻦ أن اﻟﺠﻦ ﻗﺪ ﻋﺠﺰت ﻋﻦ ﻋﻼﺟﻪ ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« ،ﻓﺄرﺳﻠﺘﻪ إﻟﻰ أرض »ﻛﻨﻌﺎن« ﻛﻲ ُﻳﻌﺎﻟَﺞ! ظﻨﻲ أن )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﻳﺠﯿﺪ ﻧﺸﺮ ھﺬه اﻷﺧﺒﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﺰﻳﺪ ﻣﻦ رھﺒﺘﻪ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس وﺗﻀﻤﻦ ﺧﻀﻮﻋﮫﻢ ﻟﻪ! ﺣﯿﻦ رﺣﻠﺖ آﺧﺮ ﻗﺎﻓﻠﺔ ،ھﺪأ اﻟﺼﺨﺐ ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« وﺧﻠَﺖ اﻟﻘﺮﻳﺔ إﻻ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء وﺑﻌﺾ اﻟﺸﯿﻮخ ورﺟﺎل ﻻ ﻳﻤﻠﻜﻮن ﺗﺠﺎرة ،وﺻﻨﻒ ﺛﺎﻟﺚ ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎب ﻟﻢ أﺷﻌﺮ ﺑﻮﺟﻮدھﻢ ﻓﻲ اﻟﺸﮫﻮر اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ،وﻟﻜﻨﮫﻢ ظﮫﺮوا ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻗﺎت وﻛﺄﻧﮫﻢ ﺧﺮﺟﻮا ﻣﻦ اﻟﺠﺤﻮر ﺑﻌﺪ أن ﺧﻠﺖ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻣﻦ رﺟﺎﻟﮫﺎ. ﻛﺎﻧﻮا ﺷﺒﺎﺑًﺎ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻋﻤﺮي أو أﺻﻐﺮ ﻗﻠﯿًﻼ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻷﺛﺮﻳﺎء ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ«، ﻳﻌﻘﺼﻮن ﺷﻌﻮرھﻢ ﻓﻲ ﺟﺪاﺋﻞ ،وﻳﺴﯿﺮ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﮫﻢ وﻗﺪ ﺗﺪﻟﻰ ﻣﻦ ﻧﻄﺎﻗﻪ ز ﱡ ق ِ اﻟﺨﻤﺮ ،ﻳﺸﺮﺑﻮن ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻗﺎت وﻳﺘﺠﻤﻌﻮن ﻣﺴﺎًء ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﻳﻘﺎل ﻟﻪ »اﻟﺪﻛﺔ« ﻳﻌﺎﻗﺮون ﻓﯿﻪ اﻟﺨﻤﺮ وﺗﺮاﻓﻘﮫﻢ اﻟﻘﯿﺎن واﻟﻔﺘﯿﺎت اﻟﻤﺎﺟﻨﺎت ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺟﻠﺪﺗﮫﻢ.. اﻟﻌﺠﯿﺐ أﻧﮫﻢ أطﻠﻘﻮا ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﮫﻢ اﺳﻢ )اﻷﻧﺪرون( ،وﻛﺄن اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﮫﻢ ھﻮ اﻷﻧﺪر ﻓﻲ ﻗﻮﻣﻪ! ﻛﻨﺖ ﻋﺎﺋًﺪا إﻟﻰ اﻟﺪار ﻗﺮب اﻟﻤﺴﺎء أﺣﻤﻞ ﻓﻲ ﻳﺪي ﻟﻔﺎﻓﺔ ورق ودواة ﺣﺒﺮ ﻓﺎرﻏﺔ، ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻲ ﻣﺒﻜًﺮا ،وﺧﺮﺟﺖ إﻟﻰ ﺧﻠﻮة أﻟﻔﺘﮫﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ُ اﻷﻳﺎم ،ﺗﺤﺖ ﺻﺨﺮة ﻓﻲ ﺟﺒﻞ »اﻟﻤﺮوة« ،ﻓﺄﺧﺬت أد ِوّن ﻛﻠﻤﺎﺗﻲ وأﺳﻄﺮ أوراﻗﻲ ﺣﺘﻰ ﻓﺮغ ﻣﻨﻲ اﻟﺤﺒﺮ ،ﻓﺠﻤﻌﺖ اﻟﻠﻔﺎﺋﻒ وُﻋْﺪت إﻟﻰ اﻟﺪار ﻻ ﺳﯿﻤﺎ وأن اﻟﺸﻤﺲ ﻗﺪ ﻣﺎﻟﺖ إﻟﻰ اﻟﻤﻐﯿﺐ ،ﻛﺪ ُ ت أدﻟﻒ ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺴﻮر ﺣﯿﻦ ﺧﺮﺟﺖ ﺻﺪﻳﻘﺔ )أروى( ﻣﻨﻪ ،اﺻﻄﺪﻣﺖ ﺑﮫﺎ ﻓﺴﻘﻄﺖ ﻣﻨﻲ اﻷوراق واﻟﺪواة ،اﻋﺘﺬرت إﻟﯿﮫﺎ ،وﺟﺜﻮت أﻟﻤﻠﻢ أﺷﯿﺎﺋﻲ ﻓﺠﺜﺖ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﯿﮫﺎ أﻣﺎﻣﻲ ﺗﺠﻤﻊ اﻷوراق وﻗﺪ ارﺗﺒﻜﺖ ﻣﺜﻠﻲ ،اﻧﻔﺘﺤﺖ إﺣﺪى اﻟﻠﻔﺎﺋﻒ أﻣﺎﻣﮫﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻣﻨﺪھﺸﺔ: أﺗﺠﯿﺪ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ؟ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ ﻣﺮﺗﺒ ً ﻜﺎ: ﻧﻌﻢ.ﺗ ﱠ ﻤﻌﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺗﻌﺠﺐ: أي ﻧﻘﻮش ھﺬه؟ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أﺗﻨﺎول اﻟﻠﻔﺎﻓﺔ ﻣﻦ ﻳﺪھﺎ وأطﻮﻳﮫﺎ: ھﻲ ﺣﺮوف ﻣﺼﺮﻳﺔ.ﻧﻈﺮت إﻟﻰ ﻋﯿﻨﻲ ﻓﻲ ﺟﺮأة أرﺑﻜﺘﻨﻲ أﻛﺜﺮ وﻗﺎﻟﺖ: أأﻧﺖ ﻣﺼﺮي؟!ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أﺣﯿﺪ ﺑﺒﺼﺮي ﻋﻨﮫﺎ: أﻣﻲ ﻣﺼﺮﻳﺔ ..ﺗﺤﻮﻟﺖ ﻧﻈﺮﺗﮫﺎ اﻟﺠﺮﻳﺌﺔ إﻟﻰ ﻧﻈﺮة إﻋﺠﺎب ،زاد ﻣﻦ ارﺗﺒﺎﻛﻲ.ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ: ھﺬا راﺋﻊ!ﺖ ﻣﺤﻈﻮظﺔ ﻳﺎ ﺣﯿﻦ رأﻳﺘﻚ ﺗﺪﺧﻞ ﻋﻠﯿﻨﺎ أول ﻣﺮة ،أدرﻛﺖ أﻧﻚ ﻣﺨﺘﻠﻒ ،ﻛﻢ أﻧ ِ )أروى( ﻷﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﺘﺰوﺟﻲ ﻣﻦ ھﺬه اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﺒﺎﺋﺴﺔ. ﻗﻤﺖ واﻗًﻔﺎ ،ﺗﻈﺎھﺮت ﺑﻄﻲ اﻷوراق وأﻧﺎ أﻧﻈﺮ إﻟﯿﮫﺎ ﺑﻄﺮف ﻋﯿﻨﻲ ﺛﻢ ﻗﻠﺖ: أﺷﻜﺮك.وھﻤﻤﺖ أن أﻧﺼﺮف. ﻓﻨﺎدت ﻋﻠ ﱠ ﻲ ﻗﺎﺋﻠﺔ: -أﻻ ﺗﺤﺐ اﻟﻠﮫﻮ ﻳﺎ …؟! ﻣﺎ اﺳﻤﻚ؟ اﻟﺘﻔ ﱡ ﺖ إﻟﯿﮫﺎ وﻗﻠﺖ: )ﺷﻤﻌﻮن(!وﺣﯿﻨﮫﺎ وﻗﻊ ﺑﺼﺮي ﻋﻠﯿﮫﺎ ﺑﺎﻟﺘﻔﺼﯿﻞ ﻷول ﻣﺮة ،ﻛﺎﻧﺖ ﺑﯿﻀﺎء ﻣﻤﺘﻠﺌﺔ اﻟﻮﺟﻪ واﻟﺸﻔﺘﯿﻦ ،ﻛﺤﯿﻠﺔ اﻟﻌﯿﻦ وطﻮﻳﻠﺔ اﻷھﺪاب ،ﺗﺠﺪل ﺷﻌﺮھﺎ ﻓﻲ ﺿﻔﯿﺮﺗﯿﻦ أرﺧﺘﮫﻤﺎ أﻣﺎم ﻛﺘﻔﯿﮫﺎ ﻓﻮﺻﻠﺘﺎ ﻷﺳﻔﻞ ﺻﺪرھﺎ ،وﺗﺮﺗﺪي ﺛﻮﺑًﺎ ﻓﻀﻔﺎ ً ﺿﺎ طﻮﻳًﻼ ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻧﺤﺮھﺎ وأﻋﻠﻰ اﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑﯿﻦ ﻧﮫﺪﻳﮫﺎ. ﻗﻠﺖ وﻗﺪ ارﺗﺒﻜﺖ وﺗﻌﱠﺮق ﺟﺒﯿﻨﻲ: ﻣﺎذا ﺗﻘﺼﺪﻳﻦ؟ﻗﺎﻟﺖ: ﻳﺨﺮج اﻟﺸﺒﺎب إﻟﻰ )اﻟﺪﻛﺔ( ﻓﯿﺴﺘﻤﺘﻌﻮن ﺑﺎﻟﺸﺮاب وﻏﻨﺎء اﻹﻣﺎء ورﻗﺺاﻟﺠﻮاري. ﺗﻌﺠﺒﺖ ﻣﻦ أن ﺗﺄﺗﻲ اﻣﺮأة ُ ﺣﱠﺮة ﺑﻔﻌﻞ ﻛﮫﺬا ،ﻓﻘﻠﺖ ﻟﮫﺎ ﻣﺴﺘﻨﻜًﺮا: ﺖ ﺑﺠﺎرﻳﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﻔﻌﻠﻲ ذﻟﻚ! وﻟﻜﻨﻚ ﻟﺴ ِﺿﺤﻜﺖ ﺿﺤﻜﺔ ﻗﺼﯿﺮة ﺷﻌﺮت ﺑﻤﺮارﺗﮫﺎ وﻗﺎﻟﺖ: اﻟﯿﺘﺎﻣﻰ أﺣﻂ ﱡ ﻗﺪًرا ﻣﻦ اﻟﺠﻮاري ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(.ﺛﻢ أردﻓﺖ ﻓﻲ ﻣﺮارة أﻛﺜﺮ ﻗﺎﺋﻠﺔ: اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﻟﮫﺎ ﺳﯿﺪ ُﻳﻨﻔﻖ ﻋﻠﯿﮫﺎ ،وﻗﺪ ﻳﻌﺘﻘﮫﺎ ﺳﯿﺪھﺎ ﻓﺘﺘﺰوج ﻣﻦ ﻋﺒﺪ ﻣﺜﻠﮫﺎ ،أوﻳﻨﺠﺐ ﻣﻨﮫﺎ ﻓﺘﺼﯿﺮ أم وﻟﺪ وﺗﻔﺘﺢ ﻟﮫﺎ أﺑﻮاب اﻟﺠﻨﺎن ،أﻣﺎ اﻟﯿﺘﯿﻤﺔ ﻓﻼ ھﻲ ﺣﺮة وﻻ ھﻲ ﻋﺒﺪة! ﻻ ﻳﺮﻏﺐ ﻓﯿﮫﺎ أﺣﺪ ،وﻻ ﺳﺒﯿﻞ ﻟﮫﺎ ﻛﻲ ﺗﻌﯿﺶ ﺳﻮى أن ﺗﺘﺴﻮل اﻟﻨﺎس ،أو أن ﺗﻌﺎﺷﺮ اﻟﺮﺟﺎل ﺗﺤﺖ اﻟﺮاﻳﺎت اﻟﺤﻤﺮ! أﻟ ﱠ ﺢ ﻋﻠ ﱠ ﻲ ﺳﺆال ﺷﻌﺮت ﺑﻮﻗﺎﺣﺘﻪ ﺑﻌﺪ أن ﺳﺄﻟﺘﻪ وﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ: وأﻧﺖ ﺑﺄي طﺮﻳﻖ ﺗﻌﯿﺸﯿﻦ؟!ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﻔﺨﺮ وﻗﻠﯿﻞ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺪي ردا ﻋﻠﻰ وﻗﺎﺣﺘﻲ: أﻏﻨﺎﻧﻲ اﻟﻐﻨﺎء ﻋﻦ ذل اﻟﺴﺆال وﻋﺎر اﻟﺰﻧﺎ!ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ وﻗﺪ اﻧﻔﺘﺢ ﻗﻠﺒﮫﺎ وﺗﻄﺎﻳﺮت ﻣﻨﻪ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت: أﺗﺪري؟ﻟﻌﻠﻲ ﻛﺮھ ُ ﺖ ﺧﺎﻟﺘﻲ ﺣﯿﻦ اﻧﺘﺰﻋﺘﻨﻲ ﻣﻦ دار اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ(! وﻟﻜﻨﻲ اﻵن أﺗﺬﻛﺮھﺎ ﺑﻜﻞ ﺧﯿﺮ ،وأدﻳﻦ ﻟﮫﺎ ﺑﺎﻟﻔﻀﻞ أن ﻋﻠﻤﺘﻨﻲ اﻟﻐﻨﺎء. أﺣﯿﺎﻧًﺎ أﺗﻔﻜﺮ ﻛﯿﻒ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن ﺣﺎﻟﻲ ﻟﻮ ﺑﻘﯿﺖ ﻓﻲ دار اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﺣﺘﻰ اﻵن؟ أﻓﻀﻞ اﻟﻈﻦ أﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﺳﺄﻛﺒﺮ وأﺻﯿﺮ ﺧﺎدﻣﺔ ،ﻣﺜﻠﻲ ﻣﺜﻞ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ،ﻻ زوج وﻻ اﺑﻦ وﻻ ﻣﺎل ،أﻋﻤﻞ ﻳﻮﻣﯿﺎ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﻄﻌﺎم ﻣﺜﻠﻲ ﻣﺜﻞ اﻟﺒﻌﯿﺮ ﻓﻲ ﻣﺮﺑﻂ اﻟﺪواب! أﺗﻌﻠﻢ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(؟ أﻧﺎ اﻵن ُ ﺣﱠﺮة! ﺑﻞ أﻛﺜﺮ ﺣﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﺣﺮاﺋﺮ ﺗﻄﻮي ﻣﺨﺎدﻋﮫﻦ أﻧﱠﺎت ُذﻟِ ّﮫﻦ. ﻗﻠﺖ وﻗﺪ ﻻﻧﺖ ﻛﻠﻤﺎﺗﻲ أﻣﺎم ﻣﻨﻄﻘﮫﺎ وﺷﻌﺮت ﺑﻤﺰﻳﺞ ﻣﻦ اﻟﺸﻔﻘﺔ ﻋﻠﯿﮫﺎ واﻹﻋﺠﺎب ﺑﮫﺎ: أﻻ ﺗﻜﺮھﯿﻦ اﻟﻐﻨﺎء ﺑﯿﻦ اﻟﺴﻜﺎرى؟!ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺻﺪق: أﺑﻐﻀﻪ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻻ أظﮫﺮ ﻋﻠﯿﮫﻢ إﻻ ﺣﯿﻦ ﻳﺴﺘﺒﺪ ﺑﮫﻢ اﻟ ﱡﺴﻜﺮ! ﺣﯿﻨﮫﺎ أﺑﺪأ ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء ﻣﻦ وراء ﺣﺠﺎب! أﺷﻌﺮ ﺣﯿﻨﮫﺎ ﺑﺄﻧﻲ أﻏﻨﻲ ﻟﻨﻔﺴﻲ وﻟﯿﺲ ﻟﮫﻢ ،ﻻ أظﻦ أن أﺣًﺪا ﻣﻨﮫﻢ ﻳﻌﺮف ﺷﻜﻠﻲ ،وأﻧﺎ أﻳ ً ﻀﺎ ﻻ أﻋﺮف أﻳﺎ ﻣﻨﮫﻢ ﻓﺄﻧﺎ ﻻ أﻧﻈﺮ إﻟﯿﮫﻢ ،ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﻨﯿﻨﻲ ﺑﻌﺪ أن أﻓﺮغ ﻣﻦ ﻏﻨﺎﺋﻲ ھﻮ ﺗﻠﻚ اﻟﺪراھﻢ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻄﯿﻨﻲ إﻳﺎھﺎ أﺻﺤﺎب اﻟﺪﻛﺔ. ﺻﻤﺘﺖ ،ﻓﺠﻤﻌﻨﺎ اﻟﺼﻤﺖ ﻟﺤﻈﺎت وﻟﻢ أﺟﺪ ﻣﺎ أﻗﻮﻟﻪ ،ﻓﺘﻨﮫﺪت ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ: ﻻ أدري ﻟﻤﺎذا ﺗﺤﺪﺛﺖ إﻟﯿﻚ أﻳﮫﺎ اﻟﻤﺼﺮي!ﺛﻢ ﺿﺤﻜﺖ وﻗﺎﻟﺖ: وﻟﻜﻨﻲ ﺳﻌﯿﺪة ﺑﺬﻟﻚ ،وﻻ زﻟ ُﺖ أﻏﺒﻂ )أروى( ﻋﻠﻰ ﺣﻈﮫﺎ! أﻟﯿﺲ ﻟﻚ إﺧﻮة؟! ﺿﺤﻜﺖ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻻ.ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﺴﺘﺪﻳﺮ ﻣﻨﺼﺮﻓﺔ: أﻋﻠﻢ ﺣﻈﻲ!دﻋﻨﻲ اﻵن ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻀﯿﻊ ﻋﻠ ﱠ ﻲ دراھﻢ اﻟﻠﯿﻠﺔ! ﻛﺪ ُ ت أﻧﺼﺮف وﻟﻜﻦ ﺧﻄﺮت ﻟﻲ ﺧﺎطﺮة ﻓﻨﺎدﻳﺘﮫﺎ وﻗﻠﺖ: اﻧﺘﻈﺮي!ﻓﺎﻟﺘﻔﺘﺖ وﻋﺎدت ﺗﻨﻈﺮ إﻟ ﱠ ﻲ ﻣﺴﺘﻔﺴﺮة. ﻓﻘﻠﺖ: ھﻼ اﻣﺘﻨﻌﺖ ﻋﻦ اﻟﺬھﺎب إﻟﻰ اﻟﺪﻛﺔ اﻟﻠﯿﻠﺔ ،وأﻋﻄﯿﺘﻚ ﺑﻌﺾ اﻟﺪراھﻢ؟!ﻗﻄﺒﺖ ﺣﺎﺟﺒﯿﮫﺎ وﻗﺎﻟﺖ: ﻟﻤﺎذا؟ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ: أرﻳﺪك أن ﺗﻐﻨﻲ لـ)أروى( ﻓﮫﻲ ﺣﺰﻳﻨﺔ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء.اﻧﻔﺮج ﻓﻤﮫﺎ ﻋﻦ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ واﺳﻌﺔ وﻗﺎﻟﺖ: ﺣﻘﺎ!ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ: ﻧﻌﻢ ،وھﺎك اﻷﻏﻨﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺘﻐﻨﯿﮫﺎ ..ﺛﻢ أﻣﻠﯿﺖ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﻛﻠﻤﺎت اﻷﻏﻨﯿﺔ اﻟﺘﻲﻛﻨﺖ أﺳﻤﻌﮫﺎ ﻣﻦ )رام( ﻓﻲ »ﻗﺎدش ﺑﺮﻧﯿﻊ«. وأﺿﻔﺖ إﻟﯿﮫﺎ اﺳﻢ )أروى( وﻗﻠﺖ: أﺗﻌﺮﻓﯿﻦ َﻣ ْ ﺖ ﻳﺎ )أروى(؟ ﻦ أﻧ ِ ﻦ اﻷ ﱠ ﺖ َﻛﺎﻟ ﱠ ﺔ ﻓﻲ اﻟ ُ ك َﻛﺬﻟِ َ ﻦ ﺣﯿﻦ ﺗﻨُﺜﺮ ﻋﺒﯿﺮھﺎ ﺑَْﯿ َ ﺴْﻮ َ ﻚ أﻧﺖ ﻳﺎ ﺷﻮا ِ ﺳَﻨ ِ أﻧ ِ ﺤﺴ ِ ُ ﺻﻐﯿﺮﺗﻲ ﺗَﻨﺜﺮﻳﻦ ﻋﺒﯿَﺮك ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ ﻓﺘﻐﯿ ُ ﺐ ﻋﻦ ﻗﻠﺒﻲ اﻟﻨِّﺴﺎء وﺟﺪت ﻋﯿﻮن اﻟﻔﺘﺎة ﺗﺒﺮق ﺛﻢ ﺗﻄﻔﺮ ﺑﮫﺎ اﻟﺪﻣﻮع ،ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﺸﮫﻖ وﺗﻀﻊ ﻛﻔﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﮫﺎ: ﻣﺎ أرق ھﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت وﻣﺎ أﻋﺬﺑﮫﺎ أﻳﮫﺎ اﻟﺸﺎب!ﻛﻢ أﻧﺖ ﺣﻨﻮن ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(! ﺳ ﱠ ﺛﻢ ﻣﺴﺤﺖ دﻣﻮﻋﮫﺎ اﻟﺘﻲ َ ﺤﺖ ﻋﻠﻰ وﺟﻨﺘﯿﮫﺎ وأﻧﻔﮫﺎ اﻟﺘﻲ ﺳﺎﻟﺖ ،وﻗﺎﻟﺖ: ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻲ ﺑﺪراھﻤﻚ ،ﺳﺂﺗﻲ ﺑﺎﻟﻤﻌﺎزف وﻓﺘﺎﺗﯿﻦ ﻣﻦ ﺻﺪﻳﻘﺎﺗﻲ ،اﺗﺮك ﻟﻨﺎ ﺑﺎباﻟﺪار ﻣﻔﺘﻮ ً ﺣﺎ. ﺛﻢ اﺳﺘﺪارت وھ ﱠ ﻤﺖ ﺑﺎﻻﻧﺼﺮاف ﻓﻘﻠﺖ ﻟﮫﺎ: أﺷﻜﺮك ﻳﺎ… ﻣﺎ اﺳﻤﻚ؟ﻧﻈﺮت إﻟ ﱠ ﻲ وﻗﺎﻟﺖ: اﺳﻤﻲ )ھﻮى(!ﻓﺎﺑﺘﺴﻤﺖ ،وأدرﻛﺖ أ ﱠ ن ﻟﻜﻞ اﻣﺮئ ﻣﻦ اﺳﻤﻪ ﻧﺼﯿﺒًﺎ! ∞∞∞∞∞ دﺧﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﺪار ،ﻓﻮﺟﺪت )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﺗﻐﻂ ﻓﻲ ﻧﻮﻣﮫﺎ ﻓﻲ ﺣﺠﺮﺗﮫﺎ ،ورأﻳﺖ ﻧﻮر اﻟﻘﻨﺪﻳﻞ ﻳﻄﻔﺄ ﻓﻲ ﺣﺠﺮة )أروى( ،وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﺨﺒﺮﻧﻲ ﺑﺄﻧﮫﺎ ﺳﺘﺨﻠﺪ إﻟﻰ اﻟﻨﻮم ،ﻟﻢ أﻓﺘﺢ ﺑﺎب ﺣﺠﺮﺗﮫﺎ ﻛﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﻓﻌﻞ ﻛﻞ ﻳﻮم ،دﺧﻠﺖ إﻟﻰ ﺣﺠﺮﺗﻲ ﻓﺄﺷﻌﻠﺖ ﻓﺘﯿﻞ اﻟﻘﻨﺪﻳﻞ ،وﺗﺮﻛﺖ ﺑﺎﺑﮫﺎ ﻣﻔﺘﻮ ً ﺣﺎ ،ﺟﻠﺴﺖ أﺗﻔﻜﺮ ﻓﯿﻤﺎ دار ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻦ )ھﻮى( وأﺗﻌﺠﺐ ،ھﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺘﻲ رأﻳﺘﮫﺎ ﻣﻨﺬ ﻳﻮﻣﯿﻦ وﻟﻢ أﺷﻌﺮ ﺗﺠﺎھﮫﺎ ﺑﺎﻟﻮد ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﺣﻜﺘﻪ ﻟﻲ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ،اﻵن أﺷﻌﺮ ﺗﺠﺎھﮫﺎ ﺑﺎﻟﺸﻔﻘﺔ وأرى ﻓﯿﮫﺎ ﻗﻠﺒًﺎ ﻳﻨﺒﺾ ﺑﺎﻟﺘﻔﺎﺻﯿﻞ ،ﻟﻜﻞ إﻧﺴﺎن ﺣﻜﺎﻳﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﯿﻊ أﺣﺪ أن ﻳﺮوﻳﮫﺎ ﻋﻨﻪ. ﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ﺗﺴﻠﻠﺖ )ھﻮى( ﻣﻦ اﻟﺒﺎب وﻣﻌﮫﺎ اﻟﻔﺘﺎﺗﺎن ،ﺗﺤﻤﻞ إﺣﺪاھﻤﺎ ﻋﻮًدا ﻣﺰھًﺮا وﺗﺤﻤﻞ اﻷﺧﺮى ﺻﻨ ً ﺠﺎ ﻧﺤﺎﺳﯿﺎ ،ﺟﻠﺴﻦ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻣﺘﻘﺎﺑﻼت ،وﺟﻠﺴﺖ أﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻷرﻳﻜﺔ ،أﻣﻠﯿﺖ ﻋﻠﯿﮫﺎ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻣﺮة أﺧﺮى ﻓﺤﻔﻈﺘﮫﺎ ،أﺷﺎرت إﻟﻰ إﺣﺪى اﻟﻔﺘﺎﺗﯿﻦ ﻓﺪاﻋﺒﺖ أﻧﺎﻣﻠﮫﺎ اﻟﻌﻮد ،ﺛﻢ أﺷﺎرت إﻟﻰ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻓﻨﻘﺮت ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻨﺞ ،وﻛﺄﻧﮫﻦ ﻗﺪ اﺗﻔﻘﻦ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ُﻣﺴﺒًﻘﺎ ..ﺗﻨﺎﻏﻤﺖ اﻷﻟﺤﺎن وﻣﻸت اﻟﺒﯿﺖ ﺑﺮﻧﯿﻨﮫﺎ وأﻳﻘﻈﺖ اﻟﺒﮫﺠﺔ ﻓﻲ اﻟﺪار ،ﺧﺮﺟﺖ )أروى( ﻣﻦ ﺑﺎب ﺣﺠﺮﺗﮫﺎ ،ﻓﻔﻮﺟﺌﺖ ﺑﻨﺎ ،ووﻗﻔﺖ ﻣﻨﺪھﺸﺔ ﺧﺠﻠﻰ أﻣﺎم اﻟﺒﺎب ،ﺣﯿﻨﺌٍﺬ ﺧﺮج ﺻﻮت )ھﻮى( ﺷﺠﯿﺎ ﻗﻮﻳﺎ، ﻳﻄﺮق اﻟﻘﻠﺐ وﻳﻌﺼﻒ ﺑﺎﻟﺮوح ﺷﺠًﻨﺎ ،وﺣﯿﻦ ﻗﺎﻟﺖ: َﻣﺎ أَ ْ ﻞ َ ﻤ َ ﺟ َ ﻚ ﺑﺎﻟﺠﻮاھﺮ! ﺧﱠﺪْﻳ ِ ﻚ ﺑِﺎﻟَﻘﻼﺋِﺪ! َوُﻋُﻨﻘ ِ أﺷﺎرت إﻟﻰ )أروى( ﺑﺈﺻﺒﻌﮫﺎ ﻓﻲ دﻻل ،ﺛﻢ ﻗﺎﻣﺖ ﻣﻦ ﺟﻠﺴﺘﮫﺎ وأﻣﺴﻜﺖ ﺑﯿﺪھﺎ وأﺟﻠﺴﺘﮫﺎ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻲ وﻗﺎﻟﺖ: »أﺗﻌﺮﻓﯿﻦ ﻣﻦ أﻧﺖ ﻳﺎ )أروى(؟ ﻦ اﻷ ﱠ أﻧﺖ َﻛﺎﻟ ﱠ ﺔ ﻓﻲ اﻟ ُ ك َﻛﺬﻟِ َ ﻦ ﺣﯿﻦ ﺗﻨﺜﺮ ﻋﺒﯿﺮھﺎ ﺑَْﯿ َ ﺴْﻮ َ ﻚ أﻧﺖ ﻳﺎ ﺷﻮا ِ ﺳَﻨ ِ ﺤﺴ ِ ﺻﻐﯿﺮﺗﻲ ﺗﻨﺜﺮﻳﻦ ﻋﺒﯿﺮك ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ ﻓﺘﻐﯿﺐ ﻋﻦ ﻗﻠﺒﻲ اﻟﻨﺴﺎء«. ﺑﻜﺖ )أروى( وھﻲ ﺗﺤﺘﻀﻦ ﺻﺪﻳﻘﺘﮫﺎ ،وﺗﻮﻗﻔﺖ اﻟﻤﻌﺎزف و)أروى( ﻻ ﺗﺘﻤﺎﻟﻚ ﻧﻔﺴﮫﺎ ،ﻗﺎﻟﺖ ﺑﺎﻛﯿﺔ: ﻛﻢ أﺣﺒﻚ ﻳﺎ )ھﻮى(!ﺿﻤﺘﮫﺎ )ھﻮى( وﻗﺎﻟﺖ: وﻛﻢ ﻳﺤﺒﻚ ھﺬا اﻟﺸﺎب.ﻲ )أروى( وھﻲ ﺗﻨﻈﺮ إﻟ ﱠ اﻟﺘﻔﺘﺖ إﻟ ﱠ ﻲ ﻧﻈﺮة ﺟﻤﻌﺖ ﻛﻞ اﻟﺤﺐ واﻻﻋﺘﺬار ،وﺧﺮﺟﺖ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ،ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﺗﺘﺜﺎءب ،ﻓﺎﻧﺪھﺸﺖ وﻗﺎﻟﺖ: ﻣﺎ ھﺬه اﻟﺠﻠﺒﺔ؟!ﺿﺤﻜﺖ )ھﻮى( وﻗﺎﻟﺖ: ﻻ ﺷﻲء ﻳﺎ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ،أﻛﻤﻠﻲ ﻧﻮﻣﻚ ،وﻟﻜﻦ أﻓﺴﺤﻲ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻟﻠﻔﺘﺎﺗﯿﻦ ﻓﻲﺣﺠﺮﺗﻚ وﺳﺄﺑﯿﺖ أﻧﺎ ﻣﻊ )أروى( ﻓﻲ ﺣﺠﺮﺗﮫﺎ! وﺣﯿﻦ اﻗﺘﺮب اﻟﻠﯿﻞ ﻣﻦ ﻣﻨﺘﺼﻔﻪ ﺳﻤﻌﺖ طﺮًﻗﺎ ﺧﻔﯿًﻔﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﺎب ﺣﺠﺮﺗﻲ ،ﻓﺘﺤﺖ اﻟﺒﺎب ﻓﺪﻟﻔﺖ ﻣﻨﻪ )أروى( ﻣﺴﺮﻋًﺔ وأﻟﻘﺖ ﻧﻔﺴﮫﺎ ﻓﻲ ﺣﻀﻨﻲ ،أﻏﻠﻘﺖ اﻟﺒﺎب وﺿﻤﻤﺘﮫﺎ إﻟﻰ ﺻﺪري ﻓﻲ ﻗﻮة رﻏﻢ ﺑﻄﻨﮫﺎ اﻟﻤﻨﺘﻔﺨﺔ ،ﻣﻸ ﻋﺒﯿﺮ ﻋﻄﺮھﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪ أﻧﻔﻲ ﻓﺄﻳﻘﻆ ﻛﻞ ﺣﻮاﺳﻲ ،ﻗﺒﱠﻠﺘﮫﺎ ﻓﻲ ﺷﻮق ،وﺣﻤﻠﺘﮫﺎ إﻟﻰ ﻓﺮاﺷﻨﺎ وﻗﻀﯿﻨﺎ ﻟﯿﻠﺔ ذﱠﻛﺮﺗﻨﻲ ﺑﻠﯿﺎﻟﯿﻨﺎ اﻟﺨﺎﻟﯿﺔ. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ الـﺧﻤﺴﻮن واﺳﺘﯿﻘﻈﺖ ذات ﺻﺒﺎح ﻋﻠﻰ )أروى( وھﻲ ﺗﺘﺄﻟﻢ وﻛﺄﻧﻤﺎ أطﺒﻖ ﻋﻠﻰ ﺑﻄﻨﮫﺎ ﻣﺎرد ،دﻓﻌﺘﻨﻲ ﺑﯿﺪھﺎ ﻓﺎﺳﺘﯿﻘﻈﺖ ﻓﺰًﻋﺎ ،رأﻳﺖ وﺟﮫﮫﺎ ﻣﻤﺘﻘًﻌﺎ ،وھﻲ ﺗﺤﯿﻂ ﺑﻄﻨﮫﺎ ﺑﯿﺪﻳﮫﺎ وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗﺮﺟﻮھﺎ أﻻ ﺗﻨﺸﻖ ،ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ إﻋﯿﺎء: ﻗﺪ ﺟﺎءﻧﻲ اﻟﻤﺨﺎض ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(.ھﺮوﻟﺖ إﻟﻰ ﺣﺠﺮة )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﻓﺄﻳﻘﻈﺘﮫﺎ واﺳﺘﯿﻘﻈﺖ ﻣﻌﮫﺎ )ھﻮى(. أﺧﺒﺮﺗﮫﺎ ﺑﺤﺎل )أروى( ﻓﺄﻣﺮﺗﻨﻲ ﺑﺄن أﺿﻊ ﺟﻮﻟًﻘﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺶ ﻓﻲ اﻟﻔﻨﺎء اﻟﺨﻠﻔﻲ ﻟﻠﺪار وأن أﺣﻀﺮ ﻟﮫﺎ ﺻﻨﺪوًﻗﺎ ﻣﻦ ﺻﻨﺎدﻳﻘﻲ اﻟﺨﺸﺒﯿﺔ ،ﺛﻢ أﻣﺮت )ھﻮى( ﺑﺄن ﺗﺬھﺐ إﻟﻰ دار )ﻣﯿﻤﻮﻧﺔ( ﻗﺎﺑﻠﺔ اﻟﺤﻲ وأﻛﺪت ﻋﻠﯿﮫﺎ أن ﺗﺄﺗﻲ ﺑﮫﺎ وأﻻ ﺗﺘﺮﻛﮫﺎ دون أن ﺗﺼﺤﺒﮫﺎ إﻟﻰ اﻟﺪار. ﻟﻢ أﺟﺪ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﺶ ،ﻓﻤﻸت اﻟﺠﻮﻟﻖ ﺑُﻜﺸﺎط اﻟﺨﺸﺐ ﻣﻦ ﻋﺮﻳﺶ اﻟﻨﺠﺎرة، ﺛﻢ أﺧﺬت ﺻﻨﺪوًﻗﺎ وﺿﻌﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻔﻨﺎء ،رأﻳﺘﮫﺎ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﺴﺘﻨﺪة إﻟﻰ ﻛﺘﻒ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﺑﯿﺪ ،وﺗﺴﻨﺪ ﺑﻄﻨﮫﺎ ﺑﯿﺪھﺎ اﻷﺧﺮى وھﻲ ﺗﻌﺾ ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺘﯿﮫﺎ ﻣﻦ اﻷﻟﻢ، ﻓﺠﺄة ﺳﺎل ﻣﻨﮫﺎ اﻟﻤﺎء ﻓﺼﺮﺧﺖ ﻓﺰﻋﺔ وﻣﺘﺄﻟﻤﺔ ،طﻤﺄﻧﺘﮫﺎ )أم اﻟﺴﻌﺪ( وﻗﺎﻟﺖ ﺑﻔﺮح: ﻗﺪ ﺟﺎءت اﻟﺒﺸﺮى ،ﻓﺘﻤﺎﺳﻜﻲ ﺣﺘﻰ ﻳﺄﺗﻲ اﻟﺒﺸﯿﺮ!أﺟﻠ َ ﺴْﺘﮫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻨﺪوق ،ﺛﻢ طﻠﺒﺖ ﻣﻨﻲ أن أﺣﻀﺮ ﻟﮫﺎ ﺣﺠﺮﻳﻦ أﻣﻠﺴﯿﻦ، ﺗﻨﺎوﻟﺖ اﻟﺤﺠﺮﻳﻦ ﻓﻮﺿﻌﺘﮫﻤﺎ ﻣﺘﺒﺎﻋﺪﻳﻦ أﺳﻔﻞ اﻟﺼﻨﺪوق ﺛﻢ ﻓﺮﺟﺖ ﺑﯿﻦ ﺳﺎﻗﻲ )أروى( ووﺿﻌﺖ ﻗﺪًﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺠﺮ ،ﺛﻢ أﻣﺴﻜﺖ ﺑﺠﻮﻟﻖ اﻟﻘﺶ ﻓﺄﻓﺮﻏﺘﻪ ﺑﯿﻦ اﻟﺤﺠﺮﻳﻦ أﺳﻔﻞ )أروى( وﺳﻮت اﻟﻘﺶ ﺑﯿﺪﻳﮫﺎ ..ﻛﻨﺖ ﻻ أﻓﮫﻢ ﻣﺎ ﺗﻔﻌﻠﻪ ،وﻟﻜﻨﻲ وﺛﻘﺖ ﺑﮫﺎ وﻗﺪ ﺷﻌﺮت ﺑﺄﻧﮫﺎ ﺗﻌﻲ ﻣﺎ ﺗﻔﻌﻞ ،وﺧﻄﺮ ﻟﻲ أﻧﮫﺎ ﻻ ﺑﺪ وﻗﺪ ﻣﺎرﺳﺖ اﻟﻘﺒﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﺮات وﻣﺮات. ﺣﯿﻦ رأﺗﻨﻲ أﻗﻒ ﻣﺬھﻮًﻻ ،ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻲ: ت. اذھﺐ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ﻓﻼ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻚ أن ﺗﻄﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ھﻮ آ ٍاﻧﺼﺮﻓﺖ ﻣﻦ ﻓﻮري ،ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻋﻠﺖ ﺻﺮﺧﺎت )أروى( اﻟﻤﺘﺄﻟﻤﺔ ،ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ اﻟﻔﻨﺎء ،ﻓﺮأﻳﺖ اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ )ﻣﯿﻤﻮﻧﺔ( ﺗﮫﺮول ﺧﻠﻒ )ھﻮى( ﺗﻜﺎد ﺗﺘﻌﺜﺮ ﻓﻲ ﺟﻠﺒﺎﺑﮫﺎ، وھﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﻳﺪھﺎ ﺳﻜﯿًﻨﺎ وﻗﻤﺎطًﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش ..ﻓﺎرﺗﺠﻔﺖ ﻣﻤﺎ ﺳﯿﻔﻌﻠﻨﻪ ﺑﮫﺎ ووﻗﻔﺖ ﻏﯿﺮ ﺑﻌﯿﺪ أﺳﺘﻤﻊ إﻟﻰ ﺻﺮﺧﺎت )أروى( اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺰﻗﺖ ﻣﻌﮫﺎ أﺣﺸﺎﺋﻲ، ﺗﺨﯿﻠﺖ اﻧﻔﺼﺎل اﻟﺠﻨﯿﻦ ﻋﻦ ﺟﺴﺪھﺎ ﻛﺜﻤﺮة ﺗﻨﺸﻖ إﻟﻰ ﻧﺼﻔﯿﻦ ﺑﺴﻜﯿﻦ اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ )ﻣﯿﻤﻮﻧﺔ( ،أي أﻟﻢ ھﺬا اﻟﺬي ﺗﺘﺤﻤﻠﻪ اﻟﻤﺮأة ﻛﻲ ﺗﮫﺐ اﻟﺤﯿﺎة إﻟﻰ ﺟﻨﯿﻨﮫﺎ؟! وأي ﻣﻌﺎﻧﺎة ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪأ ﺑﮫﺎ ﺣﯿﺎة اﻹﻧﺴﺎن؟! رﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺸﺎرﻛﺔ اﻷﻟﻢ ﺑﯿﻦ اﻷم ووﻟﯿﺪھﺎ ھﻲ اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ارﺗﺒﺎط روﺣﯿﮫﻤﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،ﻓﻼ ﺷﻲء ُﻳﻘ ِﺮّب اﻟﻨﻔﻮس أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺸﺎرﻛﺔ اﻷﻟﻢ. ﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺎت ﻛﱠﻔﺖ )أروى( ﻋﻦ اﻟﺼﺮاخ ،وﺑﺪأت ﺻﺮﺧﺎت اﻟﻄﻔﻞ ،ﻛﻼھﻤﺎ ﺻﺮاخ وﻟﻜﻦ ﺷﺘﺎن ﺑﯿﻦ ﺻﺮاخ )أروى( اﻟﺬي ﻳﻔﻄﺮ اﻟﻘﻠﺐ ،وﺻﺮاخ اﻟﻄﻔﻞ اﻟﺬي ُﻳﻠ ْ ﻤﻠﻢ اﻟﺮوح ،وﻳﺒﮫﺞ اﻟﻨﻔﺲ ،وﻳﻘﺮع اﻷذن ﻛﻨﻐﻤﺎت )ھﻮى( وﺻﺪﻳﻘﺎﺗﮫﺎ! ﻧﺎدت ﻋﻠ ﱠ ﻲ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ،ﻓﮫﺮوﻟﺖ إﻟﯿﮫﺎ ،رأﻳﺖ )أروى( ﺟﺎﻟﺴًﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻨﺪوق، ﺗﻨﻈﺮ إﻟ ﱠ ﻲ ﻓﻲ ﺳﻌﺎدة ،رﻏﻢ إﻋﯿﺎﺋﮫﺎ اﻟﺸﺪﻳﺪ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ )ﻣﯿﻤﻮﻧﺔ( اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﺗﻘﻤﻂ اﻟﻄﻔﻞ ﺑﻠﻔﺎﺋﻒ اﻟﻘﻤﺎش و)ھﻮى( ﺗﮫﯿﻢ ﺑﺒﺼﺮھﺎ ﻓﻲ وﺟﻪ اﻟﻄﻔﻞ اﻟﺬي ﻛ ﱠ ﻒ ﻋﻦ اﻟﺒﻜﺎء وﻗﺪ ﻟﻤﻌﺖ ﻋﯿﻨﺎھﺎ ﺑﻮھﺞ اﻷﻧﺜﻰ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺘﺎق إﻟﻰ اﻷﻣﻮﻣﺔ. ﻗﺎﻟﺖ )أم اﻟﺴﻌﺪ( وھﻲ ﺗﻨﻈﻒ ﻓﺨﺬي )أروى( اﻟﻠﺘﯿﻦ ﺗﻠﻄﺨﺘﺎ ﺑﺎﻟﺪﻣﺎء: ﻣﺒﺎرك ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!أﻧﺠﺒﺖ ﺳﯿﺪة اﻟﺒﻨﺎت ذﻛًﺮا! ﻧﻈﺮت إﻟﻰ اﻟﻄﻔﻞ اﻟﺬي ﺑﺎدﻟﻨﻲ اﻟﻨﻈﺮ ،دون أن أﻟﻤﺴﻪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ )ﻣﯿﻤﻮﻧﺔ(: ﺑﻮرك ھﺬا اﻟﻄﻔﻞ!ﻟﻢ أَر طﻔًﻼ ُﻳﻮﻟﺪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﻔﺘﻮح اﻟﻌﯿﻨﯿﻦ! ﻗﺎﻟﺖ )أم اﻟﺴﻌﺪ(: رزﻗﻪ ﷲ ﻋﯿﻨﻲ ﺟﺪه اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،ﻟﯿﺘﻪ ُﻳﺮزق ﺑﺼﯿﺮﺗﻪ.ﻗﺎﻟﺖ )ھﻮى(: ﺑﻤﺎذا ﺗﺴﻤﻮﻧﻪ؟أﻧﺎ أﺣﺐ اﺳﻢ )ﺟﻨﺪب(! ﺻﺮﺧﺖ ﻓﯿﮫﺎ )أم اﻟﺴﻌﺪ( وﻗﺎﻟﺖ: ﺧﯿﺒﺔ ﷲ ﻋﻠﯿﻚ ،ﺣﻔﯿﺪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻳﺴﻤﻰ ﺟﻨﺪﺑًﺎ؟!ﻛﻨﺖ أﻋﻠﻢ أن اﻟﺠﻨﺪب اﺳﻢ ﺣﺸﺮة ﺗﺸﺒﻪ اﻟﺠﺮادة وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أَرھﺎ. ﻗﻠﺖ ﺿﺎﺣ ً ﻜﺎ: ﻧﺘﺮك اﻻﺳﻢ ﻟﻚ ﻛﻲ ﺗﻄﻠﻘﯿﻪ ﻋﻠﻰ وﻟﺪك ﻳﺎ )أم ﺟﻨﺪب(!ﺿﺤﻜﻦ ،ﻓﻨﻈﺮت إﻟﻰ )أروى( وﻗﻠﺖ: -ﻧﺴﻤﯿﻪ )إﺑﺮام( ،ﺟﻤﻊ ﺟﺪﻧﺎ )إﺑﺮام( ﺑﯿﻦ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( و)ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ( ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وھﺎ ھﻮ وﻟﺪي ﻳﺠﻤﻊ ﺑﯿﻨﮫﻤﺎ اﻵن! ﻗﺎﻟﺖ )أم اﻟﺴﻌﺪ(: ﺑﻮرك اﻻﺳﻢ ﻳﺎ )أﺑﺎ إﺑﺮام(!وﺿﻌﺘﻪ ﻣﯿﻤﻮﻧﺔ ﺑﯿﻦ ﻳﺪي )أروى( وﻗﺎﻟﺖ: دﻋﯿﻪ ﻳﺸﺘ ّﻢ ﻋﺮﻗﻚ ﻟﯿﻌﺮﻓﻚ ،ﺛﻢ أﻟﻘﻤﯿﻪ ﺛﺪﻳﻚ ﺣﺘﻰ وإن ﻟﻢ ُﻳِﺪﱠر ﻟﺒًﻨﺎ ﻛﻲ ﻻ ﻳﺰھﺪ ﻓﻲ اﻟﺮﺿﺎع. ﺣﻤﻠﺘﻪ )أروى( وﺳﻌﺎدة وﺟﮫﮫﺎ ﺗﻤﺤﻮ ﻛﻞ أﺛﺮ ﻷﻟﻢ أو إﺟﮫﺎد ،ﻗﻠﺖ: وأﻧﺎ؟أﻟﻦ ﻳﺸﺘﻢ راﺋﺤﺘﻲ ﻟﯿﻌﺮﻓﻨﻲ؟! ﺿﺤﻜﺖ )أم اﻟﺴﻌﺪ( وﻗﺎﻟﺖ: ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻪ ﻓﯿﻚ ﻟﯿﻌﺮﻓﻚ ،اﻟﻮﻟﺪ ﻷﻣﻪ ٣٠ﺷﮫًﺮا.ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻲ آِﻣﺮًة: ھﯿﺎ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﺿﻊ اﻟﺨﻼص ﻓﻲ اﻟﺠﻮﻟﻖ ،وادﻓﻨﻪ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء وﺣﺬاِر أنﺗﺘﺒﻌﻚ اﻟﻜﻼب ،ﻓﻠﻮ أﻛﻠﺖ اﻟﻜﻼب اﻟﺨﻼص ﻟﻤﺎت اﻟﻮﻟﺪ. ﻟﻢ أﻓﮫﻢ ﻣﺎ ھﻮ اﻟﺨﻼص ،وﻻ ﻟﻤﺎذا ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ ھﻜﺬا وﻟﻜﻨﻲ ﺣﻤﻠﺖ ﺟﻮﻟﻖ اﻟﻘﺶ اﻟﺬي ﺗﻌﻄﻨﺖ راﺋﺤﺘﻪ ﺑﺎﻟﺪﻣﺎء اﻟ ُ ﻤﺨﱠﺜﺮة ﻋﻠﻰ ظﮫﺮي وأﻣﺴﻜﺖ ﻓﻲ ﻳﺪي ﻓﺄ ً ﺳﺎ، وﺧﺮﺟﺖ ﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﺼﺤﺮاء ،ﺣﻔﺮت ﺣﻔﺮة ﻋﻤﯿﻘﺔ ﺗﺄﻛﺪت ﻣﻦ أن اﻟﻜﻼب ﻟﻦ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ ﻧﺒﺸﮫﺎ ،وأﻟﻘﯿﺖ اﻟﺠﻮﻟﻖ ﺑﮫﺎ ،ﺛﻢ أھﻠﺖ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺘﺮاب ،أﺛﺎر اﻟﻤﺸﮫﺪ أﻓﻜﺎري وﺗﺬﻛﺮ ُ ت ﻳﻮم أھﻠﻨﺎ اﻟﺘﺮاب ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪ أﺑﻲ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ ،ﻧﺒﺪأ اﻟﺤﯿﺎة ﺑﺪﻓﻦ وﻧﻨﮫﯿﮫﺎ ﺑﺪﻓﻦ ،وﻛﺄﻧﻨﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻷرض أﺗﯿﻨﺎ وإﻟﯿﮫﺎ ﻧﻌﻮد! ﺣﯿﻦ ﻋﺪت إﻟﻰ اﻟﺒﯿﺖ وﺟﺪ ُ ت )أروى( ﻧﺎﺋﻤﺔ ﺗﺤﺘﻀﻦ اﻟﻄﻔﻞ اﻟﻨﺎﺋﻢ ﺑﯿﻨﻤﺎ وﻗﻔﺖ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﻓﻲ اﻟﻔﻨﺎء أﻣﺎم اﻟﻤﻮﻗﺪ ﺗﻌﺪ ﻟﮫﺎ ﻟﺤ ً ﻤﺎ وﻣﺮًﻗﺎ ﻛﻲ ﺗﺴﺘﻌﯿﺪ ﻗﻮﺗﮫﺎ ،أﻣﺎ )ھﻮى( ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ ﻋﺘﺒﺔ ﺣﺠﺮﺗﮫﺎ ﺗﺤﻚ ﻛﻌﺒﯿﮫﺎ ﺑﺤﺠﺮ ﻣﺒﺘﻞ وﻗﺪ وﺿﻌﺖ ﻗﺪﻣﯿﮫﺎ ﻓﻲ إﻧﺎء. ﻗﺎﻟﺖ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﺣﯿﻦ رأﺗﻨﻲ أدﺧﻞ إﻟﻰ ﺣﺠﺮة )أروى(: ﻻ ﺗﺪﺧﻞ ﻋﻠﯿﮫﺎ واﻋﺘﺰﻟﮫﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺒﺮأ ﻣﻦ ﻧِﻔﺎﺳﮫﺎ!ﻗﻠﺖ ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: -أﻋﺘﺰﻟﮫﺎ! ! إﻟﻰ ﻣﺘﻰ؟! ﻗﺎﻟﺖ: أرﺑﻌﯿﻦ ﻳﻮًﻣﺎ وﻟﯿﻠﺔ.ﻓﻐﺮت ﻓﺎھﻲ دھﺸﺔ وﻗﻠﺖ: أرﺑﻌﯿﻦ ﻳﻮًﻣﺎ وﻟﯿﻠﺔ؟!ﺗﻀﯿﻊ أﻳﺎم اﻟﻌﻤﺮ ﻣﺎ ﺑﯿﻦ ﺣﯿﺾ وﻧﻔﺎس! ! ﺿﺤﻜﺖ )ھﻮى( وﻗﺎﻟﺖ: ﺗﺰوج ﻋﻠﯿﮫﺎ أﺧﺮى!إن ﺣﺎﺿﺖ إﺣﺪاھﻤﺎ ،ﺑﺮﺋﺖ اﻷﺧﺮى! ﻧﮫﺮﺗﮫﺎ )أم اﻟﺴﻌﺪ( وﻗﺎﻟﺖ: وﻣﻦ أدراه أﻻ ﻳﻮاﻓﻖ ﻗﻤﺮ اﻷوﻟﻰ ﻗﻤﺮ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ!ﺿﺤﻜﺖ )ھﻮى( ﻣﺮة أﺧﺮى وﻗﺎﻟﺖ: إذن ﻓﻠﯿﺘﺰوج اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ!ﻗﺎﻟﺖ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ُﻣﺤ ِّ ﺬرة: ﻻ ﺗﻄﻌﮫﺎ!أﻣﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﻋﻦ اﻟﺬي ﻗﺎل ﻟﺼﺎﺣﺒﻪ أﺗﺰوج اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻓﺄﺻﯿﺮ ﺧﺮوًﻓﺎ ﻳﻨﻌﻢ ﺑﯿﻦ ﻧﻌﺠﺘﯿﻦ ،ﻓﻠﻤﺎ رآه ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺳﺄﻟﻪ: ﻛﯿﻒ ﺣﺎﻟﻚ ﻳﺎ ﺧﺮوف؟! ﻗﺎل ﺻﺮت ﻧﻌﺠﺔ ﺗﺮﻋﻰ ﺑﯿﻦ ذﺋﺒﺘﯿﻦ! اﻧﻔﺠﺮت ﺿﺎﺣ ً ﻜﺎ وﻗﻠﺖ: ھ ِﻮّﻧﻲ ﻋﻠﯿﻚ ﻳﺎ )أم اﻟﺴﻌﺪ(!ﻻ أرﻳﺪ أن أﻛﻮن ﺧﺮوًﻓﺎ وﻻ ﻧﻌﺠﺔ. ﻓﻘﻂ أرﻳﺪ أن أﻧﺎم ﻓﻲ ﻣﺨﺪﻋﻲ! ﻗﺎﻟﺖ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﺴﺘﻌﺬب ﻋﻘﺎﺑﻲ: ﻧﻘﻠﺖ أﻏﺮاﺿﻚ ﻓﻲ ﺣﺠﺮة أﺧﺮى!وﺣﯿﻦ ﺗﺒﺮأ ﻣﻦ ﻧﻔﺎﺳﮫﺎ ﺗﻌﺪ إﻟﻰ ﻣﺨﺪﻋﻚ ..ھﺰزت رأﺳﻲ ﻳﺎﺋ ً ﺴﺎ ﻣﻦ ﻋﻨﺎدھﺎ، وھﻤﻤﺖ ﺑﺄن أدﺧﻞ إﻟﻰ اﻟﺤﺠﺮة اﻷﺧﺮى ،وﻟﻜﻦ اﻟﻐﻼم اﻟﺤﺒﺸﻲ طﺮق اﻟﺒﺎب وﻗﺎل ﻟﻲ: ھﻨﺎك ﺿﯿﻒ ﺑﺎﻟﻌﺮﻳﺶ ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺤﺪﻳﺚ إﻟﯿﻚ ﻳﺎ ﺳﯿﺪي!ﺗﻨﮫﺪت وأﻧﺎ أﻧﻈﺮ إﻟﻰ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﻓﻲ ﻏﯿﻆ ﺛﻢ ﻗﻠﺖ: ﻻ أﻣﻞ ﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﯿﻠﻮﻟﺔ اﻟﯿﻮم!ﺛﻢ ﻗﻠﺖ: ﺣﺴًﻨﺎ ﻳﺎ ﻏﻼم ،ﺳﺂﺗﯿﻚ ﻓﻲ اﻟﻌﺮﻳﺶ!∞∞∞∞∞ دﺧﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﻌﺮﻳﺶ ﻓﻮﺟﺪت رﺟًﻼ ﻣﮫﯿﺒًﺎ ﻳﻘﻒ ﻓﻲ وﺳﻄﮫﺎُ ،ﻳﻘﻠِ ّﺐ اﻟﺼﻨﺎدﻳﻖ ﺑﯿﻦ ﻳﺪﻳﻪ وﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﺻﻨﻌﺘﮫﺎ ﺑﻌﯿﻨﯿﻦ ﺧﺒﯿﺮﺗﯿﻦ ،ﻳﺮاﻓﻘﻪ ﻏﻼم ﺣﺒﺸﻲ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ وﻗﻒ ﻏﻼم آﺧﺮ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﻨﺎﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺎﺧﺖ ﺧﺎرج اﻟﻌﺮﻳﺶ ،أﻟﻘﯿﺖ ﻋﻠﯿﮫﻤﺎ اﻟﺘﺤﯿﺔ ﺛﻢ أردﻓﺖ: ﻳﺒﺪو أن اﻟﺴﯿﺪ اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺗﻌﺠﺒﻪ ﺻﻨﺎدﻳﻘﻨﺎ!اﺳﺘﺪار اﻟﺮﺟﻞ وﻗﺎل ﻓﻲ ﻟﻜﻨﺔ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻋﻦ أھﻞ »ﺑﻜﺔ« وﻟﻜﻨﻲ ﻓﮫﻤﺘﮫﺎ: ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻲ ﺑﺎﻟﺼﻨﺎدﻳﻖ وﻟﻜﻨﻲ أﻧﻈﺮ إﻟﻰ ِدﱠﻗﺔ اﻟﺼﻨﻌﺔ.ﻗﻠﺖ ﻣﺒﺘﺴ ً ﻤﺎ: وﻓﯿ َﻢ ﻳﺤﺘﺎج اﻟﺴﯿﺪ اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺻﻨﻌﺘﻲ؟ ﻗﺎل اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ﺟﺪﻳﺔ: ﺟﺪﻳﺲ( وﻗﺪ أﺗﯿﺘﻚ ﻣﻦ »اﻟ ﱡ اﺳﻤﻲ ) ُﺸﻌﯿﺒﺔ«. أﺗﺪري ﻣﺎ »اﻟﺸﻌﯿﺒﺔ«؟ ھﺰزت رأﺳﻲ ﻧﻔﯿًﺎ ،ﻓﻘﺎل ﺑﻠﻜﻨﺘﻪ اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ: »اﻟ ﱡﺸﻌﯿﺒﺔ« ھﻲ ﻣﺮﻓﺄ ﻋﻠﻰ ﺷﺎطﺊ اﻟﺒﺤﺮ ﺗﺒﻌﺪ ﻣﺴﯿﺮة ﻳﻮﻣﯿﻦ ﻋﻦ »ﺑﻜﺔ«. ﻟﻢ أﻛﻦ أﻋﻠﻢ أن »ﺑﻜﺔ« ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺤﺪ ،ﻛﻨﺖ أظﻦ أن اﻟﻌﻤﺮ ﻗﺪ ﻳﻨﻘﻀﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﯿﺮ ﻓﻲ ودﻳﺎن »ﺑﻜﺔ« وﺟﺒﺎﻟﮫﺎ دون أن ﻳﺼﻞ اﻟﻤﺮء إﻟﻰ ﻣﻨﺘﮫﺎھﺎ، ھﺰزت رأﺳﻲ ﻣﺘﻔﮫ ً ﻤﺎ وﻟﻢ أﻗﺎطﻌﻪ ﻛﻲ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻣﻀﻤﻮن اﻟﺤﺪﻳﺚ ،ﻓﺘﺎﺑﻊ: ﺗﺮﺳﻮ ﻋﻨﺪﻧﺎ اﻟﺴﻔﻦ اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺎل ﻣﻦ »ﺻﯿﺪون« و»ﻛﻨﻌﺎن« ،واﻟﺴﻔﻦاﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮب ﻣﻦ ﺳﺒﺄ وﻣﻦ اﻟﺤﺒﺸﺔ ،اﻟﺒﻌﺾ ﻳﺮﺳﻮ ﻟﻠﺘﺰود ﺑﺎﻟﻤﺆن، واﻟﺒﻌﺾ ﻳﺮﺳﻮ ﻹﺻﻼح ﻣﺎ ﻟﺤﻖ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻋﻄﺐ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺎر ،أﻳﺎم اﻟﺼﯿﻒ اﻷﺧﯿﺮة ھﻲ ﻣﻮﺳﻢ اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻋﺎم ،ﻳﺨﺸﻰ اﻟﺒﺤﺎرة ﺛﻮرة اﻟﺒﺤﺮ ﻓﻲ اﻟﺸﺘﺎء ،وﻻ ﺗﺘﺤﻤﻞ ﺳﻔﻨﮫﻢ ﻟﻄﻤﺎت اﻷﻣﻮاج. ﻧﺠﻤﻊ اﻟﻨﺠﺎرﻳﻦ ﻣﻦ ﻛﻞ اﻷﺣﯿﺎء ﻟﻠﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻓﺄ ،وﻳﻘﻮﻟﻮن: إﻧﻚ أﻓﻀﻞ اﻟﻨﺠﺎرﻳﻦ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺤﻲ! ﻓﻤﺎ رأﻳﻚ ﻓﻲ أن ﺗﻌﻤﻞ ﻣﻌﻨﺎ ھﺬا اﻟﺼﯿﻒ وﺳﻨﺠﺰل ﻟﻚ اﻟﻌﻄﺎء؟ ﻗﻠﺖ ﻟﻪ ﺷﺎﻛًﺮا وﻣﻌﺘﺬًرا: ﺧﺒﺮة ﻟﻲ ﺑﺼﻨﻊ اﻟﺴﻔﻦ ،ﻛﻤﺎ أن زوﺟﺘﻲ ﻗﺪ أﻧﺠﺒﺖ اﻟﯿﻮم أﺷﻜﺮك ،وﻟﻜﻦ ﻻ ِوﻟﺪھﺎ! رأﻳﺖ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ ﻋﺪم اﻟﺘﺼﺪﻳﻖ ،ﻧﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺼﻨﺪوق اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻘﻠﺐ ﻓﯿﻪ ﻣﻨﺬ ﻗﻠﯿﻞ وإﻟﻰ ﻋﺮﺑﺘﻲ اﻟﺨﺸﺒﯿﺔ اﻟﺘﻲ ارﺗﻜﻨﺖ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﮫﺎ وﻗﺎل: ﻣﻦ ﻳﺠﯿﺪ ھﺬا اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺪﻗﯿﻖ ،ﻻ ﻳﻌﺠﺰه إﺻﻼح ﻣﺮﻛﺐ ﺗﺠﻤﻌﺖ أﻟﻮاﺣﮫﺎ ﺑﺎﻟﺪروعواﻟﱡﺪ ُ ﺳﺮ. ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻻﻣﺘﻨﺎن ﻟﻜﻠﻤﺎﺗﻪ ،وظﻨﻨﺖ أﻧﻪ ﺳﯿﻨﺼﺮف ﺣﯿﻦ ﻗﺎم ﻣﻦ ﺟﻠﺴﺘﻪ ،وﻟﻜﻨﻪ أﺧﺮج ﻣﻦ ﻧﻄﺎﻗﻪ ﻛﯿ ً ﺴﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد ،وﺿﻌﻪ ﻓﻲ ﻳﺪي وﻗﺎل ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺗﺎﺟﺮ اﻋﺘﺎد أن ﻳﻨﮫﻲ أي ﺗﻔﺎوض ﺑﺰﻳﺎدة اﻟﺴﻌﺮ: ھﺎك ٥٠ﻓﻀﯿﺔ وﻟﻚ ﻣﺜﻠﮫﺎ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﻣﺮﻛﺐ ﺗﻘﻮم ﺑﺈﺻﻼﺣﻪ!اﻟﺤﻖ أن اﻟﻨﻘﻮد ﻓﻲ اﻟﯿﺪ ُﺗﻐﺮي اﻟﻤﺮء وﺗﻌﯿﺪ ﻧﻈﻢ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ. ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﻟﮫﺠﺔ ﻣﺘﺮددة ﻋﻦ ذي ﻗﺒﻞ: اﻷﻣﺮ ﻟﯿﺲ ﻟﻪ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﻤﺎل ،ﻓﺰوﺟﺘﻲ ﻗﺪ أﻧﺠﺒﺖ اﻟﯿﻮم ﻛﻤﺎ أﺧﺒﺮﺗﻚ وﻻأﺳﺘﻄﯿﻊ ﺗﺮﻛﮫﺎ. وﺿﻊ ﻓﻲ ﻳﺪي ﻛﯿ ً ﺴﺎ آﺧﺮ ﻣﺜﻞ ﺳﺎﺑﻘﻪ وﻗﺎل: ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﺗﻜﻔﯿﮫﺎ ﻣﺆﻧﺘﮫﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﻌﻮد ،وإن ﺷﺌﺖ أﺗﯿﺖ ﺑﺄھﻠﻚ.ﺛﻢ اﺑﺘﺴﻢ ﻷول ﻣﺮة وﻗﺎل: ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﺗﮫﺮب ﻣﻦ ﻗﯿﻆ اﻟﺼﺤﺮاء ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« إﻟﻰ ﻧﺴﻤﺎت اﻟﺒﺤﺮ ﻓﻲ»اﻟ ﱡ ﺸﻌﯿﺒﺔ«. ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻘﻮد اﻟﺮﺟﻞ وﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ﻛﻔﯿﻠﺔ ﺑﺄن أﺣﺴﻢ أﻣﺮي ﻓﻘﻠﺖ: وﻣﺘﻰ اﻟﺴﻔﺮ؟ﻗﺎل: ﺳﺄﻣﻜﺚ ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« ﻋﺸﺮة أﻳﺎم ،أطﻮف ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻣﻦ أﺣﯿﺎﺋﮫﺎ ﺛﻢ ﻳﺘﺤﺮك اﻟﺮﻛﺐ ﻣﻦ اﻟﺒﻄﺤﺎء إﻟﻰ »اﻟﺸﻌﯿﺒﺔ«. ﺻﺎﻓﺤﺘﻪ وأﻧﺎ أﻗﻮل: ﻧﻌﺪ اﻟﺮﺣﺎل وأراﻓﻘﻚ ﻣﻊ أھﻠﻲ إﻟﻰ »اﻟﺸﻌﯿﺒﺔ« ﺑﺈذن ﷲ.∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺤﺎدﻳﺔ والـﺧﻤﺴﻮن اﻧﺤﺪرت اﻟﻌﺮﺑﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺘﻼل اﻟﻮﻋﺮة اﻟﺘﻲ ﻓﺼﻠﺖ ﺑﯿﻦ »ﺑﻜﺔ« ،و»اﻟﺸﻌﯿﺒﺔ« ،ارﺗ ﱠ ﺞ ﺟﺴﺪا )أروى( و)ھﻮى( اﻟﻠﺘﺎن ﺗﺸﺒﺜﺘﺎ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﺻﻨﺪوق اﻟﻌﺮﺑﺔ ﺑﯿﺪ وأﻣﺴﻜﺘﺎ ﻦ ﺑﺎﻟﻘﻤﺎش ُوﺿﻊ ﻓﯿﻪ )إﺑﺮام( ﺑﯿﺪ أﺧﺮى ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺣﺎﻓﻈﺖ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﺺ ﻣﺒﻄ ٍ ﺑﻘﻔ ٍ ﺑﺎﻟﻜﺎد ﻋﻠﻰ اﺗﺰاﻧﮫﺎ ﺑﺄن أﺳﻨﺪت ظﮫﺮھﺎ إﻟﻰ زاوﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﺔ ،وﺗﺸﺒﺜﺖ ﻓﻲ ﺣﺮف اﻟﺼﻨﺪوق ﺑﻜﻠﺘﺎ ﻳﺪﻳﮫﺎ ..اﻧﺘﻔﺨﺖ ﻣﻈﻠﺔ اﻟﻘﻤﺎش اﻟﺘﻲ ظﻠﻠﺖ اﻟﻌﺮﺑﺔ ﺑﺎﻟﮫﻮاء ﻛﺨﺒﺎء أوﺷﻚ أن ﺗﻌﺼﻒ ﺑﻪ اﻟﺮﻳﺎح ،وﺷﻌﺮت ﻟﻮھﻠﺔ أن ﻋﺠﻼت اﻟﻌﺮﺑﺔ ﺳﺘﺘﺤﻄﻢ وھﻲ ﺗﻨﺤﺪر ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ﻓﻮق اﻟﺼﺨﺮ اﻟﻨﺎﺗﺊ. ﺖ اﻟﻌﺮﺑﺔ ،ودر ُ وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﺴﻔﺢ ،ﻓﺄوﻗﻔ ُ ت ﺣﻮﻟﮫﺎ ﻛﻲ أطﻤﺌﻦ ﻋﻠﻰ )أروى( وﻋﻠﻰ اﻟﻄﻔﻞ )إﺑﺮام( ،ﻓﻮﺟﺪﺗﮫﻤﺎ ﺑﺨﯿﺮ ،ﻗﺎﻣﺖ )ھﻮى( ﻣﻦ ﺟﻠﺴﺘﮫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮﺑﺔ وﻣﱠﺪت ﻟﻲ ﻳﺪھﺎ ﻛﻲ أﺳﺎﻋﺪھﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺰول وھﻲ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻹﻋﯿﺎء ،وﻣﺎ أن ﻧﺰﻟﺖ ﺣﺘﻰ أﻓﺮﻏﺖ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺟﻮﻓﮫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻣﺎل ،ﺛﻢ ﺟﻠﺴﺖ ﻋﻠﻰ اﻷرض وھﻲ ﺗﺴﺘﻨﺪ ﺑﻈﮫﺮھﺎ إﻟﻰ ﻋﺠﻼت اﻟﻌﺮﺑﺔ ﻓﻲ إﻋﯿﺎء. ﻗﺎﻟﺖ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ُﻣﻮﺑِ ّﺨﺔ وھﻲ ﺗﻤﺴﻚ ظﮫﺮھﺎ ﻣﺘﺄوھﺔ: أﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ اﻷﻓﻀﻞ أن ﺗﻜﺘﺮي ﻟﻨﺎ ﻧﺎﻗﺘﯿﻦ ﺑﺪًﻻ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺮﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎدت أنﺗﺤﻄﻢ ﻋﻈﺎﻣﻨﺎ؟ اﻏﺘﻈﺖ ﻣﻨﮫﺎ وﻟﻢ أﺷﺄ أن أﻗﻮل: إﻧﮫﺎ أﺻﺮت أن ﺗﺮﻛﺐ اﻟﻌﺮﺑﺔ ﺑﺪًﻻ ﻣﻦ أن ﺗﺮﻛﺐ اﻟﻨﺎﻗﺔ ﻣﻊ اﻟﻐﻼم اﻟﺤﺒﺸﻲ. ﻓﻘﻠﺖ: ھﺬا أﻓﻀﻞ ﺑﻜﺜﯿﺮ!ُﻛﻔﯿﻨﺎ ﻗﻠﻘﻠﺔ اﻟﻨﻮق وﺟﻤﻌﻨﺎ رﻛﺎب واﺣﺪ! ﻛﺎن ) ُ ﺟﺪﻳﺲ( وﻗﺎﻓﻠﺔ اﻟﻨﺠﺎرﻳﯿﻦ ﻻ ﺗﺰال أﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺤﺪر ﺗﮫﺒﻂ ﻋﻠﻰ ﻣﮫﻞ ،ﺑﻜﻰ اﻟﻄﻔﻞ )إﺑﺮام( ،ﻓﺄﻟﻘﻤﺘﻪ )أروى( ﺛﺪﻳﮫﺎ ،ﻧﻈَﺮت إﻟﯿﻪ ﻓﻲ ﺣﺐ وھﻮ ﻳﻤﺘﺺ ﺣﻠﻤﺘﮫﺎ ﻣﻐﻤﺾ اﻟﻌﯿﻨﯿﻦ ،ﻏﯿﺮ ﻋﺎﺑﺊ ﺑﻤﺎ ﻳﺤﺪث ﺣﻮﻟﻪ! ﻧﻈﺮة اﻷم اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻊ ﻣﻦ ﻋﯿﻨﯿﮫﺎ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ وﺟﮫﮫﺎ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻣﻼﻣﺢ طﻔﻠﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻳﺒﺪو أن اﻟﻔﺘﯿﺎت ﻳﻮﻟﺪن وﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﮫﻦ ﺣﻨﺎن اﻷﻣﻮﻣﺔ ..ﺣﯿﻨﻤﺎ أﺧﺒﺮﺗﮫﺎ ﺑﺄﻣﺮ اﻻﻧﺘﻘﺎل إﻟﻰ »اﻟﺸﻌﯿﺒﺔ« ،ﻗﺎﻟﺖ ﺳﻌﯿﺪة: »ذﻟﻚ رزق )إﺑﺮام( ﻗﺪ ﺳﺎﻗﻪ ﷲ إﻟﯿﻨﺎ! «. ﺗﺆﻣﻦ ﻣﺜﻞ ﻗﻮﻣﮫﺎ ﺑﺄن اﻟﺬﻛﻮر ﻳﺄﺗﻮن ﺑﺴﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﺮزق ،وأن اﻟﺒﻨﺎت ﻳﺠﻠﺒﻦ ﺿﯿﻖ اﻟﺮزق ،رﻏﻢ ﻛﻮﻧﮫﺎ أﻧﺜﻰ! اﻟﻨﺴﺎء ھﻨﺎ ﻻ ﻳﺨﻔﯿﻦ ﺳﻌﺎدﺗﮫﻦ ﺑﺄﺑﻨﺎﺋﮫﻦ اﻟﺬﻛﻮر وﻳﺮﺿﻌﻨﮫﻢ ذﻟﻚ اﻟﺸﻌﻮر ﻓﻲ اﻟﻤﮫﺪ ،ﺛﻢ ﻳﺸﻜﯿﻦ ظﻠﻢ اﻟﺮﺟﺎل ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ! أﻣﺎ )ھﻮى( ،ﻓﺤﯿﻦ ﻋﻠﻤﺖ ﺑﺄﻣﺮ اﻟﺴﻔﺮ إﻟﻰ »اﻟﺸﻌﯿﺒﺔ« ﻓﻐﺮت ﻓﺎھﺎ وﻗﺎﻟﺖ ﻣﺬھﻮﻟﺔ: ﺣﻘﺎ!! ﺛﻢ ﺷﻌﺮت ﺑﻘﻠﺒﮫﺎ ﻳﺨﻔﻖ ،وﺻﻮﺗﮫﺎ ﻳﺘﮫﺪج ﻻ أدري إن ﻛﺎن ﻓﺮ ً ﺣﺎ أو ﻗﻠًﻘﺎ وﻗﺎﻟﺖ: ﺳﻮف أراﻓﻘﻜﻢ إﻟﻰ ھﻨﺎك وإن ﺷﺌﺘﻢ اﺗﺮﻛﻮﻧﻲ ھﻨﺎك وﺣﺪي!ﻟﻢ ﺗﻔﻮت )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﻋﻠﯿﮫﺎ ﻓﺮﺻﺔ اﻟﺘﺄﻧﯿﺐ ﻓﻘﺎﻟﺖ: ﻧﺘﺮﻛﻚ؟إﻟﻰ ﻣﺘﻰ ﺳﺘﻈﻠﯿﻦ ھﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻚ ﻳﺎ ﻓﺘﺎة؟ ﺣﱠﺪة أﺧﺮﺳﺘﮫﺎ: ﻓﺮدت ﻋﻠﯿﮫﺎ )ھﻮى( ﺣﯿﻨﮫﺎ ﻓﻲ ِ دﻋﯿﻨﻲ وﺷﺄﻧﻲ ﻳﺎ )أم اﻟﺴﻌﺪ(!وﱠزﻋ ُ ﺖ ﻛﺴﺮات اﻟﺨﺒﺰ واﻟﺠﺒﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﺜﻼﺛﺔ ،وﺟﻠﺴﺖ ﻣﺴﺘﻨًﺪا إﻟﻰ ﺻﺨﺮة ،أﻧﻈﺮ إﻟﯿﮫﻦ وأﻧﺘﻈﺮ وﺻﻮل ) ُ ﺟَﺪﻳﺲ( وﺑﺎﻗﻲ اﻟﺮﺟﺎل. ﺗﻔﻜﺮت ﻓﻲ ﺣﺎﻟﻲ ﻣﺘﺒﺴ ً ﻤﺎ! ﻓﻠﻠﻨﺴﺎء ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ﻧﺼﯿﺐ ﻛﺒﯿﺮ؛ أﻣﻲ و)ﺳﻮﻻف( و)ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ »ﺳﯿﻦ« ،و)أروى( و)ھﻮى( و)أم اﻟﺴﻌﺪ( ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ »ﻓﺎران« ،ﺛﻼﺛﺔ اﺟﺘﻤﻌﻦ ﻣﻊ أﺑﻲ ،وﺛﻼﺛﺔ اﺟﺘﻤﻌﻦ ﻣﻌﻲ ،ﻳﺒﺪو أن اﻟﻨﺴﺎء ﻻ ﻳﺠﻤﻌﮫﻦ إﻻ ﻗﻠﺐ ﻳﺸﻌﺮن ﻣﻌﻪ ﺑﺎﻟﻌﻄﻒ واﻷﻣﺎن. ُ ﻣﻊ ﻗﺪوم اﻟﻠﯿﻞ ،وﺻﻞ )ﺟﺪﻳﺲ( وﺑﺎﻗﻲ اﻟﺮﺟﺎل إﻟﻰ أﺳﻔﻞ اﻟﺴﻔﺢ ،أﻧِﯿﺨﺖ اﻹﺑﻞ و ُ ﺿﺮﺑﺖ اﻷﺧﺒﯿﺔ ،واﺳﺘﻌﺪ اﻟﻨﺎس ﻟﻠﻤﺒﯿﺖ ،أﺧﻠﺪت اﻟﻨﺴﺎء ﻟﻠﻨﻮم ﻓﻲ اﻟﺨﺒﺎء ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺟﻠﺴﺖ أﻧﺎ ﺧﺎرﺟﻪ وﻗﺪ أﺷﻌﻠﺖ اﻟﻨﺎر ﻓﻲ ﺷﺠﯿﺮة ﺗﺤﻄﺒﺖ أﻏﺼﺎﻧﮫﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺴﻤﺎت اﻟﺼﯿﻒ اﻷﺧﯿﺮة ﺗﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺑﺮودة اﻟﻠﯿﻞ ..طﻘﻄﻘﺎت اﻟﺤﻄﺐ ﻓﻲ اﻟﻨﯿﺮان ﺟﻌﻠﺘﻨﻲ ﻻ أﺷﻌﺮ ﺑﺄﻗﺪام )ھﻮى( ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺟﺎءت وﺟﻠﺴﺖ ﺑﺠﺎﻧﺒﻲ أو رﺑﻤﺎ اﻧﺴﻠﱠﺖ ھﻲ ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺎء ﻓﻲ رﻓﻖ ﺣﺘﻰ ﻻ ُﺗﻮﻗِﻆ ﻣﻦ ﺑﻪ. ﺴ ْ ﺟﻠ َ ﺖ وﻗﺪ ﺿﻤﺖ ﻓﺨﺬﻳﮫﺎ إﻟﻰ ﺻﺪرھﺎ وأﺣﺎطﺖ ﺳﺎﻗﯿﮫﺎ ﺑﺴﺎﻋﺪﻳﮫﺎ. ﺳﺄﻟﺘﮫﺎ وأﻧﺎ أﺗﻄﻠﻊ إﻟﻰ ﺻﻔﺤﺔ وﺟﮫﮫﺎ ﻓﻲ ﺿﻮء اﻟﻨﯿﺮان. ﻛﯿﻒ ﺣﺎﻟﻚ؟ﺖ ﺗﺸﻌﺮﻳﻦ ﺑﺎﻹﻋﯿﺎء؟! أﻣﺎ زﻟ ِ ھﺰت رأﺳﮫﺎ وﻗﺎﻟﺖ: أﺷﻌﺮ ﺑﻪ ﻗﻠﯿًﻼ ..ﻟﻤﺤﺖ ﻓﻲ وﺟﮫﮫﺎ ﻣﺴﺤﺔ ﺣﺰن ﻓﻘﻠﺖ: أرى ﻓﻲ وﺟﮫﻚ ﺣﺰﻧًﺎ ﻳﺎ )ھﻮى(؟ظﻠﺖ ﺗﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ أﻟﺴﻨﺔ اﻟﻨﯿﺮان اﻟﻤﺸﺘﻌﻠﺔ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﺑﺪون أن ﺗﻨﻈﺮ إﻟ ﱠ ﻲ: ھﻞ ﺗﺠﯿﺪ ﺳﺒﺮ اﻷﻏﻮار؟ﻗﻠﺖ: ﻻ ﻳﺤﺘﺎج اﻷﻣﺮ ﻟﺬﻟﻚ ،ﻓﺤﺰﻧﻚ ﻗﺪ ﻏﺎدر أﻏﻮارك ،واﻧﻌﻜﺲ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺔ وﺟﮫﻚ!ﻧﻈﺮت إﻟ ﱠ ﻲ وﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﺠﺎھﺪ اﻻﺑﺘﺴﺎم: ﺗﺠﯿﺪ اﻟﻜﻼم أﻳﮫﺎ اﻟﻤﺼﺮي!ﺛﻢ أردﻓﺖ: أظﻦ أن ﺟﻤﯿﻊ اﻟﺮﺟﺎل ﻳﺠﯿﺪون اﻟﻜﻼم!ﺛﻢ طﻔﺮت ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮫﺎ دﻣﻌﺔ وھﻲ ﺗﻘﻮل: وﻳﺠﯿﺪون اﻟﻮﻋﻮد واﻟﻜﺬب واﻟﺨﺪاع ﻛﺬﻟﻚ!أدرﻛﺖ أن أﺣﺪھﻢ ﻗﺪ أﺻﺎﺑﮫﺎ ﺑﺨﯿﺒﺔ أﻣﻞ ،وﺷﻌﺮت ﺑﺄﻧﮫﺎ ﺗﺤﻤﻞ ھﻤﻮًﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﯿﮫﺎ ،ﻓﻤﺪدت ﻛﻠﻤﺎﺗﻲ ﻛﻲ أﻋﯿﻨﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﻤﻠﮫﺎ ،ﻗﻠﺖ: ﻣﺎ ﺑﻚ ﻳﺎ )ھﻮى(؟ﻣﺴﺤﺖ اﻟﺪﻣﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻓﺮت وﻗﺎﻟﺖ: ﻻ ﺷﻲء ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ھﻞ ﻟﻲ ﻓﻲ أن أطﻠﺐ ﻣﻨﻚ أﻣًﺮا؟ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ ﻣﺸﺠًﻌﺎ: ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ!اطﻠﺒﻲ! ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ رﺟﺎء: -ﻻ أرﻳﺪ اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ »ﺑﻜﺔ«! اﺗﺮﻛﻨﻲ ﻓﻲ »اﻟﺸﻌﯿﺒﺔ«. ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ ﻣﺒﺎﺷﺮة: أھﻮ ﺷﺎب ﻣﻦ »ﺑﻜﺔ«؟!ﺗﺮددت ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻗﻠﯿًﻼ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ: ﻛﺎن ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ«!ﻗﻠﺖ: ﻚ؟ ھﻞ ﺧﺬﻟ ِﻧﻈﺮت ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ اﻟﻨﯿﺮان وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﺴﺘﺮ ﻋﯿﻨﯿﮫﺎ ﺑﺎﻟﻈﻼم ،ﺛﻢ ﺑﺪأت ﻓﻲ اﻟﺴﺮد وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﺘﺤﺪث إﻟﻰ ﻧﻔﺴﮫﺎ ﻗﺎﺋﻠﺔ: رأﻳﺘﻪ ﻓﻲ »اﻟﺪﻛﺔ« اﻟﺼﯿﻒ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺬھﺐ إﻟﻰ»اﻟﺪﻛﺔ« ﻓﯿﺠﻠﺲ وﺣﺪه دون ﺻﺤﺒﻪ ،ﻛﻨﺖ ﺣﯿﻦ أﺻﺪح ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء أراه ﻳﺘﻄﻠﻊ إﻟ ﱠ ﻲ ﺑﺸﻐﻒ ،ﻻ ﻳﺼﺮف ﻋﯿﻨﯿﻪ ﻋﻨﻲ وﻻ ﻳﻨﺸﻐﻞ ﺑ ُ ﺸْﺮب وﻻ طﻌﺎم ،أﺣﺴﺴﺖ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺒﻘﻰ ﻋﻘﻠﻪ ﻣﺘﯿﻘﻈًﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﺮاﻧﻲ ،وأوﺣﺖ إﻟ ﱠ ﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ أﺟﻠﻲ أﻧﺎ ،وﻟﯿﺲ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟ ﱠ ﺴ َ ﻤﺮ. ﻣﺮة ﺑﻌﺪ ﻣﺮة أﺻﺒﺤﺖ أﻏﻨﻲ ﻟﻪ وﺣﺪه ،أﺻﺪح ﺑﺼﻮﺗﻲ ﻷﺟﻠﻪ ،وإذا ﻏﺎب ،ﻏﺎب ﻋﻨﻲ ﺻﻮﺗﻲ ،ووﻗﻌﺖ ﻓﻲ ھﻮاُه ﺣﺘﻰ ﻗﺒﻞ أن أﻋﺮﻓﻪ ،ﺛﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﺻﺪﻣﺘﻲ ﺣﯿﻦ ﻋﻠﻤﺖ أﻧﻲ ﻗﺪ وﻗﻌﺖ ﻓﻲ ﻏﺮام )اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ،أﺧﻮ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( اﻟﺠﺮھﻤﻲ. ﻓﻐﺮت ﻓﺎھﻲ دھﺸًﺔ وأﻧﺎ أﺗﺬﻛﺮ اﻟﻔﺘﻰ اﻟﺬي ﻛﺎن ﺑﺎﻧﺘﻈﺎرﻧﺎ ﻓﻮق اﻟﺤﺠﻮن، وأدرﻛﺖ ﻧﮫﺎﻳﺔ ﻗﺼﺘﮫﺎ اﻟﺘﻲ ذﻛﺮت ﺑﺪاﻳﺘﮫﺎ ﻟﻠﺘ ِﻮّ ،وﻟﻜﻨﻲ اﻧﺘﻈﺮت أن ﺗﻘﺺ ﻋﻠ ﱠ ﻲ ﻣﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﺒﺪاﻳﺔ واﻟﻨﮫﺎﻳﺔ! ﻗﺎﻟﺖ وﻗﺪ ﻋﺎدت إﻟﯿﮫﺎ اﻟﻤﺮارة ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ: ﻟﻢ ﻳﻜﻦ لـ»اﻟﮫﻮى« أن ﻳﺮﺑﻂ ﺑﯿﻦ ﺳﯿﺪ ﻣﻦ ﺳﺎدة »ﺟﺮھﻢ« ،وﻓﺘﺎة ﻳﺘﯿﻤﺔ ﻣﻦ)ﺑﻨﻲ ﻗﯿﺪار( إﻻ ﺗﺤﺖ أﺳﺘﺎر اﻟﻜﺘﻤﺎن ،ﻓﺨﺎدﻧﺘﻪ وﺻﺮت ﺟﺎرﻳﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﺸﺘﺮﻳﮫﺎ، أﻗﺒﻞ ﺑﺎﻟﺴﺮ ﻣﻦ اﻟﮫﻮى ،وأﻗﺒﻞ ﺑﺎﻟﻌﺰل ﻣﻦ اﻟﻨﺸﻮة ،وأﻗﺘﻨﺺ ﻣﻦ ﺣﯿﺎﺗﻪ ُ ﺳﻮﻳﻌﺎت ھﻲ اﻟﺤﯿﺎة ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ. ﺛﻢ ﺻﻤﺘﺖ ﻗﻠﯿًﻼ وﻗﺎﻟﺖ: وﺣﯿﻦ أﺷﺮﻓﺖ اﻟﺤﺮب ﻣﻊ »ﺧﺰاﻋﺔ« ،ﻋﺰ ﻟﻘﺎؤﻧﺎ ،ﻛﺎن ﻣﮫﻤﻮًﻣﺎ ﻣﻦ أﻣﺮ اﻟﺤﺮبوﻳﺨﺸﻰ أن ﻳﺼﻞ اﻷﻣﺮ إﻟﻰ اﻟﻨﺎس ﻓﯿﺰداد ﻏﻀﺒﮫﻢ ﻋﻠﻰ »ﺟﺮھﻢ« ،وﺣﯿﻦ وﻗﻌﺖ اﻟﺤﺮب واﻧﮫﺰﻣﺖ »ﺟﺮھﻢ« ،ﻟﻢ أره ﺑﻌﺪھﺎ ..ﺑﺤﺜﺖ ﻋﻨﻪ ﺑﯿﻦ اﻷﺳﺮى ﻓﻠﻢ أﺟﺪه ،وﺑﺤﺜﺖ ﻋﻨﻪ ﺑﯿﻦ اﻟﻘﺘﻠﻰ ﻓﻠﻢ أﺟﺪه ،دﻓﻌﺖ أﻣﻮاًﻻ ﻟﻺدﻻء ﻛﻲ ﻳﺄﺗﻮﻧﻲ ﺑﺨﺒﺮه ،ﻓﺠﺎءﻧﻲ أﺣﺪھﻢ ﺑﺎﻟﺨﺒﺮ وﻗﺎل إﻧﻪ ھﺮب ﻣﻦ »ﺑﻜﺔ« ﻣﻊ أﺧﯿﻪ آﺧًﺬا ﻣﻌﻪ أﻣﻮاﻟﻪ وﺟﻮارﻳﻪ. ﺻْﺪق اﻟﺪﻟﯿﻞ ،وﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ھﻲ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ ﺑ َ ﻜ ْ ﺖ وھﻲ ﻟﻢ أﺷﺄ أن أؤﻛﺪ ِ ﺗﻘﻮل: ﻟﻢ أﺗﺨﯿﻞ أن ﻳﺘﺮﻛﻨﻲ وﻛﺄﻧﻨﻲ أھﻮن ﻣﺎ ﻣﻠﻚ!وﻟﻢ أﺗﺨﯿﻞ أن ﻳﺮﺣﻞ ﻋﻨﻲ ﺑﺪون ﻛﻠﻤﺔ وداع. ﻣﺴﺤﺖ دﻣﻮﻋﮫﺎ ،ﺛﻢ ﺗﺎﺑﻌﺖ: ﺗﻤﻨﯿﺖ ﺣﯿﻨﮫﺎ ﻟﻮ أﻏﺎدر »ﺑﻜﺔ« ﻛﻠﮫﺎ ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﺧﺸﻰ اﻟﮫﻼك ..اﻧﺘﻈﺮت أنﺗﺄﺗﻲ أﺷﮫﺮ اﻟﺼﯿﻒ ﺑﻔﺎرغ اﻟﺼﺒﺮ ﻓﻠﻌﻞ ﻋﻮدﺗﻲ إﻟﻰ ﻟﯿﺎﻟﻲ اﻟ ﱠ ﺴ َ ﻤﺮ ﺗﺨﻔﻒ ﻋﻨﻲ اﻟﺤﺰن واﻟﻌﻨﺎء ،إﻟﻰ أن رأﻳﺖ )أروى( ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻣﻲ! رﻓﻌﺖ ﺣﺎﺟﺒﻲ دھﺸﺔ وﻗﺪ اﺳﺘﺤﻮذت ﻛﻠﻤﺎﺗﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻣﻌﻲ ﻓﻠﻢ أﻗﺎطﻌﮫﺎ، ﻓﺘﺎﺑﻌﺖ: ﻛﻨﺖ ﻗﺪ اﻧﻘﻄﻌﺖ ﻋﻦ )أروى( ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﺒﻊ ﺳﻨﻮات ،وﻟﻢ أﻋﺮف أﺧﺒﺎرھﺎ،وﻓﻲ ﻟﯿﻠﺔ ﺣﻠﻤﺖ ﺑﮫﺎ ﺗﺰورﻧﻲ ﺛﻢ ﺗﺄﺧﺬ ﺑﯿﺪي إﻟﻰ ﻣﻜﺎن رأﻳﺖ ﻓﯿﻪ ﺑﯿًﺘﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻮص ،وﺣﯿﻦ دﺧﻠﺖ وﺟﺪت رﺟًﻼ ﻳﺸﺒﻪ )اﻟﻮﻟﯿﺪ( ﻳﺠﻠﺲ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺒﯿﺖ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎري! أﺗﺪري أﻳﻦ ﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﻤﻜﺎن؟ ﻟﻢ أﺟﺐ ،ﻓﺘﺎﺑﻌﺖ: ﻛﺎن ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺎطﺊ اﻟﺒﺤﺮ! وأﻧﺎ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗَﺮ ﺑﺤًﺮا ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﮫﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ! وﻟﮫﺬا ﺣﯿﻦ أﺧﺒﺮﺗﻨﻲ أﻧﺖ ﺑﺄﻣﺮ »اﻟﺸﻌﯿﺒﺔ« أدرﻛﺖ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺣﻠ ً ﻤﺎ ﺑﻞ طﺎﺋﻒ ﻣﻦ اﻟﺮب ،وﺷﻌﺮت ﺑﺄن ﷲ ﻗﺪ اﺳﺘﺠﺎب ﻟﺪﻋﺎﺋﻲ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻨﻘﻄﻊ ﻣﻨﺬ رﺣﻞ ﻋﻨﻲ )اﻟﻮﻟﯿﺪ(! ﺗﻌﺠﺒﺖ ﻣﻦ ﻛﻼﻣﮫﺎ وﺗﻔ ﱠ ﻜﺮت ﻓﯿﻪ ،ﻋﺠﯿﺐ أﻣﺮ ھﺬه اﻷﺣﻼم! أﺣﯿﺎﻧًﺎ ﺗﺄﺗﯿﻨﺎ ﺑﺎﻟﺒﺸﺮى ،وأﺣﯿﺎﻧًﺎ ﺗﺄﺗﯿﻨﺎ ﺑﺎﻟﺘﺤﺬﻳﺮ ،أھﻲ ﺣﻘﺎ أطﯿﺎف ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ،أم أﻧﮫﺎ آﻻم اﻟﻨﻔﺲ ورﻏﺒﺎﺗﮫﺎ ،ﺗﻔﺮ ﻣﻦ ﺛﻜﻨﺎﺗﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﻠﯿﻞ ﻓﺘﻌﺒﺚ ﺑﻨﺎ وﻧﺤﻦ ﻧﯿﺎم ﺛﻢ ﺗﻐﺎدرﻧﺎ وﻗﺪ أﻟﻘﺖ ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ ﺑﻌ ً ﻀﺎ ﻣﻦ ﺑﺬور اﻷﻣﻞ. ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ وأﻧﺎ أﺗﺤﺴﺲ ﻛﻠﻤﺎﺗﻲ ﻛﻲ ﻻ أﻓﺴﺪ ﻋﻠﯿﮫﺎ أﻣﻠﮫﺎ: ﻚ ﻳﺎ )ھﻮى(! -أﻳﺎ ﻣﺎ ﺳﻨﺠﺪه ﻓﻲ »اﻟﺸﻌﯿﺒﺔ« ،ﻓﮫﻮ ﺑﺸﺮى ﻟ ِ اﺑﺘﺴﻤﺖ وﻗﺪ ﻓﻄﻨﺖ ﺑﺬﻛﺎﺋﮫﺎ إﻟﻰ ﻣﻌﻨﻰ ﻛﻼﻣﻲ وﻗﺎﻟﺖ: رﻗﯿﻖ اﻟﻘﻠﺐ أﻧﺖ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﺛﻢ أردﻓﺖ: ﻋﻠﻰ أﻳﺔ ﺣﺎل أﻧﺎ ﻟﻦ أﻋﻮد إﻟﻰ »ﺑﻜﺔ« ﺣﺘﻰ أﻋﻮد إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻲ!وﺣﯿﻨﺌٍﺬ ﻋﻼ ﺑﻜﺎء اﻟﻄﻔﻞ )إﺑﺮام( ،ﻓﻘﺎﻣﺖ ھﻲ ﻣﻦ ﺟﻠﺴﺘﮫﺎ وﻋﺎدت إﻟﻰ اﻟﺨﺒﺎء. ﺿﻊ اﻟﻄﻔﻞ اﻟﺬي وﺣﯿﻦ اﻟﺘﻔﺖ وراﺋﻲ رأﻳﺖ ظﻞ )أروى( ﺧﻠﻒ اﻟﺨﺒﺎء وھﻲ ُﺗﺮ ِ ﻗﺮﺻﻪ اﻟﺠﻮع ﻓﻲ ﺟﻮف اﻟﻠﯿﻞ ،وﻟﻢ أدِر ھﻞ أﻳﻘﻈﮫﺎ ﺻﻮت اﻟﻄﻔﻞ ،أم أﻧﮫﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺘﯿﻘﻈﺔ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ؟ ∞∞∞∞∞ وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ ﺷﺎطﺊ »اﻟﺸﻌﯿﺒﺔ« ،ﻋﻠﻤﺖ ﺣﯿﻦ رأﻳﺖ اﻟﺒﺤﺮ ﻟﻤﺎذا أطﻠﻖ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮﻓﺄ ذﻟﻚ اﻻﺳﻢ؛ ﻓﻌﺸﺒﺎت اﻟﺒﺤﺮ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﻤﻮ أﺳﻔﻞ اﻟﻤﺎء وﻛﺄﻧﮫﺎ ﻏﺎﺑﺎت ﻣﻦ اﻟﺸﺠﺮ اﻟﺘﻔﺖ ورﻳﻘﺎﺗﮫﺎ اﻟﺼﻐﯿﺮة اﻟﻤﻠﻮﻧﺔ ،ﻓﺒﺪا اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻠﺠﻲ وﻛﺄﻧﻪ ﺑﯿﺖ ﻣﻤﺮد ﻣﻦ اﻟﺰﺟﺎج ﺣﻮى ﺑﺪاﺧﻠﻪ ﺑﺴﺘﺎﻧًﺎ ﺑﺪﻳًﻌﺎ ﻣﻦ اﻟﺰھﺮ ..أوﻗﻔﺖ اﻟﻌﺮﺑﺔ وﻧﺰﻟﻨﺎ ﻧﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ اﻟﺒﺤﺮ ،ﺷﮫﻘﺖ )أروى( ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل ،وﺿﻌﺖ ﻳﺪي ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﮫﺎ ﻓﻲ ﺣﻨﺎن، وأﻧﺎ أرى ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮫﺎ ﻧﻈﺮة اﻟﺴﻌﺎدة ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺳﺎرت )ھﻮى( ﺣﺎﻟﻤﺔ ،وھﻲ ﺗﻤﻸ ﺻﺪرھﺎ ﻣﻦ ﻧﺴﻤﺎت اﻟﺒﺤﺮ اﻟﺮطﺒﺔ ،وأذﻧﯿﮫﺎ ﺑﺄﺻﻮات اﻷﻣﻮاج اﻟﺘﻲ ﻏﻤﺮت ﺳﻤﻌﻨﺎ ..ﺳﺎرت ﺣﺘﻰ وﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﺣﺪ اﻟﻤﺎء اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺰﻳﺪ وﻳﻨﺤﺴﺮ ﻣﻊ ﻛﻞ اﻧﺪﻓﺎع ﻣﻮﺟﺔ ،أو اﻧﺤﺴﺎرھﺎ ،ﻓﺨﻠﻌﺖ ﻧﻌﻠﯿﮫﺎ ووﻗﻔﺖ ُﺗﺒﻠِ ّﻞ ﻗﺪﻣﯿﮫﺎ ﺑﺴﻌﺎدة طﻔﻞ ﻳﺮى اﻟﻤﺎء ﻷول ﻣﺮة. ھﺘﻔﺖ ﺑﮫﺎ )أم اﻟﺴﻌﺪ( اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺮھﺒﺔ وﻗﺎﻟﺖ: ارﺟﻌﻲ ﻳﺎ )ھﻮى( ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺠﺬﺑﻚ اﻟﺠﻦ إﻟﻰ ﻗﺎﻋﻪ!أھﻞ »ﺑﻜﺔ« ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺨﺸﻮن اﻟﺒﺤﺮ وﻳﻌﺘﻘﺪون أن اﻟﺠﻦ ﻳﺴﻜﻨﻮن ﻓﻲ ﺟﻮﻓﻪ ،وأن ﻧﺴﺎء اﻟﺠﻦ ﻳﺨﻄﻔﻦ رﺟﺎل اﻹﻧﺲ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻳﺨﻄﻒ رﺟﺎل اﻟﺠﻦ ﻧﺴﺎءھﻢ ،ﻟﻢ ﺗﺮد )ھﻮى( ،وظﻠﺖ ﺗﺴﯿﺮ ﺑﻤﺤﺎذاة اﻟﻤﺎء ﻏﯿﺮ واﻋﯿﺔ وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺟﺬﺑﮫﺎ ﺟﻤﺎل اﻟﺒﺤﺮ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺠﺬﺑﮫﺎ اﻟﺠﻦ إﻟﯿﻪ! أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺒﺤﺮ ﻏﺮﻳﺒًﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ ،ﻓﻼ زﻟﺖ أذﻛﺮ ﻳﻮم اﻟﺨﺮوج ﺑﺘﻔﺎﺻﯿﻠﻪ ﺣﺘﻰ اﻵن ،ﺑﻞ أﺷﻌﺮ ﺑﺮذاذ اﻟﺒﺤﺮ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻲ ،ﻛﻠﻤﺎ اﺳﺘﺪﻋﯿﺖ ﻣﺸﮫﺪ اﻧﻔﻼق اﻟﺒﺤﺮ ﺑﻌﺼﺎ ﻧﺒﯿﻨﺎ )ﻣﻮﺳﻰ( إﻟﻰ ﻋﻘﻠﻲ! ﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ﺟﺎءﻧﺎ )ﺟﺪﻳﺲ( ﻓﺄﺧﺬﻧﺎ إﻟﻰ ﻣﺴﺎﻛﻦ اﻟﺼﯿﺎدﻳﻦ اﻟﻤﺠﺎورة ﻟﻠﻤﺮﻓﺄ، اﻟﺒﯿﻮت ھﻨﺎ ﻣﻦ طﺎﺑﻖ واﺣﺪ ،ﻻ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﺣﺠﺮﺗﯿﻦ ،ﻣﻌﻈﻤﮫﺎ ﻗﺪ ُﺑﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ،واﻟﻘﻠﯿﻞ ﻣﻨﮫﺎ ﺑﺎﻟﺤﺠﺮ. راﺋﺤﺔ اﻟﺴﻤﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﻸ اﻟﺒﯿﻮت واﻟﺸﻮارع ،ذﻛﺮﺗﻨﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺮاﺋﺤﺔ ﺑﻘﺮﻳﺔ »ﻋﺼﯿﻮن ﺟﺎﺑﺮ« ،وﻋﺎﺋﻠﺔ اﻟﺸﯿﺦ )ﺑﻨﺤﺎس( واﻟﺪ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( اﻟﺘﻲ ھﻠﻜﺖ ﺑﻌﺪ أن ﻋﺼﻰ أﺑﻨﺎؤه أﻣﺮ اﻟﺮب وﻗﺎﻣﻮا ﺑﺎﻟﺼﯿﺪ ﻓﻲ ﻳﻮم اﻟﺴﺒﺖ! ﻟﺤﻘﻨﺎ اﻟﻐﻼم اﻟﺤﺒﺸﻲ ﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ﺑﺎﻟﻨﺎﻗﺔ ،وﺿﻌﻨﺎ ﻣﺘﺎﻋﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺬي اﺧﺘﺎره ﻟﻨﺎ )ﺟﺪﻳﺲ( ﺛﻢ أﺧﺬ اﻟﻐﻼم اﻟﻨﺎﻗﺔ واﻟﻌﺮﺑﺔ وذھﺐ ﺑﮫﻤﺎ إﻟﻰ ﻣﺮﺑﻂ اﻟﺪواب ﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ﺟﺎءﻧﺎ ﻏﻼم اﻟﺸﯿﺦ )ﺟﺪﻳﺲ( ،ﻳﺤﻤﻞ ﺻﺤﯿﻔﺔ ﺑﮫﺎ وﻟﯿﻤﺔ ﻣﻦ اﻷﺳﻤﺎك ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ اﻷﻧﻮاع ،ﺗﻔﻮح ﻣﻨﮫﺎ راﺋﺤﺔ ﺷﮫﯿﺔ ﺟﺬﺑﺖ ﺧﻠﻔﮫﺎ ﺳﺮﺑًﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻂ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﻄﻂ ﺗﻤﻸ ﺷﻮارع اﻟﻘﺮﻳﺔ ،ﻗﺬﻓﺖ ﺑﻘﻄﻌﺔ ﺳﻤﻚ ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ اﻟﺒﺎب ﻓﮫﺮوﻟﺖ ﻧﺤﻮھﺎ اﻟﮫﺮرة وﺗﻨﺎزﻋﺖ ﻋﻠﯿﮫﺎ ،ﺛﻢ أﻏﻠﻘﺖ اﻟﺒﺎب وﺟﻠﺴﻨﺎ ﺟﻤﯿًﻌﺎ ﻟﻨﺄﻛﻞ طﻌﺎﻣﻨﺎ اﻷول ﻓﻲ »اﻟﺸﻌﯿﺒﺔ«. ﻣﺎ أن ﺑﺪأت ﻓﻲ اﻟﻄﻌﺎم ،ﺣﺘﻰ ارﺗﻔﻊ ﺻﻮت اﻟﻨﻔﯿﺮ ،وﺑﺪا أن ﻣﺮﻛﺒًﺎ ﻗﺪ وﺻﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﻤﺮﻓﺄ ،ﺑﻌﺪھﺎ ﻋﻼ ﺻﻮت أﻗﺪام اﻟﺼﯿﺎدﻳﻦ وﺟﻠﺒﺘﮫﻢ ﺧﺎرج اﻟﺒﺎب ،ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻹﺛﺎرة وأرد ُ ت أن أﺧﺮج إﻟﻰ اﻟﻤﺮﻓﺄ ﻛﻲ أرى اﻟﻤﺮﻛﺐ اﻟﺘﻲ وﺻﻠﺖ ،ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم ﻓﻲ ُ ﺳْﺮﻋﺔ ،ﺛﻢ ﻗﻤﺖ ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻲ ،ﻗﺎﻟﺖ )ھﻮى( وھﻲ ﺗﻘﻮم ُﻣ ْ ﺴﺮﻋﺔ: آﺗﻲ ﻣﻌﻚ؟!ﻗﺎﻟﺖ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﻣﺴﺘﻨﻜﺮة: ﺗﺨﺮﺟﯿﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﺮﺟﺎل؟أﻻ ﺗﺴﺘﺤﯿﻦ؟! ﻛﻨﺖ أﻋﺮف ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪه ،وﻣﺎ ﺗﺘﻮق إﻟﯿﻪ ﻧﻔﺴﮫﺎ ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ: أﻟﻘﻲ اﻟﺨﻤﺎر ﻋﻠﻰ رأﺳﻚ واﺗﺒﻌﯿﻨﻲ.ﻲ ﺛﻢ إﻟﻰ )أروى( ،ورأﻳﺖ اﻟ ِ ّ ﻧﻈﺮت )أم اﻟﺴﻌﺪ( إﻟ ﱠ ﻀﯿﻖ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ )أروى( رﻏﻢ أﻧﮫﺎ ﻟﻢ ُﺗْﻔﺼﺢ ﻋﻨﻪ وﻟﻮ ﺑﻨﻈﺮة ،ﻧﺎدﻳﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﻼم اﻟﺤﺒﺸﻲ ﺛﻢ ﺧﺮﺟﺖ إﻟﻰ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،ﺗﺒﻌﺖ ﺧﻄﻮات اﻟﻨﺎس ﺑﯿﻦ اﻷزﱠﻗﺔ اﻟﻀﯿﻘﺔ ،ﻓﻮﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﺮﻓﺄ ﺑﺴﮫﻮﻟﺔ، ﻛﺎﻧﺖ أول ﻣﺮة أرى ﻓﯿﮫﺎ ﺳﻔﯿﻨﺔ ﻛﺒﯿﺮة ﺗﺤﻤﻞ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﻣﺎﺋﺔ ﺑﺤﺎر ،ﺗﻌﺠﺒﺖ ﻛﯿﻒ ﺗﻄﻔﻮ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ﺑﺤﻤﻮﻟﺘﮫﺎ ﻓﻮق اﻟﺒﺤﺮ ،ﺳﺤﺐ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﻮاﻗﻔﯿﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎطﺊ ﺣﺒﻞ اﻟﻤﺮﺳﺎة ﻓﺘﺒﻌﺘﮫﻢ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ﻓﻲ ُﺑ ْ ﻂء وﻛﺄﻧﮫﺎ ﻧﺎﻗﺔ ﻋﺼﯿﱠﺔ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺴﺘﻮي ﺑﺠﺎﻧﺒﮫﺎ ﺑﻤﺤﺎذاة اﻟﺸﺎطﺊ ،رﺑﻂ اﻟﺮﺟﺎل ﺣﺒﻞ اﻟﻤﺮﺳﺎة ﻣﻦ اﻷﻣﺎم واﻟﺨﻠﻒ إﻟﻰ ﻋﻤﻮدﻳﻦ ﻛﺒﯿﺮﻳﻦ دﱠﻗﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎطﺊ ﻛﻮﺗﺪي ﺧﯿﻤﺔ ،ﺛﻢ أﻟﻘﻰ رﺟﺎل اﻟﺴﻄﺢ ُ ﺳﻠﱠ ً ﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺒﺎل ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ھﺒﻂ ﻣﻨﻪ اﻟﺒﺤﺎرة اﻟﻮاﺣﺪ ﺗﻠﻮ اﻵﺧﺮ ..ﻣﺎ ھﻲ إﻻ دﻗﺎﺋﻖ ﺣﺘﻰ اﻛﺘﻆ اﻟﻤﻜﺎن ﺑﺎﻟﻌﻤﺎل واﻟﺤ ﱠ ﻤﺎﻟﯿﻦ واﻟﺒﺤﺎرة اﻟﺬﻳﻦ ُ ﺗﻌﺎﻟﺖ ﺻﯿﺤﺎﺗﮫﻢ ﺑﻠﮫﺠﺎت ﺷﺘﻰ ﺣﺘﻰ إﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻣ ِﯿ ّﺰ ﺻﻮت )ﺟﺪﻳﺲ( وھﻮ ﻳﻨﺎدي ﻋﻠ ﱠ ﻲ: ) -ﺷﻤﻌﻮن(! ل: اﻟﺘﻔﺖ إﻟﯿﻪ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﻣﺴﺖ ﻳﺪه ﻛﺘﻔﻲ ،ﻗﺎل ﻓﻲ ﺻﻮت ﻋﺎ ٍ ﻏًﺪا ﺳﯿﺒﺪأ اﻟﻨﺠﺎرون اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ،ﺑﻌﺪ أن ﻳﻔﺮغ اﻟﻌﻤﺎل ﻣﻦ ﻧﻘﻞﺣﻤﻮﻟﺘﮫﺎ. أوﻣﺄت ﻟﻪ ﺑﺮأﺳﻲ وﻗﻠﺖ ﻟﻪ وأﻧﺎ أرﻓﻊ ﺻﻮﺗﻲ ﻛﻲ ﻳﻄﻐﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻠﺒﺔ: أﻧﺎ ﻣﺴﺘﻌﺪ.أﺷﺎر إﻟﻰ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺼﻮاﻣﻊ وﻗﺎل: ھﻨﺎ ﻳﺨﺰن اﻟﺒﺤﺎرة ﺑﻀﺎﺋﻌﮫﻢ.ﺛﻢ أﺷﺎر إﻟﻰ ﺑﯿﺖ آﺧﺮ وﻗﺎل: وھﻨﺎ ﺗﺨﺰن أﻟﻮاح اﻷﺧﺸﺎب ودروع اﻟﻨﺨﻞ واﻟﺤﺒﺎل ،إذا ﺷﺌﺖ أن ﺗﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰﻧﺼﯿﺒﻚ ﻣﻦ اﻷﺧﺸﺎب اﻟﻤﻜﺸﻮطﺔ ﻓﻌﻠﯿﻚ أن ُﺗﺒﻜِّﺮ وإﻻ ﺳﺘﻨﻔﺪ وﺗﻀﻄﺮ إﻟﻰ اﻻﻧﺘﻈﺎر. ﻗﻠﺖ ﻟﻠﻐﻼم اﻟﺤﺒﺸﻲ وأﻧﺎ أﺷﯿﺮ إﻟﻰ ﻣﺨﺰن اﻷﺧﺸﺎب: ﻏًﺪا ُﺗﺒﻜِّﺮ إﻟﻰ ھﻨﺎ ،وﺗﺤﺠﺰ ﻧﺼﯿﺒﻨﺎ ﻣﻦ اﻷﺧﺸﺎب.أوﻣﺄ اﻟﻐﻼم ﻣﺘﻔﮫ ً ﻤﺎ ،وھﱠﺰ )ﺟﺪﻳﺲ( رأﺳﻪ ﻣﺴﺘﺤﺴًﻨﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻠﻐﻼم: وﺣﯿﻦ ﺗﺄﺗﻲ إﻟﻰ ھﻨﺎ ،أ ْﺧِﺒْﺮھﻢ أﻧﻚ ﻣﻦ رﺟﺎل )ﺟﺪﻳﺲ( ،ﻓﻠﻜﻞ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺠﺎرﻳﻦ رﺋﯿﺴﮫﻢ ،وأﻧﺎ رﺋﯿﺴﻜﻢ. ﺛﻢ ﻗﺎل وھﻮ ﻳﻨﺼﺮف: ﺣﺴًﻨﺎ أراﻛﻢ ﻏًﺪا ﻋﻠﻰ ﺧﯿﺮ.ﻋﺪ ُ ت أﺗﻄﻠﻊ إﻟﻰ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ اﻟﺘﻲ اﻣﺘﺪت ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﮫﺎ ﻣﺤﻔﺔ ﻛﺒﯿﺮة وﺻﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﺸﺎطﺊ ،وﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺤﻔﺔ ﻛﺎن اﻟﻌﻤﺎل ﻳﺤﻤﻠﻮن اﻟﺠﻮاﻟﻖ واﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﻓﯿﻨﻘﻠﻮﻧﮫﺎ إﻟﻰ اﻟﺼﻮاﻣﻊ ،ﻣﮫﺎرة اﻟﻌﻤﺎل ،وﺳﺮﻋﺘﮫﻢ ﺟﻌﻠﺘﻨﻲ أدرك أن ﻛﻞ ﺷﻲء ﻓﻲ ھﺬا ﻤﺎ وأن )ﺟﺪﻳﺲ( ﻛﺎن ﻣﺤﻘﺎ ﻓﻲ ﺟ ْ اﻟﻤﺮﻓﺄ ﻛﺎن ﻣﻨﻈ ً ﻤﻊ ﻛﻞ ھﺬا اﻟﻌﺪد ﻣﻦ اﻟﻨﺠﺎرﻳﻦ ،ﻓﺴﻔﯿﻨﺔ واﺣﺪة ﻗﺪ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﻋﺸﺮة ﻧﺠﺎرﻳﻦ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﺑﮫﺎ. أﻓﻘﺖ ﻣﻦ ﺗﺮﻛﯿﺰي ،واﻟﺘﻔﺖ إﻟﻰ )ھﻮى( اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ أظﻨﮫﺎ ﻻ ﺗﺰال واﻗﻔﺔ ﺧﻠﻔﻲ ﻛﻲ أﻗﻮل ﻟﮫﺎ إﻧﻨﺎ ﺳﻨﻌﻮد أدراﺟﻨﺎ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﺟﺪھﺎ! ﺗﻠﻔﺖ ﻳﻤﯿًﻨﺎ وﻳﺴﺎًرا ﺛﻢ ﻣﺴﺤﺖ ﺑﻌﯿﻨﻲ اﻟﺰﺣﺎم ﻟﻌﻠﻲ أﺟﺪ اﻣﺮأة ﺗﺮﺗﺪي ﺧﻤﺎًرا أﺳﻮَد وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﺟﺪھﺎ وﻛﺄﻧﮫﺎ ذاﺑﺖ ﺑﯿﻦ اﻟﺠﻤﻮع. ﺿﯿﻖ: ﻗﻠﺖ ﻟﻠﻐﻼم ﻓﻲ ِ أﻳﻦ ذھﺒﺖ اﻟﺴﯿﺪة )ھﻮى(؟ھﺰ ﻛﺘﻔﯿﻪ وﻗﺎل: ﻻ أدري ﻳﺎ ﺳﯿﺪي!زﻓﺮت وأﻧﺎ أﻟﻌﻦ ﻏﺒﺎﺋﻲ اﻟﺬي ﺟﻌﻠﻨﻲ أﺻﺤﺒﮫﺎ إﻟﻰ ھﻨﺎ وﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﺰال ﻓﻲ ﻳﻮﻣﻨﺎ اﻷول! ﻛﯿﻒ ﻟﻢ أﻓﻄﻦ إﻟﻰ ﻟﻌﻨﺔ اﻟﯿﻮم اﻷول اﻟﺘﻲ ﺗﻄﺎردﻧﻲ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺪﻳﻨﺔ أذھﺐ إﻟﯿﮫﺎ؟! ﻗﻠﺖ ﻟﻠﻐﻼم: ھﻞ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ اﻟﺪار وﺣﺪك؟ﻗﺎل: ﻧﻌﻢ.ﻗﻠﺖ ﻣﺴﺘﺤﺴًﻨﺎ: ﺣﺴًﻨﺎ!اذھﺐ إﻟﻰ ھﻨﺎك ،وﻟﻮ وﺟﺪت اﻟﺴﯿﺪة )ھﻮى( ﺑﺎﻟﻤﻨﺰل ،ﻓُﻌْﺪ وأﺧﺒﺮﻧﻲ ،وإن ﻟﻢ ﺗﺠﺪھﺎ ﻓﻼ ُﺗﺨﺒﺮ أﺣًﺪا ﺑﻐﯿﺎﺑﮫﺎ ﺣﺘﻰ أﻋﻮد. ﻞ ﺑﯿﻦ اﻟﺰﺣﺎم واﺧﺘﻔﻰ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺎت ..ﺗﻠﻔ ﱡ ﻤﺎ ،ﺛﻢ اﻧﺴ ﱠ ھﺰ اﻟﻐﻼم رأﺳﻪ ﻣﺘﻔﮫ ً ﺖ ﺣﻮﻟﻲ وأﻧﺎ أﺣ ِّ ﺪث ﻧﻔﺴﻲ وأﺗﺴﺎءل: ﻣﻦ أﻳﻦ أﺑﺪأ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻨﮫﺎ؟! ھﺪاﻧﻲ ﺑﺼﺮي إﻟﻰ رﺑﻮة ﻋﺎﻟﯿﺔ وﺿﻊ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﺳﺎٍر ﻣﺮﺗﻔﻊ وراﻳﺔ ﺣﻤﺮاء ﻛﻲ ﺗﺮاھﺎ اﻟﺴﻔﻦ اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ ،أدرﻛﺖ أن ھﺬه ھﻲ اﻟﻨﻘﻄﺔ اﻟﻤﺜﻠﻰ ﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﻤﺮﻓﺄ ﻛﺎﻣًﻼ ،ھﺮوﻟﺖ إﻟﻰ اﻟﺮﺑﻮة وﺻﻌﺪت ھﻀﺒﺘﮫﺎ وأﻧﺎ أﺗﺸﺒﺚ ﻓﻲ ﺻﺨﻮرھﺎ ﺑﯿﺪي إﻟﻰ أن وﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﻗﻤﺘﮫﺎ ،وﻗﻔﺖ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﺴﺎري أﻟﮫﺚ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺐ ،أﺗﻠﻔﺖ ﺑﻌﯿﻨﻲ ﻓﻲ ﻛﻞ اﻻﺗﺠﺎھﺎت وأﻧﺎ أﻗﻮل ﻟﻨﻔﺴﻲ: ﺖ ﻳﺎ )ھﻮى(؟ أﻳﻦ أﻧ ِﻓﺠﺄة رأﻳﺖ ﻋﻠﻰ اﻟُﺒﻌﺪ ﺧﯿﺎًﻻ أﺳﻮَد ﻳﺴﯿﺮ ﻣﻨﻔﺮًدا ﺑﻤﺤﺎذاة اﻟﺸﺎطﺊ ﻓﻲ اﻻﺗﺠﺎه اﻵﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺮﻓﺄ ،ﺷﻌﺮت أﻧﮫﺎ ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ھﻲ وﺣﯿﻦ ﺣﺪﻗﺖ ﻋﯿﻨﻲ ،وأﻣﻌﻨﺖ اﻟﻨﻈﺮ ،أدرﻛﺖ ﻣﻦ ﻣﺸﯿﺘﮫﺎ وﺧﻤﺎرھﺎ اﻟﺬي طﺎر ﻣﻦ ﻓﻮق رأﺳﮫﺎ أﻧﮫﺎ ھﻲ ،ﺧﻔﻖ ﻗﻠﺒﻲ ﻓﻨﺎدﻳﺖ ﺑﺄﻋﻠﻰ ﺻﻮت: ) -ھﻮى(…! وﻟﻜﻦ ﻧﺪاﺋﻲ ﻟﻢ ﻳﺘﺠﺎوز أﺳﻔﻞ اﻟﺮﺑﻮة ﻣﻦ ﺷﺪة اﻟﺠﻠﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻓﺄ ،وﻗﻔﺖ أﻧﻈﺮ إﻟﯿﮫﺎ ﻛﻲ أﻋﺮف إﻟﻰ أﻳﻦ ﺗﺘﺠﻪ ..ﺧﻔﻖ ﻗﻠﺒﻲ وﺷﮫﻘ ُ ﺖ ﻣﺬھﻮًﻻ ﺣﯿﻦ رأﻳﺖ ﺑﯿًﺘﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻮص ﻳﻘﻒ ﻣﻨﻔﺮًدا ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎطﺊ ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ اﻟﻤﺮﻓﺄ و)ھﻮى( ﺗﺴﯿﺮ إﻟﯿﻪ ﻛﺎﻟﻤﺴﺤﻮرة ﻻ ﺗﺄﺑﻪ ﻟﺨﻤﺎرھﺎ اﻟﺬي أطﺎح ﺑﻪ اﻟﮫﻮاء وﻻ ﻟﻨﻌﻠﮫﺎ اﻟﺬي ﺳﻘﻂ ﻣﻦ ﻗﺪﻣﯿﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﺮﻣﺎل ،ﺳﺎرت ﺣﺎﻓﯿًﺔ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﺴﯿﺮ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﻰ ﺣﻠﻤﮫﺎ اﻟﺬي أوﺷﻚ أن ﻳﺘﺤﻘﻖ ،ﻗﺮرت أن أﻟﺤﻖ ﺑﮫﺎ وﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ وﺟﮫﺘﮫﺎ ،ﺷﻤﺮت ﺟﻠﺒﺎﺑﻲ ووﺿﻌﺘﻪ ﻓﻲ ﺳﺮواﻟﻲ ،ﺛﻢ ﻧﺰﻟﺖ اﻟﺮﺑﻮة ﻓﻲ ﻗﻔﺰات ﻣﺘﺴﺎرﻋﺔ ﻛﻐﺰال ﺟﺒﻠﻲ ،وﻣﺎ أن وﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﺳﻔﺤﮫﺎ ،ﺣﺘﻰ ھﺮوﻟ ُ ﺖ ﻣﺴﺮًﻋﺎ إﻟﻰ ﺑﯿﺖ اﻟﺨﻮص وأﻧﺎ أدﻓﻊ اﻷﺟﺴﺎد اﻟﻤﺘﻼﺣﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻓﺄ ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻨﻲ ،وأذﻧﻲ ﺗﺘﻠﻘﻰ اﻟﺸﺘﺎﺋﻢ ﺑﻠﮫﺠﺎت ﺷﺘﻰ ،وﺻﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﺸﺎطﺊ وھﻲ ﻋﻠﻰ ُﺑْﻌﺪ ﺧﻄﻮات ﻣﻦ ﺑﯿﺖ اﻟﺨﻮص ،ظﻠﻠﺖ أﻧﺎدي ﻋﻠﯿﮫﺎ وأﻧﺎ أھﺮول: )ھﻮى() ..ھﻮى( ..وﻟﻜﻦ ھﯿﮫﺎت ،ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﺘﻠﺘﻔﺖ ﻋﻦ وﺟﮫﺘﮫﺎ وھﻲ ﻋﻠﻰُﺑْﻌﺪ ﺧﻄﻮات ﻣﻦ ﺣﻠﻤﮫﺎ ،وﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﺑﯿﺖ اﻟﺨﻮص ،ﻓﺪﻟﻔﺖ ﻣﻦ ﺑﺎﺑﻪ واﺧﺘﻔﺖ ﺑﺪاﺧﻠﻪ ،ﺿﺎﻋﻔ ُ ﺖ ﺳﺮﻋﺘﻲ ،وﺻﺪري ﻳﺘﻤﺰق ﻣﻦ ﺧﻔﻘﺎت ﻗﻠﺒﻲ ،وﺻﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﺨﻮص ،ﻓﺄﻣﺴﻜﺖ ﺑﺤﺎﻓﺔ اﻟﺒﺎب وأطﺤﺖ ﺑﺠﺴﺪي داﺧﻠﻪ ،وأﻧﺎ أﻗﻮل ﻟﮫﺎ ﻓﻲ ﺻﻮت ﻳﺘﮫﺪج ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺐ: )ھﻮى(… ﻟﻤﺎذا ﻻ ﺗﺮدي ﻋﻠ ﱠﻲ؟ رأﻳﺘﮫﺎ ﺗﻘﻒ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺒﯿﺖ ،أﻣﺎم رﺟﻞ ﻋﺮﻳﺾ اﻟﻤﻨﻜﺒﯿﻦ ﻳﻘﻒ أﻣﺎﻣﮫﺎ وﻗﺪ أوﻟﻰ ظﮫﺮه ﻟﻠﺒﺎب وﻋﯿﻨﺎھﺎ ُﻣﻌﻠﱠﻘﺔ ﺑﻪ ﻓﻲ ﺻﻤﺖ ،أذھﻠﺘﻨﻲ اﻟﻤﻔﺎﺟﺄة. ﺪق أن ﻳﻜﻮن ﻛﻞ ھﺬا اﻟﻌﺒﺚ ﺣﻘﯿﻘﻲ ،اﺳﺘﺪار اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ُﺑ ْ وأﻧﺎ ﻻ ُأﺻ ِّ ﻂء واﻟﺘﻔﺖ إﻟ ﱠ ﻲ ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻮاﻗﻒ أﻣﺎﻣﮫﺎ ھﻮ )اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﺑﻞ ﻛﺎن رﺟًﻼ آﺧﺮ، رﺟًﻼ ﻟﻢ ُﺗ ْ ﻒ اﻷﻳﺎم ﺑﺮﻳﻖ ﻋﯿﻨﯿﻪ ،وﻻ ﻣﻼﻣﺢ وﺟﮫﻪ رﻏﻢ اﻟﻠﺤﯿﺔ اﻟﺴﻤﺮاء اﻟﺘﻲ ﺨ ِ ﻧﺒﺘﺖ ﻋﻠﯿﻪ وﻋﻼﻣﺎت اﻟﺸﻘﺎء اﻟﺘﻲ ظﻠﻠﺖ ﺟﻔﻨﯿﻪ ،ﻧﻈﺮ اﻟﺮﺟﻞ إﻟ ﱠ ﻲ ﻓﻲ ذھﻮل وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻳﺘﯿﻘﻦ ﻣﻤﺎ ﺗﺮاه ﻋﯿﻨﺎه ،ﺛﻢ ھﺘﻒ: )ﺷﻤﻌﻮن(!وھﺘﻔﺖ أﻧﺎ: )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ(!∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ والـﺧﻤﺴﻮن اﻧﺪﻓﻊ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﺗﺠﺎه اﻵﺧﺮ ﻳﺤﺘﻀﻨﻪ ﻓﻲ ﻣﺸﺎﻋﺮ ھﺎدرة ﺻﺎدﻗﺔ ،ودﻣﻮع اﻟﻔﺮح ﺗﺒﻠﻞ أﻋﯿﻨﻨﺎ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ وﻗﻔﺖ )ھﻮى( ذاھﻠﺔ ﻣﻤﺎ ﻳﺤﺪث أﻣﺎﻣﮫﺎ ،وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻧﺤﻦ ﻛﺬﻟﻚ إذا ﺑﺼﻮت ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻨﺎ وھﻮ ﻳﻨﺎدي ﻋﻠﻰ )ﻋﻤﺮو(. اﻟﺘﻔ ﱡ ﺖ ﻷﺟﺪه اﻟﺘﺎﺟﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( وﻗﺪ ﺑﺪا أﻛﺜﺮ ﻧﺤﺎﻓﺔ وأﻛﺒﺮ ﻋﻤًﺮا ﻋﻦ ذي ﻗﺒﻞ ﺑﻌﺪ أن طﺎﻟﺖ ﻟﺤﯿﺘﻪ وأﺻﺎﺑﮫﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﯿﺐ. ﻓﻘﺬف ﺑﻨﻔﺴﻪ ھﻮ اﻵﺧﺮ ﺑﯿﻨﻨﺎ وﺟﻤﻌﻨﺎ ﻋﻨﺎق طﻮﻳﻞ وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺣﻤﻠﺘﻨﺎ أﺟﻨﺤﺔ اﻟﻘﺪر ﺟﻤﯿًﻌﺎ ،وأﻟﻘﺖ ﺑﻨﺎ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻘﻌﺔ ﻣﻦ اﻷرض ﻛﻲ ﻧﻠﺘﻘﻲ ﻓﯿﮫﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻔﺮاق. ﻟﻢ أدِر ﻛﻢ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻗﺪ ﻣﱠﺮ وﻧﺤﻦ ﺟﻠﻮس ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺨﻮﺻﻲ ،ﻧﺘﺤﺪث ﻓﯿﻤﺎ وﻗﻊ ﻣﻦ أﺣﺪاث ﺧﻼل اﻷﻋﻮام اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻟﻤﺎﺿﯿﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ أﺧﺒﺎر اﻟﺤﺮب ﻗﺪ وﺻﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﻤﺮاﻓﺊ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﻗﻔﻮا ﺑﮫﺎ وﻋﻠﻤﻮا ﻧﺘًﻔﺎ ﻣﻦ أﺧﺒﺎر »ﺟﺮھﻢ« و»ﺧﺰاﻋﺔ« ،وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﺼﻠﮫﻢ أﻣﺮ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( و)دوﻣﺔ( ،ﺑﻜﯿﺎ ﺣﯿﻦ ﻋﻠﻤﺎ ﺑﻮﻓﺎة اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ورﺣﯿﻞ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ(. وﺳﺄﻟﻨﻲ )ﻋﻤﺮو( اﻟﺴﺆال اﻟﺬي ﻛﻨﺖ أراه ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﻣﻨﺬ ﺟﻠﺴﻨﺎ: وﻣﺎذا ﻋﻦ )ﻟﯿﺚ( و)أروى( ھﻞ راﻓﻘﺎ أﺑﻲ إﻟﻰ ﺳﺒﺄ؟ﻗﻠﺖ: ﻛﻼ ،ﺧﺮج )ﻟﯿﺚ( و)ﺑﻨﻮ ﻳﻄﻮر( إﻟﻰ »ﻳﺜﺮب« ﻣﻊ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﻷﺟﻞ اﻟﺘﺠﺎرة.ﺛﻢ أردﻓﺖ ﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻦ ﺻﻤﺖ: أﻣﺎ )أروى( ﻓﻘﺪ ﻣﻜﺜﺖ ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« ﺣﺘﻰ ﺗﻀﻊ ﻣﻮﻟﻮدھﺎ.رأﻳﺖ ﺧﯿﺒﺔ اﻷﻣﻞ واﻟﺤﺰن ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ ،ﺗﻨﻔﺲ ﻓﻲ ﻋﻤﻖ ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ أﺳﻰ: ﺟ ْ ﺗﺰﱠو َﺖ )أروى(؟! ﻗﻠﺖ: ﻧﻌﻢ.ﻗﺎل ﻣﺘﺄﻟ ً ﻤﺎ: ﻣﻤﻦ؟ﻗﻠﺖ: -ﻣﻨﻲ أﻧﺎ. ﻗﺎل ذاھًﻼ: أﻧﺖ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(؟ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺣﺴﻢ: ﻧﻌﻢ ،وأﻧﺠﺒﺖ ﻟﻲ )إﺑﺮام(.ﻗﺎم ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻪ واﺳﺘﺪار ﻟﯿﺨﻔﻲ وﺟﮫﻪ ﻋﻨﻲ ،ﺳﺎر ﺧﻄﻮات ﺛﻢ وﻗﻒ إﻟﻰ ﻧﺎﻓﺬة اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺨﻮﺻﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻄﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺤﺮ وأﺷﺮف ﻣﻨﮫﺎ ﺑﺮأﺳﻪ وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺘﻠﻘﻒ ﻣﻨﮫﺎ اﻟﮫﻮاء ،ظﻞ ﺻﺎﻣًﺘﺎ إﻻ ﻣﻦ ﺻﻮت أﻧﻔﺎﺳﻪ اﻟﺘﻲ ﺳﻤﻌﺘﮫﺎ ﺗﺘﻼﺣﻖ ﻣﻊ ﺻﻮت ﻋْﻠﻢ ﺑﻤﻌﺎﻧﺎة رﻓﯿﻘﻪ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ أﺧﺬت أﻣﻮاج اﻟﺒﺤﺮ ،ﻻذ )ﺷﮫﺒﻮر( ﺑﺎﻟﺼﻤﺖ وﻛﺄﻧﻪ ﻋﻠﻰ ِ )ھﻮى( ﺗﻨِّﻘﻞ ﺑﺼﺮھﺎ ﺑﯿﻨﻨﺎ ﻓﻲ ﺗﻌﺠﺐ وﻗﺪ ﺳﺎورھﺎ اﻟﺸﻚ ﻓﯿﻤﺎ ﻳﺤﺪث. ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻹﺷﻔﺎق ﺗﺠﺎھﻪ ،ﻓﻤﺎ أﻗﺴﻰ أن ﻳﻌﻮد اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻌﺪ اﻟﻐﺮﺑﺔ ،ﻟﯿﺠﺪ اﻟﺸﻤﻞ وﻗﺪ ﺗﻔﺮق ،واﻟﺤﺒﯿﺒﺔ وﻗﺪ ﻏﺎدرت ،ﻛﻨﺖ أﺗﻮﻗﻊ ﻣﻨﻪ اﻟﻐﻀﺐ أﻳ ً ﻀﺎ ،وﻟﻜﻨﻲ ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻳﻘﻮل ﻓﻲ رﻓﻖ وھﻮ ﻳﻨﻈﺮ ﺟﮫﺔ اﻟﺒﺤﺮ: أﺗﺪري ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ﻣﺎ ھﻮ أﻛﺜﺮ ﺷﻲء أﺣﺰﻧﻨﻲ طﯿﻠﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﻮات؟ﻟﻢ ﻳﻨﺘﻈﺮ ﻣﻨﻲ اﻟﺠﻮاب ،ﺑﻞ أردف ﻗﺎﺋًﻼ: إﻧﻲ ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﺄﻧﻨﻲ ﻗﺪ ظﻠﻤﺖ )أروى(!ﻓﻼ أظﻠﻢ ﻣﻦ أن ﻧﺮھﻦ ﺣﯿﺎة ﻣﻦ ﻧﺤﺐ ﻋﻠﻰ ﺗﺼﺎرﻳﻒ اﻷﻳﺎم. ﺛﻢ ﺗﺎﺑﻊ: ﻛﻨﺖ أﻟﻮم ﻧﻔﺴﻲ أﻧﻲ ﺧﻄﺒﺘﮫﺎ ﻣﻦ أﺑﯿﮫﺎ ،ﺛﻢ ﺗﺮﻛﺘﮫﺎ وأﻧﺎ ﻻ أدري ھﻞ ﺳﺄﻋﻮدإﻟﯿﮫﺎ أم ﻻ ..ﻳﻮم رﻛﺒﻨﺎ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ أﻧﺎ و)ﺷﮫﺒﻮر( ﻣﻦ »ﻏﺮﻧﺪل« ﺑﻌﺪ وﻓﺎة ﻋﻤﻲ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ،ﺗﻤﻨﯿﺖ أن أﻋﻮد إﻟﻰ أﺑﻲ وأﻗﻮل ﻟﻪ: )أروى( ﻓﻲ ﺣ ٍ ّ ﻞ ﻣﻦ ﺧﻄﺒﺘﻲ! طﯿﻠﺔ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ﻛﻨﺖ أﺗﻤﻨﻰ أﻻ ﻳﺤﺮﻣﮫﺎ أﺑﻲ أو ﺟﺪي ﻣﻦ أن ﺗﺘﺰوج ﻓﯿﻜﻔﯿﮫﺎ ﻣﺎ ﻋﺎﻧﺘﻪ ﺑﻌﺪ ﻓﻘﺪان أﺑﯿﮫﺎ. ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ وھﻮ ﻳﺤﺠﺰ دﻣﻌﺔ ﻓﻲ ﻋﯿﻮﻧﻪ وﻳﻘﻮل: ﻣﺒﺎر ٌك ﻟﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(! ﻟﻮ ﻛﺎن ﻟﻲ أﺧﺖ ﻟﺰوﺟﺘﻚ إﻳﱠﺎھﺎ. ﺖ ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻲ ﻓﺎﺣﺘﻀﻨﺘﻪ ورﺑ ﱡ ﻗﻤ ُ ﺖ ﻋﻠﻰ ظﮫﺮه ﻓﻲ ﻗﻮة وأﻧﺎ أﻗﻮل: ﻢ اﻷخ أﻧﺖ ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو( ،ﺣﻤًﺪا ﻟﻠﺮب أن ُﻋﺪت إﻟﯿﻨﺎ ﺳﺎﻟ ً ﻧِْﻌ َﻤﺎ. ﺛﻢ ﻗﻠﺖ ﻣﺎز ً ﺣﱠﺪة اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ: ﺣﺎ ﻛﻲ أﺧﻔﻒ ﻣﻦ ِ ﺖ ﺑﻨﺎ إﻟﻰ ھﻨﺎ. ﻚ ﻗﺪ أﺗﯿ ِ ﻚ ﻳﺎ )ھﻮى( أﻧ ِ ﺷﻜًﺮا ﻟ ِﻛﺎﻧﺖ )ھﻮى( ﺗﺴﺢ دﻣﻮًﻋﺎ ،ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺳﻤﻌﺘﻪ ،ﻓﻘﺎل )ﻋﻤﺮو( وﻛﺄﻧﻪ ﺗﻨﺒﻪ ﻟﻮﺟﻮدھﺎ: ﻦ اﻟﻔﺘﺎة؟ َﻣ ِوﻣﺎ ﻗﺼﺘﮫﺎ؟ ﻗﻠﺖ ﺿﺎﺣ ً ﻜﺎ: ھﺬه ھﻲ )ھﻮى( رﺑﯿﺒﺔ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ،وﺻﺪﻳﻘﺔ )أروى( ﻓﻲ اﻟﺼﻐﺮ.ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو( وﻛﺄﻧﻪ ﻗﺪ ﺗﺬﻛﺮھﺎ: ﺖ )ھﻮى( اﻟﻄﻔﻠﺔ اﻟﻤﺸﺎﻛﺴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ُﺗﻄﺎرد ﺻﺒﯿﺎن اﻟﺤﻲ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎرة ﻓﻲ أﻧ ِﺻﻐﺮﻧﺎ؟ ﻣﺴﺤﺖ )ھﻮى( دﻣﻌﺘﮫﺎ وﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﻠﻘﻲ إﻟﯿﻪ ﺑﻨﻈﺮة ﺣﻨﯿﻦ ﻟﻢ ﺗﺨﻒ ﻋﻠﯿﻨﺎ: وأﻧﺖ )ﻋﻤﺮو( أﻧﺒﻞ أطﻔﺎل اﻟﺤﻲ ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺪﻓﻊ ﻋﻨﻲ وﻋﻦ )أروى( ﻏﺒﺎءاﻟﺼﺒﯿﺎن! ﺿﺤﻜﻨﺎ ﺛﻢ ﻗﻠﺖ ﻟﮫﻢ ،وأﻧﺎ أدﻋﻮھﻢ ﻟﻠﺘﺤﺮك: ھﯿﺎ ﺑﻨﺎ ﻧﻌﺪ إﻟﻰ اﻟﺒﯿﺖ ،ﺳﺘﻔﺮح )أروى( و)أم اﻟﺴﻌﺪ( ﺑﻤﺠﯿﺌﻜﻤﺎ.ﺛﻢ أردﻓﺖ: ﻛﻤﺎ أﻧﻨﻲ أرﻳﺪ أن أﻋﺮف ﻣﻨﻜﻤﺎ ﻛﯿﻒ وﺻﻞ ﺑﻜﻤﺎ اﻟﺤﺎل إﻟﻰ »اﻟﺸﻌﯿﺒﺔ«.وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن )ﻋﻤﺮو( ﻳﺘﺠﺎذب أطﺮاف اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت ﻣﻊ )ھﻮى( ،ھﻤﺴﺖ ﻓﻲ أذن )ﺷﮫﺒﻮر( اﻟﺴﺎﺋﺮ إﻟﻰ ﺟﻮاري: اﻷﻣﺎﻧﺔ ﻻ ﺗﺰال ﻣﻌﻲ ،ﺳﻮف أردھﺎ إﻟﯿﻚ ﺣﯿﻦ ﻧﻌﻮد إﻟﻰ »ﺑﻜﺔ«.ﻓﺎﻧﺘﻔﺦ وﺟﮫﻪ ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة وأﺳﺮع اﻟﺨﻄﻰ ﺣﺘﻰ ظﻨﻨﺘﻪ ﺳﯿﺴﻘﻂ ﻣﺘﺪﺣﺮ ً ﺟﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﺮح. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ والـﺧﻤﺴﻮن ﻛﺎﻧﺖ ھﺬه ھﻲ أﻓﻀﻞ ﻟﯿﻠﺔ أوﻟﻰ ﻟﻲ ،ﻣﻨﺬ ﺧﺮوﺟﻲ ﻣﻦ »ﻗﺎدش ﺑﺮﻧﯿﻊ«، ﺷﻌﺮت ﺑﺪفء اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت واﺳﺘﻌﺪ ُ ت أﻳﺎم اﻟﻠﻘﺎء اﻷوﻟﻰ ﻣﻊ ﻗﺒﯿﻠﺔ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻓﻲ ﺗﻞ اﻟﻌﺮاد ..ﻓﺮﺣﺖ )أروى( و)أم اﻟﺴﻌﺪ( ﺑﺸﺪة ﻟﻌﻮدة )ﻋﻤﺮو( ،أﺻﱠﺮت )أم اﻟﺴﻌﺪ( أن ﺗﻌﺪ ﻟﻪ ﻋﺸﺎًء ُﻳﺬﻛِّﺮه بـ»ﺑﻜﺔ«. ﻤﺎ ،ﻓﺄﻋﺪت ﺧﺒًﺰا ﺷﮫﯿﺎ طﺎز ً ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﻟﺤ ً ﺟﺎ ،وأﺿﺎﻓﺖ إﻟﯿﻪ اﻟﺴﻤﻦ واﻟﻌﺴﻞ. ت اﻟﻨﺴﺎء إﻟﻰ ﻓﺮاﺷﮫﻦ وﺟﻠﺴﻨﺎ أﻧﺎ و)ﻋﻤﺮو( و)ﺷﮫﺒﻮر( ﻓﺄﻛﻠﻨﺎ وﺷﺮﺑﻨﺎ ،ﺛﻢ أو ِ ﺧﺎرج اﻟﻤﻨﺰل ،أﺷﻌﻠﻨﺎ اﻟﺤﻄﺐ وﺟﻠﺴ ُ ﺖ أﺳﺘﻤﻊ إﻟﻰ ﻣﺎ رواه )ﻋﻤﺮو( و)ﺷﮫﺒﻮر(، ﻓﺎﻛﺘﻤﻞ ﻓﻲ ﻋﻘﻠﻲ ﻣﺎ ﺑﺪأه )دﻋﺲ( ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وﻗﺮرت أن أﻛﺘﺐ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻓﺼًﻼ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻲ ﻳﻜﻮن ﻓﯿﻪ ﺧﺒﺮ ﻣﺎ وﻗﻊ ﻣﻦ أﺣﺪاث لـ)ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ( واﻟﺘﺎﺟﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( ،ﻣﻨﺬ ﺧﺮوﺟﮫﻤﺎ ﻣﻦ »ﻏﺮﻧﺪل« وﺣﺘﻰ وﺻﻮﻟﮫﻤﺎ إﻟﻰ »اﻟﺸﻌﯿﺒﺔ« ،وھﺬا ﻣﺎ ورد ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن )ﺷﮫﺒﻮر(: »اﻧﻄﻠﻘﺖ ﺑﻨﺎ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ﻣﻦ ﺧﻠﯿﺞ »ﻟﺤﯿﺎن« ﻓﻲ ﻓﺠﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﺘﻲ ھﺮﺑﻨﺎ ﻓﯿﮫﺎ ﻣﻦ »ﻏﺮﻧﺪل« ،ﻛﺎن )ﺟﻨﺪار( وﺟﻨﻮده ﻗﺪ وﺻﻠﻮا إﻟﻰ اﻟﺸﺎطﺊ ﻓﻮﺟﺪوا اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ﺗﺸﻖ ﻋﺒﺎب اﻟﺒﺤﺮ وﻻ ﻳﺒﺪو ﻣﻨﮫﺎ إﻻ ﺳﺎرﻳﮫﺎ ،ﻓﻌﺎدوا أدراﺟﮫﻢ وﻗﺪ ﻳﺌﺴﻮا ﻣﻦ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﯿﻨﺎ ،ورﻏﻢ أﻧﻨﺎ ﻛﻨﺎ ﻓﻲ أﻣﺎن ،ﻟﻢ أدع اﻟﺤﺬر ﻳﻔﺎرﻗﻨﻲ ،وأﻣﺮت اﻟﺒﺤﺎرة ﺑﺄﻻ ﻳﻜﻔﻮا ﻋﻦ اﻟﺪﻓﻊ ﺑﺎﻟﻤﺠﺎدﻳﻒ ﻟﯿﻞ ﻧﮫﺎر ،وﻗﺴﻤﺘﮫﻢ إﻟﻰ ﻓﺮﻗﺘﯿﻦ؛ ﻓﺮﻗﺔ ﺗﺠﺪف ﺑﺎﻟﻨﮫﺎر واﻷﺧﺮى ﺗﺠﺪف ﺑﺎﻟﻠﯿﻞ ،إﻟﻰ أن ﻻح ﻟﻨﺎ ﻓﻲ اﻷﻓﻖ ﺷﺎطﺊ ﻣﺠﻤﻊ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ. ﺻﻤﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﻟﯿﺰدرد ﻟﻌﺎﺑﻪ ،ﺛﻢ ﻗﺎل: ﺗﺮﻛﻨﺎ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ اﻟﺘﻲ أﺗﯿﻨﺎ ﺑﮫﺎ ﻣﻦ ﻏﺮﻧﺪل وﻣﻜﺜﻨﺎ ﻓﻲ »ﻣﺠﻤﻊ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ« ﻋﺪةأﻳﺎم ،اﺷﺘﺮﻳﺖ ﺧﻼﻟﮫﺎ ﺑﻀﺎﺋﻊ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻌﻲ ﻣﻦ ﻧﻘﻮد وﻗﻤﻨﺎ ﺑﻨﻘﻠﮫﺎ إﻟﻰ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺘﻘﻠﻨﺎ إﻟﻰ »ﻛﻮش« ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ﺿﺨﻤﺔ ،ﻳﻌﻤﻞ ﺑﮫﺎ ﻗﺮاﺑﺔ اﻟﻤﺎﺋﺔ ﺑﺤﺎر ،ﻓﻀًﻼ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﺎل واﻟﺘﺠﺎر. وﻓﻲ ﺻﺒﯿﺤﺔ ﻳﻮم اﻟﺴﻔﺮ ،ﻋﻼ ﺑﻮق اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ،اﺳﺘﻌﺪاًدا ﻟﻠﺮﺣﯿﻞ ،وﺻﻌﺪ اﻟﻨﺎس إﻟﻰ ﺳﻄﺤﮫﺎ ،وﺻﻌﺪت أﻧﺎ و)ﻋﻤﺮو( ورﺟﺎﻟﻲ ،وﺗﺤﺮﻛﺖ ﺑﻨﺎ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ﻓﻮق اﻟﻤﻮج اﻟﮫﺎدئ ﺗﺤﯿﻂ ﺑﻨﺎ ﺳﻔﻦ أﺻﻐﺮ وﻣﺮاﻛﺐ ﺻﯿﺪ ﺧﺮﺟﺖ ﻛﻠﮫﺎ ﺗﺒﻐﻲ اﻟﺮزق ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ وﻗﺪ اﺳﺘﺒﺸﺮﻧﺎ ﺧﯿًﺮا ﺑﺮﺣﻠﺔ ﻻ ﻳﻌﻜﺮ ﺻﻔﻮھﺎ ﺷﻲء ،وﻣﺎ أن اﺳﺘﻘﺒﻠﻨﺎ اﻷﻓﻖ واﺑﺘﻌﺪﻧﺎ ﻋﻦ اﻟﺸﺎطﺊ ﺣﺘﻰ وﺟﺪﻧﺎ اﻟﺒﺤﺮ وﻗﺪ اﻧﺘﺜﺮت ﺑﻪ ﻋﺸﺮات اﻟﺴﻔﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﺮاﻳﺎت اﻹدوﻣﯿﺔ ،ﺗﺘﻘﺪم ﺗﺠﺎھﻨﺎ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﯿﺔ اﻟﺸﺮق ،ھﺮوﻟﺖ إﻟﻰ رﺋﯿﺲ اﻟﺒﺤﺎرة اﻟﻜﻮﺷﻲ وأﻧﺎ أطﻠﺐ ﻣﻨﻪ أن ﻳﺴﺘﺪﻳﺮ ﻋﺎﺋًﺪا ،وﺣﺬرﺗﻪ ﻣﻦ أن اﻟﺴﻔﻦ اﻹدوﻣﯿﺔ ﺗﻘﻄﻊ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،وﺗﻐﺘﺼﺐ اﻟﺴﻔﻦ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺮﺟﻞ ﻟﻢ ﻳﺘﺨﯿﻞ أن أﺣًﺪا ﻗﺪ ﻳﻘﻄﻊ طﺮﻳﻖ اﻟﺒﺤﺮ ﻋﻠﻰ أﻧﺎس ﻳﺒﻐﻮن اﻟﺮزق ،ﻓﺎﺳﺘﻤﺮ ﻓﻲ اﻹﺑﺤﺎر ﻗﺪًﻣﺎ وﻛﺄﻧﻤﺎ ظﻦ ﺑﻲ اﻟﺠﻨﻮن ..ﺣﯿﻨﺌٍﺬ أﺑﺤﺮت إﺣﺪى اﻟﺴﻔﻦ اﻹدوﻣﯿﺔ ﺗﺠﺎھﻨﺎ ورأﻳﺖ )ﺟﻨﺪار( ﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺤﺎھﺎ وھﻮ ﻳﻠﻮح ﺑﯿﺪه ﻓﻲ اﻟﮫﻮاء ﺗﺠﺎه ﻗﺎﺋﺪ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ اﻟﻜﻮﺷﯿﺔ ﻳﺄﻣﺮه ﺑﺎﻟﻮﻗﻮف ،ﻟﻢ ﻳﺄﺑﻪ ﻗﺎﺋﺪ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ﻹﺷﺎرات )ﺟﻨﺪار( أو ﻟﻌﻠﻪ ﻟﻢ ﻳﻔﮫﻤﮫﺎ، ﻓﺎرﺗﻔﻊ ﺻﻮت اﻟﺒﻮق ﻣﻦ ﻓﻮق ﺳﻔﯿﻨﺔ )ﺟﻨﺪار( ﺛﻼث ﻣﺮات ﻗﺒﻞ أن ﻳﺸﺘﻌﻞ اﻟﺒﺤﺮ ﻓﺠﺄة ،اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻋﺸﺮات اﻟﺴﮫﺎم اﻟﻤﺸﺘﻌﻠﺔ ﻣﻦ ﻓﻮق ﺳﻔﻦ اﻹدوﻣﯿﯿﻦ ﻧﺤﻮ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ اﻟﻜﻮﺷﯿﺔ ،ﺷﻘﺖ اﻟﺴﮫﺎم طﺮﻳﻘﮫﺎ ورﺷﻘﺖ ﺑﯿﻦ اﻷﻟﻮاح ﻓﺄﻣﺴﻜﺖ اﻟﻨﯿﺮان ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ،أدرك ﻗﺎﺋﺪ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ اﻟﻜﻮﺷﻲ ﺧﻄﺄه ،ﻓﺤﺎول أن ﻳﻨﻘﺬ ﺣﻤﻮﻟﺘﻪ ﻓﺄدار اﻟﺪﻓﺔ ﻓﻲ ﻗﻮة وأﻣﺮ رﺟﺎﻟﻪ ﺑﺎﻟﺘﺠﺪﻳﻒ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ،وﻟﻜﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ اﻟﻤﺎﺋﻞ ﺗﻠﻘﻰ دﻓﻘﺔ أﺧﺮى ﻣﻦ ﻋﺸﺮات اﻟﺴﮫﺎم اﻟﻤﺸﺘﻌﻠﺔ. وأﻣﺴﻜﺖ اﻟﻨﯿﺮان ھﺬه اﻟﻤﺮة ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﺤﺎرة ،ﻓﻌﻼ اﻟﺼﺮاخ وﻋﻢ اﻟﺬﻋﺮ ،وﻗﺬف ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﺑﺄﻧﻔﺴﮫﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﯿﺎه ھﺮﺑًﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﯿﺮان اﻟﻤﺤﯿﻄﺔ ﺑﮫﻢ ،وﻟﻢ ﺗﺤﺘﻤﻞ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ دورﺗﮫﺎ ﻓﻤﺎﻟﺖ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﮫﺎ وأوﺷﻜﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﺮق. ﺻﻤﺖ ﻣﺮة أﺧﺮى وﻛﺄﻧﻤﺎ أرھﻘﻪ اﻟﺘﺬﻛﺮ أو أﺛﺎر أﺣﺰاﻧﻪ ،ﺛﻢ ﻋﺎد إﻟﻰ ﺣﻜﺎﻳﺘﻪ ﻓﻘﺎل: وﻣﺎ أن رأى )ﺟﻨﺪار( ﺻﯿﺪه وﻗﺪ أوﺷﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻘﻮط ،ﺣﺘﻰ أﺳﺮع ﺑﺴﻔﻨﻪﻧﺤﻮﻧﺎ ،ﻛﻲ ﻳﺠﻤﻊ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻄﯿﻊ ﻣﻦ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﻣﺎﻣﻲ أﻧﺎ و)ﻋﻤﺮو( ﺳﻮى اﻟﻘﻔﺰ ﻓﻲ اﻟﻤﯿﺎه رﻏﻢ أﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺠﯿﺪ اﻟﺴﺒﺎﺣﺔ وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻓﻀﻠﻨﺎ اﻟﻤﻮت ﻏﺮًﻗﺎ ،ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮت ﺣﺮًﻗﺎ أو اﻟﻤﻮت ﻓﻲ ﺳﺠﻮن اﻹدوﻣﯿﯿﻦ ،وﻟﻢ ﺗﻤﺮ ﺳﻮى ﻟﺤﻈﺎت ﺑﻌﺪ أن ﻗﺬﻓﺖ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺎء ﺣﺘﻰ ﻛﻠﱠﺖ ﻳﺪي ﻣﻦ اﻟﺘﻄﻮﻳﺢ ،وﺷﻌﺮت ﺑﺠﺴﺪي ﻛﻠﻪ ﻳﺘﺼﻠﺐ ،وﻛﺄﻧﻤﺎ اﺳﺘﺴﻠﻢ ﻟﻠﻐﻮص إﻟﻰ ﻗﺎع اﻟﺒﺤﺮ وﺷﻌﺮت ﺑﺄﻧﮫﺎ اﻟﻨﮫﺎﻳﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻓﺠﺄة أﻣﺴﻜﺖ ﻳﺪي ﺑﺤﺒﻞ ﻟﻢ أدِر ﻣﻦ أﻳﻦ أﺗﻰ ،ﺗﺸﺒﺜﺖ ﺑﻪ ﻓﻲ ﻗﻮة ،وﻗﺪ أدرﻛﺖ أﻧﻪ ﺣﺒﻞ اﻟﻨﺠﺎة وﻓﺮﺻﺘﻲ اﻷﺧﯿﺮة ﻟﻠﺤﯿﺎة ،وﺟﺪت ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻨﺠﺬﺑًﺎ ﺑﻪ وﻗﺪ ﻏﻤﺮ اﻟﻤﺎء وﺟﮫﻲ وﻋﯿﻨﻲ وأﻧﻔﻲ ،ﻓﻠﻢ أَر إﻟﻰ أﻳﻦ ﻳﻘﻮدﻧﻲ ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ وﺟﺪﺗﻨﻲ ﻣﺤﻤﻮًﻻ ﺑﺄﻳﺎٍد ﻣﺘﻌﺪدة ووﺟﺪت ﻧﻔﺴﻲ ﻣﺴﺘﻠﻘﯿًﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺢ ﺳﻔﯿﻨﺔ ﺻﯿﺪ ﺻﻐﯿﺮة وإﻟﻰ ﺟﻮاري )ﻋﻤﺮو( وﺣﻮﻟﻨﺎ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺼﯿﺎدﻳﻦ. ﺳﻜﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ أﺳﻰ: أﻋﺎدﺗﻨﺎ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻤﺘﻠﻜﮫﺎ ﺷﺎب ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻋﻤﺮك إﻟﻰ ﻣﺮﻓﺄ »ﻣﺠﻤﻊاﻟﺒﺤﺮﻳﻦ« ،ﻓﻌﺪﻧﺎ ﻛﻤﺎ ﺑﺪأﻧﺎ ،وﻗﺪ ﻓﻘﺪﻧﺎ أﻣﻮاﻟﻨﺎ وﺗﺠﺎرﺗﻨﺎ واﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ رﺟﺎﻟﻨﺎ ،وﻣﻜﺜﻨﺎ أﻳﺎًﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻊ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ﺿﯿﻮًﻓﺎ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﺸﺎب وأھﻠﻪ ،ﻧﺘﻘﺎﺳﻢ طﻌﺎﻣﮫﻢ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺘﻪ ،ﻓﻘﺪ أﺻﺒﺢ اﻟﺒﺤﺮ ﻣﺤﺬوًرا ،ﻻ ﻳﺨﻮض ﻏﻤﺎره أﺣﺪ ﺧﺸﯿﺔ اﻟﺮﻋﺐ اﻟﻘﺎﺑﻊ ﻓﻲ ﺧﻠﯿﺞ »ﻟﺤﯿﺎن«. ﺻﻤﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ أردف: ﻛﺎدت اﻟﺤﺴﺮة أن ﺗﻘﺘﻠﻨﻲ ،وﺷﻌﺮت ﺑﺄﻧﻨﻲ ﺳﺄظﻞ ﺣﺒﯿ ًﺴﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﺮﻓﺄ، وﺗﻤﻨﯿﺖ أن ﻧﺼﻞ إﻟﻰ »ﺑﻜﺔ« ﺑﺄي طﺮﻳﻘﺔ ﻛﺎﻧﺖ ،وﻛﻨﺖ أﺧﺮج ﻓﻲ ﻛﻞ ﻧﮫﺎر إﻟﻰ ﺻﺨﺮة ﻋﺎﻟﯿﺔ ﻛﺎﻟﮫﻀﺒﺔ ﻋﻨﺪ ﻣﻠﺘﻘﻰ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ،أﺷﺮف ﻣﻦ ﻓﻮﻗﮫﺎ ﻧﺤﻮ اﻷﻓﻖ، وأﺗﻤﻨﻰ ﻟﻮ أﺟﺪ ﻣﺮﻛﺒًﺎ ـوﻟﻮ ﺻﻐﯿًﺮا -ﻳﺄﺧﺬﻧﻲ إﻟﻰ أي ﻣﺮﻓﺄ ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ ﺧﻠﯿﺞ »ﻟﺤﯿﺎن«. وﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ آوي إﻟﻰ اﻟﺼﺨﺮة وﻛﺎن )ﻋﻤﺮو( ﻳﻌﺎون اﻟﺼﯿﺎدﻳﻦ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ أﻋﻤﺎﻟﮫﻢ ،إذا ﺑﺮﺟﻠﯿﻦ ﻳﺄوﻳﺎن إﻟﻰ اﻟﺼﺨﺮة ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﻗﺮﻳﺐ ﻣﻨﻲ، أﺣﺪھﻤﺎ ﺷﯿﺦ ﻛﺒﯿﺮ وﻟﻜﻨﻪ ﻗﻮي اﻟﺒﻨﯿﺔ ،ﺟﮫﻮري اﻟﺼﻮت ،واﻵﺧﺮ ﺷﺎب ﻓﺘ ﱞ ﻲ ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ زﻧﺒﯿًﻼ ﺑﻪ طﻌﺎم ،ﻋﻠﻤﺖ ﻣﻦ راﺋﺤﺘﻪ أﻧﻪ ﺳﻤﻚ ،ﻛﺎن اﻹرھﺎق ﻳﺒﺪو ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺟﻠﯿﻦ ،وﻛﺄﻧﮫﻤﺎ ﻗﺪ أﺗﯿﺎ ﻣﻦ ﺳﻔﺮ ﺑﻌﯿﺪ ،ﺗﺮك اﻟﺮﺟﻼن ﻣﺘﺎﻋﮫﻤﺎ واﺳﺘﻠﻘﯿﺎ إﻟﻰ اﻟﺼﺨﺮة ﺛﻢ ذھﺒﺎ ﻓﻲ ﻧﻮم ﻋﻤﯿﻖ. ﻻ أدري ﻛ ْ ﻢ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻗﺪ ﻣﱠﺮ وأﻧﺎ ﻓﻮق اﻟﺼﺨﺮة ،أﺗﺄﻣﻞ ﺷﺎطﺊ اﻟﺒﺤﺮ وأﺗﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﻲ ،ﺣﺘﻰ أﺣﺴﺴﺖ ﺑﺮﻳﺢ ﻟﻄﯿﻔﺔ ﺗﻤﺮ إﻟﻰ ﺟﻮار أذﻧﻲ ،ﺷﻌﺮت ﻣﻌﮫﺎ ﺑﺄن أﺣًﺪا ﻗﺪ ﻣﱠﺮ إﻟﻰ ﺟﻮاري ،وﻟﻜﻨﻲ ﺣﯿﻦ اﻟﺘﻔ ﱡ ﺖ ﻟﻢ أﺟﺪ ﺷﯿًﺌﺎ. ﻧﻈﺮت إﻟﻰ اﻟﻨﺎﺋﻤْﯿﻦ ﻓﻮق اﻟﺼﺨﺮة ،ﻓﻮﺟﺪﺗﮫﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﮫﻤﺎ ،وﻟﻜﻨﻲ رأﻳﺖ ﺷﯿًﺌﺎ ﺟﻌﻠﻨﻲ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺮھﺒﺔ واﻟﺨﻮف. ﺗﺎﺑﻊ وﻗﺪ ارﺗﻌﺶ ﺻﻮﺗﻪ وﻛﺄن اﻟﺮھﺒﺔ ﻻ ﺗﺰال ﺗﺮاﻓﻘﻪ: رأﻳﺖ زﻧﺒﯿﻞ اﻟﻄﻌﺎم ﻳﺘﺤﺮك ،وﻛﺄﻧﻤﺎ دﺑﱠﺖ ﺑﻪ اﻟﺤﯿﺎة ،وﻓﺠﺄة اﻧﻔﺘﺢ اﻟﺰﻧﺒﯿﻞ ﻋﻦُﻓﺮﺟﺔ ﺻﻐﯿﺮة ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻨﮫﺎ ﺳﻤﻜﺔ ،ظﻠﺖ ﺗﺘﻠﻮى ﻓﻮق اﻟﺮﻣﺎل وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻗﻄﺮة ﻣﺎء ﺗﻌﯿﻨﮫﺎ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻌﺎدة اﻟﺤﯿﺎة ،اﻧﻜﻤﺸﺖ ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺴﻲ ،وﻗﺪ ظﻨﻨﺖ أن ﺟﻨﯿﺎ ﻳﻌﺒﺚ ﺑﻲ ﻓﻮق ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺨﺮة ،وﻳﻤﺎرس ﺑﻌﺾ أﻻﻋﯿﺒﻪ أﻣﺎﻣﻲ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻤﻮج ارﺗﻔﻊ ﻓﺠﺄة وطﺎﻟﺖ ﻣﯿﺎھﻪ اﻟﺴﻤﻜﺔ ،ﻓﺘﻠﻮت ﺑﺸﺪة ﺛﻢ ﻗﻔﺰت ﻗﻔﺰة طﻮﻳﻠﺔ إﻟﻰ اﻟﺒﺤﺮ. أﻳﻘﻆ رذاذ اﻟﻤﻮج اﻟﻔﺘﻰ اﻟﻨﺎﺋﻢ ،ﻓﻘﺎم ﻣﺘﺜﺎﺋﺒًﺎ ،وﺣﯿﻦ ﻧﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺰﻧﺒﯿﻞ وﺟﺪه ﻣﻔﺘﻮ ً ﺣﺎ وﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﺳﻤﻜﺘﻪ ،ﻟﻌﻠﻪ ظﻦ أن طﺎﺋًﺮا ﻗﺪ اﻟﺘﻘﻄﮫﺎ ،ﻓﻘﺎم إﻟﻰ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﺼﺨﺮة وﻧﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺒﺤﺮ ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪ أﺛًﺮا ﻟﻄﺎﺋﺮ ،ﻟﻜﻨﻪ وﺟﺪ اﻟﺴﻤﻜﺔ ﺗﺪور ﻓﻲ اﻟﻤﺎء أﺳﻔﻞ اﻟﺼﺨﺮة ،أردت أن أﻗﻮل ﻟﻪ إن ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻤﻜﺔ ھﻲ ﺳﻤﻜﺘﻪ ،وﻟﻜﻨﻲ ﺧﺸﯿﺖ أن ﻳﺘﮫﻤﻨﻲ ﺑﺎﻟﺠﻨﻮن ،أو أن ﻳﻈﻦ ﺑﻲ اﻟﺴﺮﻗﺔ. ﻋﺎد اﻟﺸﺎب ،ﻓﺄﻳﻘﻆ ﺳﯿﺪه ﻓﻲ رﻓﻖ ،ﺛﻢ ﺣﻤﻞ زﻧﺒﯿﻠﻪ واﻧﺼﺮﻓﺎ. وﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺨﻮف ﻣﻦ اﻟﺒﻘﺎء ﻓﻮق ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺨﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺒﺚ ﺑﮫﺎ اﻟﺸﯿﺎطﯿﻦ، ﻓﻘﻤﺖ ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻲ وﻗﺮرت اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ اﻟﻨﺰل ،وﻟﻜﻦ اﻟﻔﻀﻮل دﻓﻌﻨﻲ؛ ﻷن أﻟﻘﻲ ﻧﻈﺮة أﺧﺮى ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻤﻜﺔ ،ﻓﻮﻗﻔﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎﻓﺔ وﻧﻈﺮت إﻟﻰ اﻟﺒﺤﺮ ،ﻓﺈذا ﺑﻲ أراه. ﺻﻤﺖ وﻗﺪ ﻋﻠﺖ أﻧﻔﺎﺳﻪ ،ﺛﻢ ﻟﻤﻌﺖ ﻋﯿﻨﺎه وھﻮ ﻳﻘﻮل: رأﻳﺖ ﺷﯿ ًﺨﺎ ﻟﻢ ﺗَﺮ ﻋﯿﻨﻲ ﻣﺜﻠﻪ ﻗﻂ ﻓﻲ اﻟﺒﮫﺎء واﻟﺮھﺒﺔ ،ﻳﺤﯿﻂ اﻟﻨﻮر ﺑﻮﺟﮫﻪ وﻛﺄﻧﻤﺎ أﺷﺮﻗﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺔ وﺟﮫﻪ وﺣﺪه ،ﻳﺘﻜﺊ ﻋﻠﻰ ﻋﺼﺎه وﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺔ اﻟﻤﺎء دون أن ﺗﺒﺘ ﱠ ﻞ ﻗﺪﻣﺎه ،ﺗﺪور اﻟﺴﻤﻜﺔ ﺣﻮﻟﻪ وﺗﺘﻘﺎﻓﺰ ﻟﺘﻤﺲ راﺣﺔ ﻳﺪه ،وﻛﺄﻧﮫﺎ ﻛﻠﺐ ﻳﻘﻔﺰ ﻟُﯿﻘﺒِ ّﻞ ﻳﺪ ﺳﯿﺪه. ارﺗﺠﻔﺖ ﺧﻮًﻓﺎ وﻋﺪت إﻟﻰ اﻟﺪار ،وﺣﯿﻦ ﻋﺎد )ﻋﻤﺮو( ﻟﻢ أﺣﺪﺛﻪ ﻓﻲ اﻷﻣﺮ ،وﻛﺘﻤﺖ اﻷﻣﺮ ﻋﻦ اﻟﺠﻤﯿﻊ ،واﺳﺘﻘﺮ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﺄﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﺘﻮھ ً ﻤﺎ ،وأﻧﻪ رﺑﻤﺎ دﻓﻌﻨﻲ اﻟﺠﻮع واﻟﺸﻤﺲ واﻟﻮﺣﺪة ﻓﻮق اﻟﺼﺨﺮة ،إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﻮھﻢ. وذات ﺻﺒﺎح أراد اﻟﺸﺎب اﻟﺬي أﻧﻘﺬﻧﺎ اﻟﺨﺮوج إﻟﻰ ﻣﯿﻨﺎء »ﻋﺼﯿﻮن ﺟﺎﺑﺮ« ﻣﻊ ﺑﻀﻌﺔ ﻣﺮاﻛﺐ أﺧﺮى ﻟﻠﺼﯿﺪ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ھﺬا اﻟﺠﺰء ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ ھﻮ اﻷﻛﺜﺮ أﻣﺎﻧًﺎ ﻓﻲ اﻟﺨﻠﯿﺞ ،واﻗﺘﺮح )ﻋﻤﺮو( أن ﻧﺮاﻓﻘﻪ ،ﻟﻌﻠﻨﺎ ﻧﺠﺪ ﺳﻔﯿﻨﺔ أﺧﺮى أو وﺳﯿﻠﺔ ﺗﺤﻤﻠﻨﺎ إﻟﻰ ﻣﻜﺎن ﻳﻘﺮﺑﻨﺎ ﻣﻦ »ﺑﻜﺔ« ،واﺗﻔﻖ )ﻋﻤﺮو( ﻣﻊ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ أن ﻧﻌﻤﻞ ﺑﮫﺎ، وأن ﻧﻌﯿﻦ اﻟﺒﺤﺎرة ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺪﻳﻒ ﺣﺘﻰ ﻧﺼﻞ إﻟﻰ ھﻨﺎك ،ﻣﻘﺎﺑﻞ أن ﻳﺤﻤﻠﻨﺎ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ رﺣﻠﺘﻪ. وﻓﻲ ﻳﻮم اﻟﺴﻔﺮ ،ﻋﺞ اﻟﻤﺮﻓﺄ ﺑﻤﺮاﻛﺐ اﻟﺼﯿﺪ اﻟﺘﻲ ﺳﺘﺮﺣﻞ إﻟﻰ »ﻋﺼﯿﻮن ﺟﺎﺑﺮ«. ووﻗﻔﺖ أﻧﺎ ﻓﻮق اﻟﺴﻄﺢ أﺗﻄﻠﻊ إﻟﻰ اﻟﺸﺎطﺊ. وأرﻗﺐ اﻟﻨﺎس وھﻢ ﻳﺼﻌﺪون إﻟﻰ اﻟﺴﻔﻦ واﻟﻤﺮاﻛﺐ ،ﻓﺠﺄة رأﻳﺘﮫﻤﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى، اﻟﺸﯿﺦ اﻷﺑﯿﺾ وﺧﻠﻔﻪ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻘﻮي ،ارﺗﺠﻒ ﻗﻠﺒﻲ ﺣﯿﻦ رأﻳﺘﮫﻤﺎ ،وﺑﻘﺪر دھﺸﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻌﺎدﺗﻲ! ﻓﻘﺪ أﻳﻘﻨﺖ ﺣﯿﻨﺌٍﺬ أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻛﻦ واھ ً ﻤﺎ ﺣﯿﻦ رأﻳﺘﮫﻤﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﺼﺨﺮة! وﻟﻜﻨﻨﻲ ﺗﺴﺎءﻟﺖ: ﻣﺎ اﻟﺬي ﺟﻤﻌﮫﻤﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى؟ ﻧﺎدى اﻟﺸﯿﺦ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎب ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ﺑﺼﻮت ﻧﺎﻓٍﺬ ،ﻳﺼﻞ إﻟﻰ اﻟﻘﻠﺐ وﻗﺎل: اﻧﺘﻈﺮوا!ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺮاﻓﻘﻜﻢ. ورﻏﻢ أن اﻟﺴﻄﺢ ﻛﺎن ﻣﻜﺘﻈًﺎ ﺑﺎﻟﻨﺎس ،اﺳﺘﺠﺎب اﻟﺸﺎب ﺑﻐﯿﺮ ﺟﺪال وأﻓﺴﺢ ﻟﮫﻤﺎ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،ﻓﺼﻌﺪ اﻟﺸﯿﺦ ورﻓﯿﻘﻪ ،دون أن ﻳﺴﺄﻟﮫﻢ أﺣﺪ ﻋﻦ ﻗﯿﺾ أو ﻣﺎل، وﻷﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﻗﻒ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﺴﻠﻢ ،ﻣﺪدت ﻳﺪي ﻓﺄﻣﺴﻜﺖ ﺑﯿﺪ اﻟﺸﯿﺦ ﻛﻲ أﻋﯿﻨﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﺴﻄﺢ ،واﻟﺘﻘﺖ ﻋﯿﻨﻲ ﺑﻌﯿﻨﻪ ،إن ﻗﻠﺖ ﻟﻜﻢ إﻧﻲ ﻗﺪ ﺷﻌﺮت ﺑﺄن اﻟﺴﻜﯿﻨﺔ ﻗﺪ ﻏﻤﺮﺗﻨﻲ ،وﻛﺄﻧﻨﻲ ﻣﺴﺴﺖ ﻳﺪ ﻣﻠﻚ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ﺼًّﺮا ﻓﻲ اﻟﻮﺻﻒ ،ﻓﯿﺎ ﻟﺤﻼوة اﻟﻠﻤﺴﺔ ،وﻳﺎ ﻟﻄﯿﺐ اﻟﻨﻈﺮة! ﻓﺴﺄﻛﻮن ُﻣَﻘ ِ وﻗﻔﺖ ﻏﯿﺮ ﺑﻌﯿﺪ أﺗﺮﻗﺐ ﻛﻞ ﺣﺮﻛﺔ ﻳﻘﻮم ﺑﮫﺎ وﻛﻞ ﻛﻠﻤﺔ ﻳﮫﻤﺲ ﺑﮫﺎ ﻓﻲ أذن اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻘﻮي اﻟﺬي وﻗﻒ إﻟﻰ ﺟﻮاره ﻣﻄﺄطﺊ اﻟﺮأس ،ﺧﺎﺷﻊ اﻟﺼﻮت ،وﻛﺄﻧﻪ ﺻﺒﻲ ﻓﻲ ﺣﻀﺮة ﻣﻌﻠﻢ. ﺻﻤﺖ ﻟﺤﻈﺎت ،ﺛﻢ ﺗﺎﺑﻊ: ﻏﺎﺑﺖ ﻋﯿﻨﻲ ﻋﻨﮫﻤﺎ ﻟﻠﺤﻈﺎت ،ﺛﻢ اﺳﺘﺪرت ﺛﺎﻧﯿﺔ ،ﻓﻠﻢ أﺟﺪھﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻄﺢ،ﺑﺤﺜﺖ ﻋﻨﮫﻤﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﻮﺟﻮه اﻟﺘﻲ ﻣﻸت اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ﻓﻠﻢ أﺟﺪھﻤﺎ ،ﺧﻄﺮ ﻟﻲ أﻧﮫﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻧﺎن ﻗﺪ ﻧﺰﻻ اﻟﺪرج إﻟﻰ أﺳﻔﻞ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ،ﺗﻠﺼﺼﺖ ﻓﻲ ﺳﯿﺮي ﺛﻢ ھﺒﻄﺖ اﻟﺪرج ،ﻓﺮأﻳﺘﮫﻤﺎ دون أن ﻳﺸﻌﺮا ﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﺎع ..ﻛﺎن اﻟﺸﯿﺦ ﻳﺠﻠﺲ اﻟﻘﺮﻓﺼﺎء وﻗﺪ وﻗﻒ ﺧﻠﻔﻪ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻘﻮي ،ﺳﻤﻌﺖ طﺮًﻗﺎ وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﻋﺮف ﻣﺎ اﻟﺬي ﻳﻔﻌﻼﻧﻪ ﺣﱠﺪة ﺑﺼﻮﺗﻪ اﻟﺠﮫﻮري: إﻟﻰ أن ﺳﻤﻌﺖ ﺻﻮت اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻘﻮي ﻳﻘﻮل ﻓﻲ ِ أﺧﺮﻗﺘﮫﺎ!ﺳﺘﻐﺮق أھﻠﮫﺎ ﺑﺴﻮء ﻓﻌﻠﺘﻚ! ﻗﺎم اﻟﺸﯿﺦ ﻣﻦ ﺟﻠﺴﺘﻪ ،وﻗﺎل ﻓﻲ ﺗﺤﺬﻳﺮ ﻏﺎﺿﺐ: أﻟﻢ أﻗﻞ ﻟﻚ ﻻ ﺗﺘﺒﻌﻨﻲ؟ﺻﻤﺖ اﻟﺸﯿﺦ اﻵﺧﺮ واﻧﻄﻔﺄ وھﺞ ﻏﻀﺒﻪ ،وﻋﺎد ﻛﺎﻟﺼﺒﻲ اﻟﻤﻄﯿﻊ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻣﻌﺬرة ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗﻠﺖ.ﻟﻢ ﻳﻠﺘﻔﺖ إﻟﯿﻪ اﻟﺸﯿﺦ ،وﻗﺎل: ھﯿﺎ ﺑﻨﺎ.ﺣﯿﻨﮫﺎ ﺻﻌﺪت أﻧﺎ اﻟﺪرج ﻣﺴﺮًﻋﺎ ووﻗﻔﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻄﺢ وأﻧﺎ أﻟﮫﺞ ﻣﻦ اﻻﻧﻔﻌﺎل، ﻣﺎذا أﻓﻌﻞ؟ ھﻞ أﺧﺒﺮ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ﺑﻤﺎ ﺣﺪث أم أﺻﻤﺖ؟ ﺣﺪﺳﻲ ﻳﻘﻮل: إن ھﺬا اﻟﺸﯿﺦ اﻟﺠﻠﯿﻞ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻔﻌﻞ ﺷﻨﯿﻊ ﻛﮫﺬا إﻻ ﻟﺴﺒﺐ أﺟﮫﻠﻪ. ﻓﺠﺄة ﻋﺎد اﻟﺸﯿﺦ وﻣﻌﻪ رﻓﯿﻘﻪ ،ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ ﻟﺼﺎﺣﺐ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺄﻣﺮ رﺟﺎﻟﻪ ﺑﺮﻓﻊ اﻟﺴﻠﻢ اﺳﺘﻌﺪاًدا ﻟﻠﺮﺣﯿﻞ: اﻟﻤﻌﺬرة أﻳﮫﺎ اﻟﻔﺘﻰ!ﺗﻠﻚ ﻟﯿﺴﺖ وﺟﮫﺘﻨﺎ. أرﺧﻰ اﻟﺸﺎب اﻟﺴﻠﻢ ﻣﺮة أﺧﺮى ،ﻓﮫﺒﻂ اﻟﺸﯿﺦ وﺗﺒﻌﻪ رﻓﯿﻘﻪ ،وﻣﺎ ھﻲ إﻻ ﻟﺤﻈﺎت ﺣﺘﻰ ﻏﺎﺑﺎ وﺳﻂ اﻟﺠﻤﻮع اﻟﻮاﻗﻔﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎطﺊ ،ﻛﺪت أﺻﺮخ وأﻗﻮل ﻟﻠﻨﺎس: ﻻ ﺗﺘﺮﻛﻮھﻤﺎ ،ﻟﻘﺪ ﺧﺮﻗﺎ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻟﺴﺎﻧﻲ ﺧﺮس ،وﻟﺰﻣﺖ اﻟﺼﻤﺖ وﻛﺄﻧﻨﻲ ﺣﺠﺮ أﺻﻢ ،واﻧﻄﻠﻖ اﻟﻨﻔﯿﺮ اﻷﺧﯿﺮ وﺗﺤﺮﻛﺖ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ،ﺗﺸﻖ اﻟﻌﺒﺎب ﻓﻲ اﺗﺠﺎه اﻟﺸﻤﺎل. ﺳﻜﺖ ﻟﺤﻈﺎت ﺛﻢ ﻗﺎل: ورآﻧﻲ )ﻋﻤﺮو( ﻣﺮﺗﺠًﻔﺎ ،وﻣﻤﺘﻘﻊ اﻟﻮﺟﻪ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻲ: ﻣﺎ ﺑﻚ؟ھﻞ أﺻﺎﺑﻚ اﻟﺒﺤﺮ ﺑﺎﻟﺪوار؟ ﻟﻢ أﺟﺪ ﻣﺎ أﻗﻮﻟﻪ ،ﻓﺄوﻣﺄت ﻟﻪ ﺑﺮأﺳﻲ وﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺻﻌﻮﺑﺔ: رﺑﻤﺎ.اﺑﺘﻌﺪﻧﺎ ﻋﻦ اﻟﺸﺎطﺊ وﻛﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺑﯿﻦ »ﻣﺠﻤﻊ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ« و»ﻋﺼﯿﻮن ﺟﺎﺑﺮ« ،ﺣﯿﻦ ﻋﻼ ﺻﻮت اﻟﺒﻮق ﻓﻮق اﻟﺴﺎري وأﺷﺎر اﻟﺪﻟﯿﻞ اﻟﻤﻌﻠﻖ ﻓﻮﻗﻪ ﺗﺠﺎه اﻷﻓﻖ وھﻮ ﻳﻘﻮل ﺻﺎر ً ﺧﺎ: ﺳﻔﻦ إدوﻣﯿﺔ!اﺷﺘﺪ اﻟﮫﺮج واﻟﻤﺮج ،وﺗﺠﻤﻊ اﻟﻨﺎس ﻋﻨﺪ ﻣﻘﺪﻣﺔ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ﻳﻨﻈﺮون ﻓﻲ وﺟﻞ إﻟﻰ ﺳﻔﻦ اﻹدوﻣﯿﯿﻦ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﺤﺮ ﺗﺠﺎھﻨﺎ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ..اﺿﻄﺮب اﻟﺸﺎب ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ وأﺳﻘﻂ ﻓﻲ ﻳﺪه وھﻮ ﻻ ﻳﺪري ﻣﺎذا ﻳﻔﻌﻞ؛ إن ﺣﺎول اﻟﺪوران ﺳﺘﺘﺴﺎﻗﻂ ﻋﻠﯿﻪ ﺳﮫﺎم اﻹدوﻣﯿﯿﻦ اﻟﻤﺸﺘﻌﻠﺔ ،وإن اﻧﺘﻈﺮ ﺳﯿﺴﻄﻮن ﻋﻠﻰ ﺳﻔﯿﻨﺘﻪ ،ﻓﺠﺄة ﻋﻼ ﺻﺮاخ آﺧﺮ ورأﻳﺖ رﺟًﻼ ﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﺪرج وھﻮ ﻳﻘﻮل: اﻟﻤﺎء ﻳﺘﺠﻤﻊ ﻓﻲ ﻗﺎع اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ،ﺳﻨﻐﺮق ﺟﻤﯿًﻌﺎ!أﺳﺮع ﻗﺎﺋﺪ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ إﻟﻰ اﻟﻘﺎع اﻟﺬي اﻣﺘﻸ إﻟﻰ ﻣﻨﺘﺼﻔﻪ ﺑﺎﻟﻤﯿﺎه ،ﻧﺴﻲ أﻣﺮ اﻟﺴﻔﻦ اﻹدوﻣﯿﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻮﺿﻊ داﺧﻞ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ أﺧﻄﺮ ﻣﻦ ﺧﺎرﺟﮫﺎ ،أﻣﺮ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﺑﺄن ﻳﻘﻮﻣﻮا ﺑﻨﺰح اﻟﻤﯿﺎه ﻣﻦ اﻟﻘﺎع ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻐﺮق اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ.. ﺗﺮاص اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ ﺻﻔﻮف اﻣﺘﺪت ﻣﻦ اﻟﻘﺎع إﻟﻰ اﻟﺴﻄﺢ ،وﺗﻨﻘﻠﺖ اﻷواﻧﻲ اﻟﻤﻤﻠﻮءة ﺑﺎﻟﻤﯿﺎه اﻟﻤﻨﺰوﺣﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺎع ﻣﻦ ﻳﺪ إﻟﻰ ﻳﺪ إﻟﻰ أن أﻓﺮﻏﺘﮫﺎ اﻟﯿﺪ اﻷﺧﯿﺮة ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ ،أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻜﻨﺖ أﻋﺎوﻧﮫﻢ ﻓﻲ ﻧﻘﻞ اﻟﻤﺎء ،وﻟﻜﻦ ﻋﯿﻨﻲ ﻟﻢ ﺗﻐﺐ ﻋﻦ ﺳﻔﻦ اﻹدوﻣﯿﯿﻦ اﻟﺘﻲ اﻗﺘﺮﺑﺖ ﻣﻨﺎ ﺑﺸﺪة. وﻓﺠﺄة ارﺗﻔﻊ ﺑﻮق اﻟﺴﻔﻦ اﻹدوﻣﯿﺔ ﺗﺄﻣﺮﻧﺎ ﺑﺎﻟﻮﻗﻮف ،ﻓﺘﻮﻗﻒ اﻟﺒﺤﺎرة ﻋﻦ اﻟﺘﺠﺪﻳﻒ ،اﻗﺘﺮﺑﺖ ﻣﻨﺎ إﺣﺪى اﻟﺴﻔﻦ ووﻗﻔﺖ ﺑﻤﺤﺎذاﺗﻨﺎ ،ﻛﺎن ﻋﻠﯿﮫﺎ ﺿﺎﺑﻂ وﺛﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮد ﺗﺄھﺒﻮا ﺟﻤﯿًﻌﺎ ﺑﺎﻷﺳﻠﺤﺔ وھﻢ ﻳﻨﻈﺮون ﺗﺠﺎھﻨﺎ ﻓﻲ ﺣَﺬر. ﻻﺣﻈﻮا ﻣﺎ ﻧﻘﻮم ﺑﻪ ﻣﻦ ﻧﺰح اﻟﻤﯿﺎه ﻓﺘﻤﻌﻦ اﻟﻀﺎﺑﻂ ﻗﻠﯿًﻼ وﻣﺎل ﻋﻠﻰ أذن أﺣﺪ اﻟﺠﻨﻮد وﺗﺤﺪث إﻟﯿﻪ ﺑﻜﻠﻤﺎت ،اﻋﺘﺪل اﻟﺠﻨﺪي ﺛﻢ ﺗﻘﺪم ﻧﺤﻮﻧﺎ وﻗﺎل: -ﻣﺎ اﻟﺬي ﻳﺤﺪث ﻋﻨﺪﻛﻢ؟ ل: ﻟﻢ أﻧﺘﻈﺮ أن ﻳﺮد ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ أو أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺎرة ،ﻓﻘﻠﺖ ﺑﺼﻮت ﻋﺎ ٍ ﺗﺤﻄﻢ ﻗﺎع اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ وﺗﻮﺷﻚ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﺮق!ھﻤﺲ اﻟﺠﻨﺪي ﻓﻲ أذن اﻟﻀﺎﺑﻂ ﺑﻤﺎ ﻗﻠﺘﻪ ،ﻓﺄوﻣﺄ ﺑﺮأﺳﻪ ﺛﻢ ﻋﻼ ﺻﻮت اﻟﺠﻨﺪي وھﻮ ﻳﺸﯿﺮ ﺑﯿﺪه ﻟﺒﺎﻗﻲ اﻟﺴﻔﻦ: أﻓﺴﺤﻮا اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ!ل ﻗﺎﺋًﻼ ﻟﻠﺒﺤﺎرة: ﻓﺼﺮﺧﺖ أﻧﺎ ﺑﺼﻮت ﻋﺎ ٍ اﺳﺘﺄﻧﻔﻮا اﻟﺘﺠﺪﻳﻒ ،اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣﻔﺘﻮح.واﺗﺴﻌﺖ ُﻓْﺮﺟﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺴﻔﻦ اﻹدوﻣﯿﺔ ،ﻣﺮرﻧﺎ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﮫﺎ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻄﺒﻖ طﺮﻓﯿﮫﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى ،ﻟﺘﺤﺠﺰ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﺴﻔﻦ ﻋﻦ اﻟﻤﺮور ،وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺨﺮق اﻟﺬي ﺻﻨﻌﻪ ذﻟﻚ اﻟﺸﯿﺦ ﻓﻲ ﻗﺎع اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ھﻮ اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ﻓﺮﺟﺔ اﻟﻨﺠﺎة اﻟﺘﻲ ﻋﺒﺮﻧﺎ ﻣﻨﮫﺎ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﺴﻔﻦ اﻹدوﻣﯿﺔ. وﺣﯿﻦ ھﺒﻄﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﯿﻨﺎء »ﻋﺼﯿﻮن ﺟﺎﺑﺮ« ،ﺗﻼﺷﺖ رﻏﺒﺘﻲ ،ﻓﻲ اﻟﺴﻔﺮ إﻟﻰ »ﻛﻮش« أو إﻟﻰ ﻣﻜﺎن. وﻗﺮرت اﻟﻌﻮدة ﻣﺮة أﺧﺮى إﻟﻰ »ﻣﺠﻤﻊ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ« ،ﻛﻲ أﻋﺮف ﺳﺮ ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ ﺣﺘﻰ وإن ﻣﻜﺜﺖ ﻋﻤﺮي ﻛﻠﻪ ھﻨﺎك. وﺗﻮﻗﻒ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻋﻦ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،ﺑﻌﺪ أن اﺷﺘﺪ ﺑﻪ اﻟﺘﻌﺐ ،ﻓﺎﺳﺘﺄذن ﻓﻲ اﻟﻨﻮم ﻋﻠﻰ أن ﻳﺴﺘﻜﻤﻞ ﺣﻜﺎﻳﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﻓﺄطﻔﺄﻧﺎ ﻧﯿﺮان اﻟﺤﻄﺐ ،وﻗﻤﺖ وﻋﻨﺪي ﺷﻐﻒ ﺑﺄن أﻋﺮف ﺳﺮ ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻏﯿﺮ ﻣﻦ ﺣﯿﺎة )ﺷﮫﺒﻮر( وﺗﺮك ﻓﯿﻪ ذﻟﻚ اﻷﺛﺮ. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ والـﺧﻤﺴﻮن اﺳﺘﯿﻘﻈﺖ ﻣﺒﻜًﺮا ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ،وﻛﺎن اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻻ ﻳﺰال ﻧﺎﺋ ً ﻤﺎ ،ﺧﺮﺟﺖ إﻟﻰ ﺻﻮﻣﻌﺔ اﻟﺨﺸﺐ ،ﻓﻮﺟﺪت ﻏﻼﻣﻲ اﻟﺤﺒﺸﻲ ﻗﺪ ﺳﺒﻘﻨﻲ إﻟﻰ ھﻨﺎك ،وﻗﺪ أﻋﱠﺪ اﻷﻟﻮاح اﻟﻤﻜﺸﻮطﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺣﻤﻠﻨﺎھﺎ ،وﺻﻌﺪﻧﺎ ﺑﮫﺎ إﻟﻰ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ..وﱠزع )ﺟﺪﻳﺲ( اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺠﺎرﻳﻦ ،وأﻣﺮﻧﻲ ﺑﺄن أﻧﺰل إﻟﻰ اﻟﻘﺎع ﻣﻊ اﺛﻨﯿﻦ آﺧﺮﻳﻦ ﻛﻲ ﻧﺘﺤﻘﻖ ﻣﻤﺎ ﻳﻜﻮن ﻗﺪ ﻟﺤﻖ ﺑﻘﺎع اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ﻣﻦ أﺿﺮار ،ﺣﯿﻦ دﺧﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﻘﺎع ،ﺗﺬﻛﺮت ﻗﺼﺔ )ﺷﮫﺒﻮر( اﻟﺘﻲ ﺣﻜﺎھﺎ ﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ،أدرﻛﺖ أن ﻗﺎع اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ھﻮ أﺧﻄﺮ ﺟﺰء ﻓﯿﮫﺎ ،ﺗﺘﺤﻤﻞ أﺧﺸﺎﺑﻪ ﻟﻄﻤﺎت اﻷﻣﻮاج ،وﺻﺪﻣﺎت اﻟﺼﺨﻮر ،وﺗﺒﺪو ﻋﻼﻣﺎت اﻻﺻﻄﺪام ﺑﺎﻟﻘﺎع ﻛﻨﺪﺑﺎت اﻟﺠﺮوح ،ﻟﻜﻞ ﻣﻨﮫﺎ ذﻛﺮى وﻣﻐﺎﻣﺮة ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺨﯿﻒ اﻟﻤﺘﻼطﻢ اﻷﻣﻮاج. ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺣﺎل ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ﺳﯿًﺌﺎ ،ﻓﺮﻏﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﮫﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻈﮫﯿﺮة ﺑﻘﻠﯿﻞ، وﺣﯿﻦ ﺻﻌﺪت إﻟﻰ اﻟﺴﻄﺢ ﻧﻘﺪﻧﻲ )ﺟﺪﻳﺲ( ﻛﯿ ً ﺴﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺎل ﺑﻪ ﺧﻤﺴﻮن ﻓﻀﯿﺔ ،اﺷﺘﺮﻳﺖ ﺳﻤ ً ﻜﺎ ﻣﻄﺒﻮ ً ﺧﺎ وﺧﺒًﺰا ﻣﻦ اﻟﺴﻮق ،وُﻋْﺪت إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺰل. ﻓﻮﺟﺪت )أروى( وﺣﺪھﺎ وﻗﺪ ﺑﺪا ﻋﻠﯿﮫﺎ اﻟﻘﻠﻖ ﺣﯿﻦ رأﺗﻨﻲ. ﺟًﻼ: ﺳﺄﻟﺘﮫﺎ و ِ ﻚ؟ ﻣﺎ ﺑ ِوأﻳﻦ )إﺑﺮام(؟ ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺗﺮدد: أﺧﺬﺗﻪ )أم اﻟﺴﻌﺪ( إﻟﻰ ﺧﻮص )ﻋﻤﺮو( اﺑﻦ ﻋﻤﻲ.ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﻟﮫﻔﺔ: ﻟﻤﺎذا؟ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺗﺮدد: ﻛﻲ … ﻳﺨﺘﻨﻪ!ﻗﻠﺖ ﻻﺋ ً ﻤﺎ ﻓﻌﻠﮫﻤﺎ: ﻳﺨﺘﻨﻪ؟!وﻟﻤﺎذا ﻟﻢ ﺗﻨﺘﻈﺮا ﻋﻮدﺗﻲ؟ ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﺸﯿﺢ ﺑﻮﺟﮫﮫﺎ ﻓﻲ ﺧﺠﻞ إﻟﻰ )أم اﻟﺴﻌﺪ(: -إﻧﻚ ﺳﺘﺮﻓﺾ ﺧﺘﺎﻧﻪ ﻷﻧﻚ ﻟﺴﺖ ﻣﻦ ﻗﻮﻣﻨﺎ! ﻟﻢ أﺗﻤﺎﻟﻚ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻦ اﻟﻀﺤﻚ ،ﻓﻘﻠﺖ: وﻟﻤﺎذا أرﻓﺾ ﺧﺘﺎﻧﻪ وأﻧﺎ أﻳ ًﻀﺎ ﻣﺨﺘﻮن؟! ﻧﻈﺮت ﻧﺤﻮي ﻓﻲ دھﺸﺔ وﻗﺎﻟﺖ: ﺣﻘﺎ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ وأﻧﺎ أﺧﺒﻂ ﻋﻠﻰ رأﺳﻲ ﻏﯿﺮ ﻣﺼﺪق: ﺗﺰوﺟﻨﺎ ﻣﻨﺬ ﻋﺎم ،وﻻ ﺗﺪرﻳﻦ إن ﻛﺎن زوﺟﻚ ﻣﺨﺘﻮﻧًﺎ أم ﻻ؟!ﻗﺬﻓﺘﻨﻲ ﺑﺜﻤﺮة ﺑﺼﻞ وﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺧﺠﻞ: وﻣﺎ أدراﻧﻲ أﻧﺎ ﺑﺄﺷﯿﺎء اﻟﺮﺟﺎل ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(؟!ﺛﻢ ﻛﺘﻤﺖ ﺿﺤﻜﺘﮫﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺮة وھﻲ ﺗﺘﺮدد ﻓﻲ اﻟﺒﻮح ﺑﺸﻲء ﻣﺎ. ﻓﻘﻠﺖ ﻟﮫﺎ: ك وﻻ ﺗﻜﺘﻤﻲ ﺷﯿًﺌﺎ. ﻗﻮﻟﻲ ﻣﺎ ﻋﻨﺪ ِﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﻜﺘﻢ ﺿﺤﻜﺘﮫﺎ: أﺗﺪري أن )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻨﺪر ﻋﻠﯿﻚ ﻗﺒﻞ ﻟﯿﻠﺔ زﻓﺎﻓﻨﺎ.ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻲ: ﻛﯿﻒ ﺗﺘﺰوﺟﯿﻦ رﺟًﻼ ﻏﯿﺮ ﻣﺨﺘﻮن؟! وﻟﻜﻦ زوﺟﺔ ﺧﺎﻟﻲ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﮫﺎ: وﻣﺎ اﻟﻀﯿﺮ ﻓﻲ ذﻟﻚ؟ ﺧﺎﻟﮫﺎ )أواس( ﻟﻢ ﻳﺨﺘﺘﻦ ،وﻛﻞ )ﺑﻨﻲ ﻋﺒﯿﻞ( ﻻ ﻳﺨﺘﺘﻨﻮن ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ لـ)أم اﻟﺴﻌﺪ(: »اﻟﺰﻳﺎدة ﺧﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﺼﺎن ﻓﻲ ھﺬه اﻷﺷﯿﺎء ﻳﺎ أم اﻟﺴﻌﺪ«! أﻓﻠﺘﺖ ﻣﻨﮫﺎ اﻟﻀﺤﻜﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺘﻤﺘﮫﺎ طﻮﻳًﻼ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ: واﻵن أدرﻛﺖ أن ﺑﻚ ﻧﻘ ًﺼﺎ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(. وﺿﻌﺖ اﻟﺴﻤﻚ ﺟﺎﻧﺒًﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺬﻓﺘﮫﺎ ﺑﺜﻤﺮة اﻟﺒﺼﻞ وأﻧﺎ أﻧﺪﻓﻊ ﻧﺤﻮھﺎ ﺑﺠﺴﺪي، ﺣﺎوﻟﺖ أن ﺗﻔﺮ وﻟﻜﻨﻲ أﻣﺴﻜﺘﮫﺎ وﻗﯿﺪت ذراﻋﯿﮫﺎ ﺑﯿﺪي ﺧﻠﻒ ظﮫﺮھﺎ وھﻲ ﺗﺤﺎول أن ﺗﺘﻤﻠﺺ ﻣﻨﮫﺎ ،ﻗﺒﱠﻠﺘﮫﺎ ﻓﻲ ﺷﻔﺘﯿﮫﺎ رﻏ ً ﻤﺎ ﻋﻨﮫﺎ وأﻧﺎ أﻗﻮل: ﺣﺴًﻨﺎ!ﺳﺄرﻳﻚ ﻧﻘﺼﻲ اﻵن! ُ ظﻠﺖ ﺗﺸﯿﺢ ﺑﻮﺟﮫﮫﺎ ﺣﺘﻰ ﻻ أَﻗ ِﺒ ّﻠﮫﺎ وھﻲ ﺗﻀﺤﻚ ﻗﺎﺋﻠﺔ: ﻛﻼ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ﻟﻢ ﺗﻤﺮ أرﺑﻌﻮن ﻟﯿﻠﺔ!ﺗﺬﻛﺮت ﺷﺮﻳﻌﺔ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ،ﻓﺄﻓﻠﺖ ﻳﺪھﺎ وأﻧﺎ أﻗﻮل: ﺳﺤًﻘﺎ!أﻟﻦ ﺗﻨﺘﮫﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم؟! ﻻ أدري ﻣﻦ وﺿﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ! ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﻤﻂ ﺷﻔﺘﯿﮫﺎ: ﺷﺮﻋﮫﺎ ﻣﻦ ﺷﺮع اﻟﺨﺘﺎن ﻋﻠﯿﻨﺎ وﻋﻠﯿﻜﻢ.ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺘﻔﻜﺮة: أظﻦ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( أن اﻟﺮب ﻗﺪ ﺷﺮﻋﮫﺎ؛ ﻷن اﻟﻤﺮأة ﻻ ﺗﺸﺘﮫﻲ اﻟﻮﺻﺎل ﻓﻲ ﺗﻠﻚاﻷﻳﺎم ،ﻓﻘﻠﺒﮫﺎ ﻳﻜﻮن ُﻣﻌﻠﱠًﻘﺎ ﺑﻮﻟﯿﺪھﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ زوﺟﮫﺎ. ﻗﻠﺖ ﻣﺎز ً ﺣﺎ: ﻛﺮھﺖ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وﺑﻜﻼﻣﻚ ھﺬا ﺳﺄﻛﺮه )إﺑﺮام( أﻳ ًﻀﺎ! ﻗﺎﻟﺖ ﻣﻌﺎﺗﺒًﺔ وھﻲ ﺗﻌﻘﺺ ﺣﺎﺟﺒﯿﮫﺎ وﺗﺸﯿﺮ ﺑﺈﺑﮫﺎﻣﮫﺎ ﻟﻠﺨﻠﻒ ﻛﻲ ﺗﺬﻛﺮﻧﻲ ﺑﻤﺎ ﻗﯿﻞ: ﺗﺰوج اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻛﻤﺎ ﻧﺼﺤﺘﻚ )ھﻮى(!ﻗﻠﺖ ﺑﺎﺳ ً ﻤﺎ: أﺧﺒﺮﺗﻚ )أم اﻟﺴﻌﺪ( إذن؟!ﺿﯿﻘﺖ ﻋﯿﻨﯿﮫﺎ وﻗﺎﻟﺖ ﻟﺘﺜﯿﺮ ﻏﯿﻈﻲ: ﺗﺨﺒﺮﻧﻲ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﺑﻜﻞ ﺷﻲء!ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻣﮫﺪدة: ﻋﻤﻮًﻣﺎ اﻓﻌﻠﮫﺎ ﻳﺎﺑﻦ )روﻣﺎﻧﺎ( ،ﺣﺘﻰ أﺟﻌﻠﻚ ُﻧﺼﺒًﺎ إﻟﻰ ﺟﻮار )إﻳﺴﺎف( و)ﻧﺎﺋﻠﺔ(.اﻧﻔﺠﺮت ﺿﺎﺣ ً ﻜﺎ ،وﻗﻠﺖ: ﻛﯿﻒ ﺗﺠُﺮﺋﯿﻦ؟ﻗﺎﻟﺖ ﺟﺎدة: -ﺑﺪﻋﺎﺋﻲ! ﻓﺎﻟﺮب ﻟﻢ ﻳﺨﯿﺐ دﻋﺎﺋﻲ ﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم. ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺣﻨﺎن: دﻋﻮﺗﻪ وأﻧﺎ طﻔﻠﺔ ﻛﻲ أراك ﻣﺮة أﺧﺮى ،ﻓﺮأﻳﺘﻚ ،ودﻋﻮﺗﻪ وأﻧﺎ ﻓﺘﺎة ﻛﻲ أﺗﺰوﺟﻚﻓﺘﺰوﺟﺘﻚ ،ودﻋﻮﺗﻪ وأﻧﺎ زوﺟﺘﻚ ﻛﻲ ﻳﺮزﻗﻨﻲ ﻣﻨﻚ ﺑﺎﻟﻮﻟﺪ ﻓﺮزﻗﻨﻲ. أﺛﺎر ﺣﻨﺎﻧﮫﺎ ﻣﺸﺎﻋﺮي ،ﻓﻀﻤﻤﺘﮫﺎ إﻟﻰ ﺻﺪري وﺗﻨﮫﺪت وأﻧﺎ أﻗﻮل: أﻓﻼ دﻋﻮﺗﯿﻪ أن ﻳﺠﻤﻊ ﺷﻤﻠﻲ ﺑﺄﻣﻲ؟!ﺻْﺪق: ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺴﺮﻋﺔ ﻓﻲ ِ أدﻋﻮه!أدﻋﻮه ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ﻛﻞ ﻳﻮم ،وﻟﻦ ﻳﺨﯿﺐ اﻟﺮب رﺟﺎﺋﻲ. ﺣﯿﻨﺌٍﺬ ﺳﻤﻌﻨﺎ ﺻﻮت ﺑﻜﺎء اﻟﻄﻔﻞ ﺧﺎرج اﻟﺒﺎب ،ﺛﻢ دﺧﻠﺖ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﺗﺤﻤﻠﻪ وﻗﺪ ﺗﻠﻄﺦ ﻗﻤﺎطﻪ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺪﻣﺎء ،أﺳﺮﻋﺖ )أروى( ﻧﺤﻮه ﺗﺤﻤﻠﻪ ﻓﻲ ﻟﮫﻔﺔ ،وأﻟﻘﻤﺘﻪ ﺛﺪﻳﮫﺎ ﻟﯿﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﺒﻜﺎء ﺛﻢ دﺧﻠﺖ ﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﺤﺠﺮة ﻛﻲ ﻳﻨﺎم. ﺳﺄﻟﺖ )أم اﻟﺴﻌﺪ(: أﻳﻦ )ﺷﮫﺒﻮر( و)ﻋﻤﺮو( و)ھﻮى(؟ﻗﺪ اﺷﺘﺮﻳﺖ ﺳﻤ ً ﻜﺎ ﻣﻄﺒﻮ ً ﺧﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻮق ﻟﻨﺄﻛﻠﻪ. ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺣﺪة: ذھﺐ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻟﻠﻘﯿﻠﻮﻟﺔ ،وﺗﺘﺠﻮل )ھﻮى( ﻣﻊ )ﻋﻤﺮو( ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻓﺄ.ﺛﻢ أردﻓﺖ ﻓﻲ ﻏﯿﻆ: اﺳﻤﻊ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!أﻧﺖ ﻣﻦ أﺣﻀﺮ )ھﻮى( إﻟﻰ ھﻨﺎ ،واﻟﻔﺘﺎة ﻻ وﻟﻲ ﻟﮫﺎ وﻻ رادع ،ﻓﺈﻣﺎ أن ﺗﺴﯿﺮ ف ﺑﯿﻨﻨﺎ وإﻣﺎ أن ﺗﻔﺎرﻗﻨﺎ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف. ﺑﺎﻟُﻌﺮ ِ أدرﻛﺖ أﻧﮫﺎ ﻻ ﺗﺮﺿﻰ ﺑﻘﺮب )ھﻮى( ﻣﻦ )ﻋﻤﺮو(! ھﻲ ﻻ ﺗﻨﺴﻰ أن )ھﻮى( ﻳﺘﯿﻤﺔ ورﺑﯿﺒﺔ ﺧﺎﻟﺘﮫﺎ اﻟﻨﻤﺎﺻﺔ ،وأن )ﻋﻤﺮًوا( ھﻮ ﺳﯿﺪ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( اﻟﻤﺮﺗﻘﺐ ،ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ ھﺎدﺋًﺎ: ﻛﻨﺖ ﺳﻌﯿﺪة ﺑﮫﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ!ﻗﺎﻟﺖ ﻣﻨﻔﻌﻠﺔ: ﺳﻌﺪ ُت ﺑﮫﺎ ﻷﺟﻞ )أروى( ،وﻟﻜﻨﻲ أراھﺎ اﻟﯿﻮم ﺗﺤﻮم ﺣﻮل ﺳﯿﺪھﺎ ،وﻣﺎ ﻳﺤﻖ ﻟﮫﺎ أن ﺗﺮﺗﻘﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﺮﺗﻘﻰ. ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﺑﺎﻛﯿﺔ: ﻋﺸ ُﺖ ﻋﻤﺮي ﻛﻠﻪ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( وﺗﺮﺑﯿﺔ أﺑﻨﺎﺋﻪ وأﺣﻔﺎده ﺑﻌﺪ وﻓﺎة زوﺟﺘﻪ ،ﻓﻤﺎ ﺣﺪﺛﺘﻨﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﻳﻮًﻣﺎ ﺑﺄن أطﻤﻊ ﻓﯿﻤﺎ ﻟﯿﺲ ﻟﻲ ﺑﺤﻖ ،أو أن أﺗﻌﻠﻖ ﺑﺄﺣﺒﺎل ﻛﺮﻣﻪ ﻛﻲ أرﺗﻘﻲ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﻓﻮق ﻣﻨﺰﻟﺘﻲ ،واﻛﺘﻔﯿﺖ ﺑﺨﺪﻣﺔ أﺣﻔﺎده ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ ﻣﻤﺎﺗﻪ! أدرﻛﺖ أن اﻟﻤﺮأة ﺗﺒﻜﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﮫﺎ وﺗﺄﺳﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺿﯿﮫﺎ ،وﻣﺎ ﻏﻀﺒﮫﺎ ﻋﻠﻰ )ھﻮى( إﻻ ﻷﻧﮫﺎ ﻗﺪ أﺗﺖ ﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ ھﻲ ﻓﻌﻠﻪ ،ﻟﻢ ﺗﺴﺘﺴﻠﻢ )ھﻮى( ﻷﻗﺪارھﺎ ﻛﻤﺎ اﺳﺘﺴﻠﻤﺖ ھﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،اﻗﺘﺮﺑ ُ ﺖ ﻣﻨﮫﺎ ورﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﮫﺎ ،وﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ ﻣﻮاﺳﯿًﺎ: ﻛﻠﻨﺎ ﻋﺒﯿﺪ اﻟﺮب ﻳﺎ ﺧﺎﻟﺔ ،وﻗﺪ ﻋﻠﻤﻨﻲ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( أﻧﻨﺎ ﺟﻤﯿًﻌﺎ ﺳﻮاﺳﯿﺔ ،ﻟﻢﻳﻨﻄﻖ ذﻟﻚ ﺑﻠﺴﺎﻧﻪ وﻟﻜﻨﻲ رأﻳﺘﻪ ﻓﻲ ﻓﻌﻠﻪ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺒﺨﻞ ﻋﻠ ﱠ ﻲ ﺑﻌﻠﻢ وﻻ ﺑﺼﺤﺒﺔ، ﺑﻞ وزﱠوﺟﻨﻲ ﺣﻔﯿﺪﺗﻪ ،وأﻧﺎ اﻟﻐﺮﻳﺐ اﻟﻔﻘﯿﺮ! ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﻤﺴﺢ دﻣﻮﻋﮫﺎ: أﻧﺖ رﺟﻞ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،وﻻ ﻳﻀﯿﺮ اﻟﺮﺟﻞ ُﻳْﺘﻢ وﻻ ﻏﺮﺑﺔ.ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ: ﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺣﯿﺎ ،ﻟﻜﺮه ﻛﻼﻣﻚ ھﺬا ،ﻓﻤﺎ رأﻳﺖ أﺣًﺪا أﺣﺐ إﻟﻰ ﻗﻠﺒﻪﻣﻦ )أروى( وھﻲ ﻓﺘﺎة. ﺛﻢ رﺑﺘﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﮫﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى وأﻧﺎ أﻗﻮل: ھ ِﻮّﻧﻲ ﻋﻠﯿﻚ ﻳﺎ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ،ودﻋﻲ أﻣﺮ )ﻋﻤﺮو( لـ)ﻋﻤﺮو( ،وﻣﺎ ﻛﺎن لـ)ھﻮى(أن ﺗﺮﺗﻘﻲ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﺘﺒﮫﺎ ﷲ ﻟﮫﺎ! ﺛﻢ ﻗﻠﺖ: ھﯿﺎ ﻟﻨﺄﻛﻞ ﻓﻘﺪ ﺣﺎن وﻗﺖ اﻟﻘﯿﻠﻮﻟﺔ.∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ والـﺧﻤﺴﻮن ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ،ﺟﻠﺴﻨﺎ أﻧﺎ و)ﺷﮫﺒﻮر( وﺣﺪﻧﺎ ﺗﻔﺼﻠﻨﺎ ﻛﻮﻣﺔ اﻟﺤﻄﺐ اﻟﻤﺸﺘﻌﻠﺔ ،ﻓﻘﺪ ﺷﻌﺮ )ﻋﻤﺮو( ﺑﺎﻟﺘﻌﺐ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﻮال ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻓﺄ طﯿﻠﺔ اﻟﻨﮫﺎر ﻓﺂﺛﺮ اﻟﻨﻮم ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻤﺮ ..اﺳﺘﺄﻧﻒ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻣﺎ ﺑﺪأه ﻓﻲ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻓﻘﺎل: ﻟﻢ ﻧﻤﻜﺚ ﻓﻲ »ﻋﺼﯿﻮن ﺟﺎﺑﺮ« ﺳﻮى ﺑﻀﻌﺔ أﻳﺎم ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻤﺮﻓﺄ ﺻﻐﯿًﺮاواﻟﺼﯿﺪ أﻳ ً ﻀﺎ ﻛﺎن ﻗﻠﯿًﻼ ،ﻓﻘﺮر ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ »ﻣﺠﻤﻊ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ«، أﺑﺤﺮﻧﺎ ﺑﻤﺤﺎذاة اﻟﺸﺎطﺊ ،وﺣﻤﺪﻧﺎ ﷲ أن اﻟﺴﻔﻦ اﻹدوﻣﯿﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺠﻮل ﻓﻲ ﺧﻠﯿﺞ ﻟﺤﯿﺎن أﺛﻨﺎء ﻋﻮدﺗﻨﺎ ،ﺣﯿﻦ وﺻﻠﺖ إﻟﻰ »ﻣﺠﻤﻊ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ« ،ﻗﺮرت أن أﻗﺘﻔﻲ أﺛﺮ ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ ،وﺧﺮﺟﺖ أﺳﺄل ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،ﻛﺎن وﺻﻔﻪ ﺳﮫًﻼ ،ﻓﻠﯿﺲ ﻣﻦ اﻟﻤﺄﻟﻮف أن ﺗﺮى رﺟًﻼ ﻳﺮﺗﺪي زﻳﺎ أﺑﯿﺾ ﻧﺎﺻﻊ اﻟﺒﯿﺎض ﻻ ﻳﻄﻮﻟﻪ دﻧﺲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺤﺮاء ،وﺻﻠﺖ إﻟﻰ أول ﻣﻨﺎزﻟﻪ ،أﺧﺒﺮﻧﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس أﻧﮫﻢ رأوه ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ ﻏﯿﺮ ﺑﻌﯿﺪة ﺗﻘﻊ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺣﻞ ،ﺗﺮﻛﺖ )ﻋﻤﺮو( ﻓﻲ »ﻣﺠﻤﻊ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ« ،وﺣﻤﻠﺖ ﻣﻌﻲ ﻣﺘﺎًﻋﺎ ﺧﻔﯿًﻔﺎ ورﻛﻮة ﻣﺎء ،وﺧﺮﺟﺖ أﺗﺤﺴﺲ أﺧﺒﺎره ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺮﻳﺔ ،ﺳﺄﻟﺖ ﺻﯿﺎًدا ﻣﻦ أھﻞ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻋﻨﻪ ،ﻓﻨﻈﺮ اﻟﺮﺟﻞ ﻧﺤﻮي ﻣﺘﻔﺤ ً ﺼﺎ ﺛﻢ ﻗﺎل: ھﻞ أﻧﺖ ﻣﻦ أھﻞ اﻟﻐﻼم اﻟﻘﺘﯿﻞ؟اﻧﺪھﺸﺖ ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻪ ﻓﻘﻠﺖ: أي ﻏﻼم ﻗﺘﯿﻞ؟ﻗﺎل اﻟﺮﺟﻞ وﻗﺪ ﺑﺪا أﻧﻨﻲ أﺛﺮت ﺷﻜﻮﻛﻪ: اﻟﺬي ﻗﺘﻠﻪ ذﻟﻚ اﻟﺸﯿﺦ!ﻗﻠﺖ ﻟﻪ وأﻧﺎ أﻓﻐﺮ ﻓﺎھﻲ دھﺸﺔ: ﻗﺘﻠﻪ اﻟﺸﯿﺦ؟!ﻗﺎل اﻟﺮﺟﻞ: ﻧﻌﻢ ،واﻟﻘﺮﻳﺔ ﻛﻠﮫﺎ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻨﻪ ﻟﺘﻘﺘﺺ ﻣﻨﻪ ،ﺑﻌﺪ أن ﻗﺘﻞ )اﺑﻦ ﺳﻼس(و)رﺣﻤﺔ(. ﻗﻠﺖ وﻗﺪ رأﻳﺖ اﻟﺸﺮ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﻪ: ﻧﻌﻢ ،أﻧﺎ ﻗﺮﻳﺐ لـ)ﺳﻼس( و)رﺣﻤﺔ(!أرﺟﻮك أرﺷﺪﻧﻲ إﻟﻰ ﺑﯿﺘﮫﻤﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻏﺒ ُ ﺖ ﻋﻦ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻟﺰﻣﻦ طﻮﻳﻞ. ﻻ أدري ﻟﻤﺎذا أردت أن أرى أھﻞ اﻟﻘﺘﯿﻞ؟ ھﻞ ﻷﺗﺄﻛﺪ ﻣﻦ ﺻﺪق اﻟﺮﺟﻞ ،أم ﻷﻣﺮ آﺧﺮ ﺣﺎك ﻓﻲ ﺻﺪري! وھﻮ أن اﻟﺮﺟﻞ ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻞ ﻓﻌﻠﺘﻪ إﻻ ﻟﺤﻜﻤﺔ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﮫﺎ ﻏﯿﺮه. وﺻﻠﺖ إﻟﻰ دار )ﺳﻼس( ،طﺮﻗﺖ اﻟﺒﺎب ﻓﻔﺘﺤﺖ ﻟﻲ اﻣﺮأة ﺗﻘﺪﻣﺖ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﺮ، ﺗﻠﻔﺘﺖ ﺑﺄذﻧﮫﺎ ﻳﻤﯿًﻨﺎ وﻳﺴﺎًرا وھﻲ ﺗﻘﻮل: ﻣﻦ اﻟﻄﺎرق؟أدرﻛﺖ أﻧﮫﺎ ﻗﺪ ُﻛ ﱠ ﻒ ﺑﺼﺮھﺎ أو ﻛﺎد ،ﻓﻘﻠﺖ: ﻏﺮﻳﺐ ﻳﺎ ﺧﺎﻟﺔ!ﺟﺌﺖ ﻷرى اﻟﺸﯿﺦ )ﺳﻼس(! أﻓﺴﺤﺖ اﻟﻤﺮأة اﻟﻄﺮﻳﻖ ودﻋﺘﻨﻲ ﻟﻠﺪﺧﻮل وھﻲ ﺗﻘﻮل: ﻳﺮﻗﺪ ﻋﺎﺟًﺰا ﻋﻠﻰ أرﻳﻜﺔ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﻦ!ادﺧﻞ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ. ﻳﺎ ﷲ! أي ﺑﺆس ﻳﻌﯿﺶ ﻓﯿﻪ ھﺬان اﻟﮫﺮﻣﺎن ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻮت ﻏﻼﻣﮫﻤﺎ اﻟﺬي ﻳﻌﻮﻟﮫﻤﺎ! وأي ﺷﻲء دﻓﻊ ذﻟﻚ اﻟﺸﯿﺦ إﻟﻰ ﻗﺘﻠﻪ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮن؟! ﺟﻠﺴﺖ إﻟﻰ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻌﺎﺟﺰ ﻓﻘﻠﺖ: ﻋﱠﻮﺿﻚ ﷲ ﺧﯿًﺮا ﻓﻲ ﻣﺼﺎﺑﻚ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﺳﻼس(!ت ﻣﺮﺗﻌﺶ وھﻮ ﻳﮫﺰ ﻳًﺪا ﻣﺮﺗﻌﺸﺔ: ﻗﺎل اﻟﺮﺟﻞ ﺑﺼﻮ ٍ أﻋﺰك ﷲ أﻳﮫﺎ اﻟﻐﺮﻳﺐ ،ﻣﻦ أﻧﺖ؟ﻗﻠﺖ: ﻏﺮﻳﺐ ،ﺟﺌﺖ ﻣﻦ ﻣﻜﺎن ﺑﻌﯿﺪ ﻛﻲ أﻗﺘﻔﻲ أﺛﺮ ﻗﺎﺗﻞ وﻟﺪك؟!ﺻﻤﺖ اﻟﺮﺟﻞ ﻟﺤﻈﺎت ﺛﻢ ﻗﺎل وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺛﻘﻠﺖ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻧﻪ: وھﻞ وﺟﺪﺗﻪ؟!ﻗﻠﺖ: ﻟﻮ ﻛﻨﺖ وﺟﺪﺗﻪ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﺗﯿﺘﻚ!ﺻﻤﺖ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﺮة أﺧﺮى ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﺑﺠﮫﺪ: وﻟﻦ ﺗﺠﺪه!وھﻞ ﻳﺠﺪ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻠﻚ اﻟﻤﻮت؟! ﺷﻌﺮت ﺑﺮﻋﺪة ﻓﻲ ﺟﺴﺪي وﻗﻠﺖ: ﻣﻠﻚ اﻟﻤﻮت؟!! ﻗﺎﻟﺖ اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﻤﻊ إﻟﻰ ﺣﺪﻳﺜﻨﺎ: ﺟﺎء ﻓﻘﺒﺾ روﺣﻪ ﺛﻢ اﻧﺼﺮف!ﻓﻤﻦ ﻳﻔﻌﻞ ذﻟﻚ ﺳﻮى ﻣﻠَ ٌ ﻚ أرﺳﻠﻪ ﷲ إﻟﯿﻨﺎ اﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﺪﻋﺎﺋﻲ! ﻗﻠﺖ ﻣﺸﺪو ً ھﺎ: دﻋﻮﺗﻲ ﻋﻠﻰ وﻟﺪك ﺑﺎﻟﻤﻮت واﺳﻤﻚ )رﺣﻤﺔ(!ﻗﺎﻟﺖ اﻟﻤﺮأة ﻓﻲ ﺣﺴﺮة: ﺣﯿﻦ ﺗﺼﯿﺮ اﻟﻨﻌﻤﺔ ﻧِﻘﻤﺔ ،ﻳﺪﻋﻮ اﻟﻤﺮء رﺑﻪ ﺑﺄن ﻳﺴﺘﺮد ﻧﻌﻤﺘﻪ ،وﻳﺘﻌﻠﻢ أن ﻟﯿﺲﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺘﻤﻨﺎه اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺧﯿًﺮا. ك: ﺛﻢ أردﻓﺖ ﺑﺼﻮت ﺑﺎ ٍ ﻛﻨﺖ ﻋﺎﻗًﺮا وﻛﺎن زوﺟﻲ ھﺬا ﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﻣﻦ اﻟﻜﺒﺮ وﻟﻢ ﻧﻨﺠﺐ وﻟًﺪا ﻳﻌﯿﻨﻨﺎ ﻓﻲﺷﯿﺒﺘﻨﺎ ،ظﻠﻠﺖ أدﻋﻮ ﷲ ﻓﻲ ﻛﻞ وﻗﺖ أﻧﺎ وزوﺟﻲ أن ﻳﺮزﻗﻨﺎ ﺑﺎﻟﻮﻟﺪ ،وﻟﻢ أدع ﻳﻮًﻣﺎ إﻻ وﻗﺪﻣﺖ ﻓﯿﻪ ﻗﺮﺑﺎﻧًﺎ ﻟﻠﺮب ﻛﻲ ﻳﮫﺐ ﻟﻲ ﻏﻼًﻣﺎ ﺗﻘﺮ ﺑﻪ ﻋﯿﻨﻲ ،وﺣﻤﻠﺖ ﺑﺎﻟﻮﻟﺪ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﻘﻄﻊ ﺣﯿﻀﻲ ﺑﻌﺎم ،وزوﺟﻲ ھﺬا ﺷﯿﺦ ﻗﺪ وھﻦ ﻣﻨﻪ اﻟﻌﺰم واﻟﻌﻈﻢ! ﺻﻤﺘﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ ﺗﺎﺑﻌﺖ ﻓﻲ ﺣﺴﺮة أﺧﺮى: وﻛﺒﺮ اﻟﻔﺘﻰ ،ﻓﺈذا ﺑﺎﻟﻨﻌﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺎ ﻧﺮﺟﻮھﺎ ﺗﻨﻘﻠﺐ ﻧﻘﻤﺔ ،وإذا ﺑﺎﻟﻌﻮن اﻟﺬيرﺟﻮﻧﺎه ﻓﻲ ﺷﯿﺒﺘﻨﺎ ،ﻳﺼﯿﺮ ﻋﻮًزا ﻟﻨﺎ وذﻻ ،أﺿﺎع اﻟﻔﺘﻰ أﻣﻮال أﺑﯿﻪ ،ﺛﻢ ﺑﺨﻞ ﻋﻠﯿﻪ ﺑﺎﻟﺒﺮ واﻟﻄﻌﺎم ،وﻟﻢ ﻳﺮﺣﻢ ﻋﺠﺰه وﺿﻌﻔﻪ ،ﺛﻢ ﺻﺮﻧﺎ ُﻧﻌﯿﱠﺮ ﺑﻪ ﺑﻌﺪ أن ھﺠَﺮﻧﺎ وﺳﺎر ﻣﻊ اﻟُﻐﯿﱠﺎر وﻗﻄﺎع اﻟﻄﺮﻳﻖ! ﻳﺘﻜﺴﺐ ﺑﺎﻟﺴﺮﻗﺔ وﻳﻘﻄﻊ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺑﺮي اﻟﺴﺒﯿﻞ. ﺛﻢ ﺑﻜﺖ وھﻲ ﺗﻘﻮل: أﺑﻜﺎﻧﻲ ﺣﺘﻰ ﺟ ﱠﻒ ﻣﺎء ﻋﯿﻨﻲ ،ﻓﺪﻋﻮت ﷲ أن ﻳﺮده إﻟﯿﻪ ،وأن ﻳﺒﺪﻟﻨﻲ ﺧﯿًﺮا ﻣﻨﻪ. ﻣﺴﺤﺖ دﻣﻌﺘﮫﺎ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ: وذات ﺻﺒﺎح ﺳﻤﻌﺖ طﺮًﻗﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎب واﻟﻨﺎس ﺗﻘﻮلُ ،ﻗِﺘﻞ اﺑﻨﻚ ﻳﺎ )رﺣﻤﺔ(ُ ،ﻗِﺘﻞاﺑﻨﻚ ﻳﺎ )ﺳﻼس( ،ظﻨﻨﺖ ﻓﻲ ﺑﺎدئ اﻷﻣﺮ أﻧﻪ ﻗﺪ ُﻗﺘﻞ ﻓﻲ ﻋﺮاك ﻣﻊ اﻷﺷﻘﯿﺎء، وﻟﻜﻦ ﺣﯿﻦ ﻋﻠﻤﺖ ﺑﻤﻦ ﻗﺘﻠﻪ ﺗﻌﺠﺒﺖ! ﻗﺎﻟﻮا: إن ﺷﯿ ً ﺨﺎ ﻛﺒﯿًﺮا ﻏﺮﻳﺒًﺎ ﻗﺪ ﺟﺎء إﻟﻰ اﻟﻘﺮﻳﺔ ،ﻓﻠﻘﻤﻪ ﺑﺤﺠٍﺮ ﻓﻤﺎت! ﺿﺮﺑﻪ ھﻮ وﺣﺪه ﺑﺎﻟﺤﺠﺮ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ اﻷﺷﻘﯿﺎء ﺛﻢ اﻧﺼﺮف! أُﻳﻌﻘﻞ أن ﺗﻜﻮن ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎدﺛﺔ ﻣﺼﺎدﻓﺔ؟! ﻛﻼ وﷲ! إﻧﻤﺎ ھﻮ ﻗَﺪر ﷲ ﻗﺪ أرﺳﻠﻪ ﻓﻲ ھﯿﺌﺔ ھﺬا اﻟﺸﯿﺦ ﻛﻲ ﻳﻨﻔﺬ دﻋﻮﺗﻲ! « ﺣﯿﻨﮫﺎ ﺻﻤﺖ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻗﻠﯿًﻼ وﻗﺪ أﺻﺎﺑﺘﻪ رﻋﺪة ،ﺷﻌﺮت ﺑﮫﺎ ﻓﻲ ﺟﺴﺪي أﻳ ً ﻀﺎ، ﺛﻢ اﺳﺘﺄﻧﻒ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻠﻤﺮأة: وھﻞ اﺳﺘﺠﺎب اﻟﺮب ﻟﺪﻋﺎﺋﻚ ،وأﺑﺪﻟﻚ ﺧﯿًﺮا ﻣﻨﻪ؟أدارت رأﺳﮫﺎ وﻧﺎدت ﻗﺎﺋﻠﺔ: ﻳﺎ )ﺗﻤﺎر(!ﺧﺮج ﺻﺒﻲ ﺻﻐﯿﺮ ﻣﻦ ﺣﺠﺮة ﻓﻲ اﻟﺒﯿﺖ ،ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺮﻗﺔ واﻟﺠﻤﺎل ،وﻗﺎل: ﻧﻌﻢ ﻳﺎ أﻣﺎه!ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ: أﺑﺪﻟﻨﻲ ﷲ ﺑﻄﻔﻞ ﻳﺘﯿﻢ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﻘﺮﻳﺔ ،وﺟﺪﺗﻪ أذﻛﻰ ﻧﻔ ًﺴﺎ وأرﺣﻢ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻣﻦ وﻟﺪ أﻧﺠﺒﻪ رﺣﻤﻲ! ﺗﻨﮫﺪ ُ ت ﺛﻢ ﻗﺒﱠﻠﺖ اﻟﻔﺘﻰ واﻧﺼﺮﻓﺖ وأﻧﺎ أﺳﺘﻌﯿﺪ ﻛﻠﻤﺎﺗﮫﺎ ،وﺗﺮدد ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﺳﺆال ارﺗﺠﻒ ﻟﻪ ﺟﺴﺪيَ ،ﻣ ْ ﻦ ھﺬا اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻣﺴﺖ ﻳﺪي ﻳﺪﻳﻪ ﻓﻮق اﻟﻤﺮﻛﺐ؟ أﺗﺮاﻧﻲ ﻣﺴﺴﺖ ﻳﺪ ﻣﻠﻚ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ،أم ﻣﺴﺖ ﻳﺪي ﻳﺪ اﻟﻘﺪر؟ ∞∞∞∞∞ ﺑﻌﺪ ﻳﻮم ﻟﻢ أﺳﺘﻄﻊ أن أﻧﺘﻈﺮ ﺣﺘﻰ ﻗﺪوم اﻟﻠﯿﻞ ،ﻛﻲ أﺳﺘﻤﻊ إﻟﻰ )ﺷﮫﺒﻮر(، ﻋﺪ ُ ت ﻣﻦ اﻟﻤﺮﻓﺄ وﻗﺖ اﻟﻘﯿﻠﻮﻟﺔ ،ﻓﺬھﺒﺖ إﻟﻰ ﺑﯿﺘﻪ اﻟﺨﻮﺻﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎطﺊ ﻣﺒﺎﺷﺮًة وﻟﻢ أﻋﺪ إﻟﻰ ﻣﻨﺰﻟﻲ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ اﻟﺼﯿﺎدﻳﻦ ،وﺟﺪﺗﻪ وﺣﺪه ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن )ﻋﻤﺮو( ﻻ ﻳﺰال ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻪ ﻣﻊ اﻟﺒﺤﺎرة ،أدرك ﻣﻦ ﺷﻐﻒ ﻋﯿﻨﻲ أﻧﻲ ﻗﺪ أﺗﯿﺖ ﻟﺴﻤﺎع ﺑﺎﻗﻲ اﻟﻘﺼﺔ ،ﺟﻠﺴﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻣﻞ ،ﻓﺘﺮك أرﻳﻜﺘﻪ اﻟﺨﺸﺐ وﺟﻠﺲ إﻟﻰ ﺟﻮاري ،أﺳﻨﺪﻧﺎ ظﮫﺮﻳﻨﺎ إﻟﻰ ﺣﺎﺋﻂ اﻟﺨﻮص ،وﻧﻈﺮﻧﺎ ﻣﻦ ﻓﺘﺤﺔ اﻟﺒﺎب إﻟﻰ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﺬي ﻋﺎﻧﻘﺖ ُزرﻗﺘﻪ ُزرﻗﺔ اﻟﺴﻤﺎء وﻗﺎل وھﻮ ﻳﻐﯿﺐ ﺑﺒﺼﺮه ﻓﻲ اﻷﻓﻖ: »ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ اﻟﻘﺮﻳﺔ ،أﺗﺘﺒﻊ ﻛﻞ طﺮﻳﻖ ﺳﺎر ﺑﻪ ،وﻛﻞ ﺷﺠﺮة اﺳﺘﻈﻞ ﺑﻈﻠﮫﺎ،وﻛﻞ ﺣﺎﺋﻂ ﺟﻠﺲ إﻟﯿﻪ ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻟﻢ أﺟﺪه ..اﻧﺘﮫﻰ ﺑﻲ اﻟﻤﻄﺎف إﻟﻰ ﻗﺮﻳﺔ ﺑﻌﯿﺪة ﻋﻦ اﻟﺴﺎﺣﻞ ،ﻳﺴﻜﻨﮫﺎ ﻗﻮم ﻻ ھﻢ ﻣﻦ أھﻞ اﻟﺮﻋﻲ ،وﻻ ھﻢ ﻣﻦ أھﻞ اﻟﺼﯿﺪ، ﻳﺴﻢ وﺟﻮھﮫﻢ اﻟﺠﻔﺎء واﻟﻐﻠﻈﺔ ،ﺳﺄﻟﺖ أھﻞ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻋﻦ اﻟﺸﯿﺦ ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺮﻓﻪ أﺣﺪ إﻟﻰ أن رأﻳﺖ ﻋﺎﺑﺮ ﺳﺒﯿﻞ ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ ،ﻗﺎل: رأﻳﺖ رﺟًﻼ ﻣﻨﺬ أﻳﺎم ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺼﻦ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻳﺸﺒﻪ ذﻟﻚ اﻟﻮﺻﻒ.اﻧﻄﻠﻘﺖ إﻟﻰ ﻣﻜﺎن اﻟﺤﺼﻦ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻘﻊ ﻋﻠﻰ أطﺮاف اﻟﻘﺮﻳﺔ ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺣﺼًﻨﺎ ﺣﻘﯿﻘﯿﺎ ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﺑﻘﺎﻳﺎ ﺑﻨﺎء ﻗﺪﻳﻢ ﻣﮫﱠﺪم ،ﻳﺒﺪو ﻛﺤﺎﻣﯿﺔ أﻗﺎﻣﮫﺎ أﺣﺪ اﻟﻤﻠﻮك ﻗﺪﻳ ً ﻤﺎ ﺛﻢ ﺗﮫﺪﻣﺖ ﻣﻊ ﻣﺮور اﻷﻳﺎم ،اﻟﻤﻜﺎن ﻳﺒﺪو ﻣﮫﺠﻮًرا رﻏﻢ أن ﻣﺴﺎﻛﻦ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﺗﺒﻌﺪ ﻋﻨﻪ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻏﯿﺮ ﺑﻌﯿﺪة ،ﺗﻠﻔ ﱡ ﺖ ﺣﻮﻟﻲ ﻓﻠﻢ أَر أﺣًﺪا ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺎن ،ظﻨﻨﺖ أن ﻋﺎﺑﺮ اﻟﺴﺒﯿﻞ ﻗﺪ ُﻏ ﱠ ﻢ ﻋﻠﯿﻪ اﻷﻣﺮ ،وﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﯿﺄس ﻣﻦ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻰ اﻟﺸﯿﺦ ،وﻛﺎن اﻟﺘﻌﺐ ﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﺑﻲ ﻣﺒﻠﻐﻪ وﻗﺪ اﺷﺘﱠﺪ ﻗﯿﻆ اﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ،ﻓﺴﺮت ﻧﺤﻮ ﺟﺪار اﻟﺤﺼﻦ وﺟﻠﺴ ُ ﺖ أﺳﻔﻠﻪ ،أﺧﺮﺟﺖ رﻛﻮة اﻟﻤﺎء ورﺷﻔﺖ ﻣﻨﮫﺎ رﺷﻔﺎت ،ﻓﺈذا ﺑﻲ أرى طﻔًﻼ ﺑﺪﻳ َ ﻊ اﻟﺸﻜﻞ ﻳﻨﻈﺮ إﻟ ﱠ ﻲ ﻣﺘﺮﻗﺒًﺎ ﻣﻦ ﺧﻠﻒ اﻟﺠﺪار ..اﺑﺘﺴﻤﺖ ﻟﻪ، وﻟﻜﻨﻪ اﺧﺘﻔﻰ ﻓﺠﺄة ،ھﻤﻤﺖ ﺑﺄن أﻗﻮم ﻷرى أھﻠﻪ ،وﻟﻜﻨﻪ ظﮫﺮ ﻟﻲ ﻓﺠﺄة ﻣﻦ اﻟﻄﺮف اﻵﺧﺮ وھﻮ ﻳﺒﺘﺴﻢ ﻣﺮﺗﺪﻳًﺎ زﻳﺎ آﺧﺮ! ﻧﺎدﻳﺖ ﻋﻠﯿﻪ ﻓﺎﺧﺘﻔﻰ ﻣﺮة أﺧﺮى ،ﺛﻢ ظﮫﺮ ﻣﻦ اﻟﺠﮫﺔ اﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ ﺑﺰﻳﻪ اﻷول ﺿﺎﺣ ً ﻜﺎ ،أدرﻛﺖ أن اﻟﻄﻔﻞ ﻳﻼﻋﺒﻨﻲ ،ﻓﺄﺷﺮت إﻟﯿﻪ ﺑﻘﻄﻌﺔ ﺧﺒﺰ ﻛﻲ ﻳﺄﺗﻲ ،ﺗﺮدد ﻗﻠﯿًﻼ ،ﺛﻢ ﻧﻈﺮ ﺧﻠﻒ اﻟﺠﺪار ،وﻛﺄ ﱠ ن ﻣﻌﻪ ﺷﺨ ً ﺼﺎ آﺧﺮ ،ﺛﻢ ﺧﺮج طﻔﻼن ﺗﻮءﻣﺎن ﻛﻞ ﻣﻨﮫﻤﺎ ﻛﻔﻠﻘﺔ اﻟﺒﺪر ،وﻛﺄﻧﻤﺎ اﻧﻘﺴﻢ اﻟﻘﻤﺮ ﺷﻄﺮﻳﻦ ﻓﻤﻨﺢ ﻛﻼ ﻣﻨﮫﻤﺎ ﺷﻄًﺮا! اﻗﺘﺮﺑﺎ ﻣﻨﻲ ﻓﻲ ﺣﺬر ﻓﻮﺿﻌﺖ ﻓﻲ ﻳﺪ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﮫﻤﺎ ﻗﻄﻌﺔ ﺧﺒﺰ ،ﻓﺘﻨﺎوﻟﮫﺎ ﺑﻔﺮح ﺛﻢ أﺧﺬا ﻳﻘﻀﻤﺎن ﻣﻨﮫﻤﺎ ،ﺣﯿﻨﺌٍﺬ ﺧﺮﺟﺖ اﻣﺮأة ﺷﺎﺑﺔ ﻣﻦ ﺧﻠﻒ اﻟﺠﺪار ،أدرﻛﺖ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻟﮫﺎ أﻧﮫﺎ ھﻲ اﻟﺘﻲ ﻣﻨﺤﺖ اﻟﺤﺴﻦ ﻟﻮﻟﺪﻳﮫﺎ ،ﻓﻨﺎدت ﻋﻠﯿﮫﻤﺎ: )ﺳﺎرم() ،ﺳﺮﻳﻢ(!ﺗﻌﺎﻻ إﻟﻰ ھﻨﺎ. ﻋﺎد اﻟﻄﻔﻼن إﻟﻰ أﻣﮫﻤﺎ ﻋﺪًوا واﺧﺘﻔﯿﺎ داﺧﻞ اﻟﺤﺼﻦ ،ﺛﻢ ﻧﻈﺮت إﻟ ﱠ ﻲ وﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺣﺬر: ھﻞ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺷﻲء أﻳﮫﺎ اﻟﻐﺮﻳﺐ؟!ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺗﺮدد: ﻧﻌﻢ ،ھﻞ رأﻳﺖ ﺷﯿ ًﺨﺎ ﻛﺒﯿًﺮا ﻳﺮاﻓﻘﻪ رﺟﻞ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﻜﺎن؟! ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﻟﮫﻔﺔ ،ﺟﻌﻠﺘﻨﻲ أﺳﺘﺒﺸﺮ ﺧﯿًﺮا: ھﻞ أﻧﺖ ﻣﻌﮫﻤﺎ؟!ﻗﻠﺖ ﻣﺘﻠﮫًﻔﺎ: ﺑﻞ أﺑﺤﺚ ﻋﻨﮫﻤﺎ!ھﻞ ھﻤﺎ ﻋﻨﺪك ﺑﺎﻟﺪاﺧﻞ؟! ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﮫﺰ رأﺳﮫﺎ ﻓﻲ أﺳﻒ: رﺣﻼ ﻛﻤﺎ ﻳﺮﺣﻞ اﻟﺤﻠﻢ اﻟﺠﻤﯿﻞ!ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺤﺰن ،وﻗﺪ ﺑﺎﻧﺖ ﺧﯿﺒﺔ اﻷﻣﻞ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻲ ،ﻓﻘﻠﺖ ﻟﮫﺎ: أﻟﻢ ﺗﻌﺮﻓﻲ إﻟﻰ أﻳﻦ ﻛﺎﻧﺖ وﺟﮫﺘﮫﻤﺎ؟ﻗﺎﻟﺖ: ﻻ أدري ،وﻟﻜﻨﮫﻤﺎ اﻓﺘﺮﻗﺎ!ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺣﺰن: اﻓﺘﺮﻗﺎ؟!ﻗﺎﻟﺖ: ﻧﻌﻢ ،ﺳﺎر اﻟﺸﯿﺦ ﻣﻦ طﺮﻳﻖ ،وﺳﺎر اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ طﺮﻳﻖ آﺧﺮ.أدرﻛﺖ أن ﻣﮫﻤﺘﻲ ﻗﺪ ازدادت ﺻﻌﻮﺑﺔ؛ ﻓﺎﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻰ اﺛﻨﯿﻦ أﻳﺴﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻰ واﺣﺪ ،ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ: ﻟﻤﺎذا ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻨﮫﻤﺎ؟ﻗﻠﺖ وﻛﺄﻧﻨﻲ أﺗﺤﺪث إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻲ: ﻷﺗﺒﻌﮫﻤﺎ!ﺛﻢ ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ وأﻧﺎ أﻧﻈﺮ إﻟﻰ اﻷﻓﻖ ﻓﻲ ﺷﺮود: ﻣﻨﺬ أن رأﻳﺖ ذﻟﻚ اﻟﺸﯿﺦ ،وھﻮ ﻻ ﻳﻔﺎرق ﻋﻘﻠﻲ وﺧﯿﺎﻟﻲ ،وﻛﻠﻤﺎ ﺗﺒﻌﺘﻪ ازددتﻋﺠﺒًﺎ ،أراه ﻳﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﻳﺪه وﻋﺎء ﻳﻤﺘﻠﺊ ﺑﺎﻟﺮﺣﻤﺎت ،وﻻ ﻳﺤﻞ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ،إﻻ وﻳﻘﻊ أﻣﺮ ،ﻳﺒﺪو ﻓﻲ ظﺎھﺮه اﻟﺸﺮ وﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﺑﺎطﻨﻪ اﻟﺮﺣﻤﺔ. ﺻﻤﺘﺖ اﻟﻤﺮأة وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﺘﻔﻜﺮ ﻓﯿﻤﺎ أﻗﻮل ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ: ت إﻻ ﺑﺨﯿﺮ! ﻟﻢ ﻧَﺮ ﻣﻨﻪ ﺳﻮى اﻟﺮﺣﻤﺔ ،وﻣﺜﻠﻪ ﻻ ﻳﺄ ِﻗﻠﺖ وﻗﺪ أدرﻛﺖ أن أﻣًﺮا ﻗﺪ وﻗﻊ ﻟﮫﺎ: ﺖ! ﺻﺪﻗ ِﺖ؟! وﻟﻜﻦ ﻛﯿﻒ ﻋﺮﻓ ِ ﻗﺎﻟﺖ وﻗﺪ اطﻤﺄﻧﺖ ﻟﻲ: ﺣﯿﻦ ﺟﺎءا إﻟﻰ ھﻨﺎ ،ﻛﺎن ﻳﺒﺪو ﻋﻠﯿﮫﻤﺎ اﻹرھﺎق واﻟﺠﻮع ،ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻀﻔﮫﻤﺎ أﺣٌﺪﻣﻦ أھﻞ اﻟﻘﺮﻳﺔ ،وﺧﺮﺟﺎ ﻣﻨﮫﺎ ﺑﻼ ﻛﺴﺮة ﺧﺒﺰ وﻻ ﺷﺮﺑﺔ ﻣﺎء وﻗﺪ اﺷﺘﺪ ﺑﮫﻤﺎ اﻟﺘﻌﺐ ،ﺛﻢ وﺻﻼ إﻟﻰ ھﻨﺎ ﻓﺠﻠﺴﺎ إﻟﻰ ﺟﻮار ذﻟﻚ اﻟﺠﺪار ﻟﯿﺴﺘﺮﻳﺤﺎ. ﻧﻈﺮت إﻟﻰ اﻟﺠﺪار اﻟﺬي ﻻﺣﻈﺖ أﻧﻪ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﺒﻨﺎء ﻋﻦ ﺑﺎﻗﻲ ﺟﺪران اﻟﺤﺼﻦ ﻓﺘﻌﺠﺒ ُ ﺖ ،وﺷﻌﺮت ھﻲ ﺑﻤﺎ ﻳﺪور ﻓﻲ ﻋﻘﻠﻲ ،ﻓﺘﺎﺑﻌﺖ: ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺠﺪار ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﺤﺎل ،ﻛﺎن اﻟﺠﺪار ﻳﻮﺷﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻘﻮط ،وﻛﻨﺖأرﺗﻌﺪ ﺧﻮًﻓﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،ﻓﻠﻮ ﺳﻘﻂ اﻟﺠﺪار اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ اﻟﺴﻘﻒ اﻟﺬي ﻳﺆوﻳﻨﺎ ﻟﺼﺮت أﻧﺎ وأﺑﻨﺎﺋﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺮاء ،ﻓﻨﺤﻦ ﻻ ﻧﻤﻠﻚ ﻟﻨﺎ ﻣﺄوى ﻏﯿﺮه ﺑﻌﺪ أن ﻣﺎت زوﺟﻲ. وﻟﻦ ﻳﺮﻓﻖ ﺑﺤﺎﻟﻨﺎ أﺣﺪ ﻣﻦ أھﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺮﻳﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺄﺑﻪ ﻟﻌﺎﺑﺮ ﺳﺒﯿﻞ ،وﻻ ﺗﻤﺴﺢ ﻋﻠﻰ رأس ﻳﺘﯿﻢ. ﺻﻤﺘﺖ ﻟﺤﻈﺔ ﺛﻢ أردﻓﺖ: وﺣﯿﻦ ﺟﺎءا إﻟﻰ ھﻨﺎ ،ﺧﺮج )ﺳﺎرم( و)ﺳﺮﻳﻢ( وﻗﺪ اﻋﺘﺎدا ﺣﯿﻨﻤﺎ ﻳﺴﻤﻌﺎنأﺻﻮات اﻟﻐﺮﺑﺎء ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ،ﻓﺨﺮﺟﺖ وراءھﻤﺎ ﻷرى اﻟﺸﯿﺦ ﻳﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﯿﻪ وﻳﺤﻮﻳﮫﻤﺎ ﺑﯿﻦ ذراﻋﯿﻪ ،وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺸﺘﺎق إﻟﯿﮫﻤﺎ ﻓﺘﻌﺠﺒﺖ ﻣﻦ ذﻟﻚ وﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺨﻮف ﻣﻨﻪ ،ﻧﺎدﻳﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻔﻠﯿﻦ ﻓﻌﺎدا ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ،ﻓﻘﺎم وﻗﺎل: ﻻ ﺗﺨﺸﻲ ﻋﻠﯿﮫﻤﺎ ﺷﯿًﺌﺎ ،ﺛﻢ ﻧﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺠﺪار ،وﻗﺎل:آ َن ﻟﮫﺬا اﻟﺠﺪار اﻟﺬي ﻳﻮﺷﻚ أن ﻳﻨﻘﺾ أن ُﻳﻘﺎم. ورﻏﻢ ﻓﺮﺣﻲ ﺑﺬﻟﻚ ،إﻻ أﻧﻨﻲ ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: ﻻ أﻣﻠﻚ ﻧﻘﻮًدا ﻟﺬﻟﻚ.ﻓﺎﺑﺘﺴﻢ ﻗﺎﺋًﻼ وﻗﺪ أﺿﺎء وﺟﮫﻪ: ﻧﻘﺪﻧﻲ أﺑﻮھﻤﺎ أﺟﺮه ﻣﻦ ﻗﺒﻞ.ودون أن ﻳﻨﺘﻈﺮ ﻣﻨﻲ ردا ﺷ ﱠ ﻤﺮ ﻋﻦ ﺳﺎﻋﺪﻳﻪ ،ﺛﻢ ﺟﻤﻊ اﻟﺤﺠﺎرة وﺣﻤﻠﮫﺎ ﺑﯿﻦ ﻲ ،وﺳﻂ دھﺸﺘﻲ ودھﺸﺔ رﻓﯿﻘﻪ أﻳ ً ﻀﺎ ،ﺛﻢ ﺻﻨﻊ اﻟﻤﻼط، ذراﻋﯿﻪ ﻛﺸﺎب ﻓﺘ ّ ٍ وأﺧﺬ ﻳﻌﻠﻮ ﺑﺎﻟﺠﺪار ،ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺢ ﻛﻤﺎ ﺗﺮاه اﻵن. ﺻﻤﺘﺖ ﻟﺤﻈﺎت ﺛﻢ أردﻓﺖ ﻓﻲ ﺣﺰن: وﺑﻌﺪ أن أﻗﺎﻣﻪ ﺟﻠﺲ ﻟﯿﺘﺤﺪث إﻟﻰ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻳﺮاﻓﻘﻪ ،زال ﻋﻦ وﺟﮫﻪ اﻟﺘﻌﺐوزال ﻋﻦ ﺛﻮﺑﻪ ﻏﺒﺎر اﻟﺒﻨﺎء ،ﻓﺄﺷﺮق وﺟﮫﻪ ﺑﺎﻟﻀﯿﺎء وﻧﺼﻊ ﺛﻮﺑﻪ ﺑﺎﻟﺒﯿﺎض ..ﺗﺤﺪث طﻮﻳًﻼ وأﻧﺼﺖ إﻟﯿﻪ اﻟﺮﺟﻞ ﺑﻼ ھﻤﺲ ﺛﻢ ﺗﺮﻛﻪ واﻧﺼﺮف ،اﻧﺼﺮف وﺣﺪه ﻣﻦ ھﺬا ﻞﺣ ﱠ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،وﻛﺄﻧﻪ طﯿ ٌ ﻒ ﺟﻤﯿ ٌ ﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻔﺲ ﻟﻠﺤﻈﺎت ﺛﻢ رﺣﻞ ﻛﻲ ﻳﺘﺮك ﻓﯿﮫﺎ ذﻟﻚ اﻟﻔﺮاغ اﻟﻌﺎﻣﺮ واﻟﺴﻜﻮن اﻟﺼﺎﺧﺐ! ﻗﻠﺖ: وھﻞ ﻛﺎن زوﺟﻚ ﻳﻌﺮف ھﺬا اﻟﺮﺟﻞ؟!ﻧﻈﺮ ْ ت ﻧﺤﻮ اﻷﻓﻖ وﻗﺎﻟﺖ ﺷﺎردة: زوﺟﻲ!ﺛﻢ أردﻓﺖ وﻗﺪ أﺷﺮﻓﺖ ﻣﻦ ﻣﻘﻠﺘﯿﮫﺎ دﻣﻮع ﻟﻜﻨﮫﺎ ﻟﻢ ﺗﻨﺴ ﱠ ﻞ ﻣﻨﮫﺎ: ﻛﺎن زوﺟﻲ ﺻﯿﺎًدا ﻓﻘﯿًﺮا وﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎن ﻏﻨﯿﺎ ﺑﺄﻋﻤﺎﻟﻪ!ﻛﺎن ﻛﺮﻳ ً ﻤﺎ ﻋﻔﯿًﻔﺎ ،ﻳﺠﻮد ﺑﻤﺎ ﻳﻤﻠﻚ ﻋﻠﻰ ﻗِﻠﱠِﺘﻪ ،ﻻ ﻳﺮد ﺳﺎﺋًﻼ ،وﻻ ﻳﻤﻨﻊ ﻣﺤﺮوًﻣﺎ، وﺣﯿﻦ ﻣﺎت وﺟﺪت أﻋﻤﺎﻟﻪ ﺗﺴﻌﻰ إﻟﯿﻨﺎ! ﻓﺘﺎرة ﻳﺄﺗﯿﻨﺎ ﺻﯿﺎد ﺑﻄﻌﺎم ،وﺗﺎرة ﻳﺮد ﻟﻨﺎ رﺟﻞ ﻗﺮ ً ﺿﺎ أﻗﺮﺿﻪ أﻳﺎه ،وﺗﺎرة ﻳﺠﻮد ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻋﺎﺑﺮ ﺳﺒﯿﻞ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﺜﻠﻚ أﻳﮫﺎ اﻟﻐﺮﻳﺐ! ﺗﮫﺪج ﺻﻮﺗﮫﺎ وھﻲ ﺗﻘﻮل: ﺗﺰﻳﺪﻧﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻮادث ﺷﻮًﻗﺎ إﻟﯿﻪ ،وﺗﺠﻌﻠﻨﻲ أﺷﻌﺮ ﺑﺄن روﺣﻪ ﻻ ﺗﺰال ﺣﯿﺔ ﺑﯿﻨﻨﺎﺗﺘﺮدد ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻓﻲ ﺻﻮر ﺷﺘﻰ ﻟﺘﺮﻋﺎﻧﺎ. ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﺑﺎﻛﯿﺔ: ﺣﯿﻦ رأﻳﺖ اﻟﺸﻮق ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ اﻟﺸﯿﺦ وھﻮ ﻳﺠﺜﻮ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﯿﻪ وﻳﺤﺘﻀﻦ)ﺳﺎرم( و)ﺳﺮﻳﻢ( ،ظﻨﻨﺖ أﻧﻪ ھﻮ! ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ أﺣﺪ ﻳﺤﺘﻀﻨﮫﻤﺎ ﺳﻮﻳﺎ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺳﻮاه! ﺗﻤﻨﯿﺖ ﻟﻮ ﺑﻘﻲ اﻟﺸﯿﺦ إﻟﻰ ﺟﻮارﻧﺎ ﻓﺘﺮة أﻛﺒﺮ ،ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﺟﺪ ﻓﯿﻪ رﻳﺢ زوﺟﻲ! وﻟﻜﻨﻪ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﺖ ﻟﻚ ،ﺟﺎء ﻛﻄﯿﻒ ﺟﻤﯿﻞ ﺛﻢ رﺣﻞ ﻛﺄن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ! وﺻﻤﺘﺖ اﻟﻤﺮأة ،ﻓﺎﻟﺘﺰﻣﺖ اﻟﺼﻤﺖ أﻳ ً ﻀﺎ ..ﺗﺮﻛﺖ ﻟﮫﺎ وﻷوﻻدھﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺨﺒﺰ ﺛﻢ ﻗﻤﺖ ﻣﻨﺼﺮًﻓﺎ وﻗﺪ أﻳﻘﻨﺖ أن ھﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﻟﯿﺲ ﺑﺒﺸﺮ ،ھﻮ ُﻟ ْ ﻄﻒ ﻣﻦ اﻟَﻘَﺪر أرﺳﻠﻪ اﻟﺮب ﺑﺮﺳﺎﺋﻞ ﻟﯿﺮﻓﻊ اﻟﻜﺮب ﻋﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻜﺮوﺑﯿﻦ ،وأﻧﻪ ﻻ ﺳﺒﯿﻞ ﻟُﺮﻓﻘﺔ اﻟﻘﺪر ،إﻻ ت أﺑﺤﺚ ﻋﻦ رﻓﯿﻘﻪ ،وأﻟ ﱠ ﺻْﺮ ُ ﺢ ﻋﻠﻰ ﺑﺄﻣﺮ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻘﺪر ،ﺗﺮﻛﺖ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻨﻪ و ِ ﻧﻔﺴﻲ ﺷﻮق ﻛﻲ أﻋﺮف ھﺬا اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي أﻛﺮم ﺑﺮﻓﻘﺘﻪ! ﺳﺮت ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺬي أﺷﺎرت إﻟﯿﻪ اﻟﻤﺮأة أﺗﺤﺴﺲ ﻣﻦ أﺧﺒﺎره ،ﻗﻄﻌﺖ طﺮﻳﻖ اﻟﺴﺎﺣﻞ ﺳﯿًﺮا ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣﻲ ،ﻻ أﺟﻠﺲ إﻻ ﺣﯿﻦ ﻳﺴﺘﺒﺪ ﺑﻲ اﻟﺘﻌﺐ ،وﻻ آﻛﻞ إﻻ اﻟﻘﻠﯿﻞ ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻮد ﺑﻪ أھﻞ اﻟﻘﺮى ﻋﻠﻰ ﺗﺎﺟٍﺮ ،ﺧﺮج ذات ﻳﻮم ﻟﯿﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺗﺠﺎرﺗﻪ ،ﻓﺎﻧﺘﮫﻰ ﺑﻪ اﻟﺤﺎل إﻟﻰ ﻋﺎﺑﺮ ﺳﺒﯿﻞ ﻳﺴﯿﺮ ﻣﺠﺬوﺑًﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻣﺴﺖ ﻳﺪاه ﻳﺪ اﻟﻘﺪر! وﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﻣﻜﺎن ﺑﯿﻦ »ﻣﺠﻤﻊ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ« ،وﺟﺒﻞ »ﺣﻮرﻳﺐ« ،ﺟﻠﺴﺖ ﻛﻲ أﺳﺘﺮﻳﺢ ﻓﺈذا ﺑﻲ أﺳﺘﻤﻊ إﻟﻰ ﺟﻠﺒﺔ ﻗﺮﻳﺒًﺎ ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻲ ،درت ﺧﻠﻒ ﻛﺜﯿﺐ اﻟﺮﻣﻞ ،ﻓﺈذا ﺑﻲ أرى ذﻟﻚ اﻟﺸﺎب اﻟﺬي رأﻳﺘﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﺼﺨﺮة ،ﻳﻘﻒ وﺣﻮﻟﻪ ﺣﻠﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﯿﺎن ﻳﻼﻋﺒﮫﻢ ﺑﺴﯿﻮف ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻳﺪرﺑﮫﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺘﺎل ،ﺣﯿﻦ رآﻧﻲ ﺗﻮﻗﻒ ﻋﻦ اﻟﻤﺒﺎرزة ،ﺟﻔﻞ اﻷطﻔﺎل ﻗﻠﯿًﻼ ﺑﯿﻨﻤﺎ ظﻞ ھﻮ ﻣﺘﻤﺎﺳ ً ﻜﺎ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﺬر وﻗﺎل: ھﻞ ﺗﺮﻳﺪ ﺷﯿًﺌﺎ أﻳﮫﺎ اﻟﺸﯿﺦ؟!ﺗﻘﺪﻣﺖ ﻧﺤﻮه ،ﺗﺤﺴﺴﺖ ﻛﺘﻔﯿﻪ ﺑﯿﺪي وأﻧﺎ أﺗﻄﻠﻊ إﻟﻰ وﺟﮫﻪ وﻛﺄﻧﻨﻲ أﺗﺄﻛﺪ ﻣﻦ أﻧﻨﻲ ﻏﯿﺮ واھﻢ ،ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: أرﻳﺪ اﻟﺸﯿﺦ اﻷﺑﯿﺾ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺮاﻓﻖ ﺳﯿﺪك ﻋﻨﺪ »ﻣﺠﻤﻊ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ«.ﺗﺮاﺟﻊ اﻟﺮﺟﻞ ﺧﻄﻮة إﻟﻰ اﻟﻮراء وﻗﺪ أﺧﺬ ﺣﺬره أﻛﺜﺮ وﻗﺎل: ﻣﻦ أﻧﺖ؟ﻗﻠﺖ ﺑﻌﯿﻮن ﺗﺒﻜﻲ ﺑﻐﯿﺮ دﻣﻮع وأﻧﺎ أﺑﺘﻠﻊ رﻳًﻘﺎ وﺟﺪ طﺮﻳﻘﻪ إﻟﻰ ﺣﻠﻘﻲ اﻟﺬي ﺟﻒ: أﻧﺎ ﻋﺎﺑﺮ ﺳﺒﯿﻞ ،وﺿﻌﻨﻲ اﻟﺮب ﻋﻠﻰ ﺳﺒﯿﻠﻪ أﻳﮫﺎ اﻟﺸﺎبُ ،دﻟﱠﻨﻲ ﻋﻠﯿﻪ أرﺟﻮك!ﺻﻤﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ ﺗﻨﮫﺪ وﻗﺎل ﺑﻌﺪ أن ﺷﻌﺮ ﺑﺼﺪﻗﻲ: رﺣﻞ أﻳﮫﺎ اﻟﺸﯿﺦ!رﺣﻞ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ وﻗﺪ ﺗﺮك ﻓﯿﻨﺎ ﻣﺎ ﺗﺮﻛﻪ ﻓﯿﻚ وﻋﻠﱠﻤﻨﺎ اﻟﺮب ﺑﻪ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻧﻌﻠﻢ! ﻗﻠﺖ ﻟﻪ ﻣﺘﻠﮫًﻔﺎ: ﻣﻦ أﻧﺘﻤﺎ؟!وﻣﻦ ﺳﯿﺪك؟! وﻟﻤﺎذا اﺧﺘﺼﻪ اﻟﺮب ﺑﺮﻓﻘﺘﻪ؟ ﺿﻢ اﻟﻐﻼم ﻳﺪه إﻟﻰ ﺻﺪره وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﺳﯿﺪي ھﻮ ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻋﻤﺮان( ،وأﻧﺎ ﻓﺘﺎه )ﻳﻮﺷﻊ ﺑﻦ ﻧﻮن(..∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ والـﺧﻤﺴﻮن ﺑﻜﯿ ُ ﺖ ..وﺣﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻔﺲ أن ﺗﺒﻜﻲ ﺣﯿﻦ ﺗﺜﻮر ﻋﻠﯿﮫﺎ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت ..وﺣﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت أن ﺗﺜﻮر إذا ﻋﺎرﻛﺘﮫﺎ اﻟﻜﻠﻤﺎت ..ﻓﺘﺢ )ﺷﮫﺒﻮر( ﺑﻜﻠﻤﺎﺗﻪ اﻟﺠﺮح ﻏﺎﺋًﺮا، وﺗﺮك اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﺗﻨﺰف ﺑﻼ اﻧﻘﻄﺎع ،ﻣﺸﺎﻋﺮ اﻟﺸﻮق واﻟﻠﮫﻔﺔ ،واﻟﻔﺮح واﻟﺸﺠﻦ. أدرﻛﺖ ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻪ أن اﻟﺮب ﻻ ﻳﺰال ﻳﺮﻋﻰ ﻗﻮﻣﻲ ،وأﻧﻪ ﻗﺪ أرﺳﻞ إﻟﻰ ﻧﺒﯿﻪ ﻣﻦ ﻳﻌﻠﻤﻪ ﺣﻜﻤﺔ اﻟَﻘَﺪر وأن ﻳﺮﻳﻪ ﻗﺒ ً ﺴﺎ ﻣﻦ أﻟﻄﺎﻓﻪ اﻟﺨﻔﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺎ ﻧﺮاھﺎ ﻋﻘﺎﺑًﺎ وزواﺟﺮ. ﺗﻌﻠﻢ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻣﻦ اﻟﺸﯿﺦ اﻷﺑﯿﺾ أن ﻛﻞ ﻣﺎ ﺣ ﱠ ﻞ ﻋﻠﻰ )ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ( ﻣﻦ ﻣﺼﺎﺋﺐ ھﻮ أﻣﺮ ﻓﻲ ظﺎھﺮه اﻟﻌﺬاب وﻓﻲ ﺑﺎطﻨﻪ اﻟﺮﺣﻤﺔ. وأدرك اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أن اﻟﺘﯿﻪ ﻛﺎن ﺣﻘﺎ ﻋﻠﯿﮫﻢ ﻛﻲ ﻳﻨﺸﺄ ﺟﯿﻞ ﺟﺪﻳﺪ؛ ﺟﯿﻞ ﻳﺮى ﷲ ﻓﻲ ﺻﻮرﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺒﮫﺎ. ﺻﻮرة اﻟﺮب اﻟﺬي ﻳﺮﺑﻲ ،ﻻ اﻹﻟﻪ اﻟﺬي ﻳﻘﮫﺮ. ﺗﻌﻠﻤﻮا أن اﻟﺮب ﻏﻨﻲ ﻋﻨﺎ ،أﻣﺎ ﻧﺤﻦ ﻓﺒﺤﺎﺟﺔ إﻟﯿﻪ وﺑﺪون رﻋﺎﻳﺘﻪ ﻳﺘﻮه اﻟﻤﺮء وﻳﺤﯿﺪ ﻋﻦ اﻟﻄﺮﻳﻖ. اﺷﺘﻘﺖ إﻟﻰ أن أرى ذﻟﻚ اﻟﺠﯿﻞ اﻟﺠﺪﻳﺪ اﻟﺬي ﻳﺮﺑﯿﻪ )ﻣﻮﺳﻰ( و)ﻳﻮﺷﻊ ﺑﻦ ﻧﻮن( ﺑﻌﺪ أن ﺗﻌﻠﻤﺎ اﻟﺪرس ﻣﻦ اﻟﺸﯿﺦ اﻷﺑﯿﺾ. وﻟﻢ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻷﺳﻒ واﻟﻐﯿﺮة ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻲ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﺮب ﻟﻄﯿًﻔﺎ ﺑﻲ إذ ﻟﻢ ﻳﻔﻮت ﻋﻠ ﱠ ﻲ اﻟﺪرس! ﻓﻮﺿﻊ ﻓﻲ طﺮﻳﻘﻲ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻛﻲ ﻳﻌﻠﻤﻨﻲ ﺑﻌ ً ﻀﺎ ﻣﻤﺎ ﻋﻠﻤﻪ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻷﻗﺮاﻧﻲ وأﻧﺎ ﻋﻨﮫﻢ ﺑﻌﯿﺪ. أﺗﻰ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻣﻦ ﺑﻼد ﺑﻌﯿﺪة ﻟﯿﺨﺒﺮﻧﻲ أن ﺟﺬوري ﻻ ﺗﺰال ﺣﯿﺔ ﺑﺎﻗﯿﺔ ،وأﻧﻨﻲ ﻟﺴﺖ ﺑﺸﺠﺮة ﻏﺎب ﻣﻨﻘﻄﻌﺔ اﻷﺻﻞ ،ﻏﺮس ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ اﻷﻣﻞ ﺑﺄن أرى أﻣﻲ ﻣﺮة أﺧﺮى. آه ،ﻳﺎ )روﻣﺎﻧﺎ(! ﺖ اﻟﻘﻠﺐ اﻟﻤﺆﻣﻦ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻔﻘﺪ اﻟﯿﻘﯿﻦ ﻣﮫﻤﺎ اﻧﮫﺎﻟﺖ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﻀﺮﺑﺎت، أﻧ ِ )ﺷﮫﺒﻮر( أﻳ ً ﻀﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ )ﺷﮫﺒﻮر( اﻟﺘﺎﺟﺮ اﻟﺬي ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻤﺎ ﺗﻘﺒﺾ ﻋﻠﯿﻪ ﻳﺪاه ،ﺑﻞ ﺻﺎر ﻳﺜﻖ ﻓﻲ ﺣﺪﺳﻪ ،وأﻳﻘﻦ أن اﻟﻘﻠﺐ ﻳﺮى ﻗﺒﻞ اﻟﻌﯿﻦ أﺣﯿﺎﻧًﺎ. وﻋﺼﻒ اﻟﺸﻮق ﺑﻨﻔﺴﻲ ،وﻗﺮرت أن أﻋﻮد إﻟﻰ ﻗﻮﻣﻲ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ »ﺳﯿﻦ« ﻓﻲ أﻗﺮب وﻗﺖ أﻧﮫﯿﺖ أﻋﻤﺎﻟﻲ ﻓﻲ »اﻟﺸﻌﯿﺒﺔ« ،وﻗﻔﻠﻨﺎ ﻋﺎﺋﺪﻳﻦ إﻟﻰ »ﺑﻜﺔ« ،ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺟﺎدﻟﺘﻨﻲ )أروى( ﻓﻲ ﺗﻮﻗﯿﺖ اﻟﻌﻮدة رﻏﻢ ﺳﻌﺎدﺗﮫﺎ ﺑﻮﺻﻮل اﻷﺧﺒﺎر ﻋﻦ أﻣﻲ: ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ رﺟﺎء: ﻧﻨﺘﻈﺮ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮد )ﻟﯿﺚ( وأﻣﻲ!ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ذﻟﻚ آﺧﺮ ﻟﻘﺎء ﻟﻲ ﺑﮫﻤﺎ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(! وأﻳﺪ )ﺷﮫﺒﻮر( و)ﻋﻤﺮو( رأﻳﮫﺎ ،وﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر(: ﻧﻨﺘﻈﺮ اﻟﺤﺞ أﻳ ًﻀﺎ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻮن ھﺬا آﺧﺮ ﺣﺞ ﻟﻲ. ﻗﻠﺖ ﻟﻪ ﻣﻨﺪھ ً ﺸﺎ: ھﻞ ﺳﺘﺨﺮج ﻣﻌﻨﺎ إﻟﻰ ﺑﺮﻳﺔ »ﺳﯿﻦ«؟!ﻗﺎل ﻣﺆﻛًﺪا: ﻧﻌﻢ ،ﻗﺪ وﺟﺪت ﺿﺎﻟﺘﻲ ھﻨﺎك وﻟﻦ أﺗﺮﻛﮫﺎ ﺣﺘﻰ أﻣﻮت!ﺗﺴﺎءﻟﺖ ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: ﺗﺘﺒﻊ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ إﻟﻰ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ؟!ﻗﺎل: ﺑﻞ أﺗﺒﻊ ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ( إﻟﻰ أي ﻣﻜﺎن ﻳﺬھﺐ إﻟﯿﻪ!ﻗﻠﺖ ﻣﺴﺘﻐﺮﺑًﺎ أﻣﺮه: وﻟﻤﺎذا ُﻋﺪ َت إذن؟! ﻗﺎل: ﻋﺪ ُت ﻛﻲ أﺧﺒﺮك ﺑﺎﻷﻣﺮ ،ﺛﻢ اﺑﺘﺴﻢ وﻗﺎل: وﻛﻲ أﺳﺘﺮد أﻣﻮاﻟﻲ ﻣﻨﻚ أﻳ ًﻀﺎ ،ﻓﻼ ﺿﯿﺮ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻤﺮء ﻏﻨﯿﺎ وﻣﺆﻣًﻨﺎ! ∞∞∞∞∞ ﺣﯿﻦ وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ »ﺑﻜﺔ« ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﯿﺎة أﻛﺜﺮ ﺻﺨﺒًﺎ ﻣﻤﺎ ﺗﺮﻛﻨﺎھﺎ ﺑﻌﺪ أن ﺑﺪأت اﻟﻘﻮاﻓﻞ ﻓﻲ اﻟﻌﻮدة ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺎل ،ﺗﺮﻛﻨﺎ )أروى( و)أم اﻟﺴﻌﺪ( و)ھﻮى( ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﻲ ،ﺛﻢ ﻋﺮﺟﺖ ﻣﻊ )ﻋﻤﺮو( و)ﺷﮫﺒﻮر( إﻟﻰ ﻣﻨﺰل اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ،ﻓﺘﺤﻨﺎ اﻟﺒﺎب اﻟﺬي ظﻞ ﻣﻮﺻًﺪا طﯿﻠﺔ اﻷﺷﮫﺮ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ،رأﻳﺖ )ﻋﻤﺮًوا( ﻳﺠﻮل ﺑﺒﺼﺮه ﻓﻲ اﻟﺒﯿﺖ ،وﺳﻤﻌﺖ ﺧﻔﻘﺎت ﻗﻠﺒﻪ وﻛﺄﻧﻪ ﺗﺬﻛﺮ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ،وﺟﺪه اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(، وأﻳﺎًﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﻀﺞ ﻓﯿﮫﺎ ذﻟﻚ اﻟﺒﯿﺖ ﺑﺎﻟﺤﯿﺎة ،ﻗﺎل ﻣﺆﻛًﺪا ظﻨﻲ وﻗﺪ اﺧﺘﻨﻖ ﺻﻮﺗﻪ: -ﻣﺎ أوﺣﺶ اﻟﺪار ﺑﻼ ﺳﻜﻨﻰ واﻟﻮطﻦ ﺑﻼ أھﻞ! رﺑﺘﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ وأﻧﺎ أﻗﻮل: ﺳﺘﻌﻤﺮ ﺑﻚ اﻟﺪار وﻳﺤﻠﻮ اﻟﻮطﻦ ﺑﺮﺟﻮﻋﻚ ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو(!وﻗﻔﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺪار ﺣﻮل ﺟﺬﻳﻞ اﻟﻨﺨﻞ اﻟﻤﺒﺘﻮر ،رأﻳﺖ ﻋﯿﺪان اﻟﺮﻳﺤﺎن وﻗﺪ ﺟﱠﻔﺖ ﻣﻦ اﻹھﻤﺎل ،ﻓﺠﺜﻮت ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﻲ وﻓﺮﻛﺘﮫﺎ ﺑﯿﺪي آﺳًﻔﺎ وأﻧﺎ أﻗﻮل: رﻏﻢ ﺟﻔﺎﻓﮫﺎ ﻻ ﺗﺰال اﻟﺮاﺋﺤﺔ اﻟﻄﯿﺒﺔ ﺗﻌﻠﻖ ﺑﮫﺎ.ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو(: ﻟﻢ أَر ذﻟﻚ اﻟﺤﻮض ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،ھﻞ زرﻋﺘﻪ أﻧﺖ؟!اﺑﺘﺴﻤﺖ وﻗﻠﺖ: ﻧﻌﻢ.ﺣﻜﯿﺖ ﻟﮫﻤﺎ ﻣﺎ وﻗﻊ ﻣﻦ )دﻋﺲ( ،وﺗﻌﺠﺐ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻣﻦ ﺧﯿﺎﻧﺘﻪ ،وﻣﻦ طﻤﻌﻪ ﻓﻲ ﻒ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﻘﻪ ﺣﯿﻦ ﺳﺄﻟﻨﻲ: ﻣﺎﻟﻪ ،وﻟﻢ ﻳﺨ ِ وأﻳﻦ أﺧﻔﯿﺖ اﻟﺬھﺐ؟!اﺑﺘﺴﻤﺖ وأﻧﺎ أﻗﻮل: ھﻨﺎ ﺗﺤﺖ ﺟﺬﻳﻞ اﻟﻨﺨﻞ!ﺗﻨﺎوﻟﺖ اﻟﻘﺪوم ،وأﺧﺬت أﺣﻔﺮ ﺣﻮض اﻟﺮﻳﺤﺎن ،ﺣﺘﻰ وﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﻛﻮة ﺑﯿﻦ ﺟﺬور اﻟﻨﺨﻠﺔ اﻟﻤﺒﺘﻮرة ،أﺧﺮﺟﺖ ﻣﻨﮫﺎ ﻟﻔﺎﻓﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﯿﺶ وﺿﻌﺘﮫﺎ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﺛﻢ ﻓﺘﺤﺘﮫﺎ ﻓﺘﻸﻷت ﺳﺒﺎﺋﻚ اﻟﺬھﺐ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻨﻄﻔﺊ ﺑﺮﻳﻘﮫﺎ ﻣﮫﻤﺎ طﺎل اﻟﺰﻣﺎن، ﻧﻈﺮت إﻟﻰ )ﺷﮫﺒﻮر( وﻗﻠﺖ: ﺗﻠﻚ أﻣﺎﻧﺘﻚ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﺷﮫﺒﻮر(.ﺛﻢ اﺑﺘﺴﻤﺖ ﻗﺎﺋًﻼ: أﻻ زﻟﺖ ﻻ ﺗﺜﻖ ﻓﻲ اﻟﻌﺒﺮاﻧﯿﯿﻦ؟!طﻔﺮت اﻟﺪﻣﻮع إﻟﻰ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﺛﻢ ﻗﺎل: أﺛﻖ ﺑﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻣﻨﺬ رأﻳﺖ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻳﻘﺮﺑﻚ إﻟﯿﻪ ،وﻟﻮ ﺳﺎورﻧﻲاﻟﺸﻚ ﻓﯿﻚ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﺎ ﻋﮫﺪت إﻟﯿﻚ ﺑﺘﻠﻚ اﻷﻣﺎﻧﺔ. ﺛﻢ اﺑﺘﺴﻢ ﻗﺎﺋًﻼ: ﺣﻜﻜﺖ أﻧﻒ ِﻛﺒﺮك ﻛﻲ ﺗﺒﺬل ﻗﺼﺎرى ﺟﮫﺪك ﻓﻲ ﺣﻔﻈﮫﺎ!ﺛﻢ ﺟﺜﻰ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﯿﻪ ،وﻗﺎم ﺑﻌ ِّ ﺪ اﻟﺴﺒﺎﺋﻚ ،ﺛﻢ ﻗﺴﻤﮫﺎ إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ أﻗﺴﺎم وﻗﺎل وھﻮ ﻳﻘ ِﺮّب ﻗﺴﻢ إﻟﻰ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ(: ھﺬا ﺣﻖ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ،وﺣﻘﻚ ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو(!وﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﻤﺎل ﻳﻔﺘﺪي ﻣﻦ ﻧﺤﺐ ﻟﺒﺬﻟﺘﻪ ﻛﻠﻪ ﻓﺪاء ﻟﻠﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ(! ﺛﻢ ﻗﺮب ﻗﺴ ً ﻤﺎ آﺧﺮ إﻟ ﱠ ﻲ وﻗﺎل: وھﺬا ﺣﻘﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﻗﻠﺖ ﺻﺎدًﻗﺎ: ھﺬا أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ وﻋﺪﺗﻨﻲ ﺑﻪ!ﻗﺎل ﻣﻤﺘﻨﺎ: وﻟﻜﻨﻪ أﻗﻞ ﻣﻤﺎ ﺗﺴﺘﺤﻖ!ﻧﻈﺮت إﻟﻰ اﻟﺬھﺐ ﻓﺄﺿﺎء ﺑﺮﻳﻘﻪ ﻓﻲ ﻋﻘﻠﻲ ذﻛﺮﻳﺎت ﻣﻈﻠﻤﺔ ،ﻳﻮم ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ »ﻗﺎدش ﺑﺮﻧﯿﻊ« ﻓﺮًدا ﻳﺮاﻓﻘﻨﻲ اﻟﺨﻮف واﻟﺠﻮع واﻟﻔﻘﺮ ،ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺠﻮل ﺑﺒﺎﻟﻲ أن ﻳﺄﺗﻲ ﻳﻮم أﺻﯿﺮ ﻓﯿﻪ آﻣًﻨﺎ ،ﻣﻄﻤﺌﻨﺎ ،ﻏﻨﯿﺎ ،ﻟﻲ زوﺟﺔ واﺑﻦ وﻋﺸﯿﺮة ،وﻟﻲ ﺻﻨﻌﺔ أﺣﺒﮫﺎ وأﺗﻜﺴﺐ ﻣﻨﮫﺎ ﻣﺎ ﻳﻐﻨﯿﻨﻲ ﻋﻦ ُذ ِ ّ ل اﻟﺴﺆال. وﻟﻢ ﻳﻤﻨﻌﻨﻲ ﺑﺮﻳﻖ اﻟﺬھﺐ ﻣﻦ أن أدﻓﻊ ﺑﻪ ﻧﺤﻮ )ﻋﻤﺮو( وأﻧﺎ أﻗﻮل: اﺳﻤﻊ ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو( ،ﻟﻮ ﻛﺎن ﻷﺣﺪ ﺣﻖ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﺎل ﻓﮫﻮ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(!ﺻْﺪق: ﺗﻌﺠﺐ )ﻋﻤﺮو( ،وﻓﻐﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻓﺎه دھﺸﺔ ،ﻓﻘﻠﺖ ﻓﻲ ِ ﺧﺬ ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو( ھﺬا اﻟﻤﺎل ،وُﻋْﺪ إﻟﻰ ﺗﺠﺎرة آﺑﺎﺋﻚ ،واﺣﻔﻆ )ﺑﻨﻲ ﻋﺎﺑﺮ( ﻣﻦاﻟﺘﺠﺎرة ﻓﻲ اﻟﺨﻤﺮ ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎن أﺣﻔﺎد اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( أن ﻳﺄﺗﻮا ﺑﻨﻘﯿﺼﺔ ﻳﻜﺮھﮫﺎ ﺟﺪھﻢ. وﻗﺒﻞ أن ﻳﻌﻘﺐ دﻓﻊ )ﺷﮫﺒﻮر( ﺑﻨﺼﻒ ﻣﺎﻟﻪ إﻟﯿﻪ أﻳ ً ﻀﺎ وﻗﺎل: ﻧِْﻌﻢ اﻟﺮأي رأي )ﺷﻤﻌﻮن( ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو(!وأﻧﺎ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻚ ﺑﻨﺼﻒ ﻣﺎﻟﻲ ﻓﻲ ﺗﺠﺎرﺗﻚ ،أﻣﺎ اﻟﻨﺼﻒ اﻵﺧﺮ ﻓﮫﻮ َدْﻳﻦ ﻟﺸﺨﺺ أؤدﻳﻪ إﻟﯿﻪ ﻋﻤﺎ ﻗﺮﻳﺐ. اﻏﺮورﻗﺖ ﻋﯿﻨﺎ )ﻋﻤﺮو( ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻧِْﻌﻢ اﻟ ﱡﺼﺤﺒﺔ ،وﻧِْﻌ َ ﻢ اﻟﺸﺮﻛﺎء. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ والـﺧﻤﺴﻮن وذاع ﺧﺒﺮ ﻋﻮدة )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ( ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﺣﺪ ﻟﯿﻠﺘﻔﺖ إﻟﻰ ﻋﻮدﺗﻪ، ﻟﻮﻻ أن ﻻﺣﻆ اﻟﻨﺎس أن اﻟﺸﺎب اﻟﺬي اﺧﺘﻔﻰ ﻟﺴﻨﻮات وﺧﺮج أﺑﻮه ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﻄﺮوًدا ﻣﻦ »ﺑﻜﺔ« ﻗﺪ ﻋﺎد إﻟﯿﮫﺎ وﻗﺪ ﺗﺰاﻳﺪ ﺛﺮاؤه. ﻛﺎن )ﻋﻤﺮو( ﻳﻄﻮف ﺑﺎﻷﺳﻮاق ﻛﻞ ﻳﻮم ﻓﯿﺸﺘﺮي ﻋﺸﺮات اﻟﻨﻮق ﺣﺘﻰ اﻣﺘﻠﻚ ﻣﺎ ﻳﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﺨﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﻧﺎﻗﺔ ،وﻛﺎن ﻳﻄﻠﻘﮫﺎ ﻟﺘﺮﻋﻰ ﻓﻲ ﺷﻌﺎب »ﺑﻜﺔ« وﻳﺸﺮف ﻋﻠﻰ رﻋﯿﮫﺎ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻣﻊ رﺟﺎل آﺧﺮﻳﻦ ،وﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم ﻋﺎد )ﺷﮫﺒﻮر( و)ﻋﻤﺮو( وﻣﻌﮫﻤﺎ ﺑﻘﺮة ﺻﻔﺮاء اﻟﻠﻮن ،اﺷﺘﺮﻳﺎھﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻮق وﻟﻢ ﻳﺨﺮﺟﺎ ﺑﮫﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﺮﻋﻰ ،ﺑﻞ أﺗﯿﺎ ﺑﮫﺎ إﻟﻰ ﻣﺮﺑﻂ اﻟﺪواب ﻓﻲ ﻣﻨﺰل اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ(. وﺣﯿﻦ رأت )أروى( و)ھﻮى( اﻟﺒﻘﺮة ،ﻓﺮﺣﺘﺎ ﺑﮫﺎ ،وﻗﺎﻟﺖ )ھﻮى(: ﻳﺎ ﷲ!ﻣﺎ رأﻳﺖ ﺑﻘﺮة ﻓﻲ ﺟﻤﺎﻟﮫﺎ ،ﻣﻦ أﻳﻦ اﺷﺘﺮﻳﺘﮫﺎ ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو(؟ ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو( ﺳﻌﯿًﺪا: ﺑﺎﻋﮫﺎ ﻟﻨﺎ ﺗﺎﺟﺮ ﺣﺒﺸﻲ ،ﻗﺎل:إن ھﺬه اﻷﺑﻘﺎر ﺗﺮﻋﻰ ﻓﻘﻂ ﻋﻠﻰ ﺿﻔﺎف اﻟﻨﯿﻞ ،وإن اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ ﻳﻘﺪﺳﻮﻧﮫﺎ، وﻳﺮﺳﻤﻮﻧﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﺪران اﻟﻤﻌﺎﺑﺪ! ﻗﻠﺖ ﻟﻪ ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ وﻗﺪ اﻧﻘﺒﺾ وﺟﮫﻲ ﻗﻠﯿًﻼ: وﻣﺎذا ﻧﻔﻌﻞ ﺑﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو( إن ﻋﺪﻧﺎ إﻟﻰ ﺑﺮﻳﺔ »ﺳﯿﻦ«؟!ﻗﺎل: ﺗﺮﻋﻰ ﻣﻊ اﻹﺑﻞ ،وﺗﺤﻤﻞ أﻏﺮاﺿﻨﺎ ،وﻟﻌﻠﻨﺎ ﻧﺸﺘﺮي ﻟﮫﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻮق ﺛﻮًرا ،ﻓﻨﻄﻌﻢﻟﺒﻨﮫﺎ ووﻟﺪھﺎ! ﻗﻠﺖ: وإن ﻟﻢ ﻧﺠﺪ؟!ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو( ﺿﺎﺣ ً ﻜﺎ: ﻧﺬﺑﺤﮫﺎ ﻓﻨﺄﻛﻠﮫﺎ!ﻟﻢ أﺷﺄ أن أﻋﺎرﺿﻪ ،وﺣﯿﻦ ﻧﻈﺮت إﻟﻰ اﻟﺒﻘﺮة اﻟﺼﻔﺮاء ،اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺸﻮب ﺻﻔﺎرھﺎ ﺷﺎﺋﺒﺔ ،وﻳﺘﻸﻷ ﻟﻮﻧﮫﺎ اﻟﻔﺎﻗﻊ ﻓﻲ ﺿﻮء اﻟﻨﮫﺎر وﻛﺄﻧﮫﺎ ﻗﺪ ُ طﻠﯿﺖ ﺑﻤﺎء اﻟﺬھﺐ، ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺮھﺒﺔ ،وطﺎف ﺑﻌﻘﻠﻲ ذﻟﻚ اﻟﻌﺠﻞ اﻟﺬھﺒﻲ اﻟﺬي ﻋﺒﺪه ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ! ووﺟﺪﺗﻨﻲ رﻏ ً ﻤﺎ ﻋﻨﻲ أﺷﻌﺮ ﺑﻨﻔﻮر ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻘﺮة ،اﻟﺘﻲ وﻗﻔﺖ ﻓﻲ ﺳﻜﻮن ﺔ ،ﻟﻢ ﺗﺬق ُذ ﱠ ل اﻟﺤﺮث ،وﻻ ﻋﻨﺎء اﻟﺮﻋﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻋﺎﺷﺖ ﻋﻤﺮھﺎ داﺑ ٍ ﺗﻘﺘﺎت ﻋﻠﻰ ﻗﺮاﺑﯿﻦ اﻟﻌﺸﺐ واﻟﻤﺎء اﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﮫﺎ ﻟﮫﺎ اﻟﻤﺼﺮﻳﻮن ﻋﻠﻰ ﺿﻔﺎف اﻟﻨﯿﻞ! وﺑﻌﺪ أﻳﺎم ،ﻋﺎدت ﻗﺎﻓﻠﺔ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( ﻣﻦ »ﻳﺜﺮب« ،ﺣﻄﺖ اﻟﺮواﺣﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻗﺪور اﻟﺨﻤﺮ ﻓﻲ اﻟﺤﻲ وﺧﺮﺟﻨﺎ ﺟﻤﯿًﻌﺎ ﻓﻲ اﺳﺘﻘﺒﺎﻟﮫﻢ ،ﻛﺎن اﻟﻌﻨﺎق ﺣﺎرا ﺑﺎﻛﯿًﺎ ﺑﯿﻦ )ﻋﻤﺮو( و)ﻟﯿﺚ( ،وﺑﯿﻦ )أروى( وأﻣﮫﺎ ،ﻓﺮﺣﺖ اﻷم ﺑﺤﻔﯿﺪھﺎ )إﺑﺮام( ﻓﺮﺣﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ،ﺣﻤﻠﺘﻪ إﻟﻰ ﺻﺪرھﺎ وظﻠﺖ ُﺗﻘ ِﺒ ّﻠﻪ ،ورأﻳﺖ اﻟﻔﺘﺎة )ﻻﻣﺎر( إﻟﻰ ﺟﻮارھﺎ، ﺗﺮﻧﻮ ﺑﺴﻌﺎدة إﻟﻰ اﻟﻄﻔﻞ ،وﺣﯿﻦ ﺟﻤﻌﺘﻨﺎ دار اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﻋﻠﻤﻨﺎ أن )ﻟﯿًﺜﺎ( ﻗﺪ ﺑﻨﻰ ﺑﺎﻟﻔﺘﺎة )ﻻﻣﺎر( ﻓﻲ »ﻳﺜﺮب«! ﻓﺄطﻠﻘﺖ )أم اﻟﺴﻌﺪ( )زﻏﺮدة( ﻋﺎﻟﯿﺔ ،وﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﻓﺮﺣﺔ أﺣﺰﻧﺖ )ھﻮى(: ﻧِْﻌ َﻢ اﻟﻨﺴﺐ ﻳﺎ )ﻟﯿﺚ(! ﺛﻢ أردﻓﺖ: ﺑﺎرك ﷲ ﻟﻚ وﻻﺑﻨﺔ ﺧﺎﻟﻚ!واﻟﻌﻘﺒﻰ ﻟﻚ ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو(. اﻣﺘﻘﻊ وﺟﻪ )ھﻮى( ﺛﻢ ﻏﺎدرت ﻣﺠﻠﺴﻨﺎ ،وﺗﺒﻌﺘﮫﺎ ﻋﯿﻦ )ﻋﻤﺮو( وھﻲ ﺗﻤﺸﻲ ﻣﻨﻜﺴﺮة إﻟﻰ ﺧﺎرج اﻟﺪار ،وﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ﺧﻼ ﺻﺤﻦ اﻟﺪار وﻟﻢ ﻳﺒ َ ﻖ ﺳﻮا َ ي أﻧﺎ و)ﻋﻤﺮو( و)ﻟﯿﺚ( ،ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ أن ﻧﻔﺲ )ﻟﯿﺚ( ﻻ ﺗﺰال ﻳﻌﻠﻖ ﺑﮫﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻜﺪر ﻣﻤﺎ ﺣﺪث ﺑﯿﻨﻨﺎ ﻗﺒﻞ ﺧﺮوﺟﻪ إﻟﻰ »ﻳﺜﺮب« ،ﻛَﺪر ﺗﻔﺼﺢ ﻋﻨﻪ ﻋﯿﻨﻪ اﻟﺘﻲ ﻳﺰوغ ﺑﺼﺮھﺎ ﻛﻠﻤﺎ اﻟﺘﻘﺖ ﺑﮫﺎ ﻋﯿﻨﻲ ،ﻛﺎن ﻳﺮﺗﺪي ﺛﯿﺎﺑًﺎ ﺗﻌﻠﻮه ﺑﺮدة ﻣﻦ وﺑﺮ اﻹﺑﻞ ،وﻋﻤﺎﻣﺔ ﺗﻤﻨﺤﻪ ھﯿﺌﺔ أﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ،أردت أن أﻣﺪ إﻟﯿﻪ ﻳﺪ اﻟﻮد ﻓﻘﻠﺖ: ﺣﻤًﺪا ﻟﻠﺮب ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻼﻣﺔ ﻳﺎ )ﻟﯿﺚ( ،وﻣﺒﺎرك ﻟﻚ اﻟﺰواج ﻣﻦ )ﻻﻣﺎر(.ﻓﺮﱠد ﻓﻲ ﺻﻮت ﻣﺤﺎﻳﺪ: أﺷﻜﺮك!ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو( اﻟﺬي ﺷﻌﺮ ﺑﺬﻟﻚ ،وﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ ﺑﻤﺎ وﻗﻊ ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻦ )ﻟﯿﺚ(: ﻛﯿﻒ ﻛﺎﻧﺖ رﺣﻠﺘﻜﻢ ﻳﺎ )ﻟﯿﺚ(؟وﻛﯿﻒ ﺣﺎل أﺧﻮاﻟﻚ ﻓﻲ »ﻳﺜﺮب«؟ ﻗﺎل )ﻟﯿﺚ(: ﺑﺨﯿﺮ ﺣﺎل!ﻗﻀﯿﻨﺎ أﺷﮫﺮ اﻟﺼﯿﻒ ﻓﻲ ﺟﻤﻊ اﻟﻜﺮم وﻋﺼﺮه ،وﺗﺨﺰﻳﻨﻪ ﻓﻲ اﻟﻘﺪور. ﺛﻢ ﺗﻨﮫﺪ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻋﻤﻞ ﺷﺎق وﻟﻜﻨﻪ ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻟﻌﻨﺎء وُﻳِﺪﱡر اﻟﺮﺑﺢ.ﺛﻢ أردف ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﻔﺨﺮ ﻟﻢ ﻧﻌﺘﺪ ﻋﻠﯿﻪ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺜﻪ: اﻟﺤﻖ أن اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﻗﺪ أﻛﺮم )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( ،وأﻋﺎﻧﮫﻢ ﻓﻲ ﻣﺤﻨﺘﮫﻢ وﻟﻮﻻهﻷﺗﺖ أﻳﺎم اﻟﺤﺞ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﺑﻐﯿﺮ ﺗﺠﺎرة! اﺑﺘﺴﻢ )ﻋﻤﺮو( وﻗﺎل: وھﻞ ﺳﻨﺒﯿﻊ اﻟﺨﻤﺮ ﻟﻠﺤﺠﯿﺞ ﻳﺎ )ﻟﯿﺚ(؟ﺷﻌﺮ )ﻟﯿﺚ( ﺑﺎﻟﺴﺨﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ )ﻋﻤﺮو( ،ﻓﻘﺎل ﻓﻲ ﻗﻠﯿﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﺬر: ﻧﺒﯿﻌﮫﺎ ﻟﻠﺘﺠﺎر اﻷﻏﻨﯿﺎء ﻓﻲ اﻷﺳﻮاق ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو( ،ﻛﻔﺎﻧﺎ ﺑﯿًﻌﺎ ﻟﻠﺘﻤﻮر واﻟﻔﺨﺎر،وﺗﺠﺎرة ﻣﻊ اﻟﻔﻘﺮاء! ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو( ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: ﺗﻠﻚ ﺗﺠﺎرة ﺟﺪك وأﺑﯿﻚ!ﻗﺎل )ﻟﯿﺚ( ﻓﻲ ﺗﺒﺮم: ﺗﺠﺎرة ﻟﻢ ﻧﺮث ﻣﻨﮫﺎ إﻻ اﻟﻔﻘﺮ ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو( ،ﺣﺘﻰ ﺻﺮﻧﺎ أﻓﻘﺮ أﺣﯿﺎء )ﺑﻨﻲإﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( وأﺣﻂ ﺑﻄﻮﻧﮫﺎ! ﺷﻌﺮت ﺑﺄن اﻟﻔﺘﻰ اﻟﺬي ﺧﺮج ﻣﻦ »ﺑﻜﺔ« ،ﻟﯿﺲ ھﻮ اﻟﻔﺘﻰ اﻟﺬي ﻋﺎد ﻣﻦ »ﻳﺜﺮب« ،ﺧﻠﻊ )ﻟﯿﺚ( ﺛﻮب اﻟﺼﺒﺎ وارﺗﺪى ﻋﻤﺎﻣﺔ اﻟﺴﻠﻄﺔ ،وأذھﺒﺖ اﻟﺨﻤﺮ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﻤﻠﮫﺎ ﻋﻘﻠﻪ دون أن ﻳﺸﺮﺑﮫﺎ. رﻏﻢ ﻋﺒﺎرﺗﻪ اﻟﻤﺆﻟﻤﺔ اﻟﺘﻲ رأﻳﺖ أﺛﺮھﺎ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ )ﻋﻤﺮو( ،ﻟﻢ ﻳﺮد )ﻋﻤﺮو( ﻋﻠﯿﻪ ﺑﻠﺴﺎﻧﻪ. ﻗﺎم )ﻋﻤﺮو( ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻪ ،وأﺣﻀﺮ ُ ﺻﱠﺮة ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش ﻛﺎن ﻗﺪ وﺿﻌﮫﺎ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﺒﺎب ﻋﻨﺪ دﺧﻮﻟﻪ ،أﻟﻘﺎھﺎ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﺑﯿﻨﻨﺎ ﻓﻲ ﻗﻮة ،وھﻮ ﻳﻘﻮل ﻓﻲ ﺣﺴﻢ: أﺗﯿﺖ إﻟﯿﻚ ﺑﺈرث اﻟﻔﻘﺮ اﻟﺬي ورﺛﺘﻪ ﻋﻦ آﺑﺎﺋﻚ.ﻧﻈﺮﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﺼﺮة اﻟﺘﻲ اﻧﺤﻨﻰ )ﻋﻤﺮو( ﻋﻠﯿﮫﺎ ﻳﻔﺘﺤﮫﺎ ،ﺛﻢ أﺧﺮج ﺳﯿًﻔﺎ ﻣﻦ اﻟﺼﺮة، ﻗﺪﻣﻪ إﻟﻰ )ﻟﯿﺚ( وھﻮ ﻳﻘﻮل: -ذﻟﻚ ﺳﯿﻒ أﺑﯿﻚ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ،اﻟﺬي ﺳﻘﻂ ﺳﺎﻋﺪه وھﻮ ﻳﻤﺴﻚ ﺑﻪ! ﻣﺎ زﻟﺖ ﻣﺤﺘﻔﻈًﺎ ﺑﻪ وأﺷﻌﺮ ﺑﺪفء ﻗﺒﻀﺘﻪ ﻋﻠﯿﻪ ﻛﻠﻤﺎ ﻟﻤﺴﺘﻪ. ﺛﻢ اﻧﺤﻨﻰ ﻣﺮة أﺧﺮى وأﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﺼﺮة ﻋﻤﺎﻣﺔ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ،وﻗﺎل ﻓﻲ ﺣﺴﻢ أﻛﺜﺮ: وﺗﻠﻚ ﻋﻤﺎﻣﺔ أﺑﯿﻚ ،اﺣﺘﻔﻈﺖ ﺑﮫﺎ ﻷﺟﻠﻚ ،وأرى أﻧﮫﺎ ﺗﻼﺋﻤﻚ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﻤﺎﻣﺔاﻷﺣﺒﺎش ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﺪﻳﮫﺎ. ﻒ )ﻋﻤﺮو( ﺑﺬﻟﻚ ،ﺑﻞ اھﺘﺰ )ﻟﯿﺚ( أﻣﺎم ﻛﻠﻤﺎت )ﻋﻤﺮو( ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻨﻄﻖ ،وﻟﻢ ﻳﻜﺘ ِ اﻧﺤﻨﻰ ﺛﺎﻟﺜﺔ ،وأﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﺼﺮة ﻧﻌﻠﯿﻦ وﻗﺎل ﻓﻲ ﺻﻮت أﻗﺮب إﻟﻰ اﻟﻐﻀﺐ ﻣﻨﻪ إﻟﻰ اﻟﺤﺴﻢ: أﻣﺎ ھﺬان ﻓﮫﻤﺎ ﻧﻌﻼ أﺑﯿﻚ!ووﷲ ﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﺮث ﻏﯿﺮھﻤﺎ ﻟﻜﻔﯿﺎك! ﻓﻤﺎ اﻧﺘﻌﻠﮫﻤﺎ أﺑﻮك وﺳﺎر ﺑﮫﻤﺎ إﻻ ﻓﻲ اﻟﺨﯿﺮ! ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﺗﺄﻧﯿﺐ ﺟﻌﻞ )ﻟﯿﺚ( ﻳﺬوب ﺧﺠًﻼ: ﻟﻢ ﻳﺘﺎﺟﺮ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ووﻟﺪاه ﻣﻊ اﻟﻔﻘﺮاء ﻳﺎ )ﻟﯿﺚ(!ﺑﻞ ﺗﺎﺟﺮوا ﻣﻊ ﷲ! أﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻌﺮف ﻣﺎذا رﺑﺤﻮا ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎرة ﻣﻊ ﷲ؟! رﺑﺤﻮا ﺑﺮﻛﺔ ﻟﻢ ﺗﻨﻘﻄﻊ ﻓﻲ أﺣﻔﺎدھﻢ ،ورﺑﺤﻮا ﺷﺎﺑﺎ ﻣﺜﻞ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﺣﻔﻆ ﻋْﺮ َ ﺿﮫﻢ ،ﺟﺰاًء ﻟﻜﺮﻣﮫﻢ وﻓﻀﻠﮫﻢ ﻋﻠﯿﮫﻢ. أﻣﻮاﻟﮫﻢ و ِ ﺛﻢ ﻗﺎم وﻗﺎل ﻓﻲ ﺻﻮت ھﺎدر أﺧﺮج اﻟﻨﺴﺎء ﻣﻦ ﺣﺠﺮاﺗﮫﻦ: اﺳﻤﻊ ﻳﺎ )ﻟﯿﺚ( ،ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻨﺎ ﺑﺎﻟﻜْﺮم وﻻ ﺑﺎﻟﺨﻤﺮ ،وﻟﻦ ﻳﺘﺎﺟﺮ )ﺑﻨﻮ ﻳﻄﻮر( ﻓﻲﺷﻲء ﺣﺮﻣﻪ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ وﺟﻌﻠﻪ ﻋﻠﻰ أوﻻده ﻣﺤﺮًﻣﺎ. ﺳﻘﻄﺖ ﻛﻠﻤﺎت )ﻋﻤﺮو( ﻋﻠﻰ )ﻟﯿﺚ( ﻛﻀﺮﺑﺎت اﻟﺴﯿﺎط ﻋﻠﻰ ظﮫﺮ ﺑﻌﯿﺮ ﻏﻔﻞ ﻋﻦ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،ﻓﺄﻋﺎدﺗﻪ اﻟﻀﺮﺑﺎت إﻟﻰ ﻳﻘﻈﺘﻪ؛ ﺿﺮﺑﺎت ﻻ ﺗﺆذي ،وﻟﻜﻨﮫﺎ ﺗﺜﯿﺮ اﻟﺤﻤﯿﺔ واﻻﻧﺘﺒﺎه. ﺗﺤﻮﻟﺖ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ إﻟﻰ دﻓﺎع وﻗﺎل: وﻣﻦ أﻳﻦ ﻳﻌﯿﺶ )ﺑﻨﻮ ﻳﻄﻮر( وﻗﺪ ﺑﺎرت ﺗﺠﺎرﺗﮫﻢ؟ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو(: ﻻ ﺗﺨ َﺶ اﻟﻔﻘﺮ ﻋﻠﻰ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( ﻳﺎ )ﻟﯿﺚ( ،ﻓﻘﺪ ﺻﺎر ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﯿﺮ واﻟﻤﺎل ﻣﺎ ﻻ ﻳﻤﻠﻜﻪ )ﺑﻨﻮ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﻣﺠﺘﻤﻌﯿﻦ! ﺛﻢ أردف: أﺗﺪري ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻔﻀﻞ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﺎل ﻳﺎ )ﻟﯿﺚ(؟إﻧﻪ أﺑﻮك! أﺑﻮك اﻟﺬي ﻓﻘﺪ ﺣﯿﺎﺗﻪ ﻓﺪاًء ﻟﻠﺸﺮف! ﻗﺎم )ﻟﯿﺚ( ﻣﻦ ﺟﻠﺴﺘﻪ ،وﺗﻘﺪم ﻧﺤﻮ )ﻋﻤﺮو( ،أﻣﺴﻚ ﻛﺘﻔﻲ اﺑﻦ ﻋﻤﻪ ،وﻧﻈﺮ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﻪ طﻮﻳًﻼ ،ﺧﻠﻊ ﻋﻤﺎﻣﺔ )ﻋﻤﺮو( ،ووﺿﻊ ﻋﻠﻰ رأﺳﻪ ﻋﻤﺎﻣﺔ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( وھﻮ ﻳﻘﻮل: أﻧﺖ أﺣﻖ ﺑﮫﺬه اﻟﻌﻤﺎﻣﺔ ﻳﺎ ﺳﯿﺪ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر(.ﺛﻢ أﻣﺴﻚ ﺳﯿﻒ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ووﺿﻌﻪ ﻓﻲ ﻳﺪ )ﻋﻤﺮو( وﻗﺎل: وأﻧﺖ أﺣﻖ ﺑﮫﺬا اﻟﺴﯿﻒ ﻳﺎ ﻓﺎرس )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر(.ﺛﻢ اﻧﺤﻨﻰ ورﻓﻊ ﻧﻌﻠﻲ أﺑﯿﻪ ﻣﻦ اﻷرض ،وﻗﺒﱠﻠﮫﻤﺎ وھﻮ ﻳﺤﺘﻀﻨﮫﻤﺎ إﻟﻰ ﺻﺪره وﻗﺎل: أﻣﺎ ھﺬان اﻟﻨﻌﻼن ،ﻓﮫﻤﺎ ﻟﻲ!ﻟﻦ أﺧﻠﻌﮫﻤﺎ ﻣﻦ ﻗﺪﻣﻲ ﻣﺎ ﺣﯿﯿﺖ ﺣﺘﻰ ﻻ أﺿﻞ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻋﻦ اﻟﻄﺮﻳﻖ. اﺣﺘﻀﻨﻪ )ﻋﻤﺮو( ﻓﻲ ﻗﻮة ورﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ وﻗﺎل: ﻟﻦ ﻳﻀﻞ أﺣﺪ ﻣﻦ )ﺑﻨﻲ ﻋﺎﺑﺮ( ،ﻣﺎ ُدﻣﻨﺎ ﺳﻮﻳﺎ ﻛﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻳﺎ )ﻟﯿﺚ(.ﺛﻢ ﻗﺎل ﻣﺒﺘﺴ ً ﻤﺎ ﻛﻲ ﻳﻨﮫﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺎت اﻟﻌﺼﯿﺒﺔ: ھﯿﺎ ﻳﺎ )ﻟﯿﺚ(!أﺣﻀﺮ زوﺟﺘﻚ! وأﻧﺖ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،أﺣﻀﺮ )أروى( واﻟﻨﺴﺎء ،ودﻋﻮﻧﺎ ﻧﻨﻄﻠﻖ إﻟﻰ ﻣﻨﺰﻟﻲ ،ﻓﻘﺪ أﻗﺎم ﻟﻜﻢ اﻟﺸﯿﺦ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻣﺄدﺑﺔ ﺳﺘﺘﺤﺎﻛﻰ اﻟﻌﺮب ﺑﮫﺎ! ﻗﺎل )ﻟﯿﺚ( ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: ھﻞ ﻋﺎد ﻣﻌﻚ اﻟﺸﯿﺦ )ﺷﮫﺒﻮر( إﻟﻰ ھﻨﺎ؟!ﺿﺤﻚ )ﻋﻤﺮو( وﻗﺎل: ﺗﻠﻚ ﻗﺼﺔ طﻮﻳﻠﺔ ﻳﺎ )ﻟﯿﺚ( ،ﻳﺤﻜﯿﮫﺎ ﻟﻚ )ﺷﻤﻌﻮن( ﺑﻌﺪ اﻟﻄﻌﺎم!∞∞∞∞∞ واﻧﻘﻀﺖ أﺷﮫﺮ اﻟﺼﯿﻒ ،وﻟﻢ ﻳﻌﺪ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﻣﻦ ﺗﺠﺎرة اﻟﺸﻤﺎل ،وﺷﻌﺮ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﻘﻠﻖ ﻣﻦ ﻏﯿﺎب ﺳﯿﺪ »ﺧﺰاﻋﺔ« اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﺮﻳ ً ﻀﺎ ،ﻗﺒﻞ ﺧﺮوﺟﻪ ،وﺳﺮت ﺷﺎﺋﻌﺎت ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس ﻋﻦ ﻣﻮﺗﻪ ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﺸﺎم ،وﺗﺴﺎءل اﻟﻨﺎس ﻋﻤﻦ ﺳﯿﻘﻮم ﺑﺴﻘﺎﻳﺔ اﻟﺤﺠﯿﺞ وﺿﯿﺎﻓﺘﮫﻢ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻌﺎم إن ﻟﻢ ﻳﻌﺪ )اﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ،واﺗﺠﮫﺖ أﻧﻈﺎر اﻟﻨﺎس ﻧﺤﻮ ﻓﺎرس )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ( ،اﻟﺜﺮي اﻟﻨﺎﺷﺊ اﻟﺬي ﻋﺎد ﻓﺠﺄه ﻟﯿﻤﻸ ﻓﺮاًﻏﺎ ﺗﺮﻛﻪ ﺳﺎدة »ﺑﻜﺔ« ﺑﻌﺪ رﺣﯿﻞ »ﺟﺮھﻢ« ،وﻏﯿﺎب »ﺧﺰاﻋﺔ«. ﺗﻨﺎﺳﻮا ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻮه ﺑﺄﺑﯿﻪ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﻌﺎﻣﯿﻦ ،وذھﺐ إﻟﯿﻪ وﻓﺪ ﻣﻦ ﻗﺒﺎﺋﻞ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ،ﻳﺴﺘﺤﺜﻮﻧﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﯿﺎم ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺸﺮف ..ﻛﺎن ﻳﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ اﻷرض ُ ﻓﻲ ﺧﺒﺎء أﻗﯿﻢ ﺧﻠﻒ اﻟﺒﯿﺖ ،وﻛﻨﺖ أﻧﺎ و)ﺷﮫﺒﻮر( ﻧﺠﻠﺲ إﻟﻰ ﻳﺴﺎره ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺟﻠﺲ )ﻟﯿﺚ( إﻟﻰ ﻳﻤﯿﻨﻪ وﺣﻮﻟﻨﺎ ﻣﺸﺎﻳﺦ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ(. ﻗﺎل أﺣﺪھﻢ: ﻣﺎ ﻗﻮﻟﻚ ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو( ﻓﻲ أن ﺗﻨﺎل ھﺬا اﻟﺸﺮف؟وﷲ ﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﺣﯿﺎ ﻟﻔﺮح ﺑﻌﻮدة اﻟﺴﻘﺎﻳﺔ واﻟﻮﻓﺎدة إﻟﻰ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ(. ﺻﻤﺖ )ﻋﻤﺮو( ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ ﻗﺎل: وھﻞ إذا ﻗﻤﺖ أﻧﺎ ﺑﺎﻟﺴﻘﺎﻳﺔ واﻟﻮﻓﺎدة ﺗﻜﻮن ﻋﺎدت إﻟﻰ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ(؟ﻟﻢ ﻳﻔﮫﻢ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻘﺼﺪه ،ﻓﺘﺎﺑﻊ )ﻋﻤﺮو(: ﺗﻜﻮن ذھﺒﺖ إﻟﻰ رﺟﻞ واﺣﺪ ﻣﻦ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ(!رﺟﻞ ﻳﺘﺴﯿﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس ﺑﻤﺎ أﻧﻔﻘﻪ ،وﺑﻌﺪ أن ﺗﻨﻔﺪ أﻣﻮاﻟﻪ ،ﺗﻤﺘﺪ ﻳﺪه ﻋﻠﻰ ﻗﺮاﺑﯿﻦ اﻟﺒﯿﺖ وﺻﺪﻗﺎﺗﻪ ،ﺛﻢ ﻳﻔﺮض اﻟﻌﺸﻮر ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺠﺎر واﻟﺤﺠﯿﺞ ،ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮض ﻣﺎ أﻧﻔﻘﻪ! ﺻْﺪق: ﺛﻢ أردف ﻓﻲ ِ وﷲ ﻳﺎ ﻋﻤﺎه ،إﻧﻜﻢ ﺗﺨﻠﻘﻮن ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮة ظﺎﻟ ًﻤﺎ ﺟﺪﻳًﺪا ،ﻳﻈﻠﻢ ﻧﻔﺴﻪ أوًﻻ ،ﺛﻢ ﻳﻈﻠﻢ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺑﻌﺪه! ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺎت )ﻋﻤﺮو( ورأﻳﺖ اﻻﺳﺘﺤﺴﺎن ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ )ﺷﮫﺒﻮر(، ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺑﮫﺖ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻪ ،ﻓﻘﺎل: ھﺬا ﻣﺎ وﺟﺪﻧﺎ ﻋﻠﯿﻪ آﺑﺎءﻧﺎ ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو(!ﻓﺈن ﻛﺎن ﻟﻚ رأي آﺧﺮ ھﺎت ﺑﻪ! ﺻْﺪق: ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو( ﻓﻲ ِ ﻻ ﺗﺠﻌﻠﻮا اﻟﺴﻘﺎﻳﺔ واﻟﻮﻓﺎدة ﺣﻜًﺮا ﻋﻠﻰ رﺟﻞ واﺣﺪ وﻻ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﯿﻠﺔ واﺣﺪة،اﻟﻜﻞ ﻳﺸﺎرك ﺑﻤﺎ ﻳﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﻳﺠﻮد ﺑﻪ! وﻗﺮاﺑﯿﻦ اﻟﺒﯿﺖ ﻳﻘﻮم ﻋﻠﯿﮫﺎ ﺣﻠﻒ ﻣﻦ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮب! ﺗﻌﺠﺒﺖ ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻪ ،وﻛﺄﻧﻨﻲ أﺳﺘﻤﻊ إﻟﻰ ﻛﻠﻤﺎت ﺟﺪه اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ﻣﻦ ﻗﺒﻞ! أﺷﺎح اﻟﺮﺟﻞ ﺑﯿﺪه وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻣ ﱠ ﻞ ﻣﻦ ﺳﻤﺎع ھﺬا اﻟﻜﻼم وﻗﺎل: أﻓ ْﻖ ﻳﺎ ُﺑﻨ ﱠ ﻲ! اﻟﻌﺮب ﻻ ﻳﺘﻔﻘﻮن! وﻟﻮ ُﻋِﮫﺪ ﺑﺎﻟﺴﯿﺎدة إﻟﻰ ﺣﻠﻒ ﻣﻨﮫﻢ ﻟﺘﻨﺎزﻋﻮھﺎ ﺑﯿﻨﮫﻢ وﻷﻓﻨﻰ ﺑﻌﻀﮫﻢ ﺑﻌ ً ﻀﺎ. ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﺣﺴﻢ: اﻟﺴﯿﺎدة ھﻨﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷرض ﺗﻜﻮن ﻟﺮﺟﻞ واﺣﺪ!ﻳﻔﺮض ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ إﻣﺎ ﺑﺎﻟﻤﺎل ،وإﻣﺎ ﺑﺎﻟﺴﻼح ،وإﻣﺎ ﺑﺎﻟﻌﺸﯿﺮة ،وأﻧﺖ ﻣﻌﻚ اﻟﻤﺎل واﻟﻌﺸﯿﺮة. ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو(: وﻟﻮ ﻗﺎﺗﻠﻨﻲ )اﺑﻦ ﻟﺤﻲ(؟!ﺻﻤﺖ اﻟﺮﺟﻞ وﻟﻢ ﻳﻨﻄﻖ ،ﻓﺄردف )ﻋﻤﺮو(: ﺗﺘﺮﻛﻮﻧﻲ أﻗﺎﺗﻠﻪ وﺣﺪي!ﻓﻠﻮ اﻧﺘﺼﺮت ﻧﻜﻮن ﺷﺮﻛﺎء ﻓﻲ اﻟﻨﺼﺮ ،وإن اﻧﮫﺰﻣﺖ أطﺮد ﻣﻦ اﻷرض ﻛﻤﺎ ُ طﺮد أﺑﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ! أﻟﯿﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟ ﺻﻤﺖ اﻟﺮﺟﻞ وﻧﻜﺲ اﻵﺧﺮون رءوﺳﮫﻢ. ﻓﻘﺎل )ﻋﻤﺮو( ﻓﻲ ﻣﺮارة: أﺗﺪري ﻳﺎ ﻋﻤﺎه ﻣﺎ آﻓﺔ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ(!إﻧﮫﻢ ُﻛُﺜﺮ وﻟﻜﻨﮫﻢ ﻛﻐﺜﺎء اﻟﺴﯿﻞ! ﻓﺤ ﱠ ﻖ ﻋﻠﯿﮫﻢ أن ﻳﻠﻲ أﻣﺮھﻢ ﻛﻞ ظﺎﻟﻢ وﻣﻐﺘﺼﺐ! ﺛﻢ ﻗﺎم ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻪ ُﻣﻨﮫﯿًﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ وھﻮ ﻳﻘﻮل: -ﻣﻨﻲ اﻟﺼﺪﻗﺔ وإﻛﺮام اﻟﺤﺠﯿﺞ ﻓﻲ أﻳﺎم اﻟﺤﺞ! أﻣﺎ أﻣﺮ اﻟﺴﯿﺎدة ﻓﻼ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻲ ﺑﮫﺎ ،وﻟﺘﺒﺤﺜﻮا ﻷﻧﻔﺴﻜﻢ ﻋﻦ ظﺎﻟﻢ ﻏﯿﺮي! وﺑﻌﺪ أن ﺧﺮﺟﻨﺎ ،ذھﺐ )ﻟﯿﺚ( و)ﺷﮫﺒﻮر( إﻟﻰ اﻟﺴﻮق ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻋﺪت أﻧﺎ و)ﻋﻤﺮو( إﻟﻰ ﺑﯿﺘﻪ ،ﺣﯿﻦ ﺟﻠﺴﻨﺎ رأﻳﺖ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ اﻟﻜﺪر ،ﻓﻘﻠﺖ: ﻻ ﺗﺒﺘﺌﺲ!ﺗﻨﱠﮫﺪ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻳﺤﺰﻧﻨﻲ أﻣﺮ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( وﻟﻜﻦ أﻣﺮ اﻟﻌﺮب ﻳﺤﺰﻧﻨﻲ أﻛﺜﺮ ،اﻧﻈﺮ ﻳﺎ)ﺷﻤﻌﻮن( إﻟﻰ اﻟﻤﻤﺎﻟﻚ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻨﺎ ،ﻓﻲ »آﺷﻮر« و»ﺑﺎﺑﻞ« و»إدوم« و»ﻛﻨﻌﺎن« و»ﻣﺼﺮ«. ﻳﺒﻨﻮن اﻟﺤﻮاﺿﺮ ،وﺗﺼﻞ ﺻﺮوﺣﮫﻢ وأﺳﻮارھﻢ إﻟﻰ ﻋﻨﺎن اﻟﺴﻤﺎء ،وﻻ ﻳﺰال اﻟﻌﺮب ﻗﺒﺎﺋﻞ ﻣﺘﻨﺎﺣﺮة ﺗﺘﻘﺎﺗﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻸ واﻟﻌﯿﺮ! ﻒ وﻗﺎل: ﺛﻢ ﺗﻨﮫﺪ ﻓﻲ أﺳ ٍ أﻣﺮ اﻟﺮب أﺑﺎﻧﺎ )إﺑﺮاھﯿﻢ( ﺑﺒﻨﺎء ذﻟﻚ اﻟﺒﯿﺖ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻘﻌﺔ ،ﻛﻲ ﻳﺠﻤﻊ اﻟﻌﺮبﻦ واﺣﺪ ،ﻓﺈذا ﺑﺎﻟﺒﯿﺖ ﻳﺼﯿﺮ ﺳﺒﺒًﺎ ﻟﻠﻔﺮﻗﺔ واﻟﺘﻨﺎزع ﻣﻦ ﺣﻮل ﺑﯿﺖ واﺣﺪ ،ﻋﻠﻰ ِدﻳ ٍ أﺟﻞ وﻻﻳﺘﻪ. ﻗﻠﺖ: ﺻﺪﻗﺖ ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو(!وﻗﺪ أﺟﺮى اﻟﺮب ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻧﻚ اﻟﺤﻖ! وﻟﻌﻞ ﻏﯿﺎب )اﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﻋﻦ اﻟﺤﺞ ھﺬا اﻟﻌﺎم ﻳﺪﻓﻌﮫﻢ ﻟﻠﺘﻌﺎون ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﮫﻢ. ﺳﺄﻟﻨﻲ ﻣﺴﺘﻔﺴًﺮا: ھﻞ ﺗﻈﻦ ﺣﻘﺎ أﻧﻪ ﻗﺪ ﻣﺎت؟!ﻗﻠﺖ: ﻻ أدري!ﻛﺎن ﻣﺮﻳ ً ﻀﺎ ﻗﺒﻞ ﺧﺮوﺟﻪ! وﻟﻜﻨﮫﻢ ﻗﺎﻟﻮا: إن )طﺮﻳﻔﺔ( وﺟﺪت ﻟﻪ اﻟﻌﻼج ﻟﺪى اﻟﺠﻦ! ﺛﻢ أردﻓﺖ: -اﻟﺤﻖ ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو( أﻧﻲ ﻻ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺨﯿﺮ ﻧﺤﻮ ھﺬا اﻟﺮﺟﻞ. ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو(: وﻻ أﻧﺎ.ﺛﻢ أردف: وﻟﻜﻦ ﻻ ﺷﺄن ﻟﻨﺎ ﺑﻪ ﻳﺎ )أﺑﺎ إﺑﺮام( ،ﻧﻘﻀﻲ ﺣ ﱠﺠﻨﺎ أوًﻻ ﺛﻢ ﻧﺮﺣﻞ! ﺿﺤﻜﺖ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺎدﻳﻨﻲ ﻓﯿﮫﺎ )ﻋﻤﺮو( ﺑﻜﻨﯿﺔ وﻟﺪي ،ﻗﻠﺖ: ﻟﻢ أﻋﺮف ﻟﻚ ُﻛﻨﯿﺔ ﺗﺤﺐ أن ﺗﻨﺎدى ﺑﮫﺎ ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو(!اﺑﺘﺴﻢ وﻗﺎل: ﻛﺎﻧﺖ أﻣﻲ ﺗﻨﺎدي »ُﻋﻤﯿَﺮة » ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ﺣﯿﻦ ﺑﻠﻐﺖ اﻟﺼﺒﺎ ﻧﮫﺮﺗﮫﺎ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﺣﺘﻰﻻ ﻳﻌﯿﺮﻧﻲ أطﻔﺎل اﻟﺤﻲ! وﻛﺄﻧﻤﺎ أھﺎج اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ أﻣﻪ أﺷﻮاﻗﻪ إﻟﻰ ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ ﻓﻘﺎل: ﻣﺎ رأﻳﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ﻓﻲ أن ﻳﻠﺤﻖ ﺑﻨﺎ أﺑﻲ ﺑﻌﺪ أن ﻧﺨﺮج ﻣﻦ »ﺑﻜﺔ«؟ﻗﻠﺖ ﺻﺎدًﻗﺎ: ﻧِْﻌﻢ اﻟﺮأي ،وﻟﻜﻦ ھﻞ ﺗﻌﻠﻢ ﻣﻜﺎﻧﻪ؟ﺗﻨﮫﺪ وﻗﺎل: أرﺳﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﺠﻨﻮب ﻣﻦ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻨﻪ ،وﻳﺨﺒﺮه ﺑﺄﻧﻨﻲ ﻗﺪ ﻋﺪ ُت إﻟﻰ »ﺑﻜﺔ«. ﺻﻤ ﱡ ﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻗﻀﯿﺖ أﻋﻮاًﻣﺎ ﻓﻲ وﺣﺪة ،وﻛﻨﺖ أﺗﻤﻨﻰ أن أﻋﻮد ﻛﻲ ﻳﺠﺘﻤﻊ اﻟﺸﻤﻞ ،ﻓﺈذا ﺑﻲأﻋﻮد ﻷﺟﺪ ﻧﻔﺴﻲ وﺣﯿًﺪا ﻣﺮة أﺧﺮى. ﺛﻢ أردف وھﻮ ﻳﺘﻨﮫﺪ: آ َن ﻟﮫﺬه اﻟﻮﺣﺪة أن ﺗﻨﺘﮫﻲ! ظﻨﻨﺖ أﻧﻪ ﻳﻘﺼﺪ أن ﺗﻨﺘﮫﻲ ﺑﻌﻮدة أﺑﯿﻪ وأﻣﻪ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻗﺎل: ﻟﻘﺪ ﻋﺰﻣﺖ اﻟﺰواج ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!اﺑﺘﮫﺠﺖ وﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﻓﺮح: ﺣﻘﺎ!! ﻳﺎ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺧﺒﺮ ﺳﻌﯿﺪ ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو(! ﻧِْﻌ َ ﻢ اﻟﻌﺰم ﻳﺎ )أﺑﺎ ﻋﻤﯿﺮة(! ﺿﺤﻚ وﻗﺎل: ﻟﻮ أﻧﺠﺒﺖ وﻟًﺪا ﺳﺄﺳﻤﯿﻪ )ﻋﺎﺑﺮ( وﻟﯿﺲ )ﻋﻤﯿﺮة(!ﺳﺄﻟﺘﻪ ﻣﺘﺨﺎﺑًﺜﺎ: وﻣﻦ اﻟﻌﺮوس؟!ﺗﻨﮫﺪ ﺛﻢ ﻗﺎل: اﻗﺘﺮح ﻋﻠ ﱠﻲ )ﻟﯿﺚ( أن أﺗﺰوج اﺑﻨﺔ ﻋﻤﻨﺎ )ﻗﯿﺪار ﺑﻦ ﻳﻄﻮر( ﻛﻲ ﻻ ﻳﺤﻘﺪ أﺑﻨﺎؤه ﻋﻠﻰ )ﺑﻨﻲ ﻋﺎﺑﺮ(! ﺻﻌﻘﺘﻨﻲ اﻟﻤﻔﺎﺟﺄة ،ووﺟﺪﺗﻨﻲ أﻗﻮل ﻟﻪ: وھﻞ ﺧﻄﺒﺘﮫﺎ؟ﻗﺎل: ﻛﻼ ،ﻟﻢ أﺣﺴﻢ أﻣﺮي ﺑﻌﺪ!ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺗﻌﺠﺐ وﻟﻮم: ظﻨﻨﺘﻚ ﺳﺘﺘﺰوج )ھﻮى(!أرﺗﺒﻚ وﻗﺎل: )ھﻮى(!ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: ﻧﻌﻢ!ﻻ ﺗﺨﻔﻲ ﻧﻈﺮات اﻟﻮد ﺑﯿﻨﻜﻤﺎ ﻋﻠﻰ أﺣﺪ! ﻓﻤﺎ ﻳﻤﻨﻌﻚ ﻋﻦ اﻟﺰواج ﺑﮫﺎ؟! ﻗﺎل وﻗﺪ ازداد ارﺗﺒﺎﻛﻪ: )ھﻮى( ﻓﺘﺎة طﯿﺒﺔ ،وﻗﺪ ﺗﺮﺑﺖ ﻓﻲ ﺑﯿﺖ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ،وﻟﻜﻨﮫﺎ ….ﺻﻤﺖ ،ﻓﺄﻛﻤﻠﺖ ﻋﺒﺎرﺗﻪ: وﻟﻜﻨﮫﺎ ﻻ ﺗﺼﻠﺢ ﻷن ﺗﻜﻮن زوﺟﺔ!ﺤﱠﺪة. ﺛﻢ أردﻓﺖ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟ ِ ﻷﻧﮫﺎ ﻳﺘﯿﻤﺔ!واﻟﯿﺘﯿﻤﺔ ﺗﺼﻠﺢ ﻟﻠﻤﺨﺎدﻧﺔ وﻻ ﺗﺼﻠﺢ ﻟﻠﺰواج! أﻟﯿﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟! آﻟﻤﺘﻪ ﻛﻠﻤﺎﺗﻲ اﻟﻤﺠﺮدة ﻣﻦ اﻟﺰﻳﻒ أو اﻟﺘﺰﻳﯿﻦ ،ﻓﺼﻤ َ ﺖ وﻧﻈﺮ إﻟ ﱠ ﻲ ﻓﻲ ﻟﻮم وﻟﻢ ُﻳﻌِّﻘﺐ ،ﻓﻘﻠﺖ: اﺳﻤﻊ ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو(!إﻳﺎ َ ك وظﻠﻢ اﻟﻘﻠﻮب! ف ظﺎﻟﻢ! وﻣﺜﻠﻚ ﻻ ﻳﺴﯿﺮ ﻋﻠﻰ ﻋﺮ ٍ ﺑﻞ ﻳﺼﻨﻊ ھﻮ اﻟﻌﺮف! وﻟﻮ ﺗﺰوج ﺳﯿﺪ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( ﻣﻦ ﻓﺘﺎة ﻳﺘﯿﻤﺔ ﻷدرك اﻟﺠﻤﯿﻊ أﻻ ﻓﺮق ﺑﯿﻦ اﻟﯿﺘﯿﻤﺔ واﻟ ُ ﺤﱠﺮة ،وأﻧﻨﺎ أﻣﺎم اﻟﺮب ﺳﻮاﺳﯿﺔ. ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو( ﻣﺘﺮدًدا وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗﻨﺎزﻋﻪ ﻧﻔﺴﻪ: ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺄﺗﻲ اﻟﻐﻨﺎء!ﻗﻠﺖ: ﻟﻮ وﺟﺪت ﺳﺒﯿًﻼ ﻏﯿﺮه ﻟُﺘﻄﻌﻢ ﻧﻔﺴﮫﺎ ﻷﺗﺘﻪ!ذاك أھﻮن اﻟﺴﺒﻞ! ظﻞ ﺻﺎﻣًﺘﺎ ﻳﺘﻔﻜﺮ ،ﻓﻘﻠﺖ وأﻧﺎ أﻗﻮم: ِزﻧﮫﺎ ﺑﻤﯿﺰان اﻟﻌﺪل ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو( وﻻ ﺗﺰﻧﮫﺎ ﺑﻤﯿﺰان اﻟﻨﻔﻊ!وﻟﻌﻞ ﻋﺪًﻻ ﺗﺼﯿﺒﻪ ﻳﻜﻦ ﺧﯿًﺮا ﻣﻦ ﻧْﻔﻊ ﺗﺮﺟﻮه. وﺑﻌﺪ ﻋﺪة أﻳﺎم اﻧﻄﻠﻘﺖ زﻏﺮودة ﻣﻦ ﺣﺠﺮة )أروى( ﻣﯿﺰت ﻓﯿﮫﺎ ﺻﻮت )ھﻮى( ،ﺑﻌﺪ أن أرﺳﻞ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ( ﻳﺨﻄﺒﮫﺎ ﻟﻨﻔﺴﻪ! ﺛﻢ ﺗﻠﺘﮫﺎ زﻏﺮودة أﺧﺮى ﻗﺼﯿﺮة ﺗﻠﱠﻮﻧﺖ ﺑﻄﻌﻢ اﻟﻨﻮاح ﻗﻠﯿًﻼ ﻣﯿﺰت ﻓﯿﮫﺎ ﺻﻮت )أم اﻟﺴﻌﺪ(. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ والـﺧﻤﺴﻮن وﻛﺎﻧﺖ ﻟﯿﻠﺔ ﻋﺮس )ﻋﻤﺮو( و)ھﻮى( ﻟﯿﻠﺔ ﻓﺮح ،ﺳﻜﻨﺖ ﻓﯿﮫﺎ اﻟﻨﻔﻮس اﻟﻤﺮھﻘﺔ ورﺑﺘﺖ ﻋﻠﻰ أﻛﺘﺎﻓﮫﺎ ﻳﺪ اﻟﺴﻌﺎدة ﺑﻌﺪ أﻳﺎم ﻣﻦ اﻟﺸﻘﺎء ،ﻧﺎل ﻛﻞ ﻣﻨﮫﻤﺎ ﻋﻮ ً ﺿﺎ ﻋﻦ ﻓﻘﺪه ،وﺑﻘﺪر اﻟﻨﻘﺺ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻪ ﻛﻞ واﺣٍﺪ ﻣﻨﮫﻤﺎ ﻣﻨﻔﺮًدا ،ﻛﺎن اﻟﻜﻤﺎل اﻟﺬي ﺑﺪا ﻋﻠﯿﮫﻤﺎ ﺣﯿﻦ اﺟﺘﻤﻌﺎ ﺳﻮﻳﺎ ،ﺣﺘﻰ ظﻨﻨﺖ أﻧﮫﻤﺎ ﻗﺪ ُ ﺧِﻠﻘﺎ زوﺟﯿﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻠﺘﻘﯿﺎ ،اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺠﺎﻣﺤﺔ )ھﻮى( ،ھﺪأ ﺟﻤﻮﺣﮫﺎ وأﺗﺎح ﻓﺮﺻﺔ ﻟﺬﻛﺎﺋﮫﺎ واﻟﺨﯿﺮ اﻟﺬي ﻳﻤﻸ ﻗﻠﺒﮫﺎ أن ﻳﺸﺮﻗﺎ ،ظﮫﺮ ذﻟﻚ ﻣﻨﺬ اﻷﻳﺎم اﻷوﻟﻰ ﻟﺰواﺟﮫﻤﺎ، ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺰور ﻧﺴﺎء اﻟﺤﻲ ،وﺗﺠﻮد ﻋﻠﯿﮫﻦ ﺑﺎﻟﻤﻮدة واﻟﻌﻄﺎء ،وﻛﺎن ﺻﺪﻗﮫﺎ ﻛﻔﯿًﻼ ﺑﺄن ﻳﺸﻖ ﻟﮫﺎ طﺮﻳًﻘﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﻮب اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻼﺋﻲ ﻛﻦ ﻳﻨﻈﺮن إﻟﯿﮫﺎ ﻧﻈﺮة اﺳﺘﻌﻼء ﻓﻲ ﺑﺎدئ اﻷﻣﺮ ،وﺛﺒﱠﺖ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﺔ )ﻋﻤﺮو( أﻳ ً ﻀﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر(، ﻓﻼ ﺷﻲء ﻳﺮﻓﻊ ﻗﺪر اﻟﺮﺟﺎل ﻣﺜﻞ ﻧﻤﯿﻤﺔ اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻲ اﻟﻠﯿﻞ ،ﻛﺎن اﻟﻨﺴﺎء ﻳﺴﺘﻔﻀﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻊ أزواﺟﮫﻦ ﻋﻦ ﻛﺮم )ﻋﻤﺮو( وزوﺟﺘﻪ ،وﻳﺜﻨﻮن ﻋﻠﻰ ﺑﺮھﻤﺎ ﺑﺎﻟﻀﻌﻔﺎء ﺣﺘﻰ ﺷﺎع ﺣﺒﮫﻤﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس. واﺳﺘﯿﻘﻈﻨﺎ ذات ﺻﺒﺎح ﻋﻠﻰ ﺟﻠﺒﺔ ﺷﺪﻳﺪة وﺿﺮﺑﺎت اﻟﻄﺒﻮل ﺗﻘﺮع ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻗﺎت، ﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺪار ﻓﺮأﻳﻨﺎ ﺟﻮﻗﺔ ﻣﻦ اﻷﺣﺒﺎش ﺗﺴﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،ﺗﺘﻌﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﺑﻄﻮﻧﮫﻢ طﺒﻮل ،رﺑﻄﺖ ﺑﺄﺣﺒﺎل إﻟﻰ رﻗﺎﺑﮫﻢ وﻓﻲ أﻳﺪﻳﮫﻢ ﻣﻄﺎرق ﻛﺒﯿﺮة ﻣﻦ ﺟﻠﺪ اﻟﺒﻘﺮ ،ﺗﻘﺮع اﻟﻄﺒﻮل ﻓﺘﺮﺗﺞ ﻟﮫﺎ ﺟﺪران اﻟﻤﻨﺎزل ،وﺗﺴﯿﺮ ﺧﻠﻔﮫﻢ ﻧﺎﻗﺔ ﻳﻌﻠﻮھﺎ رﺟﻞ ﻳﺮﺗﺪي زﻳﺎ ﻣﺰرﻛ ً ل: ت ﻋﺎ ٍ ﺸﺎ وﻳﻨﺎدي ﺑﺼﻮ ٍ أﺑﺸﺮوا ﻳﺎ أھﻞ »ﺑﻜﺔ« ..ﻋﺎد )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ..ﻋﺎد ﺳﯿﺪ »ﺧﺰاﻋﺔ« ﻟﻢ ﻧَﺮ ﻧﺪاًءﺑﺘﻠﻚ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وﻛﺄﻧﻤﺎ أراد )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( أن ﻳﺮﺳﻞ اﻟﺒﺸﺎرة ﺑﻌﻮدﺗﻪ وﻣﻌﮫﺎ ﺗﮫﺪﻳﺪ ﻟﻤﻦ ظﻨﻮا ﺑﻪ اﻟﮫﻼك! ﻋﻨﺪ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻨﮫﺎر ﻛﺎن أھﻞ »ﺑﻜﺔ« ﺟﻤﯿًﻌﺎ ﻳﻘﻔﻮن ﻋﻨﺪ ﺳﻔﺢ ﺟﺒﻞ »ﺧﻨﺪﻣﺔ«، ﻳﻨﺘﻈﺮون ﻗﺪوم اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻻح ﻏﺒﺎرھﺎ ﻓﻲ اﻷﻓﻖ ﻋﻨﺪ ﺟﮫﺔ اﻟﺸﻤﺎل ،ﺧﺮﺟﻨﺎ أﻧﺎ و)ﻟﯿﺚ( و)ﻋﻤﺮو( و)ﺷﮫﺒﻮر( أﻳ ً ﻀﺎ ﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﺑﻌﺪ أن ﺳﺮت ﺷﺎﺋﻌﺎت ﺑﺄن )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﻗﺪ ﻋﺎد ﺑﺸﻲء ﻣﻦ »ﻛﻨﻌﺎن« ﺳﯿﺬھﻞ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮب ،وﻷول ﻣﺮة ﻳﺘﻮﻗﻒ اﻟﻄﺎﺋﻔﻮن ﻋﻦ طﻮاﻓﮫﻢ ﺣﻮل اﻟﻜﻌﺒﺔ ،ﺗﺮﻛﻮا أﻣﺎﻛﻨﮫﻢ وﺻﻌﺪوا إﻟﻰ اﻟﺠﺒﻞ، ﺑﻌﺪ أن ﺣﻤﻠﺖ اﻟﺮﻳﺎح أﺻﻮات اﻟﻄﺒﻮل اﻵﺗﯿﺔ ﻣﻦ ﺟﮫﺔ اﻟﺸﻤﺎل ،وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻋﺎد )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﺑﺠﯿﺶ وﻟﯿﺲ ﺑﻘﺎﻓﻠﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎرة. اﻧﻘﺸﻊ ﻏﺒﺎر اﻟﺮﻣﺎل روﻳًﺪا روﻳًﺪا ،واﺗﻀﺤﺖ ﻣﻌﺎﻟﻢ اﻟﺼﻮرة اﻟﺘﻲ أزاﻏﺘﮫﺎ أﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ ،ﻓﺒﺪت ﺟﻠﯿﺔ واﺿﺤﺔ ﻛﻀﺮﺑﺎت اﻟﻄﺒﻮل اﻟﺘﻲ ﻣﻸت ﺟﻨﺒﺎت اﻟﻮادي، ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﺗﺴﯿﺮ وأﻣﺎﻣﮫﺎ ﺗﻤﺜﺎل ھﺎﺋﻞ وﺿﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ﻟﮫﺎ ﻋﺠﻼت ،وﻳﺠﺮھﺎ ﻋﺸﺮة ﺛﯿﺮان ،وﻋﺸﺮات اﻷﺣﺒﺎش ،وﻣﻊ ﻛﻞ ﺧﻄﻮة ﻳﺰﺣﻔﻮﻧﮫﺎ، ﻛﺎن ﻳﻌﻠﻮ ﺻﯿﺎح اﻷﺣﺒﺎش وھﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮن: -ھﻮ ﺑِﻞ …ھﻮ ﺑِﻞ …ھﻮ ﺑِﻞ. ﺳﺄﻟﺖ )ﻋﻤﺮو( ﻣﺴﺘﻨﻜًﺮا: ﺑﻤﺎذا ﻳﮫﺘﻔﻮن ،وﻣﺎ )ھﻮ ﺑِﻞ( ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮﻟﻮﻧﮫﺎ؟ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو(: ﻻ أدري!أﺳﻤﻌﮫﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮن ) ُ ھﺒَﻞ(! رأﻳﺖ اﻟﻮﺟﻞ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ )ﺷﮫﺒﻮر( وﻗﺎل: إﻧﮫﻢ ﻳﮫﺘﻔﻮن لـ)ﺑﻌﻞ(!ﻧﻄﻘﻨﺎ ﻓﻲ ﺻﻮت واﺣﺪ: ﺑﻌﻞ!! ﻗﺎل ﺑﺼﻮت ﻣﺮﺗﻌﺶ وھﻮ ﻳﺸﯿﺮ ﺑﯿﺪه إﻟﻰ اﻟﺘﻤﺜﺎل اﻟﺬي ﻳﺠﺮه اﻷﺣﺒﺎش: ﻧﻌﻢ ﻟﻘﺪ ﻋﺎد )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﺑﺘﻤﺜﺎل )ﺑﻌﻞ( إﻟﻪ اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﯿﻦ!! أﻓﺴﺤﺖ ﺟﻤﻮع اﻟﻨﺎس اﻟﻄﺮﻳﻖ أﻣﺎم اﻟﺘﻤﺜﺎل اﻟﺮاﻗﺪ ﻋﻠﻰ ظﮫﺮه ،ﻣﱠﺮ ﻣﻦ أﻣﺎﻣﻨﺎ، ﻓﺨﻔﻘﺖ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ رھﺒﺔ ﻟﻠﻮﻧﻪ اﻷﺣﻤﺮ اﻟﺬي ﺟﻌﻠﻪ ﻳﺒﺪو ﻛﺸﯿﻄﺎن ﻧﺤﺖ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﯿﻖ، رﻏﻢ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻋﻠﻰ ھﯿﺌﺔ إﻧﺴﺎن ،وزادت ﺻﯿﺤﺎت اﻷﺣﺒﺎش ودﻗﺎت اﻟﻄﺒﻮل ﻣﻦ اﻟﺮھﺒﺔ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ،ﻧﻈﺮت ﺑﻌﯿﻨﻲ إﻟﻰ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻌﻠﻮ ھﻮدﺟﻪ، وھﻮ ﻳﻨﻈﺮ ﺑﻌﯿﻨﯿﻪ ﻳﻤﯿًﻨﺎ وﻳﺴﺎًرا ﻓﻲ ﺷﻤﻮخ إﻟﻰ اﻟﺠﻤﻮع اﻟﻮاﺟﻔﺔ ،وﻗﺪ ﺑﺪا أﺻﻐﺮ ﻋﻤًﺮا وأﻛﺜﺮ ﻗﻮة ﻣﻤﺎ ﺧﺮج ﻣﻦ »ﺑﻜﺔ« ،ﻋﻦ ﻳﺴﺎره ﻛﺎن ھﻮدج )طﺮﻳﻔﺔ( اﻟﻌﺮاﻓﺔ، اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﯿﻨﺎھﺎ ﺗﻘﺪﺣﺎن ﻛﺠﻤﺮﺗﻲ ﻧﺎر ،وﻋﻦ ﻳﻤﯿﻨﻪ وﻟﺪه ﺛﻌﻠﺒﺔ ..ﺗﻮﻗﻒ اﻷﺣﺒﺎش أﻣﺎم اﻟﻜﻌﺒﺔ ،ﻓﺘﻮﻗﻔﺖ ﺻﯿﺤﺎﺗﮫﻢ ،وﻗﺮﻋﺖ اﻟﻄﺒﻮل ﺛﻼﺛًﺎ ﺛﻢ ﺗﻮﻗﻔﺖ إﻳﺬاﻧًﺎ ﺑﺒﺪء )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﻓﻲ اﻟﻜﻼم. ﻟﻢ ﻳﻨﺦ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( اﻟﻨﺎﻗﺔ ،ﺑﻞ ظﻞ ﻓﻮق ﻧﺎﻗﺘﻪ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﻨﺎس اﻟﺬﻳﻦ اﺷﺮأﺑﺖ أﻋﻨﺎﻗﮫﻢ ﻧﺤﻮه ،وﻳﺠﻮل ﺑﺒﺼﺮه ﻓﻲ وﺟﻮه ﺳﺎدة »ﺑﻜﺔ« ﺑﻨﻈﺮة ﺟﻤﻌﺖ ﺑﯿﻦ اﻟﺸﻤﺎﺗﺔ واﻟﺒﻐﺾ ،وﺧﯿﻢ اﻟﺼﻤﺖ واﻟﺴﻜﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﯿﻊ وﻛﺄﻧﮫﻢ ﻗﺪ ﺻﺎروا أﺻﻨﺎًﻣﺎ ﻛﺬﻟﻚ اﻟﺼﻨﻢ اﻟﺮاﻗﺪ ﻋﻠﻰ ظﮫﺮه. ﺷﻌﺮت ﺑﺮﻋﺪة ﻓﻲ ﺟﺴﺪي ﻧﻔﻀﺘﻨﻲ ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﺗﻠﻮﻧﺖ أﻣﺎم ﻋﯿﻨﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﺑﺄﻟﻮان ﺷﺘﻰ ،زادت ﻣﻦ رﺟﻔﺘﻲ ،أﺷﺮت ﺑﺄﺻﺒﻌﻲ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء ،ﻟﻌﻞ أﺣًﺪا ﻳﺆﻛﺪ ﻣﺎ أراه ،وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻠﺘﻔﺖ أﺣﺪ إﻟﻰ إﺷﺎرﺗﻲ ،أردت أن أﺗﻜﻠﻢ ،وﻟﻜﻦ ﺻﻮﺗﻲ ﻛﺎن ﻣﺨﻨﻮًﻗﺎ ،ﻓﺼﺮﺧﺖ ﻓﻠﻢ ﻳﻐﺎدر ﺻﺮاﺧﻲ ﺣﻠﻘﻲ ،ﺷﻤﻤﺖ راﺋﺤﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﺳﻄﻌﺖ أﻧﻔﻲ ﻳﻮم »ﻗﺎدش ﺑﺮﻧﯿﻊ« ،وﺳﻤﻌﺖ وﻗﻊ ﺧﻄﻮاﺗﻪ ﻛﻀﺮﺑﺎت طﺒﻮل اﻷﺣﺒﺎش ،ﺗﻠﻔ ﱡ ﺖ ﺣﻮﻟﻲ أﺗﻠﻤﺲ اﻟﻨﺠﺪة ﻣﻦ )ﻋﻤﺮو( و)ﺷﮫﺒﻮر( و)ﻟﯿﺚ( وﻟﻜﻨﮫﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﺟﻤﯿًﻌﺎ ﻛﺎﻷﺣﺠﺎر اﻟﺠﺎﻣﺪة ..ﺳﻤﻌﺖ ﻧﻐﻤﺎﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﻐﻨﻰ ﺑﮫﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﺮاﻧﯿﻢ ﺗﺴﺘﺪﻋﻲ اﻟﻘﺮاﺑﯿﻦ ﻣﻦ دﻣﺎء اﻟﺒﺸﺮ ،ﺗﺪاﺧﻠﺖ ﺗﺮاﻧﯿﻤﻪ ﻣﻊ ﻛﻠﻤﺎت )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﻓﻲ أذﻧﻲ. * أطِﻔﺌﻮا اﻟﱡﻨﻮَر ﺑﻈﻼِم اﻟﻘﻠﻮب… -أﻧﺎ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( * أﺣِﺮﻗﻮا اﻷر َ ض ﺑﺤﻘِﺪ اﻟﻨﻔﻮس - ..وھﺬا ھﻮ ﺻﻨﻢ اﻟﺮب ﻗﺪ ﺗﺠﻠﻲ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺮب ﺑﻘﺪرﺗﻪ ﻓﺄﺷﻔﺎﻧﻲ. * اْﻟﻌﻨﻮا ُﻣﺤﺒِ ّﯿﻜﻢ… -ﻣﻦ دﻋﻲ إﻟﻰ ﻏﯿﺮه ﻓﻘﺪ آذﻧﱠﺎه ﺑﺤﺮب. * وﻣ ّ ﺠِﺪوا ﻻﻋﻨﯿﻜﻢ - ...وﻣﻦ ﺗﻘﺮب إﻟﯿﻪ ﻓﻘﺪ ﺗﻘﺮب إﻟﻰ ﷲ زﻟﻔﻰ. ﻤﺮ… -ﻣﻦ ﻟﻢ ﺗﺴﻌﻪ »ﺑﻜﺔ« و) ُ ھﺒَﻞ( ﻓﻠﯿﺮﺣﻞ * اْﻧﺜُﺮوا ﺑﺬوَر اﻟُﻜْﺮِه ﺣﱠﺘﻰ أراھﺎ ُﺗْﺜ ِ ﻋﻨﮫﺎ. * اﻧ ُ ﺸﺮوا ﻋﺒﯿَﺮ اﻟﱠﺪِم ﺣﱠﺘﻰ أراﻧﻲ أْﺛ َ ﻤﻞ… -وﻣﻦ ﻣﻨﻊ اﻟﺤﺠﯿﺞ ﻋﻨﻪ ﻓﻘﺪ أھﺪر دﻣﻪ. * أروﻧﻲ دﻣﻮع اﻟﻨﺪم ﺑﻼ ﺗﻮﺑﺔ… -وﻣﻦ ظﻦ أﻧﻪ أﻋﺰ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮب ﻣﻦ »ﺟﺮھﻢ« ﻓﻠﯿﺤﺬ ﺣﺬوھﺎ. * أروﻧﻲ ُ ﻋ ِﺰّ س ﺑِﻼ ر َ ﺟﺎء… -أﻣﺎ ﻣﻦ ﺧﻀﻊ ﻷﻣﺮﻧﺎ ﻓﻘﺪ ﻧﺎل ﻣﻦ ِ ﺻﺮاخ اﻟﯿﺄ ِ »ﺧﺰاﻋﺔ«. ل ﺻﺮﺧﺔ أﻋﺎدت اﻟﺤﯿﺎة إﻟﻰ اﻷﺻﻨﺎم وإذا بـ)ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ( ﻳﺼﺮخ ﺑﺼﻮت ﻋﺎ ٍ اﻟﺠﺎﻣﺪة ﻣﻦ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ(: ﻛﻔﻰ!..! ﻟﻦ ﻳﺪﻧﺲ ﺑﯿﺖ اﻟﺮب ﺑﺄﺻﻨﺎم اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﯿﻦ! أﺷﺎر )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﺑﻌﺼﺎ ﻗﺼﯿﺮة ﻓﻲ ﻳﺪه ﻧﺤﻮ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ( وﻗﺎل ﻓﻲ ﻛﺒﺮﻳﺎء: ﻣﻦ أﻧﺖ؟!ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو(: أﻧﺎ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ ﺑﻦ ﻋﺎﺑﺮ(!وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗﺬﻛﺮ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( اﺳﻢ أﺑﯿﻪ ،ﻓﻘﻄﺐ ﺣﺎﺟﺒﯿﻪ وﻗﺎل: -أﻟﻢ ُﻳﻄﺮد أﺑﻮك ﻣﻦ »ﺑﻜﺔ« ذﻟﯿًﻼ؟! ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو( وﻗﺪ اﺣﻤﱠﺮ وﺟﮫﻪ ﻣﻦ اﻹھﺎﻧﺔ: ﺑﻞ ﺧﺮج ﻣﻨﮫﺎ ﻋﺰﻳًﺰا ﺑﻌﺪ أن داﻓﻊ ﻋﻦ اﻟﺤﻖ!واﻟﯿﻮم أﺛﺒﺖ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﺣﻖ! ﺛﻢ أوﻻه ظﮫﺮه واﻟﺘﻔﺖ ﻧﺤﻮ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( وﺳﺎر ﺑﯿﻨﮫﻢ وھﻮ ﻳﻀﻊ ﻳﺪه ﻋﻠﻰ ﺻﺪورھﻢ وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻄﻤﺌﻦ أن ﻓﻲ ﺻﺪورھﻢ ﻗﻠﻮﺑًﺎ ﺗﻨﺒﺾ وﻗﺎل ﻓﻲ ﺻﻮت ﻳﺨﻨﻘﻪ اﻟﺮﺟﺎء: ﻳﺎ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ،ﻳﺎ )ﺑﻨﻲ ﻗﯿﺪار( و)ﻳﻄﻮر( و)ﻧﺎﺑﺖ( ،ﻳﺎ ﺣﺠﯿﺞ ﺑﯿﺖ ﷲ!ھﺬا دﻳﻦ آﺑﺎﺋﻨﺎ ﻳﺒﺪل أﻣﺎم أﻋﯿﻨﻨﺎ! ھﺎ ھﻲ اﻷﺻﻨﺎم اﻟﺘﻲ ﺣﻄﻤﮫﺎ أﺑﻮﻧﺎ )إﺑﺮاھﯿﻢ( ﻓﻲ »أور« ﻳﺤﻤﻠﮫﺎ اﻟﺸﯿﻄﺎن إﻟﯿﻨﺎ ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« ،ﻓﻤﺎذا أﻧﺘﻢ ﻓﺎﻋﻠﻮن؟! ﻟﻢ ﻳﺠﺪ )ﻋﻤﺮو( إﺟﺎﺑﺔ ﻣﻨﮫﻢ ،رﻏﻢ دﻣﻮع اﻟﺤﺰن اﻟﺘﻲ اﻧﺴﺎﺑﺖ ﻋﻠﻰ وﺟﻮه ﺑﻌﻀﮫﻢ. ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو( ﻣﺬھﻮًﻻ: أﺟﯿﺒﻮﻧﻲ!ﻗﻮﻟﻮا إﻧﻜﻢ ﻟﻦ ﺗﺴﻤﺤﻮا ﺑﺄن ﻧﺘﻘﺮب إﻟﻰ ﺻﻨﻢ ﻣﻦ دون ﷲ! اﻧﻄﻘﻮھﺎ ﺑﺄﻓﻮاھﻜﻢ واﻣﻨﻌﻮھﺎ ﺑﺄﻳﺪﻳﻜﻢ! ﻗﻮﻟﻮا إن أوﻻدﻧﺎ ﻟﻦ ﻳﺰدروﻧﺎ ،وﻟﻦ ﻳﻘﻮﻟﻮا ھﺆﻻء اﻟﺬﻳﻦ أﺿﺎﻋﻮا دﻳﻦ آﺑﺎﺋﮫﻢ! أﺟﮫﺶ ﺑﻌﻀﮫﻢ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء ،ﺑﻜﺎء اﻟﻌﺎﺟﺰ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﻣﻦ أﻣﺮه ﺷﯿًﺌﺎ ،ﻓﺼﺮخ )ﻋﻤﺮو( وھﻮ ﻳﻀﺮب ﺑﯿﺪﻳﻪ ﻋﻠﻰ ﺻﺪورھﻢ: ﻟﻤﺎذا ﺗﺒﻜﻮن ﻛﺎﻟﻨﺴﺎء؟! ﻣﺎ اﻟﺬي ﺗﺨﺸﻮﻧﻪ؟أﺗﺨﺸﻮن اﻟﻤﻮت أم اﻟﺠﻮع أم اﻟﻔﻘﺮ؟ ﺛﻢ اﻟﺘﻘﻂ ﺣﺠًﺮا ﺻﻠًﺪا ﻣﻦ اﻷرض وﻗﺬف ﺑﻪ ﺗﺠﺎه اﻟﺘﻤﺜﺎل ﻓﻲ ﻗﻮة وھﻮ ﻳﺼﺮخ ﻓﻲ ﺟﻨﻮن: أم ﺗﺨﺸﻮن ﺗﻤﺜﺎًﻻ أﺻﻢ ﻻ ﻳﻨﻄﻖ وﻻ ﻳﺴﻤﻊ؟!ارﺗﻄﻢ اﻟﺤﺠﺮ ﺑﯿﺪ اﻟﺘﻤﺜﺎل اﻟﻤﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻌﻘﯿﻖ ﻓﺘﺤﻄﻤﺖ ﺑﺪًدا ،وﺧﯿﻢ اﻟﺬھﻮل ﻓﻮق اﻟﺠﻤﯿﻊ ﺑﻤﻦ ﻓﯿﮫﻢ )ﻋﻤﺮو( ﻧﻔﺴﻪ ،وﺣﯿﻦ أﻓﺎق )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﻣﻦ اﻟﺼﺪﻣﺔ ،ﺻﺮخ ﻓﻲ ﺻﻮت ﻓﺎق ﺻﻮت اﻟﺸﯿﻄﺎن ﻓﻲ اﻟﺠﺤﯿﻢ وﻗﺎل ﻟﻸﺣﺒﺎش: ﻋْﺒﺮًة ﻟﻤﻦ ﻳﻌﺘﺒﺮ! -اﻗﺘﻠﻮا ذﻟﻚ اﻵﺑﻖ واﺟﻌﻠﻮه ِ ﻓﺎﻧﻘ ﱠ ﺾ اﻷﺣﺒﺎش ﻋﻠﯿﻪ ﻳﻤﺰﻗﻮن ﺟﺴﺪه ﺑﺎﻟﺴﯿﺎط واﻟﻌﺼﻲ. ∞∞∞∞∞ ﻟﻘﻮل اﻟﺤﻖ ﻣﮫﺎﺑﺔ ﺗﮫﺘﺰ ﻟﮫﺎ ﻳﺪ اﻟﺒﺎطﺶ ،وھﺬا ﻣﺎ ﺷﻌﺮ ﺑﻪ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ(، ﺣﯿﻦ رأى ﺟﻤًﻌﺎ ﻣﻦ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( ﻣﻦ ﺑﯿﻨﮫﻢ )ﻟﯿﺚ( و)ﺷﮫﺒﻮر( وأﻧﺎ ﻳﺸﺘﺒﻜﻮن ﻣﻊ اﻟﺤﺮاس ﻟﻠﺪﻓﺎع ﻋﻦ )ﻋﻤﺮو( ،ﺧﺸﻲ )اﺑﻦ ﻟﺤﻲ( أن ﺗﺠﺪ ﻛﻠﻤﺔ اﻟﺤﻖ ﺻﺪاھﺎ ﻓﻲ اﻟﺮءوس اﻟﻤﻨﻜﺴﺔ ،أو أن ﻳﺜﯿﺮ ﻣﻘﺘﻞ )ﻋﻤﺮو( اﻟﺤﻤﯿﺔ واﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻻﻧﺘﻘﺎم، ﻓﻨﺎدى ﻓﻲ اﻷﺣﺒﺎش: ﻳﻜﻔﻲ ھﺬا!ﻟﻦ ﻧﺴﻔﻚ اﻟﺪﻣﺎء ﻓﻲ ﺣﺮم اﻟﻜﻌﺒﺔ! ﺛﻢ أرﻋﺪ ﻓﻲ وﻋﯿﺪ: وﻟﻜﻦ ﺣﺮﻣﺔ ھﺬا اﻟﻨﺼﺐ ﻣﻦ ﺣﺮﻣﺔ اﻟﻜﻌﺒﺔ!وﻣﻦ ﻳﻤﺴﻪ ﺑﺴﻮء ﻓﻘﺪ أھﺪر دﻣﻪ! ﺛﻢ ﻧﺎدى ﻓﻲ اﻟﻨﺎس وﻗﺎل: أﻳﮫﺎ اﻟﻨﺎس ،ﻣﺎ دﻋﻮﻧﺎ ﻟﻌﺒﺎدة )ھﺒﻞ( ﻣﻦ دون ﷲ وﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ!وﻣﺎ أﺟﺮى ﷲ ﺷﻔﺎﺋﻲ ﺑﺸﻔﺎﻋﺘﻪ إﻻ ﺑﺄﻣﺮه ،ﻓﻤﻘﺪرة ﷲ ﻓﻲ ﻳﺪه ﻳﻀﻌﮫﺎ ﺣﯿﺚ ﺷﺎء ،ﺣﺘﻰ وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺣﺠﺮ أﺻﻢ! رأى اﻻﺳﺘﻨﻜﺎر ﻓﻲ اﻟﻌﯿﻮن اﻟﻜﺴﯿﺮة ،ﻓﻘﺎل: ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜ ِﺮّم ﷲ اﻟﺤﺠﺮ ﻟﻤﺎ أﻣﺮﻧﺎ ﺑﺎﻟﻄﻮاف ﺑﺎﻟﺒﯿﺖ وﻻ ﺑﺘﺸﺮﻳﻒ اﻟﺤﺠﺮ اﻷﺳﻮد!ﺛﻢ ﻗﺎل: أرأﻳﺘﻢ إن ﻧﺰع رﺟﻞ ﻣﻦ ﺑﯿﻨﻜﻢ اﻟﺤﺠﺮ اﻷﺳﻮد وأﻟﻘﻰ ﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ ،ﻣﺎذا ﻳﻜﻮنﻣﻦ أﻣﺮﻛﻢ؟! طﺎل اﻟﺼﻤﺖ ﻟﺤﻈﺎت ﺛﻢ ﻗﺎل رﺟﻞ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﯿﺤﺎء: ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﻣﻨﺴﻚ ﺑﻌﺪه!ﺛﻢ ﻗﺎل آﺧﺮ: وﷲ ﻧﻜﻮن ﻛﻤﻦ ﻧﺰع اﻟﺸﺮف ﻋﻨﻪ!ﻟﻤﻌﺖ ﻋﯿﻨﺎ )اﺑﻦ ﻟﺤﻲ( وﻗﺎل: -وھﺬا وﷲ ﻣﺎ أﺑﻐﯿﻪ! أن أزﻳﺪﻛﻢ ﺷﺮًﻓﺎ إﻟﻰ ﺷﺮﻓﻜﻢ! وﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﮫﺬا اﻟﻨﺼﺐ ﻣﻦ ﺷﺄن ﻓﻲ أرض ﷲ ،ﻣﺎ ﻋﺒﺪه أﻗﻮام ﻓﻲ ﻣﺸﺎرق اﻷرض وﻣﻐﺎرﺑﮫﺎ! ﺛﻢ ھﺘﻒ ﻓﻲ اﻷﺣﺒﺎش ﺑﺼﻮت ﺟﮫﻮري: ارﻓﻌﻮا اﻟﻨﺼﺐ ﺑﯿﻦ اﻟﺮﻛﻦ واﻟﻤﻘﺎم وادﻋﻮه ﻛﻲ ﻳﻘﺮﺑﻜﻢ إﻟﻰ ﷲ زﻟﻔﻰ!ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ إﻟﻰ )ﻋﻤﺮو( وﻗﺎل: أﻣﺎ أﻧﺖ ﻳﺎ اﺑﻦ اﻟﻄﺮﻳﺪ ،ﻓﻘﺴ ًﻤﺎ ﺑﺮب ھﺬا اﻟﺒﯿﺖ ،ﻟﻮ رأﻳﺘﻚ ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« أو ﻣﺎ ﺣﻮﻟﮫﺎ ﻷﺣﺮﻗﺘﻚ ﺣﯿﺎ وﻷﻗﺪﻣﻨﻚ ُﻗﺮﺑﺎﻧًﺎ ﻟﮫﺬا اﻟﺘﻤﺜﺎل! وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﺤﻤﻞ )ﻋﻤﺮًوا( ﻋﺎﺋﺪﻳﻦ ﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺰل ،ارﺗﻔﻊ ﺻﻮت اﻷﺣﺒﺎش ﻣﺮة أﺧﺮى وھﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮن: )ھﻮ ﺑﻞ( … )ھﻮ ﺑﻞ(.واﻟﺘﻔ ﱡ ﺖ ﺧﻠﻔﻲ ﻷﺟﺪ رأس اﻟﺘﻤﺜﺎل اﻷﺣﻤﺮ ﺗﻌﻠﻮ ﻣﻦ رﻗﺪﺗﮫﺎ ﺣﺘﻰ ﺟﺎوزت ﺑﯿﺖ اﻟﺮب! وﺻﻮت )اﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﻳﺮﺗﻔﻊ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﻗﺎﺋًﻼ: ﻟﺒﯿﻚ اﻟﻠﮫﻢ ﻟﺒﯿﻚ ،ﻟﺒﯿﻚ ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻚ إﻻ ﺷﺮﻳ ًﻜﺎ ھﻮ ﻟﻚ ،ﻣﻠﻜﺘﻪ وﻣﺎ ﻣﻠﻚ! ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ والـﺧﻤﺴﻮن اﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻨﺎ )ھﻮى( ﺑﺎﻟﺼﺮاخ ﺣﯿﻦ رأت )ﻋﻤﺮًوا( ﻣﻀﺮ ً ﺟﺎ ﻓﻲ دﻣﺎﺋﻪ ،ﻓﻨﮫﺮھﺎ )ﻋﻤﺮو( ﻋﻦ ذﻟﻚ ﺑﺼﻮت واھﻦ ،وﺿﻌﻨﺎه ﻋﻠﻰ أرﻳﻜﺔ ﻓﻲ ﺻﺤﻦ اﻟﺪار ،وﺻﺮف )ﻟﯿﺚ( اﻟﺠﻤﻮع ﻣﻦ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻤﻌﺖ أﻣﺎم اﻟﺪار ﺑﺮﻓﻖ ﺛﻢ أﻏﻠﻖ اﻟﺒﺎب. ﻋﺎوﻧﻨﻲ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻓﻲ إﺟﻼﺳﻪ ﻛﻲ ﻧﻨﺰع ﻗﻤﯿﺼﻪ اﻟﺬي اﻟﺘﺼﻖ ﺑﺠﺮوﺣﻪ ﻓﻲ رﻓﻖ ،وﺣﯿﻦ ﻣﺴﺤﺖ اﻟﺪﻣﺎء ﺑﺨﺮﻗﺔ ﻣﺒﻠﻠﺔ ﻋﻦ ﺟﺴﺪه اﻧﻔﺠﺮت اﻟﺪﻣﻮع ﻣﻦ ﻣﻘﻠﺘﯿﻪ ،ﻻ ﻣﻦ اﻷﻟﻢ وإﻧﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﮫﺮ ،ﻗﺎل ﻓﻲ ﺣﺮﻗﺔ أﻟﮫﺒﺖ ﻋﯿﻮﻧﻨﺎ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء: ﻟﯿﺘﻨﻲ ﻣﺖ ﻗﺒﻞ أن أرى ﺑﯿﺖ اﻟﺮب ُﻣﺪﻧﱠ ًﺴﺎ ﺑﺂﻟﮫﺔ اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﯿﯿﻦ! رﺑﺖ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ ﻗﺎﺋًﻼ: ھ ِﻮّن ﻋﻠﯿﻚ ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو( ،ﻟﻦ ﻳﺠﺪي ﻣﻮﺗﻚ ﺷﯿًﺌﺎ وﻟﻦ ﻳﻐﯿﺮ ﻣﻦ اﻷﻣﺮ ﺷﯿًﺌﺎ!ﻗﺎل )ﻟﯿﺚ( وﻗﺪ اﻣﺘﺰج ﺧﻮﻓﻪ ﺑﻘﻠﻘﻪ: ﻟﻦ ﻳﺘﺮﻛﻨﺎ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ(!وﻟﻦ ﻳﻨﺼﺮﻧﺎ )ﺑﻨﻮ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ(! ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر( ﻣﺆﻛًﺪا ﻛﻼﻣﻪ: ﻧﻌﻢ ،أظﻦ أﻧﻪ ﻻ ﻣﻘﺎم ﻟﻨﺎ ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ«!ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو( وﻗﺪ أوﺟﻌﺘﻪ اﻟﻜﻠﻤﺔ وأﻓﺠﻌﺘﻪ: أھﺮب ﻣﻦ »ﺑﻜﺔ«!أﺗﺮك اﻷﻣﺎﻧﺔ اﻟﺘﻲ أﺣﻤﻠﮫﺎ وأھﺮب؟! ﻗﺎل )ﻟﯿﺚ( ﻣﺘﺮدًدا: ﻧﺒﺘﻌﺪ ﻗﻠﯿًﻼ ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو( ،ﻻ ﻗِﺒَﻞ ﻟﻨﺎ ﺑﺠﯿﺶ »ﺧﺰاﻋﺔ«!وﻗﺪ ﻛﻨﺖ ﺗﻨﻮي اﻟﺴﻔﺮ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺞ ﻋﻠﻰ أﻳﺔ ﺣﺎل! ﻦ: ﺟﺜﻤﺖ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﺪره ﺣﺘﻰ ﻛﺎدت أن ﺗﺰھﻖ أﻧﻔﺎﺳﻪ ،ﻓﻘﺎل ﺑﺼﻮت واھ ٍ اﻟﺤﺞ!أي ﺣﺞ واﻟﺒﯿﺖ ﻗﺪ ﺟﺎوره ﺻﻨﻢ ،واﻟﻨﺪاء ﻗﺪ ﺻﺎر ﻳﺪﻋﻮ ﻟﺸﺮﻳﻚ! ﺛﻢ أﺟﮫﺶ ﻓﻲ اﻟﺒﻜﺎء ،وﻗﺎل: -أﻳﻦ أﻧﺖ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(؟ أﻳﻦ أﻧﺖ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ(؟ أﻳﻦ أﻧﺖ ﻳﺎ أﺑﻲ؟! ﻟﻤﺎذا ﺗﺮﻛﺘﻤﻮﻧﻲ أﺣﻤﻞ ذﻟﻚ اﻟﻌﺐء وﺣﺪي! ﻗﻠﺖ ُﻣﮫﻮﻧًﺎ ﻋﻠﯿﻪ: ذﻟﻚ ﻳﻮم ﻻ ﻳﺤﻤﻞ ﻓﯿﻪ إﻧﺴﺎن ﻋﻦ إﻧﺴﺎن ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو( ،ﺑﻞ ﻳﺤﻤﻞ ﻛﻞ إﻧﺴﺎنﺗﺒﻌﺔ اﺧﺘﯿﺎره. ﻧﻈﺮ إﻟ ﱠ ﻲ ﻣﺴﺘﻨﺠًﺪا ،ﻓﻘﻠﺖ: ﻖ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﮫﻢ اﻟﺘﻮﺳﻞ ﻟﻦ ﻳﺴﺘﻨﻄﻖ )اﺑﻦ ﻟﺤﻲ( أﻟﺴﻨﺔ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﻨﺪاء ،وﻟﻦ ﻳﻠ ِإﻟﻰ ﺻﻨﻢ ،ﺻ ِّ ﺪﻗﻨﻲ ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو( إذا أﻧﻜﺮت ﻗﻠﻮﺑﮫﻢ ،ﺳﺘﺨﺮس أﻟﺴﻨﺘﮫﻢ! ﻗﺎل: ﺳﯿﺘﺒﻌﻪ اﻟﺠﺎﺋﻊ واﻟﻤﻌﺘﺮ!ﻗﻠﺖ: ﻟﻮ ﻛﺎن إﻳﻤﺎﻧﮫﻢ ﻷﺟﻞ اﻟﻄﻌﺎم واﻟﻜﺴﺎء ﻓﻼ ﺧﯿﺮ ﻓﯿﮫﻢ!ﻗﺎل: ﺳﯿﻐﺪق ﺑﺎﻷﻣﻮال ﻋﻠﻰ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮب وﺳﺎدﺗﮫﺎ ﻛﻲ ﻳﺘﺒﻌﻮه!ﻗﻠﺖ: ﻟﻮ ﺗﺒﻌﻮه ﻓﻼ ﺧﯿﺮ ﻓﯿﮫﻢ أﻳ ًﻀﺎ ،وأوﻟﻰ ﻟﻚ أن ﺗﻐﺎدرھﻢ ﻓﺎرا ﺑﺪﻳﻨﻚ! ﻗﺎل ﺣﺰﻳًﻨﺎ: أﺗﺮك »ﺑﻜﺔ«؟!ﻗﻠﺖ: ﺧﯿًﺮا ﻣﻦ أن ُﺗﻘﺘﻞ ﻓﯿﮫﺎ.ﻗﺎل: وﺑﯿﺖ اﻟﺮب؟!ﻗﻠﺖ: اﻟﺮب ﻻ ﻳﺴﻜﻦ اﻟﺒﯿﻮت!اﻟﺮب ﻳﺴﻜﻦ اﻟﻘﻠﻮب! ﻗﺎل: ودﻋﻮة أﺑﯿﻨﺎ )إﺑﺮاھﯿﻢ(!ﻗﻠﺖ: ﺗﺤﻤﻠﮫﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻚ وﺗﺒﻠﻐﮫﺎ ﻟﻤﻦ ﻟﻢ ﺗﺼﻞ إﻟﯿﻪ!ﻗﺎل ﻣﺸﺪو ً ھﺎ: أھﻜﺬا ﺗﻜﻮن ﺷﻤﺲ »ﺑﻜﺔ« ﻗﺪ أﻓﻠﺖ؟!ﻗﻠﺖ: ﺗﻐﺮب اﻟﺸﻤﺲ ﻣﻦ ﻣﻜﺎن وﺗﺸﺮق ﻓﻲ ﻣﻜﺎن آﺧﺮ ،وﻟﻜﻦ ﻧﻮرھﺎ ﻳﺴﻄﻊ ﻋﻠﻰاﻷرض ﻛﻠﮫﺎ. ﻗﺎل: وأﻳﻦ أﺟﺪ ﺷﻤﺲ اﻹﻳﻤﺎن اﻵن؟!أﺳﺮع )ﺷﮫﺒﻮر( ﻗﺎﺋًﻼ: ھﻲ اﻵن ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ »ﺳﯿﻦ«!ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو( ﻣﺸﺪو ً ھﺎ: ﻧﺘﺒﻊ ﻧﺒﻲ اﻟﻌﺒﺮاﻧﯿﯿﻦ )ﻣﻮﺳﻰ(؟!ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر(: ھﻮ ﻣﻦ ﻳﺤﻤﻞ ﺷﻌﻠﺔ اﻹﻳﻤﺎن!ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو(: ﻟﻢ ﻳﺮﺳﻠﻪ اﻟﺮب لـ)ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ(.ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر(: ﻳﮫﺘﺪي اﻟﻤﺮء ﺑﺎﻟﻨﻮر أﻳﻨﻤﺎ وﺟﺪه!ﻗﺎل: وﺷﺮﻳﻌﺘﻨﺎ؟!ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر(: -ﻻ ﺷﻲء ﻳﻌﺪل اﻟﺴﯿﺮ ﻋﻠﻰ ھﺪي ﻧﺒﻲ. ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو(: ﻗﻠﺒﻲ ﻳﻨﻔﻄﺮ ﻋﻠﻰ »ﺑﻜﺔ«!ﻗﻠﺖ: ﻟﻌﻞ اﻟﺮب ﻳﺮﺳﻞ إﻟﯿﮫﺎ ﻣﻦ ﻳﺤﻤﻞ ﺷﻌﻠﺔ اﻹﻳﻤﺎن ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ!ﻋﺎد ﻳﻘﻮل: وﺑﯿﺖ اﻟﺮب ،ﻣﻦ ﻳﻌﻤﺮه؟ﻗﻠﺖ ﻣﺮة أﺧﺮى: اﻟﺮب ﻻ ﻳﺴﻜﻦ اﻟﺒﯿﻮت واﻟﻘﻠﻮب اﻟﻌﺎﻣﺮة ﺧﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺒﯿﻮت اﻟﺨﺎوﻳﺔ.ﺻﻤ ﱡ ﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ،وﻗﺒﻞ أن ﺗﺜﻮر ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺴﺆال آﺧﺮ ،ﺳﻤﻌﻨﺎ رﻋﺪة اھﺘﺰت ﻣﻌﮫﺎ ﺾ ﻟﺤﻈﺎت ﺣﺘﻰ ﺳﻤﻌﻨﺎ ﺻﻮت زﺧﺎت اﻟﻤﻄﺮ اﻷرﻳﻜﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺠﻠﺲ ﻋﻠﯿﮫﺎ ،وﻟﻢ ﺗﻤ ِ ﻳﮫﻄﻞ ﻓﻮق ﻋﺮﻳﺶ اﻟﺒﯿﺖ ..ﻓﺘﺢ )ﻟﯿﺚ( اﻟﺒﺎب وأﺳﺮﻋﺖ أﻧﺎ و)ﺷﮫﺒﻮر( ﺧﻠﻔﻪ، رأﻳﻨﺎ ﻣﻄًﺮا ﻏﺰﻳًﺮا ،وﺑﻌﺾ اﻷطﻔﺎل ﺗﻠﮫﻮ ﺗﺤﺖ اﻟﻤﻄﺮ ،ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ اﻟﺒﺎب وأﻧﺎ أﻗﻲ وﺟﮫﻲ ﻣﻦ زﺧﺎت اﻟﻤﻄﺮ اﻟﻼﺳﻌﺔ ،ﻧﻈﺮت إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء اﻟﻐﺎﺋﻤﺔ ﻓﺮأﻳﺖ ﺳﺤﺎﺑًﺎ ﻣﺘﺮاﻛﺒًﺎ ﻳﺰﺣﻒ ﻣﻦ ﺟﮫﺔ اﻟﻐﺮب إﻟﻰ ﺳﻤﺎء »ﺑﻜﺔ« ﺣﺘﻰ ﺣﺠﺐ اﻟﺸﻤﺲ اﻟﺘﻲ ﻣﺎﻟﺖ إﻟﻰ اﻟﻐﺮوب! ﻗﻠﺖ ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: ﻛﻞ ھﺬا اﻟﻤﻄﺮ وﻻ ﺗﺰال اﻟﻤﺰن ُﺣْﺒﻠﻰ ﺑﺎﻟﻤﺎء ،ﻛﯿﻒ ﺗﺒﺪﻟﺖ اﻟﺴﻤﺎء ھﻜﺬا؟! ﻗﺒﻞ أن ﻳﺠﯿﺒﻨﻲ أﺣﺪ أوﻣﻀﺖ اﻟﺴﻤﺎء ﺑﺒﺮﻳﻖ ﺑﺮق ﺧﻄﻒ أﺑﺼﺎرﻧﺎ ،ﺛﻢ ﺗﺒﻊ ذﻟﻚ رﻋﺪة أﺧﺮى اﻧﺨﻠﻌﺖ ﻟﮫﺎ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ،واﺷﺘﺪ ﻣﻌﮫﺎ اﻟﻤﻄﺮ أﻛﺜﺮ ،ھﺮول اﻷطﻔﺎل ت ﻣﺬﻋﻮرﻳﻦ ﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﺼﺎﻋﻘﺔ ،واﺧﺘﺒﺄوا ﻓﻲ ﺣﻤﻰ دورھﻢ وﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر( ﺑﺼﻮ ٍ ﻣﺮﺗﻌﺶ: اﻟﺴﻤﺎء ﻏﻀﺒﻰ ﻋﻠﻰ »ﺑﻜﺔ«!رﺣﻤﺎك ﻳﺎ رب اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﻦ! ذﻛﺮﻧﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﻄﺮ ﺑﺴﯿﻞ ﻛﺎد ﻳﻘﺘﻠﻨﻲ أﻧﺎ و)أروى( ﺻﻐﺎًرا ﻓﻲ »رﺳﺔ«. وﺗﺬﻛﺮت ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ )أروى(. ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺨﻮف ﻋﻠﯿﮫﺎ وﻋﻠﻰ )إﺑﺮام( ،ﻓﻤﻨﺰﻟﻨﺎ ﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﺳﻔﺢ اﻟﺒﻄﺤﺎء وﻟﻮ اﻧﮫﻤﺮ اﻟﺴﯿﻞ ﻷطﺎح ﺑﻪ. أﺧﺬت ﺷﺎًﻻ ﻣﻦ ﻓﻮق ﻛﺘﻒ )ﺷﮫﺒﻮر( ،أﻟﻘﯿﺖ ﺑﻪ ﻓﻮق رأﺳﻲ ،وﺧﺮﺟﺖ ﻣﺴﺮًﻋﺎ إﻟﻰ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،ﻧﺎداﻧﻲ )ﻟﯿﺚ(: إﻟﻰ أﻳﻦ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(؟اﻟﻤﻄﺮ ﻳﺰداد! ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أﻣﺴﺢ وﺟﮫﻲ ﺑﻄﺮف اﻟﺸﺎل: أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺨﻮف ﻋﻠﻰ )أروى( ،ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ أﺳﻔﻞ اﻟﺴﻔﺢ!وﻗﺪ ﻳﻐﻤﺮه اﻟﺴﯿﻞ! ﻗﺎل )ﻟﯿﺚ( وﻗﺪ ﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﻮﺟﻞ: اﻧﺘﻈﺮ ﺳﺂﺗﻲ ﻣﻌﻚ!ﻗﻠﺖ: ﻛﻼ ،اذھﺐ أﻧﺖ إﻟﻰ دارك!وﺧﺬ ﻣﻌﻚ )ﻋﻤﺮو( و)ھﻮى( و)ﺷﮫﺒﻮر(! ﻓﺪار اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( أﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﻋﻦ ﻣﺠﺮى اﻟﺴﯿﻞ! اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ،ﻓﻘﺪ ﺷﻌﺮت أن ھﺬا اﻟﺼﯿﺐ ﻟﻦ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﺨﯿﺮ! رأﻳﺖ اﻟﻨﺎس ﺗﺤﺘﻤﻲ ﺑﺪورھﻢ ،وﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﻤﻠﻚ ﻣﻨﮫﻢ ﺳﻘًﻔﺎ ﻳﺆوﻳﻪ ،ﺻﻌﺪ إﻟﻰ أﻋﺎﻟﻲ اﻟﺠﺒﺎل ﻛﻲ ﻳﺤﺘﻤﻲ ﺑﺎﻟﻜﮫﻮف واﻟﻤﻐﺎرات ،ﻧﻈﺮت إﻟﻰ اﻟﻮادي ﻓﺮأﻳﺖ اﻟﺒﯿﺖ ﻣﮫﺠﻮًرا ﻷول ﻣﺮة! ﻻ ﻳﻘﻒ إﻟﻰ ﺟﻮاره إﻻ ذﻟﻚ اﻟﺘﻤﺜﺎل اﻷﺣﻤﺮ اﻟﻘﺒﯿﺢ ،وﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻨﻪ ﺗﻤﺜﺎﻟﻲ )إﻳﺴﺎف( و)ﻧﺎﺋﻠﺔ(. دﻋﻮت اﻟﺮب أن ُﻳﺰﻳﻞ اﻟﺴﯿﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﺻﻨﺎم اﻟﺘﻲ أﺣﺎطﺖ ﺑﺒﯿﺘﻪ ،ﺛﻢ اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﮫﺮوًﻻ ﻧﺤﻮ اﻟﺴﻔﺢ اﻟﻤﻨﺤﺪر ،ﺳﻘﻄﺖ ﻣﺮات وﻣﺮات وﻟﻜﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﻗﻮم ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮة وأﺳﺘﺄﻧﻒ اﻟﻌﺪو ﻏﯿﺮ ﻋﺎﺑﺊ ﺑﺜﯿﺎﺑﻲ اﻟﻤﺘﺴﺨﺔ ،وﺑﯿﻦ ﻟﺤﻈﺔ وأﺧﺮى ﻛﻨﺖ أﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺤﺐ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻄﻮ ﻛﺎﻟﺠﺒﺎل ﻧﺤﻮ ﺳﻤﺎء »ﺑﻜﺔ«. وﺻﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﺒﯿﺖ ،دﻓﻌﺖ ﺑﺎﺑﻪ ﺑﻘﻮة ،ﻓﻮﺟﺪت )أروى( ﺗﻘﻒ ﻣﺬﻋﻮرة ﻓﻲ اﻟﻔﻨﺎء اﻟﺬي ﻏﻤﺮه اﻟﻤﺎء ﺣﺘﻰ وﺻﻞ إﻟﻰ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺳﺎﻗﯿﮫﺎ ،وھﻲ ﺗﺤﺘﻀﻦ وﻟﺪﻧﺎ )إﺑﺮام(. ﺻﺮﺧﺖ ﺣﯿﻦ رأﺗﻨﻲ وﻗﺎﻟﺖ: اﻟﻤﺎء ﻳﻐﻤﺮ اﻟﺒﯿﺖ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ ﻣﺴﺮًﻋﺎ وأن أﻣﺴﻚ ﻳﺪھﺎ: -ﻻ ﺗﺨﺎﻓﻲ! ھﯿﺎ ﺑﻨﺎ! ﺛﻢ ﺳﺄﻟﺘﮫﺎ: أﻳﻦ )أم اﻟﺴﻌﺪ(؟!ﻗﺎﻟﺖ: ذھﺒﺖ ﻋﻨﺪ أﻣﻲ ﻓﻲ دار )ﻟﯿﺚ( ﻣﻨﺬ اﻟﺼﺒﺎح.ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ: ﺣﺴًﻨﺎ ﻓﻌﻠﺖ!ھﻢ ﻓﻲ أﻣﺎن اﻵن. ﺧﺮﺟﻨﺎ إﻟﻰ ﻣﺮﺑﻂ اﻟﺪواب اﻟﺬي ﻏﻤﺮه اﻟﻤﺎء أﻳ ً ﻀﺎ ،ﻓﺎﺳﺘﻘﺒﻠﻨﺎ ﻗﻄﺮات اﻟﺒََﺮد اﻟﺘﻲ ارﺗﻄﻤﺖ ﺑﻮﺟﻮھﻨﺎ ﻛﺤﺒﺎت اﻟﺤﺼﻰ ،ﺻﺮﺧﺖ )أروى( وھﻲ ﺗﺤﻤﻲ وﺟﻪ )إﺑﺮام( ﺑﯿﺪھﺎ ،ﺧﻠﻌ ُ ﺖ اﻟﺸﺎل ﻋﻦ رأﺳﻲ وﺣﻤﯿﺖ ﺑﻪ رأﺳﮫﺎ ووﺟﻪ )إﺑﺮام( ،ﻓﻜﻜﺖ ﻋﻘﺎل اﻟﺒﻐﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﺗﺪور ﻓﻲ ﻗﻠﻖ وأﺧﺬت أرﺑﻂ ﺳﺮﺟﮫﺎ إﻟﻰ اﻟﻌﺮﺑﺔ ،وﻗﺪ اﺷﺘﺪت ﺣﺪة اﻟﻤﻄﺮ وﺻﺎر اﻟﻤﺎء ﻳﺘﺪﻓﻖ ﻣﻦ ﺟﺪران اﻟﻤﺮﺑﻂ. اﻧﺘﮫﯿﺖ ﻣﻦ رﺑﻂ اﻟﺴﺮج ﻓﻮﺿﻌﺖ )أروى( واﻟﻄﻔﻞ ﻓﻲ اﻟﻌﺮﺑﺔ وﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ: ﺗﺸﺒﺜﻲ ﺟﯿًﺪا ،ﻗﻔﺰت ﻓﻮق اﻟﻌﺮﺑﺔ وﺟﺬﺑﺖ ﻟﺠﺎم اﻟﺒﻐﻠﺔ وأﻧﺎ أﺻﻔﻊ ظﮫﺮھﺎ ﺑﻘﻮة ﻛﻲ ﺗﻨﻄﻠﻖ ،وﻛﺄن اﻟﺒﻐﻠﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺨﻄﺮ ھﻲ اﻷﺧﺮى ﻓﺄطﻠﻘﺖ ﻟﺴﺎﻗﯿﮫﺎ اﻟﻌﻨﺎن واﻧﻄﻠﻘﺖ ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ اﻟﺴﻔﺢ اﻟﺬي أﺧﺬت ﺣﻮاﻓﻪ ﺗﻨﺠﺮف ﺑﺎﻟﻤﺎء روﻳًﺪا روﻳًﺪا. وﺑﺪا أن اﻟﺴﯿﻞ ﺳﯿﻨﮫﻤﺮ ﻓﻲ أﻳﺔ ﻟﺤﻈﺔ ،وﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﺟﺒﻞ »اﻟﺤﺠﻮن« ،ﻓﻀﺮﺑﺖ اﻟﺒﻐﻠﺔ ﻛﻲ ﺗﺼﻌﺪ ،وﻟﻜﻦ ﻋﺠﻼت اﻟﻌﺮﺑﺔ ﺗﻌﻠﻘﺖ ﺑﺎﻟﺼﺨﻮر ،ﻧﺰﻟﺖ ﻣﻦ ﻓﻮﻗﮫﺎ ﻛﻲ أﺧﻔﻒ ﺣﻮﻟﺘﮫﺎ وﺟﺬﺑﺖ اﻟﻌﺮﺑﺔ ﻣﻊ اﻟﺒﻐﻠﺔ وﻟﻜﻦ اﻟﻌﺮﺑﺔ ﻋﻠﻘﺖ وأﺑﺖ أن ﺗﺘﺤﺮك، ﻻح ﻟﻲ أن أﺗﺨﻠﺺ ﻣﻦ اﻟﻌﺮﺑﺔ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻌﯿﻖ اﻟﺒﻐﻠﺔ ،أﻧﺰﻟﺖ )أروى( واﻟﻄﻔﻞ، وأﺧﺬت أﻓﻚ اﻟﺴﺮج ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ،ﻓﺠﺄة ﺟﺎءﺗﻨﻲ ﺻﺮﺧﺔ )أروى( ﻓﻲ رﻋﺐ وﻗﺎﻟﺖ: اﻟﺴﯿﻞ!ﻧﻈﺮت ﻓﺈذا ﺑﻲ أرى ﺳﻔﺢ اﻟﺒﻄﺤﺎء ﻳﻨﮫﺎر وﻗﺪ ﻋﻼه ﻣﻮج ﻛﺎﻟﺠﺒﺎل ،ﻏﻤﺮ ﻓﻲ طﺮﻳﻘﻪ ﻛﻞ ﺷﻲء وﺳﺤﻖ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ ،ﺛﻢ ھﺒﻂ ﻧﺤﻮ اﻟﻮادي ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ﻣﺤﻤًﻼ ﺑﺎﻟﺼﺨﻮر وﺑﻘﺎﻳﺎ دور ﺻﺎرت أﺛًﺮا ﺑﻌﺪ ﻋﯿﻦ ،أﻟﻘﯿﺖ ﺳﺮج اﻟﺒﻐﻠﺔ وﺣﻤﻠﺖ )أروى( ووﺿﻌﺘﮫﺎ ﻓﻮق ظﮫﺮ اﻟﺒﻐﻠﺔ ﻣﻊ )إﺑﺮام( ،ﻟﻔﻔﺖ اﻟﻠﺠﺎم ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳﮫﺎ وﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ: ﺗﺸﺒﺜﻲ ﺟﯿًﺪا.ﺛﻢ ﺿﺮﺑﺖ ظﮫﺮ اﻟﺒﻐﻠﺔ ﺑﯿﺪي ﻓﻲ ﻗﻮة ﻓﺎﻧﻄﻠﻘﺖ ﺗﺼﻌﺪ اﻟﺠﺒﻞ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﻔﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻮت ،ﺻﺮﺧﺖ )أروى(: وأﻧﺖ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ وأﻧﺎ أﺻﺮخ: ﻟﻦ ﺗﺤﺘﻤﻠﻨﺎ اﻟﺒﻐﻠﺔ ﺟﻤﯿًﻌﺎ!ﻻ ﺗﻨﻈﺮي ﺧﻠﻔﻚ وﻻ ﺗﺘﻮﻗﻔﻲ إﻻ ﻓﻮق »اﻟﺤﺠﻮن«. وﻧﻈﺮت ﺧﻠﻔﻲ ﻓﻮﺟﺪت اﻟﺴﯿﻞ ﻳﻘﺘﺮب وﻗﺪ ﻓﺘﺤﺖ أﻣﻮاﺟﻪ ﻓﻜﯿﮫﺎ وأﺧﺬت ﺗﻠﺘﮫﻢ ﻓﻲ طﺮﻳﻘﮫﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﺘﺮﺿﮫﺎ ،دارت ﻓﻲ رأﺳﻲ ذﻛﺮﻳﺎت ﻋﺪة ﻣﺘﻼﺣﻘﺔ ،ﺗﺬﻛﺮت ﻳﻮم اﻧﺸﻖ اﻟﺒﺤﺮ ﺑﻌﺼﺎ )ﻣﻮﺳﻰ( ،ﺗﺬﻛﺮت أﻣﻲ وھﻲ ﺗﻌﺼﺐ ﻋﯿﻨﻲ ﻛﻲ ﻻ أراھﺎ ﺗﻐﺮق ،ﺗﺬﻛﺮت ﻗﺒﻌﺔ اﻟﻔﺎرس اﻟﻤﺼﺮي وھﻲ ﺗﻄﻔﻮ ﻓﻮق اﻟﻤﺎء ،ﺗﺬﻛﺮت )دﻋﺲ( وھﻮ ﻳﺤﺎول ﻗﺘﻠﻲ ،ﺗﺬﻛﺮت ﻛﻞ ﻣﺎ ﻣﱠﺮ ﺑﺤﯿﺎﺗﻲ ﻣﻦ ﻣﺨﺎطﺮ ،ﻓﻲ ذات اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ رأﻳﺖ ﻓﯿﮫﺎ اﻟﻤﺎء ﻳﺮﺗﻔﻊ ﻓﻮق رأﺳﻲ ﻛﻄﻮد ﻋﻈﯿﻢ ﻳﺼﻞ إﻟﻰ ﻋﻨﺎن اﻟﺴﻤﺎء.. ﺣﯿﻨﮫﺎ ﻗﻔﺰت ﻓﻮق اﻟﻌﺮﺑﺔ اﻟﺨﺸﺒﯿﺔ وأﻣﺴﻜﺖ ﺟﺎﻧﺒﯿﮫﺎ ﺑﯿﺪي وأﻧﺎ أﻏﻤﺾ ﻋﯿﻨﻲ ﺑﻘﻮة ،ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﻤﺎء ﻳﺮﺗﻄﻢ ﺑﻈﮫﺮي ورأﺳﻲ ﻓﻲ ﻗﻮة وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻔﻘﺪﻧﻲ وﻋﯿﻲ، ﻏﻤﺮ اﻟﻤﺎء أﻧﻔﻲ وأذﻧﻲ ،ﻓﺘﻮﻗﻒ اﻟﺰﻣﻦ واﻧﻘﻄﻊ ﺻﺨﺐ اﻟﺴﻤﺎء اﻟﻐﺎﺿﺒﺔ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ ،ﻣﻀﺖ ﻟﺤﻈﺎت ﻻ أدري ﻣﻘﺪارھﺎ وأﻧﺎ ﺗﺤﺖ اﻟﻤﺎء ،أﻏﻠﻘﺖ ﺻﺪري ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﺑﻪ ﻣﻦ ھﻮاء ﺣﺘﻰ ﻻ أﻓﻘﺪه ،ﻓﺠﺄة اھﺘﺰت اﻟﻌﺮﺑﺔ ،ﻓﺘﺸﺒﺜﺖ ﻳﺪي ﺑﺠﺎﻧﺒﯿﮫﺎ أﻛﺜﺮ ،وﻓﻲ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ ﺗﺤﺮﻛﺖ اﻟﻌﺮﺑﺔ وﺑﺪأت ﺗﻄﻔﻮ ،اﺳﺘﺴﻠﻤﺖ ﻟﺤﺮﻛﺘﮫﺎ وﺗﺠﻤﺪ ﺟﺴﺪي ﻓﻮﻗﮫﺎ ﺣﺘﻰ ﺻﺮت ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻨﮫﺎ ،أﻓﻠﺘﺖ زﻓﺮات ﻣﻦ اﻟﮫﻮاء ﻣﻦ ﻓﻤﻲ رﻏ ً ﻤﺎ ﻋﻨﻲ ،ﻓﻮﺟﺪت ﺻﺪري ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ اﻟﮫﻮاء روﻳًﺪا روﻳًﺪا ،ﺷﻌﺮت ﺑﺄﻧﻔﺎﺳﻲ ﺗﺰھﻖ وودت ﻟﻮ أﺷﮫﻖ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻛﻨﺖ أدرك أن اﻟﻤﻮت ﺣﯿﻨﮫﺎ ﺳﯿﻜﻮن ﺣﻠﯿﻔﻲ ،ﺷﻌﺮت ﺑﻘﺒﻀﺘﻲ ﺗﺮﺗﺨﻲ ﻓﻮق اﻟﻌﺮﺑﺔ ،وﻓﺘﺤﺖ ﻋﯿﻨﻲ رﻏ ً ﻤﺎ ﻋﻨﻲ.. ﻓﺠﺄة ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﺔ ﺗﺴﺮع ﻓﻲ طﻔﻮھﺎ ﺣﺘﻰ ﺧﺮﺟﺖ إﻟﻰ اﻟﺴﻄﺢ ،ﺳﻌﻠﺖ ﻓﻲ ﻗﻮة وأﻧﺎ أطﺮد اﻟﻤﺎء ﻣﻦ أﻧﻔﻲ وﻓﻤﻲ ،ﺷﻌﺮت ﺑﺒﺮودة ﺷﺪﻳﺪة ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﻤﺘﻨﺎ ﻷﻧﻨﻲ ﻣﺎ زﻟﺖ ﺣﯿﺎ ،طﻔﺖ ﺑﻲ اﻟﻌﺮﺑﺔ ﻣﻊ ﻣﺠﺮي اﻟﺴﯿﻞ إﻟﻰ أن ﺗﻮﻗﻔﺖ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﺿﺤﻞ ﻓﯿﻪ اﻟﻤﺎء ،ﻓﻘﻔﺰت ﻣﻦ ﻓﻮﻗﮫﺎ وﺻﻌﺪت ﺑﺠﮫﺪ ﺑﺎﻟﻎ إﻟﻰ رﺑﻮة آﻣﻨﺔ ،ﺛﻢ أﻟﻘﯿﺖ ظﮫﺮي إﻟﻰ اﻷرض وﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﺑﻲ اﻹﻋﯿﺎء ﻣﺒﻠﻐﻪ ..ﻧﻈﺮت ﺑﻌﯿﻦ زاﺋﻐﺔ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء اﻟﺘﻲ اﻧﻘﺸﻊ ﻏﻤﺎﻣﮫﺎ روﻳًﺪا ،وﻛﺄن ﺟﯿﻮﺷﮫﺎ ﺗﻨﺴﺤﺐ ﺑﻌﺪ أن أﻓﻨﺖ أﻋﺪاءھﺎ ،ﺛﻢ ﺻﺮﺧﺖ ﺑﺄﻋﻠﻰ ﺻﻮت ﻗﺒﻞ أن أﻓﻘﺪ وﻋﯿﻲ: )أروى(…!∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺘﻮن اﺳﺘﯿﻘﻈﺖ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن رطﺐ ﻳﻠﻌﻘﻨﻲ ،وأﻧﻒ ﺗﺘﺸﻤﻤﻨﻲ ،ﻓﺸﻌﺮت ﺑﻘﺸﻌﺮﻳﺮة ﻓﻲ ﺟﺴﺪي ،أﻋﺎدت إﻟﻰ ﻋﻘﻠﻲ وﻋﯿﻪ ﺳﺮﻳًﻌﺎ ،ﻓﺎﻧﻜﻤﺶ ﺟﺴﺪي ُذﻋًﺮا ودﻓﻌﺘﻪ ﺑﯿﺪي رﻏ ً ﻤﺎ ﻋﻨﻲ وﻗﺪ ظﻨﻨﺘﻪ ذﺋﺒًﺎ ﻣﻦ ذﺋﺎب اﻟﺼﺤﺮاء ،ﺣﯿﻦ اﻧﺘﺒﮫﺖ وﺟﺪﺗﻪ ﻛﻠﺒًﺎ، ﺟﻔﻞ ﻟﺤﺮﻛﺘﻲ اﻟﻤﻔﺎﺟﺌﺔ ،ﺛﻢ ﺟﺮى ﻣﺴﺮًﻋﺎ إﻟﻰ أﻋﻠﻰ اﻟﺮﺑﻮة ﻗﺒﻞ أن ﻳﻘﻒ ﻋﻠﯿﻪ وﻳﻨﺒﺢ وﻛﺄﻧﻪ ﻳﻨﺎدي ﺷﺨ ً ﺼﺎ ﻗﺎدم ﻣﻦ أﺳﻔﻞ اﻟﺘﻞ ،ﻣﺎ ھﻲ إﻻ ﻟﺤﻈﺎت ﺣﺘﻰ ظﮫﺮت اﻣﺮأة ﺗﻤﺘﻄﻲ أﺗﺎﻧًﺎ ھﺰﻳﻠﺔ ،ﺗﺮﺗﺪي اﻟﺴﻮاد وﺗﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﻳﺪھﺎ ﻏﺼﻦ زﻳﺘﻮن. أﺷﺎرت ﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﻜﻠﺐ ﻓﺴﺎر إﻟﻰ ﺟﻮارھﺎ ،ﺗﺬﻛﺮت )أروى( ،ﻓﻘﻤﺖ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻲ وأﻧﺎ أرﺗﻌﺶ ﻣﻦ ﻣﻼﺑﺴﻲ اﻟﺘﻲ ظﻠﺖ ﻣﺒﺘﻠﺔ ،رﻏﻢ أن اﻟﻨﮫﺎر ﻗﺪ اﻧﺒﻠﺞ وﻋﺎدت اﻟﺸﻤﺲ إﻟﻰ اﻟﺴﻄﻮع ،ﻧﻈﺮت ﺣﻮﻟﻲ ﻓﻮﺟﺪت آﺛﺎر ﻣﺠﺮى اﻟﺴﯿﻞ اﻟﺬي ﺷﻖ أﺧﺪوًدا طﻮﻳًﻼ ﻣﻦ اﻟﻮﺣﻞ ﺣﻮل اﻟﺮﺑﻮة اﻟﺘﻲ ﻧﻘﻒ ﻋﻠﯿﮫﺎ ،ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ: ﺖ اﻣﺮأة ﺗﺤﻤﻞ طﻔًﻼ وﺗﻤﺘﻄﻲ ﺑﻐﻠﺔ؟! ھﻞ رأﻳ ِﻟﻢ ﺗﺠﺎوﺑﻨﻲ ﺑﻞ ﻟﻜﺰت اﻷﺗﺎن ﺑﻜﻌﺒﯿﮫﺎ وﺗﻘﺪﻣﺖ ﻧﺤﻮي ،ھﺒﻄﺖ ﻣﻦ ﻓﻮق اﻷﺗﺎن واﻗﺘﺮﺑﺖ ﻣﺘﻜﺄة ﻋﻠﻰ ﻏﺼﻦ اﻟﺰﻳﺘﻮن ،ذﻛﺮﺗﻨﻲ أﺧﺎدﻳﺪ وﺟﮫﮫﺎ ﺑﻮﺟﻪ رأﻳﺘﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،أﺧﻔﻲ اﻟﻈﻼم ﺗﻔﺎﺻﯿﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ﻓﺒﺪا أﺑﺸﻊ ھﺬه اﻟﻤﺮة ﻓﻲ ﺿﻮء اﻟﻨﮫﺎر ،ﺣﯿﻦ اﻗﺘﺮﺑﺖ وﻓﺘﺤﺖ ﻓﻤﮫﺎ اﻟﻤﻈﻠﻢ اﻟﺨﺎﻟﻲ ﻣﻦ اﻷﺳﻨﺎن ﺗﺬﻛﺮت اﺳﻤﮫﺎ، ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ: ﺖ )أم إﻳﺎس( اﻟﻌﺮاﻓﺔ؟! أﻧ ِﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﺘﻤﻌﻦ ﻓﻲ وﺟﮫﻲ: ﺗﻌﺮﻓﻨﻲ؟!ﻟﻢ أﺟﺒﮫﺎ ،ﺑﻞ ﻗﻠﺖ: ﻛﯿﻒ أﺗﯿﺖ إﻟﻰ ھﻨﺎ؟!ﻗﺎﻟﺖ: ﺳﻤﻌﺖ اﻟﻨﺪاء!ﻗﻠﺖ: أي ﻧﺪاء؟!ﻗﺎﻟﺖ: -ﻧﺪاء اﻟﺴﯿﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ! ﻗﻠﺖ: ﻟﻦ ﻳﺴﻮد!اﻟﺴﻤﺎء ﻗﺪ ﻏﻀﺒﺖ ﻋﻠﯿﻪ وظﻨﻲ أﻧﮫﺎ ﻗﺘﻠﺘﻪ! ﻗﺎﻟﺖ: اﻟﺴﻤﺎء ﻏﻀﺒﺖ ﻋﻠﻰ أھﻞ »ﺑﻜﺔ«!وأﺧﺬت ودﻳﻌﺘﮫﺎ! ﻗﻠﺖ: أي ودﻳﻌﺔ؟ﻗﺎﻟﺖ: اﻟﺒﯿﺖ!ﻗﻠﺖ: ﻣﺎذا ﺗﻘﻮﻟﯿﻦ؟!ﻗﺎﻟﺖ: اﻧﮫﺪم اﻟﺒﯿﺖ ﻓﻲ اﻟﺴﯿﻞ!ﻗﻠﺖ: ﺑﯿﺖ اﻟﺮب؟!ﻗﺎﻟﺖ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺳﻤﻌﺘﻨﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ: اﻟﺮب ﻻ ﻳﺴﻜﻦ اﻟﺒﯿﻮت!ﻗﻠﺖ: ﻛﻨﺖ ﺗﻌﻠﻤﯿﻦ؟!ﻗﺎﻟﺖ: أﺧﺒﺮﺗﻚ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ!ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ: أﻳﻦ زوﺟﺘﻲ؟!ﻗﺎﻟﺖ ﺳﺎﺧﺮة: أﻧﺎ ﻻ أرﺟﻢ ﺑﺎﻟﻐﯿﺐ!ﻗﻠﺖ: أﻋﻄﯿﻚ ذھﺒًﺎ ﺣﯿﻦ أﻋﻮد إﻟﻰ ﺑﯿﺘﻲ!ﻗﺎﻟﺖ ﺳﺎﺧﺮة: ﺻْﺮ َ ت ﺗﻤﻠﻚ اﻟﺬھﺐ واﻟﻔﻀﺔ إذن! ِﻗﻠﺖ: أﻳﻦ زوﺟﺘﻲ؟اﺳﺘﺪارت وأﺷﺎرت ﺑﻐﺼﻦ اﻟﺰﻳﺘﻮن إﻟﻰ ﺻﺨﺮة ﻋﻠﻰ ﺗﻞ ﺑﻌﯿﺪ ،ﺗﻌﺠﺒﺖ ﻣﻦ أن ﺑﺼﺮھﺎ ﻳﺤﺪوھﺎ ،وﻗﺎﻟﺖ: ﺗﺨﺘﺒﺊ أﺳﻔﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺨﺮة ﻣﻊ وﻟﯿﺪھﺎ وﺑﻐﻠﺘﮫﺎ!ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﻌﻮد إﻟﻰ أﺗﺎﻧﮫﺎ: ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻲ ﺑﻤﺎﻟﻚ أﻳﮫﺎ اﻟﻄﺎﺋﺮ اﻟﻐﺮﻳﺐ!ﺧﺬ وﻟﯿﻔﺘﻚ وارﺣﻞ إﻟﻰ أرﺿﻚ ،واﺳﺘﻤﻊ إﻟﻰ )أم إﻳﺎس( ،ﻓﻼ ﺧﯿﺮ ﻓﻲ أرض ﺳﻜﻨﺘﮫﺎ )طﺮﻳﻔﺔ( اﻟﻌﺮاﻓﺔ! ∞∞∞∞∞ أﻓﺮخ اﻟﺤﺰن ﺗﻌﺎﺳﺔ ،وأﻧﺠﺒﺖ اﻟﺨﻄﻮب ﺣﺴﺮة ﻟﻢ ﻧَﺮ ﻣﺜﻠﮫﺎ ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« طﯿﻠﺔ اﻷﻋﻮام اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ. ﻟﻢ ﺗﻌﺪ اﻷرض ﻣﺜﻞ اﻷرض ،وﻻ اﻟﻨﻔﻮس ﻛﺴﺎﺑﻘﺘﮫﺎ؛ ﺗﮫﺪﻣﺖ اﻟﺒﯿﻮت واﻷﺳﻮاق، وﺗﺸﺮدت أﺣﯿﺎء ﻛﺎﻣﻠﺔ ،وﻣﺎت ﺧﻠﻖ ﻛﺜﯿﺮ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻛﺎن ﺳﻘﻮط اﻟﺒﯿﺖ ھﻮ اﻟﻤﺼﯿﺒﺔ اﻷﻛﺒﺮ اﻟﺘﻲ ﻓﺎﻗﺖ ﻛﻞ اﻟﺨﻄﻮب ﻣﺠﺘﻤﻌﺔ. أﻓﺎق اﻟﻨﺎس ﺑﻌﺪ اﻟﺴﯿﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﮫﺪم ﺟﺪران اﻟﺒﯿﺖ واﺧﺘﻔﺎء اﻟﺤﺠﺮ اﻷﺳﻮد ،ﺑﺤﺜﻮا ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن وﻟﻜﻨﮫﻢ ﻟﻢ ﻳﺠﺪوه! ظﻨﻮا أن اﻟﺴﯿﻞ ﻗﺪ ﺟﺮﻓﻪ إﻟﻰ ﻣﻜﺎن ﻣﺠﮫﻮل ،وادﻋﻰ ﺑﻌﻀﮫﻢ أن ﺻﺎﻋﻘﺔ رﻓﻌﺘﻪ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء ،وﺗﺮددت ﻋﻠﻰ اﻷﻟﺴﻨﺔ أﺣﺎدﻳﺚ ﻋﻦ اﻟﻠﻌﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﻠﺖ ﻋﻠﻰ »ﺑﻜﺔ« ﺑﺼﻨﻢ )اﺑﻦ ﻟﺤﻲ(. وﻟﻢ ﺗﻔﻠﺢ وﻋﻮد )اﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ﺑﺈﻋﺎدة ﺑﻨﺎء اﻟﺒﯿﺖ ﻓﻲ اﻟﺤﺪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﺣﺎدﻳﺚ! ﻓﻤﺎ ﻗﯿﻤﺔ اﻟﺒﯿﺖ ﺑﻐﯿﺮ اﻟﺤﺠﺮ اﻷﺳﻮد! أﻳﻘﻦ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ( أن اﻟﺮﺣﯿﻞ ﻗﺪ آ َ ن أواُﻧﻪ ،ﻗﺎل ﻟﻪ )ﻟﯿﺚ(: ھﯿﺎ ﺑﻨﺎ ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو( ،ﻓﻠﻦ ﺗﻜﻮن ﺗﻠﻚ آﺧﺮ اﻟﺨﻄﻮب!ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو( آﺳًﻔﺎ: ﻟﻮ أﺧﺒﺮﻧﻲ أﺣﺪھﻢ وﻧﺤﻦ ﻓﻲ »إدوم« أن »ﺟﺮھﻢ« ﺳﺘﻄﺮد ،وأن »زﻣﺰم«ﺳﺘﻄﻤﺮ ،وأن اﻟﺒﯿﺖ ﺳﯿﮫﺪم ،وأن اﻟﺤﺠﺮ ﺳﯿﻔﻘﺪ ،ﻟﺤﻜﻤﺖ ﻋﻠﯿﻪ ﺑﺎﻟﺠﻨﻮن! ﻗﺎل )ﻟﯿﺚ( ﺣﺰﻳًﻨﺎ: وﻟﻮ أﺧﺒﺮﻧﻲ أﺣﺪھﻢ ﺣﯿﻨﮫﺎ أﻧﻲ ﺳﺄﻓﻘﺪ أﺑﻲ وﺟﺪي ،ﻣﺎ ﺗﺮﻛﺘﮫﺎ!ﻗﻠﺖ ﺑﺎﺳ ً ﻤﺎ: وﻟﻮ أﺧﺒﺮﻧﻲ أﺣﺪھﻢ أﻧﻨﻲ ﺳﺄواﺟﻪ اﻟﺴﯿﻞ ﻣﺮﺗﯿﻦ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ﻟﺘﻌﻠﻤﺖاﻟﺴﺒﺎﺣﺔ ﺻﻐﯿًﺮا! ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر( ﺑﺎﺳ ً ﻤﺎ: وﻟﻮ أﺧﺒﺮﻧﻲ أﺣﺪھﻢ أﻧﻨﻲ ﺳﺄﺗﺮك ﺗﺠﺎرﺗﻲ وأﺗﺒﻌﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ﻷزھﻘﺖ روﺣﻪ.ﺧﻔﻔﺖ ﻣﺰﺣﺘﻪ ﻣﻦ وطﺄة اﻟﮫﻢ ،ﻓﺘﻨﮫﺪ )ﻋﻤﺮو( وﻗﺎل: أﺗﺪرون ﻣﺎ ھﻲ أﻛﺜﺮ اﻟﻨَِّﻌﻢ اﻟﺘﻲ أﺣﻤﺪ ﷲ ﻋﻠﯿﮫﺎ؟!وﻗﺒﻞ أن ﻧﺠﯿﺐ ،أردف ﻗﺎﺋًﻼ: أن ﷲ ﻗﺪ ﺟﻤﻌﻨﺎ ﺳﻮﻳﺎ ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﯿﺎة ﻟﺘﺤﻠﻮ ﺑﺪوﻧﻜﻢ!ﻗﻠﺖ ﻟﻪ ﻣﺴﺘﻔﺴًﺮا: أﻟﺪﻳﻚ أﺧﺒﺎر ﻋﻦ اﻟﺸﯿﺦ )دوﻣﺔ(؟!ﺗﻨﮫﺪ ﻓﻲ ﺣﺰن ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻧﻌﻢ!ﻻ ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺮﺣﯿﻞ! ﻳﻘﻮل إﻧﻪ ﻻ ﻳﻘﻮى ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻔﺮ واﻟﺘﺮﺣﺎل! ﺷﻌﺮت ﺑﺤﺰﻧﻪ ،ﻓﺎﻟﺘﺰﻣﺖ اﻟﺼﻤﺖ وﻟﻜﻨﻪ أردف ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺘﮫﻜﻢ: ﻣﺎ دام أﺑﻲ ﻓﻲ رﻓﻘﺔ أﺧﻮاﻟﻲ ﻣﻦ »ﺟﺮھﻢ« ،ﻓﻼ ﺷﻲء ﻳﻨﻘﺼﻪ!ﺛﻢ ﻗﺎل لـ)ﻟﯿﺚ(: ُﻣِﺮ اﻟ ِﺮّﺟﺎل ﻳﺎ )ﻟﯿﺚ( ﺑﺄن ﻳﻌﱡﺪوا اﻟُﻌﱠﺪة ﻟﻠﺮﺣﯿﻞ.ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﺼﺮف )ﻟﯿﺚ( ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: ھﻞ ﻟﻲ ﻓﻲ طﻠﺐ ﻳﺎ )ﻟﯿﺚ(؟!ﻗﺎل: ُﻣْﺮﻧِﻲ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(.ﻗﻠﺖ: ھﻨﺎك ﺷﻲء ﻳﺨﺼﻨﻲ ﻓﻲ ﻣﻨﺰل اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(!ﻗﺎل ﻣﺴﺘﻔﺴًﺮا: ﻣﺎ ھﻮ؟ﻗﻠﺖ: ﺻﻨﺪوق اﻟﻌﺮوس!ﻓﺒﻪ أوراﻗﻲ اﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﺘﮫﺎ طﯿﻠﺔ اﻟﺴﻨﻮات اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ. ﺿﺤﻚ )ﺷﮫﺒﻮر( وﻗﺎل: أﻣﺎ زﻟﺖ ﺗﻜﺘﺐ ﺗﻠﻚ اﻷوراق ﺣﺘﻰ اﻵن!ﻗﻠﺖ: ﻟﻢ أﻛﺘﺐ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« ،ﻛﻤﺎ أﻧﻨﻲ ﻗﺪ ﻓﻘﺪ ُت ﺑﻌﺾ اﻟﻠﻔﺎﺋﻒ ﺣﯿﻦ أطﺎح اﻟﺴﯿﻞ ﺑﺪاري ،وﻟﻜﻨﻲ أﺣﻤﺪ اﻟﺮب أن ﺣﻔﻈﺖ ﺑﺎﻗﻲ اﻷوراق ﻓﻲ ﺻﻨﺪوق اﻟﻌﺮوس ﻓﻲ دار اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ(! ﻗﺎل )ﻟﯿﺚ( ﺿﺎﺣ ً ﻜﺎ: ﻟﻦ أﻋﻄﯿﻚ اﻟﺼﻨﺪوق ﺣﺘﻰ أﻗﺮأ ﻣﺎ ﻛﺘﺒﺘﻪ ﻋﻨﻲ!ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر(: ﻟﻦ ﺗﻔﮫﻤﮫﺎ!ﻓﻘﺪ ﻛﺘﺒﮫﺎ ذﻟﻚ اﻟﻤﺎﻛﺮ ﺑﻠﻐﺘﻪ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻄﱠﻠﻊ ﻋﻠﯿﮫﺎ أﺣﺪ. ﺿﺤﻜﻨﺎ واﻧﺼﺮف )ﻟﯿﺚ( ،وﺑﻌﺪ أن ﺧﺮج ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو(: أﺗﺪري ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( أﻧﻲ أﺗﻌﺠﺐ ﻷﻣﺮك ،ﻓﺄﻣﻚ ﻣﺼﺮﻳﺔ وأﺑﻮك ﻋﺒﺮاﻧﻲ وزوﺟﺘﻚﻋﺮﺑﯿﺔ ،أﺗﺪري أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺠﻤﻊ أﺣﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﺼﺎل ﺳﻮى أﺑﯿﻨﺎ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ(! ﺗﻌﺠﺒﺖ ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺣﻈﺔ ﻓﻘﻠﺖ: -أﺣﻤﺪ اﻟﺮب أن ﻣﻨﺤﻨﻲ ﺧﺼﻠﺔ ﻣﻦ ﺧﺼﺎﻟﻪ! ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر( ﺟﺎدا: وﻟﻜﻦ ﻷي ﺷﻌﺐ ﻳﻤﯿﻞ ﻗﻠﺒﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(؟ﻟﻢ ﻳﺴﺄﻟﻨﻲ أﺣﺪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ اﻟﺴﺆال وﻣﺎ ﺗﻔﻜﺮت ﺑﻪ ،ﻓﻘﻠﺖ ﺑﻌﺪ ﺗﻔﻜﯿﺮ: ﻳﻤﯿﻞ ﻗﻠﺒﻲ إﻟﯿﮫﻢ ﺟﻤﯿًﻌﺎ!وﻳﺴﻌﮫﻢ ﺟﻨﺒًﺎ إﻟﻰ ﺟﻨﺒًﺎ! ﺛﻢ أردﻓﺖ ﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ﻣﻦ اﻟﺼﻤﺖ: أﺗﺪري ﻳﺎ )ﺷﮫﺒﻮر( أن أﺑﻲ ﻗﺪ ﻣﺎت وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﻌﻠًﻘﺎ ﺑﺸﻲء ﺳﻮى اﻷرضاﻟﻤﻘﺪﺳﺔ؟ أﺷﻌﺮ أﺣﯿﺎﻧًﺎ أﻧﻪ ﻗﺪ ﻗﺴﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺣﯿﻦ ﻋﻠﱠﻖ ﻛﻞ ﺑﮫﺠﺔ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻘﯿﻖ ذﻟﻚ اﻟﺤﻠﻢ ﻓﻤﺎت وﻟﻢ ﻳﮫﻨﺄ ﺑﺸﻲء ،أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﺄﺷﻌﺮ أﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﺳﻌﺪ ﺣﺎًﻻ ﻣﻨﻪ رﻏﻢ ﻣﺎ ﻣﱠﺮ ﺑﻲ ﻣﻦ ِﻣ َ ﺤﻦ ،ﻣﻨﺤﺘﻨﻲ اﻟﺤﯿﺎة ﻓﺮﺻﺔ ﻛﻲ أﻗﺘﺮب وأﻋﺮف، ﻓﻌﻠﻤﺖ أن اﻷرض ﺗﺘﻘﺪس ﺣﯿﻦ ﺗﺴﻮد ﻓﯿﮫﺎ ﻋﺪاﻟﺔ اﻟﺴﻤﺎء ،ﻓﺈذا ﻋ ﱠ ﻢ ﻓﯿﮫﺎ اﻟﻈﻠﻢ واﻟﺠﻮر ﻓﮫﻲ أرض ﻣﻠﻌﻮﻧﺔ وﻟﻦ ﻳﺸﻔﻊ ﻟﮫﺎ ﺑﯿﺖ وﻻ ﺣﺠﺮ ،وﻋﻠﻤﺖ أن اﻹﻧﺴﺎن ﺴﱡﺮه أن ُﺗﻌ ﱠ ھﻮ أﺳﻤﻰ ﻣﺎ ﻋﻠﻰ اﻷرض وأن اﻟﺮب ﻳَ ُ ﻤﺮ اﻟﻘﻠﻮب ﺑﺎﻹﻳﻤﺎن ﻋﻠﻰ أن ُﺗﻌ ﱠ ﻤﺮ ﺑﯿﻮﺗﻪ ﺑﻘﻠﻮب ﺧﺎوﻳﺔ. أدرﻛﺖ أن اﻟﻮطﻦ ھﻮ أرض ﺗﺸﻌﺮ ﻓﯿﮫﺎ ﺑﺎﻟﻄﻤﺄﻧﯿﻨﺔ ،وأن اﻷھﻞ ھﻢ ﺻﺤﺒﺔ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﯿﻨﮫﻢ ﺑﺎلـأﻣﺎن! ﺻ ِّ ﺪﻗﻨﻲ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﺷﮫﺒﻮر( إن ﻗﻠﺖ ﻟﻚ: إن ﻗﻠﺒﻲ ﻣﻌﻠﻖ ﺑﻤﺼﺮ اﻟﺘﻲ ﺣﻜﺖ ﻟﻲ أﻣﻲ ﻋﻨﮫﺎ ،وﺑﺮﻳﺔ »ﺳﯿﻦ« اﻟﺘﻲ ﻋﺸﺖ ﻓﯿﮫﺎ ﻣﻊ أﺑﻲ ،و»إدوم« اﻟﺘﻲ رأﻳﺖ ﻓﯿﮫﺎ اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ،واﻟﺤﺠﺮ اﻟﺘﻲ اﻗﺘﺮﺑﺖ ﻓﯿﮫﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،و»ﻳﺜﺮب« اﻟﺘﻲ ﺟﻤﻌﺘﻨﻲ بـ)أروى( ،و»ﺑﻜﺔ« اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﺖ ﻓﯿﮫﺎ ﷲ ،ﺗﻌﻠﻖ ﻗﻠﺒﻲ ﺑﻜﻞ ھﺬه اﻷﻣﺎﻛﻦ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻜﻮن ُﻣﻌﻠﱠًﻘﺎ ﺑﺎﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ. وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻣﺴﺖ ﻛﻠﻤﺎﺗﻲ ﺷﻐﺎف ﻗﻠﺐ )ﺷﮫﺒﻮر( ،ﻓﺘﻨﮫﺪ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﺑﺎرك ﷲ ﻓﯿﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ورزﻗﻚ اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ.∞∞∞∞∞ ﺑﻌﺪ ﻋﺪة إﻳﺎم ﻛﺎﻧﺖ ﻋﯿﺮ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( ﺗﺴﺘﻌﺪ ﻟﻠﺮﺣﯿﻞ ،اﻧﻀﻤﺖ إﻟﯿﮫﺎ اﻟﻨﻮق اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﻋﻰ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺐ ،ﻓﺎﻣﺘﻸت اﻟﺴﺎﺣﺔ ﺑﯿﻦ ﺗﻞ »أﺟﯿﺎد« وﺟﺒﻞ »أﺑﻲ ﻗﺒﯿﺲ« ،ﺑﻘﺎﻓﻠﺔ ﺿﺨﻤﺔ ﻟﻢ ﻳﻤﺘﻠﻚ بـ)ﺑﻨﻮ ﻳﻄﻮر( ﻣﺜﻠﮫﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،أدرك )ﻋﻤﺮو( أن ﺷﻤﺲ »ﺑﻜﺔ« ﻗﺪ ﻏﺎﺑﺖ ،وأن اﻟﺮﺣﯿﻞ ﻗﺪ أﺻﺒﺢ ﺣﺘﻤﯿﺎ ،وﻟﻜﻦ ھﺬا ﻟﻢ ﻳﻤﻨﻌﻪ ﻣﻦ أن ﻳﻘﺪم ﻳﺪ اﻟﻌﻮن إﻟﻰ أھﻞ ﺑﻠﺪﺗﻪ ﻓﻲ أﻳﺎﻣﻪ اﻷﺧﯿﺮة ﺑﮫﺎ ،ﻓﺘﺼﱠﺪق ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘﺮاء اﻟﺬﻳﻦ أﺻﺎﺑﮫﻢ اﻟﺴﯿﻞ ﻣﻦ أھﻞ »ﺑﻜﺔ« ﺑﻌﺸﺮات اﻟﻨﻮق ،وأھﺪى أﺑﻨﺎء ﻋﻤﻮﻣﺘﻪ ﻣﻦ )ﺑﻨﻲ ﻗﯿﺪار( ﻣﺜﻠﮫﺎ وﻋﺎوﻧﮫﻢ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء دورھﻢ اﻟﺘﻲ ﺣﻄﻤﮫﺎ اﻟﺴﯿﻞ، اﻟﺸﻲء اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﺸﺎرك ﺑﻪ )ﻋﻤﺮو( ،وﻟﻢ ﻳﻨﻔﻖ ﻓﯿﻪ درھ ً ﻤﺎ ھﻮ إﻋﺎدة ﺑﻨﺎء اﻟﺒﯿﺖ ،ﻛﺎن ﻳﺆﻣﻦ أن ھﺬا اﻟﺒﯿﺖ ﻟﯿﺲ ﺑﯿﺖ أﺑﻮﻳﻪ )إﺑﺮام( و)إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﺣﺘﻰ وإن أﻗﯿﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺲ اﻟﻘﻮاﻋﺪ ،ﻓﺮح ﺣﯿﻦ وﺟﺪ اﻟﻨﺎس اﻟﺤﺠﺮ اﻷﺳﻮد ﻓﻲ ﺑﯿﺖ اﻣﺮأة ﻣﻦ »ﺧﺰاﻋﺔ« ،ﺣﻤﻞ اﻟﺴﯿﻞ اﻟﺤﺠﺮ إﻟﻰ دارھﺎ ،ﻟﻜﻦ اﻟﺤﺠﺮ ﻻ ﻗﯿﻤﺔ ﻟﻪ إن زﻳﱠﻦ ﺟﺪراﻧًﺎ ﻟﻄﺨﮫﺎ اﻟﺸﺮك ،وﻳﻜﻔﯿﮫﺎ إﺛ ً ﻤﺎ أن ﺑﻨﺎھﺎ رﺟﺎل ﻣﻦ »ﺧﺰاﻋﺔ« وھﻢ ﻳﺮددون ﻧﺪاءھﻢ اﻟﻤﻤﻘﻮت. وﻗﺒﯿﻞ رﺣﯿﻠﻨﺎ ﺑﯿﻮﻣﯿﻦ ،اﺳﺘﯿﻘﻆ أھﻞ »ﺑﻜﺔ« ﻋﻠﻰ ﻧﺒﺄ ارﺗﺠﺖ ﻟﻪ ﻗﻠﻮب »ﺧﺰاﻋﺔ« واطﻤﺄﻧﺖ ﻟﻪ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻣﺎﺗﺖ )طﺮﻳﻔﺔ( اﻟﻌﺮاﻓﺔ ﻓﻲ ﻓﺮاﺷﮫﺎ! ﻣﺎﺗﺖ دون أن ﻳﺘﺮﺑﺺ ﺑﮫﺎ أﺣﺪ ودون أن ﻳﺪﻓﻊ رﺋﯿﺴﮫﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻦ ﻋﻨﮫﺎ ﻣﻠﻚ اﻟﻤﻮت! ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺴﺎطﺔ ﻣﻮﺗﮫﺎ ﻋﺒﺮة ﻟﻤﻦ ﻛﺎن ﻳﺮھﺒﮫﺎ! وﻟﻢ ﻳﻔﺠﻊ ﻟﻤﻮﺗﮫﺎ أﺣﺪ ﺳﻮى )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ( ،وﺣﯿﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﯿﻔﺘﮫﺎ ﻣﺤﻤﻮﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻐﻠﺔ ﺗﺼﻌﺪ ﺑﮫﺎ ﻧﺤﻮ ﻗﺒﻮر )اﻟﻤﻌﻼة( ،رأﻳﺖ ﻋﻠﻰ طﺮف اﻵﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﻮادي اﻣﺮأة ﻋﺠﻮًزا ﺗﻤﺘﻄﻲ أﺗﺎﻧًﺎ وﻳﮫﺮول ﺧﻠﻔﮫﺎ ﻛﻠﺐ ،ﺗﯿﻤﻢ ﺷﻄﺮ اﻟﺸﻤﺎل ،ﻓﺄدرﻛﺖ أﻧﮫﺎ )أم إﻳﺎس( اﻟﺘﻲ أﺗﺖ إﻟﻰ »ﺑﻜﺔ« ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺳﻤﻌﺖ اﻟﻨﺪاء اﻟﺠﺪﻳﺪ ،ﺛﻢ رﺣﻠﺖ ﻋﻨﮫﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﻗﻀﺖ ﻏﺎﻳﺘﮫﺎ ﺑﻄﺮﻳﻘﺘﮫﺎ! وﻟﻌﻞ ﻣﻮت )طﺮﻳﻔﺔ( ﻛﺎن اﻟﻐﺎﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﺎءت ﻣﻦ أﺟﻠﮫﺎ! وﻓﻲ ﻟﯿﻠﺘﻨﺎ اﻷﺧﯿﺮة ﻛﺎﻧﺖ )أروى( إﻟﻰ ﺟﻮاري ﻓﻲ اﻟﻔﺮاش ﻓﻲ ﺣﺠﺮﺗﮫﺎ ﺑﻤﻨﺰل اﻟﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ،ﻧﻈﺮت إﻟﻰ اﻟﺴﻘﻒ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ: ﻟﻢ ﺗﺠﻤﻌﻨﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺠﺮة ﺳﻮﻳﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ.ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أﻋﻘﺪ ﻳﺪي ﺧﻠﻒ رأﺳﻲ: ﺑ ﱡﺖ ﻓﯿﮫﺎ أول ﻟﯿﻠﺔ ﻟﻲ ﻓﻲ »ﺑﻜﺔ« ،وھﺎ أﻧﺬا أﺑﯿﺖ ﻓﯿﮫﺎ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻷﺧﯿﺮة ﻗﺒﻞ ِ رﺣﯿﻠﻲ! ﻣﺎﻟﺖ ﺑﺮأﺳﮫﺎ إﻟ ﱠ ﻲ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ: ﺳﺄﻓﺘﻘﺪ »ﺑﻜﺔ« ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﻗﺒﱠﻠﺖ ﺷﻌﺮھﺎ وﻗﻠﺖ: وأﻧﺎ أﻳ ًﻀﺎ ﺳﺄﻓﺘﻘﺪھﺎ ،رزﻗﻨﻲ اﻟﺮب ﻓﯿﮫﺎ ﺑﺎﻟﻤﺎل واﻟﺰوﺟﺔ واﻟﻮﻟﺪ! اﺑﺘﺴﻤﺖ ﻗﺎﺋﻠﺔ: وﻟﻮﻻ ﺗﻌﺠﻠﻚ اﻟﺮﺣﯿﻞ ﻟﺮزﻗﻚ اﻟﺮب ﻓﯿﮫﺎ ﺑﻮﻟﺪ آﺧﺮ!اﻧﺘﻔﻀﺖ ﺟﺎﻟ ً ﺴﺎ ،وﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺳﻌﺎدة: ﺣﻘﺎ؟ھﻞ أﻧﺖ ُ ﺣﺒﻠﻰ؟ ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺧﺠﻞ: ﻧﻌﻢ ،و)ھﻮى( أﻳ ًﻀﺎ ُ ﺣﺒﻠﻰ! ﺿﺤﻜﺖ ﻗﺎﺋًﻼ: وﻛﯿﻒ ﻋﺮﻓﺘﻤﺎ؟ﻗﺎﻟﺖ: اﻧﻘﻄﻊ ﻋﻨﺎ اﻟﻄﻤﺚ ﺷﮫﺮﻳﻦ ﻣﺘﺘﺎﺑﻌﯿﻦ ،ورأت )أم اﻟﺴﻌﺪ( ،ﻋﻼﻣﺔ اﻟﺤﻤﻞ ﻋﻠﯿﻨﺎ!ﻗﻠﺖ ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: أي ﻋﻼﻣﺔ؟!ﻗﺮﺻﺘﻨﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﻔﻲ ﻗﺎﺋﻠﺔ: ﻻ ﺷﺄن ﻟﻚ ﺑﺄﻣﻮر اﻟﻨﺴﺎء ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ: أﺗﺪري أن )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﻗﺪ أﺧﺒﺮﺗﻨﻲ أﻧﻨﻲ ﺳﺄﻟﺪ ذﻛًﺮا وأن )ھﻮى( ﺳﺘﻠﺪ أﻧﺜﻰ؟اﻧﻔﺠﺮت ﺿﺎﺣ ً ﻜﺎ وﻗﻠﺖ: ﻻ ﺗﻜﻒ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﻋﻦ إﻓﺴﺎد ﻓﺮﺣﺔ )ھﻮى( ﺑﺄي طﺮﻳﻘﺔ ﻛﺎﻧﺖ ،ﺛﻢ ﺳﺄﻟﺘﮫﺎ: وﻛﯿﻒ ﻋﺮﻓﺖ )أم اﻟﺴﻌﺪ(؟ھﻞ ﺳﺄﻟﺖ )طﺮﻳﻔﺔ( اﻟﻌﺮاﻓﺔ ﻗﺒﻞ ﻣﻮﺗﮫﺎ؟ ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺟﺪﻳﺔ: ﻛﻼ!ﻟﻘﺪ ﻣﯿﺰت ﺑﯿﻨﻨﺎ ﺑﺎﻟﺤﻨﻄﺔ واﻟﺸﻌﯿﺮ. رﻓﻌﺖ ﺣﺎﺟﺒﻲ دھﺸﺔ ،وﻟﻜﻨﮫﺎ ﺗﺎﺑﻌﺖ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﺠﺪﻳﺔ ﺑﺪون أن ﺗﺄﺑﻪ ﻟﺪھﺸﺘﻲ: أﻣﺮﺗﻨﺎ أن ﻧﺘﺒﻮل ﻋﻠﻰ ﻛﯿﺴﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﺤﻨﻄﺔ واﻟﺸﻌﯿﺮ ،ﻓﻨﺒﺘﺖ اﻟﺤﻨﻄﺔ ﻣﻊ ﺑﻮﻟﻲ،وﻧﺒﺖ اﻟﺸﻌﯿﺮ ﻣﻊ ﺑﻮل )ھﻮى(. ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﻐﺜﯿﺎن وﻗﻠﺖ: ﻳﺎﻟﺨﺴﺎرة اﻟﺤﻨﻄﺔ واﻟﺸﻌﯿﺮ!أﻣﺎ ﻛﺎن أطﮫﺮ ﻟﮫﺎ أن ﺗﺄﺗﻲ )طﺮﻳﻔﺔ( اﻟﻌﺮاﻓﺔ؟ ﻗﺎﻟﺖ ﻻﺋﻤﺔ: ﻟﻘﺪ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻲ إﻧﮫﺎ طﺮﻳﻘﺔ ﻣﺠﺮﺑﺔ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( وأن ﺟﺎرﻳﺔ ﻛﻮﺷﯿﺔ ﻗﺪ ﻋﻠﻤﺘﮫﺎﺗﻠﻚ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﻨﺬ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻋﺎًﻣﺎ! ﻗﻠﺖ: وﻣﺎذا ﻟﻮ ﻧﺒﺘﺖ اﻟﺤﻨﻄﺔ واﻟﺸﻌﯿﺮ ﺳﻮﻳﺎ؟!ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺘﻔﻜﺮة: أظﻦ أن اﻟﻤﺮأة ﺣﯿﻨﮫﺎ ﺗﻜﻦ ﺣﺒﻠﻲ ﻓﻲ طﻔﻠﯿﻦ ،ذﻛﺮ وأﻧﺜﻰ!ﻗﻠﺖ ﺳﺎﺧًﺮا: وإن ﻟﻢ ﻳﻨﺒﺖ أي ﻣﻨﮫﻤﺎ ﺗﻜﻦ ﺣﺒﻠﻰ ﻓﻲ ﻗﺮد!أﻟﯿﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟! ﺗﺼﻨﻌﺖ اﻟﻐﻀﺐ وأوﻟﺘﻨﻲ ظﮫﺮھﺎ وھﻲ ﺗﻘﻮل: أﻧﺖ ﺗﺴﺨﺮ ﻣﻨﻲ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(.أﺣﻄﺖ ﺧﺼﺮھﺎ ﺑﺬراﻋﻲ وأﻧﺎ أﻗﻮل: ﻚ ،وﻟﻜﻨﻲ أرﻓﻊ ﻋﻨﻚ ﻋﺐء اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ! أﻧﺎ ﻻ أﺳﺨﺮ ﻣﻨ ِاﺳﺘﺪارت ﻗﺎﺋﻠﺔ: أرﻳﺪ أن ُأ ْﺳﻌﺪ ﻗﻠﺒﻚ ﺑﺈﻧﺠﺎب ذﻛﺮ آﺧﺮ! ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أﻣﺴﻚ ذﻗﻨﮫﺎ ﺑﺄﻧﺎﻣﻠﻲ: ﻻ ﻳﺤﺰﻧﻨﻲ إن أﻧﺠﺒﺖ ﻟﻲ ﻓﺘﺎة ﻓﺎﺗﻨﺔ ﻣﺜﻠﻚ.ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ دﻻل: ﻟﻦ أﻧﺠﺐ ﻟﻚ ﻓﺘﺎة ﺗﺸﺎرﻛﻨﻲ ﺗﺪﻟﯿﻠﻚ!اﻗﺘﺮﺑﺖ ﺑﺸﻔﺘﻲ ﻣﻦ أذﻧﮫﺎ ﺛﻢ ھﻤﺴﺖ ﻓﻲ ِرﱠﻗﺔ: -ﻟﻦ ﺗﺸﺎرﻛﻚ ﻓﺘﺎة ﻗﻠﺒﻲ ﺣﺘﻰ وإن ﻛﺎﻧﺖ اﺑﻨﺘﻨﺎ! ُ ھﻤﻤﺖ أن أﻗ ِﺒ ّﻠﮫﺎ ،ﻓﺎﺑﺘﻌﺪت ﺑﻮﺟﮫﮫﺎ ﻗﻠﯿًﻼ ،وھﻲ ﺗﻀﻊ أﺻﺒﻌﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﻓﻤﻲ، ﺳﺄﻟﺘﮫﺎ وﻗﺪ ﺳﺎورﺗﻨﻲ اﻟﺸﻜﻮك: ﻚ ﺑﻨﺼﺎﺋﺢ اﻟﺤﻤﻞ؟ ھﻞ أدﻟﺖ )أم اﻟﺴﻌﺪ( إﻟﯿ ِأﻏﻤﻀﺖ ﻋﯿﻨﯿﮫﺎ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺮى ردة ﻓﻌﻠﻲ وھﺰت رأﺳﮫﺎ ﺑﺎﻹﻳﺠﺎب! زﻓﺮت ﻓﻲ ﻗﻮة وﻗﻠﺖ: ﻛﻨﺖ أدري أن ﺣﺪﻳﺜﻚ ﻣﻌﮫﺎ ﻟﻦ ﻳﻨﺘﮫﻲ إﻟﻰ ﺧﯿﺮ!ﺛﻢ ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﻏﻀﺐ وأﻧﺎ أوﻟﯿﮫﺎ ظﮫﺮي: ﻻ أدري ﻟﻤﺎذا ﺗﺮك اﻟﺴﯿﻞ )أم اﻟﺴﻌﺪ( وراءه!∞∞∞∞∞ وأطﻠﻖ اﻟﺤﺎدي ﺻﻔﯿﺮه ،ﻓﻨﺎدت اﻹﺑﻞ ﺑﻌﻀﮫﺎ ﺑﻌ ً ﻀﺎ ﺣﺘﻰ اﻣﺘﻸت اﻟﺴﻤﺎء ﺑﺼﻮت رﻏﺎﺋﮫﺎ ،وﺳﺎرت ﺑﻨﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﺸﻤﺎل ﺣﺎﻣﻠﺔ ﻗﺒﯿﻠﺔ اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،إﻟﻰ ﻣﺴﺘﻘﺮھﺎ اﻷﺧﯿﺮ ،ﺣﯿﻦ وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ »اﻟﺤﺠﻮن« ،ﺗﺄﺧﺮﻧﺎ أﻧﺎ و)ﻋﻤﺮو( و)ﻟﯿﺚ( و)ﺷﮫﺒﻮر( ﻋﻦ اﻟﻤﺴﯿﺮ ،وﻗﻔﻨﺎ ﻓﻮق اﻟﺘﻠﺔ اﻟﺘﻲ وﻗﻒ ﻋﻠﯿﮫﺎ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث( ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﻠﻘﯿًﺎ ﻖ اﻟﻨﻈﺮة اﻷﺧﯿﺮة ﻋﻠﻰ »ﺑﻜﺔ« اﻟﺘﻲ ﻻ ﻧﻌﻠﻢ ﻣﺘﻰ ﺳﻨﻌﻮد رﺛﺎءه اﻷﺧﯿﺮ ،ﻟﻨﻠ ِ إﻟﯿﮫﺎ ،وﱠدﻋﻨﺎ »اﻟﺼﻔﺎ« و»اﻟﻤﺮوة« و»ﻋﺮﻓﺔ« ،وﺑﯿًﺘﺎ ﻛﺎن ﻋﺎﻣًﺮا ﺑﺎﻹﻳﻤﺎن ﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم ،ﺛﻢ ﺻﺎر أﺛًﺮا ﻣﮫﺪًﻣﺎ ،ﻳﻘﻒ أﻣﺎﻣﻪ ﺗﻤﺜﺎل أﺣﻤﺮ ﻣﺒﺘﻮر اﻟﺴﺎﻋﺪ ﻛﻲ ﻳﺸﮫﺪ أن اﻟﺸﯿﻄﺎن اﻟﺬي ھﺰﻣﻪ أﺑﻮﻧﺎ )إﺑﺮام( ﻓﻲ »أور« و»ﻛﻨﻌﺎن« و»ﻣﺼﺮ« و»ﻓﺎران« ﻗﺪ ظﻞ ﻳﻘﺘﻔﻲ أﺛﺮه ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ﺣﺘﻰ أﻓﺴﺪ اﻟﻮﺻﯿﺔ اﻟﺘﻲ أوﺻﻰ ﺑﮫﺎ أﺑﻨﺎءه. ص )إﺑﺮام( أﺑﻨﺎءه ﺑﺄرض وﻻ ﺑﻤﻠﻚ ،ﻓﻘﻂ أوﺻﺎھﻢ ﺑﺄن ﻳﺴﻠﻤﻮا ﻗﻠﻮﺑﮫﻢ ﻟﺮب ﻟﻢ ﻳﻮ ِ واﺣﺪ ،ﻓﻄﻤﺲ اﻟﺸﯿﻄﺎن اﻟﻮﺻﯿﺔ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،وﺟﻌﻠﮫﺎ وْﻋًﺪا ﺑﺎﻟﻠﺒﻦ واﻟﻌﺴﻞ ﺗﺎرة، وﻋﮫًﺪا ﺑﺎﻟﺴﻘﺎﻳﺔ واﻟﻮﻓﺎدة ﺗﺎرة أﺧﺮى. ﻧﻈﺮ )ﻋﻤﺮو( ﻧﺤﻮ اﻟﻤﻌﻼة ،ودﻋﺎ ﻟﺠﺪه اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( ،ﺛﻢ ﻧﻈﺮ ﻧﺤﻮ ﺳﻤﺎء »ﺑﻜﺔ« ل ،ورﱠدْدﻧﺎه ﺧﻠﻔﻪ: وﻧﺎدى ﺑﺼﻮت ﻋﺎ ٍ »ﻟﺒﯿﻚ اﻟﻠﮫ ﱠﻢ ﻟﺒﯿﻚ ..ﻟﺒﯿﻚ ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻚ ﻟﺒﯿﻚ«. ∞∞∞∞∞ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺮاﺑﻊ »أدرﻛﺖ أن اﻟﺴﻌﺎدة ﻓﻲ ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻟﻐﺎﻳﺎت وﻟﯿﺲ ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻷﺣﻼم ،ﻓﺎﻟﺤﻠﻢ ﻣﺎ ھﻮ إﻻ وﺳﯿﻠﺔ ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﻐﺎﻳﺔ« اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺤﺎدﻳﺔ واﻟﺴﺘﻮن ﻛﺜﯿﺮة ھﻲ اﻟﻤﻨﺎزل اﻟﺘﻲ ﻳﻤﺮ ﺑﮫﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻪ ،وﻟﻜﻦ ﺗﺒﻘﻰ ﻓﻲ اﻟﻮﺟﺪان اﻷﻣﺎﻛﻦ ذوات اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت ،ﻣﺮرﻧﺎ ﻓﻲ طﺮﻳﻖ ﻋﻮدﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ طﺮﻳﻖ اﻟﺒﺨﻮر ﺑﻜﻞ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﺘﻲ رأﻳﻨﺎھﺎ ﻓﻲ رﺣﻠﺔ ذھﺎﺑﻨﺎ وﻟﻜﻦ ﺷﺘﺎن ﺑﯿﻦ اﻟﺮؤﻳﺔ اﻷوﻟﻰ واﻟﺜﺎﻧﯿﺔ، ﻓﻔﻲ اﻟﻤﺮة اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ،اﺧﺘﻔﺖ اﻟﺪھﺸﺔ وﻏﺎب اﻟﺘﺮﻗﺐ ،وﺣﻞ ﻣﺤﻠﮫﻤﺎ اﻟﺘﺄﻣﻞ واﺳﺘﺪﻋﺎء اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت ،ﺗﺪاﻋﺖ اﻟﺼﻮر واﻟﻤﺸﺎھﺪ إﻟﻰ رأﺳﻲ ﺑﺤﻠﻮھﺎ وﻣﺮھﺎ، وﻛﺄن اﻷرض ﺗﮫﻤﺲ ﻓﻲ أذﻧﻲ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮﻳﺎت ،ﻣﺮرﻧﺎ ﻓﻲ طﺮﻳﻖ اﻟﻌﻮدة بـ»ﻳﺜﺮب«، ﻣﻜﺜﻨﺎ ھﻨﺎك أﻳﺎًﻣﺎ ،وﱠدﻋﻨﺎ ﻓﯿﮫﺎ ﻋﺎﺋﻠﺔ اﻟﺸﯿﺦ )أواس(. اﺳﺘﻌﺪ ُ ت ﻣﻊ )أروى( ذﻛﺮﻳﺎت »ﺳﻘﯿﻔﺔ اﻟﻌﻨﺐ« ،وﺗﺤﯿﻨﺖ ﻓﺮﺻﺔ اﺧﺘﻠﯿﺖ ﺑﮫﺎ ُ ﻓﻮق اﻷرﻳﻜﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﻠﺴﻨﺎ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وھﻤﻤﺖ ﺑﺄن أَﻗ ِﺒ ّﻠﮫﺎ ،وﻟﻜﻨﮫﺎ دﻓﻌﺘﻨﻲ ﻓﻲ ﺻﺪري وﻗﺎﻟﺖ: اﺣﺬر ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ﻓﻘﺪ ﻳﺮاﻧﺎ أﺣﺪ.ﻗﻠﺖ ﺿﺎﺣ ً ﻜﺎ: أﺻﺒﺤﺖ أﻛﺜﺮ ﺧﻮًﻓﺎ ﺑﻌﺪ أن ﺗﺰوﺟﻨﺎ!ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺧﺠﻞ: ﻟﻨﺎ ﺑﯿﺖ ﻧﺴﺘﺘﺮ ﺑﻪ.ﺟﺬﺑﺘﮫﺎ وأﻧﺎ أﻗﺘﺮب ﻣﻨﮫﺎ ﺑﻮﺟﮫﻲ ﻗﺎﺋًﻼ ﻓﻲ ﺣﻨﺎن: ُ ﻛﻢ روادﺗﻨﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أن أَﻗﺒِ ّﻠﻚ ﻓﻮق ﺗﻠﻚ اﻷرﻳﻜﺔ ،وأرﻳﺪ أن أﺣﻘﻖرﻏﺒﺘﮫﺎ اﻵن ،ﻓﻠﻌﻠﻨﺎ ﻻ ﻧﺠﻠﺲ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى. ﻻﻧﺖ ﻣﻼﻣﺤﮫﺎ وﻗﺎﻟﺖ: ھﻞ ﻣﺎ زﻟ َﺖ ﺗﺤﺒﻨﻲ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻘﺪر؟ أﺣﻄﺖ ﺧﺪﻳﮫﺎ ﺑﯿﺪي ﺛﻢ ﺿﻤﻤﺘﮫﺎ إﻟﻰ ﺻﺪري ﻗﺎﺋًﻼ: ﺑﻞ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذي ﻗﺒﻞ.ﻗﺎﻟﺖ: وھﻞ ﺳﺘﻈﻞ ﻛﺬﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ أن ﻧﻌﻮد إﻟﻰ ﻗﻮﻣﻚ؟!ﻗﻠﺖ: -وﻟﻤﺎذا ﻳﻘﻞ ﺣﺒﻲ ﻟﻚ ﺑﻌﺪ أن ﻧﻌﻮد؟ ﻗﺎﻟﺖ: ﻻ أدري وﻟﻜﻨﻲ أﺗﺮﻗﺐ ﻛﯿﻒ ﺳﯿﺘﻘﺒﻠﻨﻲ ﻗﻮﻣﻚ ،وأﺧﺸﻰ أن أﻛﻮن ﺳﺒﺒًﺎﻟﻠﺸﻘﺎق ﺑﯿﻨﻚ وﺑﯿﻨﮫﻢ! ﺿﻤﻤﺘﮫﺎ أﻛﺜﺮ ﺑﺬراﻋﻲ وﻗﻠﺖ: ﻻ ﺷﺄن ﻟﻨﺎ ﺑﮫﻢ ،ﻓﺄﻧﺎ وأﻧﺖ ﻻ ﻧﺤﺘﺎج إﻟﯿﮫﻢ ،وﻳﻜﻔﯿﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﯿﺎ أﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖوﺣﯿًﺪا ﻓﺼﺎرت ﻟﻲ ﻋﺎﺋﻠﺔ! ﺛﻢ ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﻓﺨﺮ: ﻋﺎﺋﻠﺔ )ﺷﻤﻌﻮن ﺑﻦ زﺧﺎري(!ﻳﺎ ﻟﮫﺎ ﻣﻦ ﻋﺎﺋﻠﺔ! ﺛﻢ أﻣﺴﻜﺖ أﺻﺎﺑﻌﮫﺎ وأﺧﺬت أﻋﺪد: أﻧﺎ وأﻧﺖ وأﻣﻲ و)ﺑﺎﺗﯿﺎ( و)إﺑﺮام(.ﺛﻢ ﻣﺴﺤﺖ ﻋﻠﻰ ﺑﻄﻨﮫﺎ ﺑﯿﺪي وﻗﻠﺖ: وھﺬا اﻟﺬي ﻳﺨﺘﺒﺊ ﻓﻲ ﺟﻮﻓﻚ اﻵن!ﺿﺤﻜﺖ وﻗﺎﻟﺖ: وﻧﺴﯿﺖ )أم اﻟﺴﻌﺪ( وﻋﻤﺘﻚ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ(!ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أﺷﯿﺢ ﺑﻮﺟﮫﻲ ﻋﻨﮫﺎ: ت اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻛﻌﺎدﺗﻚ. أﻓﺴﺪ ِﺿﺤﻜﺖ ،وﻗﺎﻟﺖ ﻣﻌﺘﺬرة: ﺣﺴًﻨﺎ ﻻ ﺗﺒﺘﺌﺲ!ﺛﻢ أﻣﺴﻜﺖ ذﻗﻨﻲ وأﻋﺎدت وﺟﮫﻲ إﻟﯿﮫﺎ ،أطﺎﻟﺖ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻋﯿﻨﻲ وﻗﺪ اﻧﻔﺮﺟﺖ ﺷﻔﺘﺎھﺎ ،ﻓﺄﻋﺎدت إﻟ ﱠ ﻲ اﻟﺮﻏﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺎھﺖ وﺳﻂ اﻟﻜﻼم ،ﻓﺄﻣﺴﻜﺖ وﺟﮫﮫﺎ ُ وھﻤﻤﺖ ﺑﺄن أﻗ ِﺒ ّﻠﮫﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى ،وﻟﻜﻨﻨﺎ ﺳﻤﻌﻨﺎ ﺻﻮﺗﻲ )ﻻﻣﺎر( و)ﻟﯿﺚ( ﻳﻘﺘﺮﺑﺎن، ﻓﺄﺑﻌَﺪت رأﺳﮫﺎ ﻋﻨﻲ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ،واﻧﺰوت ﻓﻲ طﺮف اﻷرﻳﻜﺔ وھﻲ ﺗﻜﺘﻢ ﺿﺤﻜﺘﮫﺎ ،وﻟﻢ ﺗﻤﱠﺮ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﺣﺘﻰ رأﻳﻨﺎ )ﻟﯿﺚ( و)ﻻﻣﺎر( وھﻤﺎ ﻋﺎﺋﺪان ﻳﺘﺮﻧﺤﺎن ﻣﻦ اﻟﻀﺤﻚ ﻣﻦ ﺟﮫﺔ ﻣﻌﺼﺮة اﻟﺨﻤﺮ ،وﻳﺒﺪو أﻧﮫﻤﺎ ﻗﺪ ﻗﺮرا أن ﻳﺴﺘﻌﯿﺪا ﺳﻮﻳﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت ھﻨﺎك! وﻗﺒﻞ أن ﻧﺮﺣﻞ أﻋﺎد )ﻋﻤﺮو( و)ﻟﯿﺚ( إﻟﻰ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( ﻗﺪور اﻟﺨﻤﺮ اﻟﺘﻲ أھﺪاھﺎ لـ)ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( ،ﺷﻜﺮاه ﻋﻠﻰ ﻧﺠﺪﺗﻪ ﻟﮫﻢ ﻓﻲ أوﻗﺎت اﻟﻀﯿﻖ ،وأھﺪاه )ﻋﻤﺮو( ﻋﺸﺮ ﻧﻮق إﻛﺮاًﻣﺎ ﻟﻪ ..ﻗﺒﱠﻠﺖ ﻳﺪ اﻟﺸﯿﺦ )أواس( أﺛﻨﺎء رﺣﯿﻠﻨﺎ ﻷﻣﺤﻮ أي أﺛﺮ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻋﻠﻖ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﺗﺠﺎھﻲ ،ﻛﻨﺖ أﺣﻤﻞ ﻣﺤﺒﺔ ﻛﺒﯿﺮة ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ ﻟﻠﺸﯿﺦ )أواس( رﻏﻢ اﻟﺨﻼف اﻟﺬي وﻗﻊ ﻣﻌﻪ ،ﻓﯿﻜﻔﻲ ﻛﺮﻣﻪ وﻟﯿﻦ طﺒﻌﻪ وﻟﺴﺎﻧﻪ اﻟﻌﻒ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻐﻤﺮ ﺑﻪ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ. وﺣﯿﻦ ﺟﺎوزﻧﺎ »وادي اﻟﺠﯿﻒ« ،واﻗﺘﺮﺑﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ ،طﻠﺐ ﻣﻨﺎ )ﺷﮫﺒﻮر( أن ﻧﺘﻮﻗﻒ ﻓﻲ اﻟﺤﺠﺮ ﻟﺒﻀﻌﺔ أﻳﺎم ،ﺗﻌ ﱠ ﺠْﺒﻨﺎ ﻣﻦ طﻠﺒﻪ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻗﺎل ﻟﻲ: ﻟﻲ دﻳﻦ أرﻳﺪ أن أﺳﺪده.واﺧﺘﻔﻰ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻷﻳﺎم ﺛﻢ ﻋﺎد وﻣﻌﻪ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﺳﺎن ،ﺗﺮﺑﻮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎﺋﺔ ﻓﺎرس ،ﺳﺄﻟﻪ )ﻋﻤﺮو(: ﻣﻦ ھﺆﻻء ﻳﺎ )ﺷﮫﺒﻮر(؟ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر(: ھﺆﻻء ﻣﻦ ﺑﻘﻮا ﻣﻦ ﻓﺮﺳﺎن »ﻏﺮﻧﺪل«.ﻟﻢ ﻧﻌﺮف ﻛﯿﻒ ﻋﺜﺮ ﻋﻠﯿﮫﻢ ،وﻻ اﻟﻐﺮض ﻣﻦ ﺟﻤﻌﮫﻢ ،وﻟﻜﻨﻪ أﻓﺼﺢ ﻋﻦ ذﻟﻚ ل: ﺣﯿﻨﻤﺎ اﻟﺘﻔﺖ إﻟﯿﮫﻢ وﻗﺎل ﺑﺼﻮت ﻋﺎ ٍ ﻳﺎ ﻓﺮﺳﺎن »ﻏﺮﻧﺪل« ،ﻗﺪ ﻛﺎن لـ)دﻋﺲ( َدْﻳﻦ ﻋﻨﺪي ،وﻟﻜﻦ أھﻠﻜﻪ طﻤﻌﻪ ﻗﺒﻞأن أﺳﺪده إﻟﯿﻪ ،وإﻧﻲ ﻗﺪ ﺟﻤﻌﺘﻜﻢ ﻷُﺳ ِّ ﺪد دﻳﻨﻲ ،وﻟﯿﺸﮫﺪ )ﺑﻨﻮ ﻳﻄﻮر( ورﺟﺎل »ﻏﺮﻧﺪل« أن )ﺷﮫﺒﻮر( ﻗﺪ ﻗﻀﻰ َدْﻳَﻨﻪ وأﺑﺮأ ذﻣﺘﻪ. ﺛﻢ اﺗﺠﻪ إﻟﻰ راﺣﻠﺘﻪ ﻓﻔﻚ ﺣﺰام ﺗﺪﻟﻰ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﮫﺎ اﻟﺮاﺣﻠﺔ واﻟﺘ ﱠ ﻒ ﺣﻮل ُ ﺻﱠﺮة ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش ،ﺣﻤﻞ اﻟ ﱡ ﺼﱠﺮة ،وﻓﺘﺤﮫﺎ ،ﻓﺈذا ﺑﺴﺒﺎﺋﻚ اﻟﺬھﺐ اﻟﺘﻲ ﺑﻘﯿﺖ ﻣﻦ أﻣﻮاﻟﻪ ﺗﺘﻸﻷ أﻣﺎم أﻋﯿﻨﻨﺎ ،ﺣﻤﻞ اﻟﺬھﺐ إﻟﻰ ﻗﺎﺋﺪ اﻟﻔﺮﺳﺎن وﻣﱠﺪ ﻳﺪه ﺑﻪ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ھﺬا ﺣﻖ ﻣﺎ ﺑﺬﻟﺘﻤﻮه ﻣﻦ دﻣﺎء ﻟﻨﺼﺮﺗﻲ وﻧﺼﺮة »إدوم« ،وﻟﯿﻐﻔﺮ اﻟﺮب ﻷﺧﯿﻜﻢ)دﻋﺲ(. ﺛﻢ أردف: ﻋﻮدوا إﻟﻰ ﺳﺎﺑﻖ ﻛﻔﺎﺣﻜﻢ ﺿﺪ )ھﺪد ﺑﻦ ﺑﺪد( ،وﺣﺮروا »ﻏﺮﻧﺪل« ﻣﻦ ﻗﺒﻀﺘﻪ،ﻓﺄﻧﺘﻢ أﻧﻘﻰ ﻣﻦ أﻧﺠﺒﺖ أرض »إدوم«. ﺗﺮ ﱠ ﺟﻞ ﻗﺎﺋﺪ اﻟﻔﺮﺳﺎن ﺛﻢ وﻗﻒ أﻣﺎﻣﻪ وﻗﺎل ﺑﺎﺣﺘﺮام: ﺳﺘﻈﻞ »ﻏﺮﻧﺪل« ورﺟﺎﻟﮫﺎ ﺷﻮﻛﺔ ﻓﻲ ظﮫﺮ اﻹدوﻣﯿﯿﻦ ،وﻟﻦ ﻧﮫﺪأ ﺣﺘﻰ ﻳﺮﺣﻞ)ھﺪد( ﺑﺮﺟﺎﻟﻪ ﻋﻦ »إدوم« ،وﻳﺴﻌﺪﻧﺎ أن ﺗﻜﻮن ﻗﺎﺋﺪﻧﺎ ﻳﺎ ﺷﯿﺦ )ﺷﮫﺒﻮر(. ﺗﻨﮫﺪ )ﺷﮫﺒﻮر( ﺛﻢ ﻗﺎل: ُ ﻓﺎت أوان ذﻟﻚ أﻳﮫﺎ اﻟﻔﺎرس ،وﻟﻜﻨﻨﻲ أﻋﻠﻢ أن ﻟﻲ أﺳﻮًدا ﻓﻲ »ﻏﺮﻧﺪل«،وﺳﺄﺣﺘﻤﻲ ﺑﮫﻢ ﻛﻠﻤﺎ دارت ﻋﻠ ﱠ ﻲ اﻷﻳﺎم. وﱠدﻋﻨﺎ اﻟﻔﺮﺳﺎن وﻗﻄﻌﻨﺎ طﺮﻳﻖ اﻟﺤﺠﺮ ،وطﺎﻓﺖ ﺑﻌﻘﻠﻲ ذﻛﺮى )دﻋﺲ( ،ﻟﻢ أَر رﺟًﻼ ﻓﻲ ﺟﺴﺎرﺗﻪ وﻗﻮﺗﻪ ،وﻣﺎ زﻟﺖ أرﺗﺠﻒ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﺬﻛﺮت ﻟﺤﻈﺎﺗﻪ اﻷﺧﯿﺮة ،ﺗﻌﺠﻞ )دﻋﺲ( أﻗﺪاره ،ﻓﺴﺤﻘﺘﻪ ﻋﺠﻠﺔ اﻟﻘﺪر ،ﻟﻮ ﺻﺒﺮ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮد )ﺷﮫﺒﻮر( ﻟﺘﺤﻘﻘﺖ ﻛﻞ أﻣﺎﻧﯿﻪ. ﻗﻠﺖ لـ)ﺷﮫﺒﻮر( ﺣﯿﻦ ﺟﺎورﻧﻲ ﺑﻔﺮﺳﻪ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ورأﻳﺖ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻪ اﻟﻄﻤﺄﻧﯿﻨﺔ: ﺗﺨﻔﻔﺖ ﻣﻦ ﻛﻞ أﺣﻤﺎﻟﻚ!اﺑﺘﺴﻢ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ اﻟﺮﺿﺎ وﻗﺎل: ﻣﺎ أﺟﻤﻞ اﻟﺴﻔﺮ ﺑﻼ أﺣﻤﺎل!ﻗﻠﺖ وﻗﺪ اﻧﺘﺒﮫﺖ ﻷﻣﺮ ﻟﻢ أﺳﺄﻟﻪ ﻋﻨﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ: ُﻗﻞ ﻟﻲ ﻳﺎ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻟﻤﺎذا ﻟﻢ ﺗﺘﺰوج ﺣﺘﻰ اﻵن ،وﻗﺪ وﺧﻂ اﻟﺸﯿﺐ رأﺳﻚ؟!ﺿﺤﻚ ﺿﺤﻜﺔ ﻗﺼﯿﺮة وﻗﺎل: ﺷﻐﻠﻨﻲ ﺟﻤﻊ اﻟﻤﺎل ﻓﻲ ﺷﺒﺎﺑﻲ ،وﺷﻐﻠﺘﻨﻲ أﺣﻮال »إدوم« ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ.ﺛﻢ ﺗﻨﮫﺪ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﺄﻧﻨﻲ ﻟﻦ أﻋﯿﺶ طﻮﻳًﻼ!وﻟﻢ أرﻏﺐ ﻓﻲ ﺗﺮك أﺑﻨﺎء ُﻳﻌﱠﺬﺑﻮن ﻣﻦ ﺑﻌﺪي ﻓﻲ ﺑﻠﺪ ظﺎﻟﻢ! ﻗﻠﺖ ﺿﺎﺣ ً ﻜﺎ: وﻛﯿﻒ ﺗﻄﯿﻖ اﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺰال اﻟﻨﺴﺎء؟ﻗﺎل ﻣﺒﺘﺴ ً ﻤﺎ: ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻲ ﺟﻮاٍر ﻓﻲ »إدوم« ،وﺣﯿﻦ ﺑﻠﻐﺖ اﻷرﺑﻌﯿﻦ ﺑﻌﺘﮫﻦ ﻛﻠﮫﻦ!ﻓﻠﻢ ﺗﻌﺪ ﻧﻔﺴﻲ ﺗﻄﯿﻖ أﺣﺎدﻳﺚ اﻟﻨﺴﺎء وﻻ ﻣﯿﻮﻋﺘﮫﻦ! ﺛﻢ ﻗﺎل ﺟﺎدا: إن ﻛﻨﺖ أرﻏﺐ ﻓﻲ ﺷﻲء اﻵن ﻓﮫﻮ أن أﻧﺠﺐ وﻟًﺪا ﻣﺜﻠﻚ أو ﻣﺜﻞ )ﻋﻤﺮو( ،ﻓﻼﺷﻲء أﻓﻀﻞ ﻣﻦ أن ﺗﺮى ﺑﻀﻌﺔ ﻣﻨﻚ ﺗﻜﺒﺮ أﻣﺎم ﻋﯿﻨﯿﻚ! أﻟﯿﺲ ﻛﺬﻟﻚ ﻳﺎ )أﺑﺎ إﺑﺮام(؟ ﻗﻠﺖ: ﺻﺪﻗﺖ.ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻲ: ﻟﻤﺎذا أﺳﻤﯿﺖ وﻟﺪك )إﺑﺮام( ،وﻟﻢ ﺗﺴﻤﻪ )إﺑﺮاھﯿﻢ( ﺑﻠﺴﺎن اﻟﻌﺮب؟!ﻗﻠﺖ آﺳًﻔﺎ: ﻟﻲ ﻗﻮم ﻻ ﺗﺰال ﻓﻲ ﻗﻠﻮب اﻟﺒﻌﺾ ﻣﻨﮫﻢ ﺑﻐ ًﻀﺎ ﻧﺤﻮ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ،ﺗﺰوج أﺑﻲ ﻣﺼﺮﻳﺔ ﻓﻈﻞ ﻣﻨﺒﻮًذا ﺑﯿﻨﮫﻢ ،ﺛﻢ ﺗﺰوﺟﺖ أﻧﺎ ﻋﺮﺑﯿﺔ ﻣﻦ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ،وﻻ أدري ﻛﯿﻒ ﺳﯿﻜﻮن ﺣﺎﻟﻲ ﻣﻌﮫﻢ ﺣﯿﻦ ﻳﻌﺮﻓﻮن! ﻗﺎل: ظﻨﻲ أن اﻷﻳﺎم ﻗﺪ ﺑﺪﻟﺘﮫﻢ.ﻗﻠﺖ: أرﺟﻮ ذﻟﻚ!وﺣﯿﻦ اﻗﺘﺮﺑﻨﺎ ﻣﻦ »إدوم« ،ﻟﻢ ﻧﺪﺧﻞ أرﺿﮫﺎ ،اﻧﻌﻄﻔﻨﺎ ﻏﺮﺑًﺎ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻰ »ﻋﺼﯿﻮن ﺟﺎﺑﺮ« ،ورﻏﻢ وﺣﺸﺔ ھﺬا اﻟﻄﺮﻳﻖ ،وﻗﻠﺔ اﻟﻘﻮاﻓﻞ ﺑﻪ إﻻ أﻧﻨﺎ آﺛﺮﻧﺎ ذﻟﻚ ﺗﺤﺴﺒًﺎ ﻟﻠﻘﺎء ﻏﯿﺮ ﻣﺤﻤﻮد ﻣﻊ )ﺟﻨﺪار( وﺟﻨﻮده ،وﻟﻌﻠﻨﺎ أﺷﻔﻘﻨﺎ ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻣﻦ أن ﻧﺴﺘﻌﯿﺪ ذﻛﺮﻳﺎت ﺣﺰﻳﻨﺔ ﻋﺸﻨﺎھﺎ ھﻨﺎك ،ﻓﯿﻜﻔﻲ أن ﻧﺘﺬﻛﺮ ﻣﺎ ﺣﺪث ﻟﻠﺸﯿﺦ )ﻧﺎﺑﺖ( ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب ﺑﺼﺮى ﻛﻲ ﻧﻜﺮه اﻟﻤﺮور ﺑﺘﻠﻚ اﻷﺑﻮاب ﻣﺮة أﺧﺮى. ﺳﺎرت اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﺑُﺒ ْ ﻂء ﻟﻮﻋﻮرة اﻟﻄﺮﻳﻖ ،وﻣﺮت أﻳﺎم ﻻ أدري ﻋﺪدھﺎ ،ﻗﺒﻞ أن ﺗﻠﻮح ﻟﻨﺎ ﻣﯿﺎه اﻟﺒﺤﺮ ﻓﻲ اﻷﻓﻖ ،اﻧﺘﺒﮫﺖ ﺣﻮاﺳﻲ ،وﺧﻔﻖ ﻗﻠﺒﻲ ،وﺗﺪاﻋﺖ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت إﻟﻰ رأﺳﻲ ﺗﺘًﺮا وﻧﺤﻦ ﻧﺠﺘﺎز أول ﻣﻮﺿﻊ أﺷﺘﻢ ﻓﯿﻪ راﺋﺤﺔ أھﻠﻲ ﻣﻨﺬ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ »ﻗﺎدش ﺑﺮﻧﯿﻊ«. ھﻨﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺮﻳﺔ اﻟﺼﯿﺎدﻳﻦ ،اﻟﺘﻲ ﻋﺎش ﻓﯿﮫﺎ )ﺑﻨﺤﺎس( وأوﻻده ،وﺗﻌﺮﻓﺖ ﻓﯿﮫﺎ ﻋﻠﻰ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﺻﺪﻳﻖ اﻟﺼﺒﺎ ،وھﻨﺎك ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﺸﺎطﺊ ﻛﻨﺖ أﺻﻄﺎد اﻷﺳﻤﺎك ﻣﻊ ﺻﺒﯿﺔ »ﻋﺼﯿﻮن« ،وﻳﻮﻣﮫﺎ ﺻﻔﻌﻨﻲ أﺑﻲ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻲ ﺣﯿﻦ ُﻋﺪت إﻟﻰ اﻟﻨﺰل ﺑﺴﺒﺐ ﻛﺬﺑﻲ ،وﺧﻠﻒ ذﻟﻚ اﻟﺘﻞ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺮدة ﺗﻔﺮ ﺧﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ ھﺠﻤﺎت ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻋﻠﯿﮫﺎ ،ﺑﻌﺪ ﺣﺎدﺛﺔ اﻟﺴﺒﺖ اﻟﺘﻲ أوﺟﻌﺖ ﻗﻠﺒﻲ ﻣﻜﺜﻨﺎ ﻓﻲ »ﻋﺼﯿﻮن ﺟﺎﺑﺮ« ﺑﻀﻌﺔ أﻳﺎم ،ﺗﺰودﻧﺎ ﻓﯿﮫﺎ ﺑﺎﻟﻤﺎء ،وطﻌﻤﻨﺎ ﻣﻦ أﺳﻤﺎك اﻟﺒﺤﺮ ،ﺛﻢ اﺳﺘﻌﺪت اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻟﻠﺮﺣﯿﻞ إﻟﻰ »ر ﱠ ﺳﺔ« ،أرض )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ »ﺳﯿﻦ«. ∞∞∞∞∞ دﺧﻠﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺻﺎرت أطﻼًﻻ ﺑﻌﺪ أن ﻏﺎدرھﺎ )ﺑﻨﻮ ﻳﻄﻮر( ﻟﺴﻨﻮات ،ﻻ ﺷﻲء ﻳﺜﯿﺮ اﻷﺣﺰان ﻓﻲ اﻟﻨﻔﺲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻨﺎزل ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎﻣﺮة ﺛﻢ اﺳﺘﺤﺎﻟﺖ ﺧﺮاﺑًﺎ ،ﻗﻀﯿﻨﺎ أﻳﺎًﻣﺎ أﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﺸﻘﺎء ﻓﻲ إﻋﺎدة إﻋﻤﺎر اﻟﻤﻨﺎزل ،أﻋﯿﺪ ﺗﺴﻘﯿﻒ اﻟﻤﻨﺎزل ﺑﺎﻟﺠﺮﻳﺪ واﻟﺨﺸﺐ ،واﺳﺘﻜﻤﻠﺖ اﻟﺠﺪران اﻟﺘﻲ ﺗﮫﺪﻣﺖ ﺑﻔﻌﻞ اﻟﺴﯿﻮل، واﻷﻣﻄﺎر ،وﻧﻈﻔﺖ اﻟﺤﺠﺮات ﻣﻦ اﻟﺰواﺣﻒ واﻟﻘﻮارض اﻟﺘﻲ ﺳﻜﻨﺘﮫﺎ ﺑﻌﺪ أن اطﻤﺄﻧﺖ ﻟﻐﯿﺎب ﺳﺎﻛﻨﯿﮫﺎ ،ﺛﻢ ھﺪأ ﻛﻞ ﺷﻲء وﻛﺄﻧﻤﺎ أﺧﻠﺪ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻟﻠﺮاﺣﺔ ﺑﻌﺪ طﻮل اﻟﺴﻔﺮ واﻹﺟﮫﺎد ،وﻣﱠﺮت أﻳﺎم ﻗﺒﻞ أن ﺗﻌﻮد اﻟﺤﯿﺎة ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪة اﻟﺴﺎﻛﻨﺔ، ﻓﺎﺳﺘﻌﺎد اﻟﻨﺎس ﻧﺸﺎطﮫﻢ ،وأﻗﺎﻣﻮا ﺳﻮﻗﮫﻢ ،وﺧﺮج اﻟﺮﻋﺎة إﻟﻰ اﻟﻤﺮاﻋﻲ. ورأﺗﻨﻲ )أروى( ﺑﻌﺪ أن ﺟﻤﻌﺘﻨﺎ دارﻧﺎ ﻓﻲ »رﺳﺔ« ﻓﻲ ﺣﺎل ﻣﻦ اﻟﻮﺟﻮم، ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ: ﻣﺎ ﺑ َﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(؟ ﻗﻠﺖ: أﻧﺘﻈﺮ ﻋﻮدة اﻟﺪﻟﯿﻞ اﻟﺬي أرﺳﻠﻪ )ﻋﻤﺮو( إﻟﻰ ﻣﺠﻤﻊ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ.رﺑﺘﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ ﻗﺎﺋﻠﺔ: ﻻ ﺗﻘﻠﻖ!ﻗﺮﻳًﺒﺎ ﺳﯿﻌﻮد إﻟﯿﻚ ﺑﺎﻟﺒﺸﺮى. ﺗﻨﮫﺪت وأﻧﺎ أﻗﻮل: ﻟﯿﺘﻨﻲ راﻓﻘﺘﻪ ،ﻓﺄﻧﺎ ﻻ أطﯿﻖ ﺻﺒًﺮا.ﻗﺎﻟﺖ ﻣﻌﺎﺗﺒﺔ: ﺗﺮاﻓﻘﻪ وﺗﺘﺮﻛﻨﺎ؟ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أزﻓﺮ ﻓﻲ ﺿﯿﻖ: أﺷﻖ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺮﺣﻠﺔ آﺧﺮھﺎ ،وﻳﻜﺎد اﻟﺠﺰع ﻳﻘﺘﻠﻨﻲ وﻗﺪ اﻗﺘﺮﺑﺖ اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦﻧﮫﺎﻳﺘﮫﺎ. أﺣﺎطﺖ رأﺳﻲ ﺑﯿﺪھﺎ ﺛﻢ ﺿﻤﺘﻨﻲ إﻟﻰ ﺻﺪرھﺎ وﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺣﻨﻮ: ﻻ ﺗﺠﺰع ،واﺷﻐﻞ ﻧﻔﺴﻚ ﺑﺎﻟﺘﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺣﻼوة اﻟﻠﻘﺎء.ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻣﻐﯿﺮة دﻓﺔ اﻟﺤﺪﻳﺚ: ﻗﻞ ﻟﻲ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻛﯿﻒ ﺗﺒﺪو )روﻣﺎﻧﺎ(؟ھﻞ ھﻲ ﺟﻤﯿﻠﺔ؟ رﻓﻌﺖ رأﺳﻲ وﻗﻠﺖ: ﻻ ﺗﻮﺟﺪ أم ﻏﯿﺮ ﺟﻤﯿﻠﺔ ،وﻟﻜﻦ أﻣﻲ ھﻲ أﺟﻤﻞ اﻟﻨﺴﺎء!ﻗﺎﻟﺖ ﺑﺎﺳﻤﺔ: ﺣﺬاِر ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﺳﺄﻏﺎر ﻣﻨﮫﺎ ھﻜﺬا! ﻟﻢ أﻟﺘﻔﺖ إﻟﻰ ﻣﻘﺎطﻌﺘﮫﺎ ،وﻗﻠﺖ ﻣﺘﺎﺑًﻌﺎ: ﻳﺼﻒ اﻟﻤﺮء اﻟﺸﻲء ﺑﺎﻟﺠﻤﺎل إذا رأى ﻣﻨﻪ ﺟﻤﯿًﻼ ،ﻓﻜﯿﻒ ﻻ ﺗﻜﻮن )روﻣﺎﻧﺎ( ھﻲأﺟﻤﻞ اﻟﻨﺴﺎء وﻛﻞ ﺷﻲء ﺑﮫﺎ ﺟﻤﯿﻞ! ﺛﻢ أردﻓﺖ ﻓﻲ ﺣﺰن: ﺣﯿﻦ ﺗﺮﻳﻨﮫﺎ ﻳﺎ )أروى( ﺳﺘﺪرﻛﯿﻦ ﻣﺎ أﻗﻮل.ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺗﺄﺛﺮ: أﺗﻤﻨﻰ أن ﻳﺤﺒﻨﻲ )إﺑﺮام( ﻛﻤﺎ ﺗﺤﺒﮫﺎ أﻧﺖ!ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أﺟﺎھﺪ ﺣﺰﻧﻲ: ﻚ ﻣﻨﻲ ،ﻓﻤﺎ ﺟﺪوى اﻟﺤﺐ إذا ﻓﻄﺮ اﻹﻧﺴﺎن ﻗﻠﺐ وأﺗﻤﻨﻰ أن ﻳﻜﻮن ھﻮ أرﻓﻖ ﺑ ِﻣﻦ ﻳﺤﺐ! ﺛﻢ أﻓﻠﺘﺖ اﻟﺪﻣﻮع رﻏﻤﺎ ﻋﻨﻲ وﻗﻠﺖ: أرﺟﻮ أن ﺗﺴﺎﻣﺤﻨﻲ أﻣﻲ.ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﻀﻤﻨﻲ أﻛﺜﺮ: ﺳﺘﺴﺎﻣﺤﻚ ،وﺳﺘﻔﺮح ﺑﻌﻮدﺗﻚ وﺑﺄﺳﺮﺗﻨﺎ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!وﻗﻀﯿﺖ اﻷﺳﺎﺑﯿﻊ اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ ،أﺣﺎول أن أﺗﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﻖ اﻻﻧﺘﻈﺎر ،ﺑﺎﻟﺨﺮوج ﻣﻊ اﻟﺮﻋﺎة إﻟﻰ اﻟﻤﺮاﻋﻲ ﻟﺮﻋﻲ اﻷﻏﻨﺎم واﻹﺑﻞ ،أﺣﻤﻞ ﻣﻌﻲ دواﺗﻲ وأﻗﻼﻣﻲ وأوراﻗﻲ ،وأﻗﻀﻲ اﻟﻨﮫﺎر ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻋﻰ ،أﻛﺘﺐ ﻓﻲ أوراﻗﻲ أﺧﺒﺎر اﻷﻳﺎم اﻷﺧﯿﺮة؛ ﻣﻦ ﺳﻨﯿﻦ اﻟﻐﺮﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﻀﯿﺘﮫﺎ وﺣﺪي ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ أﻣﻲ وﻋﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ، وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻛﺬﻟﻚ ،رأﻳﺖ )ﻋﻤﺮًوا( و»ﺷﮫﺒﻮر« ،ﻳﻘﺘﺮﺑﺎن ﺗﺠﺎھﻲ ،أدرﻛﺖ ﻣﻦ ﻣﻼﻣﺢ وﺟﮫﯿﮫﻤﺎ أﻧﮫﻤﺎ ﻳﺤﻤﻼن أﻧﺒﺎء ﻏﯿﺮ ﺳﺎرة ،طﻮﻳﺖ اﻷوراق وﺳﺄﻟﺘﮫﻤﺎ ﻓﻲ ﻟﮫﻔﺔ: ھﻞ ﻋﺎد اﻟﺪﻟﯿﻞ؟!ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو( وھﻮ ﻳﺘﻨﮫﺪ: -ﻧﻌﻢ ،وﻻ أﺛﺮ ﻟﮫﻢ ﻓﻲ »ﻣﺠﻤﻊ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ« وﻻ ﻓﻲ »ﺣﻮرﻳﺐ«! ﻗﺬﻓﺘﻨﻲ ﺧﯿﺒﺔ اﻷﻣﻞ إﻟﻰ ﻗﺎع اﻟﯿﺄس ،ﻓﻘﻠﺖ ﻣﺘﺸﺒًﺜﺎ ﺑﺎﻻﺳﺘﻨﻜﺎر: ﻛﯿﻒ ﻻ ﻳﻌﺜﺮ اﻟﺪﻟﯿﻞ ﻋﻠﻰ ﺷﻌﺐ ﻣﻦ ﻋﺸﺮات اﻵﻻف ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء؟ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو(: ﻟﻠﺒﺮﻳﺔ ودﻳﺎن ودروب ﻻ ﺗﺤﺼﻰ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،وﻗﺪ اﻗﺘﻔﻰ اﻟﺪﻟﯿﻞ أﺛﺮھﻢ ﺣﺘﻰاﻧﻘﻄﻊ. ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﻏﻀﺐ: ﺑﻞ اﻧﻘﻄﻊ ﻋﺰﻣﻪ ،ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﻘﻄﻊ اﻷﺛﺮ ،ﻟﻮ ﻛﻨﺖ راﻓﻘﺘﻪ ،ﻟﻤﺎ ﻋﺪت ﺑﺪوﻧﮫﻢ!ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو( ﻣﮫﺪﺋًﺎ: ﻻ ﺗﺴﺘﮫﯿﻦ ﺑﻌﻤﻠﻪ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻓﮫﻮ ﺧﯿﺮ اﻷِدﱠﻻء ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺤﺮاء ،وﻟﻮ ﻛﺎﻧﻮاﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﺣﯿﺔ ﻟﻮﺟﺪھﻢ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ! ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر(: أﻟﯿﺲ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻗﺪ ذھﺒﻮا إﻟﻰ اﻟﺸﻤﺎل ﻣﺮة أﺧﺮى؟!ﻗﻠﺖ ﻣﺘﺤﯿًﺮا ورأﺳﻲ ﺗﺘﺨﺒﻂ ﻣﻦ اﻟﺤﺰن: ﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ »ﻗﺎدش« آﺧﺮ ﻣﻨﺎزﻟﻨﺎ!ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر(: أرى ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو( أن ﻧﺮﺳﻞ دﻟﯿًﻼ آﺧﺮ إﻟﻰ اﻟﺸﻤﺎل ،ﻓﻠﻌﻠﮫﻢ ﺗﻮﺟﮫﻮا إﻟﻰ»ﻗﺎدش«! ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو(: ﻻ ﺑﺄس!ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺣﺴﻢ: أرﻳﺪ أن أراﻓﻖ اﻟﺪﻟﯿﻞ!ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو(: أرﺟﻮك ﻻ ﺗﻔﻌﻞ!ﻗﺪ ﻳﻘﺘﻠﻚ اﻟﻌﺪو وراء اﻷﻣﻞ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء. ﻗﻠﺖ ﻣﻨﮫﯿًﺎ أي ﺟﺪال: -ﻟﻦ أطﯿﻖ اﻟﺒﻘﺎء ھﻨﺎ! ﺳﺄذھﺐ ﻣﻌﻪ إﻟﻰ »ﻗﺎدش«! ﻗﺎل )ﻋﻤﺮو( ﻓﻲ اﺳﺘﺴﻼم: ﺣﺴًﻨﺎ ﺳﺄراﻓﻘﻚ.ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر(: ﻛﻼ ،ﺑﻞ اﻧﺘﻈﺮ أﻧﺖ ﻳﺎ )ﻋﻤﺮو( ،وﺳﺄراﻓﻘﻪ أﻧﺎ!ﻧﻈﺮت إﻟﯿﮫﻤﺎ ﺑﺎﻣﺘﻨﺎن ،ﺛﻢ ﻗﻤﺖ واﻗًﻔﺎ وﻗﻠﺖ: ﻏًﺪا أرﺣﻞ إﻟﻰ »ﻗﺎدش«.∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ واﻟﺴﺘﻮن وﱠدﻋﺘﻨﻲ )أروى( ﺑﺎﻛﯿًﺔ وﻗﺎﻟﺖ: أﺧﺸﻰ ﻋﻠﯿﻚ اﻟﺬھﺎب ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،دع اﻟﺪﻟﯿﻞ ﻳﺬھﺐ واﻧﺘﻈﺮ ھﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮد! ﺳﯿﻘﺘﻠﻨﻲ اﻻﻧﺘﻈﺎر إن ﺑﻘﯿﺖ. وﻣﺎذا ﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﺠﺪھﻢ ھﻨﺎك؟ ﺣﯿﻨﮫﺎ ﺳﺘﻘﺘﻠﻨﻲ ﺧﯿﺒﺔ اﻷﻣﻞ! ﻻ ﺗﻔﻌﻞ ﺑﻲ ھﺬا ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(. اﻷﻳﺎم ھﻲ ﻣﻦ ﺗﻔﻌﻞ! ﻋﺪﻧﻲ أن ﺗﻌﻮد ﺳﺮﻳًﻌﺎ ﻣﮫﻤﺎ ﺣﺪث.ﺗﻨﮫﺪت. ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺮة أﺧﺮى: ﻋﺪﻧﻲ! أﻋﺪك أن أﺑﻘﻰ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻠﻲ ﺳﻠﯿ ًﻤﺎ وأن أﻋﻮد! وﻗﺒﻞ أن أﺗﺤﺮك ﺳﺄﻟﺘﮫﺎ: أﻳﻦ )إﺑﺮام(؟! أﺧﺬﺗﻪ )ﺗﯿﻤﺎء( ﻟﺘﻠﮫﻮ ﻣﻌﻪ! ﻗ ِﺒ ّﻠﯿﻪ ﻷﺟﻠﻲ!ﻓﻼ وﻗﺖ ﻟﺪ ﱠ ي ،اﻟﺪﻟﯿﻞ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎري وﺳﯿﺘﺤﺮك اﻟﺮﻛﺐ! أﻟﻦ ُﺗﻘ ِﺒ ّﻠﻨﻲ أﻧﺎ أﻳ ًﻀﺎ؟ ﻗﺒﱠﻠﺘﮫﺎ ،وأﻧﺎ أھﺮب ﻣﻦ ﻋﯿﻨﯿﮫﺎ ،ﺛﻢ اﻧﺼﺮﻓﺖ. وﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﻦ )ر ﱠ ﺳﺔ( ﻧﻘﺼﺪ اﻟﺸﻤﺎل ،ﻛﺎن اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻰ »ﻗﺎدش« ﻣﻄﺮوًﻗﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺪو واﻟﺮﺣﺎﻟﺔ ،ﺗﻤﺮ ﺑﻪ اﻟﻘﻮاﻓﻞ وﻳﻘﻄﻌﻪ اﻟﺮﻋﺎة ﻓﻲ ﻧﮫﺎﻳﺎت اﻟﺸﺘﺎء ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﻮاﺣﺔ اﻟﻐﻨﺎء ﻗﺒﻞ ﻗﺪوم اﻟﺮﺑﯿﻊ؛ ﻓﺎﻟﺮﺑﯿﻊ ھﻮ أﻓﻀﻞ ﻣﻮاﺳﻢ اﻟﺮﻋﻲ ﺑﺘﻠﻚ اﻷرض ،ﻣﺎ زﻟﺖ أذﻛﺮ أﺷﺠﺎر اﻟﻮاﺣﺔ وﻋﯿﻮن اﻟﻤﺎء اﻟﺪاﻓﻘﺔ ﺑﮫﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻣﺎ زﻟﺖ أذﻛﺮ ﻛﻮﺧﻨﺎ اﻟﺬي أﻗﺎﻣﻪ أﺑﻲ ﺑﺠﻮار »ﻋﯿﻦ ﺟﺪﻳﺮات« ..اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺑﯿﻦ »رﺳﺔ« و»ﻗﺎدش« ﺗﺴﺘﻐﺮق ﻋﺸﺮة أﻳﺎم ،وﻟﻜﻨﻨﺎ داوﻣﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻔﺮ ﺑﺪون راﺣﺔ ﻟﻌﻠﻨﺎ ﻧﺼﻞ إﻟﯿﮫﺎ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ،ﻛﻨﺎ ﻧﺘﺤﺮك ﻣﻊ أول ﺷﻌﺎع ﻟﻠﺸﻤﺲ وﻧﺘﻮﻗﻒ ﻣﻊ آﺧﺮ ﺿﻮء ﻟﻠﺸﻔﻖ ،وﻓﻲ اﻟﻠﯿﻞ ،ﻧﺮﻳﺢ اﻟﻨﻮق ،وﻧﻨﺎم إﻟﻰ ﺟﻮارھﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻧﺸﻌﻞ ﻧﺎًرا ﻟﺘﺰود ﻋﻨﺎ ﺑﺮودة اﻟﻠﯿﻞ. ﻓﻲ ﺻﺒﯿﺤﺔ اﻟﯿﻮم اﻟﺴﺎﺑﻊ ،ﺧﻔﻖ ﻗﻠﺒﻲ ﻟﻤﺮأى ﺳﺤﺎﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﻤﺎم ﺗﻈﻠﻞ وادﻳًﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻨﺎ ،ذﻛﺮﺗﻨﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺤﺎﺑﺔ ﺑﺴﺤﺎﺑﺔ اﻟﻐﻤﺎم اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻈﻠﻞ ﺻ ْ ﺤﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻟﯿﻞ و)ﺷﮫﺒﻮر( وأﻧﺎ أﺷﯿﺮ ﺟﮫﺔ اﻟﻮادي: ﻧﺰﻟﻨﺎِ ، )ﺷﮫﺒﻮر( ھﻨﺎك!ﻧﻈﺮا طﻮﻳًﻼ ﻧﺤﻮ اﻟﻮادي ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪا ﺷﯿًﺌﺎ ،ﻗﺎل اﻟﺪﻟﯿﻞ: ﻻ أرى ﺷﯿًﺌﺎ!ﻗﻠﺖ: اﻧﻈﺮا إﻟﻰ ﺳﺤﺎﺑﺔ اﻟﻐﻤﺎم.ﻗﺎل اﻟﺪﻟﯿﻞ: ھﺬا وادي »َرْﺛﻤﺔ«!اﻟﺴﺤﺎب ﻳﺘﻜﺎﺛﻒ ﻓﻮﻗﻪ أواﺧﺮ اﻟﺸﺘﺎء! ﻗﻠﺖ: ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺤﺎﺑﺔ اﻟﻐﻤﺎم ﺗﻈﻠﻠﻨﺎ ﻛﻠﻤﺎ ﻧﺰﻟﻨﺎ ﻣﻨﺰًﻻ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ »ﺳﯿﻦ«!ﻟﻢ ﻳﺒُﺪ ﻋﻠﯿﮫﻤﺎ اﻟﺘﺼﺪﻳﻖ ،ﻓﺄردﻓﺖ: ﻟﻦ ﺗﺨﻄﺊ ﻋﯿﻨﻲ ﺳﺤﺎﺑﺔ ظﻠﻠﺘﻨﻲ ﻟﻌﺸﺮ ﺳﻨﻮات أو ﻳﺰﻳﺪ ،أﺷﻌﺮ أﻧﮫﻢ ھﻨﺎك،وظﻨﻲ أن اﻟﺪﻟﯿﻞ ﻟﻢ ﻳﺮھﻢ ﻓﻲ وادي »ﺣﻮرﻳﺐ«؛ ﻷن اﻟﺴﺤﺎﺑﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺠﺒﮫﻢ! وﻟﻌﻞ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻟﻢ ﻳﺸﺄ أن ﻳﻄﻔﺄ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ ﺑﺮﻳﻖ اﻷﻣﻞ ﻓﺄدار راﺣﻠﺘﻪ وﻗﺎل ﻟﻠﺪﻟﯿﻞ: ھﯿﺎ ﺑﻨﺎ.ﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﻦ طﺮﻳﻖ اﻟﻘﻮاﻓﻞ واﻧﺤﺪرﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﻮﻋﺮ ﺟﮫﺔ اﻟﻮادي ،وﻛﻨﺎ ﻛﻠﻤﺎ اﻗﺘﺮﺑﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻮادي ،ﺑﺎﻧﺖ اﻟﺮؤﻳﺔ ﻣﻦ أﺳﻔﻞ اﻟﻐﻤﺎم اﻟﻤﺘﺮاﻛﺐ أﻛﺜﺮ ﻓﺄﻛﺜﺮ ،ﺣﺘﻰ ظﮫﺮ اﻟﻤﺸﮫﺪ ﺟﻠﯿﺎ واﺿ ً ﺤﺎ ،ﺷﮫﻘﺖ ﺣﯿﻦ رأﻳﺖ ﻋﺸﺮات اﻟﻤﺌﺎت ﻣﻦ اﻟﺨﯿﺎم وﻗﺪ اﻧﺘﺜﺮت ﺑﻄﻮل اﻟﻮادي ،وﺻﺮخ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻓﻲ ﻓﺮح ،واﻧﮫﺎرت دﻣﻮﻋﻨﺎ ﻓﻲ ﻏﺒﻄﺔ. ﻗﻠﺖ: -ذﻟﻚ ھﻮ ﻧﺰﻟﻨﺎ وھﺆﻻء ھﻢ ﻗﻮﻣﻲ. اﻗﺘﺮﺑﻨﺎ ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺤﺖ ﻗﺎدًرا ﻋﻠﻰ ﺗﻤﯿﯿﺰ راﻳﺎت ﻛﻞ ﺳﺒﻂ ،ورأﻳﺖ ﻣﻦ ﻓﻮق اﻟﺴﻔﺢ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع وھﻲ ﺗﺘﻮﺳﻂ اﻟﻮادي وأﻣﺎﻣﮫﺎ اﻟﻤﺒﺨﺮة اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺼﺎﻋﺪ ﻣﻨﮫﺎ اﻟﺒﺨﻮر اﻟﻤﻘﺪس ﻟﯿﻤﻸ ﺳﻤﺎء اﻟﻨﺰل ..ﺟﺎل ﺑﺼﺮي ﻓﻲ ﺳﻤﺎء اﻟﻨﺰل ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ راﻳﺔ )ﺳﺒﻂ رأوﺑﯿﻦ( ﻓﻲ ﺷﻮق ،رأﻳﺖ اﻟﺮاﻳﺔ ﻛﻤﺎ ھﻲ وﻛﺄن اﻟﺴﻨﯿﻦ ﻟﻢ ﺗﻤﺮ ﻋﻠﯿﮫﺎ ،أﻧﺨﺖ اﻟﺮاﺣﻠﺔ وﻧﺰﻟﺖ ﻣﻦ ﻓﻮﻗﮫﺎ ،ﻓﻔﻌﻞ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻣﺜﻠﻲ ،ﻗﻠﺖ ﻟﻠﺪﻟﯿﻞ وأﻧﺎ أرﺗﺠﻒ: أﻋﻘﻞ اﻟﻨﺎﻗﺔ ھﻨﺎ!ﻓﻠﻦ أدﺧﻞ اﻟﻨﺰل راﻛﺒًﺎ. ھﺒﻄﺖ أواﺧﺮ اﻟﺴﻔﺢ ﺑﺄﻗﺪام ﻣﺮﺗﻌﺸﺔ ،وﻳﺪ )ﺷﮫﺒﻮر( ﺗﻤﺴﻚ ﺑﻤﺮﻓﻘﻲ ﻟﺘﺸﺪ ﻣﻦ أزري ،ﺗﻌﻠﻖ ﺑﺼﺮي ﺑﺮاﻳﺔ )ﺳﺒﻂ رأوﺑﯿﻦ( ،ﻓﺴﺮت ﻧﺤﻮ ﺧﯿﺎم اﻟﺤﻲ ﻛﺄﻧﻨﻲ ﻣﺴﺤﻮر ،أﺳﯿﺮ ﺑﯿﻦ اﻟﺪروب وﻛﺄﻧﻲ أﺣﻔﻈﮫﺎ ﻋﻦ ظﮫﺮ ﻗﻠﺐ ،وﻳﻘﻮدﻧﻲ ﻓﺆادي ﻧﺤﻮ ﺑﯿﺖ رأﻳﺘﻪ ﻓﻲ أﺣﻼﻣﻲ ﻣﺌﺎت اﻟﻤﺮات ،ﺑﯿﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﺼﯿﺮ واﻟﺨﻮص ،ﻳﻨﺰوي ﻓﻲ رﻛﻦ اﻟﺤﻲ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻨﺰوي طﯿﻠﺔ ﻋﻤﺮه. اﻗﺘﺮﺑﺖ ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺒﯿﺖ وﻗﻠﺒﻲ ﻳﺮﺗﺠﻒ ارﺗﺠﺎﻓﺔ ﺷﺎة ﻣﺬﺑﻮﺣﺔ ،ﻟﻢ أﺷﻌﺮ ﺑﻮطﺄة أﻗﺪاﻣﻲ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻓﺘﺸﺒﺜﺖ ﺑﺬراع )ﺷﮫﺒﻮر( ﻛﻲ ﻻ أﺳﻘﻂ ﻛﺤﻔﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﺎل ﻋﻠﻰ أﻋﺘﺎب ﺑﺎﺑﮫﺎ. ورأﻳﺘﮫﺎ ..رأﻳﺘﮫﺎ ﺗﺠﻠﺲ ﻓﻲ ﺻﺤﻦ اﻟﺒﯿﺖ ﻋﻠﻰ أرﻳﻜﺔ اﻵراك. ﺗﺪﻧﻮ ﺑﺮأﺳﮫﺎ ﻣﻦ طﺒﻖ اﻟُﺒ ِﺮّ ،وﺗﺒﺤﺚ ﺑﻌﯿﻦ ﻣﺠﮫﺪة ﻋﻦ اﻟﺤﺼﻰ ﺑﯿﻦ ﺣﺒﺎﺗﻪ. ﺷﻌﺮھﺎ اﻷﺳﻮد اﻟﻔﺎﺣﻢ ﻛﻤﺎ ھﻮ ،وأﺻﺎﺑﻌﮫﺎ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ اﻟﺘﻲ طﺎﻟﻤﺎ ﻋﺰﻓﺖ اﻟﻨﺎي ﺗﺪور ﻓﻲ طﺒﻖ اﻟُﺒ ِﺮّ ﺑﻮداﻋﺔ. راﻗﯿﺔ أﻧﺖ ﻳﺎ ﺳﯿﺪة اﻟﺪﻧﯿﺎ ،وﻳﺎ رﺑﯿﺒﺔ اﻟﻘﺼﻮر ،ﺣﺘﻰ وأﻧﺖ ﺗﻨﺘﻘﯿﻦ اﻟﺤﺼﻰ ﺑﻌﯿﻦ أﺟﮫﺪھﺎ اﻟﺒﻜﺎء! ﻗﻠﺖ ﺑﺤﺮوف ﺗﺴﺎﻗﻄﺖ ﻓﺮادى ﻣﻦ اﻟﺤﺰن واﻟﺤﻨﯿﻦ ،ﻓﺨﺮﺟﺖ ھﺎﻣﺴﺔ ﻻ ﺗﺘﺠﺎوز ﺣﻠﻘﻲ: )ر و م ا ن ا(!ورﻏﻢ ذﻟﻚ وﺻﻠﺘﮫﺎ ﺣﺮوﻓﻲ ،وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺷﻌﺮ ﺑﮫﺎ ﻗﻠﺒﮫﺎ ﻗﺒﻞ أذﻧﮫﺎ ،رﻓﻌﺖ رأﺳﮫﺎ ﺛﻢ ﻧﻈﺮت ﻧﺤﻮي ،ﻓﺎﻟﺘﻘﺖ اﻷﻋﯿﻦ ﻓﻲ ﻋﻨﺎق ﻳﻔﺘﺮش اﻟﺸﻮق وﻳﻤﺤﻮ اﻟﺰﻣﻦ ،وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﻧﺎم ﻓﻲ ﺣﺠﺮھﺎ أﻣﺲ ،أﻟﻘﯿﺖ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣﮫﺎ أﻗ ِﺒ ّﻠﮫﺎ وﺻﺮﺧﺔ ﻓﺆادھﺎ ﺗﻌﻠﻮ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺗﮫﺎ وھﻲ ﺗﻘﻮل: )ﺷﻤﻌﻮن( وﻟﺪي!أﻟﻘﯿﺖ ﺑﺮأﺳﻲ ﻓﻲ ﺻﺪرھﺎ وأﻧﺎ أﺟﮫﺶ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء وﺻﻮﺗﻲ ﻳﺨﺮج ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎق ﻛﻐﺮﻳﻖ ﻋﺎد إﻟﻰ اﻟﺤﯿﺎة: ﺳﺎﻣﺤﯿﻨﻲ ﻳﺎ أﻏﻠﻰ ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ.اﻋﺘﺼﺮت رأﺳﻲ ﻓﻲ ﺻﺪرھﺎ وﺗﺨﻠﻠﺖ أﺻﺎﺑﻌﮫﺎ ﺷﻌﺮي وھﻲ ﺗﻘﺒﺾ ﻋﻠﯿﻪ ﻓﻲ ﻗﻮة وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﺘﯿﻘﻦ أن ﻣﺎ ﺗﺮاه ﻟﯿﺲ طﯿًﻔﺎ ﻣﻦ اﻟﻮھﻢ ﺳﯿﺮﺣﻞ ﻋﻨﮫﺎ، ﺗﺸﻤﻤﺘﻨﻲ ﺛﻢ ﺗﺤﺴﺴﺖ وﺟﮫﻲ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﻤﻸ ﺣﻮاﺳﮫﺎ ﻛﻠﮫﺎ ﺑﻮﺟﻮدي وﻟﺴﺎﻧﮫﺎ ﻳﺮدد: )ﺷﻤﻌﻮن( ..أﻧﺖ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﻗﻠﺖ وﻋﯿﻨﻲ ﺗﺬرف ﺑﻼ اﻧﻘﻄﺎع: ﻧﻌﻢ ،أﻧﺎ )ﺷﻤﻌﻮن() ،ﺷﻤﻌﻮن( اﻟﺘﺎﺋﻪ ﻣﻨﺬ ﻓﺎرق ﺣﻀﻨﻚ) ،ﺷﻤﻌﻮن( اﻟﺬي أﺗﻰﺑﺨﻄﯿﺌﺔ ﻻ ﻏﻔﺮان ﻟﮫﺎ ﻳﻮم ﺗﺮﻛﻚ وﺣﯿﺪة) ،ﺷﻤﻌﻮن(… وﺿﻌﺖ ﻳﺪھﺎ ﻋﻠﻰ ﻓﻤﻲ، ك أذاب اﺿﻄﺮاﺑﻲ: ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺣﻨﺎن ﺑﺎ ٍ ﺑﻞ )ﺷﻤﻌﻮن( وﻟﺪي اﻟﺬي ﻟﻢ آﻳﺲ ﻳﻮًﻣﺎ ﻣﻦ ﻋﻮدﺗﻪ) ،ﺷﻤﻌﻮن( اﻟﺬي ﺣﺪﺛﻨﻲﻋﻨﻪ )زﺧﺎري( ﻓﻲ أﺣﻼﻣﻲ وﻗﺎل إﻧﻪ ﻓﺨﻮر ﺑﻪ) ،ﺷﻤﻌﻮن( اﻟﺬي ﺑﺸﺮﻧﻲ اﻟﺮب ﺑﻘﺮب ﻋﻮدﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن ﻛﺎھﻦ ﺧﯿﻤﺘﻪ! )ﺷﻤﻌﻮن( اﻟﺬي ﺧﺮج وأﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻳﻘﯿﻦ ﺑﺄﻧﻪ ﺳﯿﻌﻮد. أﺣﻄﺘﮫﺎ ﺑﺬراﻋﻲ وﺣﻤﻠﺘﮫﺎ ﺑﺎﻛﯿًﺎ وأﻧﺎ ﻻ أدري ھﻞ أﺣﺘﻮﻳﮫﺎ أم أﺳﺘﺠﯿﺮ ﺑﺤﻀﻨﮫﺎ! ﻤﺎ ﻓﺴﯿ ً وﺳﻌﻨﻲ ﺣﻀﻨﮫﺎ اﻟﻀﺌﯿﻞ ووﺟﺪت ﻓﯿﻪ ﻋﺎﻟ ً ﺤﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﻤﺄﻧﯿﻨﺔ ،أذھﺐ ﻗﻠﻖ اﻟﻌﻤﺮ وﻣﻨﺤﻨﻲ اﻟﺴﻼم اﻟﺬي ﻛﻨﺖ أﻧﺸﺪه طﯿﻠﺔ ﺳﻨﻮات اﻻرﺗﺤﺎل. اﻧﺘﺒﮫﻨﺎ ﻟﻮﺟﻮد )ﺷﮫﺒﻮر( ﺣﯿﻦ ﻋﻼ ﺻﻮ ُ ت ﺑﻜﺎﺋﻪ ،ﻓﻮﺿﻌﺖ أﻣﻲ ﺧﻤﺎرھﺎ ﻓﻮق رأﺳﮫﺎ ،ﻣﺴﺤﺖ دﻣﻌﻲ وأﻧﺎ أﻗﻮل ﻟﮫﺎ: ھﺬا رﻓﯿﻘﻲ اﻟﺘﺎﺟﺮ )ﺷﮫﺒﻮر( ،ﻟﻢ أﻗَﻮ ﻋﻠﻰ دﺧﻮل اﻟﺤﻲ ﺑﺪوﻧﻪ!ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر( وھﻮ ﻳﻤﺴﺢ دﻣﻌﻪ: ﻣﻌﺬرة ﻳﺎ ﺳﯿﺪة اﻟﺪار ﻋﻠﻰ اﻗﺘﺤﺎﻣﻲ ﻟﻘﺎءﻛﻢ.ﻗﺎﻟﺖ: ﻣﺮﺣﺒًﺎ ﺑﻚ أﻳﮫﺎ اﻟﺸﯿﺦ!ﺗﻔﻀﻞ! ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻲ: -أﻛﺮم ﺿﯿﻔﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(. ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر(: أﺷﻜﺮك ﻳﺎ ﺳﯿﺪة اﻟﺪار ،ﺳﺄﺗﺮﻛﻜﻢ وأﻟﺤﻖ ﺑﺎﻟﺪﻟﯿﻞ ،وﻟﻜﻦ ﻟﻲ طﻠﺐ وددت أنأﻋﺮﻓﻪ! أﻳﻦ أﺟﺪ ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ(؟ ﻗﺎﻟﺖ: ﺳﺘﺠﺪه ﻓﻲ ﺧﯿﻤﺘﻪ ،ﺑﺠﻮار ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع.ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: آﺗﻲ ﻣﻌﻚ؟!ﻗﺎل: ﻛﻼ اﺑ َ ﻖ إﻟﻰ ﺟﻮار أﻣﻚ ،ﻓﻠﻜﻞ ﻣﻨﺎ ﺷﻮق ﻳﻨﺎدﻳﻪ. ﺛﻢ اﺳﺘﺄذن واﻧﺼﺮف. ∞∞∞∞∞ ﺟﻠﺴﺖ ﻗﺒﺎﻟﺘﮫﺎ أﻣﻸ ﻋﯿﻨﻲ ﺑﮫﺎ ،وﻣﺪت ھﻲ أﻧﺎﻣﻠﮫﺎ ﺗﺘﺤﺴﺲ وﺟﮫﻲ وﻟﺤﯿﺘﻲ اﻟﺼﻐﯿﺮة اﻟﻨﺎﻋﻤﺔ ،ﺿﻤﻤﺖ ﻳﺪھﺎ ﻓﻲ راﺣﺘﻲ ﺛﻢ ﻗﺒﻠﺘﮫﻤﺎ ﻛﻌﺎﺷﻖ وﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ: ﺗﺰوﺟﺖ وأﻧﺠﺒﺖ وﻟًﺪا أﺳﻤﯿﺘﻪ )إﺑﺮام( وزوﺟﺘﻲ ُﺣْﺒﻠﻰ ﺑﺂﺧﺮ. ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﻓﺮح ،رﻏﻢ ﻟﻮم ﻋﯿﻨﯿﮫﺎ: ﻤﺎ أﺗﻤﻨﻰ أﻧﺎ أراك زو ً ﻛﻨﺖ داﺋ ًﻀْﻊ ﺳﻨﯿﻦ اﻟﻐﯿﺎب ھﺒﺎًء. ﺟﺎ وأﺑًﺎ ،ﺳﻌﯿﺪة ﻷﻧﻚ ﻟﻢ ُﺗ ِ ﻗﻠﺖ ﻣﻌﺘﺬًرا: ﺳﺎﻣﺤﯿﻨﻲ ﻟﮫﺮوﺑﻲ ،أﻓﺠﻌﻨﻲ ﺿﯿﺎع ﺣﻠﻢ أﺑﻲ ،وأردت أن أﺑﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺮبﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ. ﻣﺴ َ ﺤﺖ ﻋﻠﻰ رأﺳﻲ ﺛﻢ ﺿﻤﺘﻨﻲ إﻟﻰ ﺻﺪرھﺎ وﻗﺎﻟﺖ: ﻛﺎن اﻟﺮب ﺑﯿﻨﻨﺎ طﯿﻠﺔ اﻟﻮﻗﺖ ،وﻟﻜﻨﻚ ﻟﻢ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻨﻪ ﺑﺪاﺧﻠﻚ.ﻗﻠﺖ: ﻓﻲ اﻟﻘﺮب ﻳﺘﻮه اﻟﻤﺮء ﻓﻲ اﻟﺘﻔﺎﺻﯿﻞ ،أردت اﻻﺑﺘﻌﺎد ﻛﻲ أرى اﻟﺼﻮرة ﻛﺎﻣﻠﺔ.ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﺮﺑﺖ ﻋﻠﻰ ظﮫﺮي: -ﻻ ﺑﺄس ،اﻟﻤﮫﻢ أﻧﻚ رأﻳﺘﮫﺎ! ﻗﻠﺖ: ﺗﺰوﺟﺖ ﺣﻔﯿﺪة اﻟﺸﯿﺦ )ﻋﺎﺑﺮ( اﻟﺬي اﺳﺘﻀﺎﻓﻨﺎ ﻓﻲ »ر ﱠﺳﺔ« ،أﺗﺬﻛﺮﻳﻨﻪ؟! ﻗﺎﻟﺖ وﻗﺪ ﻗﻄﺒﺖ ﺣﺎﺟﺒﯿﮫﺎ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﺘﺬﻛﺮ اﻻﺳﻢ: )أروى(؟!ﻗﻠﺖ ﻣﻨﺪھ ً ﺸﺎ: ﻛﯿﻒ ﺗﺬﻛﺮﻳﻦ اﺳﻤﮫﺎ؟!ﻗﺎﻟﺖ: أﺳﺘﻌﯿﺪ أﻳﺎم أﺑﯿﻚ ﻳﻮًﻣﺎ ﺑﯿﻮم!ﻛﺎﻧﺖ ذﻛﺮاه ھﻲ أﻧﯿﺴﺘﻲ ﻓﻲ وﺣﺪﺗﻲ! ﻗﻠﺖ وﻗﺪ اﻧﺘﺒﮫﺖ إﻟﻰ أﻧﮫﺎ وﺣﯿﺪة ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺰل: أﻳﻦ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( وﻋﻤﺘﻲ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ(!أﺟﺎﺑﺖ ﻋﻦ اﻷوﻟﻰ وأﻏﻔﻠﺖ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ: ﻗﺪ ﺗﺰوﺟﺖ )ﺑﺎﺗﯿﺎ(!ﻗﻠﺖ ﻣﻨﺪھ ً ﺸﺎ: )ﺑﺎﺗﯿﺎ( اﻟﺼﻐﯿﺮة ﺗﺰوﺟﺖ!ﺿﺤﻜﺖ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ: ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺻﻐﯿﺮة ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﺟﺎوزت اﻟﺤﯿﺾ ﺑﺄﻋﻮام! ﻗﻠﺖ: ﻣﺎ زاﻟﺖ ﻓﻲ ﻧﻈﺮي )ﺑﺎﺗﯿﺎ( اﻟﺼﻐﯿﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ ﺻﺪريَ ،ﻣ ْﻦ زوﺟﮫﺎ؟ اﺑﺘﺴﻤﺖ وﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ھﺪوء: ﺗﺰوﺟﮫﺎ أﺧﻮك.ﻧﻈﺮت إﻟﯿﮫﺎ ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ ،ﻓﺄردﻓﺖ: )ﻋﺎﻣﯿﺮ(!أﻓﺮغ ﻧﻄﻖ اﺳﻤﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ ﺑﮫﺠﺔ ﻻ ﺗﻮﺻﻒ ،ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أردد اﺳﻤﻪ: )ﻋﺎﻣﯿﺮ(!! ﻗﺎﻟﺖ: ﻧﻌﻢ ،ﻋﮫﺪت إﻟﯿﻪ ﺑﺮﻋﺎﻳﺘﻨﺎ ﻓﺄﺗﻢ ﻋﮫﺪه إﻟﯿﻚ ﺑﺰواج أﺧﺘﻚ!ﺗﺬﻛﺮت رﺳﺎﻟﺘﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻛﺘﮫﺎ ﻟﻪ ،وﻛﺄﻧﮫﺎ ﻗﺮأت ﻣﺎ ﻓﻲ رأﺳﻲ ﻓﻘﺎﻟﺖ: ﻣﺎ زﻟﺖ أﺣﺘﻔﻆ ﺑﺮﺳﺎﻟﺘﻚ!ﻗﻠﺖ ﻣﻤﺘﻨﺎ: ﺳﺄظﻞ ﻣﺪﻳًﻨﺎ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻔﻀﻞ ،أﻳﻦ ھﻤﺎ؟ﻗﺎﻟﺖ: ﻳﺮﻋﻰ أﻏﻨﺎم اﻟﻘﺮاﺑﯿﻦ ،وﺗﺨﺮج )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﻟﺘﻌﻠﯿﻢ أطﻔﺎل ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ اﻟﻘﺮاءةواﻟﻜﺘﺎﺑﺔ! رأت اﻟﺪھﺸﺔ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ ﻓﺄردﻓﺖ: ﻳﺮﺑِ ّﻲ )ﻣﻮﺳﻰ( و)ﻳﻮﺷﻊ( ﺟﯿًﻼ ﺟﺪﻳًﺪا ﻣﻦ أﺑﻨﺎء ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ.ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة ﻟﺘﻠﻚ اﻷﻧﺒﺎء ،وﺗﺬﻛﺮت ﻛﻢ ﻋﺎﻧﻰ ﺟﯿﻞ أﺑﻲ ﺑﺴﺒﺐ ﺷﯿﻮخ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ: وأﻳﻦ ﻋﻤﺘﻲ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ(؟ﻟﻢ ﺗﺠﺐ ..وﻋﻼ وﺟﮫﮫﺎ اﻷﺳﻒ ،ﻓﻘﻠﺖ ﺣﺰﻳًﻨﺎ: ﻣﺎﺗﺖ؟ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ أﺳﻒ: ﻧﻌﻢ ،اد ُع ﻟﮫﺎ ﺑﺎﻟﺮﺣﻤﺔ. ﺛﻢ ﺗﻨﱠﮫﺪت ﻗﺎﺋﻠﺔ: ﻓﺠﻌﺘﻨﺎ ﻧﮫﺎﻳﺘﮫﺎ وھﻠﻜﺖ أﺛﻨﺎء اﻟﺜﻮرة.ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻷﻟﻢ ،ﻓﻘﻠﺖ: ﻣﺎذا ﺣﺪث ﻟﮫﺎ؟وأي ﺛﻮرة؟! ﺗﻨﱠﮫﺪت ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ: ﻛﺎن ذﻟﻚ ﺑﻌﺪ رﺣﯿﻠﻚ ﺑﻌﺎم ،ﺣﯿﻦ ﻗﺎم )ﻗﻮرح( ﺑﺜﻮرة ﻋﺎرﻣﺔ ﻋﻠﻰ )ﻣﻮﺳﻰ(و)ھﺎرون(. ﺗﺬﻛﺮت اﺳﻢ )ﻗﻮرح( ﻗﻠﺖ ،ﻟﮫﺎ: )ﻗﻮرح ﺑﻦ إﻟﯿﺼﮫﺎر(!أوﻣﺄت ﺑﺮأﺳﮫﺎ وﻗﺎﻟﺖ: ﻧﻌﻢ.ﻗﻠﺖ: ﻣﺎ زﻟﺖ أذﻛﺮ ﻧﻘﻤﺘﻪ ﻋﻠﻰ )ﻣﻮﺳﻰ( ،ھﻮ واﻟﺸﻘﯿﻘﺎن )داﺛﺎن( و)إﻳﺒﺮام(!ﻗﺎﻟﺖ: ﻧﻌﻢ ،وﻛﺎﻧﺎ أﻋﻮاﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﺜﻮرة!ﻗﻠﺖ: وﻛﯿﻒ وﻗﻊ اﻷﻣﺮ؟ﻗﺎﻟﺖ: ﻋﮫﺪ إﻟﯿﮫﻢ ﺑﺘﻌﻠﯿﻢ اﻟﻨﺎس أﻣﻮر اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ،ﻓﺎﻣﺘﻨﻌﻮا إﻻ إذا ﺻﺎرت ﻟﮫﻢ اﻟﻜﮫﺎﻧﺔﺑﺪًﻻ ﻣﻦ اﻟﻜﺎھﻦ )ھﺎرون(. ﻗﻠﺖ ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ ﻣﻦ ﻛﺒﺮھﻢ: ﻳﺎ ﻟﺼﻠﻔﮫﻢ!وﻣﺎذا ﺣﺪث؟ ﻗﺎﻟﺖ: رﻓﺾ )ﻣﻮﺳﻰ( طﻠﺒﮫﻢ ،ﻓﺪﻋﻮا ﺳﺒﻂ رأوﺑﯿﻦ إﻟﻰ اﻻﻧﻔﺼﺎل ﻋﻦ )ﻣﻮﺳﻰ(وأﻗﺎﻣﻮا ﻟﮫﻢ ﺧﯿﻤﺔ ﻛﺒﯿﺮة ﻛﺨﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع. ﻗﻠﺖ ﻣﺬھﻮًﻻ: وھﻞ اﺳﺘﺠﺎب ﻟﮫﻢ ﺳﺒﻂ رأوﺑﯿﻦ؟!ﺗﻨﮫﺪت ،ﺛﻢ أوﻣﺄت آﺳﻔﺔ وﻗﺎﻟﺖ: اﺳﺘﺠﺎب ﻟﻪ اﻟﻜﺜﯿﺮ ،وﻣﻨﮫﻢ ﻋﻤﺘﻚ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ(!ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺂﻻم اﻟﺬﻛﺮى: ﻣﺎ زﻟﺖ أﺗﺬﻛﺮ ﻳﻮم ﺧﺮوﺟﮫﺎ ،ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ:ﻻ ﺗﺘﺒﻌﯿﮫﻢ ﻳﺎ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( ،ﻟﻮ ﻛﺎن )زﺧﺎري( ﺣﯿﺎ ﻟﻘﺎﺗﻠﮫﻢ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ! ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻏﺎﺿﺒﺔ: »ھﺆﻻء ﻗﻮﻣﻲ! وﻟﻦ أﺧﺬﻟﮫﻢ! أﺿﺎع )زﺧﺎري( ﻋﻤﺮه وﻟﻢ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻷھﻞ وﻻ اﻟﻌﺸﯿﺮة«. ﺻﻤﺘﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ: ﻳﻮﻣﮫﺎ اﺟﺘﻤﻊ ﻣﺎﺋﺘﺎن وﺧﻤﺴﻮن ﻣﻦ ﻛﺒﺮاء ﺳﺒﻂ رأوﺑﯿﻦ ﻓﻲ ﺧﯿﻤﺔ )ﻗﻮرح(،أﻋﻠﻨﻮا اﻟﻌﺼﯿﺎن ﻋﻠﻰ )ﻣﻮﺳﻰ( وﻧﺼﺒﻮا )ﻗﻮرح ﺑﻦ إﻟﯿﺼﮫﺎر( ﻛﺎھًﻨﺎ أﻛﺒﺮ ﻟﮫﻢ وأﻗﺎﻣﻮا ﻣﺒﺨﺮة ﻋﻈﯿﻤﺔ ﻓﺎق دﺧﺎﻧﮫﺎ دﺧﺎن ﻣﺒﺨﺮة ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع! وﻓﺠﺄة اﻧﮫﺎرت ﺑﮫﻢ أرض اﻟﺨﯿﻤﺔ ،وﺳﻘﻄﻮا ﺟﻤﯿًﻌﺎ ﻓﻲ ﺣﻔﺮة واﺣﺪة ،أﻣﺴﻜﺖ ﻧﯿﺮان اﻟﻤﺒﺨﺮة ﻓﻲ اﻟﺨﯿﻤﺔ وﻣﻸ ﺻﺮاﺧﮫﻢ ﺳﻤﺎء اﻟﻨﺰل وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ أﺣﺪ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أن ﻳﻤﺪ ﻟﮫﻢ ﻳﺪ اﻟﻌﻮن ،ﻓﻤﺎﺗﻮا ﻣﺤﺘﺮﻗﯿﻦ! أﻏﻤﻀﺖ ﻋﯿﻨﻲ وأﻧﺎ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻷﻟﻢ! ﻤ َ ﺤﻦ اﻟﺘﻲ ﻣﺮت ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻷﺳﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﺔ )ﺑﺎﺗﺸﯿﻔﺎ( اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻐﯿﺮھﺎ ﻛﻞ اﻟ ِ ﺑﮫﺎ ،ﻓﺎﺧﺘﺎرت أن ﺗﺨﺘﻢ ﺣﯿﺎﺗﮫﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﺎﺗﻤﺔ اﻟﻤﺆﻟﻤﺔ ،أدرﻛﺖ أن اﻟﺴﻨﻮات اﻟﺘﻲ ﻏﺒﺘﮫﺎ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻨﻮات ﻓﺮز وﺗﻤﺤﯿﺺ ،ﻛﺎن )ﻣﻮﺳﻰ( ـﻓﯿﻤﺎ ﺳﺒﻖ -ﻳﺪﻋﻮ ﺟﻤﮫﻮر اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻌﺎﺻﻲ ﻟﻠﺪﺧﻮل ﻓﻲ ﺣﻈﯿﺮة اﻹﻳﻤﺎن ،أﻣﺎ اﻵن ﻓﮫﻮ ﻳﻨﺘﻘﻲ اﻟﻌﺼﺎة ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﺟﻤﮫﻮر اﻟﺸﻌﺐ ﺛﻢ ﻳﻠﻘﻲ ﺑﮫﻢ ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦ اﻟﺠﯿﻞ اﻟﺬي ُﻳﻌﱡﺪه ﻟﺪﺧﻮل اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،ﺗﻤﺎًﻣﺎ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻣﻲ ﺗﻨﺘﻘﻲ اﻟﺤﺼﻰ ﻣﻦ طﺒﻖ اﻟُﺒﺮ. أﻣﺴﻜﺖ أﻣﻲ ﺑﯿﺪي ﺣﯿﻨﻤﺎ رأﺗﻨﻲ واﺟ ً ﻤﺎ وﻗﺎﻟﺖ: ﻚ ﻟﻲ ﻋﻦ أﺧﺒﺎرك طﯿﻠﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﻮات! دْع ﻋﻨﻚ ﺗﻠﻚ اﻷﺧﺒﺎر اﻟﺤﺰﻳﻨﺔ ،واﺣ ِﺿﺤﻜﺖ وﻗﻠﺖ: ﺑﻌﻀﮫﺎ أﻛﺜﺮ ﺣﺰﻧًﺎ!وﻟﻜﻨﻲ ﺗﻌﻠﻤﺖ أن اﻟﺤﺰن ﻻ ﻳﺪوم. ﺿﺤﻜﺖ ھﻲ اﻷﺧﺮى وﻗﺎﻟﺖ: ﻳﻜﻔﯿﻚ ﻣﻦ ﻏﺮﺑﺘﻚ أن ﺗﺘﻌﻠﻢ ذﻟﻚ اﻟﺪرس!ﺛﻢ ﻗﺎﻣﺖ وھﻲ ﺗﺠﺬب ﻳﺪي وﻗﺎﻟﺖ: ھﯿﺎ ُﻗ ْﻢ ﻟﺘﺮاﻓﻘﻨﻲ ،وﻻ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ اﻟﺤﺪﻳﺚ وأﻧﺎ أﻋﺪ ﻟﻚ اﻟﻄﻌﺎم! ﻓﻠﻌﻠﻚ ﺗﺸﺘﺎق إﻟﻰ اﻟﺴﻠﻮى! ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أرﻓﻊ ﻳﺪھﺎ ﻷﻗ ِﺒ ّﻠﮫﺎ: أﺷﺘﺎق إﻟﻰ أي طﻌﺎم ﺗﻄﮫﻮه ﻳﺪاك!ﺛﻢ اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﻻ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ واﻟﺴﺘﻮن ﺣﯿﻦ ﺟﻠﺴﻨﺎ ﺟﻤﯿًﻌﺎ ﻟﻠﻄﻌﺎم ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ﺷﻌﺮت ﺑﺄن اﻟﺴﻌﺎدة ﺗﻐﻤﺮﻧﻲ) ،ﺑﺎﺗﯿﺎ( اﻟﺼﻐﯿﺮة أﺻﺒﺤﺖ ﺷﺎﺑﺔ ﻓﺎﺗﻨﺔ ،وﺟﮫﮫﺎ اﻟﻤﺸﺮق ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺒﯿﺎض وﻋﯿﻨﺎھﺎ اﻟﺰرﻗﺎوان ،ﻳﺬﻛﺮاﻧﻲ ﺑﺠﻤﺎل اﻟﻌﻤﺔ )ﺳﻮﻻف( ،أﻣﺎ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻓﻘﺪ ﺻﺎر ﻋﻤﻼًﻗﺎ أﺳﻤﺮ ﺑﺪﻳًﻨﺎ ،ﺗﻀﺎﻋﻒ وزﻧﻪ ﻣﺮات وﻣﺮات ،رﺑﻤﺎ ﻟﻘﻠﺔ اﻟﺤﺮﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺮاﻋﻲ أو ﻟﻜﺜﺮة اﻷﻛﻞ ﻣﻦ ﻟﺤﻮم اﻟﻘﺮاﺑﯿﻦ ،اﻟﻤﻔﺎرﻗﺔ ﺑﯿﻦ ﺿﺨﺎﻣﺘﻪ وﺿﺂﻟﺔ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺰداد ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺗﺄﻣﺮه )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﺑﺸﻲء ﻣﺎ ،ﻓﯿﺴﺮع إﻟﻰ إﺟﺎﺑﺔ طﻠﺒﮫﺎ ،اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﺟﻌﻠﻨﻲ أﺷﻌﺮ أن )ﻋﺎﻣﯿﺮ( اﻷﺳﻤﺮ اﻟﻄﯿﺐ ﻳﺬوب ﻋﺸًﻘﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺼﻐﯿﺮة اﻟﻔﺎﺗﻨﺔ. اﻧﻀﻢ إﻟﯿﻨﺎ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻓﻲ اﻟﻄﻌﺎم ،وﻟﻜﻨﻪ اﻧﺼﺮف ﺑﻌﺪه ﻣﺒﺎﺷﺮًة ،ﺷﻜﺮ أﻣﻲ ﻋﻠﻰ طﮫﯿﮫﺎ ﺛﻢ ﻏﺎدرﻧﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺮك ﻟﻨﺎ ﻓﺴﺤﺔ ﻟﻠﺴﻤﺮ وﺣﺪﻧﺎ ،وﺣﯿﻦ ﺟﻤﻌﻨﺎ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺪاﻓﺊ ﺷﻌﺮت ﺑﺄن روح أﺑﻲ ﺑﯿﻨﻨﺎ ،ﺗﻀﺤﻚ ﻟﻀﺤﻜﻨﺎ وﺗﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ اﻷﺳﺮة اﻟﺘﻲ اﺟﺘﻤﻊ ﺷﻤﻠﮫﺎ ﻓﻲ ﺣﻨﺎن ،ﺳﺄﻟﺘﮫﻢ ﻋﻦ أﺻﺪﻗﺎء أﺑﻲ اﻟﻘﺪاﻣﻰ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ أﻣﻲ ﻓﻲ أﺳﻒ: ﻣﺎت )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ ﺑﻦ ﺣﻮر(!ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺣﺰن: رﺣﻤﺔ ﷲ ﻋﻠﯿﻪ ،ﻛﻨﺖ أﺷﺘﺎق إﻟﻰ اﻟﺤﺪﻳﺚ إﻟﯿﻪ.ﺳﺄﻟﺖ )ﻋﺎﻣﯿﺮ(: وﻣﺎذا ﻋﻦ اﻟﻨﻘﺒﺎء اﻻﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ؟!ﻗﺎل: ھﻠﻜﻮا ﺟﻤﯿًﻌﺎ وﻛﺎن آﺧﺮھﻢ )ﺷﻤﻮع ﺑﻦ ذﻛﻮر( ،ﺛﻢ ﻗﺎم واﻗًﻔﺎ وﻗﺎل: ﻗﺪ ﺗﺮك ﻟﻚ )ﺷﻤﻮع ﺑﻦ ذﻛﻮر( ﺷﯿًﺌﺎ.ذھﺐ إﻟﻰ ﺻﻨﺪوق ﻛﺒﯿﺮ ارﺗﻜﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎﺋﻂ ﻓﻔﺘﺤﻪ ،وﻏﺎﺑﺖ رأﺳﻪ ﺑﺪاﺧﻠﻪ ﻟﺤﻈﺎت ﻗﺒﻞ أن ﻳﺨﺮج ﺣﺎﻣًﻼ ﺑﻌﺾ ﻟﻔﺎﺋﻒ اﻟﺒﺮدي اﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ،وﻗﺪﻣﮫﺎ إﻟ ﱠ ﻲ، أﻣﺴﻜﺘﮫﺎ ﺑﯿﺪي ﻓﻘﺮأت ﺻﻔﺘﺤﮫﺎ اﻷوﻟﻰ ﻷﺟﺪ ﻣﻜﺘﻮﺑًﺎ ﺑﮫﺎ: »ﺷﮫﺎدة ﺷﻤﻮع ﺑﻦ ذﻛﻮر ﻋﻠﻰ رﺣﻠﺔ اﻟﻨﻘﺒﺎء اﻻﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ إﻟﻰ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ«. ﺗﻨﱠﮫﺪت وأﻧﺎ أﻛﺘﻢ ﺑﻜﺎﺋﻲ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﺬﻛﺮت ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﻤﺸﺌﻮﻣﺔ ،واﺣﺘﻔﻈﺖ ﺑﺘﻠﻚ اﻷوراق ﻹﺿﺎﻓﺔ ﻣﺎ ﺑﮫﺎ إﻟﻰ أوراﻗﻲ ﻻﺣًﻘﺎ ،ﺳﺄﻟﺖ أﻣﻲ وأﻧﺎ أﺷﯿﺮ إﻟﻰ اﻟﺼﻨﺪوق: -ھﻞ ﻣﺎ زﻟﺖ ﺗﺤﺘﻔﻈﯿﻦ ﺑﻘﺒﻌﺔ اﻟﻔﺎرس؟ ﺿﺤﻜﺖ وﻗﺎﻟﺖ: ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ!ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﻓﺮح: ﺣﻘﺎ!ﻗﺎﻟﺖ: ﻧﻌﻢ ،ھﺬا اﻟﺼﻨﺪوق ﻳﺤﻮي ﻛﻞ ذﻛﺮﻳﺎﺗﻨﺎ ،ﻣﻼﺑﺴﻚ وﻣﻼﺑﺲ أﺑﯿﻚ ،واﻟﻨﺎي وأﻳ ًﻀﺎ أدوات اﻟﻨﺠﺎرة اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻌﻤﻞ ﺑﮫﺎ ،ﻳﺘﺸﺒﺚ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻤﻘﺘﻨﯿﺎت ﻣﻦ ﻳﺤﺐ ﺣﺘﻰ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻮﺟﻮده ﺣﻮﻟﻪ! ﺳﺄﻟﺖ )ﻋﺎﻣﯿﺮ(: ﻟﻤﺎذا ﻟﻢ ﺗﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﻨﺠﺎرة ﻳﺎ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻛﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﻌﻤﻞ؟ﺿﺤﻚ وﻗﺎل: ﻟﻢ أﻛﻦ أﺟﯿﺪ اﻟﺼﻨﻌﺔ ﻣﺜﻠﻚ!ﻛﻤﺎ أن اﻟﺸﯿﺦ )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ( دﻋﺎﻧﻲ ﻛﻲ أﻟﺘﺤﻖ ﺑﺎﻟﺨﺪﻣﺔ ﻓﻲ ﺑﯿﺖ اﻟﺮب ﺑﻌﺪﻣﺎ رﺣﻠﺖ أﻧﺖ. ﺳﺄﻟﺘﻪ: إﻟﻰ ﻣﺘﻲ ﺳﺘﻤﻜﺜﻮن ﻓﻲ وادي »رﺛﻤﺔ«؟ﻗﺎل: أﺻﺒﺢ اﻟﺒﻘﺎء ﻓﻲ اﻟﻨﺰل ﻳﻄﻮل ،وظﻨﻲ أﻧﻨﺎ ﺳﻨﻤﻜﺚ ھﻨﺎ ﺷﮫﻮًرا!ﻗﻠﺖ: ظﻨﻨﺘﻜﻢ ﺳﺘﺼﻌﺪون ﻗﺮﻳﺒًﺎ إﻟﻰ »ﻗﺎدش«.ﺻﻤﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ ﻗﺎل: أﺗﺪري ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( أن ﺷﻌﺐ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻟﻢ ﻳﻄﺄ »ﻗﺎدش« ﻣﻨﺬ أن ﻣﺎت أﺑﻮﻧﺎ)زﺧﺎري( ،اﻗﺘﺮﺑﻨﺎ ﻣﻨﮫﺎ ﻣﺮات وﻣﺮات ،وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﺪﺧﻠﮫﺎ. ﻗﻠﺖ: إذن ﻣﺎ دام اﻟﺒﻘﺎء ﺳﯿﻄﻮل ﻓﻲ »رﺛﻤﺔ« ،ﻟﻤﺎذا ﻻ ﺗﺄﺗﻮن ﻣﻌﻲ إﻟﻰ »رﺳﺔ« ﻛﻲأﺣﻀﺮ )أروى( و)إﺑﺮام(؟! ﻗﺎﻟﺖ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﻓﻲ ﻓﺮح: ﺣﻘﺎ ،أﺷﺘﺎق إﻟﻰ رؤﻳﺔ ﺑﯿﺘﻚ وزوﺟﺘﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!رأﻳﺖ اﻟﺮﻓﺾ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﺎرﺿﮫﺎ ،ﻓﻘﻠﺖ ﻣﺸﺠًﻌﺎ: ﺳﺘﻔﺮﺣﯿﻦ ھﻨﺎك ﻳﺎ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ،ﻟﻲ ﺑﯿﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ ،وﻣﺎﺷﯿﺔ ﺗﺮﻋﻰ ،وﺗﺠﺎرة و…ﻗﺎطﻌﺘﻨﻲ أﻣﻲ ﻗﺎﺋﻠﺔ: ﻛﻼ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﻟﻦ ﻧﻐﺎدر ﻧﺰًﻻ ﻓﯿﻪ ﺑﯿﺖ اﻟﺮب وﻧﺒﯿﻪ. ﻗﻠﺖ ﻣﺴﺘﻌﻄًﻔﺎ: أﺷﻔﻖ ﻋﻠﯿﻜﻢ ﻳﺎ أﻣﻲ ﻣﻦ ﻛﺜﺮة اﻟﺘﺮﺣﺎل ،واﻟﻌﯿﺶ ﻓﻲ اﻟﺨﻮص واﻟﺨﯿﺎم طﯿﻠﺔھﺬه اﻟﺴﻨﻮات ،وﻻ ﺑﺄس ﻣﻦ أن ﺗﻨﻌﻤﻮا ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺮاﺣﺔ ﻗﺒﻞ أن ﻧﻌﻮد إﻟﻰ ھﻨﺎ. ﻗﺎﻟﺖ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﻣﺴﺘﺤﺜﺔ إﻳﺎھﺎ: أﻣﺎ ﺗﺸﻌﺮﻳﻦ ﺑﺎﻟﺴﺄم ﻳﺎ أﻣﻲ ﻣﻦ ﺣﻲ »رأوﺑﯿﻦ«؟ﺛﻢ أردﻓﺖ ﻓﻲ ﺿﯿﻖ: ﻳﻜﻔﻲ ﻣﺎ ﻧﺮاه ﻣﻦ أﺑﻨﺎء )ﻋﺰرا( ﻛﻲ ﻧﮫﺠﺮه إﻟﻰ اﻷﺑﺪ.ﻗﻠﺖ: ﻣﻦ أﺑﻨﺎء )ﻋﺰرا(؟ﻗﺎل )ﻋﺎﻣﯿﺮ(: ھﻢ ﺟﯿﺮان ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﺣﻲ »رأوﺑﯿﻦ« ﻳﻨﻔﺜﻮن ﺣﻘًﺪا ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ذي ﻓﻀﻞ ،ﻧﺎﻟﻨﺎﺷﺬرات ﻣﻦ ﺑﻐﻀﮫﻢ ﺑﻌﺪﻣﺎ أﻛﺮﻣﻨﺎ اﻟﺮب وأﻏﻨﺎﻧﺎ ﻣﻦ ﻓﻀﻠﻪ ﻋﻨﮫﻢ. ﻗﻠﺖ ﺑﺎﺳ ً ﻤﺎ: ھﺬا أدﻋﻰ ﺑﺄن ﺗﺘﺮﻛﻮا ﻟﮫﻢ اﻟﺤﻲ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ ﻳﺎ أﻣﻲ.ﻗﺎﻟﺖ أﻣﻲ ﻓﻲ ﺣﺴﻢ: ﻟﻦ ﻧﻔﺎرق اﻟﻨﺰل ﻳﺎ وﻟﺪي ،إن ﺷﺌﺖ ذھﺒﺖ ﻓﺄﺣﻀﺮت أھﻠﻚ ،وإن ﺷﺌﺖ أﺗﻰﺑﮫﻢ اﻟﺪﻟﯿﻞ ،أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻠﻦ أﻓﺎرق ﺻﺤﺒﺔ ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ( ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻮﻓﺎﻧﻲ اﻟﺮب. ُ اﺳﺘﺴﻠﻤﺖ ﻟﺮأﻳﮫﺎ وﻟﻢ أﺷﺄ أن أﻏﻀﺒﮫﺎ ،ﻓﻘﻠﺖ وأﻧﺎ أَﻗ ِﺒ ّﻞ ﻳﺪھﺎ: ﺳﺄرﺳﻞ إﻟﯿﮫﻢ اﻟﺪﻟﯿﻞ ،ﻓﺄﻧﺎ ﻻ أﺳﺘﻄﯿﻊ ﻓﺮاﻗﻚ ﻣﺮة أﺧﺮى.وﻗﺎم )ﻋﺎﻣﯿﺮ( و)ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﻟﯿﺒﯿﺘﻮا ﻓﻲ دارھﻢ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻗﻀﯿ ُ ﺖ أﻧﺎ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻓﻲ ﻓﺮاش أﻣﻲ ،ﺑﻌﺪ ﺳﻨﻮات وﺳﻨﻮات ﻣﻦ اﻟﺸﻮق إﻟﻰ ﻟﯿﻠﺔ ﻛﮫﺬه. ∞∞∞∞∞ ذھﺒﺖ أﻧﺎ و)ﺷﮫﺒﻮر( إﻟﻰ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﺒﻜﺮة ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺎح ،أﺧﺬ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻧﺎﻗﺘﻪ وﻗﺪ ﻋﺰم أن ﻳﻘﺪﻣﮫﺎ ﻗﺮﺑﺎﻧًﺎ ﻟﻠﺮب ،ﻧﻈﺮت إﻟﻰ وﺟﮫﻪ اﻟﺬي اﻛﺘﺴﻰ ﺑﺎﻟﺴﻜﯿﻨﺔ وﺳﺄﻟﺘﻪ: وﻛﺄﻧﻚ ﻗﺪ ﻋﺰﻣﺖ أﻻ ﺗﻌﻮد ﺛﺎﻧﯿﺔ إﻟﻰ »ر ﱠﺳﺔ«. ﻋﻘﻞ )ﺷﮫﺒﻮر( اﻟﻨﺎﻗﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﻮد اﻟﺨﯿﻤﺔ اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﺑﺠﻮار اﻟﻤﺬﺑﺢ ،ﺛﻢ ﻧﻈﺮ إﻟ ﱠ ﻲ وﻗﺎل ﻓﻲ ﺻﻔﺎء: ﻟﻦ أﻓﺎرق ھﺬا اﻟﻨﺒﻲ ﻣﺎ ﺣﯿﯿﺖ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!رأﻳﺘﻪ أﻣﺲ ﻳﺠﻤﻊ أطﻔﺎل ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ وﻳﺤﻜﻲ ﻟﮫﻢ ﻋﻦ أﺑﯿﻨﺎ )إﺑﺮاھﯿﻢ( و)إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ،ﻓﺎﻧﮫﺎرت اﻟﺪﻣﻮع ﻣﻦ ﻋﯿﻨﻲ ،ﻣﺎ أﺣﻠﻰ ﻛﻼﻣﻪ وﻣﺎ أﺻﺪﻗﻪ! ﻣﺮرﻧﺎ ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺨﯿﻤﺔ ﻓﻐﻤﺮﻧﺎ اﻟﺒﺨﻮر اﻟﻤﻘﺪس ﺑﺮاﺋﺤﺔ أﻋﺎدت إﻟﻰ ﻗﻠﺒﻲ ذﻛﺮﻳﺎت ﻣﻀﺖ ،وﻗﻔﻨﺎ أﻣﺎم ﻛﺎھﻦ ﺻﻐﯿﺮ اﻟﺴﻦ ﺑﺪا ﻟﻲ أﻧﻪ ﻣﻦ أﺣﻔﺎد )ھﺎرون( ،ﻛﺎن اﻟﻜﺎھﻦ اﻟﺼﻐﯿﺮ ﻳﺮش اﻟﻤﺎء اﻟﻤﻘﺪس اﻟﺬي ُﺗِﻠﯿَﺖ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺼﻠﻮات ﻓﻲ أرﻛﺎن اﻟﺨﯿﻤﺔ ،ﺣﯿﻦ رآﻧﺎ ﺳﺄﻟﻨﺎ: ن اﻟﺬﺑﯿﺤﺔ؟ ﻓﯿﻢ ﺗﻘﺪﻣﺎ ِھﻞ ھﻲ ﻟﻠﺨﻄﯿﺌﺔ؟ ﻗﻠﺖ: ﺑﻞ ھﻲ ذﺑﯿﺤﺔ اﻟﺴﻼﻣﺔ ،ﻧﻘﺪﻣﮫﺎ ﺷﻜًﺮا ﻟﻠﺮب!ﻛﺎن )ﺷﮫﺒﻮر( ﻳﺘﻠﻔﺖ ﺣﻮﻟﻪ وھﻮ ﻳﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ ﺳﻘﻒ اﻟﺨﯿﻤﺔ ،واﻟﻤﺬﺑﺢ وﻣﺮﺣﻀﺔ ُ اﻟﻤﺎء اﻟﻤﻘﺪس ،ﺛﻢ ﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﻗﺪس اﻷﻗﺪاس ﻧﻈﺮة طﻮﻳﻠﺔ ،وھﻤﺲ ﻓﻲ أذﻧﻲ: ﻣﺎ ھﺬا؟ﺷﻌﺮ اﻟﻜﺎھﻦ اﻟﺼﻐﯿﺮ ﺑﻤﺎ ﻳﺪور ﻓﻲ ذھﻨﻪ ،ﻓﻘﺎل: ھﺬا ﻗﺪس اﻷﻗﺪاس!ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر(: أھﺬا اﻟﻤﻜﺎن اﻟﺬي ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻓﯿﻪ وﺣﻲ اﻟﺮب؟!ﻗﺎل اﻟﻜﺎھﻦ ﻣﺒﺘﺴ ً ﻤﺎ: ﻧﻌﻢ.ﺷﻌﺮت ﺑﺮﻋﺪة ﺟﺴﺪ )ﺷﮫﺒﻮر( ﺣﯿﻨﻤﺎ أﻣﺴﻚ ﺑﯿﺪي ،وأراد أن ﻳﺘﺤﺮك ﻧﺤﻮ ﻗﺪس اﻷﻗﺪاس ،وﻟﻜﻦ اﻟﻜﺎھﻦ اﺳﺘﻮﻗﻔﻪ وﻗﺎل: ﻻ ﻳﺪﺧﻠﻪ إﻻ ﻧﺒﻲ أو ﻛﺎھﻦ!ﺛﻢ وﺿﻊ إﺻﺒﻌﻪ ﻋﻠﻰ ﺻﺪر )ﺷﮫﺒﻮر(: ﻳﺘﺠﻠﻰ اﻟﺮب ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء وﻳﺴﻜﻦ ﻓﻲ ﻗﻠﻮب ﻋﺒﯿﺪه ،ادﻋﻪ وﺳﯿﺴﻤﻌﻚ،وإن ﺷﺌﺖ دﻋﻮت ﻟﻚ. ﺟﻠﺲ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﻪ وﻗﺎل: اد ُع ﻟﻲ! وﺿﻊ اﻟﻜﺎھﻦ ﻳﺪه ﻋﻠﻰ رأﺳﻪ ،وﻣﺴﺢ رأﺳﻪ ﺑﺎﻟﻤﺎء اﻟﻤﻘﺪس ،ﺛﻢ طﺎف ﺑﻤﺠﻤﺮة ﻳﻔﻮح ﻣﻨﮫﺎ راﺋﺤﺔ اﻟﺒﺨﻮر واﻟﻌﻨﺒﺮ ﻓﻮق رأﺳﻪ وھﻮ ﻳﺘﻠﻮ ﻋﻠﯿﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﺼﻠﻮات ،وﺑﻌﺪ أن ﻓﺮغ ﺳﺄﻟﻨﻲ اﻟﻜﺎھﻦ: أﺗﺮﻏﺐ ﻓﻲ أن أﺻﻠﻲ ﻷﺟﻠﻚ أﻳﮫﺎ اﻟﺸﺎب.ﻗﻠﺖ ﺷﺎﻛًﺮا: ﺳﺄﺻﻠﻲ أﻧﺎ ﺑﻨﻔﺴﻲ.ﻏﺴﻠﺖ ﻳﺪي ﻣﻦ اﻟﻤﺎء اﻟﻤﻘﺪس ووﻗﻔﺖ ﻣﻌﺘﺪًﻻ وﻗﺪ أدرت وﺟﮫﻲ ﺟﮫﺔ اﻟﻤﻘﺪس ،ﻛﺎﻧﺖ أول ﺻﻼة ﻟﻲ ﻓﻲ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات ،ﻟﻢ أﺣﻔﻆ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﺮاﻧﯿﻢ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ،وﻟﻜﻨﻲ أدرﻛﺖ أن ﺧﯿﺮ اﻟﺼﻼة ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻊ ﻣﻦ اﻟﻘﻠﺐ ،وﻛﺎن ﻗﻠﺒﻲ ﺣﯿﻨﮫﺎ ﻣﻔﻌ ً ﻤﺎ ﺑﺎﻟﺸﻜﺮ ،ﺷﻜﺮﺗﻪ أن ﺣﻔﻆ ﻟﻲ أﻣﻲ ﺣﺘﻰ أراھﺎ ،وﺷﻜﺮﺗﻪ أن أﻋﺎدﻧﻲ إﻟﻰ ﻗﻮﻣﻲ ،وﺷﻜﺮﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺣﺪث ﻟﻲ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ،ﺷﻜﺮﺗﻪ ﻷﻧﻪ اﻟﺤﺎﻓﻆ واﻟ ُ ﻤﺪﺑِ ّﺮ واﻟﻤﻌﺰي ،وأن أﻗﺪاره ﻛﺎﻧﺖ أﻟﻄﻒ ﺑﻲ ﻣﻤﺎ ﺗﻤﻨﯿﺘﻪ ﻟﻨﻔﺴﻲ. ﻤ ِّ ﺳْﺮﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﺰل ﻧﻠﺘﻘﻂ ﻗﻄًﻌﺎ ﻣﻦ اﻟ َ ﻦ ،وﺿﻊ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻓﺮﻏﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺼﻼة ﺛﻢ ِ إﺣﺪاھﺎ ﻓﻲ ﻓﻤﻪ ﻓﺬاﺑﺖ ﺣﻼوﺗﮫﺎ ﻓﻲ ﻓﯿﻪ واﻣﺘﻸت ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﺒﮫﺠﺔ ﻓﻘﺎل: أﺗﺪري ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ﻣﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻓﻀﻠﻜﻢ ﺑﻪ اﻟﺮب!ﻗﻠﺖ ﻣﺒﺘﺴ ً ﻤﺎ: ﻤ ّ ﻟﻌﻠﻪ ذﻟﻚ اﻟ َﻦ اﻟﺬي ﻳﺬوب ﻓﻲ ﻓﻤﻚ ﺣﻼوة! اﺑﺘﺴﻢ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻛﻼ ،وﻟﻜﻨﻪ ذﻟﻚ اﻟﻮﺣﻲ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻨﻘﻄﻊ ﻋﻨﺪﻛﻢ ،ﻣﺎ أﺟﻤﻞ أن ﻳﺤﯿﺎ اﻹﻧﺴﺎنﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﺗﺘﺠﻠﻰ ﻓﯿﻪ ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺮب! ﻗﻠﺖ: ﺻﺪﻗﺖ.ﺗﻨﮫﺪ ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﺣﺰن: أﺗﻈﻦ أﻧﻪ ﺳﯿﺄﺗﻲ ﻳﻮم ﻳﺮﺳﻞ ﻓﯿﻪ اﻟﺮب إﻟﻰ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﻣﻦ ﻳﺠﻤﻌﮫﻢوﻳﻌﯿﺪھﻢ إﻟﻰ ﻣﻠﺔ أﺑﯿﻨﺎ )إﺑﺮاھﯿﻢ( ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ )ﻣﻮﺳﻰ(؟! ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﻳﻘﯿﻦ: أﺟﻞ وذﻟﻚ ﻟﯿﺲ ﺑﺒﻌﯿﺪ ،طﺎﻟﻤﺎ ﻣﻦ )ﺑﻨﻲ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( رﺟﺎل ﻣﺜﻠﻚ وﻣﺜﻞ )ﻋﻤﺮو(.ودﻋﻨﺎ اﻟﺪﻟﯿﻞ اﻟﺬي راﻓﻘﻨﺎ ﻓﻲ رﺣﻠﺘﻨﺎ ﻣﻦ »رﺳﺔ« ،ﺑﻌﺪ أن أﻣﺪدﺗﻪ ﺑﺎﻟﻤﺎل واﻟﻄﻌﺎم ،وطﻮﻳﺖ ﻟﻪ رﺳﺎﻟﺔ أرﺳﻠﺘﮫﺎ إﻟﻰ )ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ( ،طﻠﺒﺖ ﻣﻦ )ﻋﻤﺮو( ﻓﻲ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ أن ﻳﻌﯿﺪ )أروى( و)إﺑﺮام( ،وأن ﻳﻤﻨﺤﻨﻲ ﺑﻀﻊ ﻧﻮق أﺟﻌﻠﮫﺎ ﻷﺧﻲ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ،ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﺮﻋﻲ ﻓﻲ أﻣﻮال اﻟﺼﺪﻗﺔ ،وﻗﻀﯿﺖ اﻷﻳﺎم اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ ﻛﻤﻦ ﻳﺮوي ﻋﻄﺸﻪ ﺑﻌﺪ طﻮل اﻟﻈﻤﺄ ،ﻛﻨﺖ أﻣﻜﺚ ﺳﺎﻋﺎت طﻮﻳﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء إﻟﻰ ﺟﻮار أﻣﻲ وأﺧﺘﻲ و)ﻋﺎﻣﯿﺮ( أروي ﻟﮫﻢ ﻣﺎ ﻣﱠﺮ ﺑﻲ ﻣﻦ أﺣﺪاث ﻓﻲ ﺑﻘﻌﺔ أﺧﺮى ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻷرض ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﻋﻨﮫﺎ ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أي ﺷﻲء ،رأﻳﺖ اﻟﺸﻐﻒ ﻓﻲ أﻋﯿﻨﮫﻢ ورأﻳﺖ اﻟﻔﺨﺮ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ أﻣﻲ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻧﻈﺮة اﻟﻔﺨﺮ ﺗﻠﻚ ﻛﻔﯿﻠﺔ ﺑﺄن ﺗﻤﺤﻮ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻲ إﺣﺴﺎس اﻟﻨﺪم اﻟﺬي راﻓﻘﻨﻲ طﯿﻠﺔ اﻟﺴﻨﻮات اﻟﻤﺎﺿﯿﺔ ،ﻓﻼ ﺷﻲء أﻛﺜﺮ ﺑﺮا ﻣﻦ أن ﺗﺠﻌﻞ أھﻠﻚ ﻳﻔﺘﺨﺮون ﺑﻚ! وﻓﻲ ﻛﻞ ﺻﺒﺎح ،ﻛﻨﺖ أﻧﺎ و)ﺷﮫﺒﻮر( ﻧﻼزم ﻣﺠﻠﺲ ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ( ،ﻧﺴﺘﻤﻊ إﻟﻰ أﺣﺎدﻳﺜﻪ وﺗﻌﺎﻟﯿﻤﻪ اﻟﺘﻲ ﻳﻠﻘﯿﮫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ،ﻓﺘﻤﺘﻠﺊ ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ ﺛﻘﺔ ﺑﺄن اﻟﺮب ﻳﺮﻋﺎﻧﺎ ﻣﺎ دام ﻧﺒﻲ ﷲ ﺑﯿﻨﻨﺎ ،ورأﻳﺖ ﺣﻤﺎس ﺑﻌﺾ اﻟﺸﺒﺎن ﻓﻲ ﺗﺪوﻳﻦ وﺻﺎﻳﺎ اﻟﻨﺒﻲ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻓﻲ رﻗﺎع ﻣﻦ اﻟﺠﻠﺪ ،ﻳﺘﺪاوﻟﻮﻧﮫﺎ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﮫﻢ ﺑﻌﺪ اﻧﺘﮫﺎء اﻟﺪرس ،ﻓﻔﻌﻠﺖ ﻣﺜﻠﮫﻢ ،وﻛﻨﺖ أﻣﻜﺚ ﺳﺎﻋﺎت ﺑﻌﺪ اﻧﺘﮫﺎء اﻟﺪرس، أﻛﺘﺐ ﻣﺎ أﺳﺘﻄﯿﻊ ﻛﺘﺎﺑﺘﻪ ﻓﻲ أوراق اﻟﺒﺮدي وأطﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻜﺘﺒﻪ اﻟﺸﺒﺎن اﻵﺧﺮون ،ﻓﺘﺮاودﻧﻲ رﻏﺒﺔ ﻓﻲ أن أﺟﻤﻊ ﻛﻞ ھﺬه اﻟﺘﻌﺎﻟﯿﻢ ﻓﻲ ﺳﻔﺮ ﻛﺒﯿﺮ ﻳﺤﻔﻈﮫﺎ ﻣﻦ اﻟﻀﯿﺎع ،ﺣﺘﻰ ﺟﺎء ﻳﻮم اﺧﺘﻠﻒ ﻓﯿﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﺒﺎن ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺄﻟﺔ ذﻛﺮھﺎ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻓﻲ درس ﺳﺒﻖ ،ﻓﻜﺘﺒﮫﺎ أﺣﺪھﻢ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ،وﻛﺘﺒﮫﺎ اﻵﺧﺮ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ أﺧﺮى ،ﻓﻮﻗﻊ ﺧﻼف ﺑﯿﻦ اﻟﺘﻠﻤﯿﺬﻳﻦ ،ووﺟﺪ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﮫﻤﺎ ﻓﺮﻳًﻘﺎ ﻳﻨﺼﺮه، ﻓﺨﺮج إﻟﯿﮫﻢ اﻟﻜﺎھﻦ )ھﺎرون( وﻗﺎل ﻟﮫﻢ: إن اﻟﺮب ﻗﺪ أﻣﺮ ﻧﺒﯿﻪ )ﻣﻮﺳﻰ( ﺑﺄن ﻳﺨﺒﺮ اﻟﺸﻌﺐ ﺑﺄﻻ ﻳﺨﺘﻠﻔﻮا ،وأﻧﮫﻢ ﻳﻮم ﻳﻌﺒﺮون ﻧﮫﺮ اﻷردن ﺳﻮف ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﻨﻘﺶ وﺻﺎﻳﺎه اﻷﺧﯿﺮة ﻋﻠﻰ ﺣﺠﺮ ﻛﺒﯿﺮ ﻳﺸﯿﺪوﻧﻪ وﻳﻨﻘﺸﻮن ﻋﻠﯿﻪ ﻛﻠﻤﺎت اﻟﻨﺎﻣﻮس ﻧﻘ ً ﺸﺎ ﺟﻤﯿًﻼ. ورﻏﻢ أن ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻼﻣﯿﺬ ﻗﺪ اﺳﺘﻤﺮوا ﻓﻲ ﺗﺪوﻳﻦ اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ ،إﻻ أﻧﻨﻲ ﺗﻮﻗﻔﺖ ﻋﻦ ﻛﺘﺎﺑﺘﮫﺎ ووﺟﺪت أﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺨﯿﺮ أﻻ أﻛﺘﺐ ﺷﯿًﺌﺎ ﻳﻈﻨﻪ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺑﻌﺪي ﻣﻦ وﺻﺎﻳﺎ اﻟﻨﺒﻲ وھﻲ ﻣﻤﺎ ﻓﮫﻤﺘﻪ أﻧﺎ. وﻓﻲ ﺻﺒﯿﺤﺔ ﻳﻮم أﻓﺴﺤﺖ ﻓﯿﻪ اﻟﺸﻤﺲ ﻟﻨﻔﺴﮫﺎ طﺮﻳًﻘﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﻐﻤﺎم ،ﻓﺄﺷﺮﻗﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﺰﻟﻨﺎ وأﺛﺎرت ﻓﯿﻪ اﻟﺪفء ،وﺻﻠﺖ ﻗﺎﻓﻠﺔ )أروى( إﻟﻰ »رﺛﻤﺔ« ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻔﺎﺟﺄة ﻋﻈﯿﻤﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ أن ﺟﺎء اﻟﺪﻟﯿﻞ ،وﻣﻌﻪ ﺑﻀﻌﺔ ﻓﺮﺳﺎن ﻣﻦ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( ﺗﺮاﻓﻘﮫﻢ ﻋﺸﺮات اﻟﻨﻮق اﻟﻤﺤﻤﻠﺔ ﺑﺎﻟﺒﺮ واﻟﺘﻤﻮر واﻟﺒﺨﻮر. أﺛﺎرت اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ اﻟﺘﻲ اﺧﺘﺮﻗﺖ ﺧﯿﺎم اﻟﻨﺰل وأﻧﺎﺧﺖ رواﺣﻠﮫﺎ ﻓﻲ ﺣﻲ »رأوﺑﯿﻦ« ﻓﻀﻮل اﻟﻨﺎس ،وﺗﺴﺎءﻟﻮا ﻋﻦ ﺻﺎﺣﺐ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ اﻟﻘﺎطﻦ ﻓﻲ ﺣﻲ »رأوﺑﯿﻦ«، ھﺮوﻟﺖ إﻟﻰ )أروى( و)إﺑﺮام( اﺣﺘﻀﻨﺘﮫﻤﺎ ،وﺧﺮﺟﺖ )روﻣﺎﻧﺎ( وﻋﯿﻨﺎھﺎ ﺗﻔﯿﺾ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء واﻟﻔﺮﺣﺔ ،وھﻲ ﻻ ﺗﺼﺪق أن وﻟﺪھﺎ اﻟﯿﺘﯿﻢ ﻗﺪ ﺻﺎر ﻟﻪ ھﺬا اﻟﺸﺄن اﻟﻌﻈﯿﻢ ،اﺣﺘﻀﻨﺘﮫﺎ )أروى( وﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﺒﻜﻲ: ﺖ أﺟﻤﻞ ﻣﻤﺎ ﺣﻜﺎه )ﺷﻤﻌﻮن( ﻋﻨﻚ ﺑﻜﺜﯿﺮ! اﺷﺘﻘﺖ ﻟﺮؤﻳﺘﻚ ﻛﺜﯿًﺮا ﻳﺎ أﻣﺎه ،أﻧ ِاﺣﺘﻀﻨﺘﮫﺎ أﻣﻲ وھﻲ ﺗﻘﻮل: ﺖ أﺟﻤﻞ ﻣﻦ رأت ﻋﯿﻨﻲ ﻳﺎ )أروى( ،ﺑﺎرك اﻟﺮب ﻓﯿﻚ ﻳﺎ ﻗﺮة اﻟﻌﯿﻦ. وأﻧ ِﺛﻢ ھﺒﻄﺖ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﯿﮫﺎ ﻓﺤﻤﻠﺖ )إﺑﺮام( اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻤﺴﻚ ﺟﻠﺒﺎب أﻣﻪ ﺧﺎﺋًﻔﺎ، وﻟﻜﻨﻪ اﺳﺘﻜﺎن ﺣﯿﻦ ﺿﻤﺘﻪ أﻣﻲ إﻟﻰ ﺻﺪرھﺎ ،وﻓﺎﺿﺖ ﻋﯿﻦ أﻣﻲ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء وھﻲ ﺗﻘﻮل: اﺑﻦ وﻟﺪي اﻟﺤﺒﯿﺐ )إﺑﺮام( ،ﺣﻤًﺪا ﻟﻠﺮب ،ﺣﻤًﺪا ﻟﻠﺮب ،ﻟﯿﺘﻚ ﺣﻲ ﻳﺎ )زﺧﺎري(ﻟﺘﻘﺮ ﻋﯿﻨﻚ ﻛﻤﺎ ﻗﺮت ﻋﯿﻨﻲ. وﺟﻤﻌﻨﻲ اﻟﺮب ﺑﺄھﻠﻲ أﺟﻤﻌﯿﻦ ﺑﻌﺪ ﺳﻨﻮات ﻣﻦ اﻟﺘﯿﻪ واﻟﺸﻘﺎء ،ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أظﻦ ﻓﻲ أﺣﻼﻣﻲ أن أﻧﺎل ذﻟﻚ اﻟﻔﻀﻞ ،وﻣﺎ ظﻨﻨﺖ أن ﺗﺘﻠﻄﻒ ﺑﻲ اﻷﻗﺪار إﻟﻰ ھﺬا اﻟﻘﺪر ﺣﺘﻰ ﺗﺠﻤﻌﻨﻲ ﺑﻜﻞ ﻣﻦ أﺣﺐ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن واﺣﺪ ،أﻣﻲ وزوﺟﺘﻲ وأﺧﺘﻲ وأﺻﺪﻗﺎﺋﻲ وﻓﻮق ﻛﻞ ذﻟﻚ ﺻﺤﺒﺔ ﻧﺒﯿﻲ وﻣﻌﻠﻤﻲ. وﻟﻢ أدِر وأﻧﺎ أﺗﻤﻄﻊ ﻓﻲ ﻧﺸﻮة اﻟﻔﺄل أن اﻷﻗﺪار ﻻ ﺗﺰال ﺗﺤﻤﻞ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﺟﻌﺒﺘﮫﺎ اﺑﺘﻼء ،زﻟﺰل ﺳﻜﯿﻨﺘﻨﺎ ،وﻛﺎد أن ﻳﻌﺼﻒ ﺑﺤﯿﺎﺗﻨﺎ ﻟﻸﺑﺪ. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ واﻟﺴﺘﻮن أﺛﺎرت اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻓﻲ ﺣﻲ »رأوﺑﯿﻦ« أﻗﺎوﻳﻞ اﻟﻨﺎس ،وأﻋﺎدت إﻟﻰ اﻷذھﺎن ذﻛﺮى )زﺧﺎري( اﻟﻨﺠﺎر اﻟﺬي ﻣﺎت ﻓﻲ »ﻗﺎدش ﺑﺮﻧﯿﻊ« ،ﺗﺪاول اﻟﻨﺎس ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﺼﺒﻲ اﻟﺬي ﻏﺎدر ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﺻﻐﯿًﺮا ،ﺛﻢ ﻏﺎب ﻟﺴﻨﻮات ﻟﯿﻌﻮد ﺑﺰوﺟﺔ ﻋﺮﺑﯿﺔ وﺛﺮوة طﺎﺋﻠﺔ ،ﻟﻢ ﺗﺸﻌﺮ أﻣﻲ ﺑﺎﻟﺮاﺣﺔ ﻣﻦ ﺗﻮدد اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻲ ﺣﻲ »رأوﺑﯿﻦ إﻟﯿﮫﺎ«. ُ طِﺮق اﻟﺒﺎب ﻟﻠﻤﺮة اﻟﻌﺎﺷﺮة ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻨﮫﺎر ﻓﻔﺘﺤﺘﻪ ﻟﺘﺠﺪ إﺣﺪاھﻦ ﺗﺴﺄﻟﮫﺎ أن ﺗﻘﺮﺿﮫﺎ ﺻﺎًﻋﺎ ﻣﻦ اﻟُﺒﺮ ،أﻋﻄﺘﮫﺎ أﻣﻲ اﻟﺼﺎع وھﻲ ﺗﻌﻠﻢ أﻧﮫﺎ ﻟﻦ ﺗﺮده ،ﺛﻢ أﻏﻠﻘﺖ اﻟﺒﺎب وﻗﺎﻟﺖ ﻣﺘﺒﺮﻣﺔ: ﺗﺮﻛﻮﻧﺎ ﻟﺴﻨﻮات ﺑﻌﺪ وﻓﺎة )زﺧﺎري( دون ﺳﺆال ،وھﺎھﻢ ﻳﺘﻮددون إﻟﯿﻨﺎ اﻵن!ﻗﻠﺖ ﺑﺎﺳ ً ﻤﺎ: -اﻟﺤﻤﺪ اﻟﺬي ﺟﻌﻠﮫﻢ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﯿﻨﺎ وﻟﻢ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﯿﮫﻢ. ﻗﺎﻟﺖ ﺑﺎﺳﻤﺔ: ﺗﺘﺤﺪث ﻣﺜﻞ أﺑﯿﻚ!ﻛﺎﻧﺖ )أروى( ﺗﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ اﻷرﻳﻜﺔ ،وﻗﺪ اﻧﺘﻔﺨﺖ ﺑﻄﻨﮫﺎ وﺑﺎن ﺣﻤﻠﮫﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺿﺎﺣﻜﺔ: ﻟﻮ ظﻞ اﻟﺒﺎب ﻳﻄﺮق ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻤﻨﻮال ﻟﻨﻔﺪت أﺟﻮﻟﺔ اﻟﺒﺮ ﻗﺒﻞ اﻟﺼﺒﺎح.ﻗﻠﺖ ﻏﯿﺮ ﻣﻜﺘﺮث: وﻣﻦ ﻳﺒﻘﯿﮫﺎ ﻟﻠﺼﺒﺎح!ﺳﺄﻧﺘﻈﺮ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮد )ﻋﺎﻣﯿﺮ( و)ﺷﮫﺒﻮر( ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء وﺳﻨﮫﺪﻳﮫﺎ ﻗﺮﺑﺎﻧًﺎ ﻟﺒﯿﺖ اﻟﺮب! رﻓﻌﺖ )أروى( ﺣﺎﺟﺒﯿﮫﺎ دھﺸﺔ ،وﻗﺎﻟﺖ: أﻟﻦ ﺗﺘﺮك ﻟﻨﺎ ﻣﻨﻪ ﺷﯿًﺌﺎ؟!ﻗﻠﺖ: وﻣﺎ ﺣﺎﺟﺘﻨﺎ ﺑﻪ ﻳﺎ )أروى(؟!وھﻞ ھﻨﺎك طﻌﺎم أﺣﻠﻰ ﻣﻦ اﻟﻤﻦ واﻟﺴﻠﻮى؟! ﺿﺤﻜﺖ أﻣﻲ وھﻲ ﺗﻘﻮل: -أﻟﻢ أﻗﻞ أﻧﻚ ﺗﺘﺤﺪث ﻣﺜﻞ أﺑﯿﻚ؟! ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺘﺖ إﻟﻰ )أروى( وﻗﺎﻟﺖ: ﻻ ﺗﺒﺘﺌﺴﻲ ﻳﺎ )أروى( ﻛﺘﺐ ﻋﻠﯿﻨﺎ أﻧﺎ وأﻧﺖ أن ﻧﺬوق ﺷﻈﻒ اﻟﻌﯿﺶ ﺑﺴﺒﺐﻗﻠﻮﺑﻨﺎ! ﻗﺎﻟﺖ )أروى( ﺿﺎﺣﻜﺔ: ﺖ ﻓﻘﺪ ﻟﻌﻠﻲ أرﺣﻢ ﺣﺎًﻻ ﻣﻨﻚ ﻳﺎ )روﻣﺎﻧﺎ( ،ﻓﺄھﻠﻲ ﻻ ﻳﺰاﻟﻮن ﻓﻲ »رﺳﺔ« ،أﻣﺎ أﻧ ِﻏﺎدرت ﺟﻨﺎت ﻣﺼﺮ ﺑﻼ رﺟﻌﺔ! ﻗﻠﺖ لـ)أروى( ﻣﺆﻧﺒًﺎ: أراك ﺗﻨﺴﺠﯿﻦ ﺧﯿﻮط اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻌﮫﺎ ،وﻗﺪ وﺟﺪت ﻣﻦ ﻳﻌﻮﺿﻚ ﻋﻦ ﻏﯿﺎب )أماﻟﺴﻌﺪ(! ﻗﺎﻟﺖ أﻣﻲ ﺿﺎﺣﻜﺔ: اﻧﺘﻈﺮ ﺣﺘﻰ ﻳﺠﻦ اﻟﻠﯿﻞ وﺳﺄﻋﻠﻤﮫﺎ ﻛﻞ أﺳﺮارك.اﻧﻄﻠﻘﺖ اﻟﻀﺤﻜﺎت ﺻﺎﻓﯿﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻠﺐ ،وﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة ﻷن ﺟﺴًﺮا ﻣﻦ اﻟﻮد ﻗﺪ اﻣﺘﺪ ﺑﯿﻦ )روﻣﺎﻧﺎ( و)أروى( ﺣﺘﻰ وإن اﺗﻔﻘﺎ ﻋﻠ ﱠ ﻲ ،وﻗﺒﻞ أن أﺗﻜﻠﻢ ،طﺮق اﻟﺒﺎب طﺮًﻗﺎ ﻋﻨﯿًﻔﺎ ،ظﻨﻨﺎ أن إﺣﺪاھﻦ ﺳﺘﻄﻠﺐ ﻗﺪ ً ﺣﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺮ ،ذھﺒﺖ أﻣﻲ ﻟﺘﻔﺘﺢ اﻟﺒﺎب ﻓﺈذا بـ)ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﺗﺪﺧﻞ ﺻﺎرﺧﺔ وھﻲ ﺗﻘﻮل: أدرك )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻓﻘﺪ ﺗﺸﺎﺟﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻋﻰ ،وﺗﻜﺎﺛﺮ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺮﺟﺎلھﻨﺎك. ∞∞∞∞∞ ھﺮوﻟﺖ ﺧﺎرج اﻟﻤﻨﺰل ورآﻧﻲ )ﺷﮫﺒﻮر( اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻘﻒ ﺑﻨﺎﺻﯿﺔ اﻟﺤﻲ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ ﻓﺮﺳﺎن )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( أھﺮول ،ﻓﻨﺎداﻧﻲ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻣﺎذا ﺣﺪث ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(؟ﻗﻠﺖ دون أن اﻟﺘﻔﺖ إﻟﯿﻪ: اﺗﺒﻌﻨﻲ إﻟﻰ اﻟﻤﺮﻋﻰ ﻣﻊ اﻟﺮﺟﺎل!وﺻﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﻤﺮﻋﻰ ﻓﻮﺟﺪت ﺻﯿﺎ ً ﺣﺎ ﺷﺪﻳًﺪا ،وﻗﺪ ﺑﺪا أن ﻋﺮاًﻛﺎ ﻗﺪ ﺣﺪث وﺑﻠﻎ ذروﺗﻪ ،ﻧﻈﺮت ﻓﺮأﻳﺖ ﺟﺴﺪ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( اﻟﻀﺨﻢ ﻗﺪ ﺗﻤﺪد أر ً ﺿﺎ وﺑﻀﻌﺔ رﺟﺎل ﻳﻨﮫﺎﻟﻮن ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪه ورأﺳﻪ ﺑﺎﻟﻌﺼﻲ. ﺻﺮﺧﺖ ﻓﯿﮫﻢ: -ﻛﻔﻰ! ﺛﻢ أﻟﻘﯿﺖ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﺑﯿﻨﮫﻢ ،أﺣﻮل ﺑﯿﻦ ﻋﺼﯿﮫﻢ وﺑﯿﻦ ﺟﺴﺪ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( اﻟﺬي ﺗﺨﻀﺐ ﺑﺎﻟﺪﻣﺎء ،ﻧﺎل ﺟﺴﺪي ﺿﺮﺑﺔ ﻣﻦ إﺣﺪى اﻟﻌﺼﻲ ،وﺣﯿﻨﻤﺎ ھ ﱠ ﻢ أﺣﺪھﻢ ﺑﺄن ﻳﮫﻮي ﺑﻌﺼﺎه ﻋﻠﻰ رأﺳﻲ ﺗﻠﻘﻔﺖ ﻋﺼﺎه ﻳﺪ أﺣﺪ اﻟﻔﺮﺳﺎن ﻣﻦ )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( ،دﻓﻊ اﻟﻔﺎرس اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻤﻌﺘﺪي ﺑﻘﺪﻣﻪ ﻓﻲ ﺑﻄﻨﻪ ﻓﺄﺳﻘﻄﻪ أر ً ﺿﺎ ،ﺛﻢ اﻧﻀﻢ إﻟﯿﻪ )ﺷﮫﺒﻮر( وﺑﺎﻗﻲ اﻟﻔﺮﺳﺎن وﺻﻨﻌﻮا ﺣﻠﻘﺔ ﺣﻮﻟﻲ وﺣﻮل )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ،ھ ﱠ ﻢ اﻟﺮﺟﺎل ﺑﺎﻻﺷﺘﺒﺎك ﻣﻌﮫﻢ ،ﻓﻨﺰع اﻟﻔﺮﺳﺎن ﺳﯿﻮﻓﮫﻢ ﻣﻦ ﻏﻤﺪھﺎ ،ﺗﻸﻷت اﻟﻨﺼﺎل ﻓﻲ أﻋﯿﻦ اﻟﺨﺼﻮم ﻓﺄدرﻛﻮا أن اﻷﻣﺮ ﺟﺎد ،ﺗﺮاﺟﻌﻮا وﻗﺪ أﺳﻘﻂ ﻓﻲ إﻳﺪﻳﮫﻢ ،ﻓﻤﻦ ﻳﺠﺮؤ ﻋﻠﻰ رﻓﻊ اﻟﺴﯿﻮف ﻓﻲ ﻣﺤﻠﺔ اﻟﺮب! وﻗﻔﻮا ﻣﺬھﻮﻟﯿﻦ ﻟﻠﺤﻈﺎت ﺛﻢ ﻗﺎل ﻛﺒﯿﺮھﻢ ﻓﻲ ﺻﻮت أﺟﺶ: أﻳﺮﻓﻊ رﺟﺎﻟﻚ اﻟﺴﯿﻮف ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻳﺎ ﺑﻦ اﻟﻨﺠﺎر؟!وﺣﻖ اﻟﺮب )إﻳﻞ( ﻟﻨﻘﺘﺼﻦ ﻣﻨﻚ ﻋﻨﺪ )ﻣﻮﺳﻰ(. ﺛﻢ ﻧﻈﺮ إﻟﻰ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( اﻟﻤﻤﺪد ﻓﻲ إﻋﯿﺎء وﻗﺎل: أﻣﺎ أﻧﺖ ﻳﺎ ﺑﻦ اﻟﻜﻮﺷﯿﺔ ،ﻳﺎ ﺷﻘﯿﻖ اﻟﻘﺮدة واﻟﺨﻨﺎزﻳﺮ ،ﻓﺒﺤﻖ اﻟﺮب إﻳﻞ ﻟﺘﺪﻓﻌﻦﺛﻤﻦ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺘﻪ وﻟﺘﺨﺮﺟﻦ ﻣﻦ ﺣﯿﻨﺎ اﻟﺬي أﺻﺎﺑﻪ اﻟﻔﻘﺮ ﻣﻨﺬ أﺗﯿﺘﻪ! ﻟﻢ أﻟﺘﻔﺖ إﻟﻰ ﺣﺪﻳﺜﻪ ،ﻓﻘﺪ ﺷﻐﻠﻨﻲ أﻣﺮ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻠﮫﺚ وﻗﺪ ﺗﺨﻀﺐ وﺟﮫﻪ ﺑﺎﻟﺪﻣﺎء ،ﻗﺎل ﺑﺼﻮت واھﻦ: »ﺗﻜﺎﺛﺮوا ﻋﻠ ﱠﻲ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،وﻟﻮ ﻗﺎﺑﻠﻮﻧﻲ رﺟﻞ ﻟﺮﺟﻞ ﻟﺼﺮﻋﺘﮫﻢ اﻟﻮاﺣﺪ ﺗﻠﻮ اﻵﺧﺮ«! ﻣﺴﺤﺖ اﻟﺪﻣﺎء ﻋﻦ وﺟﮫﻪ ﺑﯿﺪي وﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﻟﮫﻔﺔ: ﻻ ﺗﺘﺤﺪث ﻳﺎ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ،ﻻ ﺗﺘﺤﺪث ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ.ھ ﱠ ﻢ أن ﻳﺘﺤﺪث وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ،ﺗﮫﺪﻟﺖ ﺟﻔﻮﻧﻪ ،ﺛﻢ ﻏﺎب ﻋﻦ اﻟﻮﻋﻲ ،ﻧﺎدﻳﺖ اﻟﺮﺟﺎل ﻛﻲ ﻧﺘﻌﺎون ﻋﻠﻰ ﺣﻤﻠﻪ ،ﺣﻤﻠﻨﺎه ﺑﺠﮫﺪ ﺑﺎﻟﻎ ﺛﻢ ﻋﺪﻧﺎ ﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﺪار. ﺻﺮﺧﺖ اﻟﻨﺴﺎء ﺣﯿﻦ رأﻳﻨﻪ ،وﺑﻜﻲ )إﺑﺮام( ﺧﻮًﻓﺎ ﻣﻦ اﻟﺼﺮاخ ،ﻓﺤﻤﻠﺘﻪ )أروى( واﻧﺰوت ﺑﻪ رﻋﺒًﺎ ﻓﻲ رﻛﻦ اﻟﺒﯿﺖ ،ﻧﮫﺮت اﻟﻨﺴﺎء ﻋﻦ اﻟﺼﺮاخ وﻣﱠﺪدت ﺟﺴﺪ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻋﻠﻰ اﻷرض ،ﺛﻢ ﻗﻤﺖ ﺑﻤﺴﺢ اﻟﺪﻣﺎء ﻋﻦ وﺟﮫﻪ ﺑﺨﺮﻗﺔ ﻣﺒﻠﻠﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺮوﺣﻪ ﻏﯿﺮ ﻏﺎﺋﺮة وﻟﻜﻦ وﺟﮫﻪ وﺟﺴﺪه ﻛﺎﻧﺎ ﻗﺪ ﺗﻮرﻣﺎ ﻣﻦ ﻛﺜﺮة اﻟﻠﻜﻤﺎت واﻟﻀﺮﺑﺎت ،ﺗﺄﱠوه ﻣﻦ اﻷﻟﻢ ﺣﯿﻦ ﻛﺒﺴﺖ ﺟﺮوﺣﻪ ﺑﺎﻟﺨﺮﻗﺔ ،ﻓﺎطﻤﺄن ﻗﻠﺒﻲ أﻧﻪ ﻻ ﻳﺰال ﺣﯿﺎ ،ﻓﺘﺢ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ﺛﻢ ﻧﻈﺮ ﺣﻮﻟﻪ ،وﺣﯿﻦ رأى اﻟﻨﺴﺎء ،اﻋﺘﺪل ﺟﺎﻟ ً ﺴﺎ وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺷﻖ ﻋﻠﯿﻪ أن ﺗﺮاه زوﺟﺘﻪ وﻧﺴﺎء اﻟﺪار وھﻮ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﺤﺎل ﻣﻦ اﻟﻀﻌﻒ. ﺧﺮج )ﺷﮫﺒﻮر( واﻟﻔﺮﺳﺎن ﻣﻦ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺬي ﺿﺎق ﺑﮫﻢ ﺑﻌﺪ أن اطﻤﺄﻧﻮا ﻋﻠﻰ ﺳﻼﻣﺔ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ،ﻗﺪﻣﺖ ﻗﺪ ً ﺣﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء إﻟﯿﻪ ﻛﻲ ﻳﺸﺮب ،ﺗﻨﺎوﻟﻪ وﻗﱠﺮﺑﻪ إﻟﻰ ﻓﻤﻪ ،ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ أن وﺿﻌﻪ ﺟﺎﻧﺒًﺎ دون أن ﻳﺸﺮب وﻗﺪ اﺧﺘﻨﻘﺖ ﻋﯿﻨﺎه ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع، رﺑﱠﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ وﺳﺄﻟﺘﻪ: ﻣﺎذا ﺣﺪث ﻳﺎ )ﻋﺎﻣﯿﺮ(؟!ﻗﺎل: ھﺆﻻء أﺑﻨﺎء )ﻋﺰرا(!ﻗﻠﺖ: وﻣﺎ اﻟﺬي ﺟﻌﻠﮫﻢ ﻳﺘﻌﺎرﻛﻮن ﻣﻌﻚ؟!ﻗﺎل: ﺧﺮﺟﺖ ﺑﻨﻮق اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ وأﻏﻨﺎم اﻟﻘﺮاﺑﯿﻦ إﻟﻰ اﻟﻤﺮﻋﻰ ،ﻓﻮﺟﺪﺗﮫﻢ ﻳﺮﻋﻮن ﻣﺎﺷﯿﺔل ﻟﮫﻢ ﻣﻦ ﺳﺒﻂ »ﻳﺴﺎﻛﺮ« ،رﻏﻢ أن اﻟﯿﻮم ھﻮ ﻳﻮم »رأوﺑﯿﻦ« ﻓﻲ اﻟﺮﻋﻲ ﺧﺎ ٍ واﻟﺴﻘﯿﺎ! ﻗﺎﻟﺖ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﻣﻘﺎطﻌﺔ: ﻟﯿﺘﻚ ﺗﺮﻛﺘﮫﻢ ﻳﺮﻋﻮن!اﺑﺘﻠﻊ رﻳﻘﻪ وﻗﺎل: ھﺬا ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺖ ،ﻓﻘﺪ وﺟﺪت اﻟﻤﺮﻋﻰ ﻗﺪ ازدﺣﻢ ،وﺷﻌﺮت أن اﻟﻜﻸ ﻟﻦ ﻳﻜﻔﻲ ﻛﻞ ھﺬه اﻷﻧﻌﺎم ،ﻓﺘﺮﻛﺖ أﻧﻌﺎم اﻟﻘﺮاﺑﯿﻦ ﺗﺮﻋﻰ واﻧﺼﺮﻓﺖ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻻ ﺑﺄس أن ﺗﺮﻋﻰ اﻷﻏﻨﺎم اﻟﯿﻮم ﺛﻢ ﺗﺮﻋﻰ اﻷﺑﻞ ﻏًﺪا ،وأﺧﺬت اﻹﺑﻞ إﻟﻰ ﻣﺴﻘﻰ اﻟﺪواب ،ﺣﺘﻰ ﺗﺼﺪر ﺑﻌﺪ ﺳﻔﺮھﺎ اﻟﻄﻮﻳﻞ ،وﻣﺎ أن وﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﻣﺴﻘﻰ اﻟﺪواب، ﺣﺘﻰ ﺗﺒﻌﻨﻲ اﺛﻨﺎن ﻣﻨﮫﻢ ،وﻣﻌﮫﻢ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺎﺷﯿﺔ. ﻗﺎل ﻟﻲ أﺣﺪھﻤﺎ: ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻚ أن ﺗﺴﻘﻲ ﺗﻠﻚ اﻹﺑﻞ ﻣﻦ ﻣﺴﻘﻰ دواﺑﻨﺎ؟!ﺳﺄﻟﺘﻪ: ﻟﻤﺎذا؟ﻗﺎل اﻵﺧﺮ: ﻷن ھﺬا اﻟﻤﺴﻘﻰ ﻟﺤﻲ »رأوﺑﯿﻦ«!ﻗﻠﺖ: ـھﻲ إﺑﻞ )ﺷﻤﻌﻮن ﺑﻦ زﺧﺎري ﺑﻦ رأوﺑﯿﻦ(! ﻗﺎل اﻷول ﻓﻲ ﺳﺨﺮﻳﺔ: وﻣﺎ ﻻﺑﻦ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ وﺣﻲ رأوﺑﯿﻦ!أﻣﺎ ﺗﻜﻔﯿﻨﺎ أﻣﻪ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺄﺗﯿﻨﺎ ﺑﺈﺑﻞ اﻣﺮأﺗﻪ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ؟! ﻧﮫﺮﺗﻪ ﻗﺎﺋًﻼ: اﺣﺬر ﻳﺎ ھﺬا ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺜﻮر ﻏﻀﺒﻲ ﻋﻠﯿﻚ.اﻗﺘﺮب ﻣﻨﻲ وﻗﺎل: ﻏﻀﺒﻚ!وﻣﻦ أﻧﺖ ﺣﺘﻰ ﻳﺜﻮر ﻏﻀﺒﻚ ﻋﻠﻰ ﻳﺎ ﺑﻦ اﻟﻜﻮﺷﯿﺔ؟! ﻓﻠﻢ أﺷﻌﺮ إﻻ ﺑﺠﺴﺪي ﻳﻨﺤﻨﻲ إﻟﻰ اﻷرض ،ﺛﻢ اﻟﺘﻘﻄﺖ ﻳﺪاي ﺣﺠًﺮا ﻛﺒﯿًﺮا، ﺣﻤﻠﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﮫﻮاء ﺛﻢ ﻗﺬﻓﺘﻪ ﻧﺤﻮھﻤﺎ ،ﻟﻢ ﻳﺼﺒﮫﻤﺎ اﻟﺤﺠﺮ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺮﻋﺐ أﺻﺎﺑﮫﻤﺎ ﻣﻦ ﺻﻮﺗﻲ اﻟﺬي زﻟﺰل اﻷرض ﻣﻦ ﺗﺤﺖ أﻗﺪاﻣﮫﻤﺎ ،ﻓﻔﱠﺮا ﻛﺎﻟﺠﺒﻨﺎء ﺗﺎرﻛﯿﻦ ﻣﺎﺷﯿﺘﮫﻤﺎ. ﺳﻜﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﻟﯿﻠﺘﻘﻂ أﻧﻔﺎﺳﻪ اﻟﻼھﺜﺔ ،ﺛﻢ ﻗﺎل: وﺑﻘﯿﺖ ﻣﻜﺎﻧﻲ ﺣﺘﻰ ارﺗﻮت اﻹﺑﻞ ،ﺛﻢ ُﻋﺪت إﻟﻰ اﻟﻤﺮﻋﻰ ﻛﻲ أﻋﻮد ﺑﺄﻏﻨﺎماﻟﻘﺮاﺑﯿﻦ ،ﻓﻮﺟﺪﺗﮫﻤﺎ وﻗﺪ وﻗﻔﺎ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎري ﻳﺤﻤﻼن اﻟﻌﺼﻲ ﻓﻲ إﻳﺪﻳﮫﻤﺎ ،رأﻳﺖ اﻟﺸﺮ ﻓﻲ أﻋﯿﻨﮫﻤﺎ ،ﻓﺸﻤﺮت ﻋﻦ ﺳﺎﻋﺪي وﺗﺠﮫﺰت ﻟﻠﻘﺎﺋﮫﻤﺎ ،ﺻﺮﻋﺖ اﻷول ﺛﻢ اﻟﺜﺎﻧﻲ وﻟﻜﻦ ﻓﺠﺄة رأﻳﺖ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﻗﺎدﻣﺔ ،ﺧﻔﺖ ﻋﻠﯿﮫﺎ ،وﺻﺮﺧﺖ ﻓﯿﮫﺎ ﻛﻲ ﺗﻌﻮد، ﻓﻐﻔﻠﺖ ﻋﯿﻨﻲ ﻋﻦ أﺣﺪھﻢ ،ﻓﺴﻘﻄﺖ ﻋﺼﺎه ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻘﻲ وأﺳﻘﻄﻨﻲ أر ً ﺿﺎ. ﺳﻜﺖ وﻗﺪ اﺧﺘﻨﻖ ﺻﻮﺗﻪ ﺑﺎﻻﻧﻜﺴﺎر ،ﺛﻢ ﻗﺎل: وﷲ ﻟﻮﻻ ھﺬا ﻟﺠﻌﻠﺘﮫﻢ ﺧﺒًﺰا ﺗﻠﻮﻛﻪ أﻓﻮاه ﻧﺴﺎء اﻟﺤﻲ اﻟﻠﯿﻠﺔ!ھﺮوﻟﺖ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﻧﺤﻮه ﺗﺤﺘﻀﻨﻪ وُﺗﻘﺒِ ّﻞ رأﺳﻪ وﻗﺎﻟﺖ ﺑﺎﻛﯿﺔ: ﻓﺪاك ﻧﻔﺴﻲ ﻳﺎ )ﻋﺎﻣﯿﺮ(!أﻣﺎ )روﻣﺎﻧﺎ( ﻓﻘﺪ ﺟﻠﺴﺖ ﺗﻨﺘﺤﺐ ﻓﻲ ﺧﻔﻮت وﻗﺪ ﻏﻄﺖ ﻓﻤﮫﺎ وأﻧﻔﮫﺎ ﺑﻜﻔﮫﺎ. اﻟﺘﻔﺘﺖ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( إﻟ ﱠ ﻲ وﻗﺎﻟﺖ ﻣﺘﺤﺪﻳﺔ وھﻲ ﻻ ﺗﺄﺑﻪ لـ)روﻣﺎﻧﺎ( اﻟﺒﺎﻛﯿﺔ: ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻟﻨﺎ ﺣﯿﺎة ھﻨﺎ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!أرﻳﺪ أن أرﺣﻞ! أرﻳﺪ أن أﻏﺎدر ھﺆﻻء اﻟﻨﺎس اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻜﺮھﻮﻧﻨﺎ. ﻧﻈﺮت ﺑﻄﺮف ﻋﯿﻨﻲ إﻟﻰ )أروى( اﻟﺘﻲ اﻧﻜﻤﺸﺖ ﻓﻲ رﻋﺐ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﺟﺴﺪ )روﻣﺎﻧﺎ( ﻳﮫﺘﺰ ﻣﻊ ﻟﺤﻦ ﻧﺤﯿﺒﮫﺎ اﻟﺨﺎﻓﺖ ،ﻗﻠﺖ: وأﻧﺎ أﺷﻌﺮ ﺑﮫﻤﻮم اﻟﺪﻧﯿﺎ ﺗﻄﺒﻖ ﻋﻠﻰ ﺻﺪري: ﻟﻦ ﻳﺮﺿﻰ ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ( ﺑﻤﺎ ﺣﺪث!ﻗﺎﻟﺖ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﻓﻲ ﺣﺪة: ﻛﻢ ﻣﻦ ﻣﺮة ﺷﻜﻮﻧﺎ لـ)ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ ﺑﻦ ﺣﻮر( ﻓﻜﺎن ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ ﺑﺎﻟﺼﺒﺮ.ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺟﻨﻮن: إﻟﻰ ﻣﺘﻰ ﻧﺬوق اﻟﻤﺬﻟﺔ وُﻧﻌﯿﱠﺮ ﺑﺄﻣﮫﺎﺗﻨﺎ ،ﻓﮫﺬه ﻣﺼﺮﻳﺔ ،وھﺬا أﻣﻪ ﻛﻮﺷﯿﺔ،واﻟﯿﻮم ﻳﻘﻮﻟﻮن ﻋﻦ زوﺟﺘﻚ إﻧﮫﺎ ﻋﺮﺑﯿﺔ ،ھﻞ ﻛﺘﺒﺖ ﻋﻠﯿﻨﺎ اﻟﻤﻌﱠﺮة إﻟﻰ اﻷﺑﺪ؟! ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﻤﺎﺗﮫﺎ ﺣﺎدة ﻛﻀﺮﺑﺎت اﻟﺒَﺮد ﻓﻲ ﻟﯿﻠﺔ ﻣﻤﻄﺮة ،ﻓﺼﺮﺧﺖ ﻓﯿﮫﺎ ﻏﻀﺒًﺎ: اﺻﻤﺘﻲ ﻳﺎ )ﺑﺎﺗﯿﺎ(!وﻛﻔﻲ ﻋﻦ ھﺬا! ﺑﮫﺘﺖ ﺣﯿﻦ ﺻﺮﺧﺖ ﻓﯿﮫﺎ ،ﺷﮫﻘﺖ ،ﺛﻢ اﻧﮫﺎﻟﺖ دﻣﻮﻋﮫﺎ وﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺣﺰن ﻓﻄﺮ ﻗﻠﺒﻲ: ﺳﺄﻛﻒ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﺳﺄﻛﻒ ﻛﻤﺎ ﻛﻔﻔﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ! وﻟﻜﻨﻲ ﻗﺪﻳ ً ﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﺗﻮﻋﺪھﻢ وأﻗﻮل ﻟﮫﻢ: ﺳﯿﺄﺗﻲ أﺧﻲ ﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم ﻟﯿﺮد ﻋﻨﺎ أذاﻛﻢ ،أﻣﺎ اﻵن ،ﻓﻠﻦ أﻗﻮﻟﮫﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻋﺎد أﺧﻲ وﻻ زﻟﻨﺎ ﻻ ﻧﻤﻠﻚ إﻻ اﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ أذاھﻢ. ﺛﻢ وﺿﻌﺖ ﻳﺪ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﮫﺎ وﻗﺎﻟﺖ: ھﯿﺎ ﺑﻨﺎ ﻳﺎ )ﻋﺎﻣﯿﺮ(!ﻓﻠﻨﺎ ﺑﯿﺖ ﻧﺮﺗﺎح ﻓﯿﻪ! وﻗﺒﻞ أن ﻳﺘﺤﺮك ،ﺳﻤﻌﻨﺎ طﺮًﻗﺎ ﺷﺪﻳًﺪا ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎب ،ﻗﻤﺖ ﻓﻔﺘﺤﺖ اﻟﺒﺎب ،ﻓﺈذا ﺑﺤﺎرس ﻣﻦ ﺳﺒﻂ »ﻻوي« ﻳﻘﻮل ﻟﻲ: ھﻞ أﻧﺖ )ﺷﻤﻌﻮن ﺑﻦ زﺧﺎري(؟!ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: ﻧﻌﻢ.ﻗﺎل: ﻳﺪﻋﻮك اﻟﻘﺎﺋﺪ )ﻳﻮﺷﻊ ﺑﻦ ﻧﻮن( إﻟﻰ ﺧﯿﻤﺘﻪ.∞∞∞∞∞ راﻓﻘﻨﻲ )ﺷﮫﺒﻮر( إﻟﻰ اﻟﺨﯿﻤﺔ ،أراد رﺟﺎل »ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر« أن ﻳﺼﺤﺒﻮﻧﺎ وﻟﻜﻨﻲ ﻣﻨﻌﺘﮫﻢ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺜﯿﺮ وﺟﻮدھﻢ اﻟﻤﺸﻜﻼت ،وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ ﺧﯿﻤﺔ اﻟﻘﺎﺋﺪ ،ﻓﻮﺟﺪت أﺑﻨﺎء )ﻋﺰرا( اﻟﺴﺘﺔ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎرﻧﺎ أﻣﺎم اﻟﺨﯿﻤﺔ ،وﻗﺪ ﺑﺪا ﻋﻠﻰ وﺟﻮھﮫﻢ اﻟﻐﻀﺐ ،وﻗﺪ ﺟﻠﺲ ﻣﻦ ﺑﯿﻨﮫﻢ اﺛﻨﺎن ﻋﻠﻰ اﻷرض أﻣﺴﻚ أﺣﺪھﻤﺎ ﺑﻌﯿﻨﻪ وھﻮ ﻳﺼﺮخ ﻣﻦ اﻷﻟﻢ، ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺗﻮرﻣﺖ ﻋﯿﻦ اﻵﺧﺮ وﺷﺠﺖ رأﺳﻪ ،ﻓﺄدرﻛﺖ أﻧﻪ ﻣﻤﺎ ﻓﻌﻠﻪ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﺑﮫﻤﺎ! أﻣﺮﻧﺎ اﻟﺤﺎرس ﺑﺄن ﻧﻘﻒ ﺧﺎرج اﻟﺨﯿﻤﺔ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ دﻟﻒ ھﻮ إﻟﻰ داﺧﻠﮫﺎ ﻟُﯿﻌِﻠﻢ )ﻳﻮﺷﻊ( ﺑﻮﺻﻮﻟﻨﺎ ،ﺳﻤﻌﺖ زﻣﺠﺮة أﺑﻨﺎء )ﻋﺰرا( ،واﻟﺘﻘﻄﺖ أذﻧﻲ ﺑﻀﻊ ﻛﻠﻤﺎت ﻣﺜﻞ: اﻟﻘﺮدة ،اﻟﺨﻨﺎزﻳﺮ ،وﻟﻢ ﻳﺘﻮرع أﺣﺪھﻢ ﻋﻦ ﺗﻤﺜﯿﻞ وﺟﮫﻪ ﺑﺸﻜﻞ ﻗﺮد ﺣﺘﻰ ﻳﺜﯿﺮ ﻏﯿﻈﻨﺎ! ﺳﺄﻟﻨﻲ )ﺷﮫﺒﻮر( ھﺎﻣ ً ﺴﺎ ﻓﻲ أذﻧﻲ: ﻣﺎ ﻗﺼﺔ اﻟﻘﺮدة واﻟﺨﻨﺎزﻳﺮ؟ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أﻧ ِ ّ ﺤﻲ رأﺳﻲ ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻨﮫﻢ: ﻋﻘﻮﺑ ٌﺔ ﻋﺎﻗﺐ ﺑﮫﺎ اﻟﺮب ﺑﻌﺾ اﻟﻌﺼﺎة ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻛﻔﺎرة ﻟﮫﻢ ﻋﻦ ﺧﻄﯿﺌﺘﮫﻢ! ﻗﺎل: وﻟﻤﺎذا ﻳﻌﯿﺮوﻧﻜﻢ ﺑﮫﺎ؟ﻗﻠﺖ: ﻛﺎن إﺧﻮة )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻣﻤﻦ ﺷﻤﻠﮫﻢ اﻟﻌﻘﺎب!ﺧﺮج اﻟﺤﺎرس ودﻋﺎﻧﻲ أﻧﺎ و)ﺷﮫﺒﻮر( ﻟﻠﺪﺧﻮل. دﺧﻠﺖ ﻷﺟﺪ اﻟﻔﺎرس اﻟﺬي ﻓﺘﻦ ﻋﻘﻠﻲ طﯿﻠﺔ أﻳﺎم اﻟﺼﺒﺎ ،ﻳﺠﻠﺲ ﻏﺎﺿﺒًﺎ ﻋﻠﻰ أرﻳﻜﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ﻣﻮﺳﺪة ﺑﻔﺮاء اﻟﻐﻨﻢ ،ذﻛﺮﺗﻨﻲ ﺑﺼﻨﻌﺔ أﺑﻲ أﻳﺎم ﻛﻨﺎ ﻓﻲ »ﺣﻀﯿﺮوت«. ﻗﻠﺖ: ﺳﻼم ﻋﻠﯿﻚ أﻳﮫﺎ اﻟﻘﺎﺋﺪ.ﻗﺎل ﻓﻲ ﺻﺮاﻣﺔ: ﺳﻼم ،أﻳﮫﺎ اﻟﺸﺎب.ﺛﻢ ﻗﺎل: ھﻞ أﻧﺖ )ﺷﻤﻌﻮن ﺑﻦ زﺧﺎري( ﻣﻦ ﺳﺒﻂ »رأوﺑﯿﻦ«؟ﻗﻠﺖ: ﻧﻌﻢ.ﻗﺎل: أﺗﺪري أﻧﻚ ﻗﺪ أﺗﯿﺖ ﺑﻜﺒﯿﺮة ،ﺣﯿﻦ رﻓﻌﺖ اﻟﺴﯿﻮف ﻋﻠﻰ إﺧﻮاﻧﻚ!أﺗﺪري أﻧﻜﻢ ﻗﺪ ﻓﻘﺄﺗﻢ ﻋﯿﻦ أﺣﺪھﻢ وأن اﻟﻨﺎﻣﻮس ﻳﻘﻮل اﻟﻌﯿﻦ ﺑﺎﻟﻌﯿﻦ! وﺣﻖ ﻟﻪ أن ﻳﻔﻘﺄ ﻋﯿﻦ ﻣﻦ ﻓﻌﻞ ﺑﻪ ذﻟﻚ! ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺛﺒﺎت: أدري أﻳﮫﺎ اﻟﻘﺎﺋﺪ.ﻗﺎل ﻓﻲ ﻏﻀﺐ: إذن ﻓﺄﻧﺖ ﺗﻌﻠﻢ ﺑﺎﻟﻨﺎﻣﻮس وﻣﻊ ذﻟﻚ ﺧﺮﻗﺘﻪ!ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ ﻻ أزال ﻋﻠﻰ ﺛﺒﺎﺗﻲ: أﻋﻠﻢ ﺑﺎﻟﻨﺎﻣﻮس ﻳﺎ ﺳﯿﺪي اﻟﻘﺎﺋﺪ وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﺧﺮﻗﻪ.ﻗﺎل: وﻣﻦ ﻓﻌﻞ ھﺬا ﺑﺎﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻳﺼﺮخ ﺧﺎرج اﻟﺨﯿﻤﺔ!ﻗﻠﺖ: ﻓﻌﻠﻪ رﺟﻞ ﻻ ﻳﻘﻮى ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺮاخ؛ ﻷن روﺣﻪ ﻛﺎدت أن ﺗﺰھﻖ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻨﺎﻣﻮس ﻻﻦ ﻣﻔﻘﻮءة أو ﺳﻦ ﻣﻜﺴﻮرة. ﻳﻨﻈﺮ إﻻ ﻟﻌﯿ ٍ ﻧﻈﺮ إﻟ ﱠ ﻲ ﻓﻲ دھﺸﺔ ،ﻓﺄردﻓﺖ ﻏﯿﺮ ھﯿﺎب: ﻟﯿﺖ اﻟﻨﺎﻣﻮس ﻳﺎ ﺳﯿﺪي ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ آﻻم اﻟﺠﺴﺪ ﺣﯿﻦ اﻧﮫﺎل ھﺆﻻء ﺑﺎﻟﻌﺼﻲﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪ رﺟﻞ أﻋﺰل ،ﻟﯿﺘﻪ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ آﻻم اﻟﻨﻔﺲ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﻋﯿﺮه ھﺆﻻء اﻟﻘﻮم ﺑﺄﻣﻪ اﻟﻜﻮﺷﯿﺔ ،ووﺻﻔﻮه ﺑﺸﻘﯿﻖ اﻟﻘﺮدة واﻟﺨﻨﺎزﻳﺮ ،رﻏﻢ أن اﻟﺮب ﻗﺪ ﻏﻔﺮ ﻹﺧﻮﺗﻪ ﺑﻌﻘﺎﺑﮫﻢ! ﻟﯿﺘﻪ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ آﻻم زوﺟﺘﻪ اﻟﺘﻲ ُﺗﻌﯿﱠﺮ ﺑﺄھﻠﮫﺎ رﻏﻢ إﻳﻤﺎﻧﮫﻢ ﺑﺎﻟﺮب )إﻳﻞ( ،ﻟﯿﺖ اﻟﻨﺎﻣﻮس ﻳﺎ ﺳﯿﺪي ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﻘﻠﻮب ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻷﺟﺴﺎد. ﺻﻤﺖ ﻗﻠﯿًﻼ وأﺧﺬ ﻳﺘﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺜﻲ ،ﺛﻢ ﻗﺎم ﻣﻦ ﺟﻠﺴﺘﻪ واﻗﺘﺮب ﻣﻨﻲ ﻓﺸﻌﺮت ﺑﻄﻮﻟﻪ اﻟﻔﺎرع ،وﺿﻊ ﻳﺪه ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ اﺑﺘﺴﺎم: ﺗﻌﺠﺒﻨﻲ ﺟﺮأﺗﻚ ﻓﻲ اﻟﺤﻖ أﻳﮫﺎ اﻟﺸﺎب!أﻧﺖ اﺑﻦ زﺧﺎري اﻟﻨﺠﺎر ،أﻟﯿﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟ ﻗﻠﺖ: ﻧﻌﻢ.ﻗﺎل: ﻻ ﻳﺰال ﻷﺑﯿﻚ ﻣﺤﺒﺔ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ.ﺛﻢ أﺷﺎر إﻟﻰ اﻷرﻳﻜﺔ وﻗﺎل: ھﺬه اﻷرﻳﻜﺔ ﺻﻨﻌﮫﺎ ﻟﻲ!ﺛﻢ أﺷﺎر إﻟﻰ ﺟﺮاب ﻟﻸﺳﮫﻢ ﻣﻌﻠﻖ ﻓﻲ ﻋﻤﻮد اﻟﺨﯿﻤﺔ وﻗﺎل: وﺗﻠﻚ اﻟﺴﮫﺎم ھﻮ ﻣﻦ ﺷﺬﺑﮫﺎ!ﺛﻢ اﻛﺘﺴﻰ وﺟﮫﻪ ﺑﺎﻟﺤﺴﻢ ﻣﺮة أﺧﺮى وﻗﺎل: وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻦ أﺳﻤﺢ ﺑﺄن ﻳﺮﻓﻊ أﺣﺪ اﻟﺴﯿﻮف ﻋﻠﻰ ﺷﻌﺒﻲ ،أو أن ُﻳﮫﱠﺪد أﺣﺪ ﻓﻲل أﻧﺎ ﻗﺎﺋﺪه! ﻧﺰ ٍ ﺛﻢ ﻧﻈﺮ إﻟ ﱠ ﻲ وإﻟﻰ )ﺷﮫﺒﻮر( وﻗﺎل: ُﻣﺮا اﻟﻔﺮﺳﺎن ﺑﺄن ﻳﺮﺣﻠﻮا ،وﻣﻦ ﺷﺎء ﻣﻨﮫﻢ أن ﻳﻤﻜﺚ ﻣﻌﻨﺎ ﻓﻠﯿﻤﻜﺚ ﺑﻼ ﺳﻼح.ﺛﻢ ﻧﺎدى ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮاس ﻗﺎﺋًﻼ: ﺧﻠﻮا أﺑﻨﺎء )ﻋﺰرا(. أد ِدﺧﻞ اﻷﺧﻮان اﻟﻜﺒﯿﺮان وﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮫﻤﺎ ﺷﻤﺎﺗﺔ ،ﺟﻠﺲ )ﻳﻮﺷﻊ( ﻋﻠﻰ اﻷرﻳﻜﺔ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﺻﺮاﻣﺔ: ﻗﺪ اﺳﺘﻤﻌﻨﺎ إﻟﯿﻜﻢ وإﻟﯿﮫﻤﺎ ،ووﺟﺪﻧﺎ أﻧﻜﻢ ﻣﻦ ﺑﺪأﺗﻢ ﺑﺎﻟﻌﺪاء.ﺑﮫﺖ اﻻﺛﻨﺎن ،ﻓﺘﺎﺑﻊ )ﻳﻮﺷﻊ(: ﺔ ﻣﻘﺪارھﺎ رأﺳﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﻐﻨﻢ. وﻟﻜﻨﻨﺎ ﺳﻨﺤﻜﻢ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﺬي ﻓﻘﺪ ﻋﯿﻨﻪ ﺑﺪﻳ ٍﻗﺎل اﻷخ اﻟﻜﺒﯿﺮ ﻣﺴﺘﻨﻜًﺮا: رأﺳﺎن ﻣﻦ اﻟﻐﻨﻢ!ﻟﯿﺲ ھﺬا ﺑﺤﻜﻢ اﻟﺮب ﻳﺎ ﻗﺎﺋﺪ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ؟! أﻟﯿﺴﺖ اﻟﻌﯿﻦ ﺑﺎﻟﻌﯿﻦ واﻟﺴﻦ ﺑﺎﻟﺴﻦ! ﻗﺎل )ﻳﻮﺷﻊ(: ﺑﻠﻰ ،واﻟﺠﺮوح أﻳ ًﻀﺎ ﻗﺼﺎص! ﻓﺈن ﺷﺌﺖ ﺟﻤﻌﺖ ﻋﺼﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﺎﻧﮫﺎﻟﻮا ﻋﻠﻰ رأس ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﻜﻢ وﺟﺴﺪه ﺑﺎﻟﻌﺼﻲ ﺣﺘﻰ ﺗﻮﺷﻚ روﺣﻪ أن ﺗﺰھﻖ! ﺻﻤﺖ اﻟﺮﺟﻞ ،وھﻮ ﻳﻜﻈﻢ ﻏﯿﻈﻪ ،ﻓﻘﺎل )ﻳﻮﺷﻊ( ﻓﻲ ﺣﺴﻢ: ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻳﺔ ﻛﻔﺎرة ﻟﻤﻦ ﻓﻘﺪ ﻋﯿﻨﻪ ،وﺣﺬاِر أن ﺗﻌﻮدوا ﻟﻤﺜﻠﮫﺎ!ﺛﻢ أﺷﺎر إﻟﯿﻨﺎ ﺟﻤﯿًﻌﺎ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ھﯿﺎ اﻧﺼﺮﻓﻮا ﺟﻤﯿًﻌﺎ!وﺑﻌﺪ أن ﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﯿﻤﺔ ،ﺻﺮخ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻓﻘﺪ ﻋﯿﻨﻪ ﻗﺎﺋًﻼ: واﻋﯿﻨﺎه!ت ﺗﻌ ﱠ ﻤﺪ أن ﻳﺼﻞ إﻟﻰ ﻣﺴﺎﻣﻌﻲ: ﻓﻘﺎل أﺧﻮه اﻷﻛﺒﺮ ﺑﺼﻮ ٍ ﻻ ﺗﺼﺮخ!ﻓﻘﺴ ً ﻤﺎ ﺑﺎﻟﺮب إﻳﻞ ﻟﺘﺮﻳﻦ ﺑﻌﯿﻨﻚ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ اﻟﻘﺼﺎص ﻣﻤﻦ ﻓﻘﺄ اﻷوﻟﻰ! ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ واﻟﺴﺘﻮن ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ﻛﻨﺖ أﻧﺎم إﻟﻰ ﺟﻮار )أروى( ،أوﻟﯿﺘﮫﺎ ظﮫﺮي ،وأﻏﻤﻀﺖ ﻋﯿﻨﻲ وﻟﻜﻦ ﻋﻘﻠﻲ ﻟﻢ ﻳﻨﻢ ،ﺷﻌﺮ ْ ت ھﻲ ﺑﺄﻧﻔﺎﺳﻲ اﻟﻤﺆرﻗﺔ ﻓﻲ ﻏﺴﻖ اﻟﻠﯿﻞ ،ﻓﺄﺣﺎطﺖ ﺟﺴﺪي ﺑﯿﺪھﺎ ﻓﻲ اﻟﻈﻼم وﻗﺎﻟﺖ ﺑﺼﻮت ﺧﺎﻓﺖ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻮﻗﻆ )إﺑﺮام(: )ﺷﻤﻌﻮن(!ھﻞ ﻣﺎ زﻟﺖ ﻣﺘﯿﻘﻈًﺎ؟! ﻗﻠﺖ: ﻧﻌﻢ.ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﺮﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﺻﺪري: ﻻ ﺗﺤﺰن ،ﻓﻘﺪ اﻧﺘﮫﻰ اﻷﻣﺮ!ﻗﻠﺖ: ﻪ ﺑﻌﺪ! ﻟﻢ ﻳﻨﺘ ِاﻋﺘﺪﻟﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ وﺟﻞ: ھﻞ ﺗﺨ َﺶ ﺷﯿًﺌﺎ؟ ﻗﻠﺒﻲ ﻳﺤﺪﺛﻨﻲ أن أﺑﻨﺎء )ﻋﺰرا( ﻟﻦ ﻳﻜﻔﻮا ﻋﻦ اﻷذى.ﻗﺎﻟﺖ ھﻲ ﻓﻲ وﺟﻞ: )ﻋﺎﻣﯿﺮ( أﻳ ًﻀﺎ ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺜﺄر ﻟﻜﺮاﻣﺘﻪ. اﺳﺘﺪرت ﻟﮫﺎ وأﺿﺄت ﻣﺼﺒﺎح اﻟﺰﻳﺖ ،ﺳﺄﻟﺘﮫﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﻖ: ﻣﺎذا ﺳﻤﻌﺖ؟ﻗﺎﻟﺖ: أﻗ َﺴﻢ أن ﻳﺮد ﻟﮫﻢ اﻟﺼﺎع ﺻﺎﻋﯿﻦ! ﻓﻘﺪ ﺷﻖ ﻋﻠﯿﻪ اﻧﻜﺴﺎره أﻣﺎم )ﺑﺎﺗﯿﺎ( وأﻣﺎﻣﻨﺎ! ﺗﻨﮫﺪت وﻗﻠﺖ ﻓﻲ وﺟﻮم: )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺤﻘﺔ ،ﻳﺠﺐ أن ﻧﻐﺎدر ھﺬا اﻟﺤﻲ!ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺘﻌﺠﺒﺔ: ﻧﻌﻮد إﻟﻰ »رﺳﺔ«؟!ﻗﻠﺖ: ﻛﻼ ،وﻟﻜﻨﻨﺎ ﺳﻨﻐﺎدر ﺣﻲ »رأوﺑﯿﻦ« ،ﻏًﺪا أﺳﺘﺄذن اﻟﻘﺎﺋﺪ )ﻳﻮﺷﻊ( ﻓﻲ أن أﺑﻨﻲﻟﻲ داًرا ﺧﺎرج اﻟﻨﺰل ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮ اﻟﺘﺮﺗﯿﺐ اﻟﺬي ﻓﺮﺿﻪ ﻋﻠﯿﻨﺎ )ﻣﻮﺳﻰ(. ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻲ: اﻓﻌﻞ ﻣﺎ ﻳﺮﺗﺎح ﻟﻪ ﻗﻠﺒﻚ.وﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ذھﺒﺖ ﻣﻊ )ﺷﮫﺒﻮر( إﻟﻰ ﺧﯿﻤﺔ اﻟﻘﺎﺋﺪ ،ﻗﺪﻣﺖ ﻟﻪ ﺟﻮاﻟﻖ اﻟﺒﺮ واﻟﺘﻤﻮر ﻛﻲ ﻳﻘﺴﻤﮫﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،وأھﺪﻳﺖ إﻟﻰ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﺣﻤﻮﻟﺔ اﻟﺒﺨﻮر ﻛﺎﻣﻠﺔ ،ﺷﻜﺮﻧﻲ اﻟﻘﺎﺋﺪ ودﻋﺎ ﻟﻲ اﻟﻜﺎھﻦ ﺑﺎﻟﺨﯿﺮ واﻟﺒﺮﻛﺔ ،ﺛﻢ اﺳﺘﺄذﻧﺖ )ﻳﻮﺷﻊ( ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﺑﯿﺖ ﺧﺎرج اﻟﻨﺰل ،ﻋﻠﻰ أن ﺗﺮﻋﻰ أﻏﻨﺎم اﻟﻘﺮاﺑﯿﻦ وإﺑﻠﻨﺎ ﻣﻊ ﺳﺒﻂ »ﻻوي« ،ﺗﻔﱠﮫﻢ )ﻳﻮﺷﻊ( ﻏﺮﺿﻲ وأدرك أﻧﻲ أرﻳﺪ أن أﺑﺘﻌﺪ ﻋﻦ اﻟﻤﺸﻜﻼت ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻤﻨﺤﻨﻲ اﻹذن ﻣﺒﺎﺷﺮة ،ﻗﺎل: أﺳﺘﺄذن ﻟﻚ ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ( أوًﻻ ،ﺛﻢ أﺟﯿﺒﻚ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء.ﻋﺮﺟﺖ إﻟﻰ دار )ﻋﺎﻣﯿﺮ( و)ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﻛﻲ أﺟﺒﺮ ﻛﺴﺮﻳﮫﻤﺎ ،وأﺧﺒﺮھﻤﺎ ﺑﻤﺎ ﻋﺰﻣﺖ ﻋﻠﯿﻪ ،وﺟﺪت )ﻋﺎﻣﯿﺮ( أﻓﻀﻞ ﺣﺎًﻻ ﻣﻦ أﻣﺲ ،وﻟﻜﻦ ﻧﻈﺮة ﻋﯿﻨﯿﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﺰال ﻣﻨﻜﺴﺮة ،ﻗﻠﺖ ﻟﻪ ﻣﺎز ً ﺣﺎ ﻛﻲ أﺧﻔﻒ ﻋﻨﻪ: رأﻳﺖ رءو ًﺳﺎ ﻣﺤﻄﻤﺔ ﺑﯿﻦ أوﻻد )ﻋﺰرا( أﻣﺲ ،ﺣﻤًﺪا إﻟﯿﻚ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻘﻀﻲ ﻋﻠﯿﮫﻢ ﺟﻤﯿًﻌﺎ. أن ﺟﻌﻞ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﺗﺄﺗﻲ ﻧﺠﺤﺖ ﺣﯿﻠﺘﻲ ﻓﻲ أن ﺗﺠﻌﻠﻪ ﻳﺒﺘﺴﻢ ﻗﻠﯿًﻼ ،ﻓﺄردﻓﺖ ﺿﺎﺣ ً ﻜﺎ: ﻛﻠﻔﺘﻨﺎ ﻋﯿﻦ واﺣﺪة رأﺳﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﻐﻨﻢ ،ﻓﻤﺎ ﺑﺎﻟﻚ ﻟﻮ اﺳﺘﻤﺮ اﻟﻌﺮاك ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦذﻟﻚ. رﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ ﺷﺎﻛًﺮا وﻗﺎل: ﺷﻜًﺮا ﻟﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻟﻮﻻك ﻟﻘﻀﻮا ﻋﻠ ﱠﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻋﻰ! ﻛﺎﻧﺖ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﺗﺠﻠﺲ ﻓﻲ رﻛﻦ اﻟﺪار ﺗﻔﺘﻞ ﻛﻮﻣﺔ ﻣﻦ ﺻﻮف اﻟﻐﻨﻢ ﺑﯿﻦ ﻳﺪﻳﮫﺎ وﻻ ﺗﻠﺘﻔﺖ إﻟﯿﻨﺎ. ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ ﻓﻲ ﻋﻄﻒ: ﻛﻨﺖ ﻣﺤﻘﺔ ﻳﺎ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ،ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻧﻐﺎدر ذﻟﻚ اﻟﺤﻲ.ﺗﻮﻗﻔﺖ ﻋﻦ ﺑﺮم اﻟﺼﻮف ،ﺛﻢ ﻧﻈﺮت إﻟ ﱠ ﻲ ﻣﺴﺘﺒﺸﺮة وﻗﺎﻟﺖ: -ﺣﻘﺎ! ھﻞ ﺳﻨﺮاﻓﻘﻚ إﻟﻰ »ر ﱠ ﺳﺔ«؟ ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ: ﻛﻼ ،وﻟﻜﻨﻲ اﺳﺘﺄذﻧﺖ اﻟﻘﺎﺋﺪ )ﻳﻮﺷﻊ( ﻓﻲ أن ﻧﺒﻨﻲ داًرا ﺧﺎرج اﻟﻨﺰل ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻦﺣﻲ »رأوﺑﯿﻦ«. ﺷﻌﺮت ﺑﺨﯿﺒﺔ أﻣﻞ وﻗﺎﻟﺖ: وﻣﺎ اﻟﻔﺎﺋﺪة ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(؟ﺳﻨﻘﺎﺑﻠﮫﻢ ﻓﻲ اﻷﺳﻮاق ،وﺳﯿﻘﺎﺑﻠﮫﻢ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻋﻰ. ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ: ﻻ ﺑﺄس أن ﻧﺤﺘﻤﻞ ﺑﻐﺾ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﻟﻨﺎ ﻣﺎ دام ھﻨﺎك اﻟﻜﺜﯿﺮون ﻣﻤﻦ ﻳﺤﺒﻮﻧﻨﺎﻓﻲ ھﺬا اﻟﻨﺰل ،ﻛﻤﺎ أﻧﻲ اﺳﺘﺄذﻧﺖ ﻧﺒﻲ ﷲ ﻓﻲ أن ﻳﺮﻋﻰ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻣﻊ ﺳﺒﻂ »ﻻوي« ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻨﮫﻢ. ﺛﻢ ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ ﻓﻲ ﺣﻨﺎن: ﺻﺪﻗﯿﻨﻲ ﻳﺎ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ،ھﻨﺎك اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺨﯿﺮ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻨﺰل ،رﺑﻤﺎ ﻻ ﺗﺸﻌﺮﻳﻦﺑﻘﺪره اﻵن ﻷﻧﻚ ﻣﺎ زﻟﺖ ﺻﻐﯿﺮة ،وﻟﻜﻨﻚ إذا ﻏﺎدرﺗﯿﻪ ﺳﺘﻨﺪﻣﯿﻦ ﻋﻠﯿﮫﺎ طﯿﻠﺔ ﺣﯿﺎﺗﻚ! ﻗﺎل )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻣﻮاﻓًﻘﺎ رأﻳﻲ: ھﺬا ﻣﺎ أﻗﻮﻟﻪ ﻟﮫﺎ داﺋ ًﻤﺎ. ﻗﺎﻟﺖ ﺣﺰﻳﻨﺔ ﻣﺴﺘﺴﻠﻤﺔ: اﻛﺘﻤﻠﺖ ﺻﺤﺒﺘﻲ ﺑﻌﻮدﺗﻚ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،وﺳﺄﺑﻘﻲ ﻓﻲ أي ﻣﻜﺎن ﺗﻜﻮن أﻧﺖﻓﯿﻪ. ﻗﻤﺖ ﻓﻘﺒﱠﻠﺘﮫﺎ ﺛﻢ ﻗﻠﺖ لـ)ﻋﺎﻣﯿﺮ(: اﺳﺘﺮح ﻟﺒﻀﻌﺔ أﻳﺎم ،وﺳﺄﺗﻮﻟﻰ أﻧﺎ ورﺟﺎل )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( أﻣﺮ اﻟﺮﻋﻲ ﺣﺘﻰﺗﺴﺘﻌﯿﺪ ﻗﻮاك. ∞∞∞∞∞ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ﺟﺎءﻧﻲ اﻹذن ﻣﻦ )ﻳﻮﺷﻊ( ﺑﺄن أﺑﻨﻲ ﻟﻲ ﺑﻨﺎًء ﺧﺎرج اﻟﻨﺰل ،ﻧﻘﯿﻢ ﻓﯿﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺤﯿﻦ ﻣﻮﻋﺪ اﻟﺮﺣﯿﻞ ،ﻋﺎوﻧﻨﻲ رﺟﺎل )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﺑﯿﺖ ﻓﺴﯿﺢ أﻗﻤﻨﺎه ﻓﻮق اﻟﺴﻔﺢ ،واﺳﺘﻐﺮق ﺑﻨﺎؤه ﻗﺮاﺑﺔ اﻟﺸﮫﺮ ،ﻛﺎن اﻟﻤﻨﺰل ﻳﺸﺮف ﻣﻦ ارﺗﻔﺎع ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺰل ،وﻳﺮى اﻟﺠﺎﻟﺲ أﻣﺎﻣﻪ ﻋﻤﻮد اﻟﺪﺧﺎن اﻟﺬي ﻳﺼﻌﺪ ﻣﻦ ﻣﺤﺮﻗﺔ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﺑﻼ اﻧﻘﻄﺎع ،ﺑﻨﯿﻨﺎ اﻟﺒﯿﺖ ﺑﺎﻟﺤﺠﺮ ،وﺟﻌﻠﺖ ﺑﻪ ﺛﻼث ﺣﺠﺮات ﻓﺴﯿﺤﻪ وﻓﻨﺎًء وﻣﺮﺑﻄًﺎ ﻟﻠﺪواب ،ﻛﻤﺎ أﻟﺤﻘﻨﺎ ﺑﻪ ﺑﯿًﺘﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻮص واﻟﺨﺸﺐ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﯿﻢ ﺑﻪ )ﺷﮫﺒﻮر(. واﻟﺤﻖ أن )ﺷﮫﺒﻮر( ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ﻛﺎن ﻻ ﻳﻘﯿﻢ ﺑﯿﻨﻨﺎ إﻻ ﻧﺎدًرا ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻳﻘﻀﻲ ﻳﻮﻣﻪ ﻛﺎﻣًﻼ ﻓﻲ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع أو ﻓﻲ ﺧﯿﻤﺔ ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ( ،ﻳﺴﺘﻤﻊ إﻟﻰ أﺣﺎدﻳﺚ اﻟﻨﺒﻲ ووﺻﺎﻳﺎه ﻓﯿﺤﻔﻈﮫﺎ ﻋﻦ ظْﮫﺮ ﻗﻠﺐ ،ﺛﻢ ﻳﺠﻠﺲ إﻟﻰ اﻟﻜﮫﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ﻓﯿﻨﺎﻗﺸﮫﻢ ﻓﯿﮫﺎ وﻳﺒﺪي ﻓﮫ ً ﻤﺎ ﻳﻔﻮق ﻓﮫﻢ اﻟﺒﻌﺾ ﻣﻨﮫﻢ أﺣﯿﺎﻧًﺎ ،ﺣﺘﻰ ظﻨﻨﺖ أﻧﻪ ﻟﻮ اﻣﺘﺪ ﺑﻪ اﻟﻌﻤﺮ ﺑﯿﻨﻨﺎ ﺳﺘﺼﯿﺮ ﻟﻪ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﺗﻔﻮق ﻣﻜﺎﻧﺔ )ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ ﺑﻦ ﺣﻮر(. وﻓﺮﺣﺖ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﺑﺎﻟﺒﯿﺖ اﻟﺠﺪﻳﺪ؛ ﻷﻧﮫﺎ اﺑﺘﻌﺪت ﻋﻦ أﺑﻨﺎء )ﻋﺰرا( ،وﻓﺮﺣﺖ أﻣﻲ ﺑﻪ؛ ﻷﻧﮫﺎ أﺻﺒﺤﺖ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ رؤﻳﺔ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ودﺧﺎﻧﮫﺎ ﻣﻦ ﻧﺎﻓﺬة ﺣﺠﺮﺗﮫﺎ ،أﻣﺎ )أروى( ﻓﻘﺪ ﻓﺮﺣﺖ ﺑﻪ ﻷﻧﻪ ذﻛﺮھﺎ ﺑﺒﯿﻮت »ﺑﻜﺔ« ﻓﻲ اﺗﺴﺎع ﻓﻨﺎﺋﻪ وﺣﺠﺮاﺗﻪ وﻣﺮﺑﻂ اﻟﺪواب اﻟﻤﻠﺤﻖ ﺑﻪ. وﱠدﻋﻨﺎ رﺟﺎل )ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر( ﺑﻌﺪ أن ﺳﻜﻨﺎ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،وأرﺳﻠﺖ ﻣﻌﮫﻢ رﺳﺎﻟﺔ ﺷﻜﺮ لـ)ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ( ،وأﺻﺒﺤﻨﺎ ﻧﻘﻀﻲ ﻧﮫﺎر اﻟﯿﻮم ﻓﻲ اﻟﻨﺰل ﺛﻢ ﻧﻌﻮد ﻣﺴﺎء إﻟﻰ ﻣﺴﻜﻨﻨﺎ ﺑﺄﻋﻠﻰ اﻟﺴﻔﺢ ،ﻟﻨﻨﻌﻢ ﺑﺪفء اﻻﺟﺘﻤﺎع وأﺣﺎدﻳﺚ اﻟﺴﻤﺮ. واﻗﺘﺮب ﺷﮫﺮ )ﻧﯿﺴﺎن( ﻣﻦ ﻣﻨﺘﺼﻔﻪ ،واﺳﺘﻌﺪ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﱡﻨﺰل ﻟﻼﺣﺘﻔﺎل ﺑﻌﯿﺪ اﻟﺨﺮوج ،ﻓﺎﻣﺘﻸت راﺋﺤﺔ اﻟﻨﺰل ﺑﺎﻟﺨﺒﺰ ،ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌﺪﻣﺎ وزع )ﻳﻮﺷﻊ( ﺣﺒﻮب اﻟﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﯿﻮت اﻟﻨﺰل ﺟﻤﯿًﻌﺎ ،ﻛﺎﻧﺖ أﻣﻲ و)ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﻳﻌﺪان ﻓﻄﯿًﺮا ﻏﯿﺮ ﻣﺨﻤﺮ ﻟﻨﺄﻛﻠﻪ ﻓﻲ اﻷﻳﺎم اﻟﺴﺒﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺒﻖ ﻳﻮم اﻟﻌﯿﺪ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺟﻠﺴﺖ )أروى( ﻣﻤﺪدة وﻗﺪ ﻓﺮﺟﺖ ﺳﺎﻗﯿﮫﺎ اﻟﻠﺘﯿﻦ أﺣﺎطﺘﺎ بـ)إﺑﺮام( اﻟﺼﻐﯿﺮ ،ووﺿﻌﺖ طﺒًﻘﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻮﺳﺞ ﻓﻮق ﺑﻄﻨﮫﺎ اﻟﺘﻲ اﻧﺘﻔﺨﺖ أﻣﺎﻣﮫﺎ ﺣﺘﻰ ﺻﺎرت ﻛﺎﻟﻤﺎﺋﺪة ،اﻟﺘﻘﻄﺖ ﺛﻤﺮة ﻋﻮﺳﺞ ﻣﻦ طﺒﻘﮫﺎ، أﻛﻠﺘﮫﺎ ﺛﻢ ﺳﺄﻟﺖ أﻣﻲ: ﻟﻤﺎذا ﺗﺨﺒﺰﻳﻦ اﻟﻌﺠﯿﻦ ﺑﻐﯿﺮ ﺧﻤﯿﺮ؟!ﻟﺘﺖ أﻣﻲ اﻟﻌﺠﯿﻦ ﺑﺎﻟﻤﺎء ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ: ھﻜﺬا أﻣﺮﻧﺎ اﻟﺮب ﻗﺒﻞ اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ ﻣﺼﺮ!ﺣﯿﻨﺌٍﺬ ﺗﺮﻧﻤﺖ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﺑﺄﻧﺸﻮدة اﻟﺨﺮوج اﻟﺘﻲ ﻏﻨﺘﮫﺎ )ﻣﺮﻳﻢ( أﺧﺖ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻣﻦ ﻗﺒﻞ: َرﻧِ ّﻤﻮا ﻟﻠﺮ ّبِ ﻓﺈﻧﻪ ﻗﺪ ﺗﻌﻈﱠﻢ ..اﻟﻔَﺮس وراﻛﺒﻪ ﻗﺪ ﺗﺤﻄﱠﻢ ..اﻟﺮب ﻗﱠﻮﺗﻲ وﻧﺸﯿﺪي، وﻗﺪ ﺻﺎر ﻏﺎﻳﺘﻲ وﺧﻼﺻﻲ. ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ وأﻧﺎ ﺳﻌﯿﺪ: ﻣﺎ زﻟﺖ أذﻛﺮ )ﻣﺮﻳﻢ( وھﻲ ﺗﺘﻐﻨﻰ ﺑﮫﺎ!ﻛﯿﻒ ﺗﺤﻔﻈﯿﻨﮫﺎ؟! ﻗﺎﻟﺖ )ﺑﺎﺗﯿﺎ(: أﻣﺮﻧﺎ اﻟﻜﺎھﻦ )ھﺎرون( أن ﻧﺤﻔﻈﮫﺎ ،وأن ﻧﺮددھﺎ ﻋﻠﻰ اﻷطﻔﺎل ﻓﻲ ﺧﯿﻤﺔاﻻﺟﺘﻤﺎع ،ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺬﻛﺮوا ﻣﻌﺠﺰة اﻟﺨﺮوج! ﺷﻌﺮت ﺑﻐﺒﻄﺔ ﺷﺪﻳﺪة؛ ﻷﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﻤﻦ ﺷﮫﺪوا ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻌﺠﺰة! ﻓﻘﻠﺖ: ﻣﮫﻤﺎ رددﺗﻢ ﻣﻦ ﺗﺮاﻧﯿﻢ ﻓﻠﻦ ﺗﺸﻌﺮوا ﺑﮫﺎ ﻛﻤﻦ ﺷﺎھﺪھﺎ ﺑﻌﯿﻨﻪ!ﺿﺤﻜﺖ )أروى( وﻗﺎﻟﺖ: ﺗﺘﺤﺪث وﻛﺄﻧﻚ ﻛﻨﺖ ﺗﻌﻘﻞ ﻣﺎ ﺣﺪث؟ﻗﻠﺖ: ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ،وﻳﻜﻔﻲ أﻧﻲ ﻛﺘﺒﺘﮫﺎ ﻓﻲ أوراﻗﻲ!ﻗﺎﻟﺖ )ﺑﺎﺗﯿﺎ(: أرﻳﺪ أن أﻗﺮأ ﺗﻠﻚ اﻷوراق ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﺛﻢ ﺻﻤﺘﺖ ﻗﻠﯿًﻼ وﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺻﻮت ﺑﻪ ﻣﺴﺤﺔ ﺣﺰن: ﻛﻤﺎ أرﻳﺪ أن أﻋﺮف ﻣﺎذا ﻛﺘﺒﺖ ﻋﻦ أﻣﻲ )ﺳﻮﻻف(!ﻗﺎﻟﺖ أﻣﻲ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﻮﺣﻲ إﻟ ﱠ ﻲ ﺑﺎﻹﺟﺎﺑﺔ: ﻛﺘﺐ ﻣﺎ ﺣﻜﯿﺘﻪ ﻟﻚ!ﻛﺎﻧﺖ أﻣﻚ أﺟﻤﻞ ﺑﻨﺎت ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،وﻣﺎﺗﺖ ﺑﻌﺪ أن أﺻﺎﺑﺘﮫﺎ ﺣﻤﻰ ﻓﻲ »ﺣﻮرﻳﺐ«. ﻗﺎﻟﺖ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﺣﺰﻳﻨﺔ: ﻛﻨﺖ أﺗﻤﻨﻰ أن أﺗﺬﻛﺮھﺎ أو أﻋﻲ ﻣﻼﻣﺢ وﺟﮫﮫﺎ!ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ: اﻧﻈﺮي ﻓﻲ اﻟﻤﺮآة وﺳﺘﺠﺪﻳﻦ ﺻﻮرة ﻣﻨﮫﺎ!اﺑﺘﺴﻤﺖ وﻗﺎﻟﺖ: ﺣﻘﺎ!ﻗﻠﺖ ﻣﺆﻛًﺪا: -ﻧﻌﻢ ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ )زﺧﺎري( اﻟﻨﺠﺎر ﻟﯿﻔﺘﺘﻦ إﻻ ﺑﺠﻤﺎل ﻣﺜﻞ ھﺬا اﻟﺠﻤﺎل! ﻟﺘﺖ أﻣﻲ اﻟﻌﺠﯿﻦ ﻓﻲ ﻗﻮة وﻛﺄﻧﻤﺎ أﻏﺎظﮫﺎ ﺣﺪﻳﺜﻲ وﻗﺎﻟﺖ: أﻓﻼ ﻛﻔﻔﺖ ﻋﻦ اﻟﺜﺮﺛﺮة وﺧﺮﺟﺖ ﻟﺘﺤﻀﺮ ﻟﻨﺎ ﺣﻄﺒًﺎ.ﻗﻠﺖ ﺑﺎﺳ ً ﻤﺎ: اﻟﺤﻄﺐ ﺧﻠﻒ اﻟﻔﻨﺎء!ﻗﺎﻟﺖ: إذن ﻓﻠﺘﺸﻌﻠﻪ ﺣﺘﻰ ﺗﺤﻤﻲ اﻟﻨﺎر ﻓﻲ اﻟﻤﻮﻗﺪ.ﻏﻤﺰت ﻟﻲ )أروى( ﺑﻌﯿﻨﮫﺎ ﻛﻲ أﻗﻮم ،ﻓﻘﻤﺖ ﻣﺒﺘﺴ ً ﻤﺎ وأﻧﺎ أﺗﻌﺠﺐ ﻣﻦ أﻣﻲ، ﻣﺎﺗﺖ )ﺳﻮﻻف( وﻣﺎت )زﺧﺎري( وﻟﻢ ﺗﻤﺖ اﻟﻐﯿﺮة ﻓﻲ ﻗﻠﺒﮫﺎ ﺑﻌﺪ! درت ﺣﻮل اﻟﻤﻨﺰل وذھﺒﺖ إﻟﻰ اﻟﻔﻨﺎء اﻟﺨﻠﻔﻲ ،ﺟﻤﻌﺖ ﻛﻮﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﻄﺐ ووﺿﻌﺘﮫﺎ أﺳﻔﻞ اﻟﻤﻮﻗﺪ ،أﺷﻌﻠﺖ اﻟﻨﺎر ﻓﻲ ﻛﺮة ﺻﻮف ﻣﺸﺒﻌﺔ ﺑﺎﻟﺰﻳﺖ ،وأﻟﻘﯿﺘﮫﺎ ﻓﻲ ﻛﻮﻣﺔ اﻟﺤﻄﺐ ،وأﺧﺬت أﻧﻔﺦ ﻓﯿﮫﺎ ﺣﺘﻰ اﺷﺘﻌﻠﺖ اﻟﻜﻮﻣﺔ ،وﻗﻔﺖ ﻗﻠﯿًﻼ أﻗﻠﺒﮫﺎ ﺑﻌﺼﺎ طﻮﻳﻠﺔ ﺣﺘﻰ ﻋﻼ ﺻﻮت طﻘﻄﻘﺎﺗﮫﺎ. ﻓﺠﺄة طﺮق أذﻧﻲ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ طﻘﻄﻘﺎت اﻟﺤﻄﺐ ﺻﻮت وﻛﺄﻧﻪ ارﺗﻄﺎم ﺷﻲء ﻳﺼﺪر ﻣﻦ ﻣﺮﺑﻂ اﻟﺪواب ،ظﻨﻨﺖ أن )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻗﺪ ﻋﺎد ،ﻓﻨﺎدﻳﺖ ﻋﻠﯿﻪ وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﺟﺪ إﺟﺎﺑﺔ ،ذھﺒﺖ إﻟﻰ ﻣﺮﺑﻂ اﻟﺪواب اﻟﺨﺎﻟﻲ ﻣﻦ اﻷﻧﻌﺎم ﻓﻠﻢ أﺟﺪ أﺣًﺪا ،وﻟﻜﻨﻲ وﺟﺪت طﺎوﻟﺔ اﻟﻘﺶ وﻗﺪ ﺳﻘﻄﺖ أر ً ﺿﺎ ،ظﻨﻨﺖ أن اﻟﮫﻮاء ﻗﺪ أﺳﻘﻄﮫﺎ وﻛﺪت أﻋﻮد أدراﺟﻲ ،ﻟﻮﻻ أن ﺳﻤﻌﺖ ﺻﻮﺗًﺎ أﺳﻔﻞ اﻟﺴﻔﺢ ﻛﺤﻔﯿﻒ اﻷﻗﺪام ،وﻗﻔﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎﻓﺔ ،ﻓﺮأﻳﺖ رﺟًﻼ ﻳﮫﺮول أﺳﻔﻞ اﻟﺴﻔﺢ ،وﺣﯿﻦ أﺟﮫﺪت ﺑﺼﺮيُ ، ﺧﯿِ ّﻞ إﻟ ﱠ ﻲ أن اﻟﺮﺟﻞ ﻛﺎن ﻳﺮﺗﺪي ﻋﺼﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ إﺣﺪى ﻋﯿﻨﯿﻪ! ∞∞∞∞∞ اﻟﯿﻮم ھﻮ ﻳﻮم اﻟﺴﺒﺖ اﻟﺬي ﻳﺴﺒﻖ اﻟﻌﯿﺪ ،ﺧﯿﻢ اﻟﺴﻜﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺰل واﻣﺘﺪ ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ اﻟﻔﻀﺎء ،ﺳﻜﻨﺖ اﻟﺮﻳﺢ ﻓﺘﻮﻗﻔﺖ أوراق اﻟﺸﺠﺮ ﻋﻦ اﻟﺤﻔﯿﻒ ،وﺧﺮﺳﺖ اﻟﻌﺼﺎﻓﯿﺮ وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺧﻠﺪت إﻟﻰ اﻟﺮاﺣﺔ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﻤﻘﺪس ،أﻟﻘﻲ ذﻟﻚ اﻟﺴﻜﻮن ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ ﺑﺎﻟﺴﻜﯿﻨﺔ ،ﻓﺘﻤﺘﻤﺖ ﻗﺎﺋًﻼ: ﻳﺎ ﻗﺪوس ،ﻳﺎ ﻣﺎﻟﻚ اﻟﻜﻮن ،ﻳﺎ ﻣﻦ ﻗﺪﺳﺘﻨﺎ ﺑﻮﺻﺎﻳﺎك ،ﻗﺪس أﻋﻤﺎﻟﻨﺎ وطﮫﺮھﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﺮ ..اﻟﺸﻲء اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﻋﺎرض ذﻟﻚ اﻟﺴﻜﻮن ھﻮ راﺋﺤﺔ اﻟﺨﺒﺰ اﻟﻨﺪي، اﻟﺬي ﻓﺮﻏﺖ أﻣﻲ ﻣﻦ طﮫﯿﻪ أﻣﺲ ،ورﺻﺘﻪ ﻓﻲ ﺻﻔﻮف ﻓﻮق ﻣﺎﺋﺪة اﻟﻌﯿﺪ ،أﺛﺎرت اﻟﺮاﺋﺤﺔ ﺷﮫﯿﺘﻲ ،ﻓﺘﻨﺎوﻟﺖ رﻏﯿًﻔﺎ ﻣﻨﻪ ،وأﻛﻠﺘﻪ وأﻧﺎ أﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﺴﻔﺢ، أﺗﺮﻗﺐ ﻋﻤﻮد اﻟﺪﺧﺎن اﻟﺼﺎﻋﺪ ﻣﻦ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ،وأﺷﺎھﺪ ﺧﺪام ﺑﯿﺖ اﻟﺮب وھﻢ ﻳﺰﻳﻨﻮن اﻟﺨﯿﻤﺔ ﺑﺴﻌﻒ اﻟﻨﺨﯿﻞ اﺳﺘﻌﺪاًدا ﻻﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﻤﺼﻠﯿﻦ ،ورﻏﻢ ُﺑْﻌﺪ اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ،اﺳﺘﻄﻌﺖ أن أﻣﯿﺰ ﺟﺴﺪ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﺧﺪام اﻟﺨﯿﻤﺔ ،ﻓﺠﺄة اﺧﺘﺮق اﻟﺴﻜﻮن ﺻﻮت ﺻﺮاخ ﻣﻸ اﻟﻔﻀﺎء ،ﺻﺮاخ اﻣﺮأة ﻟﻢ ﻳﺤﺠﺐ ﺻﻮﺗﮫﺎ ﺷﻲء ﺣﺘﻰ وﺻﻞ إﻟﻰ ﻛﻞ رﻛﻦ ﻣﻦ أرﻛﺎن اﻟﻨﺰل وﻓﺎق ﺻﻮت اﻟﻨﻔﯿﺮ ،اﺳﺘﯿﻘﻆ اﻟﻨﺎﺋﻤﻮن، واﻧﺰﻋﺞ اﻟﻤﺴﺘﯿﻘﻈﻮن ،ورأﻳﺖ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻳﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺰل واﻟﻨﻮم ﻻ ﻳﺰال ﻳﺪاﻋﺐ أﺟﻔﺎﻧﻪ! ﻟﺤﻈﺎت وﻛﻨﺖ أﻗﻒ أﻧﺎ و)ﻋﺎﻣﯿﺮ( وﺳﻂ ﺣﺸﺪ ﻏﻔﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻋﻨﺪ ﻣﺼﺪر اﻟﺼﻮت ﻓﻲ ﺣﻲ »ﻳﺴﺎﻛﺮ« ،اﻷﺣﺎدﻳﺚ اﻟﻤﺘﻨﺎﺛﺮة أﺛﺎرت اﻟﺮﻋﺐ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس ،ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻗﯿﻞ: إن رﺟًﻼ ﻣﻦ ﺳﺒﻂ »ﻳﺴﺎﻛﺮ« ﻗﺪ وﺟﺪ ﻣﻘﺘﻮًﻻ ﻓﻲ داره ،ﺛﻢ ﻗﯿﻞ: إن رأس اﻟﺮﺟﻞ ﻗﺪ وﺟﺪت ﻣﻔﺼﻮﻟﺔ ﻋﻦ ﺟﺴﺪه ،وأن اﻟﺮأس ﻏﯿﺮ ﻣﻮﺟﻮدة ،ﺛﻢ ﺗﺮدد أن اﻟﺮﺟﻞ ﻗﺪ ﻗﺘﻞ ﻣﻨﺬ أﻳﺎم ،وأن اﻣﺮأة ﻗﺪ اﺳﺘﺪﻟﺖ ﻋﻠﻰ ﺟﺜﺘﻪ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﻓﺎﺣﺖ راﺋﺤﺘﮫﺎ ﻣﻦ داره اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺎورھﺎ ،واﻟﺤﻖ أن اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺸﻌﺔ ﺑﻜﻞ ﺗﻔﺎﺻﯿﻠﮫﺎ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻜﺸﻒ ﻟﺤﻈﺔ ﺑﻠﺤﻈﺔ ،وﻟﻜﻦ اﻷﺑﺸﻊ ﻣﻨﮫﺎ أن ﻗﺪ وﻗﻌﺖ ﻓﻲ أﻳﺎم ھﻲ اﻷﻗﺪس ﻋﻨﺪ اﻟﺮب؛ ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻞ اﻟﻨﺎس ﺗﺘﺴﺎءل ﻋﻤﻦ أﻗﺪم ﻋﻠﻰ ﻗﺘﻞ ھﺬا اﻟﺮﺟﻞ ،وھﻞ ھﻮ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أم أﻧﻪ ﻟﺺ ﻗﺪ ﺟﺎء إﻟﻰ اﻟﻨﺰل ﻣﻦ ﺧﺎرﺟﻪ؟! وﺟﺎء )ﻳﻮﺷﻊ( وﻣﻌﻪ ﺣﺮاس ﻣﻦ ﺳﺒﻂ »ﻻوي« ،أﻣﺮ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻻﺑﺘﻌﺎد ﻋﻦ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﺬي ﺗﺪﻧﺲ ﺑﺠﺜﺔ اﻟﻘﺘﯿﻞ ،وﺣﺬر اﻟﻨﺎس ﻣﻦ أن ﺗﻤﺲ أﻳﺪﻳﮫﻢ أي ﺷﻲء ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻨﺎﻟﮫﻢ ﻧﺠﺎﺳﺔ! ﺛﻢ دﻋﺎ اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ اﻛﺘﺸﻔﺖ اﻷﻣﺮ وﺳﺄﻟﮫﺎ ﻋﻦ اﻟﺮﺟﻞ: ﻣﻦ ﻳﻌﯿﺶ ﻣﻌﻪ؟!ﻗﺎﻟﺖ: ﻻ أﺣﺪ ،ھﻮ ﻋﺠﻮز وﺣﯿﺪ ،ﻣﺎﺗﺖ زوﺟﺘﻪ وﻟﻢ ﻳﻨﺠﺐ!ﻗﺎل )ﻳﻮﺷﻊ(: وﻣﻦ ﻳﻘﻮم ﻋﻠﻰ أﻣﺮه؟!ﻗﺎﻟﺖ: ﻻ أﺣﺪ؟ﻗﺎل ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ: وﻣﻦ أﻳﻦ ﻳﺄﻛﻞ؟ﻗﺎﻟﺖ: -ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﻣﺎﺷﯿﺔ ﻳﺮﻋﺎھﺎ ﻟﻪ رﺟﻞ ﻓﻘﯿﺮ ﻣﻦ ﺳﺒﻂ »ﺟﺎد« ،ﺛﻢ طﺮده وﺗﺮك اﻟﻤﺎﺷﯿﺔ ﻷﺑﻨﺎء أﺧﺘﻪ. ﺳﺄﻟﮫﺎ: وأﻳﻦ ھﻢ؟!ﻗﺎﻟﺖ: ﻻ أدري ،ﻓﺄﻧﺎ ﻟﻢ أرھﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ!وﻟﻜﻨﻲ أظﻦ أﻧﮫﻢ ﻣﻦ ﺳﺒﻂ »رأوﺑﯿﻦ«! ﺳﺄﻟﮫﺎ: ـھﻞ ﺗﻌﺮﻓﯿﻦ ﻣﻦ أي اﻟﺒﯿﻮت ھﻢ؟ ﺻﻤﺘﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ ﻧﻄﻘﺖ ﺑﺎﺳﻢ ﻋﺼﻒ ﺑﺂﺧﺮ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ ﺳﻜﻮﻧﻲ وھﻲ ﺗﻘﻮل: أظﻨﮫﻢ أﺑﻨﺎء )ﻋﺰرا ﺑﻦ رأوﺑﯿﻦ(!ﻓﻨﺎدى )ﻳﻮﺷﻊ( ﻓﻲ اﻟﺤﺮاس ﻗﺎﺋًﻼ: أﺣﻀﺮوا ﻟﻲ أوﻟﯿﺎء اﻟﺪم ،ﻓﺄﻧﺎ ﻻ أدري ﻛﯿﻒ ﻟﻢ ﻳﻌﺮﻓﻮا ﺑﻤﻘﺘﻞ وﻟﯿﮫﻢ ﺣﺘﻰ اﻵن!∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ واﻟﺴﺘﻮن وﺟﺎء أﺑﻨﺎء )ﻋﺰرا( ﻳﺼﺮﺧﻮن ﺑﻜﺎؤھﻢ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺸﺒﻪ ﻧﺒﺎح ﻛﻠﺒﺔ ﺛﻜﻠﻰ ﻋﻠﻰ ﺟﺮوھﺎ ،ﺟﻌﻞ اﻟﻨﺎس ُﻳﺸﻔﻘﻮن ﻋﻠﻰ ﻓﺠﯿﻌﺘﮫﻢ ،رأﻳﺖ ﻛﺒﯿﺮھﻢ ﻳﺤﺜﻮ ﻋﻠﻰ رأﺳﻪ اﻟﺘﺮاب! وذرﻓﺖ اﻟﻌﯿﻦ اﻟﻤﻔﻘﻮءة ﻷﺻﻐﺮھﻢ دﻣﻮًﻋﺎ ﻟﻢ أدِر ﻣﺎ ﻣﺼﺪرھﺎ! ﺣﺘﻰ )ﻳﻮﺷﻊ( ﻧﻔﺴﻪ ،أﺷﻔﻖ ﻋﻠﯿﮫﻢ وﺗﺮﻓﻖ ﺑﮫﻢ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻳﺎ أوﻟﯿﺎء اﻟﺪم!ھﺬا ﺧﺎﻟﻜﻢ ﻗﺪ ﻏﺪر ﺑﻪ أﺣﺪھﻢ! وﻟﻜﻢ اﻟﺤﻖ ﻓﻲ اﻟﻘﺼﺎص ﻣﻤﻦ ﻗﺘﻠﻪ ،ﻓﺈن ﻛﺎن ﻋﻨﺪﻛﻢ ﺑﯿﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﺎﺗﻠﻪ ﻓﺄﺗﻮا ﺑﮫﺎ! ﻗﺎل ﻛﺒﯿﺮھﻢ: وﻣﻦ أﻳﻦ ﻧﺄﺗﻲ ﺑﺎﻟﺒﯿﻨﺔ وﻧﺤﻦ ﻟﻢ ﻧﻌﻠﻢ ﺑﻤﻘﺘﻠﻪ إﻻ اﻵن؟!ﻗﺎل )ﻳﻮﺷﻊ(: إذن ،ﻓﻘﺪ أرﺟﺄﺗﻢ اﻟﻘﺼﺎص ﻟﻶﺧﺮة!ﻗﺎل أﺣﺪھﻢ ﺑﻌﺪ أن ﺟﻔﺖ دﻣﻮﻋﻪ ﻓﺠﺄة: ﻧﺮﺟﺌﻪ إﻟﻰ اﻵﺧﺮة!! ﺛﻢ أردف ﻓﻲ ﻏﻀﺐ: ھﻞ ﻛﺘﺐ ﻋﻠﯿﻨﺎ ظﻠﻤﻚ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮة أﻳﮫﺎ اﻟﻘﺎﺋﺪ؟ﻗﺎل )ﻳﻮﺷﻊ( ﻓﻲ ﺻﺮاﻣﺔ: ﻣﺎذا ﺗﻘﺼﺪ أﻳﮫﺎ اﻟﺮﺟﻞ؟أﻓﺼﺢ ﻋﻤﺎ ﺗﺮﻳﺪ! ﻗﺎل اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ﺻﻮت ﻣﺴﻤﻮم: اﻷﻣﺮ ﻻ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﺑﯿﻨﺔ أﻳﮫﺎ اﻟﻘﺎﺋﺪ ،ﻓﺎﻟﻘﺮﻳﻨﺔ وﺣﺪھﺎ ﺗﻜﻔﻲ!ﻓﻤﻦ ﻗﺘﻠﻪ ﻗﺪ أﺧﻔﻰ رأﺳﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺤﺮق ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ﻋﻠﯿﻪ! ﻓﻐﺮ اﻟﻨﺎس أﻓﻮاھﮫﻢ ،واﻗﺸﻌﺮ ﺟﺴﺪي ،ﻓﻲ ﺣﯿﻦ ﻗﺎل )ﻳﻮﺷﻊ(: وﻣﻦ ﻳﻔﻌﻞ ذﻟﻚ؟!ﻗﺎل ﻛﺒﯿﺮھﻢ وھﻮ ﻳﻨﻈﺮ ﻧﺤﻮ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻧﻈﺮة ﺧﻔﻖ ﻟﮫﺎ ﻗﻠﺒﻲ: ﻳﻔﻌﻠﮫﺎ رﺟﻞ ﻳﻜﺮه أﺑﻨﺎء )ﻋﺰرا( ،وﻳﺘﻤﻨﻰ ﻟﮫﻢ اﻟﻔﺠﯿﻌﺔ!ﻗﺎل )ﻳﻮﺷﻊ( وﻗﺪ ﻧﻔﺪ ﺻﺒﺮه: ﻣﺜﻞ ﻣﻦ؟اﻗﺘﺮب ﻛﺒﯿﺮھﻢ ِﻣﱠﻨﺎ ﻓﺄﺷﺎر ﺑﺈﺻﺒﻌﻪ إﻟ ﱠ ﻲ وﻗﺎل: ﻣﺜﻞ ھﺬا.ﺛﻢ اﻗﺘﺮب أﻛﺜﺮ ﻣﻦ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( وﺿﻐﻂ ﺑﺈﺻﺒﻌﻪ ﻓﻲ ﻏﻞ وﻗﻮة ﻋﻠﻰ ﺻﺪره وھﻮ ﻳﻘﻮل: أو ھﺬا!ﻟﻢ ﻳﺤﺘﻤﻞ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﺑﮫﺘﺎﻧﻪ ﻓﺪﻓﻌﻪ ﺑﯿﺪه وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻛﺬﺑﺖ!ﺳﻘﻂ اﻟﺮﺟﻞ أر ً ﺿﺎ ،ﻓﺼﺮخ أﺧﻮه وھﻮ ﻳﻘﻮل: أرأﻳﺖ أﻳﮫﺎ اﻟﻘﺎﺋﺪ؟!أرأﻳﺖ ﻛﻢ ﻳﻜﺮھﻨﺎ ھﺆﻻء اﻟﻨﺎس؟! ﺛﻢ اﺳﺘﺪار ﻧﺤﻮ اﻟﺠﻤﻊ اﻟﻮاﻗﻒ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ وھﻮ ﻳﻘﻮل: اﺷﮫﺪوا ﻳﺎ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ!اﺷﮫﺪوا أن ھﺆﻻء اﻟﻨﺎس ﻗﺪ اﻋﺘﺪوا ﻋﻠﯿﻨﺎ ﺛﺎﻧﯿﺔ! ﺛﻢ ﻗﺎل اﻟﺼﻐﯿﺮ أﻋﻮر اﻟﻌﯿﻦ: ﺑﺤﻖ اﻟﺮب إن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ھﺆﻻء ھﻢ ﻗﺘﻠﺘﻪ ،ﻓﻤﻦ ﻳﻜﻮن ﻗﺎﺗِﻠﻮه؟!اﺷﺘﻌﻞ اﻟﻐﻀﺐ ﻓﻲ اﻟﻌﯿﻮن ،ورأﻳﺖ ﻧﻈﺮة ﻣﻘﯿﺘﻪ ﻓﻲ ﻋﯿﻮن اﻟﻨﺎس ،ﻟﻢ أﻓﮫﻢ ﺳﺒﺒﮫﺎ ،وﻗﺎل أﺣﺪ اﻟﻮاﻗﻔﯿﻦ: ﻣﺎذا ﺗﻨﺘﻈﺮ أﻳﮫﺎ اﻟﻘﺎﺋﺪ؟ﻲ وﻻ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﺑﯿﻨﺔ! اﻷﻣﺮ ﺟﻠ ّ وﻗﺎل آﺧﺮ ﺳﺎﺧًﺮا ﻣﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﺼﻔﻮف: أم أن اﻟﺒﺨﻮر واﻟﺒﺮ ﻳﺸﻔﻌﺎن ﻟﮫﻤﺎ ﻋﻨﺪك!ﻓﺮد ﻋﻠﯿﻪ آﺧﺮ ﺑﺴﺨﺮﻳﺔ أﺷﺪ: أظﻦ أن ﻣﻦ ﻳﺘﺰوج ﻋﺮﺑﯿﱠﺔ ﻳﻜﻮن ﺧﺎرج اﻟﻨﺎﻣﻮس!ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﻤﻘﺖ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﻲ وودت أن أﺗﻘﯿﺄه ،ﻳﺎ رﺑﱠﺎه! ﻟﻤﺎذا ﺗﻔﺘﻨﻨﻲ ﻓﻲ ﻗﻮﻣﻲ؟ ﻟﻤﺎذا ﺗﺠﻌﻠﻨﻲ أﺳﯿﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺪرب اﻟﺬي ﺳﺎر ﻋﻠﯿﻪ أﺑﻲ ﺣﺘﻰ أوﺷﻚ أن أھﻠﻚ ﻛﻤًﺪا ﻣﻦ أﻓﻌﺎﻟﮫﻢ! ﻗﺎم )ﻳﻮﺷﻊ( ﻣﻦ ﺟﻠﺴﺘﻪ وﺻﺮخ ﻓﻲ اﻟﻨﺎس: ﻛﻔﻰ!إﻳﺎﻛﻢ وﻗﺬف اﻷﺑﺮﻳﺎء! ﻓﻮﷲ ﻻ ﻧﺄﺧﺬن اﻟﻨﺎس ﺑﻐﯿﺮ ﺑﯿﻨﺔ! ﻓﺈذا ﺑﺄﻋﻮر اﻟﻌﯿﻦ ﻳﻘﻮل: أرﺳﻠﻮا ﻣﻦ ﻳﺒﺤﺚ ﻓﻲ دارھﻢ ﻋﻦ اﻟﺒﯿﻨﺔ!ﻓﻠﻌﻠﮫﻢ أﺧﻔﻮا ﺷﯿًﺌﺎ ھﻨﺎك. أﻳﺪ اﻟﻨﺎس ﻛﻼﻣﻪ ﻓﺼﻤﺖ اﻟﻘﺎﺋﺪ )ﻳﻮﺷﻊ( ﻗﻠﯿًﻼ ،ﺛﻢ ﺗﻨﮫﺪ ﻗﺎﺋًﻼ: ﺣﺴًﻨﺎ!ﻳﺎ ﺣﺮاس! اذھﺒﻮا إﻟﻰ دارھﻢ أﻋﻠﻰ اﻟﺴﻔﺢ وﻓﺘﺸﻮا ﺑﮫﺎ ﻋﻦ أي ﺷﻲء ُﻣﺮﻳﺐ. ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ إﻟﻰ إﺧﻮة )ﻋﺰرا( وﻗﺎل: وﻟﻜﻦ أﻗﺴﻢ ﺑﺎﻟﺮب إﻳﻞ ﻟﺘﻜﻔﺮ ﱠن ﻋﻦ ﻗﺬﻓﻜﻢ ﻟﮫﻤﺎ إذا ﻟﻢ ﻳﺠﺪ اﻟﺤﺮاس ﻋﻨﺪھﻤﺎ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺐ. وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﺼﻌﺪ ﻧﺤﻮ اﻟﺴﻔﺢ ،أﻟﻘﯿﺖ ﻧﻈﺮة ﻋﻠﻰ أﻋﻮر اﻟﻌﯿﻦ ،ﻓﺮأﻳﺖ ﻋﯿﻨﻪ اﻟﻮﺣﯿﺪة ﺗﺮﻗﺺ ﻓﻲ ﺷﻤﺎﺗﺔ ،وﺗﺬﻛﺮت ﻟﯿﻠﺔ ﺗﻮھﻤﺖ ﻓﯿﮫﺎ أﻧﻲ رأﻳﺘﻪ ﻳﺤﻮم ﺣﻮل اﻟﺒﯿﺖ ﻓﺎﻧﺨﻠﻊ ﻗﻠﺒﻲ ﺣﯿﻨﺌٍﺬ أو ﻛﺎد! ∞∞∞∞∞ ُ ﺻﯿﺒﺖ اﻟﻨﺴﻮة ﺑﺎﻟﺬﻋﺮ ،وﺧﺮﺟﺖ أﻣﻲ ﺑﻐﯿﺮ ﺧﻤﺎر وﺳﻂ ﺣﯿﻦ وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﺪار أ ِ اﻟﺮﺟﺎل ﺛﻢ ﺻﺮﺧﺖ ﻗﺎﺋﻠﺔ: ﻣﺎذا ﺣﺪث ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(؟ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ ﻣﻄﻤﺌًﻨﺎ: ﻻ ﺷﻲء ﻳﺎ أﻣﻲ ،اطﻤﺌﻨﻲ!ﺻﺮﺧﺖ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﻓﻲ )ﺑﻨﻲ ﻋﺰرا( ﺣﯿﻦ رأﺗﮫﻢ وﻗﺎﻟﺖ: ﻣﺎذا ﺗﺮﻳﺪون ﻣﻨﺎ؟ﺗﺮﻛﻨﺎ ﻟﻜﻢ اﻟﻨﺰل وﺻﻌﺪﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﺠﺒﻞ ،ﻓﻠﻤﺎذا ﺗﺘﺒﻌﻮﻧﻨﺎ؟! ﻗﺎل )ﻳﻮﺷﻊ(: اﺻﻤﺘﻲ ﻳﺎ اﻣﺮأة!ﺛﻢ ﻧﻈﺮ إﻟ ﱠ ﻲ وﻗﺎل: ُﻣِﺮ اﻟﻨﺴﺎء أن ﻳﺨﺮﺟﻦ ﻣﻦ اﻟﺪار.ﻗﻠﺖ: ھﺆﻻء ھﻦ ﻛﻞ ﻧﺴﺎء اﻟﺪار.أﺷﺎر إﻟﻰ اﻟﺤﺮاس وﻗﺎل: ﻓﺘِّﺸﻮا اﻟﺪار!ﻗﺎل أﺧﻮھﻢ اﻷﻛﺒﺮ ﻓﻲ ﻏﻠﻈﺔ: وأﻧﺎ ﺳﺄذھﺐ ﻣﻌﮫﻢ.ھ ﱠ ﻤﺖ أﻣﻲ ﺑﺄن ﺗﺘﺤﺪث وﻟﻜﻨﻲ أﺷﺮت إﻟﯿﮫﺎ ﺑﺄن ﺗﺼﻤﺖ. ﻣﻜﺚ اﻟﺤﺮاس و)ﺑﻨﻮ ﻋﺰرا( ﻓﻲ اﻟﺪار ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ ،ﺑﺤﺜﻮا ﻓﻲ اﻟﻔﻨﺎء وﻓﻲ ﺻﻨﺎدﻳﻖ اﻟﻤﻼﺑﺲ ،وﻗﻠﺒﻮا ﻣﺎﺋﺪة اﻟﺨﺒﺰ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪوا ﺷﯿًﺌﺎ ،ﺧﺮﺟﻮا وﻗﺎﻟﻮا لـ)ﻳﻮﺷﻊ(: ﻟﻢ ﻧﺠﺪ ﺷﯿًﺌﺎ.أﺷﺎر أﺣﺪھﻢ إﻟﻰ ﺑﯿﺖ اﻟﺨﻮص اﻟﺬي أﻗﻤﺘﻪ لـ)ﺷﮫﺒﻮر( ﺛﻢ إﻟﻰ ﻣﺮﺑﻂ اﻟﺪواب وﻗﺎل: اﺑﺤﺜﻮا ھﻨﺎ ،وھﻨﺎك!ﻟﻢ ﻳﺘﺤﺮك اﻟﺤﺮاس ﻷﻣﺮه ،وﻟﻜﻦ )ﻳﻮﺷﻊ( أﺷﺎر إﻟﯿﮫﻢ أن ﻳﻔﻌﻠﻮا ،ﻓﺴﺎروا إﻟﻰ ﺣﺠﺮة )ﺷﮫﺒﻮر( أوًﻻ ﻓﻔﺘﺸﻮھﺎ وﻟﻢ ﻳﺠﺪوا ﺑﮫﺎ ﺷﯿًﺌﺎ ،ﺛﻢ ﺗﻮﺟﮫﻮا إﻟﻰ ﻣﺮﺑﻂ اﻟﺪواب اﻟﺬي اﻣﺘﻸ ﺑﺎﻟﺒﻌﯿﺮ ،ﻓﺎﻟﯿﻮم ﻳﻮم ﺳﺒﺖ وﻟﻢ ﺗﺨﺮج اﻟﺒﻌﯿﺮ ﻟﻠﺮﻋﻲ ،ﻗﺎل )ﻳﻮﺷﻊ(: أﺧِﺮﺟﻮا اﻟﺨﯿﻞ واﻟﺒﻌﯿﺮ.ﺳﺎﻋﺪﺗﮫﻢ أﻧﺎ و)ﻋﺎﻣﯿﺮ( و)ﺷﮫﺒﻮر( ،ﻓﻲ إﺧﺮاج اﻟﺪواب ،ﺛﻢ دﺧﻞ )ﻳﻮﺷﻊ( و)ﺑﻨﻮ ﻋﺰرا( ،وﺗﺒﻌﮫﻢ ﺣﺸﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﺣﺘﻰ اﻛﺘﻆ اﻟﻤﺮﺑﻂ ﺑﺎﻟﺠﻤﯿﻊ ،ﻧﻈﺮ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﻤﺮﺑﻂ اﻟﺨﺎﻟﻲ إﻻ ﻣﻦ روث اﻟﺨﯿﻞ واﻹﺑﻞ وﺑﻌﺾ اﻟﻘﺶ واﻟﻜﻸ اﻟﺠﺎف ،ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪوا ﺷﯿًﺌﺎ ،ﻛﺎد )ﻳﻮﺷﻊ( أن ﻳﺄﻣﺮ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﺑﺎﻻﻧﺼﺮاف ﻟﻮﻻ أن ﺻﺮخ أﺣﺪ اﻟﻨﺎس وﻗﺎل: اﻧﻈﺮوا!ﻧﻈﺮﻧﺎ إﻟﻰ ﺣﯿﺚ أﺷﺎر ﻓﺈذا ﺑﻨﺎ ﻧﺮى ﻣﻘﺒ ً ﻀﺎ ﻟﺴﻜﯿﻦ ﻳﺒﺮز ﻣﻦ داﺧﻞ ﻛﻮﻣﺔ اﻟﺮوث، ﺗﻮﺟﻪ )ﻳﻮﺷﻊ( ﻧﺤﻮ ﻣﻘﺒﺾ اﻟﺴﻜﯿﻦ ،ﻓﺄﻣﺴﻜﻪ ﺑﺤﺮص ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺪﻧﺲ ﻳﺪه ،ﺟﺬب اﻟﺴﻜﯿﻦ ﺑﺮﻓﻖ ﻓﻠﻢ ﺗﺨﺮج ،وﻛﺄﻧﮫﺎ ﻗﺪ ﻏﺮزت ﻓﻲ ﺷﻲء ﺻﻠﺪ ،ﺟﺬﺑﮫﺎ ﺑﻘﻮة أﻛﺒﺮ ﻓﺈذا ﺑﺎﻟﺴﻜﯿﻦ ﻳﺨﺮج وﻗﺪ ﻏﺮز ﻧﺼﻠﻪ ﺑﯿﻦ ﻋﯿﻨﻲ رأس ﻣﻘﻄﻮﻋﺔ ﺟﺤﻈﺖ ﻋﯿﻨﺎھﺎ ﻓﻲ رﻋﺐ. ﺟﻔﻞ )ﻳﻮﺷﻊ( ،وﺟﻔﻞ اﻟﺤﺮاس ﻣﻌﻪ وﺻﺮخ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ رﻋﺐ: ﻳﺎ ﻗﺪوس ،ارﺣﻤﻨﺎ ..ﻳﺎ ﻗﺪوس ،ارﺣﻤﻨﺎ!وﺻﺮخ أﺣﺪ أﺑﻨﺎء )ﻋﺰرا( وﻗﺎل: واﺧﺎﻻه!ﻟﻘﺪ ﻗﺘﻠﻪ اﻟﺴﻔﻠﺔ ودﻧﱠﺴﻮا رأﺳﻪ ﻓﻲ روث اﻟﺒﮫﺎﺋﻢ. ﺛﻢ اﺳﺘﻞ ﺳﯿًﻔﺎ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ أﺣﺪ اﻟﺤﺮاس واﻧﺪﻓﻊ ﺑﻪ إﻟ ﱠ ﻲ أﻧﺎ و)ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻗﺎﺋًﻼ ﻓﻲ ﺟﻨﻮن: وﷲ ﻷﻗﺘﺼﻦ ﻟﺪﻣﻪ ﻣﻨﻜﻤﺎ!أﻣﺴﻚ )ﻳﻮﺷﻊ( ﺑﯿﺪه ،وأﺣﺎطﻪ أﺣﺪ اﻟﺤﺮاس ﻣﻦ وﺳﻄﻪ ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺳﻘﻄﺖ أﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﺧﺎﺋﺮ اﻟﻘﻮى ،أﺗﻘﯿﺄ ﺧﺒﺰ اﻟﻌﯿﺪ اﻟﺬي أﻛﻠﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح. ﺻﺮخ أﺑﻨﺎء )ﻋﺰرا( ،وﻣﻌﮫﻢ اﻟﻌﺸﺮات ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ: اﻟﻘﺼﺎص!اﻟﻘﺼﺎص ﻣﻦ اﻟﻘﺘﻠﺔ! اﻟﻘﺘﻞ ﻟﻤﻦ ﻗﺘﻠﻮا اﻟﻌﺠﻮز اﻟﻤﺴﻜﯿﻦ. واﻧﻄﻠﻖ ﺣﺠﺮ ﻟﻢ أدِر ﻣﺼﺪره ،ﻓﺄﺻﺎب ﻛﺘﻔﻲ ،وﺷﻌﺮت ﺑﻪ وﻛﺄﻧﻪ ﻗﺪ اﻧﺨﻠﻊ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻌﻪ ،دﻓﻊ اﻟﺤﺮاس اﻟﻨﺎس ﺑﻌﯿًﺪا ﻋﻨﻲ وﻋﻦ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( وﺻﺮخ )ﻳﻮﺷﻊ( ﻓﻲ ﺣﺮاﺳﻪ: ﻗﯿﺪوا اﻟﻘﺎﺗﻠَْﯿﻦ وادﻓﻌﻮھﻤﺎ إﻟﻰ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ،ﻓﻮﷲ ﻻ ﻳﺤﻜﻢ ﻓﻲ أﻣﺮھﻤﺎ إﻻﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ(. ﻟﻢ أﺷﻌﺮ ﺑﻤﺎ ﻳﺪور ﺣﻮﻟﻲ ،ﻟﻢ ﺗﺸﻌﺮ ﻳﺪي ﺑﺤﺒﺎل اﻟﺤﺮاس اﻟﺘﻲ ﻗﯿﺪﺗﮫﺎ ﺧﻠﻒ ظﮫﺮي ،وﻟﻢ ﺗﺸﻌﺮ ﻋﻨﻘﻲ ﺑﺎﻟﺠﺮح اﻟﺬي دﻣﻲ ﺑﻌﺪ أن ﺟﺬب اﻟﺤﺎرس اﻟﺤﺒﻞ اﻟﺨﺸﻦ اﻟﻤﻠﺘﻒ ﺣﻮﻟﻪ ،ﻏﺎﻣﺖ ﻋﯿﻨﻲ ﻋﻦ اﻟﺮؤﻳﺔ ﺣﺘﻰ اﺳﺘﺤﺎل ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ ﺣﺎ ﺗﺘﺮاﻗﺺ ظﻼﻟﮫﺎ ﺑﯿﻦ ﻏﻤﺎم ﻛﺜﯿﻒُ ، أﺷﺒﺎ ً ﺧ ِﯿ ّﻞ إﻟ ﱠ ﻲ أﻧﻨﻲ أرى )أروى( ﺗﺴﻘﻂ ﻋﻠﻰ اﻷرض و)إﺑﺮام( اﺑﻨﻲ ﻳﻤﺴﻚ ﺻﺪرھﺎ وﻳﺒﻜﻲ ﻓﻲ ھﻠﻊ ،أﻣﻲ ﺗﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﯿﮫﺎ وﺗﺪﻓﻦ وﺟﮫﮫﺎ ﺑﯿﻦ ﻳﺪﻳﮫﺎ ،و)ﺷﮫﺒﻮر( ﻳﺤﺠﺰ )ﺑﺎﺗﯿﺎ( ﺑﺬراﻋﻪ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻠﻘﻲ ﺑﻨﻔﺴﮫﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﺮﺟﺎل ،راﺋﺤﺔ اﻟﺮوث ﻣﻸت أﻧﻔﻲ وأﺣﺴﺴﺖ ﺑﻄﻌﻤﻪ ﻓﻲ ﻓﻤﻲ ﺑﻌﺪ أن ﺳﻘﻄﺖ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻲ ﻋﺸﺮات اﻟﻤﺮات ،ﺿﺮﺑﺎت اﻟﺤﺠﺎرة اﻟﻤﺼﺤﻮﺑﺔ ﺑﺎﻟﻠﻌﻨﺎت واﻟﺘﻲ أﺻﺎﺑﺖ وﺟﮫﻲ وﺟﺴﺪي ،ﻟﻢ ﺗﺆﻟﻤﻨﻲ رﻏﻢ اﻟﺪﻣﺎء اﻟﺘﻲ ﺳﺎﻟﺖ، وﻛﺄﻧﻤﺎ أﺻﺎب ﺟﺴﺪي اﻟﺨﺪر ،أو اﻧﻔﺼﻠﺖ روﺣﻲ ﻋﻨﻪ ،ﻓﺠﺄة اﻣﺘﻸت أذﻧﻲ ﺑﻘﺮع اﻟﻄﺒﻮل ﻣﺮة أﺧﺮى ،وددت ﻟﻮ ﻓﻜﻜﺖ ﻳﺪي ﻛﻲ أﺻﻢ أذﻧ ﱠ ﻲ ﻋﻨﮫﺎ ،ﺗﻠ ِﻮّي ﻋﻨﻘﻲ ودارت رأﺳﻲ اﻟﺘﻲ ﻛﺎدت أن ﺗﻨﺴﺤﻖ ﺗﺤﺖ وطﺄة اﻟﺼﻮت اﻟﺮھﯿﺐ ،ﺳﻤﻌﺖ وﻗﻊ ﺧﻄﻮاﺗﻪ ﻣﺮة أﺧﺮى ،وﺷﻤﻤﺖ راﺋﺤﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻓﺎﻗﺖ راﺋﺤﺔ اﻟﺮوث ﻗﺬارة ،ﺻﻔﯿﺮه اﻟﺤﺎد اﻟﻤﻨﱠﻐﻢ ،ﺷﻌﺮت ﺑﻪ ﻛﺸﻔﺮة ﺳﻜﯿﻦ ﺣﺎدة ﺗﻤﺮ ﻓﻮق ﻋﻨﻘﻲ ،وﻟﻜﻨﻪ ﺣﯿﻦ ﺑﺪأ ﻓﻲ ﺗﺮﻧﯿﻤﺘﻪ اﻷﺛﯿﺮة رددﺗﮫﺎ ﻣﻌﻪ ﺑﻌﺪ أن ﺣﻔﻈﺘﮫﺎ ﻋﻦ ظﮫﺮ ﻗﻠﺐ. ﱡ ض ﺑﺤﻘِﺪ اﻟﱡﻨﻔﻮس اﻟﻌﻨﻮا ُﻣﺤﺒِ ّﯿﻜﻢ وَﻣ ّ ﺠِﺪوا أطِﻔﺌﻮا اﻟﻨﻮَر ﺑﻈﻼم اﻟﻘﻠﻮب أﺣِﺮﻗﻮا اﻷر ِ ﻋﻨﯿﻜﻢ … وﻗﺒﻞ أن ﻳﻜﻤﻞ ﺗﺮﻧﯿﻤﺘﻪ ﺳﻘﻄﺖ ﻣﻐﺸﯿﺎ ﻋﻠ ﱠ ﻲ. ﻻ ِ ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ واﻟﺴﺘﻮن أﻓﻘﺖ ﻷﺟﺪ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﺧﯿﻤﺔ ﺻﻐﯿﺮةُ ،ﻣﻘﯿًﺪا وُﻣﻠًﻘﻰ ﻋﻠﻰ وﺟﮫﻲ ﻋﻠﻰ اﻷرض ،وإﻟﻰ ﺟﻮاري ﻳﺠﻠﺲ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻣﻨﻜﺲ اﻟﺮأس وﻗﺪ ﺗﻠﻄﺦ وﺟﮫﻪ ﺑﺎﻟﺪﻣﺎء، ﺗﺄوھﺖ وأﻧﺎ أﻋﺘﺪل ،ﺛﻢ ﺳﺄﻟﺘﻪ ﺑﺠﮫﺪ ﺑﺎﻟﻎ: )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ،ھﻞ أﻧﺖ ﺑﺨﯿﺮ؟رﻓﻊ رأﺳﻪ اﻟﻤﻨﻜﺴﺔ وﻗﺎل ﻓﻲ ﺟﮫﺪ: ل أﻓﻀﻞ ﻣﻨﻚ! ﻟﺴﺖ ﺑﺤﺎ ٍﺛﻢ ﺑﻜﻰ ﻗﮫًﺮا وﻗﺎل: ﻟﻢ أﻗﺘﻠﻪ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(.ﻗﻠﺖ: أﻋﻠﻢ ﻳﺎ )ﻋﺎﻣﯿﺮ(.ﺛﻢ ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺟﮫﺪ ﺑﺎﻟﻎ: ﻟﻦ ﻳﻀﯿﻌﻨﺎ اﻟﺮب!ﺳﻤﻌﻨﺎ ﺟﻠﺒﺔ ﺷﺪﻳﺪة ﺧﺎرج اﻟﺒﺎب ،ﻧﻈﺮت إﻟﻰ ﻓﺮﺟﺔ اﻟﺨﯿﻤﺔ ،ﻓﻮﺟﺪت اﻟﺤﺮاس وﻗﺪ وﻗﻔﻮا أﻣﺎﻣﮫﺎ ﻳﻤﻨﻌﻮن اﻟﻨﺎس اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻌﺎﻟﺖ ﺻﯿﺤﺎﺗﮫﻢ ﻣﻦ اﻟﺪﺧﻮل إﻟﯿﮫﺎ ،ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أﺟﺘﮫﺪ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻨﻔﻄﺮ ﻗﻠﺒﻲ ﻣﻦ اﻟﺤﺰن: ﻟﻤﺎذا ﻳﻜﺮھﻨﺎ ھﺆﻻء؟!ﺣﯿﻨﺌٍﺬ ﺳﻤﻌﻨﺎ ﺻﻮت اﻟﻘﺎﺋﺪ )ﻳﻮﺷﻊ( ﻳﮫﺘﻒ ﻓﻲ اﻟﺤﺮاس: أﺣﻀﺮوا اﻟﻘﺎﺗﻠﯿﻦ وأوﻟﯿﺎء اﻟﺪم إﻟﻰ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ،ﻓﻘﺪ ﻧﺰل اﻟﻮﺣﻲ ﺑﺤﻜﻢاﻟﺮب ﻓﯿﮫﻤﺎ. ﺳﻤﻌﺖ ھﺘﺎف اﻟﻨﺎس وھﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮن: ﺗﺒﺎرك ﻣﺠﺪ اﻟﺮب ،ﺗﺒﺎرك ﻣﺠﺪ اﻟﺮب!دﺧﻞ اﻟﺤﺮاس ﻓﺄﻋﺎﻧﻮﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﮫﻮض ،ﺛﻢ ﺧﺮﺟﻮا ﺑﻨﺎ ﻟﺘﺴﺘﻘﺒﻠﻨﺎ اﻟﺒﺼﻘﺎت واﻟﺸﺘﺎﺋﻢ ،رأﻳﺖ أﻗﺪام )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﺗﺮﺗﺠﻒ وﻧﻈﺮ إﻟ ﱠ ﻲ ﻓﻲ ﺧﻮف ،ﻗﻠﺖ ﻟﻪ ﺑﺸﻔﺘﺎي وأﻧﺎ أﺣﺎول أن أرﺑﻂ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻲ وﻗﻠﺒﻪ: ﻟﻦ ﻳﻀﯿﻌﻨﺎ اﻟﺮب!وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ،وﺟﺪت )ﺷﮫﺒﻮر( ﻳﻘﻒ إﻟﻰ ﺟﻮار ﺧﺪام اﻟﺒﯿﺖ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﯿﻨﺎ ﻓﻲ إﺷﻔﺎق وﻋﯿﻨﻪ ﺗﻨﻔﻄﺮ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء ،أﻏﻠﻖ اﻟﺤﺮاس ﻣﺪﺧﻞ اﻟﺨﯿﻤﺔ وﺟﻌﻠﻮﻧﺎ ﻓﻲ ﺻﻔﯿﻦ ﻣﺘﻘﺎﺑﻠﯿﻦ ،أﻧﺎ و)ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻓﻲ ﺟﮫﺔ ،وأﺑﻨﺎء )ﻋﺰرا( ﻓﻲ اﻟﺠﮫﺔ اﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ، ﻛﺎن )ﻳﻮﺷﻊ( ﻳﻘﻒ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﻜﺎھﻦ )ھﺎرون( أﻣﺎم ﻗﺪس اﻷﻗﺪاس ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ( ﺑﺪاﺧﻠﻪ ،ﻗﺎل اﻟﻜﺎھﻦ )ھﺎرون( ﻷﺑﻨﺎء )ﻋﺰرا(: ﻳﺎ أوﻟﯿﺎء اﻟﺪم!أﺗﺪرون أن ﻣﻼك اﻟﺮب ﻓﻲ وﺳﻄﻜﻢ اﻵن؟ ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﻄﻤﺄﻧﯿﻨﺔ ﺣﯿﻦ ﻗﺎل )ھﺎرون( ذﻟﻚ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ارﺗﻌﺶ ﺻﻮت أﺧﯿﮫﻢ اﻷﻛﺒﺮ وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻧﻌﻢ ،وﻧﻨﺘﻈﺮ ﺣﻜﻢ اﻟﺮب.ﻗﺎل )ھﺎرون(: أﺗﺪرون أﻳ ًﻀﺎ أن اﻟﺮب ﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﻋﻠﯿﻪ ﺷﻲء ﻓﻲ اﻷرض وﻻ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء؟! ازدادت رﻋﺸﺔ ﺻﻮت اﻟﺮﺟﻞ ،رﻏﻢ ﺗﻈﺎھﺮه ﺑﺎﻟﺜﺒﺎت وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻧﻌﻢ ،وﻟﮫﺬا أﺗﯿﻨﺎه!ھﱠﺰ )ھﺎرون( رأﺳﻪ ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ إﻟ ﱠ ﻲ أﻧﺎ و)ﻋﺎﻣﯿﺮ( وﻗﺎل: ھﻞ ارﺗﻜﺒﺘﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﻄﯿﺌﺔ؟!ﺻْﺪق وﻓﻲ ﺻﻮت واﺣﺪ: ﻗﻠﻨﺎ ﻓﻲ ِ ﻛﻼ.ھﺘﻒ أﺣﺪ أﺑﻨﺎء )ﻋﺰرا( ﻓﻲ ﻏﻀﺐ وﻗﺎل: وھﻞ ﻳﺴﺄل اﻟﺠﺎﻧﻲ ﻋﻦ ﻓﻌﻠﺘﻪ ﺑﻌﺪ أن وﺟﺪﻧﺎ رأس اﻟﻘﺘﯿﻞ ﻋﻨﺪه أﻳﮫﺎ اﻟﻜﺎھﻦ؟!أﺷﺎر )ﻳﻮﺷﻊ( ﻧﺤﻮ اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ﺻﺮاﻣﺔ وﻗﺎل: ﻳﺎ ھﺬا!ﺣﺬاِر أن ﻳﻌﻠﻮ ﺻﻮﺗﻚ ھﻨﺎ! اﺑﺘﻠﻊ اﻟﺮﺟﻞ ﻟﺴﺎﻧﻪ ،وﻟﻢ ﻳﺠﺒﻪ )ھﺎرون( ،ﺑﻞ دﺧﻞ )ھﺎرون( إﻟﻰ ﻗﺪس اﻷﻗﺪاس ﻟﻠﺤﻈﺎت ﺛﻢ ﻋﺎد وﻧﻈﺮ إﻟﻰ أﺑﻨﺎء )ﻋﺰرا( ﻗﺎﺋًﻼ: إن اﻟﺴﯿﺪ اﻟﺮب ﻳﺄﻣﺮﻛﻢ أن ﺗﺬﺑﺤﻮا ﺑﻘﺮة!ﻗﺎﻟﻮا ﻓﻲ ﺻﻮت واﺣﺪ: -ﺑﻘﺮة! ! ﺛﻢ ارﺗﻔﻊ ﺻﻮت ﻛﺒﯿﺮھﻢ ﻣﺮة أﺧﺮى وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﺑﻘﺮة!أﻳﺴﺨﺮ ﻣﻨﺎ )ﻣﻮﺳﻰ(؟! ﻧﻄﺎﻟﺒﻪ ﺑﺎﻟﻘﺼﺎص ﻓﯿﺄﻣﺮﻧﺎ ﺑﻘﺮﺑﺎن! رﻓﻊ )ﻳﻮﺷﻊ( إﺻﺒﻌﻪ ﻧﺤﻮ اﻟﺮﺟﻞ وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺤﺬره ﻣﻦ ارﺗﻔﺎع ﺻﻮﺗﻪ ﻣﺮة أﺧﺮى. ﻓﻘﺎل اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ﺻﻮت ﺣﺎﻧﻖ وﻟﻜﻨﻪ أﺧﻔﺾ: ﺑﻘﺮة!! أي ﺑﻘﺮة؟! ﻗﺎل )ھﺎرون(: ﺑﻘﺮة ﺗﺤﺒﻮﻧﮫﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﺤﺒﻮن أﻧﻔﺴﻜﻢ!ﺑﻘﺮة ﺳﺠﺪ ﻟﮫﺎ أﺑﻮﻛﻢ وﻻ ﺗﺰال ﺗﺴﻜﻦ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ. ﺻﻤﺖ اﻟﺠﻤﯿﻊ ،وطﺎﻓﺖ ﺑﻌﻘﻠﻲ ذﻛﺮى أﺑﯿﮫﻢ )ﻋﺰرا( اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺠﺎدل )ھﺎرون( ﻓﻲ أﻣﺮ اﻟﻌﺠﻞ أﻳﺎم ﻓﺘﻨﺔ )اﻟﺴﺎﻣﺮي( ،ﻓﺄدرﻛﺖ أن ھﺬه اﻟﻨﺒﺘﺔ اﻟﻔﺎﺳﺪة ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺄﺗﻲ إﻻ ﻣﻦ أﺻﻞ ﻓﺎﺳﺪ ،وﺗﻌﺠﺒﺖ ﻣﻦ أن أﺑﻨﺎء )ﻋﺰرا( ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﯿﺮون )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﺑﻤﻌﺼﯿﺔ إﺧﻮﺗﻪ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن أﺑﻮھﻢ أﺣﺪ اﻟﺬﻳﻦ ﺳﺠﺪوا ﻟﻠﻌﺠﻞ! ﻗﺎل أﺣﺪھﻢ ﻓﻲ ﺗﺒﺮم: ﻻ ﻧﻔﮫﻢ ﻣﺎ ﺗﻘﻮل أﻳﮫﺎ اﻟﻜﺎھﻦ ،ﻗﻞ ﻟﻨﺎ أي ﺑﻘﺮة ﺗﺮﻳﺪ؟!ﺻﻔﮫﺎ ﻟﻨﺎ ﻓﺈن اﻟﺒﻘﺮ ﻛﺜﯿﺮ! ﻧﻈﺮ )ھﺎرون( ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ اﻟﺮﺟﻞ وﻗﺎل: ﺑﻘﺮة ﺻﻔﺮاء ﻻﻣﻌﺔ ،ﺗﺜﯿﺮ اﻟﺒﮫﺠﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻔﺲ واﻟﻨﺸﻮة ﻓﻲ اﻟﻘﻠﺐ!ﺷﻌﺮ اﻟﺮﺟﻞ ﺑﺎﺿﻄﺮاب وﻟﻢ ﻳﻌﺠﺒﻪ ﻛﻼم اﻟﻜﺎھﻦ )ھﺎرون( اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻌﻨﻰ. ﻓﻘﺎل ﻓﻲ ﺿﯿﻖ: -أھﺬا ﻣﺎ أﻣﺮ ﺑﻪ اﻟﺴﯿﺪ اﻟﺮب؟ ﻗﺎل اﻟﻜﺎھﻦ )ھﺎرون(: ﻧﻌﻢ ،ھﺬا ﻣﺎ أﻣﺮ ﺑﻪ اﻟﺴﯿﺪ اﻟﺮب!ﻈ ّﻤﮫﺎ أھﻠﮫﺎ ،ﻓﻼ ﺗﺴﻘﻲ اﻟﺤﺮث ،وﻻ ﺗﺜﯿﺮ ﺗﺬﺑﺤﻮن ﺑﻘﺮة ﺻﻔﺮاء ﻻﻣﻌﺔ ،ﺑﻘﺮة ُﻳَﻌ ِ اﻷرض ،وﺣﯿﻨﺌٍﺬ ﻳﺨﺒﺮﻛﻢ اﻟﺮب ﺑﻤﻦ ﻗﺘﻞ ﺧﺎﻟﻜﻢ! ﻓﺎ َ ل ﺑﺘﺤﺬﻳﺮات )ﻳﻮﺷﻊ( اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ: ض اﻟﻜﯿﻞ ﺑﺎﻟﺮﺟﻞ ﻓﻘﺎل ﻓﻲ ﻏﻀﺐ ،ﻏﯿﺮ ﻣﺒﺎ ٍ ﻣﺎ ﻟﮫﺬا أﺗﯿﻨﺎ أﻳﮫﺎ اﻟﻜﺎھﻦ!ﻧﺤﻦ ﻧﻌﻠﻢ اﻟﻘﺘﻠﺔ! وﻣﺎ أﺗﯿﻨﺎ إﻻ ﻟﻄﻠﺐ اﻟﻘﺼﺎص! ﻓﺈﻣﺎ أن ﻳﻘﺘﺺ ﻟﻨﺎ ﻧﺒﯿﻚ ﻣﻨﮫﻤﺎ أو ﻧﻘﺘﻠﮫﻤﺎ ﺑﺄﻳﺪﻳﻨﺎ! اﺳﺘﻞ )ﻳﻮﺷﻊ( ﺳﯿﻔﻪ وﺗﺄھﺐ ﺑﻪ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻗﺎل )ھﺎرون( ﻧﺎھًﺮا: أﺗﻌﺼﻲ أﻣﺮ اﻟﺮب ﻳﺎ )ﺑﻦ ﻋﺰرا(؟!أﺳﺮع أوﺳﻄﮫﻢ ﻓﻲ ﺗﮫﺪﺋﺔ اﻷﻣﺮ ،ﻓﻘﺎل ﻣﺪاﻓًﻌﺎ ﻋﻦ أﺧﯿﻪ: ﻣﻌﺎذ ﷲ أن ﻧﻌﺼﻲ أﻣﺮ اﻟﺮب أﻳﮫﺎ اﻟﻜﺎھﻦ ،وﻣﺎ ﺟﺌ َﺖ ﺑﻪ ھﻮ اﻟﺤﻖ! ﺛﻢ أردف: وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻻ ﻧﺪري ﻣﻦ أﻳﻦ ﻧﺄﺗﻲ ﺑﺒﻘﺮة ﻛﮫﺬه ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ »ﺳﯿﻦ« ﺣﺘﻰ ﻧﺤﻘﻖ أﻣﺮاﻟﺮب! ل: ﺣﯿﻨﺌٍﺬ ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر( اﻟﺬي ﻳﻘﻒ ﺑﯿﻦ ﺧﺪام اﻟﺨﯿﻤﺔ ﺑﺼﻮت ﻋﺎ ٍ أﻧﺎ آﺗﯿﻜﻢ ﺑﮫﺎ أﻳﮫﺎ اﻟﻜﺎھﻦ!ﺑﮫﺖ أﺑﻨﺎء )ﻋﺰرا( وﻧﻈﺮ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻧﺤﻮ )ﺷﮫﺒﻮر( اﻟﺬي ﺗﻸﻷت اﻟﻔﺮﺣﺔ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﻪ، ﻗﺎل اﻟﻜﺎھﻦ )ھﺎرون(: أﻳﻦ ھﻲ أﻳﮫﺎ اﻟﺨﺎدم؟ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر(: آﺗﯿﻜﻢ ﺑﮫﺎ ﻣﻦ »رﺳﺔ«!ﺗﺬﻛﺮت اﻟﺒﻘﺮة اﻟﺼﻔﺮاء اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﻋﻰ ﻓﻲ »رﺳﺔ« ،واﻟﺘﻲ اﺷﺘﺮاھﺎ )ﻋﻤﺮو( و)ﺷﮫﺒﻮر( ﻣﻦ أﺳﻮاق »ﺑﻜﺔ« ،ﺗﻌﺠﺒﺖ ﺣﯿﻨﮫﺎ ﻣﻦ ﺷﺮاء )ﻋﻤﺮو( ﻟﮫﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻳﺒﺪو أن ﻧﺠﺎﺗﻲ اﻟﯿﻮم ُﻣﻌﻠﱠﻘﺔ ﺑﮫﺎ ،وﺗﻤﻨﯿﺖ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻲ أﻻ ﻳﻜﻮن )ﻋﻤﺮو( ﻗﺪ ذﺑﺤﮫﺎ! ﻗﺎل أﺑﻨﺎء )ﻋﺰرا(: إﻧﮫﻢ ﻳﻤﺎطﻠﻮن ﻓﻲ اﻟﻘﺼﺎص أﻳﮫﺎ اﻟﻜﺎھﻦ!ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﺑﻘﺮة ﻛﮫﺬه ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ »ﺳﯿﻦ« ﻛﻠﮫﺎ! ﻗﺎل اﻟﻜﺎھﻦ لـ)ﺷﮫﺒﻮر(: ھﻞ أﻧﺖ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ أﻳﮫﺎ اﻟﺨﺎدم؟!ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر(: ﻧﻌﻢ ﻳﺎ ﺳﯿﺪي.ﻗﺎل )ھﺎرون(: ﺣﺴًﻨﺎ!ت ﺑﮫﺎ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﻘﻀﻲ اﻷرﺑﻌﻮن ﻳﻮًﻣﺎ ﻋﻠﻰ وﻓﺎة اﻟﻘﺘﯿﻞ! اذھﺐ أﻳﮫﺎ اﻟﺨﺎدم ﻓﺄ ِ ﻗﺎل )ﺷﮫﺒﻮر(: ﺑﻞ آﺗﯿﻜﻢ ﺑﮫﺎ ﻗﺒﻠﮫﺎ ذﻟﻚ أﻳﮫﺎ اﻟﻜﺎھﻦ.أﺷﺎر اﻟﻜﺎھﻦ )ھﺎرون( إﻟﻰ أﺑﻨﺎء )ﻋﺰرا( وﻗﺎل: اﻧﺼﺮﻓﻮا.ﺛﻢ أﺷﺎر إﻟ ﱠ ﻲ أﻧﺎ و)ﻋﺎﻣﯿﺮ( وﻗﺎل ﻟﻠﺤﺮاس: ﺿﻌﻮا ھﺬﻳﻦ ﻓﻲ ﻣﺤﺒﺴﯿﮫﻤﺎ واﻋﺰﻟﻮا ﺑﯿﻨﮫﻤﺎ.ﻓﺘﻤﺘﻤﺖ وأﻧﺎ أﺳﯿﺮ ﺑﺠﻮار )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﺑﺎﻟﺤﻤﺪ وﻗﻠﺖ: أﻟﻢ أﻗﻞ ﻟﻚ إن اﻟﺮب ﻟﻦ ﻳﻀﯿﻌﻨﺎ؟!∞∞∞∞∞ ﻣﻜﺜﺖ ﻓﻲ ﻣﺤﺒﺴﻲ ﻓﻲ اﻟﺨﯿﻤﺔ أﻳﺎًﻣﺎ ،أﻧﺘﻈﺮ ﻋﻮدة )ﺷﮫﺒﻮر( ،ﻓﺼﻞ )ﻳﻮﺷﻊ( ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻦ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ووﺿﻊ ﻛﻼ ﻣﻨﺎ ﻓﻲ ﺧﯿﻤﺔ ،ورﻏﻢ ذﻟﻚ ﻟﻢ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺠﺰع ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن أﻛﺜﺮ ﺷﻲء أﺗﻤﻨﺎه ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ھﻮ اﻟﻌﺰﻟﺔ ،وﺿﻌﺖ )أروى( طﻔﻠﻨﺎ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﺑﻌﺪ أﻳﺎم ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎدﺛﺔ ..ﻣﻜﺜﺖ أﻣﻲ إﻟﻰ ﺟﻮارھﺎ ﺑﯿﻨﻤﺎ أﺧﺬت )ﺑﺎﺗﯿﺎ( اﻟﻄﻔﻞ ﻓﻲ ﻗﻤﺎط ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش ،وأﺗﺖ ﺑﻪ إﻟﻰ ﻣﺤﺒﺴﻲ ،أِذن ﻟﮫﺎ اﻟﺤﺎرس ﺑﺎﻟﺪﺧﻮل ،ﺑﻌﺪ أن ﺗﺬﻛﺮھﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ھﻲ ﻣﻦ ﻋﻠﱠ َ ﻤﺖ اﺑﻨﺘﻪ اﻟﻘﺮاءة واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،ﺑﻜﯿﺖ ﻓﻲ ﻓﺮح ﺣﯿﻦ رأﻳﺖ اﻟﻄﻔﻞ وﻗﻠﺖ لـ)ﺑﺎﺗﯿﺎ(: ﺻﺪﻗﺖ )أم اﻟﺴﻌﺪ( ﻓﻲ ﻧﺒﻮءﺗﮫﺎ وأﻧﺠﺒﺖ )أروى( ذﻛًﺮا.ﻗﺎﻟﺖ )ﺑﺎﺗﯿﺎ(: ﺗﺮﻳﺪ )أروى( أن ﺗﺴﻤﯿﻪ )ﻧﺎﺑﺖ(!ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ: ﺑﻞ أﺳﻤﯿﻪ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ(!ﻧﻈﺮت إﻟ ﱠ ﻲ ﻣﺘﺸﻜﻜﺔ وﻗﺎﻟﺖ: )إﺑﺮام( و)إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ(؟أﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﺜﯿﺮ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أﻛﺜﺮ؟! ﻗﻠﺖ: ﻻ ﻳﻮﺟﺪ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺣﺪث!ﻛﯿﻒ ﺣﺎل )أروى(؟ ﻗﺎﻟﺖ: ﺑﺨﯿﺮ ﻗﻠﺖ ﻟﮫﺎ ﺑﺎﺳ ًﻤﺎ: ﻗﻮﻟﻲ ﻟﮫﺎ أن ﺗﺒﺮأ ﺳﺮﻳًﻌﺎ ،ﻓﺄﻧﺎ أرﻳﺪ أن أﻧﺠﺐ اﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ طﻔًﻼ!ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺧﺠﻞ: أﺻﺎﺑﻚ اﻟﺤﺒﺲ ﺑﺎﻟﺠﻨﻮن!ﻗﻠﺖ ﺿﺎﺣ ً ﻜﺎ: ﺑﻞ أﺻﺎﺑﻨﻲ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ!ھﻞ رأﻳﺖ )ﻋﺎﻣﯿﺮ(؟ ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺣﺰن: ﻧﻌﻢ!ﻻ ﻳﺰال ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﻻﻧﻜﺴﺎر أﻣﺎﻣﻲ! ﻗﻠﺖ: إذا ﻧﺠﻮﻧﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺤﻨﺔ ﻓﺴﻨﻌﻮد إﻟﻰ »رﺳﺔ«.ﻗﺎﻟﺖ ﺳﻌﯿﺪة: ﺣﻘﺎ!ﻟﯿﺘﻚ طﺎوﻋﺘﻨﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ! ﻗﻠﺖ: ﺖ اﻟﻤﺤﻘﺔ! ﺖ أﻧ ِ أﺧﻄﺄت اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ وﻛﻨ ِﻗﺎﻟﺖ: وأﻣﻲ )روﻣﺎﻧﺎ(؟!ﻗﻠﺖ: ﻟﻦ أﺗﺮﻛﮫﺎ ،وأظﻨﮫﺎ ﻟﻦ ﺗﺘﻤﺴﻚ ﺑﺎﻟﺒﻘﺎء ﺑﻌﺪ اﻵن!ﻗﺎﻟﺖ: وﺑﯿﺖ اﻟﺮب؟ﻗﻠﺖ: اﻟﺮب ﻳﺤﯿﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ.ﻗﺎﻟﺖ: وﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ(؟واﻟﺸﺮﻳﻌﺔ؟ ﻗﻠﺖ: ﺳﺄروي وﺻﺎﻳﺎه وأﻋﻠﻤﮫﺎ ﻷوﻻدي.ﻗﺎﻟﺖ: واﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،وﺣﻠﻢ أﺑﻲ!ﻗﻠﺖ: ﻛﻞ أرض ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ اﻟﺸﺮور ھﻲ أرﺿﻲ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ!ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﺮﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ: ﺑﺪﻟﺘﻚ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺤﻨﺔ ﻛﺜﯿًﺮا!ﻗﻠﺖ: ﻟﻢ أﻋﺪ ﺗﺎﺋًﮫﺎ ،أﺻﺒﺤﺖ أﺧﺘﺎر طﺮﻳﻘﻲ!ﻗﺒﻞ أن ﺗﻨﺼﺮف ﻧﺎدﻳﺘﮫﺎ ﻗﺎﺋًﻼ: -أﺣﻀﺮي ﻟﻲ دواﺗﻲ وﻗﻠﻤﻲ وأوراﻗﻲ ،ﻓﺄﻧﺎ أﺷﺘﺎق ﻟﻠﻜﺘﺎﺑﺔ! ∞∞∞∞∞ اﻧﻄﻠﻘﺖ اﻷﺑﻮاق ﻓﻲ اﻟﻨﺰل ﻓﻲ وﻗﺖ ﻏﯿﺮ وﻗﺖ اﻻرﺗﺤﺎل ،ﻓﻌﻠﻢ اﻟﻨﺎس أن أﻣًﺮا ﺟﻠًﻼ ﺳﯿﻘﻊ ،دﺧﻞ اﻟﺤﺎرس اﻟﺬي راﻓﻘﻨﻲ طﯿﻠﺔ اﻷﻳﺎم اﻟﻤﺎﺿﯿﺔ وﻧﺸﺄت ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻨﻪ ﺻﺪاﻗﺔ وﻣﻮدة ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﻓﺮح: ﻟﻘﺪ ﻋﺎد )ﺷﮫﺒﻮر( ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻋﺎد وﻣﻌﻪ اﻟﺒﻘﺮة اﻟﺼﻔﺮاء!أﺳﺮﻋﺖ إﻟﻰ ﺑﺎب اﻟﺨﯿﻤﺔ وﻧﻈﺮت ﻣﻨﮫﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﺠﺒﻞ اﻟﺬي ﻳﻄﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻮادي، رأﻳﺖ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ اﻟﺼﻐﯿﺮة اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻣﻦ »رﺳﺔ« ﺗﮫﺒﻂ ﻣﻦ ﻓﻮق اﻟﺠﺒﻞ وﺗﻘﺘﺮب ﻣﻦ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻨﺰل وﻓﻲ وﺳﻄﮫﺎ ﺗﺴﯿﺮ ﺑﻘﺮة ﺻﻔﺮاء ﻳﺘﻸﻷ ﺟﺴﺪھﺎ ﻓﻲ ﺿﻮء اﻟﺸﻤﺲ ،ﺷﮫﻘﺖ ﺣﯿﻦ رأﻳﺖ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻳﺘﻘﺪﻣﮫﺎ ﺛﻼث ﻧﻮق ﻋﻠﯿﮫﺎ )ﺷﮫﺒﻮر( و)ﻋﻤﺮو ﺑﻦ دوﻣﺔ( و)ﻟﯿﺚ ﺑﻦ ﻧﺎﺑﺖ( ،ﺑﻜﯿﺖ وأﻧﺎ أرى أﺻﺪﻗﺎء اﻟﻌﻤﺮ ﻗﺪ ھﺒ ّﻮا ﻟﻨﺠﺪﺗﻲ ﺣﯿﻦ ﻋﻠﻤﻮا ﺑﺎﻟﻤﺤﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﺤﻘﺖ ﺑﻲ ،وﻟﻢ أﺷﻌﺮ ﺑﻨﻔﺴﻲ إﻻ وأﻧﺎ أھﺮول ﻧﺤﻮھﻢ ﺑﻌﺪﻣﺎ أﻧﺎﺧﻮا رﺣﺎﻟﮫﻢ ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻨﺰل ،ﻧﺎدى ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎرس، ك وﺳﻂ ﻓﻠﻢ أﻟﺘﻔﺖ إﻟﯿﻪ ،اﻟﺘﻘﯿﻨﺎ أﻧﺎ و)ﻋﻤﺮو( و)ﻟﯿﺚ( و)ﺷﮫﺒﻮر( ﻓﻲ ﻋﻨﺎق ﺑﺎ ٍ دھﺸﺔ اﻟﺠﻤﻮع اﻟﺘﻲ ﻣﻸت اﻟﺴﺎﺣﺔ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،ﻧﻔﺦ ﺣﺎرس ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻓﻲ اﻟﺒﻮق ﻣﺮة أﺧﺮى ،ﻓﺨﺮج اﻟﻨﺒﻲ )ﻣﻮﺳﻰ( واﻟﻜﺎھﻦ )ھﺎرون( و)ﻳﻮﺷﻊ ﺑﻦ ﻧﻮن( ﻣﻦ اﻟﺨﯿﻤﺔ ،وﺻﻤﺖ اﻟﺠﻤﯿﻊ اﺣﺘﺮاًﻣﺎ ﻟﮫﻢ ،ﺣﻤﻞ ﺑﻌﺾ اﻟﺮﺟﺎل ﺻﻨﺪوًﻗﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ﺑﻪ رأس اﻟﻘﺘﯿﻞ وﺟﺜﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻓﺎﺣﺖ ﻣﻨﮫﺎ راﺋﺤﺔ ﻣﻘﯿﺘﺔ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ أن ﺗﺨﻔﯿﮫﺎ راﺋﺤﺔ اﻟﺼﻨﺪل واﻟﺒﺨﻮر ﺛﻢ وﺿﻌﻮا اﻟﺼﻨﺪوق ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺴﺎﺣﺔ ،ﻧﺎدى )ﻳﻮﺷﻊ( ﻋﻠﻰ أوﻟﯿﺎء اﻟﺪم ﻓﻮﻗﻔﻮا ﻋﻦ ﻳﻤﯿﻦ اﻟﺴﺎﺣﺔ ،ﺛﻢ ﻧﺎدى ﻋﻠ ﱠ ﻲ وﻋﻠﻰ )ﻋﺎﻣﯿﺮ( ﻓﻮﻗﻔﻨﺎ ﻋﻦ ﻳﺴﺎرھﺎ. أﺷﺎر اﻟﻜﺎھﻦ )ھﺎرون( إﻟﻰ )ﺷﮫﺒﻮر( وﺧﺪام اﻟﻤﻌﺒﺪ ﻛﻲ ﻳﺼﻌﺪوا ﺑﺎﻟﺒﻘﺮة إﻟﻰ اﻟﻤﺬﺑﺢ ،طﺎوﻋﺖ اﻟﺒﻘﺮة ﺳﺎﺣﺒﯿﮫﺎ وﻛﺄﻧﮫﺎ ﺗﻌﻠﻢ أﻧﮫﺎ ﻗﺪ ﺟﺎءت ﻷﺟﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﮫﻤﺔ ﻓﺤﺴﺐ ،وﻋﻼ ﺑﻌﺾ اﻟﮫﻤﺲ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ ،ﻓﻄﺮﻗﺖ أذﻧﻲ ﻋﺒﺎرات ﻣﻨﻪ ،ﻗﺎل أﺣﺪ اﻟﺤﺮاس ﻟﺰﻣﯿﻞ ﻟﻪ: أﻟﯿﺴﺖ ھﺬه ھﻲ ﺑﻘﺮة اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ؟!ﻗﺎل اﻟﺮﺟﻞ: ﺑﻠﻰ ،ﻻ أدري ﻛﯿﻒ أﺗﻮا ﺑﮫﺎ إﻟﻰ ھﻨﺎ وﻛﯿﻒ ﻳﺠﺮءون ﻋﻠﻰ ذﺑﺤﮫﺎ؟!وﻗﻔﺖ اﻟﺒﻘﺮة ﺷﺎﻣﺨﺔ ﻓﻮق اﻟﻤﺬﺑﺢ ﺗﺘﻄﻠﻊ ﻓﻲ ھﺪوء إﻟﻰ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ اﻟﺬﻳﻦ ﺧﻔﻘﺖ ﻗﻠﻮﺑﮫﻢ ﻓﻲ رﻋﺐ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ وﻗﻒ إﻟﻰ ﺟﻮارھﺎ )ﺷﮫﺒﻮر( وھﻮ ﻳﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﻳﺪه ﺳﻜﯿًﻨﺎ ﻋﻈﯿﻤﺔ. ﻗﺎل )ﻣﻮﺳﻰ(: -ﻳﺎ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،ﻣﺎ ﻗﻮﻟﻜﻢ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺒﻘﺮة؟ ﺟﺎء ﺻﻮت ﻣﺮﺗﺠﻒ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﺠﻤﻮع ﻳﻘﻮل: ﺗﻠﻚ ھﻲ ﺑﻘﺮة اﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ!ﻗﺎل )ﻣﻮﺳﻰ(: ﺑﻞ ھﻲ اﻟﺒﻘﺮة اﻟﺘﻲ ﺳﺠﺪ آﺑﺎؤﻛﻢ ﻟﺘﻤﺜﺎﻟﮫﺎ ﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم ،أﻟﯿﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟ﻟﻢ ﻳﻨﻄﻖ أﺣﺪ ..ﻓﺄردف ﻣﺘﮫﻜ ً ﻤﺎ: ﻣﺎ ﻟﻲ أرى ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ ﻻ ﺗﺰال ﺗﺨﻔﻖ ﻟﮫﺎ!أﺗﻈﻨﻮن أﻧﮫﺎ ﺗﻀﺮ أو ﺗﻨﻔﻊ؟ ﻟﻢ ﻳﺠﺮؤ أﺣﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺮد ،وإن أﻓﺼﺤﺖ اﻟﻌﯿﻮن ﺑﺨﻮﻓﮫﻢ ﻣﻨﮫﺎ. ﺻﻤﺖ ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ أﺳﻒ وھﻮ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺮءوس اﻟﻤﻨﻜﺴﺔ: أﺗﺪرون ﻟﻤﺎذا ﻟﻢ ﻳﺮﻓﻊ اﻟﺮب اﻟﺘﯿﻪ ﻋﻨﻜﻢ؟ﺗﻌﻠﻘﺖ اﻟﻌﯿﻮن ﺑﻪ ..ﻓﺘﺎﺑﻊ: ﻷن اﻟﻌﺠﻞ ﻟﻢ ﻳﺮﺣﻞ ﻣﻦ ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ!ﺛﻢ أردف: وﻟﻜﻨﻪ اﻟﯿﻮم ﻗﺪ آ َن ﻟﻪ أن ﻳﺮﺣﻞ! ﺛﻢ ﺻﺎح ﻓﻲ اﻟﺨﺪام: اذﺑﺤﻮا اﻟﺒﻘﺮة ،وﻗﺪﻣﻮھﺎ ﻗﺮﺑﺎﻧًﺎ ﻟﻠﺮب ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻠﻢ ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أن اﻟﺮب إﻟﻪ ﺑﻨﻲإﺳﺮاﺋﯿﻞ ھﻮ ﻣﻦ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﺎﻟﻤﻌﺠﺰات. وﻟﻢ ﻳﻀﯿﻊ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻟﺤﻈﺔ. ل: ﻗﺎل ﺑﺼﻮت ﻋﺎ ٍ ﺗﻘﺪس اﺳﻤﻚ ﻳﺎ رﺑﻨﺎ ﻓﻲ اﻷرض واﻟﺴﻤﺎء.ﺛﻢ ﻣﱠﺮ ﺑﺴﻜﯿﻨﻪ ﻋﻠﻰ رﻗﺒﺔ اﻟﺒﻘﺮة ﻓﺎﻧﺒﺠﺚ ﻣﻨﮫﺎ اﻟﺪم ﻓﻮق اﻟﻤﺬﺑﺢ ،وﺳﻘﻄﺖ اﻟﺒﻘﺮة ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﮫﺎ ﻓﻲ اﺳﺘﺴﻼم وھﻲ ﺗﺼﺪر ﺧﻮاًرا ذﱠﻛﺮھﻢ ﺑﺨﻮار ﻋﺠﻞ )اﻟﺴﺎﻣﺮي(. أﺷﺎر )ﻣﻮﺳﻰ( إﻟﻰ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻛﻲ ﻳﻔﺼﻞ ذﻳﻞ اﻟﺒﻘﺮة ،ﻓﻔﺼﻠﻪ ،ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ إﻟﻰ ﺑﻨﻲ )ﻋﺰرا( وﻗﺎل: أﻣﺎ أﻧﺘﻢ ﻳﺎ أوﻟﯿﺎء اﻟﺪم ،ﻳﺎ ﻣﻦ ﺗﻄﻠﺒﻮن اﻟﻘﺼﺎص ،ﻓﻠﺘﻌﻠﻤﻮا أن اﻟﺮب ﻻ ﻳﺨﻔﻰﻋﻠﯿﻪ ﺷﻲء ﻓﻲ اﻷرض وﻻ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ،وأﻧﻪ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ أن ﻳﺤﯿﻲ اﻟﻤﻮﺗﻰ. ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻼﺑﻦ اﻷﻛﺒﺮ: اﺿﺮﺑﻪ ﺑﺬﻳﻠﮫﺎ.أﻣﺴﻚ اﻟﺮﺟﻞ ﺑﺎﻟﺬﻳﻞ وھﻮ ﻳﺮﺗﺠﻒ ..ﺗﻘﺪم ﻧﺤﻮ ﺟﺜﺔ ﺧﺎﻟﻪ ﺛﻢ ﺿﺮﺑﮫﺎ ﺑﺬﻳﻞ اﻟﺒﻘﺮة، ﻓﺈذا ﺑﺎﻟﺠﺴﺪ ﻳﻨﺘﻔﺾ ،وإذا ﺑﻪ ﻳﺠﻠﺲ ﻓﻲ ﺻﻨﺪوﻗﻪ اﻟﺨﺸﺒﻲ وﻛﺄﻧﻤﺎ ُﺑِﻌ َ ﺚ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ. ﺻﺮخ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ رﻋﺐ ،وأﻏﺸﻲ ﻋﻠﻰ أﻋﻮر اﻟﻌﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﺨﻮف. ﺗﻘﺪم اﻟﻜﺎھﻦ )ھﺎرون( ﻣﻦ اﻟﻘﺘﯿﻞ وﺳﺄﻟﻪ: ﻣﻦ ﻗﺘﻠﻚ أﻳﮫﺎ اﻟﺮﺟﻞ؟ﺧﻔﻘﺖ اﻟﻘﻠﻮب إﻻ ﻗﻠﺒﻲ ،وارﺗﻌﺪت اﻟﻔﺮاﺋﺺ إﻻ ﻓﺮاﺋﺼﻲ ،ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ ﻳﻘﯿﻦ ﺑﺄن اﻟﺮب ﻣﺎ أﺟﺮى ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻌﺠﺰة إﻻ ﻟﯿﻨﺼﺮﻧﻲ ..أﺷﺎر اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻘﺘﯿﻞ إﻟﻰ أﺑﻨﺎء )ﻋﺰرا( وﻗﺎل: طﻌﻨﻨﻲ ھﺬا ،ﺛﻢ أﺟﮫﺰ ﻋﻠ ﱠﻲ ھﺬا ،ﺛﻢ ﻗﻄﻊ رأﺳﻲ ھﺬا. ﺛﻢ ﺳﻘﻂ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﯿًﺘﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى. ﺟﺜﺎ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ اﻷرض وﻧﻜﺴﻮا رءوﺳﮫﻢ أﻣﺎم ﻣﻌﺠﺰة اﻟﺮب ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺻﺮخ أﺑﻨﺎء )ﻋﺰرا( ﻓﻲ رﻋﺐ ،وﻗﺎﻟﻮا: اﻟﺮﺣﻤﺔ أﻳﮫﺎ اﻟﻨﺒﻲ ،اﻟﺮﺣﻤﺔ أﻳﮫﺎ اﻟﻜﺎھﻦ ،ادﻋﻮا اﻟﺮب أن ﻳﻐﻔﺮ ﻟﻨﺎ!وﻟﻜﻦ )ﻣﻮﺳﻰ( أﺷﺎر إﻟﻰ )ﻳﻮﺷﻊ( وﻗﺎل: اﻗﺘﻠﻮا ھﺆﻻء ﻗﺼﺎ ًﺻﺎ ﻟﻔﻌﻠﺘﮫﻢ ،وﻟﯿﻌﻠﻢ ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻣﻨﺬ اﻟﯿﻮم أن ﻣﻦ ﻗﺘﻞ ﻧﻔ ً ﺴﺎ ﻓﻜﺄﻧﻤﺎ ﻗﺘﻞ اﻟﻨﺎس ﺟﻤﯿًﻌﺎ. ∞∞∞∞∞ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ واﻟﺴﺘﻮن ﻞ اﻟﯿﻮم ﺳﺄﺗﺮك ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،وﻟﻜﻨﻲ أﻋﺮف وﺟﮫﺘﻲ ھﺬه اﻟﻤﺮة ،ﻟﻦ أﺧﺮج ﺑﻠﯿ ٍ وﻟﻦ أﺧﺮج وﺣﯿًﺪا ھﺎرﺑًﺎ ﻛﻤﺎ ﺧﺮﺟﺖ ﻓﻲ أول ﻣﺮة ،ﺑﻞ ﺳﺄﺧﺮج آﻣًﻨﺎ ﻣﻄﻤﺌﻨﺎ ﻓﻲ وﺿﺢ اﻟﻨﮫﺎر وﻣﻌﻲ أھﻠﻲ وﻛﻞ أﺣﺒﺎﺋﻲ ،ﻓﻜﻜﺖ أﺳﺮي ﻣﻦ ﻛﻞ اﻷﻏﻼل اﻟﺘﻲ ﻛﺒﻠﺘﻨﻲ ﺑﯿﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،ووﺿﻌﺖ ﻋﻦ ﻛﺎھﻠﻲ ﺣﻠ ً ﻤﺎ ﺳﺤﻖ أﺑﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ وﻛﺎد أن ﻳﺴﺤﻘﻨﻲ وراءه ،أدرﻛﺖ أن اﻟﺴﻌﺎدة ﻓﻲ ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻟﻐﺎﻳﺎت وﻟﯿﺲ ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻷﺣﻼم ،ﻓﺎﻟﺤﻠﻢ ﻣﺎ ھﻮ إﻻ وﺳﯿﻠﺔ ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﻐﺎﻳﺔ! ھﻠﻚ أﺑﻲ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﺄل ﻧﻔﺴﻪ وﻣﺎذا ﺑﻌﺪ؟ ﻣﺎذا ﻟﻮ ﺑﻠﻎ اﻷرض اﻟﺘﻲ ﺣﻠﻢ ﺑﮫﺎ ،وﻟﻢ ﻳﺠﺪ اﻟﺴﻼم اﻟﺬي ﻳﻨﺸﺪه؟! اﻟﺤﺐ واﻟﺴﻼم ﻻ ﻳﻨﺒﺘﺎن ﻣﻦ اﻷرض وﺣﺪھﻤﺎ! وﻟﻜﻦ ﻳﺰرﻋﮫﻤﺎ اﻹﻧﺴﺎن وﻳﺮﻋﺎھﻤﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﺜﻤﺮا ،وﺗﻠﻚ اﻟﻘﻠﻮب اﻟﺘﻲ أراھﺎ ﺑﯿﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻻ ﺗﻤﻠﻚ ﺑﺬور اﻟﺨﯿﺮ ﺣﺘﻰ ﺗﺰرﻋﻪ ..ﻗﻠﺖ ﻷﻣﻲ: ﻟﻦ أﻧﺘﻈﺮ أرﺑﻌﯿﻦ ﻋﺎًﻣﺎ ﻷﺣﻘﻖ ﻏﺎﻳﺘﻲ ،ﻓﻐﺎﻳﺘﻲ أﻋﺮﻓﮫﺎ وﺳﺄﺣﻘﻘﮫﺎ وﺣﺪي، ﺳﺄﻧﺸﺮ اﻟﺴﻼم واﻟﺨﯿﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ أرض أﺣﻂ ﺑﮫﺎ ،وﺳﺄدﻋﻮ اﻟﻨﺎس إﻟﻰ ﻋﺒﺎدة اﻟﺮب اﻟﻮاﺣﺪ وﺳﺄﻋﻠﻢ أﺑﻨﺎﺋﻲ وﺻﺎﻳﺎ اﻟﻨﺒﻲ اﻷﻋﻈﻢ ،اﻟﺬي ﺗﺤ ﱠ ﻤﻞ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻪ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﺤﻤﻠﻪ ﺑﺸﺮ! ﺻﻠﯿﺖ آﺧﺮ ﺻﻼة ﻟﻲ ﻓﻲ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ،إﻟﻰ ﺟﻮار )ﺷﮫﺒﻮر( ،وﺑﻌﺪ أن ﻓﺮﻏﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺼﻼة اﺣﺘﻀﻨﻨﻲ طﻮﻳًﻼ ،ﺛﻢ ﺑﻜﻰ ﻗﺎﺋﻼ: أھﺬه ﻧﮫﺎﻳﺔ اﻟﺮﻓﻘﺔ؟ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: اﻟﻐﺎﻳﺔ واﺣﺪة وﻟﻜﻦ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﻤﺨﺘﻠﻒ!ﻗﺎل: أﻻ ﺗﺨﺸﻰ ﻣﻦ أن ﺗﺴﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ وﺣﺪك!ﻗﻠﺖ: ﻟﻢ أﻋﺪ وﺣﺪي!ﻣﻌﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ أﺣﺘﺎﺟﻪ إﻟﯿﻪ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﯿﺎ! ﻗﺎل: ﺳﺄﺷﺘﺎق إﻟﯿﻚ!أدرﻛﺖ أن اﻟﺴﻌﺎدة ﻓﻲ ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻟﻐﺎﻳﺎت وﻟﯿﺲ ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻷﺣﻼم ،ﻓﺎﻟﺤﻠﻢ ﻣﺎ ھﻮ إﻻ وﺳﯿﻠﺔ ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﻐﺎﻳﺔ! ﻗﻠﺖ: وأﻧﺎ أﻳ ًﻀﺎ ..ﻟﻦ أﻛﻒ ﻋﻦ ﺗﺘﺒﻊ أﺧﺒﺎرﻛﻢ. ﺛﻢ أﺷﺮت إﻟﻰ ﺻﻨﺪوق ﻛﺒﯿﺮ إﻟﻰ ﺟﻮاري وﻗﻠﺖ: أرﻳﺪ أن أﻋﻄﯿﻚ ﺷﯿًﺌﺎ.ﻗﺎل: ﻣﺎ ھﺬا؟ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: ھﺬه أوراﻗﻲ ،اﺟﻌﻠﮫﺎ ﻣﻌﻚ ،ﻓﺘﻠﻚ ﺷﮫﺎدﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ.ﻧﻈﺮ إﻟ ﱠ ﻲ ﻓﻲ دھﺸﺔ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ ﺟﺰع: أذﻟﻚ ﻓﺮاق ﺑﻼ رﺟﻌﺔ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(؟!ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: ﻛﻼ ،وﻟﻜﻦ اﺣﻔﻈﮫﺎ ﻣﻌﻚ ﺣﺘﻰ ﺗﺪﺧﻠﻮا اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ!ﻗﺎل: وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ؟!ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أﻣﺴﺢ دﻣﻌﺔ ﻓﱠﺮت ﻣﻦ ﻋﯿﻨﻲ: ادﻓﻨﮫﺎ ﻓﻲ ﺛﺮاھﺎ!ﻓﯿﻜﻔﯿﻨﻲ أن ﺗﻜﻮن ذﻛﺮى )ﺑﻨﻲ زﺧﺎري( ﺣﺎﺿﺮة ﻓﻲ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،ﺣﺘﻰ وإن ﻟﻢ ﻳﺪﺧﻠﻮھﺎ! ∞∞∞∞∞ ﺗﺘﻤﺔ أوراق ﺷﻤﻌﻮن اﻟﻤﺼﺮي ﻛﺘﺒﮫﺎ )زﺧﺎري ﺑﻦ ﺷﻤﻌﻮن ﺑﻦ رأوﺑﯿﻦ( ﻓﻲ اﻟﺸﮫﺮ اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻟﺴﻨﺔ ﺳﺘﯿﻦ ﺑﻌﺪ اﻟﺨﺮوج. وﺻﻠﺖ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ اﻟﺼﻐﯿﺮة اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻣﻦ »ر ّ ﺳﺔ« إﻟﻰ ﺟﺒﻞ »ﻧﺒﻮ« ،أﻧﺎخ أﺧﻲ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( اﻟﻨﺎﻗﺔ ﺛﻢ ﺟﺬب ﻳﺪ أﺑﻲ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﺎوﻧﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺰول ،اﺳﺘﻨﺪ أﺑﻲ إﻟﻰ ﻋﺼﺎه ووﻗﻒ ﻳﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ اﻟﺠﺒﻞ اﻷﺣﻤﺮ اﻟﺬي اﻧﺘﺜﺮت ﻓﻮﻗﻪ ﺧﯿﺎم ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ، ﺛﻢ ﻧﺎدى ﻋﻠ ﱠ ﻲ ﻗﺎﺋًﻼ: )زﺧﺎري(!ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: ﻧﻌﻢ ﻳﺎ أﺑﺘﺎه!ﻗﺎل: ﺗﻌﺎ َل ﻷﺳﺘﻨﺪ إﻟﯿﻚ! اﺳﺘﻨﺪ إﻟﻰ ﻛﺘﻔﻲ ﺑﯿﺪ وأﺗﻜﺄ ﺑﺎﻷﺧﺮى ﻋﻠﻰ ﻋﺼﺎه ﻛﻌﺎدﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﻳﺪاوم ﻋﻠﯿﮫﺎ أﺛﻨﺎء ﺳﯿﺮه ﺣﺘﻰ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻘﺮﺑﻲ ﻣﻨﻪ. أﺳﺮع أﺧﻲ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( ﻟﯿﺨﺒﺮ ﺑﺎﻗﻲ إﺧﻮﺗﻲ ﺑﻮﺻﻮﻟﻨﺎ ،ﺣﯿﻦ اﻗﺘﺮﺑﻨﺎ ﻣﻦ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع رأﻳﻨﺎ أﺧﻲ اﻷﻛﺒﺮ )إﺑﺮام( ﻳﮫﺮول ﺗﺠﺎھﻨﺎ ﻓﺮ ً ﺣﺎ وﻣﻌﻪ ﺑﺎﻗﻲ إﺧﻮﺗﻲ، اﻧﺤﻨﻰ )إﺑﺮام( ﻟُﯿَﻘ ِﺒ ّﻞ ﻳﺪ أﺑﻲ ،وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﺣﻤًﺪا ﻟﻠﺮب ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺻﻮل ﺳﺎﻟ ًﻤﺎ ﻳﺎ أﺑﺘﺎه! ﺛﻢ ﺗﺒﻌﻪ إﺧﻮﺗﻲ اﻟﻮاﺣﺪ ﻳﺘﺒﻊ اﻵﺧﺮ: ﻧﻈﺮ أﺑﻲ إﻟﯿﮫﻢ ﻣﻌﺎﺗﺒًﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻷﺧﻲ اﻷﻛﺒﺮ: أﻟﻢ أﻗﻞ ﻟﻜﻢ ﻻ ﺗﺠﺘﻤﻌﻮا ﻓﻲ ﻣﻜﺎن واﺣﺪ ﻳﺎ )إﺑﺮام(!ﻗﺎل )إﺑﺮام( ﻣﻌﺘﺬًرا: ﺟﻤﻌﻨﺎ ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ( ﻟﯿﻠﻘﻲ وﺻﯿﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺷﻌﺐ إﺳﺮاﺋﯿﻞ!ﺟﺎء ﺻﻮت ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻨﺎ ﻳﻘﻮل: أﺗﺨﺸﻰ اﻟﺤﺴﺪ ﻋﻠﻰ أﺑﻨﺎﺋﻚ ﻣﻨﺎ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!اﻟﺘﻔﺖ ﻷﺟﺪ ﺷﯿ ً ﺨﺎ طﺎﻋًﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻦ ﻳﻘﻒ ﻣﺘﻜﺄ ﻋﻠﻰ ﻋﺼﺎه وﻗﺪ اﻣﺘﺪت ﻟﺤﯿﺘﻪ اﻟﺒﯿﻀﺎء ﺣﺘﻰ دﻧﺖ ﻣﻦ رﻛﺒﺘﻪ ،وﻗﺪ اﻧﻔﺮﺟﺖ ﺷﻔﺘﺎه ﻋﻦ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ واﺳﻌﺔ. اﻟﻌﺠﯿﺐ أن أﺑﻲ ﻗﺪ ﻣﯿﺰ اﻟﺼﻮت ﻗﺒﻞ أن ﻳﺴﺘﺪﻳﺮ إﻟﯿﻪ ،اﺑﺘﺴﻢ وھﻮ ﻳﺴﺘﺪﻳﺮ ﻓﻲ ُﺑ ْ ﻂء ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻳﺎ ﷲ!)ﺷﮫﺒﻮر( اﻟﻌﺠﻮز ﻻ ﻳﺰال ﺣﯿﺎ. ﺿﺤﻚ ﺧﺎدم اﻟﺨﯿﻤﺔ وﻗﺎل: ﻋﺠﻮز!اﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻚ أﻳﮫﺎ اﻟﺸﯿﺦ اﻟﮫﺮم. ﺛﻢ ﺧﻄﺎ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ﻻ ﺗﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ ﻋﻤﺮه واﺣﺘﻀﻦ أﺑﻲ ﻓﻲ ﻗﻮة وھﻮ ﻳﻘﻮل: ﻣﺮﺣﺒًﺎ ﺑﻚ ﻳﺎ )أﺑﺎ إﺑﺮام(.ﺗﺸﺎﺑﻚ ﻣﺮﻓﻘﺎھﻤﺎ وﺳﺎرا ﺟﻨﺒًﺎ إﻟﻰ ﺟﻨﺐ ،ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ: ﻳﺌﺴﺖ ﻣﻦ أن أراك ﺛﺎﻧﯿﺔ!ﻛﻢ ﻣﻦ ﻣﺮة أرﺳﻠﺖ إﻟﯿﻚ رﺳﻮًﻻ ﻛﻲ ﺗﻌﻮد وﻛﻨﺖ ﺗﺄﺑﻰ! ﻗﺎل أﺑﻲ ﻓﻲ ﺣﺰن: ﻟﻢ أﺳﺘﻄﻊ ﻓﺮاق أرض ﺑﮫﺎ رﻓﺎت )أروى(!ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ: رﺣﻤﺔ ﷲ ﻋﻠﯿﮫﺎ!ﻛﺎﻧﺖ زوﺟﺔ ﺻﺎﻟﺤﺔ وأﺣﺴﻨﺖ ﺗﺮﺑﯿﺔ أﺑﻨﺎﺋﮫﺎ! ﺛﻢ أﺷﺎر إﻟﻰ إﺧﻮﺗﻲ اﻟﺬﻳﻦ ﺳﺎروا ﺧﻠﻔﻨﺎ وﻗﺎل: ﺣﻔﻆ ﷲ أﺑﻨﺎءك ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن( ،ﻗﺪ أﻛﺜﺮ ﷲ ﻓﻲ ﻧﺴﻠﻚ وﺑﺎرك ﻟﻚ ﻓﯿﻪ!ورزﻗﻚ اﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ اﺑًﻨﺎ ﻣﺜﻞ )إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( و)ﻳﻌﻘﻮب(. ﻗﺎل أﺑﻲ: وھﺬا ھﻮ )زﺧﺎري( ،أﺻﻐﺮ أﺑﻨﺎﺋﻲ وأﺣﺒﮫﻢ إﻟﻰ ﻗﻠﺒﻲ ..ﺛﻢ ھﻤﺲ ﻓﻲ ﺣﺰن: ﻣﺎﺗﺖ )أروى( وھﻲ ﺗﻨﺠﺒﻪ.ﻣﺴﺢ اﻟﺸﯿﺦ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻋﻠﻰ رأﺳﻲ ﻓﻲ رﻓﻖ وﻗﺎل: -أﻟﮫﺬا اﻟﺴﺒﺐ ﻻ ﺗﻔﺎرﻗﻪ؟! ﻗﺎل أﺑﻲ: رﺑﻤﺎ.ﻟﻤﺢ اﻟﺸﯿﺦ )ﺷﮫﺒﻮر( ﻟﻔﺎﻓﺔ ورق ﺗﺘﺪﻟﻰ ﻣﻦ ﻧﻄﺎﻗﻲ ،أﻣﺴﻚ ﺑﮫﺎ وﻓﺘﺤﮫﺎ وﻗﺎل ﻓﻲ دھﺸﺔ: إﻧﻪ ﻳﮫﻮى اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻣﺜﻠﻚ!ﻗﺎل أﺑﻲ: ﻧﻌﻢ.اﺑﺘﺴﻢ اﻟﺸﯿﺦ )ﺷﮫﺒﻮر( ﺛﻢ رﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ وﻗﺎل: ﻣﺎ زﻟﺖ أﺣﺘﻔﻆ ﺑﺄﻣﺎﻧﺔ أﻋﻄﺎھﺎ ﻟﻲ أﺑﻮك ﻣﻨﺬ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﯿﻦ ﻋﺎًﻣﺎ ﻗﻠﺖﻣﺸﺪو ً ھﺎ: ﺣﻘﺎ!ﻗﺎل: ﻧﻌﻢ ،وﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ﺳﻨﺠﻠﺲ ﺳﻮﻳﺎ وأﺧﺒﺮك ﺑﺎﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت ﻋﻨﮫﺎ.ﺳﺄﻟﻪ أﺑﻲ ﻓﻲ ﺷﻮق: ﻛﯿﻒ ﺣﺎل ﻧﺒﻲ ﷲ؟ﻗﺎل ﻓﻲ أﺳﻒ: ﻟﯿﺲ ﺑﺨﯿﺮ ،اﺷﺘﺪ ﺑﻪ اﻟﺤﺰن ﺑﻌﺪ وﻓﺎة )ﻣﺮﻳﻢ( و)ھﺎرون(.وﺟﺎءه ﻣﻼك اﻟﺮب أﻣﺲ! ﺛﻢ ﺗﻘﺪم ﻧﺤﻮه وھﻤﺲ ﻗﺎﺋًﻼ: أراه اﻟﺮب اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻣﻦ ﻓﻮق اﻟﺠﺒﻞ اﻷﺣﻤﺮ أﻣﺲ ،وﺑﻌﺪھﺎ أﺧﺒﺮه ﻣﻼكاﻟﺮب ﺑﺄﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﺪﺧﻠﮫﺎ! رأﻳﺖ اﻷﻟﻢ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ أﺑﻲ اﻟﺬي ﺻﻤﺖ ﻗﻠﯿًﻼ ﺛﻢ ﻗﺎل: أرﻳﺪ أن أراه!ھﻞ ھﻮ ﻓﻲ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع؟ ﻗﺎل اﻟﺸﯿﺦ )ﺷﮫﺒﻮر(: -ﻛﻼ ،أﻟﻘﻰ وﺻﯿﺘﻪ اﻷﺧﯿﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻌﺐ ﺛﻢ ﺻﻌﺪ إﻟﻰ اﻟﺠﺒﻞ ﻣﻊ )ﻳﻮﺷﻊ ﺑﻦ ﻧﻮن( ،وﺳﯿﻤﻜﺚ ھﻨﺎك ﻓﻲ اﻟﻐﺎر ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﻣﺎ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﻪ اﻟﺴﯿﺪ اﻟﺮب. ﺗﻨﮫﺪ أﺑﻲ ﻓﻲ ﺣﺰن وﻗﺎل: ﻳﺒﺪو أن ﻧﮫﺎﻳﺔ اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻗﺪ أوﺷﻜﺖ!ھﱠﺰ )ﺷﮫﺒﻮر( رأﺳﻪ ﺛﻢ ﻗﺎل ﻓﻲ أﺳﻒ: ﻧﻌﻢ.ﺛﻢ ﻗﺎل ﻣﻐﯿًﺮا اﻟﺤﺪﻳﺚ: ھﯿﺎ ﻳﺎ )ﺷﻤﻌﻮن(!ﻓﻠﻌﻠﻚ ﺗﺸﺘﺎق إﻟﻰ اﻟﺴﻠﻮى. ﻗﺎل )ﺷﻤﻌﻮن(: ﺑﻞ أﺷﺘﺎق إﻟﻰ ﺻﻼة ﻣﻌﻚ ﻓﻲ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع.∞∞∞∞∞ ارﺗﻔﻊ ﺻﻮت اﻟﺒﻮق ورأﻳﺖ ﺣﺮﻛﺔ داﺋﺒﺔ ﻋﻨﺪ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ،ﺗﻮاﻓﺪ اﻟﻨﺎس أﻣﺎم اﻟﺴﺎﺣﺔ اﻟﻮاﺳﻌﺔ ،ﺛﻢ وﻗﻒ رﺟﻞ ﻓﺎرع اﻟﻄﻮل ،أﺷﯿﺐ اﻟﺸﻌﺮ ﻳﺮﺗﺪي زي اﻟﻔﺮﺳﺎن ،وﺗﺒﺪو ﻋﻠﯿﻪ ﻋﻼﻣﺎت اﻟﻘﻮة رﻏﻢ ﺳﻨﻮات ﻋﻤﺮه اﻟﺘﻲ ﺗﻔﻮق ﻋﻤﺮ أﺑﻲ ﺑﻜﺜﯿﺮ ،وﻋﻠﻤﺖ ﻣﻦ أﺑﻲ أن اﺳﻤﻪ )ﻳﻮﺷﻊ ﺑﻦ ﻧﻮن( ،ﻛﺎن )ﻳﻮﺷﻊ( ﻳﻘﻒ أﻣﺎم ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ،وﺧﻠﻔﻪ ﻳﻘﻒ ﻋﺪد ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻜﮫﻨﺔ وﺧﺪام اﻟﻤﻌﺒﺪ ﻳﺒﻜﻮن وﻛﺎن ﻣﻦ ﺑﯿﻨﮫﻢ اﻟﺸﯿﺦ اﻟﻌﺠﻮز )ﺷﮫﺒﻮر( ،ﺗﺤﺪث )ﻳﻮﺷﻊ( ﻓﻲ ﺣﺰن وﻗﺎل: ﻟﻘﺪ ﻣﺎت ﻧﺒﻲ ﷲ!ارﺗﻔﻊ ﺻﺮاخ اﻟﻨﺎس ،ﺣﺘﻰ ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻷرض ﺗﺮﺗﺠﻒ ﺗﺤﺘﻲ ورأﻳﺖ أﺑﻲ ﻳﺘﺮﻧﺢ وﻗﺪ ﺧﺎرت ﺳﺎﻗﺎه ،ﻓﺎﺳﺘﻨﺪ إﻟﻰ ﻛﺘﻔﻲ وﻗﺎل: أﺟﻠﺴﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻳﺎ )زﺧﺎري(.أﺟﻠﺴﺘﻪ وأﻧﺎ أﺑﻌﺪ ﻋﻨﻪ دھﺴﺎت اﻟﻨﺎس اﻟﻐﺎﻓﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺴﺎﻗﻂ ﺑﺎﻛﯿﺔ، وھﻲ ﻻ ﺗﺼﺪق أﻧﮫﺎ ﺳﺘﻔﺎرق ﻣﻌﻠﻤﮫﺎ وﻣﺮﺑﯿﮫﺎ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ. ﻗﺎل أﺣﺪ اﻟﺸﺒﺎن: ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﻠﻘﻲ اﻟﻨﻈﺮة اﻷﺧﯿﺮة ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻠﻤﻨﺎ أﻳﮫﺎ اﻟﻘﺎﺋﺪ.ﻗﺎل )ﻳﻮﺷﻊ(: -ﻟﻘﺪ أﻣﺮﻧﺎ ﺑﺄﻻ ﻳﻌﺮف ﻣﻜﺎن ﻗﺒﺮه أﺣﺪ ،وأﻻ ﻳﻮﺿﻊ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﺮه ﺷﺎھﺪ! ﻗﺎل ﺷﺎب آﺧﺮ وھﻮ ﻳﺒﻜﻲ ﻓﻲ ﺣﺮﻗﺔ: ﻟﻤﺎذا ﺗﺮﻛﻨﺎ وﺣﺪﻧﺎ ﺑﻌﺪ أن اﻗﺘﺮﺑﺖ اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ ﻧﮫﺎﻳﺘﮫﺎ؟ﻗﺎل )ﻳﻮﺷﻊ(: ھﻜﺬا أراد اﻟﺴﯿﺪ اﻟﺮب!أن ﺗﻘﻮﻣﻮا أﻧﺘﻢ ﻳﺎ ﺗﻼﻣﯿﺬ )ﻣﻮﺳﻰ( ﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﻢ ﺑﻪ آﺑﺎؤﻛﻢ! أن ﺗﺪﺧﻠﻮا اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،ﻓﺘﻌﻤﻠﻮا ﺑﮫﺎ ﺑﻮﺻﯿﺔ آﺑﺎﺋﻜﻢ )إﺑﺮاھﯿﻢ( و)إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ( و)إﺳﺤﺎق( و)ﻳﻌﻘﻮب( ،أن ﺗﺤﻔﻈﻮا اﻟﻨﺎﻣﻮس ﻛﻤﺎ أﺗﺎﻛﻢ ﺑﻪ )ﻣﻮﺳﻰ( ،وأن ﺗﻨﺸﺮوا اﻟﺴﻼم وﻋﺒﺎدة اﻟﺮب اﻟﻮاﺣﺪ اﻷﺣﺪ ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﻤﻤﺎﻟﻚ ،ﺗﻠﻚ ھﻲ اﻟﻐﺎﻳﺔ، وﺗﻠﻚ ھﻲ اﻟﻮﺻﯿﺔ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ. ﺛﻢ ﻗﺎل: ﻏًﺪا ﻳﺘﺤﺮك اﻟﺮﻛﺐ ﻓﺘﻌﺒﺮون ﻧﮫﺮ اﻷردن ،وﺗﻨﻘﺸﻮن وﺻﺎﻳﺎه ﻋﻠﻰ ﺣﺠﺮ ﻧﻘ ًﺸﺎ ﺟﻤﯿًﻼ ،ﺛﻢ ﺗﺼﻌﺪون إﻟﻰ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ. وﺑﻌﺪ أن اﻧﺼﺮف اﻟﻨﺎس ﻗﺎل أﺑﻲ: ُﺧْﺬﻧِﻲ إﻟﻰ اﻟﺠﺒﻞ اﻷﺣﻤﺮ ﻳﺎ )زﺧﺎري(. ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: ﻟﻤﺎذا ﻳﺎ أﺑﻲ؟ﻻ ﻳﻮﺟﺪ أﺣﺪ ھﻨﺎك! ﻗﺎل: ﺳﺄﻣﻜﺚ ﻓﻲ اﻟﻐﺎر اﻟﺬي ﻣﻜﺚ ﻓﯿﻪ )ﻣﻮﺳﻰ( ﺣﺘﻰ ﻳﺤﯿﻦ ﻣﻮﻋﺪ اﻟﺮﺣﯿﻞ!∞∞∞∞∞ رددت ﺟﻨﺒﺎت اﻟﻮادي أﺻﻮات اﻷﺑﻮاق اﻟﺘﻲ اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﻦ ﺧﯿﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻓﻮق ﺟﺒﻞ »ﻧﺒﻮ« ،ﺗﺪﻋﻮ اﻟﻨﺎس ﻻﺳﺘﺌﻨﺎف اﻟﺮﺣﯿﻞ ،ﺗﺤﺮﻛﺖ ﺟﻤﻮع اﻟﺸﻌﺐ ﻟﺘﻘﻄﻊ اﻟﺸﻮط اﻷﺧﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﺮﺣﻠﺔ إﻟﻰ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻐﺮﻗﺖ ﻣﺎ ﻳﻘﺮب ﻣﻦ ﺧﻤﺴﯿﻦ ﻋﺎًﻣﺎ وﻟﻢ ﻳﺘﺒ ﱠ ﻖ ﻣﻨﮫﺎ ﺳﻮى ﺑﻀﻌﺔ أﻳﺎم ﻳﻌﺒﺮون ﺑﻌﺪھﺎ اﻟﻨﮫﺮ إﻟﻰ أرض اﻟﻤﯿﻌﺎد ،ﺣﻤﻞ زﻋﯿﻢ ﻛﻞ ﺳﺒﻂ ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎط راﻳﺘﻪ وﺳﺎروا ﻓﻲ ﺗﺮﺗﯿﺒﮫﻢ اﻟﻤﻌﮫﻮد ،ﺗﻘﺪم ﺑﻨﻮ »ھﺎرون« اﻟﺮﻛﺐ ﻳﺤﻤﻠﻮن ﺗﺎﺑﻮت اﻟﻌﮫﺪ ﻋﻠﻰ اﻷﻛﺘﺎف وﻳﻨﻔﺨﻮن اﻷﺑﻮاق ﺑﯿﻦ اﻟﻔﯿﻨﺔ واﻟﻔﯿﻨﺔ ،وﻗﺪ اﻧﺴﻞ ﻣﻦ وراﺋﮫﻢ ﻣﺌﺎت اﻷﻟﻮف ﻣﻦ ﺷﻌﺐ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،ﻳﺜﯿﺮون ﺧﻠﻔﮫﻢ ﺳﺤﺎﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﺎل ھﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ ذﻛﺮﻳﺎت ﻋﺎﺷﻮھﺎ ﻓﻮق ﺟﺒﻞ اﻷﺣﺰان ،اﺧﺘﻠﻂ ﺣﻨﯿﻦ اﻟﻨﻮق وﺧﻮار اﻷﺑﻘﺎر ﺑﺒﻜﺎء اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء ،ﻓﻸول ﻣﺮة ﻳﺘﺤﺮك اﻟﺮﻛﺐ ﺑﺪون اﻟﻤﻌﻠﻢ واﻟﻤﺨﻠﺺ ،ﺑﻌﺪ أن ﻣﺎت ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ(. ذاﺑﺖ ﺳﺤﺎﺑﺔ اﻟﺮﻣﺎل ﺗﺤﺖ طﯿﺎت اﻟﻐﻤﺎم اﻟﻤﺘﺮاﻛﺒﺔ أﺳﻔﻞ اﻟﺴﻔﺢ ،وﺗﺒﺪدت ﺾ أﺻﻮات اﻟﺠﻤﻮع أﻣﺎم ﺻﻔﯿﺮ اﻟﺮﻳﺎح اﻟﻤﺘﺴﺎرﻋﺔ ﻓﻮق اﻟﺠﺒﻞ اﻟﻤﻮﺣﺶ ،وﻟﻢ ﺗﻤ ِ دﻗﺎﺋﻖ ﺣﺘﻰ ﻣﺎﻟﺖ اﻟﺸﻤﺲ إﻟﻰ اﻟﻐﺮوب ،ﺗﻮﻛﺄ ﻋﻠﻰ ﻋﺼﺎه ﺛﻢ ﻗﺎم ﻣﻦ ﺟﻠﺴﺘﻪ واﺗﺠﻪ إﻟﻰ ﺑﺎب اﻟﻐﺎر اﻟﺬي آوى إﻟﯿﻪ طﻮال اﻷﻳﺎم اﻟﻤﺎﺿﯿﺔ ،ﺳﺎر ﻓﻲ وھﻦ ﺑﻈﮫٍﺮ أﺣﻨﺘﻪ اﻟﺴﻨﻮن إﻟﻰ ﺧﺎرج اﻟﻐﺎر ،ﺣﺎﻣًﻼ ﺑﯿﺪﻳﻪ اﻟﻤﻌﺮﻗﺘﯿﻦ ﻛﻮﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﻄﺐ، أردت أن أﺳﺎﻋﺪه ﻓﻲ ﺣﻤﻠﮫﺎ وﻟﻜﻨﻪ أﺑﻲ ،أﺷﻌﻞ ﻛﻮﻣﺔ اﻟﺤﻄﺐ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ،ﺛﻢ ﺟﻠﺲ ﻳﺴﺘﻀﻲء ﺑﻨﻮرھﺎ وﻳﺴﺘﺪﻓﺊ ﺑﻨﺎرھﺎ ،اﻣﺘﺪت ﻳﺪه إﻟﻰ ُ ﺻﱠﺮة ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش، ﻓﺘﺤﮫﺎ ﻟﯿﺨﺮج ﻣﻨﮫﺎ أﻧﯿﺴﯿﻪ ﻓﻲ ﻋﻤﺮه اﻟﺬي ﻣﻀﻰ: اﻟﺪواة واﻟﻘﻠﻢ ..ﺗﻨﺎول ﻟﻔﺎﺋﻔﻪ اﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ أوراق اﻟﺒﺮدي ﺑﺠﮫﺪ ﻳﺸﻲ ﺑﺤﺠﻤﮫﺎ اﻟﻀﺨﻢ ،ﺗﺤﺴﺴ ْ ﺖ ﻳﺪاه اﻟﺴﺠﻞ اﻟﺬي أﻓﻨﻰ ﻋﻘﻮًدا ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺘﻪ ﻓﻲ ﺣﻨﺎن ،ﺛﻢ ﻓﺘﺤﻪ ﺑﺮﻓﻖ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺘﻪ اﻷﺧﯿﺮة ،ﻏﻤﺲ ﻗﻠﻤﻪ ﻓﻲ اﻟﺪواة وﺷﺮع ﻳﻜﺘﺐ ﺑﯿﺪ أرﻋﺸﺘﮫﺎ ﺳﻨﻮات اﻟﻌﻤﺮ وﺑﺮودة اﻟﺠﻮ: »وﺑﻌﺪ ،ﻓﮫﺬا ﺧﺘﺎم ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ )ﺷﻤﻌﻮن ﺑﻦ زﺧﺎري( ،واﻟﻤﻠﻘﺐ بـ)ﺷﻤﻌﻮناﻟﻤﺼﺮي( ،ﻋﻦ أﺧﺒﺎر ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻓﻲ أرض »ﺳﯿﻦ« ،وﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ أﻣﺮھﻢ ﻣﻨﺬ ﻋﺒﻮر اﻟﺒﺤﺮ وﺣﺘﻰ وﻓﺎة ﻧﺒﻲ ﷲ )ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻋﻤﺮان(. وأﻋﻠﻢ أﻧﻲ ﻣﺎ ﻛﺘﺒﺖ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺮﻗﺎع إﻻ أﺣﺪ أﻣﺮﻳﻦ؛ أﻣٍﺮ ﺷﮫﺪﺗﻪ ﺑﻌﯿﻨﻲ أو أﻣٍﺮ ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻣﻦ رﺟﻞ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺜﻘﺎت ،وأﺷﮫﺪ اﻟﺮب )إﻳﻞ( أﻧﻲ ﻣﺎ ﺑﻐﯿﺖ ﺑﮫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻣﺠًﺪا وﻻ ﺷﺮًﻓﺎ ،وإﻧﻤﺎ إظﮫﺎر ﺷﮫﺎدﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﺟﯿﻞ ﻣﻦ ﺷﻌﺐ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،اﺻﻄﻔﺎه ﷲ وأﻧﺠﺎه ﺑﻤﻌﺠﺰة ﻣﻦ ﻋﺪوه ،ﺛﻢ ﻏﻀﺐ ﻋﻠﯿﻪ وأھﻠﻜﻪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﺮﻳﺔ اﻟﻘﻔﺮاء ﺑﻌﺪ أن أذاﻗﻪ ﺷﻘﺎء اﻻرﺗﺤﺎل وﻣﺮارة اﻟﺘﯿﻪ ..ھﺬا ﻛﺘﺎب ﻻ أدري ﻣﻦ ﺳﯿﻜﻮن ﻗﺎرﺋﻪ ،ﻓﺄﻳﺎ ﻣﻦ ﺗﻜﻮن أرﺟﻮ أن ﺗﺘﺬﻛﺮ ﻛﺎﺗﺐ ھﺬه اﻷﺑﻮاب ﺑﺎﻟﺮﺣﻤﺔ وأن ﺗﺪﻋﻮ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻐﻔﺮان«. ﺛﻢ ذﻳﻠﮫﺎ ﺑﺎﺳﻤﻪ: )ﺷﻤﻌﻮن ﺑﻦ زﺧﺎري ﺑﻦ رأوﺑﯿﻦ( اﻟﻤﻠﻘﺐ بـ)ﺷﻤﻌﻮن اﻟﻤﺼﺮي( ،طﻮى اﻟﺴﺠﻞ وھﻮ ﻳﻠﮫﺚ ،وﻛﺄﻧﻤﺎ أرھﻘﺘﻪ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،ﺛﻢ أﻋﻄﺎه ﻟﻲ وﻗﺎل: اﺣﻔﻆ ھﺬا ﻳﺎ )زﺧﺎري( ،واﻧﻘﻠﻪ ﻷﺑﻨﺎﺋﻚ واﺟﻌﻠﮫﻢ ﻳﻮرﺛﻮﻧﻪ ﻷﺑﻨﺎﺋﮫﻢ ﺟﯿًﻼ ﺑﻌﺪﺟﯿﻞ! ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: أﻣﺮك ﻳﺎ أﺑﻲ!ﺛﻢ ﻗﻠﺖ وﻗﺪ ﺷﻌﺮت ﺑﺒﺮودة اﻟﺠﻮ ﺗﺰداد. أﻟﻦ ﻧﻠﺤﻖ ﺑﺒﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أﺳﻔﻞ اﻟﺠﺒﻞ ..ﻟﻘﺪ أطﺒﻖ اﻟﻠﯿﻞ؟ﻗﺎل: ﻧﻠﺤﻖ ﺑﮫﻢ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ،ﻓﻠﻦ ﻳﺴﯿﺮوا ﺑﻠﯿﻞ!ﺛﻢ ﺗﻨﮫﺪ ﻗﺎﺋًﻼ: أرﻳﺪ أن أﻗﻀﻲ ﻟﯿﻠﺔ أﺧﯿﺮة ﻓﻲ ﻏﺎر ﺑﻪ رﻳﺢ )ﻣﻮﺳﻰ(.ﺛﻢ ﺗﻤﺪد ﻓﻮق اﻟﺤﺼﯿﺮ ﻋﻠﻰ اﻷرض ،ﻓﺪﺛﺮﺗﻪ ﺑﻐﻄﺎء ﻣﻦ وﺑﺮ اﻹﺑﻞ. ﺟﺬﺑﻨﻲ إﻟﯿﻪ ﺛﻢ ﻗﺒﱠﻠﻨﻲ ﻓﻲ رأﺳﻲ وھﻮ ﻳﻘﻮل ﺑﺎﺳ ً ﻤﺎ: أﺗﺪري أن أﻣﻚ ﻗﺪ وﺿﻌﺖ ﻓﯿﻚ ﻛﻞ ﺣﻨﺎﻧﮫﺎ ﺛﻢ رﺣﻠﺖ!ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: أﺗﻤﻨﻰ أن أراھﺎ!أﻏﻤﺾ ﻋﯿﻨﯿﻪ وﻗﺎل: وأﻧﺎ أﻳ ًﻀﺎ. ﺗﻤﺖ ﻓﻲ اﻟﻘﺎھﺮة ٥ﻳﻨﺎﻳﺮ ٢٠٢١ ∞∞∞∞∞ ﻣﻠﺤﻖ ﺷﻜﻞ ) (١أﻣﺎﻛﻦ اﻟﺘﯿﻪ اﻟﺘﻲ وردت ﻓﻲ اﻟﺮواﻳﺔ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ ﺷﻜﻞ ) (٢أﺳﻤﺎء اﻷﻣﺎﻛﻦ ﻓﻲ وادي »ﺑﻜﺔ« ﺷﻜﻞ ) (٣ﻣﻘﺎم اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻮﺳﻰ – ﺟﺒﻞ ﻧﯿﺒﻮ – اﻷردن أﺳﻤﺎء اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺨﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺮواﻳﺔ وﻣﻮﻗﻌﮫﺎ اﻟﺤﺎﻟﻲ اﻟﺸﺨﺼﯿﺎت اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺮواﻳﺔ ﺑﺤﺴﺐ اﻟﻈﮫﻮر .١ﻣﻮﺳﻰ .٢ھﺎرون .٣ﻳﻮﺷﻊ ﺑﻦ ﻧﻮن )ھﻮﺷﻊ -ﻳﺸﻮع( .٤ﻣﺮﻳﻢ أﺧﺖ ﻣﻮﺳﻰ .٥اﻟﺸﺎﻣﺮي )اﻟﺴﺎﻣﺮي( .٦داﺛﺎن .٧ﻗﻮرح ﺑﻦ إﻟﯿﺼﮫﺎر .٨أﺑﯿﺮام أﺧﻮ داﺛﺎن .٩اﻟﻌﻤﺎﻟﯿﻖ .١٠ﺑﻨﻲ ﻳﻄﻮر .١١ﺑﺼﻠﺌﯿﻞ ﺑﻦ ﺣﻮر .١٢ﻛﺎﻟﺐ ﺑﻦ ﻳﻔﻨﻪ .١٣ﻓﻠﻄﻲ )اﻟﺠﺎﺳﻮس( .١٤ﺷﻤﻮع ﺑﻦ ذﻛﻮر )اﻟﺠﺎﺳﻮس( .١٥ﺷﺎﻓﺎط ﺑﻦ ﺣﻮري )اﻟﺠﺎﺳﻮس( .١٦ﻳﺠﺎل ﺑﻦ ﻳﻮﺳﻒ )اﻟﺠﺎﺳﻮس( .١٧ﺑﻨﻲ ﻋﻨﺎق .١٨إﺑﺮام )اﻟﻨﺒﻲ إﺑﺮاھﯿﻢ( .١٩ﺑﻨﻮ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ .٢٠ھﺪد ﺑﻦ ﺑﺪد .٢١اﻟﻤﻠﻚ ھﻮﺷﺎم .٢٢ﻣﺤﻠﺔ ﺑﻨﺖ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ .٢٣ﻋﯿﺴﻮ ﺑﻦ إﺳﺤﺎق .٢٤ﺑﻨﻮ ﻋﺒﯿﻞ .٢٥ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث .٢٦ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻟﺤﻲ .٢٧طﺮﻳﻔﺔ اﻟﻌﺮاﻓﺔ .٢٨اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث .٢٩اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ اﻟﻤﻀﺎض .٣٠ﺟﺮھﻢ .٣١ﺧﺰاﻋﺔ اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ ﻣﺺـادر ديـﻧﻲـة: -١اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ. -٢اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪس -ﺳﻔﺮ اﻟﺨﺮوج /ﺳﻔﺮ اﻟﻌﺪد. -٣ﺗﻔﺴﯿﺮ اﺑﻦ ﻛﺜﯿﺮ -طﺒﻌﺔ دار اﺑﻦ اﻟﺠﻮزي -اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ .٢٠٠١ - -٤اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻷﺣﻜﺎم اﻟﻘﺮآن -ﻟﻠﻘﺮطﺒﻲ -طﺒﻌﺔ ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ .٢٠٠٥ - -٣ﻳﻮﺳﻒ رﻳﺎض: ﺷﺮح أﺳﻔﺎر )ﻣﻮﺳﻰ( اﻟﺨﻤﺴﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ إﻟﻰ اﻟﺮؤﻳﺎ -دار اﻹﺧﻮة .٢٠٠٧ -٤ﻣﺮﺷﺪ اﻟﻄﺎﻟﺒﯿﻦ إﻟﻰ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪس -ﻣﺪرﺳﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻷﻣﺮﻳﻜﯿﺔ ﺑﯿﺮوت - اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ .١٨٦٨ ﻣﻮﺳﻮﻋﺎت وﻣﺼﺎدر ﺗﺎرﻳﺨﯿﺔ: -٥دﻛﺘﻮر رﺷﺪي اﻟﺒﺪراوي: ﻣﻮﺳﻮﻋﺔ ﻗﺼﺺ اﻷﻧﺒﯿﺎء واﻟﺘﺎرﻳﺦ -اﻟﺠﺰء اﻟﺮاﺑﻊ -طﺒﻌﺔ .١٩٩٨ -٦دﻛﺘﻮر ﻋﺒﺪ اﻟﻮھﺎب اﻟﻤﺴﯿﺮي: ﻣﻮﺳﻮﻋﺔ اﻟﯿﮫﻮد واﻟﯿﮫﻮدﻳﺔ واﻟﺼﮫﯿﻮﻧﯿﺔ اﻟﻤﻮﺟﺰة -دار اﻟﺸﺮوق -اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ .٢٠١٠ - -٧ﺟﻮﺳﺘﺎف ﻟﻮﺑﻮن: اﻟﯿﮫﻮد ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺤﻀﺎرات اﻷوﻟﻰ -ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻋﺎدل زﻋﯿﺘﺮ -ﻣﺆﺳﺴﺔ ھﻨﺪاوي ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ .٢٠١٢ - -٨ﻛﺎرﻳﻦ أرﻣﺴﺘﺮوﻧﺞ: ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪس -ﺗﺮﺟﻤﺔ د. ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻔﺎر -ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﺸﺮوق اﻟﺪوﻟﯿﺔ .٢٠١٠ - - ٨دﻛﺘﻮر ﺟﻮاد ﻋﻠﻲ: اﻟﻤﻔﺼﻞ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻌﺮب ﻗﺒﻞ اﻹﺳﻼم ـ ١٠أﺟﺰاء -اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ .١٩٩٤ - ٩ﻓﻜﺮي أﻧﺪرواس: اﻹﻧﺠﯿﻞ اﻟﻌﺒﺮي وﻣﺼﺮ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ -دار اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة .٢٠١٨ - -١٠إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ ﺣﺎﻣﺪ: ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﯿﮫﻮد -اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻟﻠﻜﺘﺐ واﻟﻨﺸﺮ -اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻷوﻟﻲ .٢٠١٤ -١١دﻛﺘﻮر ﺷﺮﻳﻒ ﺣﺎﻣﺪ ﺳﺎﻟﻢ: اﻟﻤﺼﺪر اﻟﯿﮫﻮي ﻓﻲ اﻟﺘﻮراة -دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻀﺎﻣﯿﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺨﯿﺔ واﻟﺪﻳﻨﯿﺔ واﻟﺴﻤﺎت اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ -ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻣﺪﺑﻮﻟﻲ .٢٠١٠ - -١٢ﺟﺎري ﺟﺮﻳﻨﺒﺮج ١٠١ :أﺳﻄﻮرة ﺗﻮراﺗﯿﺔ -ﺗﺮﺟﻤﺔ دﻳﻨﺎ إﻣﺎم -دار اﻟﻌﯿﻦ ٢٠١٣ - )ﺗﻢ اﻟﻜﺘﺎب ﺑﺤﻤﺪ ﷲ( "وﺑﻌﺪ… ﻤ ْ ﺸ ْ ﻤﻌﻮن اﻟ َ ﺧﺘﺎُم ﻣﺎ ﻛﺘﺒَُﻪ "ﺷﻤﻌﻮن ﺑﻦ زﺧﺎري" ،واﻟﻤﻠﻘﺐ ﺑ َ ﺼﺮي ،ﻋﻦ ﻓﮫﺬا ِ أﺧﺒﺎِر ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﺔ ﺳﯿﻦ ،وﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ أﻣِﺮھﻢ ﻣﻨﺬ ﻋﺒﻮر اﻟﺒﺤﺮ وﺣﺘﻰ وﻓﺎة ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻋﻤﺮان .وأﻋﻠﻢ أﻧﻲ ﻣﺎ ﻛﺘﺒﺖ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺮﻗﺎع إﻻ أ َ ﺣَﺪ أﻣﺮﻳﻦ، ُ ﺷﮫﺪ اﻟﺮ ﱠ ب أﻣﺮ ﺷﮫﺪﺗﻪ ﺑﻌﯿﻨﻲ أو أﻣﺮ ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻣﻦ رﺟﻞ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل اﻟ ِﺜّﻘﺎت .وأ ِ )إﻳﻞ( ،أﻧﻲ ﻣﺎ ﺑﻐْﯿ ُ ﺖ ﺑﮫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻣﺠًﺪا وﻻ ﺷﺮًﻓﺎ ،وإﻧﻤﺎ إظﮫﺎر ﺷﮫﺎدﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﺟﯿﻞ ﻣﻦ ﺷﻌﺐ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،اﺻﻄﻔﺎه ﷲ وأﻧﺠﺎه ﺑﻤﻌﺠﺰة ﻣﻦ ﻋﺪ ِوّه ،ﺛﻢ ﻏﻀﺐ ﻋﻠﯿﻪ وأھﻠﻜﻪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﺮﻳﺔ اﻟﻘﻔﺮاء ،ﻣﻜﺘﺒﺔ ١١اﻟﺜﻘﺎﻓﯿﺔ ﺑﻌﺪ أن أذاﻗﻪ ﺷﻘﺎء اﻻرﺗﺤﺎل وﻣﺮارة اﻟﺘﯿﻪ .ھﺬا ﻛﺘﺎب ﻻ أدري ﻣﻦ ﺳﯿﻜﻮن ﻗﺎرﺋﻪ ،ﻓﺄﻳًﺎ ﻣﻦ ﺗﻜﻦ أرﺟﻮ أن ﺗﺘﺬﻛﺮ ﻛﺎﺗﺐ ھﺬه اﻷﺑﻮاب ﺑﺎﻟﺮﺣﻤﺔ وأن ﺗَﺪﻋﻮ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻐﻔﺮان" »ﺷﻤﻌﻮن ﺑﻦ زﺧﺎري ﺑﻦ رأوﺑﯿﻦ اﻟﻤﻠﻘﺐ ﺑﺸﻤﻌﻮن اﻟﻤﺼﺮي« ﺗﻢ ﻓﻲ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻷﺧﯿﺮة ﻣﻦ اﻟﺸﮫﺮ اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻟﺴﻨﺔ ﺳﺘﯿﻦ ﺑﻌﺪ اﻟﺨﺮوج اﻟﻔﮫﺮس: اﻟﻜﺘﺎب اﻷول اﻟﻮرﻗﺔ اﻷوﻟﻰ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﻌﺎﺷﺮة اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺤﺎدﻳﺔ ﻋﺸﺮة اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻋﺸﺮة اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻋﺸﺮة اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮة اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﺸﺮة اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻋﺸﺮة اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮة اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻋﺸﺮة اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻋﺸﺮة اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﻌﺸﺮون اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺤﺎدﻳﺔ واﻟﻌﺸﺮون اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ واﻟﻌﺸﺮون اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ واﻟﻌﺸﺮون اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ واﻟﻌﺸﺮون اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ واﻟﻌﺸﺮون اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ واﻟﻌﺸﺮون اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ واﻟﻌﺸﺮون اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ واﻟﻌﺸﺮون اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ واﻟﻌﺸﺮون اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﻼﺛﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺤﺎدﻳﺔ واﻟﺜﻼﺛﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ واﻟﺜﻼﺛﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ واﻟﺜﻼﺛﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ واﻟﺜﻼﺛﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ واﻟﺜﻼﺛﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ واﻟﺜﻼﺛﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ واﻟﺜﻼﺛﻮن اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ واﻟﺜﻼﺛﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ واﻟﺜﻼﺛﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻷرﺑﻌﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺤﺎدﻳﺔ واﻷرﺑﻌﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ واﻷرﺑﻌﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ واﻷرﺑﻌﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ واﻷرﺑﻌﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ واﻷرﺑﻌﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ واﻷرﺑﻌﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ واﻷرﺑﻌﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ واﻷرﺑﻌﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ واﻷرﺑﻌﻮن اﻟﻮرﻗﺔ الـﺧﻤﺴﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺤﺎدﻳﺔ والـﺧﻤﺴﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ والـﺧﻤﺴﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ والـﺧﻤﺴﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ والـﺧﻤﺴﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ والـﺧﻤﺴﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ والـﺧﻤﺴﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ والـﺧﻤﺴﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ والـﺧﻤﺴﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ والـﺧﻤﺴﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺘﻮن اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺮاﺑﻊ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺤﺎدﻳﺔ واﻟﺴﺘﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ واﻟﺴﺘﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ واﻟﺴﺘﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ واﻟﺴﺘﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ واﻟﺴﺘﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ واﻟﺴﺘﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ واﻟﺴﺘﻮن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ واﻟﺴﺘﻮن ﺗﺘﻤﺔ أوراق ﺷﻤﻌﻮن اﻟﻤﺼﺮي ﻣﻠﺤﻖ اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ