وزارة التعليم العالي و البحث العلمي جامعة محـمد البشيرالابراهيمي كلية العلوم إلانسانية و الاجتماعية قسم العلوم الاجتماعية مدخل إلى الفلسفة العامة محاضرات السنة ألاولى علوم اجتماعية السنة الجامعية 6102/6102 ][1 المحور الول :الفلسفة ...اهميتها و صلتها بباقي فروع المعرفة . تمهيد : في هذا املحور بالذات نهدف إلى تحقيق العديد من الغايات و لاهداف .في مقدمتها التعرف و لاطالع على املعنى أو املفهوم الحقيقي ملصطلح الفلسفة ) (Philosophieخاصة و أن تعريف الفلسفة يعتبر من أشد ()1 املسائل املعقدة و الصعبة بل و إثارة للجدل .كما أننا سنسعى جاهدين في هذا السياق إلى تحديد السياق التاريخي و املعرفي الذي ظهر فيه ذلك املصطلح ،ما يعني أن السؤال الفلسفي هو من دون شك ()2 سؤال إشكالي تقف خلفه العديد من لاسباب و العلل املنطقية و الواقعية . و هكذا و مما سبق فإنه من ّ البين جدا و نحن في مسعانا السابق أن يترتب عن ذلك فهم حقيقي و إدراك عميق و راسخ لحقيقة الفلسفة من حيث ميادينها و كذا وظيفتها ،و أهميتها ،و قيمتها املعرفية هذا من جهة . أما من جهة أخرى فإن تدعيم فهنا ملبحث الفلسفة سيفرض علينا منطلقا بيداغوجيا و حركة منهجية غاية في لاهمية و نقصد هنا البحث في جملة العالقات التي تمتد بين هذا النشاط الفكري -أي الفلسفة - و بقية النشاطات الفكرية الكبرى املوازية له و في مقدمتها العلم .و ال ننس ى في هذا لاطار عالقة الفلسفة بالدين ملا تكتسبه هذه العالقة من أهمية عبر التاريخ الطويل للفلسفة ذاتها .و على هذا النحو فإن استقصاء و تحقيق لاهداف السابق ذكرها لن يكون سهال إال من خالل صياغة أسئلة -إشكالية تفتح املجال أمام ذلك فنقول : * ما املقصود بالفلسفة ؟ * ما هو السياق التاريخي و املعرفي الذي نشأت فيه؟ * و هل الفلسفة كنشاط فكري إنساني تعتبرضرورة حضارية -إنسانية أم العكس ؟ َ ّ ) (1سيتم توضيح هذه املسللة في العنصر املعنون بـ ـ :في تفسير تعقد ( تعدد) مفهوم الفلسفة .و هو عبارة عن نتيجة تم التوصل إليها من خالل دراسة مفهوم الفلسفة ( ارجع إلى الصفحة رقم 70من هذه املحاضرة ) . ) (2يرى غاستون باشالر( )4691 -4881أن أي معرفة حقيقية إنما تنبثق من إشكالية حادة يعاني منها العالم يقول " :كل معرفة في نظر الروح العلمية تعد إجابة عن سؤال و إذا لم يكن هناك سؤال فال مجال للحديث عن معرفة علمية ليس هنالك ما يتم تلقائيا ليس هناك ما معطى و ال يوجد إال ما هو مبني " و إذا كان هذا هو حال العلم فإن حال الفلسفة ليس بمختلف أو مغاير . ][2 -0في داللة مصطلح الفلسفة : ال يتضح معنى الفلسفة إال إذا تم النفاذ إلى صميم املشكالت الفلسفية و لاطالع على طرق الفالسفة في التفكير فيها و تحليلها و البرهنة على الحلول التي ينتهون إليها ،و هكذا فكلن تعريف الفلسفة ال يلخذ مكانه و ال يكون مفهوما إال في املرحلة التي يفهم صاحبها هذه املشكالت و البراهين على حلولها ،لن تعريف الفلسفة أيضا يتوقف على نظرة كل مذهب فلسفي ،و على سمة العصر الذي تنتمي إليها هذه املذاهب و على طبيعة املنهج الذي يتخذه كل من الاتجاهات الفلسفية املختلفة و املشكالت التي يجعلونها محورا لها. 0-0الداللة اللغوية : من املعروف أن املعنى الاشتقاقي -الداللة اللغوية -لكلمة " الفلسفة " ( )Philosophieيعود إلى لفظين يونانيين هما فيلو ) (Philoو تعني محبة ،و صوفيا ) (Sophiaو تعني الحكمة ،فيكون املعنى أن الفلسفة هي محبة الحكمة .و من بين ما تشير إليه الحكمة في العربية النظر الصحيح و العمل املتقن و صواب لامر و سداده و وضع الش يء في موضعه .كما يصف القرآن الكريم الحكمة بلنها 'خير' فيقول تعالى " :يؤتي َ َّ َّ َّ َ َ َ َ َ ََ َ الحك َمة َمن َيشاء َو َمن يؤت الحك َمة فقد أوت َي خيرا كثيرا و َما َيذكرإال أولوا الال َباب "( سورة البقرة ،لاية .)198 : و خالصة داللة الكلمة من حيث اشتقاقها اللغوي أنها تعني :حب لاطالع ،و ممارسة التفكير أكثر مما تدل على مجرد حب الحكمة ،و إن كان الفالسفة حصروا هذه الكلمة في حدود ضيقة . هذا و قد زعم هيرقليدس و أيده شيشرون أن أول من استعملها -أي لفظ الفلسفة -الفيلسوف 3 اليوناني فيثاغورس 160-201 ( Phythagorasق.م) الذي وصف نفسه بالفيلسوف ( ) ،الذي كان يقصد من وراء ذلك أنه مجرد محب الحكمة و ليس ممن وصلوا إليها و امتلكوا ناصيتها (أي ليس حكيما ) . فاملعرفة الحقيقية لكل العالم إنما هي من نصيب لاله وحده ،أما لانسان فإن عليه أن يكتفي بمحبة الحكمة .و يذهب البعض إلى أن نسبة وضع الكلمة إلى فيثاغورس أمر مشكوك فيه ملا عرف عنه من غرور و ادعاء و بعد عن التواضع ،و لهذا يرجح هؤالء أن يكون سقراط أول من استعملها و بعده أفالطون . ( )3حكى ديوجانس ( 313 - 141ق.م )قصة تبين سمة الفالسفة ،و ملمحا رئيسيا من مالمحهم ،فحكى واقعة خالصتها ،أن ثالثة فرق من الناس حضروا مبارة لعب :فريق همه البحث عن الشهرة ،وهم املشاركون في اللعب ،و فريق يقصد الربح ،و هم التجار الذين يبيعون البضائع ،و فريق أخير كانت بهجتهم النظر أو 'التفرج' و هم الفالسفة الذين احتقروا الشهرة و الربح و فضلوا التلمل للوصول الى الحقيقة .و هنا نجد فيثاغورس ّميز بين عمل الفيلسوف و هو املعرفة القائمة على التلمل ،و هو ما يختلف عن املهارة الرياضية العملية و املهارة التجارية .و أفالطون الذي يعتقد أن سمة الفلسفة هي العناية بعالم لافكار ال عالم لاشياء . ][3 و بالطبع فإن لاصل اليوناني للفظة الذي شاع و امتد في القرن 9ق.م في الحياة الثقافية و الفكرية اليونانية جعل معظم مؤرخي الفلسفة يسلمون بلن نشلتها إنما كانت في بالد اليونان ،و أنها ظهرت هنالك ()4 على غير مثال سابق . 6-0الداللة الاصطالحية : لم يتفق الفالسفة و املشتغلون بالفكر الفلسفي على معنى واحد و موحد ملا يسمى الفلسفة ،إذ أن تاريخ الفلسفة ّ يبين بكل وضوح و جالء اختالف التعريفات – املفاهيم املقدمة لها ،بل و لاكثر من ذلك أننا في رجعونا إلى تاريخ الفكر الفلسفي انما نكتشف أن العصر الواحد من ذلك التاريخ إنما يتميز بتعدد و اختالف و حتى تناقض تعريفات الفلسفة ،و هذا من املؤكد تتحكم فيه العديد من لاسباب و املسوغات سنكشف عنها الحقا ،أما لان فإننا سنحاول أن نقدم بعض التعريفات الخاصة تبعا لعصور تاريخ التفكير الفلسفي . أ -عند اليونان : يذهب أب الفلسفة اليونانية سقراط 366 - 107 ( Socrateق.م) إلى رفض اعتبار الفلسفة بحثا في ()5 طبيعة الكون و عناصره و مكوناته ،و إنما الفلسفة هي بحث في الانسان و دراسة ملشاكله و قضاياه و حياته و دراسة لاخالق و السياسة ،فالفلسفة في نظره هي محاولة لتبيان معاني لاشياء و حقائق لامور بوضوح . أما أفالطون 310 - 110( Platonق.م) فإنه سار على نهج أستاذه سقراط و جعل من معرفة الذات أهم نقطة في كل بحث فلسفي ،و لكنه لم يلبث أن أرجع للفلسفة طابعها العام ،إذ جعلها تستوعب موضوعات الطبيعة و النفس و لاخالق و ما وراء الطبيعة ،و نضيف هنا أن أفالطون أصر على أن تكون الفلسفة أسلوبا في العيش و ليست آلية من آليات التفكير و التلمل يقول في محاورة امللدبة " ...فالجاهل ال ) (4تعد نشلة الفلسفة مسللة مثيرة للجدل بين مؤرخي الفلسفة ،فهناك من دافع على أن الفلسفة إنما هي اختراع يوناني بحت فلطلقوا عليه ما يسمى (املعجزة اليونانية) ،و هذا بدعوى أن الفلسفة عند اليونان كنت تلتمس لذاتها ،بمعنى أن العقل يتجه إلى الكشف عن الحقيقة بباعث من اللذة العقلية ،و من غير أن تدفعه إلى ذلك أغراض عملية أو غايات دينية ،و هذا النوع من املعرفة النزيهة قد نشل في اليونان ،أما في الشرق القديم فإن ممارسة التفكير الفلسفي كانت تقف من خلفه أغراض معينة كما هو الحال عند املصريين حينما استخدموا الرياضيات في مسح لاراض ي و استعانوا بامليكانيكا إلقامة لاهرامات من أجل عقيدة الخلود و حفظ جثة الفرعون ،و استخدموا الكيمياء في تحنيط الجثث و استخراج العطور و لالوان و غير ذلك ،أما البابليون فقد أنشلوا علم الفلك العملي من أجل معرفة فصول الزراعة و مواسم التجارة .و على العموم فان حجة هؤالء مبنية على أساس أن التفكير الفلسفي عند الشرق كان وسيلة من أجل غاية عملية أو غرض ديني أما عند اليونان فإن الفلسفة كانت غاية في ذاتها منزهة عن كل غرض . ( )5قبل مجيء الحكيم سقراط كان قد تركز البحث الفلسفي عند اليونان في محاولة الاجابة على أسئلة حول الطبيعة (أو ما يدخل تحت اسم الكوسمولوجيا) مما جعلها تحمل اسم الفلسفة الطبيعية ،حيث سعى رواد هذه الفلسفة و اجتهدوا في البحث عن أصل الكون املادي ،و من أبرز فالسفة هذه الحقبة نذكر : طاليس ،انكسيمندريس ،انكسيمانس ،هيرقليطس...الخ ][4 يحب الحكمة و ال يرغب فيها ،ألن ما ينقصه الجمال و الخير و العلم يرض ى عن نفسه كل الرض ى ،و ال يعتقد أنه ال ينقصه ، "...و في هذا السياق ميز لنا أفالطون بين الفلسفة و الرياضيات و بين الفلسفة و التاريخ . في حين ّ فضل املعلم لاول أرسطو 311 – 381( Aristoteق.م) أن ّ يعرف الفلسفة بعديد التعريفات لعل أهمها أن الفلسفة هي " البحث في الوجود بما هو موجود " أي علم املبادئ أو العلل لاولى للوجود كما أنها أيضا علم العلة لاولى أو الوجود لالهي الثابت .علم لالهيات كما قالت العرب أو التيولوجيا ) ( La Théologieأي العلم لالهي الذي يتخذ من هللا مبحثا مركزيا باعتباره املوجود لاول كما ()6 استخدم أرسطو الفلسفة كمرادف للعلم و وعاءا جامعا لكامل املعرفة الانسانية . ب -عند فالسفة إلاسالم : عرفت الفلسفة في بالد لاسالم بعد حركة الترجمة التي قامت بنقل التراث اليوناني إلى اللغة العربية مما جعلها تنطبع بطابع خاص رغم الادعاءات الاسشراقية التي تنفي عليها الصفة لاصيلة للفلسفة كما هو الحال عند املستشرق الفرنس ي ارنست رينان و هنا سنورد البعض من تعريفات الفلسفة لدى فالسفة املسلمين منها : -0الكندي ( : ) 803 - 872حيث ّ عرف الفلسفة بالعديد من التعريفات نذكر منها : أ -صناعة الصناعات و حكمة الحكم . ب -معرفة الانسان نفسه تؤدي إلى معرفة العالم لاكبر أي املعرفة بالطبيعة و الكون و من ثم ترتقي إلى معرفة الخالق . جـ -إنها التشبه بلفعال هللا تعالى بقدر طاقة الانسان . -6الفارابي ( : )627 - 801نظر إلى الفلسفة باعتبارها الصناعة التي تؤدي إلى إصابة الحكمة ملن يتمتعون بجودة التمييز الناتجة عن جودة الذهن .و اقتناء الحكمة – أي معرفة الحق على طريقة الفالسفة – يعني اقتناء لاشياء الجميلة نظرا و عمال فهناك في نظره الجمال النظري الذي هو املعرفة النظرية للحقيقة على أ ساس من التلمل املتصف بالحكمة ،و هناك الجمال العملي الذي هو السلوك الفاضل الذي يتخذ من املوقف الوسط حدا يلتزم به فال يتجه إلى أحد الطرفين املرذولين . ( )9ق ّسم أرسطو العلم أو الفلسفة إلى قسمين كبيرين أحدهما نظري و لاخر عملي ،و العلم النظري هو معرفة لذاتها بقطع النظر عن أي غرض تطبيقي عملي و ينقسم إلى 3فروع يختص كل واحد منها بدراسة مجموعة من الظواهر املتشابهة ،من هذه الفروع ما هو أعلى و أوسط و أدنى :لادنى منها علم الطبيعيات أو الفيزيقا و هو الذي يدرس املوجودات من حيث هي متحركة و محسوسة و مجاله الظواهر املادية ،أما أوسط هذه الفروع فهو علم الرياضيات و يدرس الظواهر من حيث هي أعداد و مقادير ،أما لاعلى فهو علم ما بعد الطبيعة أو امليتافيزيقا الفلسفة لاولى و موضوعها لامور العقلية الخالصة .أما العلم العملي فهو مقصود للعمل و التطبيق و ينقسم بدوره إلى قسمان لاول يتعلق بتدبير الفعل الانساني ذاته كالخالق ،و تدبير املنزل و السياسة و الثاني ينصب على الفنون كالرسم و املوسيقى و النحت ...الخ ][5 جـ -عند فالسفة العصرالحديث : -0رينيه ديكارت ( : )4927 -4269في مقدمة كتابه 'مبادئ الفلسفة ' يقول " :إن الفلسفة كلها بمثابة شجرة جذورها امليتافيزيقا و جذعها الفيزياء ،و غصونها املتفرعة عن هذا الجذع هي كل العلوم ألاخرى و هي ترجع إلى ثالثة رئيسية :هي الطب ،و امليكانيكا ،و ألاخالق ،و أعني أسمى أخالق و أتمها ،و هذه هي أعلى درجات الحكمة ،و تفترض معرفة كاملة بسائرالعلوم " . -6فرانسيس بيكون ( : )4919 -4294و يذهب إلى تعريفها من خالل "أن الفلسفة تدع ألافراد جانبا ،و ال تهتم باالنطباعات ألاولى التي تحدثها فينا ،و إنما املعاني التي تستمد منها بالتجريد ...و هذا هو دور العقل و مهمته " ،و في هذا السياق نشير إلى أن بيكون لم يتردد في نقد الفلسفة التقليدية و مهاجمتها و تحميلها أوزار الجمود العلمي و الفقر العقلي ،و العقم و العجز عن الاسهام الفاعل في رفاهة الانسان و تقدمه و سعادته ،و طالب من أجل ذلك بضرورة اصالح منهج التفكير من خالل كتابه ' ألاورجانون الجديد ' . د -عند الفالسفة املعاصرين : () 7 ّ مثلت الفلسفة املعاصرة نظرة جديدة في التفكير الفلسفي من حيث املنهج و املنطلقات و الوسائل و الغايات ،و من بين أشكال الفلسفة املعاصرة نذكر العديد من الاتجاهات منها املاركسية و الوجودية و الرغسونية و الوضعية املنطقية و البراغماتية ...الخ . -0الوضعية املنطقية :و ترى أن الفلسفة ليست البحث في حقيقة الوجود أو طبيعة املعرفة على نحو ما ذهب أتباع الفلسفة التقليدية بل هي مجرد منهج للبحث ،هدفه التحليل املنطقي للغة التي نستخدمها في حياتنا اليومية أو يصطنعها العلماء في مباحثهم العلمية ،رغبة في ازالة اللبس و الغموض الذي يعتري لافكار ،و بيان عناصرها حتى تبدو واضحة و جلية . -6البراغماتية :الفلسفة عند هذا الاتجاه املعاصر ليست بحثا تلمليا في مختلف القضايا و املوضوعات التقليدية ،بل الفلسفة هي التطبيق العملي ملختلف لافكار و التصورات التي ينتجها العقل البشري ثم فحص نتائج تلك لافكار ،و بمعنى آخر فإن البراغماتية تعتبر أن الفكرة الصادقة و الصحيحة هي ما ) (7يختلف الباحثون حول بداية الفلسفة املعاصرة ،و لكن أقرب رأي هو القائل بلن انطالقتها كانت مع بداية القرن العشرين ،و الفلسفة املعاصرة هي في الحقيقة امتداد تاريخي للفلسفات السابقة ،و لكنها تختلف عنها في محاولتها تقديم اجابات متطورة عن سابقاتها ،و بمعنى آخر إعادة صياغة املوضوعات القديمة و تركيبها من جديد بصورة تتفق و روح العصر من خالل مناهج جديدة يغلب عليها الطابع التحليلي -العلمي ،باإلضافة إلى أنها تتميز بالتواصل و التفاعل في لافكار ،و تحطيم املذاهب و لابنية بذاتها القائمة و التي تدعي أنها توصلت إلى اكتشاف الحقيقة .إنها تعبر عن آفاق جديدة من أجل املناقشة و الجدل و التحاور و الابتعاد عن لافكار الجامدة و لاحكام املطلقة . ][6 يحقق لنا نتائج نفعية – مفيدة و العكس صحيح ،و بغير هذا املعيار ستبقى أفكارنا مجرد تصورات نظرية ال نستطيع الحكم عليها . َ ّ نتيجة :في تفسيرتعقد ( تعدد) مفهوم الفلسفة . من خالل ما تم تقديمه سابقا حول الداللة الاصطالحية لحد الفلسفة يمكن القول أن تعريف الفلسفة في حد ذاته يعد اشكاال فلسفيا نظرا لغياب الاتفاق التاريخي و الحاضر حول ذلك .و باعتبار أن السؤال الفلسفي يتسم بالديمومة و التواصل و انعدام امكانية الحسم في جوانبه و إجاباته ،فإننا نصادف أن مؤرخو الفلسفة توصلوا الى شبه اجماع حول أسباب استشكال تعريف الفلسفة و أجملوها في : -0كثرة التعاريف : إن مشكلة تعريف الفلسفة ال تكمن في عدم وجود تعريف لها ،بل في وجود العديد من التعاريف املختلفة و املتباينة ،إذ كما الحظنا سابقا أن لكل فيلسوف تعريفه الخاص ،فالفالسفة اختلفوا في تعريفها لنها قابلة لن تتحمل اكثر من داللة واحدة و ترفض أن تختزل في معنى – مفهوم وحيد . -6الطابع الشخص ي لإلنتاج الفلسفي : عادة ما تتميز الفلسفة بالصبغة الشخصية ،حيث غالبا ما تلتي النتائج و حتى لانساق الفلسفية معبرة عن و جهة نظر أصحابها .يقول نيتشه ( )4677 -4811في كتابه ' ما وراء الخيرو الشر ' " :اكتشفت شيئا فشيئا ،أن كل فلسفة عظيمة كانت دائما إلى يومنا هذا عبارة عن اعترافات صاحبها و مذكراته سواء قصد ذلك ،و كان واعيا به ،أم ال " . -3ميوعة (اتساع) موضوع الفلسفة : يعد موضوع الفلسفة ذاته سبب من أسباب استشكال مفهومه الفلسفة و التباس مدلولها ،و ذلك الهتمامها بمختلف القضايا و لاشكاليات مهما كان نوعها و اختلفت طبيعتها ،فموضوعاتها منذ القديم استوعبت الوجود و املعرفة و القيم و الالهوت ...الخ ،و عليه فان شساعة مسائل الفلسفة جعل من ()8 الصعوبة تحديد املعنى الدقيق لها . ) (8على العكس من العلوم فإن موضوعاتها محددة و دقيقة مما يجعل من السهولة تقديم تعريف واضح و صارم لكل فرع من فروعها ،فإذا أردنا تعريف الرياضيات فإننا نقول أنها ذلك العلم العقلي املجرد الذي يهتم بدراسة املقادير القابلة للقياس من كم منفصل و متصل (جبر و هندسة) ،و هي علم قائم على مبدأ البرهنة و الاستدالل . ][7 -4مستوى التقدم في العصر: الفلسفة مرآة عصرها ،ما يعني أنها تتلثر بمختلف الظروف و املؤثرات املحيطة بها و خاصة منها التلثير العلمي ،إذ يذهب البعض إلى أن فلسفة برجسون الحيوية إنما نبعت من التقدم الهائل الذي حققته علوم الحياة ( البيولوجيا ) في النصف الثاني من القرن التاسع عشر و الثلث لاول من القرن املنصرم و أن فلسفة ويليم جيمس البراجماتية و جون ديوي لاداتية ،إنما نشلتا في محيط التقدم التكنولوجي في الواليات املتحدة الامريكية في أواخر القرن 46م و النصف لاول من القرن 17م. -6خصائص التفكيرالفلسفي : جاء وصف أفالطون لستاذه سقراط بلنه فيلسوف ملا يمتاز به من قدرة على النقد و منهج الحوار و املناقشة الجيدة و النفاذ إلى املفاهيم املوضوعية ،و اليقين بطبيعة حقيقة الواقع ،وعلى ضوء ذلك يمكن أن نلخص أهم خصائص التفكير الفلسفي فيما يلي : أ -الحيرة أو الدهشة ( التعجب ): الحيرة أو الدهشة حالة عقلية نفسية تصيب الانسان .تدعوه الى التوقف عن اصدار لاحكام اتجاه خبرة يمر بها للمرة لاولى ،و من ثم فهي تعبر عن جهله املؤقت ،فيندفع متلمال و باحثا عن طبيعة هذه الخبرة .و التفكير الفلسفي يتميز بلنه ينبثق من الحيرة و الدهشة التي تدفعه إلى الانشغال بالبحث عن لاسباب البعيدة للظواهر الكونية و الحياة و للمعرفة و للوجود .و لهذا ع ّدت هذه الخاصية هي أولى ()9 أسس التفكير الفلسفي و أصوله على حد تعبير أفالطون و أرسطو . -6الشمولية : تعني الشمولية ) (Totalitarismeأن التفكير الفلسفي يمتاز بـ ـ :الكلية و العمومية معا مقارنة بالفكر العلمي الذي يمتاز بالتخصص ،و يكتفي بالبحث في املواضيع الجزئية للظواهر و القضايا .فالفلسفة هي محاولة إلدراك العالم في صورته الكلية و هو ما يتطابق و تعريف أرسطو لها يقول " :هي البحث في الوجود بما هو موجود " ،و معنى هذا أن الفلسفة ال تتقيد بقسم واحد من الوجود كما تفعل العلوم و إنما تدرس جميع املوجودات بغض النظر عن تعييناتها ( حية ،جامدة ،أرواح ،غيب) و عليه فإن ) (9لقد رأى افالطون قديما أن الدهشة أصل الفلسفة و ينبوع التفلسف حيث قال " :ينقل إلينا البصر منظر الكواكب و الشمس و قبة السماء و هو منظر يدهشنا و يدعونا إلى تأمل الكون ،و من هذا الاندها نشأت الفلسفة ،و هي أعظم خير ،و هبة آلالهة لإلنسان الفاني " و يقول في نص آخر ":إن آلالهة ال يتفلسفون ألنهم حاصلون على العلم ،أما إلانسان فوحده يتفلسف ،فتبدأ الفلسفة عنده بالدهشة ". ][8 الفلسفة تكون تطمح من وراء ذلك إ لى محاولة فهم املبدأ الذي بدأ منه الوجود و كذا الغاية التي سينتهي إليها . -3املنهج : إن التفكير الفلسفي يمتاز باملنهجية و البعد عن العفوية ،حيث يتميز املنهج الفلسفي بمراحل و خطوات محددة يضعها الفيلسوف نفسه ،و املناهج الفلسفية تختلف باختالف الفالسفة أو املذاهب الفلسفية و كلمثلة على ذلك نذكر :املنهج الشكي عند ديكارت ،املنهج الظواهري عند هوسرل ،املنهج التحليلي عند رسل ...الخ .إال أنه تبقى تشترك في صفة واحدة أال و هي أن كل تلك املناهج ذات طابع تلملي – عقلي و نقدي . -4الشك : ()10 يعد الشك صفة و خاصية فلسفية بامتياز و هو ما يؤكده التاريخ الطويل للفلسفة ( ما يناهز 12 ()11 قرن) ،حيث أن املواقف التي يخلص إليها أي فيلسوف هي بتلكيد نتيجة للشك في مواقف معاكسة ،ما يعني أن التفكير الفلسفي ينبذ فكرة التسليم العشوائي بالفكار دون الارتياب فيها .و الشك الفلسفي البد أن يكون شكا منهجيا غايته الوصول إلى الحقيقة و املعرفة اليقينية القائمة على الحجة و البرهان . -3موضوع الفلسفة : يتخذ الفالسفة من املشكالت التي تمس مختلف نواحي الحياة موضوعا لنشاطهم الفكري ،فقديما اهتم هؤالء بمحاولة فهم طبيعة الكون و لاشياء .فمثال تصور اليوناني طاليس 227 – 914( Thalesق.م) أن أصل الكون هو املاء مادامت الحياة تتوقف على هذا العنصر الحيوي ،في حين اعتقد فيلسوف آخر و هو أمبدوقليس 132 – 167 ( Ambdokliseق.م) أن كل لاشياء ترجع إلى العناصر الطبيعية لاربعة و هي : املاء ،الهواء ،النار ،التراب و أن محرك هذه العناصر قوتان هما الحب و الكره . و إلى جانب الاهتمام بطبيعة لاشياء و الكون اهتم كذلك الفالسفة بمحاولة فهم طبيعة الانسان ،و قد كان سقراط من السباقين لذلك من خالل مقولته الشهيرة " :أيها الانسان اعرف نفسك بنفسك ) (10يعرف ديكارت الشك على أنه فعل من أفعال الارادة ،فهو ينصب على لاحكام ال على التصورات ،و لافكار ،لن التصورات من غير أحكام ال تسمى صادقة أو كاذبة ،أما الجرجاني فيقول عنه " :و قيل الشك ما استوى طرفاه ،و هو الوقوف بين شيئين ال يميل القلب إلى أحدهما ،فإذا ترجح أحدهما و يطرح الاخر فهو ظن ". ) (11نشير هنا إلى أن مذهب أرسطو جاء كنقد لفلسفة أفالطون و التشكيك فيها ،و أن فلسفة ديكارت جاءت كرد على نسق أرسطو ،و نفس لامر ينطبق على كانط الذي انتقد بشدة فلسفة ديكارت ،و هيجل الذي انتقد كانط ،و نظريات كارل ماركس التي حملت بشدة على مثالية هيجل ...الخ ][9 ، "connais-toi toi – même .مؤكدا أن الحقيقة ليست مجرد أمر فردي مثلما تصور السفسطائيون ) ( Les Sophistesالذين اعتبروا أن " الانسان مقياس ألاشياء كلها " إذ آمن سقراط بالعقل كعنصر مشترك بين جميع الناس و كمقياس للحقيقة ال تتغير أحكامه و نتائجه بتغير الظروف . و لو أردنا أن نحصر املواضيع الفلسفية لوجدنا أن الفالسفة يبحثون في أربعة املشكالت( قضايا ) هي : -0مشكالت املعرفة :و تشمل الابستمولوجيا و نظرية املعرفة و املنطق و فلسفة العلوم و فلسفة اللغة . -6مشكالت الوجود :أو الواقع و تشمل امليتافيزيقا ،الوجود ،و علم الكونيات ( الكوسمولوجيا . )La Cosmologie -3مشكالت القيم :و تشمل مبحث القيم و فلسفة الجمال و فلسفة لاخالق و فلسفة الدين . -4مشكالت املجتمع :و تشمل الفلسفة الاجتماعية و الاقتصادية و الفلسفة السياسية . هذه املشكالت كلها متشابكة متداخلة مترابطة فيما بينها و وظيفة الفلسفة أن تجعل من هذا التنوع تناسقا في صورة فهم كلي للعالم و لذلك تسمى الفلسفة عند القدماء بالعلم الكلي أو علم العلوم ،من هنا سنحاول أن نبين الحقا أهم مالمح هذه املشكالت ملا لها من أهمية كبرى فى اعطاء فهما أكثر لطبيعة التفكير الفلسفي . و على الرغم من أن مواضيع أو قضايا التفكير الفلسفي قديمة إال أنها تظل تطرح في كل عصر بسبب كونها أصيلة و جوهرية و هي تلخذ في كل زمن مظهرا أو شكال جديدا يتناسب و الظروف و املستجدات و املالبسات التي يتميز بها العصر ،و مع أن بعض املشاكل كان قد تم حلها إال أن هذه الحلول تثير من جديد إشكاليات جديدة يقول كارل ياسبرس " : ) 4696 – 4883 ( K. Jaspersإن ألاسئلة في الفلسفة أهم من ألاجوبة و يجب أن يتحول كل جواب إلى سؤال جديد " . -4وظيفة الفلسفة : إن املتلمل لتاريخ الفلسفة يكتشف أن وظيفة الفلسفة حكمتها تغيرات من عصر إلى آخر ،ومن مجتمع إلى آخر .ال لش يء إال ملحاولة التماش ي مع ما دعت و تدعو إليه ظروف الحياة و مالبساتها ،و على هذا النحو تكون الفلسفة اليونانية قبل سقراط قد ركزت على ما يعرف بالبحث في الطبيعة و الكون أي عالم الطبيعة املادي ،و من أمثلة ذلك املدرسة املالطية ( طاليس ،انكسمندريس ،انكسمانس) التي كثفت البحث عن مبدأ و أصل نشلة الكون :املاء ،الهواء ،التراب ،النار إلى جانب هيرقليطس و الفيثاغوريين و إلايليين ...الخ ][10 إال أن سقراط و في سياق الفلسفة اليونانية ح ّول التفكر الفلسفي اليوناني من التلمل املجرد و النظري في املسائل الطبيعية و ما ارتبط بها من مسائل اخرى إلى التلمل في الانسان .ليكون هذا الفيلسوف لحظة فارقة في تاريخ الفلسفة اليونانية .فالفلسفة بعد هذا التحول أصبحت تسكن لارض بعدما كانت تسكن السماء إذ يصف شيشرون 13 -479( Ciceronق.م) هذا الوضع بقوله " :إن سقراط هو من أنزل ()12 الفلسفة من السماء إلى ألارض و أدخلها الى صميم املدن و البيوت " ،و هكذا يكون العصر اليوناني وعن طريق العديد من الفالسفة يكون قد جمع في أطروحاته و تناوالته الفلسفية بين البحث في الطبيعة ( الكون ) و الانسان معا . ()13 و مع مجيء العصور الوسطى عرفت الفلسفة وظيفة جديدة تعد إلى حد ما قاسما مشتركا بين الشرق و الغرب ،هذه الوظيفة تمثلت في محاولة التوفيق بين الوحي و العقل .فالفلسفة املسيحية في أوروبا مع فالسفة الكنيسة ك ـ ـ :القديس توما الاكويني ،)4101 -4111( St. Thomas d'Aquinالقديس أوغسطين ،)137 -321( St. Augustineالقديس أنسلم ،)4476 - 4733( St. Anselmeكانت ترغب آنذاك في محاولة املطابقة بين العقل و الدين و ال أدل على ذلك من ظهور الفكر املدرس ي الذي راح يجمع و يؤلف بين تعاليم املسيحية الدينية و آراء أرسطو الفلسفية . و ال يختلف حال الفلسفة لاسالمية كثيرا عن سابقتها ،إذ حاول الفالسفة املسلمون أن يربطوا بين الفلسفة و لا سالم :الكندي ،الفارابي ،ابن سينا ،ابن رشد ...الخ .هذا لاخير الذي لخص العالقة القوية بين الفلسفة و الدين من خالل مؤلفه ' فصل املقال و تقريرما بين الحكمة و الشريعة من اتصال ' و الذي ّ ضمن فيه معنى الفلسفة إذ يقول " :فعل الفلسفة ليس شيئا أكثر من النظر في املوجودات و اعتبارها من جهة داللتها على الصانع ،أعني من جهة ما هي مصنوعات فإن املوجودات إنما تدل على الصانع ملعرفة صنعتها و أنه كلما كانت املعرفة بصنعتها أتم كانت املعرفة بالصانع أتم " . و ابتداء من القرن 42م أي مدخل عصر النهضة لاوروبية اتجهت الفلسفة نحو وظيفة جديدة هي محاولة احياء التراث الفلسفي اليوناني -الروماني ،و كذا الاعتزاز بمكانة العقل و دوره الذي استبعد ) (12ابتدع هنا سقراط طريقة جديدة في التفكير الفلسفي من خالل املنهج خاصته " التهكم و التوليد " و هو منهج حواري قائم على طرح لاسئلة على الناس في الشوارع و لاسواق مدعيا الجهل بحقائق لامور و بعد الفراغ من اجوبتهم يقوم بنقدها و اعادة تقويمها ليكتشفوا في لاخير أنهم كانوا يجهلون حقائق لاشياء و هذه الطريقة أو املنهج أسسه سقراط ملحاربة الفلسفة السفسطائية التي شاعت بين لاثينيين أنذاك و كان ال هم لها إال الجدل و النقاش حول مختلف املوضوعات دون فائدة مرجوة مما تمخض عن ذلك تعدد الحقائق بتعدد لاشخاص ،فلكل حقيقته الخاصة . ) )13تمتد العصور الوسطى ) ) Le Moyen âgeمن القرن الخامس للميالد من سنة 109م تاريخ انهيار الحضارة الرومانية و انتصار املسيحية إلى غاية سقوط الحضارة البيزنطية في الشرق على يد لاتراك عام 4123م .بمعنى أنها استمرت حوالي ألف سنة ،وهي تسمى بهذه التسمية لنها تشكل الفترة الوسيطة التي تفصل بين الحضارة اليونانية – الرومانية و بين العصور الحديثة . ][11 ()14 و أقص ي في العصور الوسطى .و في القرن 40م أي بداية العصر الحديث و تلكيدا على قدرة العقل و مكانته .أصبحت الفلسفة تركز بشكل كبير على ما يسمى باإلشكاليات املعرفية (أي إشكالية العلم) و التقليل من حدت الاهتمام بمسللة الوجود . ()15 ّ و هكذا مثلت نظرية املعرفة الفلسفية ،أي دراسة طبيعة املعرفة ،مصادرها ،أشكالها ،حدودها ّ و مناهجها في العصر الحديث مثلت محور اهتمام الفكر الفلسفي بلكمله ،و ال أدل على ذلك من أعمال كل من فرانسيس بيكون ' )4919-4294(F. Baconألاورغانون الجديد ، ' 0261رينيه ديكارت ' (1650 -1526) R. Descartesمقال في الطريقة . '0232ليلتي بعد ذلك القرن 48م أي عصر لانوار ( ) Le Siècle des Lumièresو الذي تميز بالدعوة إلى فكرة التقدم ،و تحدي التقليد و السلطة الدينية و لايمان بالعقل و الدعوة إلى التفكير .و قد كان كل هذا تحت طائلة مقال نشره لاملاني كانط I. Kant ()16 ( )4871 - 4011سنة 4081تحت عنوان ' :ما ألانوار ؟ ' Qu’ est – ce que les lumières ? -دعا فيه الى الشجاعة في استخدام العقل على أنه في ذات الوقت حدد -أي كانط -دور الفلسفة الفعلي و الذي يكمن في لاجابة عن ثالثة أسئلة مركزية هي :ماذا يمكنني أن أعرف ؟ ماذا يمكنني أن أفعل؟ ماذا يمكنني أن آمل فيه؟ أما كارل ماركس )4883 -4848( K. Marxفيرى أن مذاهب الفلسفة منذ ماضيها السحيق كانت قد اقتصرت على تفسير طبيعة العالم بطرق شتى و لاحرى أن تكون مهمة الفلسفة هي العمل على تغييره و بتغيير العالم يغير الناس أنفسهم و يستحدثون قوانين جديدة تهيمن على مجرى التاريخ ،و ذلك عن طريق الاكتشافات العلمية ( النظرية املادية ) يقول " :إن الفالسفة لم يفعلوا شيئا سوى تقديم تفسيرات نظرية للواقع و في الحقيقة يجب تغييره بقصد إلغاء املآس ي و املظالم " . أما الفلسفة املعاصرة فقد عرفت أو بالحرى تعرف دوران مختلفان و هذا راجع للتيارات الفلسفية املعاصرة .التيار لاول :و هو ما يعرف بالفلسفة التحليلية ) (La Philosophie Analytiqueو يمثلها كل ) (14سمي العصر الحديث ) ( temps moderneبهذا الاسم لنه أحس بالتفوق حتى على اليونان و الرومان ،أي الانقالب على التصور الدوري للحضارة الذي كان يرى في الحضارة اليونانية -الرومانية ذروة الحضارة الانسانية ،ف النجاحات التي حققها كل من العلم و الفلسفة على يد كل من كوبرنيكوس ،و غاليلي و ديكارت و غيرهم تعتبر حديثة و متفوقة على ما توصلت إليه تلك الحضارة . ) (15ابتداء من العصر الحديث القرن 40م و بالضبط مع كل من بيكون و ديكارت و كانط أصبحت نظرية املعرفة تحتل مركز الصدارة في أبحاث و مناقشات ّ الفالسفة مقارنة مع بقية موضوعات الفلسفة و نقصد هنا نظرية الوجود ،و هذا يرتبط بالعصور الوسطى التى مثلت مشكلة حقيقية بالنسبة للعقل الغربي عموما و لاوروبي خصوصا ،إذ أن الفكر الديني الذي كان سائدا آنذاك قوض من قدرات العقل و امكاناته مما أثر سلبا على الحياة العامة ،لامر الذي ّ سرع من مسللة ايجاد منهجية حقيقة و فكر معقول يخرج الغرب -أوروبا مما هما فيه من تخلف . ) (16تناول كانط في هذا املقال ' مفهوم لانوار ' و اعتبر أن سيادة العصور الوسطى و رجال الكنيسة إنما يرجعان إلى عدم قدرة الناس على التفكير في أنفسهم ليس بسبب ضعف تفكيرهم ،ولكن بسبب افتقارهم إلى الشجاعة ،و تناول كانط في هذا املقال :أسباب نقص لانوار ،شروط لانوار ،إلغاء أبوية الدولة و الكنيسة ،منح الحرية في استعمال العقل ،لايمان بفكرة التقدم ،نبذ التقليد و التنكر له . ][12 من :برترند رسل ،ج.إدوارد مور ،كواين ،سيرل ...الخ و هي تنظر للنشاط الفلسفي على أنه تحليل منطقي للغة ،حيث أن الفيلسوف له هدف واحد و محدد أال و هو تحديد و تحليل املفاهيم التي نستعملها في سياق العلم ،التاريخ ،الرياضيات ،السياسة ،اللغة ،الدين ...الخ و ذلك باستخدام أدوات البرهنة املستوحاة من املنطق .أما عن التيار الثاني :فتمثله الفلسفة القارية أو التأملية (La Philosophie ) Continentaleالتي تنظر ملهمة الفلسفة على أساس تركيب املعارف الانسانية من أجل نظرية واحدة شاملة للواقع باإلضافة إلى محاولة صياغة نظام موحد للقيم الانسانية ،الدينية ،املعرفية ،الجمالية ...الخ و يمثل هذا التيار :مارتن هيدغر ،جون بول سارتر ،موريس ميرلوبونتي ،ميشال فوكو ،جاك ديريدا ....الخ و ال ينبغي في هذا السياق أن ننس ى مهمة الفلسفة في العالم العربي و الاسالمي لان و منذ القرن 46م هي مهمة واحدة تتمثل في محاولة فهم و استيعاب اشكالية التخلف و الانحطاط الحضاريين . و هكذا و كنتيجة حاسمة في نهاية تحليل وظيفة الفلسفة عبر مختلف الحقب و لازمنة التاريخية نستطيع القول أن مهمة الفلسفة لم تعد منحصرة في مجرد حب الحكمة كما ظهرت في البداية ،بل أضحت الفلسفة و دور الفيلسوف يتمثل في انتاج الحكمة . -5عالقة الفلسفة باملعارف و العلوم : أ -عالقة الفلسفة بالدين : طبيعة العالقة بين الفلسفة و الدين هي بحق مسللة تستحق الاهتمام و الدراسة و هذا للطبيعة التاريخية لتلك العالقة ،فقد استخدمت بالفعل -أي الفلسفة -عند قدماء الشرقيين كلداة لخدمة الدين و تلكيد املعتقدات الدينية ،و استخدمت في العصور الوسطى كلداة للتوفيق بين العقل و النقل ( الوحي ) أو بين الحكمة و الشريعة ،و استخدمها علماء الالهوت في الغرب و علماء الكالم في لاسالم للدفاع عن العقيدة الدينية . فقد رأى القديس أنسلم St. Anselmeمثال أن لايمان ضروري للعقل و شرط أساس ي لصحة التفكير و في أوروبا في العصور الوسطى حدد علم الالهوت" "La Théologieمهمته في البحث في مسللة لالهيات بصورة منطقية و بالتحليل العقالني ،وهذا لفهم العقيدة املسيحية و الدفاع عنها في وجه الانتقادات املوجهة إليها ،مع محاولة تسهيل لاصالح الديني و نشر املسيحية و هذا على غرار ما فعله لاملاني مارتن لوثر )4219 -4183 ( M. Lutherمؤسس املذهب البروتستانتي . ][13 أما في لاسالم فإن العالقة بين الفلسفة و الدين فتظهر في ذلك العلم الذي أسسه الفالسفة املسلمون ()17 و هو علم الكالم ( الفقه لاكبر – علم التوحيد) .حيث ذهب هؤالء للدفاع عن العقيدة لاسالمية بواسطة الكالم أو القول الفلسفي أو عن طريق الحجاج الفلسفي و البرهان العقلي و ال أدل على هذه العالقة من موقف فيلسوف قرطبة القاض ي أبي الوليد ابن رشد يقول " :فعل الفلسفة ليس شيئا أكثر من النظر في املوجودات و اعتبارها من جهة داللتها على الصانع ،أعني من جهة ما هي مصنوعات فإن املوجودات إنما تدل على الصانع ملعرفة صنعتها و أنه كلما كانت املعرفة بصنعتها أتم كانت املعرفة بالصانع أتم " .و يضيف ابن حزم بقوله ":الفلسفة على الحقيقة إنما معناها و ثمرتها ،و الغرض املقصود نحوه بتعلمها ،ليس شيئا آخر غير إصالح النفس بأن تستعمل في دنياها الفضائل و حسن السيرة املؤدية إلى سالمتها في املعاد و حسن سياستها للمنزل و الرعية ،و هذا نفسه ال غيره هو الغرض من الشريعة و هذا ما ال خالف فيه بين أحد من العلماء بالفلسفة و ال بين العلماء بالشريعة " . و إلى جانب كل ما قيل فإننا نشير إلى أنه يوجد تخصص فلسفي هو فلسفة ألاديان و التي تبحث في املفاهيم الكلية التي يستخدمها علم الالهوت و تدرسها دراسة نقدية مثل مفهوم :هللا ،عالقة هللا بمخلوقاته ،مفهوم النفس ،خلودها ...الخ و ذلك من أجل اثبات وجودها أو انكارها أو اعطاءها صورة غير الصورة التي رسمها لها الوحي و الدين . ب -عالقة الفلسفة بالعلوم : إن طبيعة العالقة بين الفلسفة و العلم تظهر من خالل مستويين هما : املستوى ألاول :أن الانسان كلما طرح أسئلة – كعادته – و ّ حصل من ورائها إجابات ناجحة ثابتة و دقيقة شكلت هذه لاجابات جانبا من رصيده في املعرفة العلمية أي صارت و أصبحت علما .و من هنا فكل املوضوعات العلمية الراهنة كانت تعتبر جزء من الفلسفة و مثال ذلك أن الفلسفة في بحثها عن املادة و تركيبها وتفسيرها كانت تشمل الفيزياء ،الكيمياء ،الطب و البيولوجيا ...الخ ،و الفلسفة في مسعاها املتعلق بمحاولة فهم العقل و النفس كانت تشمل ما أصبح يسمى اليوم علم النفس . املستوى الثاني :إن ما يسمى لان بفلسفة العلوم ) (Philosophie des Sciencesلهو دليل واضح على مدى متانة و قوة الارتباط بين الفلسفة و العلم .هذه الفلسفة عبارة عن حركة نقدية تحليلية ملبادئ ومفاهيم و مناهج العلم ،و تشكل النظريات العلمية و مسارها التاريخي ،ومن بين لاسئلة التي تطرحها فلسفة العلوم :ما هي العالقة بين القانون العلمي و املالحظة و التجربة ؟ ما هو الفرق بين املعرفة العلمية ( )17علم الكالم هو ذلك الجهد العقلي – النظري الذي يهدف للدفاع عن العقيدة لاسالمية بلدلة عقلية في وجه خصومها ،و يتناول وجود هللا و صفاته(التوحيد) لافعال لالهية و الانسانية(العدل) ،الرساالت السماوية و الوحي (النبوة) ،مصير لانسان بعد املوت (املعاد) ،حكم لامة(لامامة) . ][14 في العلوم الطبيعية و املعرفة العلمية في العلوم الاجتماعية ؟ هل املعرفة العلمية مبنية على التراكم و التواصل أم أنها تقوم على نوع من الثورات العلمية و القطيعة املعرفية ؟ هل املعرفة العلمية مطلقة أم نسبية ؟ إن كل هذه الاشكاليات و غيرها هو ما يمثل صميم العالقة الجوهرية و التاريخية بين الفلسفة و العلم . هذا ونشير إلى أنه ثمة عالقة وطيدة بين مختلف العلوم الانسانية و الفلسفة .رغم الانفصال النسبي ()18 بينهما .فعلم السياسة على سبيل املثال هو ذلك العلم الذي يدرس عامة حقوق و واجبات لافراد و عالقة لافراد بالسلطة في اطار الحكومة و املؤسسات السياسية و العمليات التي ترتبط بها ،حيث يستند علم السياسة في نشلته الى محاورة السياسة لفالطون و كتاب السياسة لرسطو ،باإلضافة الى أنه تطور على يد فالسفة من أمثال :ميكيافلي ،توماس هوبز ،مونتسكيو ،جون لوك ...الخ اما عن عالقة الفلسفة بعلم التاريخ فتظهر من خالل ما يعرف بفلسفة التاريخ ( Philosophie ) d'histoireالتي تهتم بدراسة لاحداث التاريخية بهدف الكشف عن النظريات الفلسفية التي تفسر حركة التاريخ و القوانين التي تتحكم في هذه الحركة و كنموذج عن الاشكاليات التي تطرحها فلسفة التاريخ في هذا السياق نجد اشكالية تفسير التاريخ .فهناك من الفالسفة من ذهب الى تفسير التاريخ تفسيرا غائيا و هناك من فسره تفسيرا روحيا ،و هناك من فسره تفسيرا ماديا ()19 . -2قيمة الفلسفة : إن التشكيك في قيمة الفلسفة و التساؤل عن أهميتها ليس ظاهرة مستحدثة أفرزها التقدم العلمي في العصور املتلخرة كما يعتقد البعض ،و لكن لامر قديم قدم التفكير الفلسفي ذاته .فقد انبرى أرسطو منذ لازمنة لاغريقية للدفاع عن الفلسفة في وجه منتقديها .في هذا السياق نصادف موقفان تقليديان متناقضان من الفلسفة هما كالتالي : املوقف ألاول و الذي يمثله املؤيدون أو املدافعون عن الفلسفة .إذ يرون فيها أنها توقظ العقل من سباته و تدفعه الى التساؤل ،البحث ،التفكير ،النظر ،التدبر ،كما أنها -أي الفلسفة -تنظم عقل ) (18استقلت الفيزياء عن الفلسفة في القرن السابع عشر بفضل غاليليو و ديكارت و نيوتن ،و استقلت الرياضيات في القرن السابع عشر أيضا ،و الكيمياء في القرن الثامن عشر على يد الفوزييه ،و البيولوجيا على يد كل من برنارد و المارك في القرن التاسع عشر ،و أخيرا العلوم لانسانية و الاجتماعية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر علي يد اوجست كونت . ) )19هناك العديد من النظريات التي فسرت التاريخ من بينها نظرية التعاقب الدوري التي قال بها كل من ابن خلدون و فيكو ،و نظرية العناية الالهية عند القديس اوغسطين ،و نظرية التقدم الانساني مع فولتير و كوندرسيه . ][15 الانسان وتضبط تفكيره يقول ديكارت " :إن الفلسفة وحدها هي التي تميزنا عن ألاقوام املتوحشين و إنما تقاس حضارة ألامم بمقدار شيوع التفلسف الصحيح فيها " إن الفلسفة وسيلة لوعي الانسان بذاته ،و سبيل ملواجهة نفسه و في هذا يقول ياسبرز " :التفكير الفلسفي يضع الانسان وجه لوجه أمام ذاته " .كما أن الفلسفة تقوي ملكة النقد و التمحيص و املوازنة و تنلى بنفسها عن التقليد دون برهان أو دليل كما أنها تزود العقل بالقدرة على اثارة التساؤالت التي تفتح املجال للتوصل إلى املعارف و لافكار الجديدة .و على العموم فإن الفلسفة تمكننا من أن نستشرف لاهداف البعيدة التي تجاهد البشرية من أجل تحقيقها ،و تحفزنا على أن نساهم في تحقيقها ما استطعنا إلى ذلك سبيال . أما بالنسبة للموقف الثاني فهو موقف املعادي للفلسفة و أطروحاتها و هذا من منطلق املقارنة بينها و بين العلم .إذ في اللحظة التي يحقق فيها العلم تقدما مطردا ،و يفض ي إلى تطبيقات ذات نفع بالغ ،لم تحرز الفلسفة أي تقدم يذكر ،و ليس لها تطبيقات عملية يقول برتراند رسل " :إن العلم النظري هو محاولة فهم العالم أما العلم العملي فهو محاولة تغيير العالم" ،فالعلم استطاع في فترة وجيزة أن يخلص أو يحرر الانسان من العديد من الحتميات في مقدمتها الحتمية الطبيعية و البيولوجية و غيرهما . و على هذا لاساس و مقارنة بين نتائج العلم و الفلسفة نكتشف أن هذه لاخيرة لم تحقق أي ش يء و هذا ما يتطابق و وجهة نظر كانط .فالفالسفة منذ القديم و هم يتفلسفون حول مختلف القضايا و لكنهم لم يستطيعوا حتى يحسموا لنا و لو قضية واحدة كمسللة خلود الروح من عدمها .و زيادة على ذلك فمنهج الفلسفة النظري هو من يقرر أحكاما على لاشياء ،أي تحديد حقائقها ،و هو ما يجعلها صناعة نظرية خالصة ال جدوى منها غايتها التحليل من أجل التحليل ،فالفيلسوف ال يبرح عالم التلمالت املجردة و صوغ التصورات و لاطروحات النظرية ،إنه انسان حالم و هائم يحلق في السماء ال يكترث كثيرا بمعرفة الكيفية التي يمكن أن يؤثر بها في الواقع الذي يؤمل في تغييره ،من هنا كانت الطريقة املجدية للوصول الى الحقائق هي الاستعانة بالتجربة العملية ،فالعلم يجمع الوقائع و يصنفها و يحللها و هو ما يجعله يحتل مكان الصدارة بين أنشطة الفكر البشري دون منازع .وزيادة على ما سبق فالفلسفة تتميز بكثرة و اختالف آراء الفالسفة و تناقض مواقفهم و مذاهبهم و تعارض أفكارهم إذ أن ذلك يسد الطريق أمام املطلع على هذه املذاهب و محاولة فهمها . و أخيرا و ليس آخرا فالفلسفة غالبا ما تتعارض و الدين إذ أن قاعدة كل منهما مختلفة عن لاخر فموقف الفلسفة نقدي – شكي و تمحيص ي ،أما بالنسبة للدين فإنه مبني على ضرورة التسليم املطلق بالعقائد و ما جاءت به الكتب السماوية دون مناقشة و برهان ،و شتان بين املوقفين . ][16 و ختاما و مهما قيل عن أهمية و قيمة الفكر الفلسفي فإننا نقول أن هذا لاخير يبقى نشاطا بشريا معترفا به له مجاله و تخصصه و تساؤالته و إشكاالته الخاصة التي يحاول لاجابة عليها بمناهجه و آلياته التي يراها مناسبة ،و ال أدل على ذلك من محاولة إعادة بلورة الفكر الفلسفي كل مرة خاصة في املرحلة املعاصرة أين تم رفض املفهوم التقليدي للفلسفة و الذي يختزلها في البحث النظري و كذا الاتجاه بها نحو التطبيقات العملية و الحياتية محاولة فهم الانسان و العالم . ][17 املحور الثاني :قضايا الفلسفة ( مباحثها ) . تمهيد : إذا كانت الفلسفة محاولة إلدراك العالم في صورته الكلية بوسيلة الفكر ( النظري) ،فإن مجالها أعم املجاالت وأكثرها تجريدا ،لن مشاكل الفلسفة هي معاني لافكار لاساسية و حقيقتها ،و العالقات املنطقية بين لافكار في هذه املشكالت التي يستعص ي على العلوم التجريبية الوصول لحل لها ،لن كل علم يخصص جزء من الواقع موضوعا لبحثه ،أما الفلسفة كما ّ عرفها أرسطو فإنها " البحث في الوجود بما هو موجود" ،إذ ال تتقيد بقسم واحد من الوجود كما تفعل العلوم ،و لذلك فإن تعريف أرسطو نستطيع أن نقول عليه أنه ما يزال صالحا إلى غاية لان ،فهو يجعل من موضوع الفلسفة املبادئ القصوى لهذا الوجود و غاياته البعيدة أيضا ،أي املبدأ الذي يبدأ منه هذا الوجود و الغاية التي ينتهي اليها ،و إذا كان هذا هو حال الفلسفة و ال زال إلى غاية لان فإنه يمكن حصر املشكالت -القضايا -التي تعالجها فيما يلي : أ -قضايا املعرفة ( الابستمولوجيا : ) Epistémologie -و فيها تطرح الفلسفة تساؤالت متعلقة باملعرفة الانسانية من حيث إمكانها ،مصادرها ،طبيعتها ،حدودها ،قيمتها ،وسائلها ،أنواعها...الخ ب -قضايا الوجود ( ألانطولوجيا : ) Ontologie -و يبحث الفكر الفلسفي في هذه القضايا تلك املشاكل املتعلقة بالوجود مثل :هل الوجود واحد أم متعدد ؟ كما تبحث الفلسفة هنا في ما يسمى بحقيقة املوجودات و أدلة الوجود و العدم و الحرية و مسائل ما بعد الطبيعة...الخ جـ ـ -قضايا القيم ( ألاكسيولوجيا : ) Axiologie -و هنا تتناول الفلسفة املشاكل املتعلقة بالقيم ،مثل البحث في صحيح الفكر و فاسده ( علم املنطق ) ،و السلوك و نتائجه من حيث الخير و الشر ( علم لاخالق ) ،و أخيرا تبحث الفلسفة في ذوق الانسان من حيث الجميل و القبيح ( علم الجمال ) . ][18 -0نظرية املعرفة : Epistémologie - ()20 ()21 و تسمى نظرية املعرفة باالبستمولوجيا و ال يفرق الناطقون باالنجليزية بين املصطلحين ،لكن الفرنسيون ّ يعبرون عن الابستمولوجيا بتلك املعرفة النقدية ملبادئ و فروض و نتائج املعرفة العلمية و مناهجها و قيمتها و حدودها .و نظرية املعرفة كما ّ عرفها 'روزنتال ' Rozanthalهي " :قسم هام من النظرية الفلسفية و هي نظرية في مقدرة الانسان على معرفة الواقع و مصادر و أشكال و مناهج املعرفة و الحقيقة و وسائل بلوغها " .و هكذا يمكن القول أن نظرية املعرفة تتناول : أ -البحث في العالقة بين الفكر ( الذات )Sujet -و الوجود ( املوضوع )Objet -من حيث لاسبقية أو لاولوية . ب -البحث في قدرة الانسان على تحصيل املعرفة و الوصول الى الحقيقة و مصادرها ،و لادوات املستعملة في ذلك . ج ـ -تتناول نظرية املعرفة مشكلة الحقيقة و الحقيقة العلمية . تلك هي إذن أهم النقاط التي تتعرض لها نظرية املعرفة في تناولها ملسللة املعرفة و ما تعلق بها من اشكاليات .هذه الاشكاليات يمكن أن نلخصها في لاسئلة التالية : -4هل املعرفة ممكنة ؟ -1 /ما مصدر املعرفة ؟ - 3 /ما طبيعة املعرفة ؟ و عليه و بناء على تلك الاشكاليات التي تمثل محور املناقشات الفلسفية حول نظرية املعرفة فإننا سنحاول بش يء من التحليل و املناقشة التطرق إلى كبريات النظريات الفلسفية التي تعرضت إلى ذلك . ) (20نظرية املعرفة ' ' Théorie de la Connaissanceمصطلح أول من استعمله هو الفيلسوف لاملاني ' رينهولد ' ' Reynholdسنة 4086في كتابه ' أساس العلم الفلسفي ' و ذلك في اطار الاهتمامات املعرفية للمدرسة الفلسفية لاملانية بوجه عام و املدرسة الكانطية بوجه خاص .كما نجد مصطلحا مرادفا له هو النظرية العرفانية ' ' Gnoséologieو هي كلمة تتللف من = Gnoseاملعرفة و = Logieالعلم و يكون املعنى الاصطالحي هو علم املعرفة أو النظرية العرفانية و هو مصطلح مستخدم كثيرا من طرف املاركسيين و منهم ' لينين ' ' Lénineالذي حدد املحتوى املعرفي لهذا املصطلح في كتابه دفاتر فلسفية سنة 4642من خالل عالقة الوحدة بين املنطق و نظرية املعرفة و الدياليكتيك ( الجدل) . ) (21الابستمولوجيا Epistémologieمصطلح جديد صيغ من كلمتين يونانيتين .ابستمي Epistéméو معناها علم و لوغوس Logosو من معانيها علم ،نقد نظرية دراسة ...،الخ ،فاالبستمولوجيا إذن من حيث الاشتقاق اللغوي هي " علم العلوم" أو " الدراسة النقدية للعلوم " و هذا ما ال يختلف كثيرا عن معناها الاصطالحي . ][19 - 0-0إمكانية املعرفة : يقصد بإمكان املعرفة حدودها ،وما هو املدى الذي يستطيع الانسان أن يبلغه بعلمه لو مكنته ظروف التحصيل من ذلك . أ -املذهب الشكي ( الالأدريين : ) Scepticisme للنزعة الشكية في التفكير الفلسفي جذور عميقة بحيث تمتد إلى غاية مرحلة ما قبل سقراط ،فلقد شك بارمنيدس 117 – 242 ( Parménideق.م ) في املعرفة الحسية ،كما شك هيرقلطس – 239 ( Héraclite 107ق.م ) في املعرفة العقلية ،و اعتبر أن كل ش يء متغير يقول " :ال يستطيع الانسان أن يعبر النهر مرتين". كما شك أيضا السفسطائيون ( حوالى القرن 2ق .م ) في الحقائق و اعتبروا أنها فردية متغيرة ،متعددة نسبية ،تختلف باختالف لافراد فـ ـ " :إلانسان مقياس ألاشياء كلها " فيما يقول بروتاغوراس 117 – 167( Protagorasق.م) . و يعود ظهور الشك في صيغته الفلسفية تاريخيا إلى املدرسة الشكية أو املدرسة البيرونية ( نسبة إلى مؤسسها بيرون) 107 - 397( Pyrrhonق.م) التي اعتقدت أن العقل الانساني عاجز عن فهم الحقيقة – أي حقيقة لاشياء – لن لاشياء تظهر مختلفة لفراد مختلفين ،و عليه فكيف لنا أن نعرف اليقين ؟ و مادام لامر كذلك أي ليس من املمكن التلكد من لاشياء وجب علينا تعليق الحكم ( Suspension de ) jugementأي التوقف عن اصدار لاحكام حول املوضوعات و القضايا . و يعترف أبو حامد الغزالي ( ) 4444 – 4726يعترف بدور الشك ( املعتدل – املنهجي) في عملية املعرفة إذ يقول في آخر كتابه ميزان العمل " :من لم يشك لم ينظر و من لم ينظر لم يبصر و من لم يبصر يبقي في العمى و الضالل " ،و قد شك الغزالي شكا منهجيا لم يخش ى فيها النتيجة املترتبة ،فهو لم يشك فقط في املحسوسات بل حتى في املعقوالت وهو ما تحدث عليه في كتابه املنقذ من الضالل . كما اعتمد رينيه ديكارت ) 4927 – 4269 (R . Descartesعلى الشك املنهجي الذي يستهدف بلوغ اليقين وهو شك قائم على مبرر رفض ما لم يثبت بصفة يقينية ،بديهية و واضحة يقول في كتابه' مقال الطريقة ' ّ فكرت أن من الو اجب ّ علي أن أطرح جانبا كل ما قد أتخيله موضع (" : )Discours de la Méthode شبهة و ارتياب ،و أن أشطبه بوصفه فاسدا بإطالق و ذلك ألرى ما سيبقى لي بعد ذلك من أمر ثابت و صحيح ،و يكون قابال للثقة الكاملة " ،وقد شك ديكارت في كل املوضوعات :في املعارف التي تلقاها عن أساتذته ،في الحواس ،في جميع لافكار ،لادلة الرياضية . ][20 و ال ننس ى في هذا السياق الشك الذي أقامه لاملاني كانط ) 4871 – 4011 (I. Kantعلى املعرفة ،حيث ميز بين نوعين من العوالم ،أوال عالم الظواهر ( ،)Phénomènesو فيه تكون املعرفة ممكنة جدا و هو عالم الطبيعة أو الخبرة املمكنة و ثانيا عالم الظواهر في ذاتها ) (Noumènesو تكون فيه املعرفة غير ممكنة و كل ما يمكننا ازاء هذا لاخير هو التسليم بظواهره و معارفه مثلما نسلم بوجود حقائق ميتافيزيقية :وجود هللا ،النفس ،خلودها ...الخ أما عن فكرة الشك في الفلسفة املعاصرة فإننا نجد جورج سنتيانا ) 4623 – 4893 ( G. Santayanaفي كتابه ' الشك وإيمان الحيوان' حاول أن يعيد النظر في نظريات املعرفة التي عرقلت نمو و تطور الفلسفة و قد تبين له أن أسوأ ما يقع فيه الفكر هو قبوله لاراء التقليدية قبوال أعمى ،لهذا فهو يبدأ بالشك ،و قد كان مستعدا للشك في كل ش يء يقول " :يصل الينا العالم الخارجي من خالل الحواس ،فيمتزج بصفاتها و خصائصها ،و تأتي لنا الحوادث املاضية عن طريق الذاكرة التي تؤثر فيها الرغبة و تلونها كما تشاء إذن فالعالم كما يظهر لنا و املاض ي كما نذكره قابالن للشك " ،و يثق سنتيانا في تجربة اللحظة فحسب فهذه الصورة و هذا اللون و هذا الطعم و هذه الرائحة ،و هذه الصفة كل تلك الامور و غيرها هي العالم الحقيقي و ادراكها يكشف عن الجوهر . ب -املذهب الوثوقي أو النزعة التوكيدية ( الدوغمائية : ) Dogmatisme تطلق صفة النزعة التوكيدية -الدوغمائية على كل مذهب لم يمهد لطروحاته و أفكاره بالتحليل و املناقشة و النقد الكافي ،و ترى هذه النزعة أن املعرفة الانسانية ال حد لها تقف عنده ،فإن قصر الانسان في معرفة الكون بكل ما فيه ،فما ذلك لقصور في طبيعة عقله أو طبائع لاشياء ،إنما هو قصور مرهون بزوال العوائق فيزول . و الدوغمائيون أو الوثوقيون هم بصفة عامة أصحاب املذهب العقلي و التجريبي على السواء ،فكال املذهبان -قبل كانط -كان يعتقد في مصدر املعرفة التي يلخذ به ،و ال يرى مانعا في أن يستقي من ذلك املصدر علما بكل ش يء .اذ يذهب هؤالء الى الايمان ايمانا حقيقيا و مطلقا بصدق آرائهم ،و بلن ما عادهم وهم باطل ،فمذهب و رأي الفيلسوف هما من يمثل الحقيقة .وأن الحقائق في نظرهم ال تتغير بتغير الزمان و املكان. و يعد لاملاني كانط أول من انتبه إلى هذه النزعة و انتقدها بشدة من خالل مذهبه النقدي ،و نشير هنا إلى أن هناك أنواعا من النزعة الدوغمائية ،فهناك الدوغمائية الساذجة و التي يمثلها رجل الشارع ][21 و هناك الدوغمائية املادية التي تدافع عن لايمان بالواقع املادي (العلم) ،و هناك الدوغمائية الدينية ()22 .و أخيرا هناك الدوغمائية الفلسفية . - 6-0مصدراملعرفة : أ – إلاتجاه العقالني : Rationalisme تطلق العقالنية ) (Le Rationalismeعلى التيار الفلسفي الذي يقر أن العقل هو مصدر املعرفة الحقيقية ،و ترفض العقالنية كل ما هو مخالف للعقل أو ما يعجز العقل عن تفسيره ،و يتمسك رواد هذا املذهب بالقول أن العقل وهو قوة أو ملكة ( )Facultéفطرية تضم العديد من املبادئ البعيدة عن التجربة و الخرافة :مبدأ الذاتية ،التناقض ،الثالث املرفوع السببية ...الخ ،هذه املبادئ و غيرها من 23 املبادئ فطرية ،عامة -كلية ،مطلقة ،ضرورية ( ) ،و هي ليست محل اكتساب تجريبي ،و إنما هي قائمة في العقل منذ نشلته ،و عليه تصبح لاوليات أو البديهيات العقلية حقائق واضحة بذاتها ،و من ثمة كانت صادقة في كل زمان و مكان . و يعتبر أب الفلسفة الحديثة رينيه ديكارت مؤسس املذهب العقالني في الفلسفة لاوروبية الحديثة ،لنه رد للعقل سلطته الحقيقية بعد تهديمها من طرف املدرسة الشكية ،كما رفض ديكارت السلطة الدينية التي فرضتها الكنيسة ،و رفض ديكارت النسق الارسطي كمصدر من مصادر املعرفة ،و قام برد الحقيقة و كل الحقيقة الى العقل وحده ،جاعال من البداهة و الوضوح معيارا للخطل و الصواب . و في كتابه ' مقال الطريقة ' ( )0232حدد ديكارت املنهج العقالني من خالل أربعة خطوات أساسية هي : -4البداىهة -1التحليل -3 ،التركيب -1 ،الاحصاء ،و يلخص أسلوب املعرفة العقالنية من خالل عمليتين ()24 عقليتين محضتين هما الحدس و الاستنباط . ) (22يعتبر القديس أنسلم ) 4476 – 4733 ( St. Anselmeمن أبرز الدوغمائيين املتدينين ،و يقرر أنه ال بد من أن يترسخ لدينا الايمان قبل اقامة البرهنة العقلية ،و عليه كان الايمان هو املعطى لاول الذي يتم الانطالق منه ،و التعقل يفترض مبدئيا وجود الايمان .أي " أؤمن لكي أتعقل " ،و بمعنى آخر انه يجب أن نؤمن في املرحلة لاولى ايمانا راسخا بلسرار العقائد الايمانية ،و في املرحلة الثانية علينا أن نسعى لفهم تلك الاسرار و العقائد ،و التوقف في عملية املعرفة في املرحلة الاولى هو اهمال ،اما البدء مباشرة باملرحلة الثانية فيعد نوعا من الغرور ،ومن ثمة ال ينبغي الوقوع ال في الاهمال و ال في الغرور . ) (23يقصد بمبادئ العقل أنها كلية أي انها مشتركة بين جميع الناس ،و مطلقة تعني أنها ال تتغير بتغير الزمان و املكان ،و هي ضرورية معناها انها واضحة بذاتها ذو نتيجة حتمية عامة. ) (24الحدس هو الرؤية العقلية املباشرة التي يدرك بها الذهن بعض الحقائق دون وسائط فمعرفتي لنيجة العملية الحسابية التالية 1 = 4+4ال يحتاج إلى عمليات عقلية معقدة و نفس لامر بالنسبة لحدوسنا الحسية و النفسية ،كما يعتبر الحدس نظرة عقلية تبلغ من الوضوح و التمييز تجعلها بعيدة عن الشك ،في حين أن الاستنباط و هو عبارة عن استدالل نستخلص فيه النتائج من املقدمات أو هو انتقال الفكر من املقدمات العامة الى النتائج الجزئية و هو عكس الاستقراء . ][22 و على العموم فاإلنسان في اعتقاده ديكارت إذا استطاع أن يسلك قواعد املنهج ( يطبقها ) مع استخدام كل من الحدس و الاستنباط في ثنايا املنهج فانه حتما سيصل الى املعرفة اليقينية . ب -الاتجاه التجريبي : Empirisme تعني التجربة ( )L’ Expérienceفي املعنى العلمي مالحظة الظواهر ضمن شروط علمية معينة بغية دراستها و استخراج قوانينها ،و التجريبي هو ما يستند على التجربة و ال يكتفي باالعتبارات العقلية و التجريبية تيار معرفي – فلسفي يعتقد أن مصدر املعرفة هو التجربة (الحس) .و يعتبر فرانسيس بيكون ) 4919 – 4294 ( F. Baconأحد رواد الفلسفة التجريبية حيث دافع عن ضرورة السيطرة على الطبيعة و تسخيرها لصالح الانسان ،و أن املعرفة هي نتاج التجربة ،و قد ساهم من خالل كتابيه ' تفسير () 25 الطبيعة' و ' ألاورغانون الجديد ' في بيان ضرورة التخلي عن لاحكام املسبقة ،و بدال من ذلك يجب فرض ( أي تطبيق )املالحظة الدقيقة و التجربة . و يذهب في هذا السياق جون لوك ) 4071 – 4932 ( J. Lockeالى أن العقل يولد صفحة بيضاء و التجربة الحسية هي التي تخط سطورها على هذه الصفحة البيضاء ،و قد رفض لوك القبول باآلراء الفطرية التي قال بوجودها العقليون ،و لو كان ذلك حقيقيا لتساوى جميع الناس في كل زمان و مكان في العلم ،أما هيوم ) 4009 – 4044 ( D. Humeفقد قسم ادراكاتنا إلى قسمين هما :الانطباعات أو لاثار الحسية من ناحية و لافكار من ناحية أخرى ،و لافكار في رأي هيوم ليست إال صور باهته متضائلة ضعيفة التلثير لالنطباعات الحسية .ففكرتي عن الش يء الذي أمامي عبارة عن صورته الحسية التي انطبعت على حواس ي ،و لكن بعد أن ضعف تلثيرها و أ صبحت باهته ،و لو ظلت الصورة الحسية لهذا الش يء على قوتها وقت انطباعها على حواس ي ملا تحولت الى فكرة .يقول في كتابه 'بحث في الطبيعة الانسانية ' " :كل ادراكات العقل الانساني ترجع الى حسين متميزين ،الانطباعات و ألافكار" . ) (25ألاورغانون الجديد أو ألاداة الجديدة كتاب ألفه بيكون كمساهمة في اصالح اساليب التفكير و اكتشاف طريقة جديدة في البحث العلمي ،حيث ينقسم الكتاب الى قسمين ،قسم انتقد فيه بحدة الاطر السابقة للعلم و الفلسفة و أكد أن الفلسفة القديمة أي فلسفة أرسطو و اتباعه من املدرسيين قد فشلت بسبب عقمها النظري ،أم القسم الثاني فقد خصصه لعرض آرائه الجديدة و التي يكون في مقدمتها السيطرة على الطبيعة و منه يجب أن يكون املنهج العلمي عمليا و ليس نظريا . ][23 ()26 د -الاتجاه الذرائعي -البراغماتي : Pragmatisme أو مذهب الفعل و السلوك ،و البراغماتية مذهب فلسفي معاصر ظهر و ازدهر في الواليات املتحدة لامريكية و انجلترا حيث يرفض أن تكون املعرفة نظرية و تلملية خالصة ( نقد الفلسفة التقليدية ) ويقول بإرجاع الحقيقة إلى املنفعة .كما تذهب البراغماتية إلى أن معيار صدق لافكار هو في عواقبها العملية و الحقيقة تعرف من نجاحها . غير أنه تجب لاشارة هنا إلى أن مبادئ البراغماتية عرفت تلويالت مختلفة من طرف روادها ،و درجات من التفاوت و الاختالف ،و على حين أن التيار لاكثر تشددا يعلن أن القضية الصحيحة هي التي تؤدي إلى نجاح فردي ،فإن التيار لاكثر اعتدالا يرى أن الحقيقي هو ما يمكن التحقق من صدقه بوسيلة الوقائع املوضوعية ،و سواء كان هذا أو ذاك .فإن كل براغماتي يرى أن املنفعة و القيمة و النجاح هي املعايير الوحيدة للحقيقة ،أما ما يختلف بشلنه البراغماتيون فيما بينهم فهو شرط هذه املنفعة. و يعتقد شارل بيرس ) 4641 – 4836 ( C. Peirceفي مقال كتبه سنة 4808م تحت عنوان ' :كيف نجعل أفكارنا واضحة ؟ 'يعتقد فيه أنه لكي نجد معنى للفكرة يجب أن نفحص النتائج العملية املترتبة عن الفكرة .فبدون هذا املعيار يظل الصراع حول معنى الفكرة غير منتهيا ،و ال يؤدي الى أي فائدة ،و بدال من التساؤل عن مصدر الفكرة ،فإن البراغماتية تتجه صوب نتائجها و هو لامر الذي ساهم في تحويل التفكير نحو العمل بدل التلمل ،من هنا ّ عرف املمثل الثاني للبراغماتية ويليم جيمس ) 4647 -4811 ( W. James الحقيقة بلنها " :القيمة الفورية للفكر" . و يذهب جيمس إلى إقامة نظريته في املعرفة على التجربة ،هذه التجربة تختلف في معناها عن التجربة البريطانية و بمعناها التقليدي -العلمي ،و هو يقصد بها النجاح ،املنفعة ،الحقيقة .ففي ميدان التجربة النفسية أو العقلية يعتبر الحقيقي ما هو مفيد للفكر و ما يزودنا باملعقولية و هو الشعور بالراحة و السالم .أما في ميدان التجربة الفيزيائية فالفائدة تكمن في التنبؤ و العمل و التلثير في العالم الخارجي . بينما يكون الاعتقاد حقيقيا في التجربة الدينية إذا ساهم في تحقيق الطملنينة للنفس و مساعدة الانسان على تحمل تجارب الحياة ،و مثال ذلك أن الاعتقاد إذا كان مؤديا الى تغيير سلوك املؤمن فهذا الايمان حقيقي و هو ما يحمل معنى لالوهية . ) )26الذرائعية أو ألاداتية ( ) Instrumentalismeعند جون ديوي ( )4621 - 4092تعني أن حياة الانسان ليست في جوهرها إال محاولة متواصلة من جانبه ليتم له التوافق مع البيئة املحيطة به و الانسان أو الكائن اليي بوجه عام الذي ال يستطيع ايجاد الوسائل او الذرائع التي يحقق بها توافقه و تكيفه مع بيتته مصير حتما املوت ( البراغماتية هنا استلهمت هذه الفكرة من نظرية تشارلز داروين البيولوجية و القائلة بفكرة البقاء لألقوى) ،أما لافكار فليست في اعتقاده إال هذه الوسائل أو الذرائع التي يوظفها الانسان في حياته لتحقيق هذا التوافق. ][24 - 3 -0طبيعة املعرفة : أ -الفلسفة املثالية : Idéalisme املثالية باملعنى العام لها كما ذكرها اندريه الالند (1963 -1867) A. Lalandeفي معجمه الفلسفي هي : " الاتجاه الفلسفي الذي يرجع كل وجود الى الفكرباملعنى ألاعم لهذه الكلمة ،و املثالية بهذا املعنى تقابل الواقعية الوجودية " أو هي " :املذهب الذي يقر بأن الاشياء الواقعية ليست شيئا آخر غير أفكارنا نحن ...و أنه ليس هناك حقيقة إال ذواتنا املفكرة .أما وجود ألاشياء فقائم في أن تكون مدركة عن طريق هذه الذوات و ال حقيقة لها وراء ذلك " .و بصفة عامة يتلخص املوقف املثالي في نقطتين : -0سلبية :أي تقرير حقيقة سلبية ،حيث أن الاعتقاد باستقالل الطبيعة و اكتفاءها بذاتها ليس إال مجرد وهم ،لن الطبيعة و أن كانت تبدو أنها ال تعتمد على ش يء آخر في سيرها و قوانينها إال أنها تعتمد فعال على ش يء آخر غير ها . -6ايجابية :أن هذا الش يء لاخر الذي تعتمد عليه الطبيعة هو العقل أو الروح سواء في ذلك العقل الفردي أو العقل الكلي الالهي . هذا و تنقسم املثالية إلى عدة اتجاهات .سنحاول فيما يلي توضيح موقفها من طبيعة املعرفة . -0املثالية الذاتية ( الالمادية : )Immatérialisme و يمثلها بركلي )4023 – 4981( G. Berkeleyو يعتقد بلن الفالسفة يدعون وجود جوهر مادي خارج عقولنا و تصوروا هذا الجوهر على أنه وعاء -قالب( ) Mouleيضم جميع الصفات الطبيعية املختلفة من امتداد ،شكل ،لون طعم ،رائحة ...الخ و هي الصفات التي نصف بها لاشياء املادية .هذه لاخيرة كلها ال وجود لها إال في عقولنا ،لنها ليست في نهاية لامر إال افكارنا نحن عن لاشياء املادية ،أو الصور الذاتية عنها. إن ذلك الجوهر املادي إذا ليس إال مجرد وهم باطل وعليه وجب التخلص منه و الغاء وجوده ،و من أجل ذلك سمى بركلي مثاليته بالالمادية ،أي الفلسفة التي تلغي وجود املادة و تلغي الصفات املادية باعتبارها قائمة خارج عقولنا مستقلة عنها و ينظر إليها على أنها الصور الذهنية التي يخلعها ( يتركها ) العقل على لاشياء .و بهذا تكون مثالية بركلي تقوم على فعالية العقل ،و أن ما في الواقع يتطابق مع ما في الذهن ،و العكس ليس صحيح . ][25 -6املثالية النقدية :Idéalisme Criticisme في موقفه املعرفي حاول كانط أن يتجاوز كل من موقف العقالنيين و التجريبيين من مسللة طبيعة املعرفة ،حيث يسلم كانط بلن لألشياء وجودا واقعيا مستقال عن الذات ،إال أن معرفة هذه لاشياء تتوقف على قدرة العقل (امللكة العاقلة) فللعقل صور و مقوالت ( )Catégoriesمن بينها مقولتي الزمان و املكان اللتين تعتبران صورتان أوليتن سابقتان عن كل تجربة و املعرفة في املذهب النقدي -الترنسندنتالي ( )Transcendantalال تقوم إال إذا توفر شرطان رئيسيان هما : أوال :الفهم ( )Compréhensionو ثانيا :الحساسية ) . (Sensibilitéحيث أن املعرفة تبدأ من التجربة الحسية وهي بعدية ) (A posterioriو هي تلك الانطباعات الحسية التي تنقلها الحواس لنا عن لاشياء و هي مادة املعرفة ،و لكن هذه لاخيرة لن يكون لها معنى إال اذا تدخل العقل و رتبها و نظمها وفق تصوراته أي وفق مقوالته و هو ما يسميه كانط ب ـ :صورة املعرفة وهي قبلية ) ، (A prioriو يدعوها ب ـ ـ :ملكة الفهم ، فعالم لاشياء كما تنقله لنا الحواس يتميز بالشتات ،أي ال يمكن فهمه و العقل هو الذي يربط بين هذا الشتات ،و يحوله الى معرفة بفضل مقوالته :الكم ،الكيف ،العالقة ،الجهة ،و عليه فالعقل يمكن أن يتعرف على مادة املعرفة ( لاشياء ) بمساعدة مقوالته التي تعتبر أصوال متعالية ()Transcendantal ()27 و في النهاية يطلق كانط عبارته الشهيرة املعبرة عن طبيعة املعرفة املتعالية فيقول " :املفاهيم بدون حدوس حسية تظل جوفاء و الحدوس الحسية بدون مفاهيم تبقى عمياء " . ب -الفلسفة الواقعية : Réalisme تطلق الواقعية ( )Le Réalismeعلى مجموع املذاهب التي تتفق على أن لألشياء الخارجية ( املوضوعات ) وجودا عينيا مستقال عن العقل ( الذات) الذي يدركها ،بل و عن جميع أفكار ذلك العقل و أحواله ،و أن مختلف املعارف و الافكار التي يتضمنها العقل مطابقة لحقائق لاشياء املدركة ،فليس العالم الخارجي كما هو مدرك في عقولنا إال صورة لهذا العالم كما هو موجود في الواقع ،و من هنا نقول أن هناك تطابق بين الفكر و املوضوع ،و املعرفة في النهاية عند الواقعين هي انعكاس العالم الخارجي ( املوضوع) على العقل ( الذات ) .و هكذا تكون الفلسفة الواقعية تقف موقف مناقض و معاد تماما من أطروحة الفلسفة املثالية حول مسالة طبيعة املعرفة . ( )27متعال ( : (Transcendantalارتبط هذا التعبير باسم الفيلسوف الاملاني امانويل كانط و به عرفت فلسفته في شقها املتعلق بنظرية املعرفة ،و املعرفة عنده تتللف من معطيات تقدمها الحواس تكون بغير نظام و من مقوالت عقلية ( أفكار في العقل ) تنظمها فإذا قلنا :الكتاب فوق الطاولة ،احساس ي الكتاب و الطاولة يكونان بالحواس ،لكن فوق ال تلتي عن طريق الحواس بل هي فكرة املكان املوجود في العقل وجودا قبليا يتعدى الواقع املادي املحسوس ،و هذا النوع من التفلسف عرف بالفلسفة املتعالية . ][26 -0الواقعية الساذجة (املوقف الطبيعي : ( Sens Commun تنطلق هذه الفلسفة في تحليل طبيعة املعرفة من موقف الانسان العادي الذي يعتقد أن الحقيقة لاشياء في العالم الخارجي هي الحقيقة ذاتها ،و ال حقيقة من بعد ذلك ،و أن كل ما يعرفه عنها هو تجسيد حي لخصائصها ،و عليه فهناك تطابق تام و نهائي بين مختلف لافكار و التصورات العقلية ،و بين مظهر لاشياء كما تبدو .فمظهر الش يء هو حقيقته و طريق املعرفة في هذه الفلسفة انما هو الحواس و هو لامر الذي أكد عليه توماس ريد ) 4069 – 4047 ( T. Reidو دافع عن املوقف الطبيعي الذي يعتقد اعتقادا دوغمائيا في وجود لاشياء ،و ال يشك فيها أبدا و مثال ذلك :أن معرفتنا لهذا الكتاب من خالل مظهره هي معرفة حقيقية لنها تتطابق مع خصائصه أو طبيعته الحسية . و الخالصة أن املعرفة عند هذه الفلسفة تتسم بالعمومية املطلقة لن معرفة الطالب مثال لطبيعة الكتاب هي معرفة واحدة و مشتركة. -6الواقعية النقدية : Réalisme Criticisme تذهب هذه الفلسفة إلى اعتبار أن تصورات لانسان عن العالم الخارجي ( لاشياء ،املوضوعات ) تتكون من أفكاره و انطباعاته الحسية ،و يذهب برترند رسل )4607 - 4801( B. Russellإلى أن عملية املعرفة تبدأ من املعطيات الحسية املباشرة التي نكونها عن الش يء ( املوضوع) الذي نريد معرفته ،و أن املعطيات الحسية يمكن تشمل عدة أشخاص عند معرفتهم للش يء الواحد لنها عامة ،و لكنها قد تخص ذاتا عارفة واحدة و ليس في هذا تناقض ،فالجسام أو لاشياء عامة هي تركيب منطقي لهذه املعطيات . و على العموم نقول أن معرفة لاشياء ( املوضوعات ) تقوم من خالل التلليف بين خبراتنا الحسية و قدرتنا الحسية أو املنطقية و منه يكون رسل بدوره قد وقف موقف وسطي – معتدل من مسللة طبيعة املعرفة على غرار لاملاني كانط ،و نزع صفة السذاجة عن الفلسفة الواقعية ،ومنحها بعدا عقليا ،و لكنها رغم ذلك تبقى تدور في فلك التيار الواقعي العام . ][27 -6نظرية الوجود : Ontologie (، (28 و لكنه يدل لانطولوجيا لفظ يستخدم في بعض لاحيان كمرادف للميتافيزيقا ()Métaphysique بصورة أدق على ذلك الفرع من امليتافيزيقا الذي يدرس الوجود في أكثر صوره تجريدا و عموميتا .و يعد لاملاني فولف ) 4021-4906 ( C. Wolfأول من أطلق اسم الانطولوجيا على مبحث الوجود و جعله فرعا من ما بعد الطبيعة التي تشتمل – باإلضافة اليه – البحث في الكون و في النفس و في الالهوت . و يشتمل مبحث الوجود على النظر في طبيعة الوجود على الاطالق مجردا من كل تعيين أو تحديد و بذلك يترك للعلوم الجزئية البحث في الوجود من بعض نواحيه ،فالعلوم الطبيعية تبحث في الوجود من حيث هو جسم متغير ،و العلوم الرياضية تبحث في الوجود من حيث هو كم أو مقدار ،أما البحث في الوجود من حيث هو موجود على الاطالق فمن شلن مبحث الوجود -ما بعد الطبيعة عند القدماء . - و تبحث الانطولوجيا في خصائص الوجود العامة بغية وضع نظرية في طبيعة العالم ،و النظر فيما إذا كانت لاحداث الكونية تقوم على أساس قانون ثابت أو تقع مصادفة و اتفاقا ،و فيما إذا كانت هذه لاحداث تظهر من تلقاء نفسها أم تصدر عن علل ضرورية تجري و فق قوانين املادة و الحركة ،و فيما إذا كانت تهدف إلى غاية أم تسري عفوية عن غير قصد ...الخ -0 -6مفهوم الوجود : الوجود مفهوم فلسفي يقصد به مطلق الواقع و يقابله العدم ( )néantسواء كان هذا الواقع ماديا أو روحيا أو ذوات أو حاالت كما ي ّ عرف الوجود بلنه كل حكم ينطوي على تقرير وجود ،و يعبر عنه بفعل الكينونة ( )êtreكقولنا أرسطو فيلسوف ،و لو حللت العبارة لكانت أرسطو يكون فيلسوفا. و يفرق مارتن هيدغر ) 4609 – 4886 ( M. Heideggerبين املوجود و الوجود ،حيث أن املوجود هو الكائن املتحقق و املتصف باملاهية و الوجود معا ،في حين أن الوجود يعني الوصف العام لكل موجود بغض النظر عن تعيينه . و للوجود درجات من الشدة ،و لهذا كان الفالسفة املدرسيون ( الاسكالئيون) و املسلمون يميزون بين وجود هللا و وجود سائر الكائنات ،و الوجود في هللا أقوى منه في الانسان ،ذلك أن وجود هللا هو واجب الوجود بذاته ،بينما وجود لانسان هو ممكن الوجود بذاته . ) (28امليتافيزيقا تعني اشتقاقا ما بعد الطبيعة ،و هو اسم اطلقه أندرونيقوس الرودس ي في القرن 74ق.م على تلك الكتب التي تركها أرسطو بدون تصنيف بعد كتب الفيزيقا (الطبيعة) املخصصة للبحث في مسائل الطبيعة ،و قد خصص أرسطو تلك الكتب التي تركت من دون تصنيف ملسائل الوجود العام ،و لهذا فإن الاسم جاء عرضيا تصنيفيا و ليس فلسفيا . ][28 -6 -6طبيعة الوجود : ()29 لقد ظلت مشكلة الوجود منذ فجر الفلسفة إلى غاية مدخل العصر الحديث – لحظة ديكارت و كانط -ظلت تمثل أكبر و أهم بل و أول مشكلة فلسفية واجهها الفالسفة ،ذلك أن القدماء يجعلون لاولوية للوجود أو ما يسميه الفالسفة املسلمين بلصالة الوجود و حتى بعض املعاصرين يرون بضرورة أولوية نظرية الواقع ( الوجود) على البقية من النظريات ( نظرية املعرفة ) فالعقل الانساني يتجه بطبيعته إلى تحليل مسائل و مشاكل الواقع قبل أن يتجه إلى البحث في طبيعة الواقع ،و أن تقديم املعرفة على الوجود ال جدوى منه ،ولهذا شكلت ما تعرف بطبيعة الواقع -الوجود أي صفاته ومميزاته ( كما و كيفا) شكلت مسللة مثيرة للجدل بين العديد من لانساق الفلسفية التي يمكن حصرها في : أ – املذاهب الواحدية : Monisme على الرغم من أن الواحدية امليتافيزيقية تتخذ صور شتى ،إال أنها تتفق في رأي واحد يعد قاسما مشتركا بينها ،و هو أن أساس العالم واحد ،و أن كل وجود يرجع إلى ( مادة ) واحدة أو ( مبدأ ) واحد ،و عليه فإن الواحدية لانطولوجية هي تلك النظرة إلى العالم التي تبحث عن الوحدة في الواقع ،و ترد كل الواقع ( الوجود ) إلى أصل واحد أو جوهر واحد قد يكون مادة أو روحا أو ذات أو قانونا...الخ .و تنقسم الواحدية إلى عدة اتجاهات هي : -0الواحدية املادية : نظر الفالسفة الطبيعيون قبل سقراط إلى طبيعة العالم ( الوجود ) فلرجعوا جميع لاشياء على كثرتها و تعددها إلى أصل مادي و احد انبثقت عنه كامل لاشياء ( :طاليس أرجعه إلى املاء) ( ،انكسمانس أرجعه إلى الهواء ) (،هيرقليطس أرجعه إلى النار ) ،أما ديموقريطس و مذهبه الفلسفي فيعتبران أن جميع املوجودات تتللف من أصول مفردة يفصل بينها خالء ( فراغ) و هي جزئيات ال متناهية العدد متحركة فينشل عن حركتها اجتماع بعضها البعض على صور شتى ،و من هنا تتكون لاشياء ،و إذا انفصلت هذه الجواهر عن بعضها البعض فسدت لاشياء ،و حتى النفس هي تتللف من هذه الجواهر املادية . هذا و قد امتد هذا املذهب إلى غاية العصر الحديث ،إذ ذهب توماس هوبز )4906 -4288 (T. Hobbes إلى الدفاع عن الواحدية املادية مؤكدا على وجود هذا الكون املادي فقط الذي يتصف بلبعاده املحددة : ) )29في إحدى حجر الفاتيكان صورة شهيرة في حائط ّ ، صورها الرسام رفائيل تسمى مدرسة أثينا ،مركز الصورة أرسطو و أفالطون ،يحيط بهما أتباعهما و تالميذهما و فيها يشير أفالطون بإصبعه إلى السماء ،و أرسطو يصغي إلى قوله في فتور مشيرا بيده اليمنى إلى لارض .هذه الصورة تمثل تاريخ املذاهب في أثينا تمثل تاريخ الفكر الانساني و النظريات الفلسفية في كل العصور ،تمثل املادية و الروحانية ،فالروحانية ( املثالية ) تشير إلى السماء ،و املادية إلى لارض . ][29 طول ،عرض ،عمق ،ارتفاع ...الخ و أكد في ذات الوقت أن كل حادث يحدث إنما هو نوع من الحركة املادية ،بل و حتى الاحساسات و لافكار ليست سوى حركات داخلية في جسم مادي حي . إال أن تلسيس املذهب الواحدي املادي فعليا في لازمنة الحديثة يرجع إلى الفيزيائي الانجليزي اسحاق نيوتن )4010 – 4911( I. Newtonالذي يعتقدا أن مختلف الظواهر ذات طبيعة مادية ،فالعقل مثال صورة من صور املادة التي تتميز بالقوة و التنوع و الحركة و التفكير ،فليس ثمة ش يء اسمه روح أو عقل مستقل عن املادة ،إذ ليست الظواهر الوجدانية إال وظائف لعضاء الانسان فالتفكير وظيفة املخ ،كما أن الذوق وظيفة اللسان يقول كابانيس " : )4878 – 4020 ( G. Cabanisاملخ يفرز التفكير كما تفرز الكبد الصفراء و تهضم املعدة الغذاء " . أما فريدريك نيتشه ) 4677 – 4811 ( F. Nietzcheفقد بدا له الاعتقاد بوجود عالم امليتافيزيقا بدا له بمثابة إدانة للحياة إذ أن الاعتقاد بمثل هذا لامر يجعل من الحياة مجرد زيف أو وهم في عالم زائف و لهذا هاجم نيتشه فكرة ثنائية العالم و أكد في ذات الوقت أن العالم هو عالم أحادي و واحد و هو الذي نعيش فيه معتبرا أن امليتافيزيقا صنم ( )Idoleمن أصنام الفلسفة يجب تحطيمه . و لم يخرج أملاني آخر عن نفس الطرح و هو هولباخ )4086 – 4013 ( D. Holbachالذي هاجم في كتابه ' نسق الطبيعة ' 4007م كل نظرية تزعم أن وراء الظواهر املحسوسة عاملا أو موجودات غير مرئية فكل ش يء في الوجود يمكن تفسيره باملادة و الحركة و هما أزليتان و أبديتان .تخضعان لنظام الضرورة .فال مصادفة ،و ال تدبير إلهي ،و ال غائية ،و ال نفس ،و ال حرية .هذا و نشير إلى أن التفسير املادي للوجود قد تعاظم بسبب التفكير و التطور العلميين الجديدين ابتداء من العصر الحديث . -6الواحدية الروحية : تفسر الواحدية الروحية ( املثالية) الوجود بالروح أو العقل وحدهما ،فطبيعة لاشياء الكامنة وراء الظواهر املحسوسة روحية في أصلها فالروح في املذاهب الروحية مصدر الظواهر املادية و البدنية .و إذا كنا غير قادرين على ادراك لاشياء بالحواس و إنما نعرفها بالتفكير املجرد ،نتج عن ذلك أن الطبيعة روحية ال محالة . و عن من يتبنى هذا التفسير لانطولوجي فإننا نجد الفلسفة املثالية لاملانية ( املطلقة ) .و من فالسفتها فيخته ، )4841 – 4099 ( Fichteشلينج ، )4821 –4002 ( Schellingهيجل – 4007( Hegel ، )4884و لتدعيم وجهة نظرها لانطولوجية و تبريرها عمدت الى تقديم حجتين هما : ][30 أوال :أن كل وجود كما هو معروف انما يتوقف على التجربة ،و عليه فإن كل وجود إنما يتوقف على القائم بتلك التجربة الذي هو الذهن أو الوعي أو الروح ،و عليه فإن الاذهان أو الارواح و الافكار هي كل ما يوجد و بالتالي فان الذهن أو الروح هما الحقيقة النهائية . ثانيا :اننا ندرك أو نحس بلنفسنا ( الذات) على أننا موجودات ال مادية أو روحية ،ال يمكن التوحيد بين وجودها و بين و جود لاجسام املادية ،و هو عبارة عن شعور حدس ي ال نقاش فيه عند الكثير من الفالسفة املثاليين ،و عليه و مادامت طبيعة الانسان روحية – مثالية فإن ذلك يكشف على أن خصائص الطبيعة الكونية روحية ،وملا كنا نعرف أننا موجودات روحية فإن لنا الحق في القول أن العالم ذو طابع روحي ف ـ ـ " تركيب الواقع مماثل لتركيب اذهاننا " . لقد اعتقد صاحب ' فينومينولوجيا الروح ' أي هيجل أن العقل أو الروح أو املطلق كما يسميه هو ،هو املبدأ الذي يحكم العالم ،و يصنع التاريخ ،فالكون و هذا العالم ما هما في أصلهما إال تلكما الروح أو املطلق اللذين تطورا عبر لازمنة و تجسدا في النهاية في صورة انسان ،و عليه فـ ـ ( كل مظاهر الحضارة من علم ،ثقافة ،دين ،فلسفة ... ،الخ ما هي إال تجليات للمطلق عن طريق الجدل الذي حكم على جميع لاشياء بالتغير ،فالوعي هو الذي يحدد الوجود ) . -3الواحدية املحايدة : بالنسبة لهذا التصور لانطولوجي فهو يرفض الطرحين السابقين – أي الواحدي املادي و الواحدي الروحي – محاوال في ذات الوقت أن يجد حال شامال لهذه املشكلة امليتافيزيقية .هذا الحل أقرب ما يكون إلى مذهب سبينوزا . ) 4000 – 4931 ( B. Spinozaفالواقع أو الوجود النهائي ال هو مادي و ال هو روحي و انما هو جوهر محايد ( هللا ) بحيث تكون الروح و املادة مجرد صفات له ،فعلى سبيل املثال النظر الى ذهن و جسم الانسان على أنهما وجهين لنفس الجوهر الواحد الكامن من وراءهما و هكذا فان تسميتنا للحادث " ماديا" أو "روحيا" تتوقف على الطريقة التي ننظر بها اليه .فإذا نظرنا اليه من خالل وجه معين ( عالقات معينة ) لبدا لنا حادثا ذهنيا ،و اذا نظرنا اليه من خالل الوجه املادي لبدا لنا بالطبع حادثا جسميا ،و لكن الواقع أنه هو نفس الحادث ،ال يمثل إال تعديال لنفس الجوهر الواحد ،و فضال عن كل ما قيل فإن سبينوزا يعتقد أن كل ما يوجد هو هللا ،و ملا كان الجوهر او هللا واحدا أزليا ال متناهيا فإن الواقع بدوره واحد أزلي ال متناه . ][31 ب -املذاهب الثنائية : Dualisme ويفسر هذا املذهب الوجود بعنصرين مختلفين مثل العقل و املادة أو الجسم و النفس أو الذات و املوضوع أو غير ذلك و قد كان أنكساغوراس 118 – 277 (Anaxagoreق.م ) من الاوائل الذين قالوا بهذا املذهب ،إذ ميز بوضوح بين العقل و املادة فالعقل هو مبدأ النظام و الحركة ،بينما املادة فال نظام فيها بالنظر ملا ال نهاية فيها من الذرات ،و في املادة تكون الفوض ى هي سيدة املوقف ،أما العقل فمنظم حركة كل ش يء ،ومن أنصار هذا املذهب نجد أفالطون الذي ميز بين عاملين :عالم محسوس و آخر للمثل. و يعتبر ديكارت املؤسس الحقيقي لهذا املذهب في العصر الحديث ،و هو يرى أن للوجود جوهرين هما النفس و خاصيتها التفكير ،و الجسم و ماهيته الامتداد و كل منهما مستقل بنفسه قائم بذاته . ج -املذاهب املتعددة : Pluralisme لقد نظر فالسفة آخرون إلى الكون على أنه مليء بالكثرة و التعدد يقول ويليم جيمس " :إن العالم املتكثر أشبه ما يكون بالجمهورية الفيدرالية ،و هو بذلك ليس امبراطورية أو ملكية مطلقة " ،فقديما تصور أحد الفالسفة اليونان -قبل سقراط -و هو امبدوقليس أن أصل لاشياء ال يرجع إلى جوهر واحد إنما يرجع الى أربعة عناصر مجتمعة هي :املاء ،الهواء ،النار التراب يضاف اليهما مبدأين غير ماديين هما الحب و الكره . و لكن أوضح صورة ملذهب الكثرة و العدد ظهرت عند أصحاب املذهب الذري أو الجزء الذي ال يتجزأ (املدرسة الذرية :لوقيبوس و ديموقريطس و ألابيقوريين ) .و يتلخص هذا املذهب في أن أساس العالم املحسوس قد ظهر نتيجة الجتماع الذرات ،هذه لاخيرة ال تختلف كيفا و لكن تختلف كما أي من حيث الشكل و الحجم و الوضع ...الخ و هذا الاختالف هو ما يفسر الاختالف العام بين لاشياء . كما أننا نلتقي مع التفسير لانطولوجي املتعدد و الكثير في العصر الحديث مع لاملاني ليبنتز )4049 – 4919(W.Leibnitzمؤسس املذهب الروحي الحديث ،إذ فسر طبيعة الوجود تفسيرا ديناميكيا فقرر أن املوجودات تتللف من ذرات روحية ( منادات ) la monadeمتناهية العدد و هي أزلية ،تنزع دوما للعمل و الحركة ،تتكون منها لاشياء ،يوجدها خالق فتصدر عنه كما يصدر النور عن الشمس ،و هي ترتقي من الجماد الى الحيوان فاإلنسان فاهلل ( مناد املنادات ) ،ومن ثمة ال يكون للعالم الخارجي أو املادة في كل صورهما وجود بذاته . ][32 -3نظرية القيم :Axiologie ()30 لاكسيولوجيا أو فلسفة القيم مبحث من مباحث الفلسفة يناقش املسائل املتعلقة باملثل العليا أو القيم املطلقة ،و هي الحق و الخير و الجمال في ذاتها ال باعتبارها وسائل تفض ي إلى تحقيق غايات .و من بين القضايا التي تتناولها لاكسيولوجيا إشكالية :هل تلك القيم هي مجرد معاني في العقل أم أن لها وجود مستقل عن العقل الذي يدركها ؟ و نشير هنا إلى أن هذا املبحث يتناول مختلف القضايا املتعلقة بـ ـ ـ ـ :علم املنطق ،علم لاخالق ،علم الجمال .أي من حيث هي علوم معيارية ( )Normativesتبحث فيما ينبغي أن يكون ،و ليست علوم وضعية ( )Positivesحيث تقتصر دراستها على ما هو كائن .هذا و ترجع النواة لاولى لهذا املبحث لنظرية املثل عند أفالطون ومؤلفات أرسطو ( لالة في املنطق و لاخالق و السياسة و ما بعد الطبيعة ) و أبحاث الرواقية و لابيقورية في الخير لاقص ى . أما عند فالسفة العصور الوسطى فقد ذهب القديس توما إلاكويني إلى التوحيد بين القيمة العليا و العلة لاولى أي هللا باعتباره كائنا حيا أزليا خيرا ،و قد عولجت القيم في التفكير الفلسفي الحديث في علوم فلسفية مستقلة هي العلوم املعيارية كما سبقت الاشارة .و ال ننس ى هنا أن كانط كان قد تعرض في ثالثيته النقدية املشهورة ملسللة القيم فخصص كتابه 'نقد العقل الخالص' لقيمة الحق ،و' نقد العقل العملي' َ لقيمة الخير و أخيرا 'نقد َملكة الحكم' لقيمة الجمال . وفي القرن العشرين كان أول من استخدم لفظ لاكسيولوجيا هو بول البي في كتابه' منطق الارادة ' و هارتمان سنة 4679م ثم توالت بعد ذلك مختلف لابحاث في سياق مبحث القيم . -0 -3معنى القيمة :Valeur يذكر رويه أن أول من استخدم لفظة القيمة -و هو باللغة لاملانية ( ) Wertباملعنى الفلسفي وعمل على ذيوعه هو لوتز Lotezو الالهوتي ريتشل .و كلمة قيمة ( )Valeurالتينية لاصل فهي ملخوذة من الفعل Valeoالذي معناه " :أنا قوي" ، Je suis fortو "أنني بصحة جيدة " ، Je suis en boone santéو هو معنى يتضمن فكرة الفعالية و التلثير و املالئمة ،و مع مرور لازمنة أصبحت الكلمة تدل على معاني أخرى ) (30تسللت القيمة إلى معجم الفلسفة حديثا ،و نفذت إلى املذاهب الفلسفية من أبواب متعددة ،و تحت أسماء مختلفة ،و لكنها لم تصبح موضوعا ومبحثا شرعيا من موضوعات و مباحث الفلسفة إال منذ زمن قصير ال يكاد يتجاوز القرن التاسع عشر ،غير أن الاراء التي تدور حولها لم تتبلور بعد ،و ما تزال أحد املوضوعات املعرضة للنمو و التطور ،إذ لم تظهر مشكلة القيمة في تاريخ الفلسفة إال تدريجيا و بصورة بطيئة ،لذلك ال نعثر في الفلسفات القديمة ما يجعل من القيم مشكلتها املحورية . ][33 و انتشر استعمالها في ميادين الفكر املختلفة( اللغة ،الرياضيات ،لاقتصاد ،الفلسفة ، )...هذا و نشير و إلى أنه ال زالت كلمة قيمة باللغة الفرنسية و الكلمات التي تقابلها باللغة لانجليزية ( )Worthو لاملانية ال زالت تحتفظ بش يء من رواسب معناها الالتيني. و بالنسبة لكلمة قيمة في الفلسفة فقد جرى استعمالها في مجاالت متعددة للداللة على كلمات كانت شائعة في الفلسفة القديمة مثل الخير ،و الخير لاسمى ،و الكمال ،و يعتبر لاملاني نيتشه أهم من عمل على انتشارها انتشارا واسعا في لاوساط الفكرية .فنجاح فلسفته و رواجها هو الذي حمل الفالسفة على الاهتمام املتزايد بها ،و هي كلمة من الصعب تحديد معنى دقيق لها لنها كما يقول اندريه الالند تدل غالبا على تصور متحرك ،إذ تمثل انتقاال من الواقع إلى ما يجب أن يكون ،من املرغوب إلى ما يمكن أن يرغب به. و تعني القيمة من الناحية الذاتية الصفة التي تجعل من الش يء مطلوبا أو مرغوبا فيه ،و قد تطلق بهذا املعنى على(قيمة الاستعمال) ،و هي من الناحية املوضوعية تدل على ما يتميز به الش يء من صفات تجعله مستحقا للتقدير ،و عليه فإذا كان الش يء في حد ذاته يستحق تقديرا كبيرا مثل الحق ،الخير ،الجمال كانت قيمته مطلقة . -6-3أنماط القيم : تعد القيم املطلقة الثالثة :الحق ،الخير ،الجمال ،من أهم املوضوعات -القيم التي اهتمت بها الفلسفة منذ فجر تاريخها إلى يومنا هذا ،و عليه فهي بمثابة مباحث فلسفية أو غايات لعلوم مشهورة هي علوم الفلسفة املعيارية ) . ( Normatives أ -الحق : Droit - يعد الحق قيمة انسانية مرادفة ملا صحيح و صادق ،يسعى نحوها كل تفكير انساني ،و الفلسفة حددت علم املنطق ( )Logiqueعلى أساس أنه يسمح بالتمييز بين صحيح الفكر و فاسده ،و ذلك طبقا لقواعد معينة .هذا و قد اختلفت املذاهب الفلسفية في تحديد معيار الحق ،حيث هناك من يعتبر الحقيقي هو تطابق الفكر مع ذاته ( العقالنية) ،في حين يعتبر آخرون أن الحقيقي هو تطابق الفكر مع الواقع ( التجريبية) ،و يجعل تيار آخر الفائدة أو املنفعة العلمية مقياسا للحقيقة ( البراغماتية) ...الخ ب -الخير : Bien - هو ما ينتفع به الغير قوال و فعال و نقيضه الشر ،و الخير هو الحسن لذاته و ملا يحققه من لذة أو نفع أو سعادة .و الخير من الناحية الاصطالحية له عدة تعريفات فهو يعني الكمال و السعادة ،و هو لدى ][34 البعض أسمى القيم و أرفعها و أرقاها ،ففي حين يعتبر أفالطون أن الجمال هو بهاء الخير ،فإن كانط يعتقد أن الجمال و الجالل رمزان كامالن ملثال الخير . أما في املسيحية فنظرتها للخير فقائمة في أساس طاعة القانون لالهي ،في حين ذهب لاسالم إلى اعتبار الطيب و النافع لإلنسان هو الخير نفسه ،و علم ألاخالق ( )Ethiqueهو العلم الفلسفي الذي يختص بالبحث في مسائل و قضايا السلوك اذ يسمح بالتمييز بين الخير و الشر ،و به يتم اكتشاف أسباب الشقاء و رسم طريق السعادة . ج ـ -الجمال: Beau - حدده كانط بقوله " :ما يبهج كل الناس و بال تجريد " و هو يدل هنا على كل ما يثير لدى الناس شعورا فريدا يسمى الانفعال الجمالي ،و الجمال هو ما يتطابق مع بعض معايير التوازن و املرونة و التناغم و الكمال في نوعه ،و مع صفات و كيفيات أخرى ،و علم الجمال ( ألاستطيقا )Esthétiqueهو من يسمح لنا بالتمييز بين الجميل و القبيح ،و التعرف على شروط الجمال و وظيفته في حياتنا . -3 -3طبيعة القيم : طبيعة القيم إشكالية من إشكاليات فلسفة القيم تتضمن العديد من املسائل من أبرزها : املسألة ألاولى :تتعلق بالتمييز بين القيم من حيث هي صنفان :صنف ينشده الناس كوسيلة لتحقيق غاية و لهذا تختلف باختالف حاجات الناس و مطالبهم ( قيمة العربة ،الكتاب ...مرهونة بما تؤديه من خدمات ) و تسمى هذه القيم بالقيم الخارجية ،أم الصنف الثاني فيلتمس لذاته و يطلب كغاية و هي قيم باطنية ذاتية مستقلة بنفسها ( جمال الزهرة) هذه لاخيرة قيمتها في ذاتها ،و تسمى هنا هذه القيم باملثل العليا . و هي وحدها في رأي البعض موضع بحث الفيلسوف ،و لكنها ليست كذلك عند سائر الباحثين ،إال أنه تجدر لاشارة هنا أن هناك موقف ث فمنهم من يضعون الوسيلة على قدم املساواة مع الغاية عند التقويم فكل من الوسيلة و الغاية يتبادل مركزه و مكانه مع لاخر ،و ليس ثمة غاية مطلقة ال تكون وسيلة لغيرها كما أن من املمكن ان تعد وسيلة غاية في مرحلة من املراحل ،فالحياة تصبح عبئا ثقيال على الاحتمال إذا لم تكن الوسائل غايات في آن واحد و إذا لم تكن لها قيمتها الخاصة ،أو إذا ظلت الوسيلة دائما كالدواء املر املذاق ال قيمة له في ذاته إال أن يلتمس وسيلة للشفاء . املسألة الثانية :ترتبط بطبيعة القيمة من حيث هي ذاتية أو موضوعية ،أي هل هي من وضع العقل و اختراعه ،أم هي صفات عينية لألشياء لها وجودها املستقل عن العقل الذي يدركها ؟ فهي ذاتية نسبية خالصة مرجعها إلى الفرد ،و لهذا تختلف باالختالف الزمان و املكان و الظروف و لاحوال فالحق ][35 و الخير و الجمال إنما يكون بالقياس إلى كل تفكير و شعور و إحساس ،و كمثال على ذلك فإن القيم لاخالقية ( خير – شر ) تبقى ذاتية أي أن الوجود الانساني هو الذي يبدعها و يوجدها و يحددها .و معنى ذلك أنها ال تتمتع بلي استقالل عن السلوك الذي يتصف بها "فإلنسان هو مقياس ألاشياء كلها " فيما قاله بروتاغوراس ،هذا الطرح الذي دافع عنه كل من السفسطائيون و لابيقوريون في الفلسفة اليونانية و جون بول سارتر و البراغماتيون في الفلسفة املعاصرة .غير أنه هناك من يرى العكس من ذلك ،إذ أن القيم تكون موضوعية متعالية مستقلة عن سلوك الفرد و هي ليست من صنعه ،لن وجودها سابق عليه و بهذا تكون كلية و ثابتة و هو ما يجعلها واحدة بالنسبة لجميع البشر ،و من ثمة كانت موضوعية .هذا الطرح الذي تبنته كل من املدرسة العقلية و الاجتماعية و املثالية على حد سواء يقول أفالطون " :إن هللا هو مقياس ألاشياء كلها و ليس إلانسان " . املسألة الثالثة :و هي تتفرع عن املوقف من ذاتية القيم و موضوعيتها ،و يتعلق لامر هنا بنسبية القيم و إطالقها ،و هي ليت امتدادا مباشرا ملسللة ذاتية القيم و موضوعيتها ،فليس كل من أقر بموضوعية القيم يسلم أيضا بإطالقها ،و ليس كل من يقول بذاتيتها مقر بنسبيتها . 4 -3مكانة القيمة في مذاهب الفلسفة : ال تحتل نظرية القيمة مكانة محددة ضمن مذاهب الفالسفة و اتجاهاتهم الفكرية ،فهي تنزوي تارة في ركن ضتيل من املذهب عندما ال يعرض لها الفيلسوف إال بوصفها قيمة خلقية أو جمالية ،أو منطقية أو دينية ،أو غير ذلك من صنوف القيم ،و قد تقفز تارة أخرى إلى قمة مذهبه ،فتغدو طابعه الغالب و مبدأه املوجه ،و يكون لها داللتها املنهجية العامة التي تسوق نظرة الفيلسوف إلى املشكالت الفلسفية جميعا ،و تحكم مواقفه منها ،و حلوله التي يقدمها .و بين تضاؤل ا الهتمام بمسللة القيم أو استيالئها على كامل اهتمام الفيلسوف يخلص إلى فيليب وينر مفادها أن كل املذاهب الفكرية -الفلسفية عبارة عن أطروحات مشحونة بالقيمة سواء صرحت بذلك أو أنكرته .ففلسفة نيتشه كلها يمكن أن تعد نظرية في القيمة ،فهو يتخذ من القيمة مبدأ مذهبه و غايته ،و الحياة عنده بمختلف جوانبها عملية متصلة من التقويم .أما ريكرت فيعتبر أن القيم عنده ال توجد بوصفها شيئا ماديا بل توجد بتصديقنا عليها و اقرارنا بصحتها ،و لهذا فنحن ملزمون بما ينبغي أن يكون .و جون بول سارتر رغم ضآلة ما يخصصه في مؤلفاته ملناقشة مشكلة القيمة أو لاخالق بصفة عامة ،إال أن وجوديته كلها أخالقية الطابع باملعنى الواسع ،فهو يقول أن غاية الوجودية هي إقامة ملكوت إنساني يكون نسقا من القيم املتميز عن العالم املادي ،و الحياة عنده هي املعنى الذي يختاره لانسان لها .كما يمكن اعتبار الفلسفة البراغماتية أنها فلسفة في القيمة من خالل مبدئها العام و الذي يرى أن الحقيقة رهينة فكرة القيمة . ][36