Uploaded by Zahra Zouzou

الفلسفة والعلم

advertisement
‫وزارة التعليم العالي و البحث العلمي‬
‫جامعة محـمد البشيرالابراهيمي‬
‫كلية العلوم إلانسانية و الاجتماعية‬
‫قسم العلوم الاجتماعية‬
‫مدخل إلى الفلسفة العامة‬
‫محاضرات السنة ألاولى علوم اجتماعية‬
‫السنة الجامعية ‪6102/6102‬‬
‫]‪[1‬‬
‫المحور الول ‪ :‬الفلسفة ‪ ...‬اهميتها و صلتها بباقي فروع المعرفة ‪.‬‬
‫تمهيد ‪:‬‬
‫في هذا املحور بالذات نهدف إلى تحقيق العديد من الغايات و لاهداف ‪ .‬في مقدمتها التعرف و لاطالع على‬
‫املعنى أو املفهوم الحقيقي ملصطلح الفلسفة )‪ (Philosophie‬خاصة و أن تعريف الفلسفة يعتبر من أشد‬
‫(‪)1‬‬
‫املسائل املعقدة و الصعبة بل و إثارة للجدل ‪ .‬كما أننا سنسعى جاهدين في هذا السياق إلى تحديد‬
‫السياق التاريخي و املعرفي الذي ظهر فيه ذلك املصطلح ‪ ،‬ما يعني أن السؤال الفلسفي هو من دون شك‬
‫(‪)2‬‬
‫سؤال إشكالي تقف خلفه العديد من لاسباب و العلل املنطقية و الواقعية ‪.‬‬
‫و هكذا و مما سبق فإنه من ّ‬
‫البين جدا و نحن في مسعانا السابق أن يترتب عن ذلك فهم حقيقي‬
‫و إدراك عميق و راسخ لحقيقة الفلسفة من حيث ميادينها و كذا وظيفتها‪ ،‬و أهميتها ‪،‬و قيمتها املعرفية‬
‫هذا من جهة ‪.‬‬
‫أما من جهة أخرى فإن تدعيم فهنا ملبحث الفلسفة سيفرض علينا منطلقا بيداغوجيا و حركة منهجية‬
‫غاية في لاهمية و نقصد هنا البحث في جملة العالقات التي تمتد بين هذا النشاط الفكري ‪ -‬أي الفلسفة ‪-‬‬
‫و بقية النشاطات الفكرية الكبرى املوازية له و في مقدمتها العلم ‪ .‬و ال ننس ى في هذا لاطار عالقة الفلسفة‬
‫بالدين ملا تكتسبه هذه العالقة من أهمية عبر التاريخ الطويل للفلسفة ذاتها ‪ .‬و على هذا النحو فإن‬
‫استقصاء و تحقيق لاهداف السابق ذكرها لن يكون سهال إال من خالل صياغة أسئلة ‪ -‬إشكالية تفتح‬
‫املجال أمام ذلك فنقول ‪:‬‬
‫* ما املقصود بالفلسفة ؟‬
‫* ما هو السياق التاريخي و املعرفي الذي نشأت فيه؟‬
‫* و هل الفلسفة كنشاط فكري إنساني تعتبرضرورة حضارية ‪ -‬إنسانية أم العكس ؟‬
‫َ ّ‬
‫)‪ (1‬سيتم توضيح هذه املسللة في العنصر املعنون بـ ـ ‪ :‬في تفسير تعقد ( تعدد) مفهوم الفلسفة ‪ .‬و هو عبارة عن نتيجة تم التوصل إليها من خالل دراسة مفهوم‬
‫الفلسفة ( ارجع إلى الصفحة رقم ‪ 70‬من هذه املحاضرة ) ‪.‬‬
‫)‪ (2‬يرى غاستون باشالر( ‪ )4691 -4881‬أن أي معرفة حقيقية إنما تنبثق من إشكالية حادة يعاني منها العالم يقول ‪ " :‬كل معرفة في نظر الروح العلمية تعد‬
‫إجابة عن سؤال و إذا لم يكن هناك سؤال فال مجال للحديث عن معرفة علمية ليس هنالك ما يتم تلقائيا ليس هناك ما معطى و ال يوجد إال ما هو مبني "‬
‫و إذا كان هذا هو حال العلم فإن حال الفلسفة ليس بمختلف أو مغاير ‪.‬‬
‫]‪[2‬‬
‫‪ -0‬في داللة مصطلح الفلسفة ‪:‬‬
‫ال يتضح معنى الفلسفة إال إذا تم النفاذ إلى صميم املشكالت الفلسفية و لاطالع على طرق الفالسفة‬
‫في التفكير فيها و تحليلها و البرهنة على الحلول التي ينتهون إليها ‪ ،‬و هكذا فكلن تعريف الفلسفة ال يلخذ‬
‫مكانه و ال يكون مفهوما إال في املرحلة التي يفهم صاحبها هذه املشكالت و البراهين على حلولها ‪ ،‬لن تعريف‬
‫الفلسفة أيضا يتوقف على نظرة كل مذهب فلسفي ‪ ،‬و على سمة العصر الذي تنتمي إليها هذه املذاهب‬
‫و على طبيعة املنهج الذي يتخذه كل من الاتجاهات الفلسفية املختلفة و املشكالت التي يجعلونها محورا‬
‫لها‪.‬‬
‫‪ 0-0‬الداللة اللغوية ‪:‬‬
‫من املعروف أن املعنى الاشتقاقي ‪ -‬الداللة اللغوية ‪ -‬لكلمة " الفلسفة " (‪ )Philosophie‬يعود إلى لفظين‬
‫يونانيين هما فيلو )‪ (Philo‬و تعني محبة ‪ ،‬و صوفيا )‪ (Sophia‬و تعني الحكمة ‪ ،‬فيكون املعنى أن الفلسفة‬
‫هي محبة الحكمة ‪ .‬و من بين ما تشير إليه الحكمة في العربية النظر الصحيح و العمل املتقن و صواب‬
‫لامر و سداده و وضع الش يء في موضعه ‪ .‬كما يصف القرآن الكريم الحكمة بلنها 'خير' فيقول تعالى ‪ " :‬يؤتي‬
‫َ‬
‫َّ َّ َّ‬
‫َ َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َ ََ‬
‫َ‬
‫الحك َمة َمن َيشاء َو َمن يؤت الحك َمة فقد أوت َي خيرا كثيرا و َما َيذكرإال أولوا الال َباب "( سورة البقرة ‪ ،‬لاية ‪.)198 :‬‬
‫و خالصة داللة الكلمة من حيث اشتقاقها اللغوي أنها تعني ‪ :‬حب لاطالع ‪ ،‬و ممارسة التفكير أكثر مما‬
‫تدل على مجرد حب الحكمة ‪ ،‬و إن كان الفالسفة حصروا هذه الكلمة في حدود ضيقة ‪.‬‬
‫هذا و قد زعم هيرقليدس و أيده شيشرون أن أول من استعملها ‪ -‬أي لفظ الفلسفة ‪ -‬الفيلسوف‬
‫‪3‬‬
‫اليوناني فيثاغورس ‪ 160-201 ( Phythagoras‬ق‪.‬م) الذي وصف نفسه بالفيلسوف ( )‪ ،‬الذي كان‬
‫يقصد من وراء ذلك أنه مجرد محب الحكمة و ليس ممن وصلوا إليها و امتلكوا ناصيتها (أي ليس حكيما ) ‪.‬‬
‫فاملعرفة الحقيقية لكل العالم إنما هي من نصيب لاله وحده ‪ ،‬أما لانسان فإن عليه أن يكتفي بمحبة‬
‫الحكمة ‪ .‬و يذهب البعض إلى أن نسبة وضع الكلمة إلى فيثاغورس أمر مشكوك فيه ملا عرف عنه من غرور‬
‫و ادعاء و بعد عن التواضع ‪ ،‬و لهذا يرجح هؤالء أن يكون سقراط أول من استعملها و بعده أفالطون ‪.‬‬
‫(‪ )3‬حكى ديوجانس (‪ 313 - 141‬ق‪.‬م )قصة تبين سمة الفالسفة‪ ،‬و ملمحا رئيسيا من مالمحهم ‪ ،‬فحكى واقعة خالصتها ‪ ،‬أن ثالثة فرق من الناس حضروا مبارة‬
‫لعب ‪ :‬فريق همه البحث عن الشهرة ‪ ،‬وهم املشاركون في اللعب ‪ ،‬و فريق يقصد الربح ‪ ،‬و هم التجار الذين يبيعون البضائع ‪ ،‬و فريق أخير كانت بهجتهم النظر أو‬
‫'التفرج' و هم الفالسفة الذين احتقروا الشهرة و الربح و فضلوا التلمل للوصول الى الحقيقة ‪ .‬و هنا نجد فيثاغورس ّميز بين عمل الفيلسوف و هو املعرفة‬
‫القائمة على التلمل ‪ ،‬و هو ما يختلف عن املهارة الرياضية العملية و املهارة التجارية ‪ .‬و أفالطون الذي يعتقد أن سمة الفلسفة هي العناية بعالم لافكار ال عالم‬
‫لاشياء ‪.‬‬
‫]‪[3‬‬
‫و بالطبع فإن لاصل اليوناني للفظة الذي شاع و امتد في القرن ‪ 9‬ق‪.‬م في الحياة الثقافية و الفكرية‬
‫اليونانية جعل معظم مؤرخي الفلسفة يسلمون بلن نشلتها إنما كانت في بالد اليونان ‪ ،‬و أنها ظهرت هنالك‬
‫(‪)4‬‬
‫على غير مثال سابق ‪.‬‬
‫‪ 6-0‬الداللة الاصطالحية ‪:‬‬
‫لم يتفق الفالسفة و املشتغلون بالفكر الفلسفي على معنى واحد و موحد ملا يسمى الفلسفة ‪ ،‬إذ أن‬
‫تاريخ الفلسفة ّ‬
‫يبين بكل وضوح و جالء اختالف التعريفات – املفاهيم املقدمة لها ‪ ،‬بل و لاكثر من ذلك‬
‫أننا في رجعونا إلى تاريخ الفكر الفلسفي انما نكتشف أن العصر الواحد من ذلك التاريخ إنما يتميز بتعدد‬
‫و اختالف و حتى تناقض تعريفات الفلسفة ‪ ،‬و هذا من املؤكد تتحكم فيه العديد من لاسباب و املسوغات‬
‫سنكشف عنها الحقا ‪ ،‬أما لان فإننا سنحاول أن نقدم بعض التعريفات الخاصة تبعا لعصور تاريخ التفكير‬
‫الفلسفي ‪.‬‬
‫أ ‪ -‬عند اليونان ‪:‬‬
‫يذهب أب الفلسفة اليونانية سقراط ‪ 366 - 107 ( Socrate‬ق‪.‬م) إلى رفض اعتبار الفلسفة بحثا في‬
‫(‪)5‬‬
‫طبيعة الكون و عناصره و مكوناته ‪ ،‬و إنما الفلسفة هي بحث في الانسان و دراسة ملشاكله و قضاياه‬
‫و حياته و دراسة لاخالق و السياسة ‪ ،‬فالفلسفة في نظره هي محاولة لتبيان معاني لاشياء و حقائق لامور‬
‫بوضوح ‪.‬‬
‫أما أفالطون ‪ 310 - 110( Platon‬ق‪.‬م) فإنه سار على نهج أستاذه سقراط و جعل من معرفة الذات‬
‫أهم نقطة في كل بحث فلسفي ‪ ،‬و لكنه لم يلبث أن أرجع للفلسفة طابعها العام ‪ ،‬إذ جعلها تستوعب‬
‫موضوعات الطبيعة و النفس و لاخالق و ما وراء الطبيعة ‪ ،‬و نضيف هنا أن أفالطون أصر على أن تكون‬
‫الفلسفة أسلوبا في العيش و ليست آلية من آليات التفكير و التلمل يقول في محاورة امللدبة "‪ ...‬فالجاهل ال‬
‫)‪ (4‬تعد نشلة الفلسفة مسللة مثيرة للجدل بين مؤرخي الفلسفة ‪ ،‬فهناك من دافع على أن الفلسفة إنما هي اختراع يوناني بحت فلطلقوا عليه ما يسمى (املعجزة‬
‫اليونانية) ‪ ،‬و هذا بدعوى أن الفلسفة عند اليونان كنت تلتمس لذاتها ‪ ،‬بمعنى أن العقل يتجه إلى الكشف عن الحقيقة بباعث من اللذة العقلية ‪ ،‬و من غير أن‬
‫تدفعه إلى ذلك أغراض عملية أو غايات دينية ‪ ،‬و هذا النوع من املعرفة النزيهة قد نشل في اليونان ‪ ،‬أما في الشرق القديم فإن ممارسة التفكير الفلسفي كانت‬
‫تقف من خلفه أغراض معينة كما هو الحال عند املصريين حينما استخدموا الرياضيات في مسح لاراض ي و استعانوا بامليكانيكا إلقامة لاهرامات من أجل‬
‫عقيدة الخلود و حفظ جثة الفرعون ‪ ،‬و استخدموا الكيمياء في تحنيط الجثث و استخراج العطور و لالوان و غير ذلك ‪ ،‬أما البابليون فقد أنشلوا علم الفلك‬
‫العملي من أجل معرفة فصول الزراعة و مواسم التجارة ‪ .‬و على العموم فان حجة هؤالء مبنية على أساس أن التفكير الفلسفي عند الشرق كان وسيلة من أجل‬
‫غاية عملية أو غرض ديني أما عند اليونان فإن الفلسفة كانت غاية في ذاتها منزهة عن كل غرض ‪.‬‬
‫(‪ )5‬قبل مجيء الحكيم سقراط كان قد تركز البحث الفلسفي عند اليونان في محاولة الاجابة على أسئلة حول الطبيعة (أو ما يدخل تحت اسم الكوسمولوجيا)‬
‫مما جعلها تحمل اسم الفلسفة الطبيعية ‪ ،‬حيث سعى رواد هذه الفلسفة و اجتهدوا في البحث عن أصل الكون املادي ‪ ،‬و من أبرز فالسفة هذه الحقبة نذكر ‪:‬‬
‫طاليس ‪ ،‬انكسيمندريس ‪ ،‬انكسيمانس ‪ ،‬هيرقليطس‪...‬الخ‬
‫]‪[4‬‬
‫يحب الحكمة و ال يرغب فيها ‪ ،‬ألن ما ينقصه الجمال و الخير و العلم يرض ى عن نفسه كل الرض ى ‪ ،‬و ال‬
‫يعتقد أنه ال ينقصه ‪ ، "...‬و في هذا السياق ميز لنا أفالطون بين الفلسفة و الرياضيات و بين الفلسفة‬
‫و التاريخ ‪.‬‬
‫في حين ّ‬
‫فضل املعلم لاول أرسطو ‪ 311 – 381( Aristote‬ق‪.‬م) أن ّ‬
‫يعرف الفلسفة بعديد التعريفات‬
‫لعل أهمها أن الفلسفة هي " البحث في الوجود بما هو موجود " أي علم املبادئ أو العلل لاولى للوجود‬
‫كما أنها أيضا علم العلة لاولى أو الوجود لالهي الثابت ‪ .‬علم لالهيات كما قالت العرب أو‬
‫التيولوجيا )‪ ( La Théologie‬أي العلم لالهي الذي يتخذ من هللا مبحثا مركزيا باعتباره املوجود لاول كما‬
‫(‪)6‬‬
‫استخدم أرسطو الفلسفة كمرادف للعلم و وعاءا جامعا لكامل املعرفة الانسانية ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬عند فالسفة إلاسالم ‪:‬‬
‫عرفت الفلسفة في بالد لاسالم بعد حركة الترجمة التي قامت بنقل التراث اليوناني إلى اللغة العربية مما‬
‫جعلها تنطبع بطابع خاص رغم الادعاءات الاسشراقية التي تنفي عليها الصفة لاصيلة للفلسفة كما هو‬
‫الحال عند املستشرق الفرنس ي ارنست رينان و هنا سنورد البعض من تعريفات الفلسفة لدى فالسفة‬
‫املسلمين منها ‪:‬‬
‫‪ -0‬الكندي (‪ : ) 803 - 872‬حيث ّ‬
‫عرف الفلسفة بالعديد من التعريفات نذكر منها ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬صناعة الصناعات و حكمة الحكم ‪.‬‬
‫ب‪ -‬معرفة الانسان نفسه تؤدي إلى معرفة العالم لاكبر أي املعرفة بالطبيعة و الكون و من ثم‬
‫ترتقي إلى معرفة الخالق ‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬إنها التشبه بلفعال هللا تعالى بقدر طاقة الانسان ‪.‬‬
‫‪ -6‬الفارابي (‪ : )627 - 801‬نظر إلى الفلسفة باعتبارها الصناعة التي تؤدي إلى إصابة الحكمة ملن يتمتعون‬
‫بجودة التمييز الناتجة عن جودة الذهن ‪ .‬و اقتناء الحكمة – أي معرفة الحق على طريقة الفالسفة – يعني‬
‫اقتناء لاشياء الجميلة نظرا و عمال فهناك في نظره الجمال النظري الذي هو املعرفة النظرية للحقيقة على‬
‫أ ساس من التلمل املتصف بالحكمة ‪ ،‬و هناك الجمال العملي الذي هو السلوك الفاضل الذي يتخذ من‬
‫املوقف الوسط حدا يلتزم به فال يتجه إلى أحد الطرفين املرذولين ‪.‬‬
‫(‪ )9‬ق ّسم أرسطو العلم أو الفلسفة إلى قسمين كبيرين أحدهما نظري و لاخر عملي ‪ ،‬و العلم النظري هو معرفة لذاتها بقطع النظر عن أي غرض تطبيقي عملي‬
‫و ينقسم إلى ‪ 3‬فروع يختص كل واحد منها بدراسة مجموعة من الظواهر املتشابهة ‪ ،‬من هذه الفروع ما هو أعلى و أوسط و أدنى ‪ :‬لادنى منها علم الطبيعيات أو‬
‫الفيزيقا و هو الذي يدرس املوجودات من حيث هي متحركة و محسوسة و مجاله الظواهر املادية ‪ ،‬أما أوسط هذه الفروع فهو علم الرياضيات و يدرس الظواهر‬
‫من حيث هي أعداد و مقادير ‪ ،‬أما لاعلى فهو علم ما بعد الطبيعة أو امليتافيزيقا الفلسفة لاولى و موضوعها لامور العقلية الخالصة ‪ .‬أما العلم العملي فهو‬
‫مقصود للعمل و التطبيق و ينقسم بدوره إلى قسمان لاول يتعلق بتدبير الفعل الانساني ذاته كالخالق ‪ ،‬و تدبير املنزل و السياسة و الثاني ينصب على الفنون‬
‫كالرسم و املوسيقى و النحت ‪...‬الخ‬
‫]‪[5‬‬
‫جـ ‪ -‬عند فالسفة العصرالحديث ‪:‬‬
‫‪ -0‬رينيه ديكارت ( ‪ : )4927 -4269‬في مقدمة كتابه 'مبادئ الفلسفة ' يقول ‪ " :‬إن الفلسفة كلها بمثابة‬
‫شجرة جذورها امليتافيزيقا و جذعها الفيزياء ‪ ،‬و غصونها املتفرعة عن هذا الجذع هي كل العلوم ألاخرى‬
‫و هي ترجع إلى ثالثة رئيسية ‪ :‬هي الطب ‪ ،‬و امليكانيكا ‪ ،‬و ألاخالق ‪ ،‬و أعني أسمى أخالق و أتمها ‪ ،‬و هذه هي‬
‫أعلى درجات الحكمة ‪ ،‬و تفترض معرفة كاملة بسائرالعلوم " ‪.‬‬
‫‪ -6‬فرانسيس بيكون (‪ : )4919 -4294‬و يذهب إلى تعريفها من خالل "أن الفلسفة تدع ألافراد جانبا ‪ ،‬و ال‬
‫تهتم باالنطباعات ألاولى التي تحدثها فينا ‪ ،‬و إنما املعاني التي تستمد منها بالتجريد ‪ ...‬و هذا هو دور‬
‫العقل و مهمته " ‪ ،‬و في هذا السياق نشير إلى أن بيكون لم يتردد في نقد الفلسفة التقليدية و مهاجمتها‬
‫و تحميلها أوزار الجمود العلمي و الفقر العقلي ‪ ،‬و العقم و العجز عن الاسهام الفاعل في رفاهة الانسان‬
‫و تقدمه و سعادته ‪ ،‬و طالب من أجل ذلك بضرورة اصالح منهج التفكير من خالل كتابه ' ألاورجانون‬
‫الجديد ' ‪.‬‬
‫د ‪ -‬عند الفالسفة املعاصرين ‪:‬‬
‫(‪) 7‬‬
‫ّ‬
‫مثلت الفلسفة املعاصرة نظرة جديدة في التفكير الفلسفي من حيث املنهج و املنطلقات و الوسائل‬
‫و الغايات ‪ ،‬و من بين أشكال الفلسفة املعاصرة نذكر العديد من الاتجاهات منها املاركسية و الوجودية‬
‫و الرغسونية و الوضعية املنطقية و البراغماتية ‪ ...‬الخ ‪.‬‬
‫‪ -0‬الوضعية املنطقية ‪ :‬و ترى أن الفلسفة ليست البحث في حقيقة الوجود أو طبيعة املعرفة على نحو ما‬
‫ذهب أتباع الفلسفة التقليدية بل هي مجرد منهج للبحث ‪ ،‬هدفه التحليل املنطقي للغة التي نستخدمها في‬
‫حياتنا اليومية أو يصطنعها العلماء في مباحثهم العلمية ‪ ،‬رغبة في ازالة اللبس و الغموض الذي يعتري‬
‫لافكار ‪ ،‬و بيان عناصرها حتى تبدو واضحة و جلية ‪.‬‬
‫‪ -6‬البراغماتية ‪ :‬الفلسفة عند هذا الاتجاه املعاصر ليست بحثا تلمليا في مختلف القضايا و املوضوعات‬
‫التقليدية‪ ،‬بل الفلسفة هي التطبيق العملي ملختلف لافكار و التصورات التي ينتجها العقل البشري ثم‬
‫فحص نتائج تلك لافكار ‪ ،‬و بمعنى آخر فإن البراغماتية تعتبر أن الفكرة الصادقة و الصحيحة هي ما‬
‫)‪ (7‬يختلف الباحثون حول بداية الفلسفة املعاصرة ‪ ،‬و لكن أقرب رأي هو القائل بلن انطالقتها كانت مع بداية القرن العشرين ‪ ،‬و الفلسفة املعاصرة هي في‬
‫الحقيقة امتداد تاريخي للفلسفات السابقة ‪ ،‬و لكنها تختلف عنها في محاولتها تقديم اجابات متطورة عن سابقاتها ‪ ،‬و بمعنى آخر إعادة صياغة املوضوعات‬
‫القديمة و تركيبها من جديد بصورة تتفق و روح العصر من خالل مناهج جديدة يغلب عليها الطابع التحليلي ‪ -‬العلمي ‪ ،‬باإلضافة إلى أنها تتميز بالتواصل‬
‫و التفاعل في لافكار ‪ ،‬و تحطيم املذاهب و لابنية بذاتها القائمة و التي تدعي أنها توصلت إلى اكتشاف الحقيقة ‪ .‬إنها تعبر عن آفاق جديدة من أجل املناقشة‬
‫و الجدل و التحاور و الابتعاد عن لافكار الجامدة و لاحكام املطلقة ‪.‬‬
‫]‪[6‬‬
‫يحقق لنا نتائج نفعية – مفيدة و العكس صحيح ‪ ،‬و بغير هذا املعيار ستبقى أفكارنا مجرد تصورات نظرية‬
‫ال نستطيع الحكم عليها ‪.‬‬
‫َ ّ‬
‫نتيجة ‪ :‬في تفسيرتعقد ( تعدد) مفهوم الفلسفة ‪.‬‬
‫من خالل ما تم تقديمه سابقا حول الداللة الاصطالحية لحد الفلسفة يمكن القول أن تعريف‬
‫الفلسفة في حد ذاته يعد اشكاال فلسفيا نظرا لغياب الاتفاق التاريخي و الحاضر حول ذلك ‪ .‬و باعتبار أن‬
‫السؤال الفلسفي يتسم بالديمومة و التواصل و انعدام امكانية الحسم في جوانبه و إجاباته ‪ ،‬فإننا‬
‫نصادف أن مؤرخو الفلسفة توصلوا الى شبه اجماع حول أسباب استشكال تعريف الفلسفة و أجملوها‬
‫في ‪:‬‬
‫‪ -0‬كثرة التعاريف ‪:‬‬
‫إن مشكلة تعريف الفلسفة ال تكمن في عدم وجود تعريف لها ‪ ،‬بل في وجود العديد من التعاريف‬
‫املختلفة و املتباينة ‪ ،‬إذ كما الحظنا سابقا أن لكل فيلسوف تعريفه الخاص ‪ ،‬فالفالسفة اختلفوا في تعريفها‬
‫لنها قابلة لن تتحمل اكثر من داللة واحدة و ترفض أن تختزل في معنى – مفهوم وحيد ‪.‬‬
‫‪ -6‬الطابع الشخص ي لإلنتاج الفلسفي ‪:‬‬
‫عادة ما تتميز الفلسفة بالصبغة الشخصية ‪ ،‬حيث غالبا ما تلتي النتائج و حتى لانساق الفلسفية معبرة‬
‫عن و جهة نظر أصحابها ‪ .‬يقول نيتشه (‪ )4677 -4811‬في كتابه ' ما وراء الخيرو الشر ' ‪ " :‬اكتشفت شيئا‬
‫فشيئا ‪ ،‬أن كل فلسفة عظيمة كانت دائما إلى يومنا هذا عبارة عن اعترافات صاحبها و مذكراته سواء‬
‫قصد ذلك ‪ ،‬و كان واعيا به ‪ ،‬أم ال " ‪.‬‬
‫‪ -3‬ميوعة (اتساع) موضوع الفلسفة ‪:‬‬
‫يعد موضوع الفلسفة ذاته سبب من أسباب استشكال مفهومه الفلسفة و التباس مدلولها ‪ ،‬و ذلك‬
‫الهتمامها بمختلف القضايا و لاشكاليات مهما كان نوعها و اختلفت طبيعتها ‪ ،‬فموضوعاتها منذ القديم‬
‫استوعبت الوجود و املعرفة و القيم و الالهوت ‪ ...‬الخ ‪ ،‬و عليه فان شساعة مسائل الفلسفة جعل من‬
‫(‪)8‬‬
‫الصعوبة تحديد املعنى الدقيق لها ‪.‬‬
‫)‪ (8‬على العكس من العلوم فإن موضوعاتها محددة و دقيقة مما يجعل من السهولة تقديم تعريف واضح و صارم لكل فرع من فروعها ‪ ،‬فإذا أردنا تعريف‬
‫الرياضيات فإننا نقول أنها ذلك العلم العقلي املجرد الذي يهتم بدراسة املقادير القابلة للقياس من كم منفصل و متصل (جبر و هندسة)‪ ،‬و هي علم قائم على‬
‫مبدأ البرهنة و الاستدالل ‪.‬‬
‫]‪[7‬‬
‫‪ -4‬مستوى التقدم في العصر‪:‬‬
‫الفلسفة مرآة عصرها ‪ ،‬ما يعني أنها تتلثر بمختلف الظروف و املؤثرات املحيطة بها و خاصة منها التلثير‬
‫العلمي ‪ ،‬إذ يذهب البعض إلى أن فلسفة برجسون الحيوية إنما نبعت من التقدم الهائل الذي حققته علوم‬
‫الحياة ( البيولوجيا ) في النصف الثاني من القرن التاسع عشر و الثلث لاول من القرن املنصرم و أن‬
‫فلسفة ويليم جيمس البراجماتية و جون ديوي لاداتية ‪ ،‬إنما نشلتا في محيط التقدم التكنولوجي في‬
‫الواليات املتحدة الامريكية في أواخر القرن ‪46‬م و النصف لاول من القرن ‪ 17‬م‪.‬‬
‫‪ -6‬خصائص التفكيرالفلسفي ‪:‬‬
‫جاء وصف أفالطون لستاذه سقراط بلنه فيلسوف ملا يمتاز به من قدرة على النقد و منهج الحوار‬
‫و املناقشة الجيدة و النفاذ إلى املفاهيم املوضوعية ‪ ،‬و اليقين بطبيعة حقيقة الواقع ‪ ،‬وعلى ضوء ذلك‬
‫يمكن أن نلخص أهم خصائص التفكير الفلسفي فيما يلي ‪:‬‬
‫أ‪ -‬الحيرة أو الدهشة ( التعجب )‪:‬‬
‫الحيرة أو الدهشة حالة عقلية نفسية تصيب الانسان ‪ .‬تدعوه الى التوقف عن اصدار لاحكام اتجاه‬
‫خبرة يمر بها للمرة لاولى ‪ ،‬و من ثم فهي تعبر عن جهله املؤقت ‪ ،‬فيندفع متلمال و باحثا عن طبيعة هذه‬
‫الخبرة ‪ .‬و التفكير الفلسفي يتميز بلنه ينبثق من الحيرة و الدهشة التي تدفعه إلى الانشغال بالبحث عن‬
‫لاسباب البعيدة للظواهر الكونية و الحياة و للمعرفة و للوجود ‪ .‬و لهذا ع ّدت هذه الخاصية هي أولى‬
‫(‪)9‬‬
‫أسس التفكير الفلسفي و أصوله على حد تعبير أفالطون و أرسطو ‪.‬‬
‫‪ -6‬الشمولية ‪:‬‬
‫تعني الشمولية )‪ (Totalitarisme‬أن التفكير الفلسفي يمتاز بـ ـ ‪ :‬الكلية و العمومية معا مقارنة بالفكر‬
‫العلمي الذي يمتاز بالتخصص ‪ ،‬و يكتفي بالبحث في املواضيع الجزئية للظواهر و القضايا ‪ .‬فالفلسفة هي‬
‫محاولة إلدراك العالم في صورته الكلية و هو ما يتطابق و تعريف أرسطو لها يقول ‪ " :‬هي البحث في‬
‫الوجود بما هو موجود " ‪ ،‬و معنى هذا أن الفلسفة ال تتقيد بقسم واحد من الوجود كما تفعل العلوم‬
‫و إنما تدرس جميع املوجودات بغض النظر عن تعييناتها ( حية ‪ ،‬جامدة ‪ ،‬أرواح‪ ،‬غيب) و عليه فإن‬
‫)‪ (9‬لقد رأى افالطون قديما أن الدهشة أصل الفلسفة و ينبوع التفلسف حيث قال ‪ " :‬ينقل إلينا البصر منظر الكواكب و الشمس و قبة السماء و هو منظر‬
‫يدهشنا و يدعونا إلى تأمل الكون ‪ ،‬و من هذا الاندها نشأت الفلسفة ‪ ،‬و هي أعظم خير ‪ ،‬و هبة آلالهة لإلنسان الفاني " و يقول في نص آخر ‪ ":‬إن آلالهة ال‬
‫يتفلسفون ألنهم حاصلون على العلم ‪ ،‬أما إلانسان فوحده يتفلسف ‪،‬فتبدأ الفلسفة عنده بالدهشة "‪.‬‬
‫]‪[8‬‬
‫الفلسفة تكون تطمح من وراء ذلك إ لى محاولة فهم املبدأ الذي بدأ منه الوجود و كذا الغاية التي سينتهي‬
‫إليها ‪.‬‬
‫‪ -3‬املنهج ‪:‬‬
‫إن التفكير الفلسفي يمتاز باملنهجية و البعد عن العفوية‪ ،‬حيث يتميز املنهج الفلسفي بمراحل و خطوات‬
‫محددة يضعها الفيلسوف نفسه ‪ ،‬و املناهج الفلسفية تختلف باختالف الفالسفة أو املذاهب الفلسفية‬
‫و كلمثلة على ذلك نذكر ‪ :‬املنهج الشكي عند ديكارت ‪ ،‬املنهج الظواهري عند هوسرل ‪ ،‬املنهج التحليلي‬
‫عند رسل ‪...‬الخ ‪ .‬إال أنه تبقى تشترك في صفة واحدة أال و هي أن كل تلك املناهج ذات طابع تلملي – عقلي‬
‫و نقدي ‪.‬‬
‫‪ -4‬الشك ‪:‬‬
‫(‪)10‬‬
‫يعد الشك‬
‫صفة و خاصية فلسفية بامتياز و هو ما يؤكده التاريخ الطويل للفلسفة ( ما يناهز ‪12‬‬
‫(‪)11‬‬
‫قرن) ‪ ،‬حيث أن املواقف التي يخلص إليها أي فيلسوف هي بتلكيد نتيجة للشك في مواقف معاكسة ‪ ،‬ما‬
‫يعني أن التفكير الفلسفي ينبذ فكرة التسليم العشوائي بالفكار دون الارتياب فيها ‪ .‬و الشك الفلسفي البد‬
‫أن يكون شكا منهجيا غايته الوصول إلى الحقيقة و املعرفة اليقينية القائمة على الحجة و البرهان ‪.‬‬
‫‪ -3‬موضوع الفلسفة ‪:‬‬
‫يتخذ الفالسفة من املشكالت التي تمس مختلف نواحي الحياة موضوعا لنشاطهم الفكري ‪ ،‬فقديما اهتم‬
‫هؤالء بمحاولة فهم طبيعة الكون و لاشياء ‪ .‬فمثال تصور اليوناني طاليس ‪ 227 – 914( Thales‬ق‪.‬م) أن‬
‫أصل الكون هو املاء مادامت الحياة تتوقف على هذا العنصر الحيوي ‪ ،‬في حين اعتقد فيلسوف آخر و هو‬
‫أمبدوقليس ‪ 132 – 167 ( Ambdoklise‬ق‪.‬م) أن كل لاشياء ترجع إلى العناصر الطبيعية لاربعة و هي ‪:‬‬
‫املاء ‪ ،‬الهواء ‪ ،‬النار ‪ ،‬التراب و أن محرك هذه العناصر قوتان هما الحب و الكره ‪.‬‬
‫و إلى جانب الاهتمام بطبيعة لاشياء و الكون اهتم كذلك الفالسفة بمحاولة فهم طبيعة الانسان ‪ ،‬و قد‬
‫كان سقراط من السباقين لذلك من خالل مقولته الشهيرة ‪ " :‬أيها الانسان اعرف نفسك بنفسك‬
‫)‪ (10‬يعرف ديكارت الشك على أنه فعل من أفعال الارادة ‪ ،‬فهو ينصب على لاحكام ال على التصورات ‪ ،‬و لافكار ‪ ،‬لن التصورات من غير أحكام ال تسمى صادقة‬
‫أو كاذبة ‪ ،‬أما الجرجاني فيقول عنه ‪ " :‬و قيل الشك ما استوى طرفاه ‪ ،‬و هو الوقوف بين شيئين ال يميل القلب إلى أحدهما ‪ ،‬فإذا ترجح أحدهما و يطرح الاخر‬
‫فهو ظن "‪.‬‬
‫)‪ (11‬نشير هنا إلى أن مذهب أرسطو جاء كنقد لفلسفة أفالطون و التشكيك فيها ‪ ،‬و أن فلسفة ديكارت جاءت كرد على نسق أرسطو ‪ ،‬و نفس لامر ينطبق على‬
‫كانط الذي انتقد بشدة فلسفة ديكارت ‪ ،‬و هيجل الذي انتقد كانط ‪ ،‬و نظريات كارل ماركس التي حملت بشدة على مثالية هيجل ‪...‬الخ‬
‫]‪[9‬‬
‫‪ ، "connais-toi toi – même .‬مؤكدا أن الحقيقة ليست مجرد أمر فردي مثلما تصور السفسطائيون‬
‫) ‪ ( Les Sophistes‬الذين اعتبروا أن " الانسان مقياس ألاشياء كلها " إذ آمن سقراط بالعقل كعنصر‬
‫مشترك بين جميع الناس و كمقياس للحقيقة ال تتغير أحكامه و نتائجه بتغير الظروف ‪.‬‬
‫و لو أردنا أن نحصر املواضيع الفلسفية لوجدنا أن الفالسفة يبحثون في أربعة املشكالت( قضايا ) هي ‪:‬‬
‫‪ -0‬مشكالت املعرفة ‪ :‬و تشمل الابستمولوجيا و نظرية املعرفة و املنطق و فلسفة العلوم و فلسفة اللغة ‪.‬‬
‫‪ -6‬مشكالت الوجود ‪ :‬أو الواقع و تشمل امليتافيزيقا ‪ ،‬الوجود ‪ ،‬و علم الكونيات ( الكوسمولوجيا‬
‫ ‪. )La Cosmologie‬‬‫‪ -3‬مشكالت القيم ‪ :‬و تشمل مبحث القيم و فلسفة الجمال و فلسفة لاخالق و فلسفة الدين ‪.‬‬
‫‪ -4‬مشكالت املجتمع ‪ :‬و تشمل الفلسفة الاجتماعية و الاقتصادية و الفلسفة السياسية ‪.‬‬
‫هذه املشكالت كلها متشابكة متداخلة مترابطة فيما بينها و وظيفة الفلسفة أن تجعل من هذا التنوع‬
‫تناسقا في صورة فهم كلي للعالم و لذلك تسمى الفلسفة عند القدماء بالعلم الكلي أو علم العلوم ‪ ،‬من هنا‬
‫سنحاول أن نبين الحقا أهم مالمح هذه املشكالت ملا لها من أهمية كبرى فى اعطاء فهما أكثر لطبيعة التفكير‬
‫الفلسفي ‪.‬‬
‫و على الرغم من أن مواضيع أو قضايا التفكير الفلسفي قديمة إال أنها تظل تطرح في كل عصر بسبب‬
‫كونها أصيلة و جوهرية و هي تلخذ في كل زمن مظهرا أو شكال جديدا يتناسب و الظروف و املستجدات‬
‫و املالبسات التي يتميز بها العصر ‪ ،‬و مع أن بعض املشاكل كان قد تم حلها إال أن هذه الحلول تثير من‬
‫جديد إشكاليات جديدة يقول كارل ياسبرس ‪ " : ) 4696 – 4883 ( K. Jaspers‬إن ألاسئلة في الفلسفة‬
‫أهم من ألاجوبة و يجب أن يتحول كل جواب إلى سؤال جديد " ‪.‬‬
‫‪ -4‬وظيفة الفلسفة ‪:‬‬
‫إن املتلمل لتاريخ الفلسفة يكتشف أن وظيفة الفلسفة حكمتها تغيرات من عصر إلى آخر ‪ ،‬ومن مجتمع‬
‫إلى آخر ‪ .‬ال لش يء إال ملحاولة التماش ي مع ما دعت و تدعو إليه ظروف الحياة و مالبساتها ‪ ،‬و على هذا‬
‫النحو تكون الفلسفة اليونانية قبل سقراط قد ركزت على ما يعرف بالبحث في الطبيعة و الكون أي عالم‬
‫الطبيعة املادي ‪ ،‬و من أمثلة ذلك املدرسة املالطية ( طاليس ‪ ،‬انكسمندريس ‪ ،‬انكسمانس) التي كثفت‬
‫البحث عن مبدأ و أصل نشلة الكون ‪ :‬املاء‪ ،‬الهواء ‪ ،‬التراب ‪ ،‬النار إلى جانب هيرقليطس و الفيثاغوريين‬
‫و إلايليين ‪...‬الخ‬
‫]‪[10‬‬
‫إال أن سقراط و في سياق الفلسفة اليونانية ح ّول التفكر الفلسفي اليوناني من التلمل املجرد و النظري‬
‫في املسائل الطبيعية و ما ارتبط بها من مسائل اخرى إلى التلمل في الانسان ‪ .‬ليكون هذا الفيلسوف لحظة‬
‫فارقة في تاريخ الفلسفة اليونانية ‪ .‬فالفلسفة بعد هذا التحول أصبحت تسكن لارض بعدما كانت تسكن‬
‫السماء إذ يصف شيشرون ‪ 13 -479( Ciceron‬ق‪.‬م) هذا الوضع بقوله ‪ " :‬إن سقراط هو من أنزل‬
‫(‪)12‬‬
‫الفلسفة من السماء إلى ألارض و أدخلها الى صميم املدن و البيوت " ‪ ،‬و هكذا يكون العصر اليوناني‬
‫وعن طريق العديد من الفالسفة يكون قد جمع في أطروحاته و تناوالته الفلسفية بين البحث في الطبيعة‬
‫( الكون ) و الانسان معا ‪.‬‬
‫(‪)13‬‬
‫و مع مجيء العصور الوسطى عرفت الفلسفة وظيفة جديدة تعد إلى حد ما قاسما مشتركا بين الشرق‬
‫و الغرب ‪ ،‬هذه الوظيفة تمثلت في محاولة التوفيق بين الوحي و العقل ‪ .‬فالفلسفة املسيحية في أوروبا مع‬
‫فالسفة الكنيسة ك ـ ـ ‪ :‬القديس توما الاكويني ‪ ،)4101 -4111( St. Thomas d'Aquin‬القديس أوغسطين‬
‫‪ ،)137 -321( St. Augustine‬القديس أنسلم ‪ ،)4476 - 4733( St. Anselme‬كانت ترغب آنذاك في‬
‫محاولة املطابقة بين العقل و الدين و ال أدل على ذلك من ظهور الفكر املدرس ي الذي راح يجمع و يؤلف‬
‫بين تعاليم املسيحية الدينية و آراء أرسطو الفلسفية ‪.‬‬
‫و ال يختلف حال الفلسفة لاسالمية كثيرا عن سابقتها ‪،‬إذ حاول الفالسفة املسلمون أن يربطوا بين‬
‫الفلسفة و لا سالم ‪ :‬الكندي‪ ،‬الفارابي ‪ ،‬ابن سينا ‪ ،‬ابن رشد ‪...‬الخ ‪ .‬هذا لاخير الذي لخص العالقة‬
‫القوية بين الفلسفة و الدين من خالل مؤلفه ' فصل املقال و تقريرما بين الحكمة و الشريعة من اتصال '‬
‫و الذي ّ‬
‫ضمن فيه معنى الفلسفة إذ يقول ‪ " :‬فعل الفلسفة ليس شيئا أكثر من النظر في املوجودات‬
‫و اعتبارها من جهة داللتها على الصانع ‪ ،‬أعني من جهة ما هي مصنوعات فإن املوجودات إنما تدل على‬
‫الصانع ملعرفة صنعتها و أنه كلما كانت املعرفة بصنعتها أتم كانت املعرفة بالصانع أتم " ‪.‬‬
‫و ابتداء من القرن ‪ 42‬م أي مدخل عصر النهضة لاوروبية اتجهت الفلسفة نحو وظيفة جديدة هي‬
‫محاولة احياء التراث الفلسفي اليوناني ‪ -‬الروماني ‪ ،‬و كذا الاعتزاز بمكانة العقل و دوره الذي استبعد‬
‫)‪ (12‬ابتدع هنا سقراط طريقة جديدة في التفكير الفلسفي من خالل املنهج خاصته " التهكم و التوليد " و هو منهج حواري قائم على طرح لاسئلة على الناس في‬
‫الشوارع و لاسواق مدعيا الجهل بحقائق لامور و بعد الفراغ من اجوبتهم يقوم بنقدها و اعادة تقويمها ليكتشفوا في لاخير أنهم كانوا يجهلون حقائق لاشياء‬
‫و هذه الطريقة أو املنهج أسسه سقراط ملحاربة الفلسفة السفسطائية التي شاعت بين لاثينيين أنذاك و كان ال هم لها إال الجدل و النقاش حول مختلف‬
‫املوضوعات دون فائدة مرجوة مما تمخض عن ذلك تعدد الحقائق بتعدد لاشخاص ‪ ،‬فلكل حقيقته الخاصة ‪.‬‬
‫)‪ )13‬تمتد العصور الوسطى )‪ ) Le Moyen âge‬من القرن الخامس للميالد من سنة ‪ 109‬م تاريخ انهيار الحضارة الرومانية و انتصار املسيحية إلى غاية سقوط‬
‫الحضارة البيزنطية في الشرق على يد لاتراك عام ‪ 4123‬م ‪ .‬بمعنى أنها استمرت حوالي ألف سنة ‪ ،‬وهي تسمى بهذه التسمية لنها تشكل الفترة الوسيطة التي‬
‫تفصل بين الحضارة اليونانية – الرومانية و بين العصور الحديثة ‪.‬‬
‫]‪[11‬‬
‫(‪)14‬‬
‫و أقص ي في العصور الوسطى‪ .‬و في القرن ‪ 40‬م أي بداية العصر الحديث و تلكيدا على قدرة العقل‬
‫و مكانته ‪ .‬أصبحت الفلسفة تركز بشكل كبير على ما يسمى باإلشكاليات املعرفية (أي إشكالية العلم)‬
‫و التقليل من حدت الاهتمام بمسللة الوجود ‪.‬‬
‫(‪)15‬‬
‫ّ‬
‫و هكذا مثلت نظرية املعرفة الفلسفية ‪ ،‬أي دراسة طبيعة املعرفة ‪ ،‬مصادرها ‪ ،‬أشكالها ‪ ،‬حدودها‬
‫ّ‬
‫و مناهجها في العصر الحديث مثلت محور اهتمام الفكر الفلسفي بلكمله ‪ ،‬و ال أدل على ذلك من أعمال‬
‫كل من فرانسيس بيكون ‪ ' )4919-4294(F. Bacon‬ألاورغانون الجديد ‪ ، ' 0261‬رينيه ديكارت‬
‫‪' (1650 -1526) R. Descartes‬مقال في الطريقة ‪ . '0232‬ليلتي بعد ذلك القرن ‪ 48‬م أي عصر لانوار‬
‫(‪ ) Le Siècle des Lumières‬و الذي تميز بالدعوة إلى فكرة التقدم ‪ ،‬و تحدي التقليد و السلطة الدينية‬
‫و لايمان بالعقل و الدعوة إلى التفكير ‪ .‬و قد كان كل هذا تحت طائلة مقال نشره لاملاني كانط ‪I. Kant‬‬
‫(‪)16‬‬
‫(‪ )4871 - 4011‬سنة ‪ 4081‬تحت عنوان ‪ ' :‬ما ألانوار ؟ ‪' Qu’ est – ce que les lumières ? -‬دعا‬
‫فيه الى الشجاعة في استخدام العقل على أنه في ذات الوقت حدد ‪ -‬أي كانط ‪ -‬دور الفلسفة الفعلي و الذي‬
‫يكمن في لاجابة عن ثالثة أسئلة مركزية هي ‪ :‬ماذا يمكنني أن أعرف ؟ ماذا يمكنني أن أفعل؟ ماذا يمكنني أن‬
‫آمل فيه؟‬
‫أما كارل ماركس ‪ )4883 -4848( K. Marx‬فيرى أن مذاهب الفلسفة منذ ماضيها السحيق كانت قد‬
‫اقتصرت على تفسير طبيعة العالم بطرق شتى و لاحرى أن تكون مهمة الفلسفة هي العمل على تغييره‬
‫و بتغيير العالم يغير الناس أنفسهم و يستحدثون قوانين جديدة تهيمن على مجرى التاريخ ‪ ،‬و ذلك عن‬
‫طريق الاكتشافات العلمية ( النظرية املادية ) يقول ‪ " :‬إن الفالسفة لم يفعلوا شيئا سوى تقديم‬
‫تفسيرات نظرية للواقع و في الحقيقة يجب تغييره بقصد إلغاء املآس ي و املظالم " ‪.‬‬
‫أما الفلسفة املعاصرة فقد عرفت أو بالحرى تعرف دوران مختلفان و هذا راجع للتيارات الفلسفية‬
‫املعاصرة ‪.‬التيار لاول ‪ :‬و هو ما يعرف بالفلسفة التحليلية ) ‪ (La Philosophie Analytique‬و يمثلها كل‬
‫)‪ (14‬سمي العصر الحديث )‪ ( temps moderne‬بهذا الاسم لنه أحس بالتفوق حتى على اليونان و الرومان ‪ ،‬أي الانقالب على التصور الدوري للحضارة الذي‬
‫كان يرى في الحضارة اليونانية ‪ -‬الرومانية ذروة الحضارة الانسانية ‪ ،‬ف النجاحات التي حققها كل من العلم و الفلسفة على يد كل من كوبرنيكوس ‪ ،‬و غاليلي‬
‫و ديكارت و غيرهم تعتبر حديثة و متفوقة على ما توصلت إليه تلك الحضارة ‪.‬‬
‫)‪ (15‬ابتداء من العصر الحديث القرن ‪ 40‬م و بالضبط مع كل من بيكون و ديكارت و كانط أصبحت نظرية املعرفة تحتل مركز الصدارة في أبحاث و مناقشات‬
‫ّ‬
‫الفالسفة مقارنة مع بقية موضوعات الفلسفة و نقصد هنا نظرية الوجود ‪ ،‬و هذا يرتبط بالعصور الوسطى التى مثلت مشكلة حقيقية بالنسبة للعقل الغربي‬
‫عموما و لاوروبي خصوصا ‪،‬إذ أن الفكر الديني الذي كان سائدا آنذاك قوض من قدرات العقل و امكاناته مما أثر سلبا على الحياة العامة ‪ ،‬لامر الذي ّ‬
‫سرع من‬
‫مسللة ايجاد منهجية حقيقة و فكر معقول يخرج الغرب ‪ -‬أوروبا مما هما فيه من تخلف ‪.‬‬
‫)‪ (16‬تناول كانط في هذا املقال ' مفهوم لانوار ' و اعتبر أن سيادة العصور الوسطى و رجال الكنيسة إنما يرجعان إلى عدم قدرة الناس على التفكير في أنفسهم‬
‫ليس بسبب ضعف تفكيرهم ‪ ،‬ولكن بسبب افتقارهم إلى الشجاعة ‪ ،‬و تناول كانط في هذا املقال ‪ :‬أسباب نقص لانوار ‪ ،‬شروط لانوار ‪ ،‬إلغاء أبوية الدولة‬
‫و الكنيسة ‪ ،‬منح الحرية في استعمال العقل ‪ ،‬لايمان بفكرة التقدم ‪ ،‬نبذ التقليد و التنكر له ‪.‬‬
‫]‪[12‬‬
‫من ‪ :‬برترند رسل ‪ ،‬ج‪.‬إدوارد مور ‪ ،‬كواين ‪ ،‬سيرل ‪...‬الخ و هي تنظر للنشاط الفلسفي على أنه تحليل‬
‫منطقي للغة ‪ ،‬حيث أن الفيلسوف له هدف واحد و محدد أال و هو تحديد و تحليل املفاهيم التي نستعملها‬
‫في سياق العلم‪ ،‬التاريخ ‪ ،‬الرياضيات ‪ ،‬السياسة ‪ ،‬اللغة ‪ ،‬الدين ‪...‬الخ و ذلك باستخدام أدوات البرهنة‬
‫املستوحاة من املنطق‪ .‬أما عن التيار الثاني ‪ :‬فتمثله الفلسفة القارية أو التأملية ‪(La Philosophie‬‬
‫) ‪ Continentale‬التي تنظر ملهمة الفلسفة على أساس تركيب املعارف الانسانية من أجل نظرية واحدة‬
‫شاملة للواقع باإلضافة إلى محاولة صياغة نظام موحد للقيم الانسانية ‪ ،‬الدينية ‪ ،‬املعرفية ‪ ،‬الجمالية‬
‫‪...‬الخ و يمثل هذا التيار ‪ :‬مارتن هيدغر ‪ ،‬جون بول سارتر‪ ،‬موريس ميرلوبونتي ‪ ،‬ميشال فوكو ‪ ،‬جاك‬
‫ديريدا ‪....‬الخ‬
‫و ال ينبغي في هذا السياق أن ننس ى مهمة الفلسفة في العالم العربي و الاسالمي لان و منذ القرن ‪ 46‬م هي‬
‫مهمة واحدة تتمثل في محاولة فهم و استيعاب اشكالية التخلف و الانحطاط الحضاريين ‪.‬‬
‫و هكذا و كنتيجة حاسمة في نهاية تحليل وظيفة الفلسفة عبر مختلف الحقب و لازمنة التاريخية‬
‫نستطيع القول أن مهمة الفلسفة لم تعد منحصرة في مجرد حب الحكمة كما ظهرت في البداية ‪ ،‬بل‬
‫أضحت الفلسفة و دور الفيلسوف يتمثل في انتاج الحكمة ‪.‬‬
‫‪ -5‬عالقة الفلسفة باملعارف و العلوم ‪:‬‬
‫أ‪ -‬عالقة الفلسفة بالدين ‪:‬‬
‫طبيعة العالقة بين الفلسفة و الدين هي بحق مسللة تستحق الاهتمام و الدراسة و هذا للطبيعة‬
‫التاريخية لتلك العالقة ‪ ،‬فقد استخدمت بالفعل ‪ -‬أي الفلسفة ‪ -‬عند قدماء الشرقيين كلداة لخدمة الدين‬
‫و تلكيد املعتقدات الدينية ‪ ،‬و استخدمت في العصور الوسطى كلداة للتوفيق بين العقل و النقل‬
‫( الوحي ) أو بين الحكمة و الشريعة ‪ ،‬و استخدمها علماء الالهوت في الغرب و علماء الكالم في لاسالم‬
‫للدفاع عن العقيدة الدينية ‪.‬‬
‫فقد رأى القديس أنسلم ‪ St. Anselme‬مثال أن لايمان ضروري للعقل و شرط أساس ي لصحة التفكير‬
‫و في أوروبا في العصور الوسطى حدد علم الالهوت"‪ "La Théologie‬مهمته في البحث في مسللة لالهيات‬
‫بصورة منطقية و بالتحليل العقالني ‪ ،‬وهذا لفهم العقيدة املسيحية و الدفاع عنها في وجه الانتقادات‬
‫املوجهة إليها ‪ ،‬مع محاولة تسهيل لاصالح الديني و نشر املسيحية و هذا على غرار ما فعله لاملاني مارتن‬
‫لوثر ‪ )4219 -4183 ( M. Luther‬مؤسس املذهب البروتستانتي ‪.‬‬
‫]‪[13‬‬
‫أما في لاسالم فإن العالقة بين الفلسفة و الدين فتظهر في ذلك العلم الذي أسسه الفالسفة املسلمون‬
‫(‪)17‬‬
‫و هو علم الكالم ( الفقه لاكبر – علم التوحيد) ‪ .‬حيث ذهب هؤالء للدفاع عن العقيدة لاسالمية‬
‫بواسطة الكالم أو القول الفلسفي أو عن طريق الحجاج الفلسفي و البرهان العقلي و ال أدل على هذه‬
‫العالقة من موقف فيلسوف قرطبة القاض ي أبي الوليد ابن رشد يقول ‪ " :‬فعل الفلسفة ليس شيئا أكثر‬
‫من النظر في املوجودات و اعتبارها من جهة داللتها على الصانع ‪ ،‬أعني من جهة ما هي مصنوعات فإن‬
‫املوجودات إنما تدل على الصانع ملعرفة صنعتها و أنه كلما كانت املعرفة بصنعتها أتم كانت املعرفة‬
‫بالصانع أتم " ‪ .‬و يضيف ابن حزم بقوله ‪ ":‬الفلسفة على الحقيقة إنما معناها و ثمرتها ‪ ،‬و الغرض‬
‫املقصود نحوه بتعلمها ‪،‬ليس شيئا آخر غير إصالح النفس بأن تستعمل في دنياها الفضائل و حسن‬
‫السيرة املؤدية إلى سالمتها في املعاد و حسن سياستها للمنزل و الرعية ‪ ،‬و هذا نفسه ال غيره هو الغرض‬
‫من الشريعة و هذا ما ال خالف فيه بين أحد من العلماء بالفلسفة و ال بين العلماء بالشريعة " ‪.‬‬
‫و إلى جانب كل ما قيل فإننا نشير إلى أنه يوجد تخصص فلسفي هو فلسفة ألاديان و التي تبحث في‬
‫املفاهيم الكلية التي يستخدمها علم الالهوت و تدرسها دراسة نقدية مثل مفهوم ‪ :‬هللا ‪ ،‬عالقة هللا‬
‫بمخلوقاته ‪ ،‬مفهوم النفس ‪ ،‬خلودها ‪...‬الخ و ذلك من أجل اثبات وجودها أو انكارها أو اعطاءها صورة غير‬
‫الصورة التي رسمها لها الوحي و الدين ‪.‬‬
‫ب‪ -‬عالقة الفلسفة بالعلوم ‪:‬‬
‫إن طبيعة العالقة بين الفلسفة و العلم تظهر من خالل مستويين هما ‪:‬‬
‫املستوى ألاول ‪ :‬أن الانسان كلما طرح أسئلة – كعادته – و ّ‬
‫حصل من ورائها إجابات ناجحة ثابتة و دقيقة‬
‫شكلت هذه لاجابات جانبا من رصيده في املعرفة العلمية أي صارت و أصبحت علما ‪ .‬و من هنا فكل‬
‫املوضوعات العلمية الراهنة كانت تعتبر جزء من الفلسفة و مثال ذلك أن الفلسفة في بحثها عن املادة‬
‫و تركيبها وتفسيرها كانت تشمل الفيزياء ‪ ،‬الكيمياء ‪ ،‬الطب و البيولوجيا ‪...‬الخ ‪ ،‬و الفلسفة في مسعاها‬
‫املتعلق بمحاولة فهم العقل و النفس كانت تشمل ما أصبح يسمى اليوم علم النفس ‪.‬‬
‫املستوى الثاني ‪ :‬إن ما يسمى لان بفلسفة العلوم )‪ (Philosophie des Sciences‬لهو دليل واضح على‬
‫مدى متانة و قوة الارتباط بين الفلسفة و العلم ‪ .‬هذه الفلسفة عبارة عن حركة نقدية تحليلية ملبادئ‬
‫ومفاهيم و مناهج العلم ‪ ،‬و تشكل النظريات العلمية و مسارها التاريخي ‪ ،‬ومن بين لاسئلة التي تطرحها‬
‫فلسفة العلوم ‪ :‬ما هي العالقة بين القانون العلمي و املالحظة و التجربة ؟ ما هو الفرق بين املعرفة العلمية‬
‫(‪ )17‬علم الكالم هو ذلك الجهد العقلي – النظري الذي يهدف للدفاع عن العقيدة لاسالمية بلدلة عقلية في وجه خصومها ‪ ،‬و يتناول وجود هللا‬
‫و صفاته(التوحيد) لافعال لالهية و الانسانية(العدل)‪ ،‬الرساالت السماوية و الوحي (النبوة)‪ ،‬مصير لانسان بعد املوت (املعاد)‪ ،‬حكم لامة(لامامة) ‪.‬‬
‫]‪[14‬‬
‫في العلوم الطبيعية و املعرفة العلمية في العلوم الاجتماعية ؟ هل املعرفة العلمية مبنية على التراكم‬
‫و التواصل أم أنها تقوم على نوع من الثورات العلمية و القطيعة املعرفية ؟ هل املعرفة العلمية مطلقة أم‬
‫نسبية ؟ إن كل هذه الاشكاليات و غيرها هو ما يمثل صميم العالقة الجوهرية و التاريخية بين الفلسفة‬
‫و العلم ‪.‬‬
‫هذا ونشير إلى أنه ثمة عالقة وطيدة بين مختلف العلوم الانسانية و الفلسفة ‪ .‬رغم الانفصال النسبي‬
‫(‪)18‬‬
‫بينهما ‪ .‬فعلم السياسة على سبيل املثال هو ذلك العلم الذي يدرس عامة حقوق و واجبات لافراد‬
‫و عالقة لافراد بالسلطة في اطار الحكومة و املؤسسات السياسية و العمليات التي ترتبط بها ‪ ،‬حيث يستند‬
‫علم السياسة في نشلته الى محاورة السياسة لفالطون و كتاب السياسة لرسطو ‪ ،‬باإلضافة الى أنه تطور‬
‫على يد فالسفة من أمثال ‪ :‬ميكيافلي ‪ ،‬توماس هوبز ‪ ،‬مونتسكيو ‪ ،‬جون لوك ‪...‬الخ‬
‫اما عن عالقة الفلسفة بعلم التاريخ فتظهر من خالل ما يعرف بفلسفة التاريخ ( ‪Philosophie‬‬
‫‪) d'histoire‬التي تهتم بدراسة لاحداث التاريخية بهدف الكشف عن النظريات الفلسفية التي تفسر حركة‬
‫التاريخ و القوانين التي تتحكم في هذه الحركة و كنموذج عن الاشكاليات التي تطرحها فلسفة التاريخ في هذا‬
‫السياق نجد اشكالية تفسير التاريخ ‪ .‬فهناك من الفالسفة من ذهب الى تفسير التاريخ تفسيرا غائيا و هناك‬
‫من فسره تفسيرا روحيا ‪ ،‬و هناك من فسره تفسيرا ماديا‬
‫(‪)19‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -2‬قيمة الفلسفة ‪:‬‬
‫إن التشكيك في قيمة الفلسفة و التساؤل عن أهميتها ليس ظاهرة مستحدثة أفرزها التقدم العلمي في‬
‫العصور املتلخرة كما يعتقد البعض ‪ ،‬و لكن لامر قديم قدم التفكير الفلسفي ذاته ‪ .‬فقد انبرى أرسطو‬
‫منذ لازمنة لاغريقية للدفاع عن الفلسفة في وجه منتقديها ‪ .‬في هذا السياق نصادف موقفان تقليديان‬
‫متناقضان من الفلسفة هما كالتالي ‪:‬‬
‫املوقف ألاول و الذي يمثله املؤيدون أو املدافعون عن الفلسفة ‪ .‬إذ يرون فيها أنها توقظ العقل من‬
‫سباته و تدفعه الى التساؤل ‪ ،‬البحث ‪ ،‬التفكير ‪ ،‬النظر ‪ ،‬التدبر ‪ ،‬كما أنها ‪ -‬أي الفلسفة ‪ -‬تنظم عقل‬
‫)‪ (18‬استقلت الفيزياء عن الفلسفة في القرن السابع عشر بفضل غاليليو و ديكارت و نيوتن ‪ ،‬و استقلت الرياضيات في القرن السابع عشر أيضا ‪ ،‬و الكيمياء في‬
‫القرن الثامن عشر على يد الفوزييه ‪ ،‬و البيولوجيا على يد كل من برنارد و المارك في القرن التاسع عشر ‪ ،‬و أخيرا العلوم لانسانية و الاجتماعية في النصف الثاني‬
‫من القرن التاسع عشر علي يد اوجست كونت ‪.‬‬
‫)‪ )19‬هناك العديد من النظريات التي فسرت التاريخ من بينها نظرية التعاقب الدوري التي قال بها كل من ابن خلدون و فيكو ‪ ،‬و نظرية العناية الالهية عند‬
‫القديس اوغسطين ‪ ،‬و نظرية التقدم الانساني مع فولتير و كوندرسيه ‪.‬‬
‫]‪[15‬‬
‫الانسان وتضبط تفكيره يقول ديكارت ‪" :‬إن الفلسفة وحدها هي التي تميزنا عن ألاقوام املتوحشين‬
‫و إنما تقاس حضارة ألامم بمقدار شيوع التفلسف الصحيح فيها "‬
‫إن الفلسفة وسيلة لوعي الانسان بذاته ‪ ،‬و سبيل ملواجهة نفسه و في هذا يقول ياسبرز ‪ " :‬التفكير‬
‫الفلسفي يضع الانسان وجه لوجه أمام ذاته " ‪ .‬كما أن الفلسفة تقوي ملكة النقد و التمحيص و املوازنة‬
‫و تنلى بنفسها عن التقليد دون برهان أو دليل كما أنها تزود العقل بالقدرة على اثارة التساؤالت التي تفتح‬
‫املجال للتوصل إلى املعارف و لافكار الجديدة ‪ .‬و على العموم فإن الفلسفة تمكننا من أن نستشرف‬
‫لاهداف البعيدة التي تجاهد البشرية من أجل تحقيقها ‪ ،‬و تحفزنا على أن نساهم في تحقيقها ما استطعنا‬
‫إلى ذلك سبيال ‪.‬‬
‫أما بالنسبة للموقف الثاني فهو موقف املعادي للفلسفة و أطروحاتها و هذا من منطلق املقارنة بينها‬
‫و بين العلم ‪ .‬إذ في اللحظة التي يحقق فيها العلم تقدما مطردا ‪ ،‬و يفض ي إلى تطبيقات ذات نفع بالغ ‪ ،‬لم‬
‫تحرز الفلسفة أي تقدم يذكر ‪ ،‬و ليس لها تطبيقات عملية يقول برتراند رسل ‪ " :‬إن العلم النظري هو‬
‫محاولة فهم العالم أما العلم العملي فهو محاولة تغيير العالم" ‪ ،‬فالعلم استطاع في فترة وجيزة أن يخلص‬
‫أو يحرر الانسان من العديد من الحتميات في مقدمتها الحتمية الطبيعية و البيولوجية و غيرهما ‪.‬‬
‫و على هذا لاساس و مقارنة بين نتائج العلم و الفلسفة نكتشف أن هذه لاخيرة لم تحقق أي ش يء و هذا‬
‫ما يتطابق و وجهة نظر كانط ‪ .‬فالفالسفة منذ القديم و هم يتفلسفون حول مختلف القضايا و لكنهم لم‬
‫يستطيعوا حتى يحسموا لنا و لو قضية واحدة كمسللة خلود الروح من عدمها ‪ .‬و زيادة على ذلك فمنهج‬
‫الفلسفة النظري هو من يقرر أحكاما على لاشياء ‪ ،‬أي تحديد حقائقها ‪ ،‬و هو ما يجعلها صناعة نظرية‬
‫خالصة ال جدوى منها غايتها التحليل من أجل التحليل ‪ ،‬فالفيلسوف ال يبرح عالم التلمالت املجردة و صوغ‬
‫التصورات و لاطروحات النظرية ‪ ،‬إنه انسان حالم و هائم يحلق في السماء ال يكترث كثيرا بمعرفة الكيفية‬
‫التي يمكن أن يؤثر بها في الواقع الذي يؤمل في تغييره ‪ ،‬من هنا كانت الطريقة املجدية للوصول الى الحقائق‬
‫هي الاستعانة بالتجربة العملية ‪ ،‬فالعلم يجمع الوقائع و يصنفها و يحللها و هو ما يجعله يحتل مكان‬
‫الصدارة بين أنشطة الفكر البشري دون منازع‪ .‬وزيادة على ما سبق فالفلسفة تتميز بكثرة و اختالف آراء‬
‫الفالسفة و تناقض مواقفهم و مذاهبهم و تعارض أفكارهم إذ أن ذلك يسد الطريق أمام املطلع على هذه‬
‫املذاهب و محاولة فهمها ‪.‬‬
‫و أخيرا و ليس آخرا فالفلسفة غالبا ما تتعارض و الدين إذ أن قاعدة كل منهما مختلفة عن لاخر‬
‫فموقف الفلسفة نقدي – شكي و تمحيص ي ‪ ،‬أما بالنسبة للدين فإنه مبني على ضرورة التسليم املطلق‬
‫بالعقائد و ما جاءت به الكتب السماوية دون مناقشة و برهان ‪ ،‬و شتان بين املوقفين ‪.‬‬
‫]‪[16‬‬
‫و ختاما و مهما قيل عن أهمية و قيمة الفكر الفلسفي فإننا نقول أن هذا لاخير يبقى نشاطا بشريا‬
‫معترفا به له مجاله و تخصصه و تساؤالته و إشكاالته الخاصة التي يحاول لاجابة عليها بمناهجه و آلياته‬
‫التي يراها مناسبة ‪ ،‬و ال أدل على ذلك من محاولة إعادة بلورة الفكر الفلسفي كل مرة خاصة في املرحلة‬
‫املعاصرة أين تم رفض املفهوم التقليدي للفلسفة و الذي يختزلها في البحث النظري و كذا الاتجاه بها نحو‬
‫التطبيقات العملية و الحياتية محاولة فهم الانسان و العالم ‪.‬‬
‫]‪[17‬‬
‫املحور الثاني ‪ :‬قضايا الفلسفة ( مباحثها ) ‪.‬‬
‫تمهيد ‪:‬‬
‫إذا كانت الفلسفة محاولة إلدراك العالم في صورته الكلية بوسيلة الفكر ( النظري) ‪ ،‬فإن مجالها أعم‬
‫املجاالت وأكثرها تجريدا‪ ،‬لن مشاكل الفلسفة هي معاني لافكار لاساسية و حقيقتها ‪ ،‬و العالقات املنطقية‬
‫بين لافكار في هذه املشكالت التي يستعص ي على العلوم التجريبية الوصول لحل لها ‪ ،‬لن كل علم يخصص‬
‫جزء من الواقع موضوعا لبحثه ‪ ،‬أما الفلسفة كما ّ‬
‫عرفها أرسطو فإنها " البحث في الوجود بما هو موجود"‬
‫‪ ،‬إذ ال تتقيد بقسم واحد من الوجود كما تفعل العلوم ‪ ،‬و لذلك فإن تعريف أرسطو نستطيع أن نقول‬
‫عليه أنه ما يزال صالحا إلى غاية لان ‪ ،‬فهو يجعل من موضوع الفلسفة املبادئ القصوى لهذا الوجود‬
‫و غاياته البعيدة أيضا ‪ ،‬أي املبدأ الذي يبدأ منه هذا الوجود و الغاية التي ينتهي اليها ‪ ،‬و إذا كان هذا هو‬
‫حال الفلسفة و ال زال إلى غاية لان فإنه يمكن حصر املشكالت ‪ -‬القضايا ‪ -‬التي تعالجها فيما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬قضايا املعرفة ( الابستمولوجيا‪ : ) Epistémologie -‬و فيها تطرح الفلسفة تساؤالت متعلقة باملعرفة‬
‫الانسانية من حيث إمكانها ‪ ،‬مصادرها ‪ ،‬طبيعتها ‪ ،‬حدودها ‪ ،‬قيمتها ‪ ،‬وسائلها ‪ ،‬أنواعها‪...‬الخ‬
‫ب‪ -‬قضايا الوجود ( ألانطولوجيا‪ : ) Ontologie -‬و يبحث الفكر الفلسفي في هذه القضايا تلك املشاكل‬
‫املتعلقة بالوجود مثل ‪ :‬هل الوجود واحد أم متعدد ؟ كما تبحث الفلسفة هنا في ما يسمى بحقيقة‬
‫املوجودات و أدلة الوجود و العدم و الحرية و مسائل ما بعد الطبيعة‪...‬الخ‬
‫جـ ـ ‪ -‬قضايا القيم ( ألاكسيولوجيا ‪ : ) Axiologie -‬و هنا تتناول الفلسفة املشاكل املتعلقة بالقيم ‪ ،‬مثل‬
‫البحث في صحيح الفكر و فاسده ( علم املنطق )‪ ،‬و السلوك و نتائجه من حيث الخير و الشر ( علم‬
‫لاخالق ) ‪ ،‬و أخيرا تبحث الفلسفة في ذوق الانسان من حيث الجميل و القبيح ( علم الجمال ) ‪.‬‬
‫]‪[18‬‬
‫‪ -0‬نظرية املعرفة ‪: Epistémologie -‬‬
‫(‪)20‬‬
‫(‪)21‬‬
‫و تسمى نظرية املعرفة باالبستمولوجيا و ال يفرق الناطقون باالنجليزية بين املصطلحين‪ ،‬لكن‬
‫الفرنسيون ّ‬
‫يعبرون عن الابستمولوجيا بتلك املعرفة النقدية ملبادئ و فروض و نتائج املعرفة العلمية‬
‫و مناهجها و قيمتها و حدودها ‪ .‬و نظرية املعرفة كما ّ‬
‫عرفها 'روزنتال ‪ ' Rozanthal‬هي ‪ " :‬قسم هام من‬
‫النظرية الفلسفية و هي نظرية في مقدرة الانسان على معرفة الواقع و مصادر و أشكال و مناهج املعرفة‬
‫و الحقيقة و وسائل بلوغها " ‪ .‬و هكذا يمكن القول أن نظرية املعرفة تتناول ‪:‬‬
‫أ‪ -‬البحث في العالقة بين الفكر ( الذات‪ )Sujet -‬و الوجود ( املوضوع ‪ )Objet -‬من حيث لاسبقية أو‬
‫لاولوية ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬البحث في قدرة الانسان على تحصيل املعرفة و الوصول الى الحقيقة و مصادرها ‪ ،‬و لادوات املستعملة‬
‫في ذلك ‪.‬‬
‫ج ـ ‪ -‬تتناول نظرية املعرفة مشكلة الحقيقة و الحقيقة العلمية ‪.‬‬
‫تلك هي إذن أهم النقاط التي تتعرض لها نظرية املعرفة في تناولها ملسللة املعرفة و ما تعلق بها من‬
‫اشكاليات ‪ .‬هذه الاشكاليات يمكن أن نلخصها في لاسئلة التالية ‪:‬‬
‫‪ -4‬هل املعرفة ممكنة ؟ ‪ -1 /‬ما مصدر املعرفة ؟ ‪ - 3 /‬ما طبيعة املعرفة ؟‬
‫و عليه و بناء على تلك الاشكاليات التي تمثل محور املناقشات الفلسفية حول نظرية املعرفة فإننا‬
‫سنحاول بش يء من التحليل و املناقشة التطرق إلى كبريات النظريات الفلسفية التي تعرضت إلى ذلك ‪.‬‬
‫)‪ (20‬نظرية املعرفة '‪ ' Théorie de la Connaissance‬مصطلح أول من استعمله هو الفيلسوف لاملاني ' رينهولد ' ‪ ' Reynhold‬سنة ‪ 4086‬في كتابه ' أساس‬
‫العلم الفلسفي ' و ذلك في اطار الاهتمامات املعرفية للمدرسة الفلسفية لاملانية بوجه عام و املدرسة الكانطية بوجه خاص ‪ .‬كما نجد مصطلحا مرادفا له هو‬
‫النظرية العرفانية '‪ ' Gnoséologie‬و هي كلمة تتللف من ‪ = Gnose‬املعرفة و ‪ = Logie‬العلم و يكون املعنى الاصطالحي هو علم املعرفة أو النظرية العرفانية و هو‬
‫مصطلح مستخدم كثيرا من طرف املاركسيين و منهم ' لينين '‪ ' Lénine‬الذي حدد املحتوى املعرفي لهذا املصطلح في كتابه دفاتر فلسفية سنة ‪ 4642‬من خالل‬
‫عالقة الوحدة بين املنطق و نظرية املعرفة و الدياليكتيك ( الجدل) ‪.‬‬
‫)‪ (21‬الابستمولوجيا ‪ Epistémologie‬مصطلح جديد صيغ من كلمتين يونانيتين‪ .‬ابستمي ‪ Epistémé‬و معناها علم و لوغوس ‪ Logos‬و من معانيها علم ‪ ،‬نقد‬
‫نظرية دراسة ‪...،‬الخ‪ ،‬فاالبستمولوجيا إذن من حيث الاشتقاق اللغوي هي " علم العلوم" أو " الدراسة النقدية للعلوم " و هذا ما ال يختلف كثيرا عن معناها‬
‫الاصطالحي ‪.‬‬
‫]‪[19‬‬
‫‪ - 0-0‬إمكانية املعرفة ‪:‬‬
‫يقصد بإمكان املعرفة حدودها‪ ،‬وما هو املدى الذي يستطيع الانسان أن يبلغه بعلمه لو مكنته ظروف‬
‫التحصيل من ذلك ‪.‬‬
‫أ ‪ -‬املذهب الشكي ( الالأدريين ‪: ) Scepticisme‬‬
‫للنزعة الشكية في التفكير الفلسفي جذور عميقة بحيث تمتد إلى غاية مرحلة ما قبل سقراط‪ ،‬فلقد شك‬
‫بارمنيدس ‪ 117 – 242 ( Parménide‬ق‪.‬م ) في املعرفة الحسية ‪ ،‬كما شك هيرقلطس ‪– 239 ( Héraclite‬‬
‫‪ 107‬ق‪.‬م ) في املعرفة العقلية ‪ ،‬و اعتبر أن كل ش يء متغير يقول ‪ " :‬ال يستطيع الانسان أن يعبر النهر‬
‫مرتين"‪.‬‬
‫كما شك أيضا السفسطائيون ( حوالى القرن ‪ 2‬ق ‪.‬م ) في الحقائق و اعتبروا أنها فردية متغيرة ‪ ،‬متعددة‬
‫نسبية ‪ ،‬تختلف باختالف لافراد فـ ـ ‪ " :‬إلانسان مقياس ألاشياء كلها " فيما يقول بروتاغوراس‬
‫‪ 117 – 167( Protagoras‬ق‪.‬م) ‪.‬‬
‫و يعود ظهور الشك في صيغته الفلسفية تاريخيا إلى املدرسة الشكية أو املدرسة البيرونية ( نسبة إلى‬
‫مؤسسها بيرون) ‪ 107 - 397( Pyrrhon‬ق‪.‬م) التي اعتقدت أن العقل الانساني عاجز عن فهم الحقيقة‬
‫– أي حقيقة لاشياء – لن لاشياء تظهر مختلفة لفراد مختلفين ‪ ،‬و عليه فكيف لنا أن نعرف اليقين ؟‬
‫و مادام لامر كذلك أي ليس من املمكن التلكد من لاشياء وجب علينا تعليق الحكم ( ‪Suspension de‬‬
‫) ‪ jugement‬أي التوقف عن اصدار لاحكام حول املوضوعات و القضايا ‪.‬‬
‫و يعترف أبو حامد الغزالي ( ‪ ) 4444 – 4726‬يعترف بدور الشك ( املعتدل – املنهجي) في عملية املعرفة إذ‬
‫يقول في آخر كتابه ميزان العمل ‪ " :‬من لم يشك لم ينظر و من لم ينظر لم يبصر و من لم يبصر يبقي في‬
‫العمى و الضالل " ‪ ،‬و قد شك الغزالي شكا منهجيا لم يخش ى فيها النتيجة املترتبة ‪ ،‬فهو لم يشك فقط في‬
‫املحسوسات بل حتى في املعقوالت وهو ما تحدث عليه في كتابه املنقذ من الضالل ‪.‬‬
‫كما اعتمد رينيه ديكارت ‪ ) 4927 – 4269 (R . Descartes‬على الشك املنهجي الذي يستهدف بلوغ اليقين‬
‫وهو شك قائم على مبرر رفض ما لم يثبت بصفة يقينية ‪ ،‬بديهية و واضحة يقول في كتابه' مقال الطريقة '‬
‫ّ‬
‫فكرت أن من الو اجب ّ‬
‫علي أن أطرح جانبا كل ما قد أتخيله موضع‬
‫(‪" : )Discours de la Méthode‬‬
‫شبهة و ارتياب ‪ ،‬و أن أشطبه بوصفه فاسدا بإطالق و ذلك ألرى ما سيبقى لي بعد ذلك من أمر ثابت‬
‫و صحيح ‪ ،‬و يكون قابال للثقة الكاملة " ‪ ،‬وقد شك ديكارت في كل املوضوعات ‪ :‬في املعارف التي تلقاها عن‬
‫أساتذته ‪ ،‬في الحواس ‪ ،‬في جميع لافكار ‪ ،‬لادلة الرياضية ‪.‬‬
‫]‪[20‬‬
‫و ال ننس ى في هذا السياق الشك الذي أقامه لاملاني كانط ‪ ) 4871 – 4011 (I. Kant‬على املعرفة ‪ ،‬حيث‬
‫ميز بين نوعين من العوالم‪ ،‬أوال عالم الظواهر (‪ ،)Phénomènes‬و فيه تكون املعرفة ممكنة جدا و هو‬
‫عالم الطبيعة أو الخبرة املمكنة و ثانيا عالم الظواهر في ذاتها )‪ (Noumènes‬و تكون فيه املعرفة غير‬
‫ممكنة و كل ما يمكننا ازاء هذا لاخير هو التسليم بظواهره و معارفه مثلما نسلم بوجود حقائق‬
‫ميتافيزيقية ‪ :‬وجود هللا ‪ ،‬النفس ‪ ،‬خلودها ‪ ...‬الخ‬
‫أما عن فكرة الشك في الفلسفة املعاصرة فإننا نجد جورج سنتيانا ‪) 4623 – 4893 ( G. Santayana‬في‬
‫كتابه ' الشك وإيمان الحيوان' حاول أن يعيد النظر في نظريات املعرفة التي عرقلت نمو و تطور الفلسفة‬
‫و قد تبين له أن أسوأ ما يقع فيه الفكر هو قبوله لاراء التقليدية قبوال أعمى ‪ ،‬لهذا فهو يبدأ بالشك ‪ ،‬و قد‬
‫كان مستعدا للشك في كل ش يء يقول ‪ " :‬يصل الينا العالم الخارجي من خالل الحواس ‪ ،‬فيمتزج بصفاتها‬
‫و خصائصها ‪ ،‬و تأتي لنا الحوادث املاضية عن طريق الذاكرة التي تؤثر فيها الرغبة و تلونها كما تشاء‬
‫إذن فالعالم كما يظهر لنا و املاض ي كما نذكره قابالن للشك " ‪ ،‬و يثق سنتيانا في تجربة اللحظة فحسب‬
‫فهذه الصورة و هذا اللون و هذا الطعم و هذه الرائحة ‪ ،‬و هذه الصفة كل تلك الامور و غيرها هي العالم‬
‫الحقيقي و ادراكها يكشف عن الجوهر ‪.‬‬
‫ب‪ -‬املذهب الوثوقي أو النزعة التوكيدية ( الدوغمائية ‪: ) Dogmatisme‬‬
‫تطلق صفة النزعة التوكيدية ‪ -‬الدوغمائية على كل مذهب لم يمهد لطروحاته و أفكاره بالتحليل‬
‫و املناقشة و النقد الكافي ‪،‬و ترى هذه النزعة أن املعرفة الانسانية ال حد لها تقف عنده ‪،‬فإن قصر‬
‫الانسان في معرفة الكون بكل ما فيه ‪ ،‬فما ذلك لقصور في طبيعة عقله أو طبائع لاشياء ‪ ،‬إنما هو قصور‬
‫مرهون بزوال العوائق فيزول ‪.‬‬
‫و الدوغمائيون أو الوثوقيون هم بصفة عامة أصحاب املذهب العقلي و التجريبي على السواء ‪ ،‬فكال‬
‫املذهبان ‪ -‬قبل كانط ‪ -‬كان يعتقد في مصدر املعرفة التي يلخذ به ‪ ،‬و ال يرى مانعا في أن يستقي من ذلك‬
‫املصدر علما بكل ش يء ‪ .‬اذ يذهب هؤالء الى الايمان ايمانا حقيقيا و مطلقا بصدق آرائهم ‪ ،‬و بلن ما عادهم‬
‫وهم باطل ‪ ،‬فمذهب و رأي الفيلسوف هما من يمثل الحقيقة ‪ .‬وأن الحقائق في نظرهم ال تتغير بتغير‬
‫الزمان و املكان‪.‬‬
‫و يعد لاملاني كانط أول من انتبه إلى هذه النزعة و انتقدها بشدة من خالل مذهبه النقدي ‪ ،‬و نشير هنا‬
‫إلى أن هناك أنواعا من النزعة الدوغمائية ‪ ،‬فهناك الدوغمائية الساذجة و التي يمثلها رجل الشارع‬
‫]‪[21‬‬
‫و هناك الدوغمائية املادية التي تدافع عن لايمان بالواقع املادي (العلم)‪ ،‬و هناك الدوغمائية‬
‫الدينية‬
‫(‪)22‬‬
‫‪ .‬و أخيرا هناك الدوغمائية الفلسفية ‪.‬‬
‫‪ - 6-0‬مصدراملعرفة ‪:‬‬
‫أ – إلاتجاه العقالني ‪: Rationalisme‬‬
‫تطلق العقالنية )‪ (Le Rationalisme‬على التيار الفلسفي الذي يقر أن العقل هو مصدر املعرفة‬
‫الحقيقية ‪ ،‬و ترفض العقالنية كل ما هو مخالف للعقل أو ما يعجز العقل عن تفسيره ‪ ،‬و يتمسك رواد‬
‫هذا املذهب بالقول أن العقل وهو قوة أو ملكة ( ‪ )Faculté‬فطرية تضم العديد من املبادئ البعيدة عن‬
‫التجربة و الخرافة ‪ :‬مبدأ الذاتية ‪ ،‬التناقض ‪ ،‬الثالث املرفوع السببية ‪...‬الخ ‪ ،‬هذه املبادئ و غيرها من‬
‫‪23‬‬
‫املبادئ فطرية ‪ ،‬عامة ‪ -‬كلية ‪ ،‬مطلقة ‪ ،‬ضرورية ( )‪ ،‬و هي ليست محل اكتساب تجريبي ‪ ،‬و إنما هي قائمة‬
‫في العقل منذ نشلته ‪ ،‬و عليه تصبح لاوليات أو البديهيات العقلية حقائق واضحة بذاتها ‪ ،‬و من ثمة كانت‬
‫صادقة في كل زمان و مكان ‪.‬‬
‫و يعتبر أب الفلسفة الحديثة رينيه ديكارت مؤسس املذهب العقالني في الفلسفة لاوروبية الحديثة ‪ ،‬لنه‬
‫رد للعقل سلطته الحقيقية بعد تهديمها من طرف املدرسة الشكية ‪ ،‬كما رفض ديكارت السلطة الدينية‬
‫التي فرضتها الكنيسة ‪ ،‬و رفض ديكارت النسق الارسطي كمصدر من مصادر املعرفة ‪ ،‬و قام برد الحقيقة‬
‫و كل الحقيقة الى العقل وحده ‪ ،‬جاعال من البداهة و الوضوح معيارا للخطل و الصواب ‪.‬‬
‫و في كتابه ' مقال الطريقة ' (‪ )0232‬حدد ديكارت املنهج العقالني من خالل أربعة خطوات أساسية هي ‪:‬‬
‫‪ -4‬البداىهة ‪ -1‬التحليل ‪ -3 ،‬التركيب ‪ -1 ،‬الاحصاء ‪ ،‬و يلخص أسلوب املعرفة العقالنية من خالل عمليتين‬
‫(‪)24‬‬
‫عقليتين محضتين هما الحدس و الاستنباط‬
‫‪.‬‬
‫)‪ (22‬يعتبر القديس أنسلم ‪ ) 4476 – 4733 ( St. Anselme‬من أبرز الدوغمائيين املتدينين ‪ ،‬و يقرر أنه ال بد من أن يترسخ لدينا الايمان قبل اقامة البرهنة‬
‫العقلية ‪ ،‬و عليه كان الايمان هو املعطى لاول الذي يتم الانطالق منه ‪ ،‬و التعقل يفترض مبدئيا وجود الايمان ‪ .‬أي " أؤمن لكي أتعقل " ‪ ،‬و بمعنى آخر انه يجب‬
‫أن نؤمن في املرحلة لاولى ايمانا راسخا بلسرار العقائد الايمانية ‪ ،‬و في املرحلة الثانية علينا أن نسعى لفهم تلك الاسرار و العقائد ‪ ،‬و التوقف في عملية املعرفة في‬
‫املرحلة الاولى هو اهمال ‪ ،‬اما البدء مباشرة باملرحلة الثانية فيعد نوعا من الغرور ‪ ،‬ومن ثمة ال ينبغي الوقوع ال في الاهمال و ال في الغرور ‪.‬‬
‫)‪ (23‬يقصد بمبادئ العقل أنها كلية أي انها مشتركة بين جميع الناس ‪ ،‬و مطلقة تعني أنها ال تتغير بتغير الزمان و املكان ‪ ،‬و هي ضرورية معناها انها واضحة بذاتها‬
‫ذو نتيجة حتمية عامة‪.‬‬
‫)‪ (24‬الحدس هو الرؤية العقلية املباشرة التي يدرك بها الذهن بعض الحقائق دون وسائط فمعرفتي لنيجة العملية الحسابية التالية ‪ 1 = 4+4‬ال يحتاج إلى عمليات‬
‫عقلية معقدة و نفس لامر بالنسبة لحدوسنا الحسية و النفسية ‪ ،‬كما يعتبر الحدس نظرة عقلية تبلغ من الوضوح و التمييز تجعلها بعيدة عن الشك ‪ ،‬في حين أن‬
‫الاستنباط و هو عبارة عن استدالل نستخلص فيه النتائج من املقدمات أو هو انتقال الفكر من املقدمات العامة الى النتائج الجزئية و هو عكس الاستقراء ‪.‬‬
‫]‪[22‬‬
‫و على العموم فاإلنسان في اعتقاده ديكارت إذا استطاع أن يسلك قواعد املنهج ( يطبقها ) مع استخدام‬
‫كل من الحدس و الاستنباط في ثنايا املنهج فانه حتما سيصل الى املعرفة اليقينية ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الاتجاه التجريبي ‪: Empirisme‬‬
‫تعني التجربة (‪ )L’ Expérience‬في املعنى العلمي مالحظة الظواهر ضمن شروط علمية معينة بغية‬
‫دراستها و استخراج قوانينها ‪ ،‬و التجريبي هو ما يستند على التجربة و ال يكتفي باالعتبارات العقلية‬
‫و التجريبية تيار معرفي – فلسفي يعتقد أن مصدر املعرفة هو التجربة (الحس) ‪ .‬و يعتبر فرانسيس بيكون‬
‫‪ ) 4919 – 4294 ( F. Bacon‬أحد رواد الفلسفة التجريبية حيث دافع عن ضرورة السيطرة على الطبيعة‬
‫و تسخيرها لصالح الانسان ‪ ،‬و أن املعرفة هي نتاج التجربة ‪ ،‬و قد ساهم من خالل كتابيه ' تفسير‬
‫(‪) 25‬‬
‫الطبيعة' و ' ألاورغانون الجديد ' في بيان ضرورة التخلي عن لاحكام املسبقة ‪ ،‬و بدال من ذلك يجب‬
‫فرض ( أي تطبيق )املالحظة الدقيقة و التجربة ‪.‬‬
‫و يذهب في هذا السياق جون لوك ‪ ) 4071 – 4932 ( J. Locke‬الى أن العقل يولد صفحة بيضاء‬
‫و التجربة الحسية هي التي تخط سطورها على هذه الصفحة البيضاء ‪ ،‬و قد رفض لوك القبول باآلراء‬
‫الفطرية التي قال بوجودها العقليون ‪ ،‬و لو كان ذلك حقيقيا لتساوى جميع الناس في كل زمان و مكان في‬
‫العلم ‪ ،‬أما هيوم ‪ ) 4009 – 4044 ( D. Hume‬فقد قسم ادراكاتنا إلى قسمين هما ‪ :‬الانطباعات أو لاثار‬
‫الحسية من ناحية و لافكار من ناحية أخرى ‪ ،‬و لافكار في رأي هيوم ليست إال صور باهته متضائلة‬
‫ضعيفة التلثير لالنطباعات الحسية ‪ .‬ففكرتي عن الش يء الذي أمامي عبارة عن صورته الحسية التي‬
‫انطبعت على حواس ي ‪ ،‬و لكن بعد أن ضعف تلثيرها و أ صبحت باهته ‪ ،‬و لو ظلت الصورة الحسية لهذا‬
‫الش يء على قوتها وقت انطباعها على حواس ي ملا تحولت الى فكرة ‪ .‬يقول في كتابه 'بحث في الطبيعة‬
‫الانسانية ' ‪ " :‬كل ادراكات العقل الانساني ترجع الى حسين متميزين ‪ ،‬الانطباعات و ألافكار" ‪.‬‬
‫)‪ (25‬ألاورغانون الجديد أو ألاداة الجديدة كتاب ألفه بيكون كمساهمة في اصالح اساليب التفكير و اكتشاف طريقة جديدة في البحث العلمي ‪ ،‬حيث ينقسم‬
‫الكتاب الى قسمين ‪ ،‬قسم انتقد فيه بحدة الاطر السابقة للعلم و الفلسفة و أكد أن الفلسفة القديمة أي فلسفة أرسطو و اتباعه من املدرسيين قد فشلت‬
‫بسبب عقمها النظري ‪ ،‬أم القسم الثاني فقد خصصه لعرض آرائه الجديدة و التي يكون في مقدمتها السيطرة على الطبيعة و منه يجب أن يكون املنهج العلمي‬
‫عمليا و ليس نظريا ‪.‬‬
‫]‪[23‬‬
‫(‪)26‬‬
‫د ‪ -‬الاتجاه الذرائعي‬
‫‪ -‬البراغماتي ‪: Pragmatisme‬‬
‫أو مذهب الفعل و السلوك ‪ ،‬و البراغماتية مذهب فلسفي معاصر ظهر و ازدهر في الواليات املتحدة‬
‫لامريكية و انجلترا حيث يرفض أن تكون املعرفة نظرية و تلملية خالصة ( نقد الفلسفة التقليدية ) ويقول‬
‫بإرجاع الحقيقة إلى املنفعة ‪ .‬كما تذهب البراغماتية إلى أن معيار صدق لافكار هو في عواقبها العملية‬
‫و الحقيقة تعرف من نجاحها ‪.‬‬
‫غير أنه تجب لاشارة هنا إلى أن مبادئ البراغماتية عرفت تلويالت مختلفة من طرف روادها ‪ ،‬و درجات‬
‫من التفاوت و الاختالف ‪ ،‬و على حين أن التيار لاكثر تشددا يعلن أن القضية الصحيحة هي التي تؤدي إلى‬
‫نجاح فردي ‪ ،‬فإن التيار لاكثر اعتدالا يرى أن الحقيقي هو ما يمكن التحقق من صدقه بوسيلة الوقائع‬
‫املوضوعية ‪ ،‬و سواء كان هذا أو ذاك ‪ .‬فإن كل براغماتي يرى أن املنفعة و القيمة و النجاح هي املعايير‬
‫الوحيدة للحقيقة ‪ ،‬أما ما يختلف بشلنه البراغماتيون فيما بينهم فهو شرط هذه املنفعة‪.‬‬
‫و يعتقد شارل بيرس ‪ ) 4641 – 4836 ( C. Peirce‬في مقال كتبه سنة ‪ 4808‬م تحت عنوان ‪ ' :‬كيف‬
‫نجعل أفكارنا واضحة ؟ 'يعتقد فيه أنه لكي نجد معنى للفكرة يجب أن نفحص النتائج العملية املترتبة عن‬
‫الفكرة ‪ .‬فبدون هذا املعيار يظل الصراع حول معنى الفكرة غير منتهيا ‪ ،‬و ال يؤدي الى أي فائدة ‪ ،‬و بدال من‬
‫التساؤل عن مصدر الفكرة ‪ ،‬فإن البراغماتية تتجه صوب نتائجها و هو لامر الذي ساهم في تحويل التفكير‬
‫نحو العمل بدل التلمل ‪ ،‬من هنا ّ‬
‫عرف املمثل الثاني للبراغماتية ويليم جيمس ‪) 4647 -4811 ( W. James‬‬
‫الحقيقة بلنها ‪ " :‬القيمة الفورية للفكر" ‪.‬‬
‫و يذهب جيمس إلى إقامة نظريته في املعرفة على التجربة ‪ ،‬هذه التجربة تختلف في معناها عن التجربة‬
‫البريطانية و بمعناها التقليدي‪ -‬العلمي ‪ ،‬و هو يقصد بها النجاح ‪ ،‬املنفعة ‪ ،‬الحقيقة ‪ .‬ففي ميدان التجربة‬
‫النفسية أو العقلية يعتبر الحقيقي ما هو مفيد للفكر و ما يزودنا باملعقولية و هو الشعور بالراحة‬
‫و السالم ‪ .‬أما في ميدان التجربة الفيزيائية فالفائدة تكمن في التنبؤ و العمل و التلثير في العالم الخارجي ‪.‬‬
‫بينما يكون الاعتقاد حقيقيا في التجربة الدينية إذا ساهم في تحقيق الطملنينة للنفس و مساعدة الانسان‬
‫على تحمل تجارب الحياة ‪ ،‬و مثال ذلك أن الاعتقاد إذا كان مؤديا الى تغيير سلوك املؤمن فهذا الايمان‬
‫حقيقي و هو ما يحمل معنى لالوهية ‪.‬‬
‫)‪ )26‬الذرائعية أو ألاداتية ( ‪ ) Instrumentalisme‬عند جون ديوي (‪ )4621 - 4092‬تعني أن حياة الانسان ليست في جوهرها إال محاولة متواصلة من جانبه‬
‫ليتم له التوافق مع البيئة املحيطة به و الانسان أو الكائن اليي بوجه عام الذي ال يستطيع ايجاد الوسائل او الذرائع التي يحقق بها توافقه و تكيفه مع بيتته‬
‫مصير حتما املوت ( البراغماتية هنا استلهمت هذه الفكرة من نظرية تشارلز داروين البيولوجية و القائلة بفكرة البقاء لألقوى)‪ ،‬أما لافكار فليست في اعتقاده إال‬
‫هذه الوسائل أو الذرائع التي يوظفها الانسان في حياته لتحقيق هذا التوافق‪.‬‬
‫]‪[24‬‬
‫‪ - 3 -0‬طبيعة املعرفة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الفلسفة املثالية ‪: Idéalisme‬‬
‫املثالية باملعنى العام لها كما ذكرها اندريه الالند ‪ (1963 -1867) A. Lalande‬في معجمه الفلسفي هي ‪:‬‬
‫" الاتجاه الفلسفي الذي يرجع كل وجود الى الفكرباملعنى ألاعم لهذه الكلمة ‪ ،‬و املثالية بهذا املعنى تقابل‬
‫الواقعية الوجودية " أو هي‪ " :‬املذهب الذي يقر بأن الاشياء الواقعية ليست شيئا آخر غير أفكارنا نحن‬
‫‪ ...‬و أنه ليس هناك حقيقة إال ذواتنا املفكرة ‪ .‬أما وجود ألاشياء فقائم في أن تكون مدركة عن طريق هذه‬
‫الذوات و ال حقيقة لها وراء ذلك " ‪ .‬و بصفة عامة يتلخص املوقف املثالي في نقطتين ‪:‬‬
‫‪ -0‬سلبية ‪ :‬أي تقرير حقيقة سلبية ‪ ،‬حيث أن الاعتقاد باستقالل الطبيعة و اكتفاءها بذاتها ليس إال مجرد‬
‫وهم‪ ،‬لن الطبيعة و أن كانت تبدو أنها ال تعتمد على ش يء آخر في سيرها و قوانينها إال أنها تعتمد فعال على‬
‫ش يء آخر غير ها ‪.‬‬
‫‪ -6‬ايجابية ‪ :‬أن هذا الش يء لاخر الذي تعتمد عليه الطبيعة هو العقل أو الروح سواء في ذلك العقل‬
‫الفردي أو العقل الكلي الالهي ‪.‬‬
‫هذا و تنقسم املثالية إلى عدة اتجاهات ‪ .‬سنحاول فيما يلي توضيح موقفها من طبيعة املعرفة ‪.‬‬
‫‪ -0‬املثالية الذاتية ( الالمادية ‪: )Immatérialisme‬‬
‫و يمثلها بركلي ‪ )4023 – 4981( G. Berkeley‬و يعتقد بلن الفالسفة يدعون وجود جوهر مادي خارج‬
‫عقولنا و تصوروا هذا الجوهر على أنه وعاء ‪ -‬قالب( ‪ ) Moule‬يضم جميع الصفات الطبيعية املختلفة من‬
‫امتداد ‪ ،‬شكل ‪ ،‬لون طعم ‪ ،‬رائحة ‪...‬الخ و هي الصفات التي نصف بها لاشياء املادية ‪ .‬هذه لاخيرة كلها ال‬
‫وجود لها إال في عقولنا ‪ ،‬لنها ليست في نهاية لامر إال افكارنا نحن عن لاشياء املادية ‪ ،‬أو الصور الذاتية‬
‫عنها‪.‬‬
‫إن ذلك الجوهر املادي إذا ليس إال مجرد وهم باطل وعليه وجب التخلص منه و الغاء وجوده ‪ ،‬و من‬
‫أجل ذلك سمى بركلي مثاليته بالالمادية ‪ ،‬أي الفلسفة التي تلغي وجود املادة و تلغي الصفات املادية‬
‫باعتبارها قائمة خارج عقولنا مستقلة عنها و ينظر إليها على أنها الصور الذهنية التي يخلعها ( يتركها )‬
‫العقل على لاشياء ‪ .‬و بهذا تكون مثالية بركلي تقوم على فعالية العقل ‪ ،‬و أن ما في الواقع يتطابق مع ما في‬
‫الذهن ‪ ،‬و العكس ليس صحيح ‪.‬‬
‫]‪[25‬‬
‫‪ -6‬املثالية النقدية ‪:Idéalisme Criticisme‬‬
‫في موقفه املعرفي حاول كانط أن يتجاوز كل من موقف العقالنيين و التجريبيين من مسللة طبيعة‬
‫املعرفة ‪ ،‬حيث يسلم كانط بلن لألشياء وجودا واقعيا مستقال عن الذات ‪ ،‬إال أن معرفة هذه لاشياء‬
‫تتوقف على قدرة العقل (امللكة العاقلة) فللعقل صور و مقوالت (‪ )Catégories‬من بينها مقولتي الزمان‬
‫و املكان اللتين تعتبران صورتان أوليتن سابقتان عن كل تجربة و املعرفة في املذهب النقدي ‪ -‬الترنسندنتالي‬
‫(‪ )Transcendantal‬ال تقوم إال إذا توفر شرطان رئيسيان هما ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬الفهم (‪ )Compréhension‬و ثانيا ‪ :‬الحساسية )‪ . (Sensibilité‬حيث أن املعرفة تبدأ من التجربة‬
‫الحسية وهي بعدية )‪ (A posteriori‬و هي تلك الانطباعات الحسية التي تنقلها الحواس لنا عن لاشياء و هي‬
‫مادة املعرفة ‪ ،‬و لكن هذه لاخيرة لن يكون لها معنى إال اذا تدخل العقل و رتبها و نظمها وفق تصوراته أي‬
‫وفق مقوالته و هو ما يسميه كانط ب ـ ‪ :‬صورة املعرفة وهي قبلية )‪ ، (A priori‬و يدعوها ب ـ ـ ‪ :‬ملكة الفهم ‪،‬‬
‫فعالم لاشياء كما تنقله لنا الحواس يتميز بالشتات ‪ ،‬أي ال يمكن فهمه و العقل هو الذي يربط بين هذا‬
‫الشتات ‪ ،‬و يحوله الى معرفة بفضل مقوالته ‪ :‬الكم ‪ ،‬الكيف ‪ ،‬العالقة ‪ ،‬الجهة ‪ ،‬و عليه فالعقل يمكن أن‬
‫يتعرف على مادة املعرفة ( لاشياء ) بمساعدة مقوالته التي تعتبر أصوال متعالية (‪)Transcendantal‬‬
‫(‪)27‬‬
‫و في النهاية يطلق كانط عبارته الشهيرة املعبرة عن طبيعة املعرفة املتعالية فيقول ‪ " :‬املفاهيم بدون حدوس‬
‫حسية تظل جوفاء و الحدوس الحسية بدون مفاهيم تبقى عمياء " ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الفلسفة الواقعية ‪: Réalisme‬‬
‫تطلق الواقعية (‪ )Le Réalisme‬على مجموع املذاهب التي تتفق على أن لألشياء الخارجية ( املوضوعات )‬
‫وجودا عينيا مستقال عن العقل ( الذات) الذي يدركها ‪ ،‬بل و عن جميع أفكار ذلك العقل و أحواله ‪ ،‬و أن‬
‫مختلف املعارف و الافكار التي يتضمنها العقل مطابقة لحقائق لاشياء املدركة ‪ ،‬فليس العالم الخارجي كما‬
‫هو مدرك في عقولنا إال صورة لهذا العالم كما هو موجود في الواقع ‪ ،‬و من هنا نقول أن هناك تطابق بين‬
‫الفكر و املوضوع ‪ ،‬و املعرفة في النهاية عند الواقعين هي انعكاس العالم الخارجي ( املوضوع) على العقل‬
‫( الذات ) ‪ .‬و هكذا تكون الفلسفة الواقعية تقف موقف مناقض و معاد تماما من أطروحة الفلسفة‬
‫املثالية حول مسالة طبيعة املعرفة ‪.‬‬
‫(‪ )27‬متعال (‪ : (Transcendantal‬ارتبط هذا التعبير باسم الفيلسوف الاملاني امانويل كانط و به عرفت فلسفته في شقها املتعلق بنظرية املعرفة ‪ ،‬و املعرفة‬
‫عنده تتللف من معطيات تقدمها الحواس تكون بغير نظام و من مقوالت عقلية ( أفكار في العقل ) تنظمها فإذا قلنا ‪ :‬الكتاب فوق الطاولة ‪ ،‬احساس ي الكتاب‬
‫و الطاولة يكونان بالحواس ‪ ،‬لكن فوق ال تلتي عن طريق الحواس بل هي فكرة املكان املوجود في العقل وجودا قبليا يتعدى الواقع املادي املحسوس ‪ ،‬و هذا النوع‬
‫من التفلسف عرف بالفلسفة املتعالية ‪.‬‬
‫]‪[26‬‬
‫‪ -0‬الواقعية الساذجة (املوقف الطبيعي ‪: ( Sens Commun‬‬
‫تنطلق هذه الفلسفة في تحليل طبيعة املعرفة من موقف الانسان العادي الذي يعتقد أن الحقيقة‬
‫لاشياء في العالم الخارجي هي الحقيقة ذاتها ‪ ،‬و ال حقيقة من بعد ذلك ‪ ،‬و أن كل ما يعرفه عنها هو تجسيد‬
‫حي لخصائصها ‪ ،‬و عليه فهناك تطابق تام و نهائي بين مختلف لافكار و التصورات العقلية ‪ ،‬و بين مظهر‬
‫لاشياء كما تبدو ‪ .‬فمظهر الش يء هو حقيقته و طريق املعرفة في هذه الفلسفة انما هو الحواس و هو لامر‬
‫الذي أكد عليه توماس ريد ‪ ) 4069 – 4047 ( T. Reid‬و دافع عن املوقف الطبيعي الذي يعتقد اعتقادا‬
‫دوغمائيا في وجود لاشياء ‪ ،‬و ال يشك فيها أبدا و مثال ذلك ‪ :‬أن معرفتنا لهذا الكتاب من خالل مظهره هي‬
‫معرفة حقيقية لنها تتطابق مع خصائصه أو طبيعته الحسية ‪.‬‬
‫و الخالصة أن املعرفة عند هذه الفلسفة تتسم بالعمومية املطلقة لن معرفة الطالب مثال لطبيعة‬
‫الكتاب هي معرفة واحدة و مشتركة‪.‬‬
‫‪ -6‬الواقعية النقدية ‪: Réalisme Criticisme‬‬
‫تذهب هذه الفلسفة إلى اعتبار أن تصورات لانسان عن العالم الخارجي ( لاشياء ‪ ،‬املوضوعات ) تتكون‬
‫من أفكاره و انطباعاته الحسية ‪ ،‬و يذهب برترند رسل ‪ )4607 - 4801( B. Russell‬إلى أن عملية املعرفة‬
‫تبدأ من املعطيات الحسية املباشرة التي نكونها عن الش يء ( املوضوع) الذي نريد معرفته ‪ ،‬و أن املعطيات‬
‫الحسية يمكن تشمل عدة أشخاص عند معرفتهم للش يء الواحد لنها عامة ‪ ،‬و لكنها قد تخص ذاتا عارفة‬
‫واحدة و ليس في هذا تناقض ‪ ،‬فالجسام أو لاشياء عامة هي تركيب منطقي لهذه املعطيات ‪.‬‬
‫و على العموم نقول أن معرفة لاشياء ( املوضوعات ) تقوم من خالل التلليف بين خبراتنا الحسية‬
‫و قدرتنا الحسية أو املنطقية و منه يكون رسل بدوره قد وقف موقف وسطي – معتدل من مسللة طبيعة‬
‫املعرفة على غرار لاملاني كانط ‪ ،‬و نزع صفة السذاجة عن الفلسفة الواقعية ‪ ،‬ومنحها بعدا عقليا ‪ ،‬و لكنها‬
‫رغم ذلك تبقى تدور في فلك التيار الواقعي العام ‪.‬‬
‫]‪[27‬‬
‫‪ -6‬نظرية الوجود ‪: Ontologie‬‬
‫(‪، (28‬‬
‫و لكنه يدل‬
‫لانطولوجيا لفظ يستخدم في بعض لاحيان كمرادف للميتافيزيقا (‪)Métaphysique‬‬
‫بصورة أدق على ذلك الفرع من امليتافيزيقا الذي يدرس الوجود في أكثر صوره تجريدا و عموميتا ‪ .‬و يعد‬
‫لاملاني فولف ‪ ) 4021-4906 ( C. Wolf‬أول من أطلق اسم الانطولوجيا على مبحث الوجود و جعله فرعا‬
‫من ما بعد الطبيعة التي تشتمل – باإلضافة اليه – البحث في الكون و في النفس و في الالهوت ‪.‬‬
‫و يشتمل مبحث الوجود على النظر في طبيعة الوجود على الاطالق مجردا من كل تعيين أو تحديد‬
‫و بذلك يترك للعلوم الجزئية البحث في الوجود من بعض نواحيه ‪ ،‬فالعلوم الطبيعية تبحث في الوجود من‬
‫حيث هو جسم متغير ‪ ،‬و العلوم الرياضية تبحث في الوجود من حيث هو كم أو مقدار‪ ،‬أما البحث في‬
‫الوجود من حيث هو موجود على الاطالق فمن شلن مبحث الوجود ‪ -‬ما بعد الطبيعة عند القدماء ‪. -‬‬
‫و تبحث الانطولوجيا في خصائص الوجود العامة بغية وضع نظرية في طبيعة العالم ‪ ،‬و النظر فيما إذا‬
‫كانت لاحداث الكونية تقوم على أساس قانون ثابت أو تقع مصادفة و اتفاقا ‪ ،‬و فيما إذا كانت هذه‬
‫لاحداث تظهر من تلقاء نفسها أم تصدر عن علل ضرورية تجري و فق قوانين املادة و الحركة ‪ ،‬و فيما إذا‬
‫كانت تهدف إلى غاية أم تسري عفوية عن غير قصد ‪...‬الخ‬
‫‪ -0 -6‬مفهوم الوجود ‪:‬‬
‫الوجود مفهوم فلسفي يقصد به مطلق الواقع و يقابله العدم (‪ )néant‬سواء كان هذا الواقع ماديا أو‬
‫روحيا أو ذوات أو حاالت كما ي ّ‬
‫عرف الوجود بلنه كل حكم ينطوي على تقرير وجود ‪ ،‬و يعبر عنه بفعل‬
‫الكينونة (‪ )être‬كقولنا أرسطو فيلسوف ‪ ،‬و لو حللت العبارة لكانت أرسطو يكون فيلسوفا‪.‬‬
‫و يفرق مارتن هيدغر ‪ ) 4609 – 4886 ( M. Heidegger‬بين املوجود و الوجود ‪ ،‬حيث أن املوجود هو‬
‫الكائن املتحقق و املتصف باملاهية و الوجود معا ‪ ،‬في حين أن الوجود يعني الوصف العام لكل موجود بغض‬
‫النظر عن تعيينه ‪.‬‬
‫و للوجود درجات من الشدة ‪ ،‬و لهذا كان الفالسفة املدرسيون ( الاسكالئيون) و املسلمون يميزون بين‬
‫وجود هللا و وجود سائر الكائنات ‪ ،‬و الوجود في هللا أقوى منه في الانسان ‪ ،‬ذلك أن وجود هللا هو واجب‬
‫الوجود بذاته ‪ ،‬بينما وجود لانسان هو ممكن الوجود بذاته ‪.‬‬
‫)‪ (28‬امليتافيزيقا تعني اشتقاقا ما بعد الطبيعة ‪ ،‬و هو اسم اطلقه أندرونيقوس الرودس ي في القرن ‪ 74‬ق‪.‬م على تلك الكتب التي تركها أرسطو بدون تصنيف بعد‬
‫كتب الفيزيقا (الطبيعة) املخصصة للبحث في مسائل الطبيعة ‪ ،‬و قد خصص أرسطو تلك الكتب التي تركت من دون تصنيف ملسائل الوجود العام ‪ ،‬و لهذا فإن‬
‫الاسم جاء عرضيا تصنيفيا و ليس فلسفيا ‪.‬‬
‫]‪[28‬‬
‫‪ -6 -6‬طبيعة الوجود ‪:‬‬
‫(‪)29‬‬
‫لقد ظلت مشكلة الوجود منذ فجر الفلسفة إلى غاية مدخل العصر الحديث – لحظة ديكارت‬
‫و كانط‪ -‬ظلت تمثل أكبر و أهم بل و أول مشكلة فلسفية واجهها الفالسفة ‪ ،‬ذلك أن القدماء يجعلون‬
‫لاولوية للوجود أو ما يسميه الفالسفة املسلمين بلصالة الوجود و حتى بعض املعاصرين يرون بضرورة‬
‫أولوية نظرية الواقع ( الوجود) على البقية من النظريات ( نظرية املعرفة ) فالعقل الانساني يتجه بطبيعته‬
‫إلى تحليل مسائل و مشاكل الواقع قبل أن يتجه إلى البحث في طبيعة الواقع ‪ ،‬و أن تقديم املعرفة على‬
‫الوجود ال جدوى منه ‪ ،‬ولهذا شكلت ما تعرف بطبيعة الواقع ‪ -‬الوجود أي صفاته ومميزاته ( كما و كيفا)‬
‫شكلت مسللة مثيرة للجدل بين العديد من لانساق الفلسفية التي يمكن حصرها في ‪:‬‬
‫أ – املذاهب الواحدية ‪: Monisme‬‬
‫على الرغم من أن الواحدية امليتافيزيقية تتخذ صور شتى ‪ ،‬إال أنها تتفق في رأي واحد يعد قاسما مشتركا‬
‫بينها ‪،‬و هو أن أساس العالم واحد ‪ ،‬و أن كل وجود يرجع إلى ( مادة ) واحدة أو ( مبدأ ) واحد ‪ ،‬و عليه فإن‬
‫الواحدية لانطولوجية هي تلك النظرة إلى العالم التي تبحث عن الوحدة في الواقع ‪ ،‬و ترد كل الواقع‬
‫( الوجود ) إلى أصل واحد أو جوهر واحد قد يكون مادة أو روحا أو ذات أو قانونا‪...‬الخ ‪ .‬و تنقسم الواحدية‬
‫إلى عدة اتجاهات هي ‪:‬‬
‫‪ -0‬الواحدية املادية ‪:‬‬
‫نظر الفالسفة الطبيعيون قبل سقراط إلى طبيعة العالم ( الوجود ) فلرجعوا جميع لاشياء على كثرتها‬
‫و تعددها إلى أصل مادي و احد انبثقت عنه كامل لاشياء ‪ ( :‬طاليس أرجعه إلى املاء) ‪ ( ،‬انكسمانس أرجعه‬
‫إلى الهواء ) ‪ (،‬هيرقليطس أرجعه إلى النار ) ‪ ،‬أما ديموقريطس و مذهبه الفلسفي فيعتبران أن جميع‬
‫املوجودات تتللف من أصول مفردة يفصل بينها خالء ( فراغ) و هي جزئيات ال متناهية العدد متحركة فينشل‬
‫عن حركتها اجتماع بعضها البعض على صور شتى ‪ ،‬و من هنا تتكون لاشياء ‪ ،‬و إذا انفصلت هذه الجواهر‬
‫عن بعضها البعض فسدت لاشياء ‪ ،‬و حتى النفس هي تتللف من هذه الجواهر املادية ‪.‬‬
‫هذا و قد امتد هذا املذهب إلى غاية العصر الحديث ‪ ،‬إذ ذهب توماس هوبز ‪)4906 -4288 (T. Hobbes‬‬
‫إلى الدفاع عن الواحدية املادية مؤكدا على وجود هذا الكون املادي فقط الذي يتصف بلبعاده املحددة ‪:‬‬
‫)‪ )29‬في إحدى حجر الفاتيكان صورة شهيرة في حائط ‪ّ ،‬‬
‫صورها الرسام رفائيل تسمى مدرسة أثينا ‪ ،‬مركز الصورة أرسطو و أفالطون ‪ ،‬يحيط بهما أتباعهما‬
‫و تالميذهما و فيها يشير أفالطون بإصبعه إلى السماء ‪ ،‬و أرسطو يصغي إلى قوله في فتور مشيرا بيده اليمنى إلى لارض ‪ .‬هذه الصورة تمثل تاريخ املذاهب في أثينا‬
‫تمثل تاريخ الفكر الانساني و النظريات الفلسفية في كل العصور ‪ ،‬تمثل املادية و الروحانية ‪ ،‬فالروحانية ( املثالية ) تشير إلى السماء ‪ ،‬و املادية إلى لارض ‪.‬‬
‫]‪[29‬‬
‫طول ‪ ،‬عرض ‪ ،‬عمق ‪ ،‬ارتفاع ‪...‬الخ و أكد في ذات الوقت أن كل حادث يحدث إنما هو نوع من الحركة‬
‫املادية ‪ ،‬بل و حتى الاحساسات و لافكار ليست سوى حركات داخلية في جسم مادي حي ‪.‬‬
‫إال أن تلسيس املذهب الواحدي املادي فعليا في لازمنة الحديثة يرجع إلى الفيزيائي الانجليزي اسحاق‬
‫نيوتن ‪ )4010 – 4911( I. Newton‬الذي يعتقدا أن مختلف الظواهر ذات طبيعة مادية ‪ ،‬فالعقل مثال‬
‫صورة من صور املادة التي تتميز بالقوة و التنوع و الحركة و التفكير‪ ،‬فليس ثمة ش يء اسمه روح أو عقل‬
‫مستقل عن املادة ‪ ،‬إذ ليست الظواهر الوجدانية إال وظائف لعضاء الانسان فالتفكير وظيفة املخ ‪ ،‬كما أن‬
‫الذوق وظيفة اللسان يقول كابانيس ‪ " : )4878 – 4020 ( G. Cabanis‬املخ يفرز التفكير كما تفرز الكبد‬
‫الصفراء و تهضم املعدة الغذاء " ‪.‬‬
‫أما فريدريك نيتشه ‪ ) 4677 – 4811 ( F. Nietzche‬فقد بدا له الاعتقاد بوجود عالم امليتافيزيقا بدا‬
‫له بمثابة إدانة للحياة إذ أن الاعتقاد بمثل هذا لامر يجعل من الحياة مجرد زيف أو وهم في عالم زائف‬
‫و لهذا هاجم نيتشه فكرة ثنائية العالم و أكد في ذات الوقت أن العالم هو عالم أحادي و واحد و هو الذي‬
‫نعيش فيه معتبرا أن امليتافيزيقا صنم (‪ )Idole‬من أصنام الفلسفة يجب تحطيمه ‪.‬‬
‫و لم يخرج أملاني آخر عن نفس الطرح و هو هولباخ ‪ )4086 – 4013 ( D. Holbach‬الذي هاجم في‬
‫كتابه ' نسق الطبيعة ' ‪ 4007‬م كل نظرية تزعم أن وراء الظواهر املحسوسة عاملا أو موجودات غير مرئية‬
‫فكل ش يء في الوجود يمكن تفسيره باملادة و الحركة و هما أزليتان و أبديتان ‪ .‬تخضعان لنظام الضرورة ‪ .‬فال‬
‫مصادفة ‪ ،‬و ال تدبير إلهي ‪ ،‬و ال غائية ‪ ،‬و ال نفس ‪ ،‬و ال حرية ‪ .‬هذا و نشير إلى أن التفسير املادي للوجود‬
‫قد تعاظم بسبب التفكير و التطور العلميين الجديدين ابتداء من العصر الحديث ‪.‬‬
‫‪ -6‬الواحدية الروحية ‪:‬‬
‫تفسر الواحدية الروحية ( املثالية) الوجود بالروح أو العقل وحدهما ‪ ،‬فطبيعة لاشياء الكامنة وراء‬
‫الظواهر املحسوسة روحية في أصلها فالروح في املذاهب الروحية مصدر الظواهر املادية و البدنية ‪ .‬و إذا‬
‫كنا غير قادرين على ادراك لاشياء بالحواس و إنما نعرفها بالتفكير املجرد ‪ ،‬نتج عن ذلك أن الطبيعة‬
‫روحية ال محالة ‪.‬‬
‫و عن من يتبنى هذا التفسير لانطولوجي فإننا نجد الفلسفة املثالية لاملانية ( املطلقة ) ‪ .‬و من فالسفتها‬
‫فيخته ‪ ، )4841 – 4099 ( Fichte‬شلينج ‪ ، )4821 –4002 ( Schelling‬هيجل ‪– 4007( Hegel‬‬
‫‪ ، )4884‬و لتدعيم وجهة نظرها لانطولوجية و تبريرها عمدت الى تقديم حجتين هما ‪:‬‬
‫]‪[30‬‬
‫أوال ‪ :‬أن كل وجود كما هو معروف انما يتوقف على التجربة ‪ ،‬و عليه فإن كل وجود إنما يتوقف على القائم‬
‫بتلك التجربة الذي هو الذهن أو الوعي أو الروح ‪ ،‬و عليه فإن الاذهان أو الارواح و الافكار هي كل ما يوجد‬
‫و بالتالي فان الذهن أو الروح هما الحقيقة النهائية ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬اننا ندرك أو نحس بلنفسنا ( الذات) على أننا موجودات ال مادية أو روحية ‪ ،‬ال يمكن التوحيد بين‬
‫وجودها و بين و جود لاجسام املادية ‪ ،‬و هو عبارة عن شعور حدس ي ال نقاش فيه عند الكثير من الفالسفة‬
‫املثاليين ‪ ،‬و عليه و مادامت طبيعة الانسان روحية – مثالية فإن ذلك يكشف على أن خصائص الطبيعة‬
‫الكونية روحية ‪ ،‬وملا كنا نعرف أننا موجودات روحية فإن لنا الحق في القول أن العالم ذو طابع روحي‬
‫ف ـ ـ " تركيب الواقع مماثل لتركيب اذهاننا " ‪.‬‬
‫لقد اعتقد صاحب ' فينومينولوجيا الروح ' أي هيجل أن العقل أو الروح أو املطلق كما يسميه هو ‪ ،‬هو‬
‫املبدأ الذي يحكم العالم ‪ ،‬و يصنع التاريخ ‪ ،‬فالكون و هذا العالم ما هما في أصلهما إال تلكما الروح أو‬
‫املطلق اللذين تطورا عبر لازمنة و تجسدا في النهاية في صورة انسان ‪ ،‬و عليه فـ ـ ( كل مظاهر الحضارة من‬
‫علم ‪ ،‬ثقافة ‪ ،‬دين ‪ ،‬فلسفة ‪... ،‬الخ ما هي إال تجليات للمطلق عن طريق الجدل الذي حكم على جميع‬
‫لاشياء بالتغير ‪ ،‬فالوعي هو الذي يحدد الوجود ) ‪.‬‬
‫‪ -3‬الواحدية املحايدة ‪:‬‬
‫بالنسبة لهذا التصور لانطولوجي فهو يرفض الطرحين السابقين – أي الواحدي املادي و الواحدي‬
‫الروحي – محاوال في ذات الوقت أن يجد حال شامال لهذه املشكلة امليتافيزيقية ‪ .‬هذا الحل أقرب ما يكون إلى‬
‫مذهب سبينوزا ‪ . ) 4000 – 4931 ( B. Spinoza‬فالواقع أو الوجود النهائي ال هو مادي و ال هو روحي‬
‫و انما هو جوهر محايد ( هللا ) بحيث تكون الروح و املادة مجرد صفات له ‪ ،‬فعلى سبيل املثال النظر الى‬
‫ذهن و جسم الانسان على أنهما وجهين لنفس الجوهر الواحد الكامن من وراءهما و هكذا فان تسميتنا‬
‫للحادث " ماديا" أو "روحيا" تتوقف على الطريقة التي ننظر بها اليه ‪ .‬فإذا نظرنا اليه من خالل وجه معين‬
‫( عالقات معينة ) لبدا لنا حادثا ذهنيا‪ ،‬و اذا نظرنا اليه من خالل الوجه املادي لبدا لنا بالطبع حادثا‬
‫جسميا ‪ ،‬و لكن الواقع أنه هو نفس الحادث ‪ ،‬ال يمثل إال تعديال لنفس الجوهر الواحد ‪ ،‬و فضال عن كل‬
‫ما قيل فإن سبينوزا يعتقد أن كل ما يوجد هو هللا ‪ ،‬و ملا كان الجوهر او هللا واحدا أزليا ال متناهيا فإن‬
‫الواقع بدوره واحد أزلي ال متناه ‪.‬‬
‫]‪[31‬‬
‫ب‪ -‬املذاهب الثنائية ‪: Dualisme‬‬
‫ويفسر هذا املذهب الوجود بعنصرين مختلفين مثل العقل و املادة أو الجسم و النفس أو الذات‬
‫و املوضوع أو غير ذلك و قد كان أنكساغوراس ‪ 118 – 277 (Anaxagore‬ق‪.‬م ) من الاوائل الذين قالوا‬
‫بهذا املذهب ‪ ،‬إذ ميز بوضوح بين العقل و املادة فالعقل هو مبدأ النظام و الحركة ‪ ،‬بينما املادة فال نظام‬
‫فيها بالنظر ملا ال نهاية فيها من الذرات ‪ ،‬و في املادة تكون الفوض ى هي سيدة املوقف ‪ ،‬أما العقل فمنظم‬
‫حركة كل ش يء ‪ ،‬ومن أنصار هذا املذهب نجد أفالطون الذي ميز بين عاملين ‪ :‬عالم محسوس و آخر للمثل‪.‬‬
‫و يعتبر ديكارت املؤسس الحقيقي لهذا املذهب في العصر الحديث ‪ ،‬و هو يرى أن للوجود جوهرين هما‬
‫النفس و خاصيتها التفكير ‪ ،‬و الجسم و ماهيته الامتداد و كل منهما مستقل بنفسه قائم بذاته ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬املذاهب املتعددة ‪: Pluralisme‬‬
‫لقد نظر فالسفة آخرون إلى الكون على أنه مليء بالكثرة و التعدد يقول ويليم جيمس ‪ " :‬إن العالم‬
‫املتكثر أشبه ما يكون بالجمهورية الفيدرالية ‪ ،‬و هو بذلك ليس امبراطورية أو ملكية مطلقة " ‪ ،‬فقديما‬
‫تصور أحد الفالسفة اليونان ‪-‬قبل سقراط ‪ -‬و هو امبدوقليس أن أصل لاشياء ال يرجع إلى جوهر واحد‬
‫إنما يرجع الى أربعة عناصر مجتمعة هي ‪ :‬املاء ‪ ،‬الهواء ‪ ،‬النار التراب يضاف اليهما مبدأين غير ماديين هما‬
‫الحب و الكره ‪.‬‬
‫و لكن أوضح صورة ملذهب الكثرة و العدد ظهرت عند أصحاب املذهب الذري أو الجزء الذي ال يتجزأ‬
‫(املدرسة الذرية ‪ :‬لوقيبوس و ديموقريطس و ألابيقوريين ) ‪ .‬و يتلخص هذا املذهب في أن أساس العالم‬
‫املحسوس قد ظهر نتيجة الجتماع الذرات ‪ ،‬هذه لاخيرة ال تختلف كيفا و لكن تختلف كما أي من حيث‬
‫الشكل و الحجم و الوضع ‪...‬الخ و هذا الاختالف هو ما يفسر الاختالف العام بين لاشياء ‪.‬‬
‫كما أننا نلتقي مع التفسير لانطولوجي املتعدد و الكثير في العصر الحديث مع لاملاني ليبنتز‬
‫‪ )4049 – 4919(W.Leibnitz‬مؤسس املذهب الروحي الحديث ‪ ،‬إذ فسر طبيعة الوجود تفسيرا ديناميكيا‬
‫فقرر أن املوجودات تتللف من ذرات روحية ( منادات ‪ ) la monade‬متناهية العدد و هي أزلية ‪ ،‬تنزع دوما‬
‫للعمل و الحركة ‪ ،‬تتكون منها لاشياء ‪ ،‬يوجدها خالق فتصدر عنه كما يصدر النور عن الشمس ‪ ،‬و هي‬
‫ترتقي من الجماد الى الحيوان فاإلنسان فاهلل ( مناد املنادات ) ‪ ،‬ومن ثمة ال يكون للعالم الخارجي أو املادة في‬
‫كل صورهما وجود بذاته ‪.‬‬
‫]‪[32‬‬
‫‪ -3‬نظرية القيم ‪:Axiologie‬‬
‫(‪)30‬‬
‫لاكسيولوجيا أو فلسفة القيم مبحث من مباحث الفلسفة يناقش املسائل املتعلقة باملثل العليا أو‬
‫القيم املطلقة ‪ ،‬و هي الحق و الخير و الجمال في ذاتها ال باعتبارها وسائل تفض ي إلى تحقيق غايات ‪ .‬و من‬
‫بين القضايا التي تتناولها لاكسيولوجيا إشكالية ‪ :‬هل تلك القيم هي مجرد معاني في العقل أم أن لها‬
‫وجود مستقل عن العقل الذي يدركها ؟‬
‫و نشير هنا إلى أن هذا املبحث يتناول مختلف القضايا املتعلقة بـ ـ ـ ـ ‪:‬علم املنطق ‪ ،‬علم لاخالق ‪ ،‬علم‬
‫الجمال ‪ .‬أي من حيث هي علوم معيارية (‪ )Normatives‬تبحث فيما ينبغي أن يكون ‪ ،‬و ليست علوم وضعية‬
‫(‪ )Positives‬حيث تقتصر دراستها على ما هو كائن ‪ .‬هذا و ترجع النواة لاولى لهذا املبحث لنظرية املثل عند‬
‫أفالطون ومؤلفات أرسطو ( لالة في املنطق و لاخالق و السياسة و ما بعد الطبيعة ) و أبحاث الرواقية‬
‫و لابيقورية في الخير لاقص ى ‪.‬‬
‫أما عند فالسفة العصور الوسطى فقد ذهب القديس توما إلاكويني إلى التوحيد بين القيمة العليا‬
‫و العلة لاولى أي هللا باعتباره كائنا حيا أزليا خيرا ‪ ،‬و قد عولجت القيم في التفكير الفلسفي الحديث في علوم‬
‫فلسفية مستقلة هي العلوم املعيارية كما سبقت الاشارة ‪ .‬و ال ننس ى هنا أن كانط كان قد تعرض في ثالثيته‬
‫النقدية املشهورة ملسللة القيم فخصص كتابه 'نقد العقل الخالص' لقيمة الحق ‪ ،‬و' نقد العقل العملي'‬
‫َ‬
‫لقيمة الخير و أخيرا 'نقد َملكة الحكم' لقيمة الجمال ‪.‬‬
‫وفي القرن العشرين كان أول من استخدم لفظ لاكسيولوجيا هو بول البي في كتابه' منطق الارادة '‬
‫و هارتمان سنة ‪ 4679‬م ثم توالت بعد ذلك مختلف لابحاث في سياق مبحث القيم ‪.‬‬
‫‪ -0 -3‬معنى القيمة ‪:Valeur‬‬
‫يذكر رويه أن أول من استخدم لفظة القيمة ‪ -‬و هو باللغة لاملانية ( ‪ ) Wert‬باملعنى الفلسفي وعمل على‬
‫ذيوعه هو لوتز ‪ Lotez‬و الالهوتي ريتشل ‪ .‬و كلمة قيمة (‪ )Valeur‬التينية لاصل فهي ملخوذة من الفعل‬
‫‪ Valeo‬الذي معناه ‪" :‬أنا قوي" ‪ ، Je suis fort‬و "أنني بصحة جيدة " ‪ ، Je suis en boone santé‬و هو معنى‬
‫يتضمن فكرة الفعالية و التلثير و املالئمة ‪ ،‬و مع مرور لازمنة أصبحت الكلمة تدل على معاني أخرى‬
‫)‪ (30‬تسللت القيمة إلى معجم الفلسفة حديثا ‪ ،‬و نفذت إلى املذاهب الفلسفية من أبواب متعددة ‪ ،‬و تحت أسماء مختلفة ‪ ،‬و لكنها لم تصبح موضوعا ومبحثا‬
‫شرعيا من موضوعات و مباحث الفلسفة إال منذ زمن قصير ال يكاد يتجاوز القرن التاسع عشر ‪ ،‬غير أن الاراء التي تدور حولها لم تتبلور بعد ‪ ،‬و ما تزال أحد‬
‫املوضوعات املعرضة للنمو و التطور ‪،‬إذ لم تظهر مشكلة القيمة في تاريخ الفلسفة إال تدريجيا و بصورة بطيئة ‪ ،‬لذلك ال نعثر في الفلسفات القديمة ما يجعل‬
‫من القيم مشكلتها املحورية ‪.‬‬
‫]‪[33‬‬
‫و انتشر استعمالها في ميادين الفكر املختلفة( اللغة ‪ ،‬الرياضيات ‪ ،‬لاقتصاد ‪ ،‬الفلسفة ‪، )...‬هذا و نشير‬
‫و إلى أنه ال زالت كلمة قيمة باللغة الفرنسية و الكلمات التي تقابلها باللغة لانجليزية (‪ )Worth‬و لاملانية ال‬
‫زالت تحتفظ بش يء من رواسب معناها الالتيني‪.‬‬
‫و بالنسبة لكلمة قيمة في الفلسفة فقد جرى استعمالها في مجاالت متعددة للداللة على كلمات كانت‬
‫شائعة في الفلسفة القديمة مثل الخير ‪ ،‬و الخير لاسمى ‪ ،‬و الكمال ‪ ،‬و يعتبر لاملاني نيتشه أهم من عمل‬
‫على انتشارها انتشارا واسعا في لاوساط الفكرية ‪ .‬فنجاح فلسفته و رواجها هو الذي حمل الفالسفة على‬
‫الاهتمام املتزايد بها ‪ ،‬و هي كلمة من الصعب تحديد معنى دقيق لها لنها كما يقول اندريه الالند تدل غالبا‬
‫على تصور متحرك ‪ ،‬إذ تمثل انتقاال من الواقع إلى ما يجب أن يكون ‪ ،‬من املرغوب إلى ما يمكن أن يرغب به‪.‬‬
‫و تعني القيمة من الناحية الذاتية الصفة التي تجعل من الش يء مطلوبا أو مرغوبا فيه ‪ ،‬و قد تطلق بهذا‬
‫املعنى على(قيمة الاستعمال)‪ ،‬و هي من الناحية املوضوعية تدل على ما يتميز به الش يء من صفات تجعله‬
‫مستحقا للتقدير‪ ،‬و عليه فإذا كان الش يء في حد ذاته يستحق تقديرا كبيرا مثل الحق ‪ ،‬الخير‪ ،‬الجمال‬
‫كانت قيمته مطلقة ‪.‬‬
‫‪ -6-3‬أنماط القيم ‪:‬‬
‫تعد القيم املطلقة الثالثة ‪ :‬الحق ‪ ،‬الخير ‪ ،‬الجمال ‪ ،‬من أهم املوضوعات ‪ -‬القيم التي اهتمت بها‬
‫الفلسفة منذ فجر تاريخها إلى يومنا هذا ‪ ،‬و عليه فهي بمثابة مباحث فلسفية أو غايات لعلوم مشهورة هي‬
‫علوم الفلسفة املعيارية ) ‪. ( Normatives‬‬
‫أ‪ -‬الحق ‪: Droit -‬‬
‫يعد الحق قيمة انسانية مرادفة ملا صحيح و صادق ‪ ،‬يسعى نحوها كل تفكير انساني ‪ ،‬و الفلسفة حددت‬
‫علم املنطق (‪ )Logique‬على أساس أنه يسمح بالتمييز بين صحيح الفكر و فاسده ‪ ،‬و ذلك طبقا لقواعد‬
‫معينة ‪ .‬هذا و قد اختلفت املذاهب الفلسفية في تحديد معيار الحق ‪ ،‬حيث هناك من يعتبر الحقيقي هو‬
‫تطابق الفكر مع ذاته ( العقالنية) ‪ ،‬في حين يعتبر آخرون أن الحقيقي هو تطابق الفكر مع الواقع‬
‫( التجريبية)‪ ،‬و يجعل تيار آخر الفائدة أو املنفعة العلمية مقياسا للحقيقة ( البراغماتية) ‪...‬الخ‬
‫ب‪ -‬الخير ‪: Bien -‬‬
‫هو ما ينتفع به الغير قوال و فعال و نقيضه الشر ‪ ،‬و الخير هو الحسن لذاته و ملا يحققه من لذة أو نفع‬
‫أو سعادة ‪ .‬و الخير من الناحية الاصطالحية له عدة تعريفات فهو يعني الكمال و السعادة ‪ ،‬و هو لدى‬
‫]‪[34‬‬
‫البعض أسمى القيم و أرفعها و أرقاها ‪ ،‬ففي حين يعتبر أفالطون أن الجمال هو بهاء الخير ‪ ،‬فإن كانط‬
‫يعتقد أن الجمال و الجالل رمزان كامالن ملثال الخير ‪.‬‬
‫أما في املسيحية فنظرتها للخير فقائمة في أساس طاعة القانون لالهي ‪ ،‬في حين ذهب لاسالم إلى اعتبار‬
‫الطيب و النافع لإلنسان هو الخير نفسه ‪ ،‬و علم ألاخالق (‪ )Ethique‬هو العلم الفلسفي الذي يختص‬
‫بالبحث في مسائل و قضايا السلوك اذ يسمح بالتمييز بين الخير و الشر ‪ ،‬و به يتم اكتشاف أسباب الشقاء‬
‫و رسم طريق السعادة ‪.‬‬
‫ج ـ ‪ -‬الجمال‪: Beau -‬‬
‫حدده كانط بقوله ‪ " :‬ما يبهج كل الناس و بال تجريد " و هو يدل هنا على كل ما يثير لدى الناس شعورا‬
‫فريدا يسمى الانفعال الجمالي ‪ ،‬و الجمال هو ما يتطابق مع بعض معايير التوازن و املرونة و التناغم‬
‫و الكمال في نوعه ‪ ،‬و مع صفات و كيفيات أخرى ‪ ،‬و علم الجمال ( ألاستطيقا ‪ )Esthétique‬هو من‬
‫يسمح لنا بالتمييز بين الجميل و القبيح ‪ ،‬و التعرف على شروط الجمال و وظيفته في حياتنا ‪.‬‬
‫‪ -3 -3‬طبيعة القيم ‪:‬‬
‫طبيعة القيم إشكالية من إشكاليات فلسفة القيم تتضمن العديد من املسائل من أبرزها ‪:‬‬
‫املسألة ألاولى ‪ :‬تتعلق بالتمييز بين القيم من حيث هي صنفان ‪ :‬صنف ينشده الناس كوسيلة لتحقيق غاية‬
‫و لهذا تختلف باختالف حاجات الناس و مطالبهم ( قيمة العربة ‪ ،‬الكتاب ‪ ...‬مرهونة بما تؤديه من خدمات )‬
‫و تسمى هذه القيم بالقيم الخارجية ‪ ،‬أم الصنف الثاني فيلتمس لذاته و يطلب كغاية و هي قيم باطنية‬
‫ذاتية مستقلة بنفسها ( جمال الزهرة) هذه لاخيرة قيمتها في ذاتها ‪ ،‬و تسمى هنا هذه القيم باملثل العليا ‪.‬‬
‫و هي وحدها في رأي البعض موضع بحث الفيلسوف ‪ ،‬و لكنها ليست كذلك عند سائر الباحثين ‪،‬إال أنه‬
‫تجدر لاشارة هنا أن هناك موقف ث فمنهم من يضعون الوسيلة على قدم املساواة مع الغاية عند التقويم‬
‫فكل من الوسيلة و الغاية يتبادل مركزه و مكانه مع لاخر ‪ ،‬و ليس ثمة غاية مطلقة ال تكون وسيلة لغيرها‬
‫كما أن من املمكن ان تعد وسيلة غاية في مرحلة من املراحل ‪ ،‬فالحياة تصبح عبئا ثقيال على الاحتمال إذا لم‬
‫تكن الوسائل غايات في آن واحد و إذا لم تكن لها قيمتها الخاصة ‪ ،‬أو إذا ظلت الوسيلة دائما كالدواء املر‬
‫املذاق ال قيمة له في ذاته إال أن يلتمس وسيلة للشفاء ‪.‬‬
‫املسألة الثانية ‪ :‬ترتبط بطبيعة القيمة من حيث هي ذاتية أو موضوعية‪ ،‬أي هل هي من وضع العقل‬
‫و اختراعه ‪ ،‬أم هي صفات عينية لألشياء لها وجودها املستقل عن العقل الذي يدركها ؟ فهي ذاتية‬
‫نسبية خالصة مرجعها إلى الفرد ‪ ،‬و لهذا تختلف باالختالف الزمان و املكان و الظروف و لاحوال فالحق‬
‫]‪[35‬‬
‫و الخير و الجمال إنما يكون بالقياس إلى كل تفكير و شعور و إحساس ‪ ،‬و كمثال على ذلك فإن القيم‬
‫لاخالقية ( خير – شر ) تبقى ذاتية أي أن الوجود الانساني هو الذي يبدعها و يوجدها و يحددها‪ .‬و معنى‬
‫ذلك أنها ال تتمتع بلي استقالل عن السلوك الذي يتصف بها "فإلنسان هو مقياس ألاشياء كلها " فيما‬
‫قاله بروتاغوراس ‪ ،‬هذا الطرح الذي دافع عنه كل من السفسطائيون و لابيقوريون في الفلسفة اليونانية‬
‫و جون بول سارتر و البراغماتيون في الفلسفة املعاصرة ‪ .‬غير أنه هناك من يرى العكس من ذلك‪ ،‬إذ أن‬
‫القيم تكون موضوعية متعالية مستقلة عن سلوك الفرد و هي ليست من صنعه ‪ ،‬لن وجودها سابق عليه‬
‫و بهذا تكون كلية و ثابتة و هو ما يجعلها واحدة بالنسبة لجميع البشر‪ ،‬و من ثمة كانت موضوعية‪ .‬هذا‬
‫الطرح الذي تبنته كل من املدرسة العقلية و الاجتماعية و املثالية على حد سواء يقول أفالطون ‪ " :‬إن هللا‬
‫هو مقياس ألاشياء كلها و ليس إلانسان " ‪.‬‬
‫املسألة الثالثة ‪ :‬و هي تتفرع عن املوقف من ذاتية القيم و موضوعيتها ‪ ،‬و يتعلق لامر هنا بنسبية القيم‬
‫و إطالقها ‪ ،‬و هي ليت امتدادا مباشرا ملسللة ذاتية القيم و موضوعيتها ‪ ،‬فليس كل من أقر بموضوعية‬
‫القيم يسلم أيضا بإطالقها‪ ،‬و ليس كل من يقول بذاتيتها مقر بنسبيتها ‪.‬‬
‫‪ 4 -3‬مكانة القيمة في مذاهب الفلسفة ‪:‬‬
‫ال تحتل نظرية القيمة مكانة محددة ضمن مذاهب الفالسفة و اتجاهاتهم الفكرية ‪ ،‬فهي تنزوي تارة في‬
‫ركن ضتيل من املذهب عندما ال يعرض لها الفيلسوف إال بوصفها قيمة خلقية أو جمالية ‪ ،‬أو منطقية‬
‫أو دينية‪ ،‬أو غير ذلك من صنوف القيم ‪ ،‬و قد تقفز تارة أخرى إلى قمة مذهبه ‪ ،‬فتغدو طابعه الغالب‬
‫و مبدأه املوجه ‪ ،‬و يكون لها داللتها املنهجية العامة التي تسوق نظرة الفيلسوف إلى املشكالت الفلسفية‬
‫جميعا ‪ ،‬و تحكم مواقفه منها ‪ ،‬و حلوله التي يقدمها ‪ .‬و بين تضاؤل ا الهتمام بمسللة القيم أو استيالئها على‬
‫كامل اهتمام الفيلسوف يخلص إلى فيليب وينر مفادها أن كل املذاهب الفكرية ‪ -‬الفلسفية عبارة عن‬
‫أطروحات مشحونة بالقيمة سواء صرحت بذلك أو أنكرته ‪ .‬ففلسفة نيتشه كلها يمكن أن تعد نظرية في‬
‫القيمة ‪ ،‬فهو يتخذ من القيمة مبدأ مذهبه و غايته ‪ ،‬و الحياة عنده بمختلف جوانبها عملية متصلة من‬
‫التقويم ‪ .‬أما ريكرت فيعتبر أن القيم عنده ال توجد بوصفها شيئا ماديا بل توجد بتصديقنا عليها و اقرارنا‬
‫بصحتها ‪ ،‬و لهذا فنحن ملزمون بما ينبغي أن يكون ‪ .‬و جون بول سارتر رغم ضآلة ما يخصصه في مؤلفاته‬
‫ملناقشة مشكلة القيمة أو لاخالق بصفة عامة ‪ ،‬إال أن وجوديته كلها أخالقية الطابع باملعنى الواسع ‪ ،‬فهو‬
‫يقول أن غاية الوجودية هي إقامة ملكوت إنساني يكون نسقا من القيم املتميز عن العالم املادي‪ ،‬و الحياة‬
‫عنده هي املعنى الذي يختاره لانسان لها ‪ .‬كما يمكن اعتبار الفلسفة البراغماتية أنها فلسفة في القيمة من‬
‫خالل مبدئها العام و الذي يرى أن الحقيقة رهينة فكرة القيمة ‪.‬‬
‫]‪[36‬‬
Download