Uploaded by Omar Hisham

الفصل الأول متن القصة

advertisement
‫‪ ‬يوم مجهول‪:‬‬
‫ال يذكر الطفل هلذا ايلوم اسما وال يستطيع أن يعرف هل وقتا حمددا‪ ،‬وإنما يقرب هذه اذلكرى تقريبا‪ ،‬ويرجح أن ذلك الوقت يقع‬
‫يف الفجر أو العشاء‪ ،‬ذلك ألن وجهه يف ذلك ايلوم املجهول تلىق يشء من اهلواء اخلفيف ابلارد اذلي لم تمسه حرارة الشمس‪ ،‬كما أنه‬
‫يذكر أنه تلىق نورا هادئا خفيفا تغطي الظلمة جوانبه‪ ،‬وما يؤكد أن هذا الوقت اكن يف الفجر أو العشاء أن الصيب لم يشعر حبركة‬
‫قوية‪ ،‬وإنما اكن يشعر حبركة ضعيفة مقبلة ىلع انلوم أو مستيقظة منه ‪.‬‬
‫‪ ‬السياج واألرنب من ذكريات الطفولة‪:‬‬
‫لم يبىق هلذا الصيب من ذكريات هذا ايلوم املجهول سوى ذكرى السياج الطويل من القصب واذلي اكن حييط بابليت وليس بينه‬
‫وبني ابلاب إال خطوات قصار‪ ،‬فهو ‪-‬السياج‪ -‬أطول من قامة الصيب قليال فال يستطيع أن يثب من فوقه‪ ،‬واكن قصبه متقارب دلرجة‬
‫اتلالصق دلرجة تمنعه من االنسالل من بني قصبه‪ ،‬واكن ممتدا عن شماهل إىل حيث ال يعلم هل نهاية‪ ،‬وعن يمينه إىل حيث قناة بعيدة ‪،‬‬
‫اكن هلا يف خياهل تأثريا عظيم ‪.‬‬
‫وكذلك يذكر من ذلك ايلوم األرانب اليت اكن حيسدها ىلع قدرتها ىلع الوثب خارج السياج‪ ،‬أو االنسياب من بني قصبه‪ ،‬واخلروج‬
‫من ابليت مىت شاءت تلأكل ما وراءه من نباتات ‪ .‬ويذكر الصيب من هذه انلباتات الكرنب خاصة ‪.‬‬
‫‪ ‬أو قات التفكير وصوت الشاعر‪:‬‬
‫وكذلك فإن الصيب اكن يذكر من هذا ايلوم أنه اكن حيب اخلروج من ابليت بعد غروب الشمس‪ ،‬وخباصة بعد أن يتعىش انلاس‪،‬‬
‫فاكن يعتمد ىلع قصب السياج‪ ،‬وتأخذه اتلأمالت واألفاكر بعيدا عن أرض الواقع فال يرده إىل الواقع إال صوت الشاعر اذلي اكن جيلس‬
‫ىلع شماهل الصيب‪ ،‬ويلتف حوهل انلاس يستمعون إىل إنشاده وحاكياته عن أيب زيد اهلاليل والزنايت خليفة ودياب‪ .‬فتجد أن لك انلاس‬
‫سكوت فال تسمع هلم صوتا إال حني يستخفهم الطرب‪ ،‬أو تستفزهم الشهوة‪ ،‬فيتمارون ويتخاصمون‪ ،‬فيسكت الشاعر حىت يصمتوا‬
‫بعد وقت طويل أو قصري ثم يكمل إنشاده بنغمة عذبة ال تكاد تتغري‪.‬‬
‫‪ ‬ذكريات أليمة‪:‬‬
‫ويذكر الصيب أنه ما خرج يوما إىل السياج إال وشعر حبرسة الذعة‪ ،‬وذلك أنه اكن يعرف أنه بمجرد اخلروج فإن أخته ستقطع‬
‫عليه نشوة استماعه إىل إنشاد الشاعر‪ ،‬وذلك أنها ستدعوه لدلخول فيأىب وباتلايل ستخرج إيله وحتمله بالقوة وجتري به إىل أمه‪ ،‬حيث‬
‫تضع رأسه ىلع فخذي أمه فتفتح هل عينيه املظلمتني وتقطر فيهما ذلك السائل اذلي يؤذي عينيه وال جيدي يف يشء‪،‬وهو وإن اكن‬
‫يشعر بألم شديد إال أنه لم يكن يبيك ولم يكن يشكو‪ ،‬وذلك أنه لم يرد أن يكون كأخته الصغرية اليت دائما ما تبيك بكاء وتشكو‪،‬‬
‫ثم تنقله أخته إىل زاوية يف حجرة صغرية ليك ينام ىلع حصري مبسوط يف األرض فوقها حلافا وتلىق عليه حلافا آخر وترتكه يف حرساته‪،‬‬
‫حىت أنه من شدة احلرسة اكن يمد سمعه كأنه يريد أن خيرتق احلائط لعله يسمع بعضا من تلك انلغمات احللوة اليت يرددها الشاعر‪،‬‬
‫وال يرصفه عن تلك احلرسة إال انلوم‪ ،‬فما يشعر إال وقد استيقظ وانلاس نيام وإخوته جبانبه يغطون يف انلوم غطا شديدا‪ ،‬فيكشف‬
‫اللحاف عن وجهه بني الرتدد واخلوف ألنه اكن خياف أن ينام مكشوف الوجه‪.‬‬
‫‪ ‬أوهام وتصورات ومخاوف أثناء النوم‪:‬‬
‫فقد اكن الصيب الصغري واثقا بأنه لو كشف وجهه أو أخرج أحد أطرافه من حتت اللحاف لعبث بها أحد العفاريت اليت تمأل لك‬
‫أرجاء ابليت‪ ،‬واليت ال تهبط حتت األرض إال بعد بزوغ الشمس فإذا جاء الليل وأوى انلاس إىل مضاجعهم وهدأت األصوات خرج‬
‫العفاريت من حتت األرض ومألت الفضاء حركة وأضطرابا وتهامسا وصياحا ‪.‬‬
‫‪ ‬االستيقاظ فجرا والضوضاء التي كان يصنعها‪:‬‬
‫اكن الصيب كثريا ما يستيقظ فجرا فيسمع صياح ادليكة وادلجاج وجيتهد يف أن يمزي بني هذه األصوات‪ ،‬فاكن يرى أن بعضها‬
‫أصوات دليكة حقيقية وابلعض اآلخر ما هو إال أصوات للعفاريت اليت تقدل ادليكة‪ ،‬ولكنه لم يكن خياف من أصوات العفاريت‪،‬‬
‫وذلك أنها اكنمت تأتيه من بعيد‬
‫ولكن خوفه األكرب إنما اكن ينبع من تلك األصوات اليت تصدر ضئيلة وضعيفة من زوايا احلجرة‪ ،‬يمثل بعضها أزيز املرجل‪،‬‬
‫يغيل ىلع انلار‪ ،‬وأصوات حركة املتاع حينما ينقل من ماكن آلخر‪ ،‬وكذلك اكن خياف من صوت احلطب حينما يقسم أو يتحطم بل إن‬
‫اخلوف وصل به إىل درجة توهم بعض األشياء اليت لم يكن هلا أساس من الواقع‪ ،‬فهو يتوهم هناك من يقف ىلع باب احلجرة يسده‬
‫عليه سدا منيعا‪ ،‬وهذا الشخص يقوم حبراكت خمتلفة وغريبة تشبه حلد كبري حركة املتصوفة يف حلقات اذلكر‬
‫هذه املخاوف واألشباح اليت اكن يشعر بها الصيب لم جيد هل حصن منها سوى ذلك اللحاف اذلي يلفه حول وجهه‪ ،‬دون أن يدع بينه‬
‫وبني اهلواء منفذ أو ثغرة‪ ،‬فقد اكن واثقا لك اثلقة بأنه لو تر ثغرة ولو صغرية فإن العفريت البد أن يدخل منها العفريت يده إيله ‪.‬‬
‫وذللك اكن يقيض يلله يف هذه املخاوف واألوهام واألهوال إال حينما يغلبه انلوم‪ ،‬فينام قليال ورساعن ما يستيقظ يلكمل رحلة‬
‫املخاوف واألوهام‪ ،‬وال تستقر من اخلوف إال حينما يسمع أصوات النساء وهن يتغنني (اهلل يايلل اهلل‪ )......‬فهنا يعرف أن الفجر قد‬
‫حرض وأن العفاريت قد هربت إىل حتت األرض وهنا يتحول هو إىل عفريت‪،‬فيظل يتحدث ىلغ نفسه بصوت اعل ويتغىن بما حيفظ من‬
‫أناشيد ويغمز إخوته حىت يوقظهم مجيعا ‪ .‬ويظل يلعب معهم حىت تتعاىل أصواتهم وصيحاتهم‪ ،‬وال يوقفهم عنها إال صوت الشيخ اذلي‬
‫استيقظ لصالة الفجر وقراءة ورده من القرآن ورشب القهوة‪ ،‬فإذا ما أغلق ابلاب وراء الشيخ بعد خروجه اعدت الصيحات واللعب‬
‫حىت خيتلط بالطيور واملاشية اليت يف ابليت‪.‬‬
Download