يوم مجهول: ال يذكر الطفل هلذا ايلوم اسما وال يستطيع أن يعرف هل وقتا حمددا ،وإنما يقرب هذه اذلكرى تقريبا ،ويرجح أن ذلك الوقت يقع يف الفجر أو العشاء ،ذلك ألن وجهه يف ذلك ايلوم املجهول تلىق يشء من اهلواء اخلفيف ابلارد اذلي لم تمسه حرارة الشمس ،كما أنه يذكر أنه تلىق نورا هادئا خفيفا تغطي الظلمة جوانبه ،وما يؤكد أن هذا الوقت اكن يف الفجر أو العشاء أن الصيب لم يشعر حبركة قوية ،وإنما اكن يشعر حبركة ضعيفة مقبلة ىلع انلوم أو مستيقظة منه . السياج واألرنب من ذكريات الطفولة: لم يبىق هلذا الصيب من ذكريات هذا ايلوم املجهول سوى ذكرى السياج الطويل من القصب واذلي اكن حييط بابليت وليس بينه وبني ابلاب إال خطوات قصار ،فهو -السياج -أطول من قامة الصيب قليال فال يستطيع أن يثب من فوقه ،واكن قصبه متقارب دلرجة اتلالصق دلرجة تمنعه من االنسالل من بني قصبه ،واكن ممتدا عن شماهل إىل حيث ال يعلم هل نهاية ،وعن يمينه إىل حيث قناة بعيدة ، اكن هلا يف خياهل تأثريا عظيم . وكذلك يذكر من ذلك ايلوم األرانب اليت اكن حيسدها ىلع قدرتها ىلع الوثب خارج السياج ،أو االنسياب من بني قصبه ،واخلروج من ابليت مىت شاءت تلأكل ما وراءه من نباتات .ويذكر الصيب من هذه انلباتات الكرنب خاصة . أو قات التفكير وصوت الشاعر: وكذلك فإن الصيب اكن يذكر من هذا ايلوم أنه اكن حيب اخلروج من ابليت بعد غروب الشمس ،وخباصة بعد أن يتعىش انلاس، فاكن يعتمد ىلع قصب السياج ،وتأخذه اتلأمالت واألفاكر بعيدا عن أرض الواقع فال يرده إىل الواقع إال صوت الشاعر اذلي اكن جيلس ىلع شماهل الصيب ،ويلتف حوهل انلاس يستمعون إىل إنشاده وحاكياته عن أيب زيد اهلاليل والزنايت خليفة ودياب .فتجد أن لك انلاس سكوت فال تسمع هلم صوتا إال حني يستخفهم الطرب ،أو تستفزهم الشهوة ،فيتمارون ويتخاصمون ،فيسكت الشاعر حىت يصمتوا بعد وقت طويل أو قصري ثم يكمل إنشاده بنغمة عذبة ال تكاد تتغري. ذكريات أليمة: ويذكر الصيب أنه ما خرج يوما إىل السياج إال وشعر حبرسة الذعة ،وذلك أنه اكن يعرف أنه بمجرد اخلروج فإن أخته ستقطع عليه نشوة استماعه إىل إنشاد الشاعر ،وذلك أنها ستدعوه لدلخول فيأىب وباتلايل ستخرج إيله وحتمله بالقوة وجتري به إىل أمه ،حيث تضع رأسه ىلع فخذي أمه فتفتح هل عينيه املظلمتني وتقطر فيهما ذلك السائل اذلي يؤذي عينيه وال جيدي يف يشء،وهو وإن اكن يشعر بألم شديد إال أنه لم يكن يبيك ولم يكن يشكو ،وذلك أنه لم يرد أن يكون كأخته الصغرية اليت دائما ما تبيك بكاء وتشكو، ثم تنقله أخته إىل زاوية يف حجرة صغرية ليك ينام ىلع حصري مبسوط يف األرض فوقها حلافا وتلىق عليه حلافا آخر وترتكه يف حرساته، حىت أنه من شدة احلرسة اكن يمد سمعه كأنه يريد أن خيرتق احلائط لعله يسمع بعضا من تلك انلغمات احللوة اليت يرددها الشاعر، وال يرصفه عن تلك احلرسة إال انلوم ،فما يشعر إال وقد استيقظ وانلاس نيام وإخوته جبانبه يغطون يف انلوم غطا شديدا ،فيكشف اللحاف عن وجهه بني الرتدد واخلوف ألنه اكن خياف أن ينام مكشوف الوجه. أوهام وتصورات ومخاوف أثناء النوم: فقد اكن الصيب الصغري واثقا بأنه لو كشف وجهه أو أخرج أحد أطرافه من حتت اللحاف لعبث بها أحد العفاريت اليت تمأل لك أرجاء ابليت ،واليت ال تهبط حتت األرض إال بعد بزوغ الشمس فإذا جاء الليل وأوى انلاس إىل مضاجعهم وهدأت األصوات خرج العفاريت من حتت األرض ومألت الفضاء حركة وأضطرابا وتهامسا وصياحا . االستيقاظ فجرا والضوضاء التي كان يصنعها: اكن الصيب كثريا ما يستيقظ فجرا فيسمع صياح ادليكة وادلجاج وجيتهد يف أن يمزي بني هذه األصوات ،فاكن يرى أن بعضها أصوات دليكة حقيقية وابلعض اآلخر ما هو إال أصوات للعفاريت اليت تقدل ادليكة ،ولكنه لم يكن خياف من أصوات العفاريت، وذلك أنها اكنمت تأتيه من بعيد ولكن خوفه األكرب إنما اكن ينبع من تلك األصوات اليت تصدر ضئيلة وضعيفة من زوايا احلجرة ،يمثل بعضها أزيز املرجل، يغيل ىلع انلار ،وأصوات حركة املتاع حينما ينقل من ماكن آلخر ،وكذلك اكن خياف من صوت احلطب حينما يقسم أو يتحطم بل إن اخلوف وصل به إىل درجة توهم بعض األشياء اليت لم يكن هلا أساس من الواقع ،فهو يتوهم هناك من يقف ىلع باب احلجرة يسده عليه سدا منيعا ،وهذا الشخص يقوم حبراكت خمتلفة وغريبة تشبه حلد كبري حركة املتصوفة يف حلقات اذلكر هذه املخاوف واألشباح اليت اكن يشعر بها الصيب لم جيد هل حصن منها سوى ذلك اللحاف اذلي يلفه حول وجهه ،دون أن يدع بينه وبني اهلواء منفذ أو ثغرة ،فقد اكن واثقا لك اثلقة بأنه لو تر ثغرة ولو صغرية فإن العفريت البد أن يدخل منها العفريت يده إيله . وذللك اكن يقيض يلله يف هذه املخاوف واألوهام واألهوال إال حينما يغلبه انلوم ،فينام قليال ورساعن ما يستيقظ يلكمل رحلة املخاوف واألوهام ،وال تستقر من اخلوف إال حينما يسمع أصوات النساء وهن يتغنني (اهلل يايلل اهلل )......فهنا يعرف أن الفجر قد حرض وأن العفاريت قد هربت إىل حتت األرض وهنا يتحول هو إىل عفريت،فيظل يتحدث ىلغ نفسه بصوت اعل ويتغىن بما حيفظ من أناشيد ويغمز إخوته حىت يوقظهم مجيعا .ويظل يلعب معهم حىت تتعاىل أصواتهم وصيحاتهم ،وال يوقفهم عنها إال صوت الشيخ اذلي استيقظ لصالة الفجر وقراءة ورده من القرآن ورشب القهوة ،فإذا ما أغلق ابلاب وراء الشيخ بعد خروجه اعدت الصيحات واللعب حىت خيتلط بالطيور واملاشية اليت يف ابليت.