جلسة االستراحة في الصالة وبعض ما يتعلق بها من أحكام إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،من يهده هللا فال مضل له ،ومن يضلل فال هادي له، وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله. أما بعد: أخي الحبيب: هذه مسألة من المسائل التي تتعلق بالصالة وهي مسألة (جلسة االستراحة)، وقد اختلف العلماء رحمهم هللا قديما ً وحديثا ً في ُحكمها وفي ُحكم بعض المسائل التي تتعلق بها. ولكل منهم دليله ومستنده فيما ذهب إليه ،لذلك ينبغي على ال ُمسلم أن يسعه ٍّ في هذه المسالة وغيرها من المسائل الخالفية ما وسع سلف هذه األمة ،إذ الخالف فيه سائغ وممنوع والسائغ منه راجح ومرجوح. وعلى ال ُمسلم أن يدين هللا عز وجل بما ترجح لديه وأال يحمله التعصب والتقليد أن يُنكر على إخوانه ال ُمسلمين ما أداه إليه اجتهادهم واطمأنت إليه نُفوسهم. وهذه بعض المسائل واألحكام التي تتعلق بهذه المسألة وهي على النحو التالي: أوالً :تعريف جلسة االستراحة: جلسة االستراحة :هي جلسة خفيفة يجلسها ال ُمصلي بعد الفراغ من السجدة الثانية من الركعة األولى قبل النهوض إلى الركعة الثانية وبعد الفراغ من السجدة الثانية من الركعة الثالثة قبل النهوض إلى الركعة الرابعة وليس لها ذكر مخصوص. أي إذا فرغ ال ُمصلي من الركعة األولى وأراد أن يقوم للركعة الثانية جلس جلسة خفيفة ثم قام وإذا فرغ من الركعة الثالثة وأراد أن يقوم للركعة الرابعة جلس جلسة خفيفة ثم قام. وتسمى هذه الجلسة ( جلسة األوتار ) ألنها تكون بعد الركعات الوترية " األولى والثالثة " في الصالة. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه هللا ( :جلسة االستراحة هي :التي تكون عند القيام إلى الركعة الثانية أو الرابعة في الرباعية يعني تكون في الرباعية في موضعين عند القيام للركعة الثانية وعند القيام للركعة الرابعة وفي الثالثية والثنائية في موضع واحد وهو عند القيام للركعة الثانية ) أهـ ( .مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين جـ 13ص .) 230 ثانيا ً ُ -حكم جلسة االستراحة: اتفق العلماء على أن جلسة االستراحة ليست من واجبات الصالة. ولكن اختلفوا في ُحكمها هل هي سنة أم ال؟ على ثالثة أقوال: القول األول: سنة ُمستحبة ُمطلقا ً وهو مذهب الشافعية في المشهور ورواية عند أنها ُ الحنابلة. قال النووي رحمه هللا ( :وبه قال مالك بن الحويرث وأبو حميد وأبو قتادة وجماعة من الصحابة رضي هللا عنهم وأبوقالبة وغيره من التابعين ) أهـ( . المجموع شرح المهذب جـ 3ص.) 443 ودليل هذا القول: -1حديث مالك بن ال ُحويرث رضي هللا عنه ( :أنه رأى النبي صلى هللا عليه وسلم يُصلي فإذا كان في وتر من صالته لم ينهض حتى يستوي قاعدا ً ) رواه البخاري (.)823 وتر من صالته ) :يعني الركعات الفردية غير الزوجية وهما وقوله ( :في ٍّ الركعتان األولى والثالثة. وفي رواية أخرى عند البخاري ( )824عن أبي قالبة قال ( :جاءنا مالك بن الحويرث فصلى بنا في مسجدنا هذا فقال :إني ألصلي بكم وما أريد الصالة ولكن أريد أن أريكم كيف رأيت النبي صلى هللا عليه وسلم يصلي؟ قال أيوب :فقلت ألبي قالبة :وكيف كانت صالته؟ قال :مثل صالة شيخنا هذا -يعني عمرو بن سلمة -قال أيوب :وكان ذلك الشيخ " يتم التكبير وإذا رفع رأسه عن السجدة الثانية جلس واعتمد على األرض ثم قام ). وفي رواه عند أبوداود ( )842صححها الشيخ األلباني رحمه هللا في صحيح أبي داود (.)748 عن أبى قالبة قال ( :جاءنا أبو سليمان مالك بن الحويرث إلى مسجدنا فقال: وهللا إنى ألصلى بكم وما أريد الصالة ولكنى أريد أن أريكم كيف رأيت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يصلى؟ قال :قلت :ألبى قالبة كيف صلى؟ قال :مثل صالة شيخنا هذا يعنى عمرو بن سلمة إمامهم وذكر أنه كان إذا رفع رأسه من السجدة اآلخرة في الركعة األولى قعد ثم قام ). وفي رواية عند أحمد ( :)20558عن أبي قالبة قال ( :جاء أبو سليمان مالك بن الحويرث إلى مسجدنا فقال :وهللا إني ألصلي وما أريد الصالة ولكني أريد أن أريكم كيف رأيت النبي صلى هللا عليه وسلم يصلي؟ قال: فقعد في الركعة األولى حين رفع رأسه من السجدة األخيرة ثم قام ). وفي رواية أخرى عند أحمد ( )20539قيَّدها بالركعتين األولى والثالثة وفيها :قال أبو قِالبة ( :فصلى صالة كصالة شيخنا هذا يعني عمرو بن س ِلمة ال َج ْرمي وكان يؤم على عهد النبي صلى هللا عليه وسلم قال أيوب: َ فرأيت عمرو بن سلمة يصنع شيئا ً ال أراكم تصنعونه كان إذا رفع من السجدتين استوى قاعدا ً ثم قام من الركعة األولى والثالثة ). وقالوا :ومما يؤيد القول باستحبابها أن راويها مالك بن الحويرث هو راوي حديث ( :صلوا كما رأيتموني أصلي ) رواه البخاري ( )631فحكايته لصفة صالة النبي صلى هللا عليه وسلم ُمعتبرة فكأنه يُفسر بها هذا األمر الذي رواه. قال الحافظ ابن حجر رحمه هللا في فتح الباري شرح صحيح البخاري (جـ2 ص )302عند شرحه لحديث مالك بن ال ُحويرث ( :وفيه مشروعية جلسة االستراحة وأخذ بها الشافعي وطائفة من أهل الحديث وعن أحمد روايتان وذكر الخالل أن أحمد رجع إلى القول بها ولم يستحبها األكثر واحتج الطحاوي بخلو حديث أبي حميد عنها فإنه ساقه بلفظ " :فقام ولم يتورك " وأخرجه أبوداود أيضا ً كذلك قال :فلما تخالفا احتمل أن يكون ما فعله في حديث مالك بن الحويرث لعلة كانت به فقعد من أجلها ال أن ذلك من سنة الصالة ثم قوى ذلك بأنها لو كانت مقصودة لشرع لها ذكر مخصوص وتعقب بأن األصل عدم العلة وبأن مالك بن الحويرث هو راوي حديث " صلوا كما رأيتموني أصلي" فحكايته لصفات صالة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم داخلة تحت هذا األمر ) أهـ. ساعدي في وصفه لصالة النبي صلى هللا عليه وسلم -2حديث أبي ُح َميد ال َّ وفيه ( :ثم هوى ساجدا ً ثم قال :هللا أكبر ثم ثنى رجله وقعد واعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه ثم نهض ) رواه الترمذي ( )304وابن ُخزَ يمة ( )685وأحمد ( )23647وصححه الشيخ األلباني رحمه هللا في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل ( جـ 2ص .) 14 ورجح هذا القول الشيخ ابن باز رحمه هللا. سنة وليست واجبة هذا هو الصحيح وقال قال رحمه هللا ( :الحاصل أنها ُ سنة في حق العاجز كالمريض والشيخ الكبير والثقيل بعض أهل العلم أنها ُ سنة ُمطلقا ً وإذا تركها بعض من أجل السمنة ونحو ذلك واألرجح أنها ُ األحيان فال بأس ) أهـ ( .فتاوى نور على الدرب جـ 2ص) 327 القول الثاني: سنة ُمطلقا ً وهو مذهب المالكية والحنفية والرواية األخرى عند أنها ليست ُ الحنابلة وقال بذلك الثـوري وأبو الزيـاد وإسحاق بن راهويه. وروي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس رضي هللا ُ عنهم. قال الترمذي :وعليه العمل عند أهل العلم. ودليل هذا القول: -1حديث ( المسيء في صالته ) وقالوا :لم يرد ذكر هذه الجلسة في تعليم النبي صلى هللا عليه وسلم للمسئ في صالته ولو كانت مشروعة لذكرها له. ونُوقش هذا الدليل: بأن النبي صلى هللا عليه وسلم إنما علمه الواجبات فقط دون المسنونات. -2حديث أبي حميد الساعدي ( :ثم كبر فسجد ثم كبر فقام ولم يتورك ) رواه أبوداود ( )733والبيهقي ( )2749وابن حبان (.)1866 ونُوقش هذا الدليل: بأن هذا الحديث ضعيف قال الشيخ األلباني رحمه هللا في ضعيف أبي داود ( ( :)171قلت :حديث ضعيف بهذا السياق وعلته عيسى بن عبد هللا هذا قال ابن المديني: " مجهول " وقد أخطأ في موضعين منه :اإلسناد والمتن. أما األول فقال :عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عباس -أو عياش -بن سهل الساعدي. والصواب :عن محمد بن عمرو عن أبي حميد ليس بينهما عباس -أو عياش – هذا. وأما األخر فهو ذكره التورك بين السجدتين ولم يذكره في التشهد األخير والصواب خالفه أي :أن التورك في التشهد ال بين السجدتين ) أهـ. -3حديث النعمان بن أبي عياش قال ( :أدركت غير واحد من أصحاب النبي صلى هللا عليه وسلم فكان إذا رفع رأسه من السجدة في أول ركعة والثالثة قام كما هو ولم يجلس ) رواه ابن أبي شيبة (.)3989 ونُوقش هذا الدليل: بأن ترك بعض الصحابة لها ال يقدح في عدم سنيتها ألن ترك ما ال يجب جائز. -4قالوا :سائر من وصف صالته صلى هللا عليه وسلم لم يذكر هذه الجلسة وإنما ذكرت في حديث أبي حميد ومالك بن الحويرث. ولو كان هديه صلى هللا عليه وسلم فعلها دائما ً لذكرها كل من وصف صالته صلى هللا عليه وسلم. وقالوا أيضاً :يحتمل أن ما فعله النبي صلى هللا عليه وسلم في حديث مالك لعلة كانت به فقعد من أجلها ولو كانت مشروعة لشرع لها ذكر خاص. ونُوقش هذا الدليل: سنة بل يُحمل على نفي الوجوب فقط وكذلك بأن حديث وائل ال يُنافي كونها ُ يُحمل عليه حديث أبي حميد النافي له. وحجتهم الثانية :يُرد عليها أن السنن ال ُمتفق عليها كال ُمجافاة وغيره لم يستوعبها كل من وصف صالته صلى هللا عليه وسلم إنما أخذت من مجموعهم. وقولهم :يحتمل أن فعله صلى هللا عليه وسلم لها لعله به يُرد عليه بأن األصل عدم العلة ومالك راوي هذه الجلسة هو راوي ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) فحكايته لصفات صالته صلى هللا عليه وسلم داخلة تحت هذا األمر. ولم يشرع لها ذكر مخصوص ألنها جلسة خفيفة جدا ً استغنى فيها بالتكبير المشروع للقيام. القول الثالث: التفصيل فإن كان ال ُمصلي ُمحتاجا ً لهذه الجلسة لثقل بدنه أو مرضه أو شيخوخته فيشق عليه القيام ُمباشرة فيجلس ومن ال يشق عليه فال يجلس. وحملوا الحديث السابق الذي رواه البخاري ( )823عن مالك بن الحويرث: ( أنه رأى النبي صلى هللا عليه وسلم يُصلي فإذا كان في وتر من صالته لم ينهض حتى يستوي قاعدا ً ) أنه ذلك كان في آخر حياته صلى هللا عليه وسلم عندما ثقل بدنه وضعف. ألن مالك بن الحويرث قدم على النبي صلى هللا عليه وسلم وهو يتجهز في غزوة تبوك والنبي صلى هللا عليه وسلم في ذلك الوقت قد كبر وبدأ به الضعف. روى مسلم ( )1745عن عائشة رضي هللا عنها قالت( :لما بدن رسول هللا صلى هللا عليه و سلم وثقل كان أكثر صالته جالسا ً ). وسألها عبد هللا بن شقيق ( :هل كان النبي صلى هللا عليه و سلم يصلي وهو قاعد؟ قالت نعم بعدما حطمه الناس ) رواه مسلم (.)1742 وقالت حفصة رضي هللا عنها ( :ما رأيت رسول هللا صلى هللا عليه و سلم صلى في سبحته قاعدا ً حتى كان قبل وفاته بعام فكان يصلي في سبحته قاعدا ً ) رواه مسلم (.)1746 ويؤيد ذلك أن في حديث مالك بن الحويرث ذِكر االعتماد على األرض واالعتماد على الشيء إنما يكون عند الحاجة إليه. واختار هذا القول ابن القيم وابن قدامة ورجحه الشيخ ابن جبرين والشيخ ابن عثيمين والشيخ عبد هللا بن عقيل رحم هللا الجميع. قال ابن القيم رحمه هللا ( :واختلف الفقهاء فيها – أي في جلسة االسترحة - هل هي من سنن الصالة فيُستحب لكل أحد أن يفعلها أو ليست من السنن وإنما يفعلها من احتاج إليها؟ على قولين هما روايتان عن أحمد رحمه هللا قال الخالل :رجع أحمد إلى حديث مالك بن ال ُحويرث في جلسة االستراحة سئل عن النهوض فقال :على وقال :أخبرني يوسف بن موسى أن أبا أمامة ُ صدور القدمين على حديث رفاعة. ُ صدور قدميه وقد وفي حديث ابن عجالن ما يدل على أنه كان ينهض على ُ روي عن عدة من أصحاب النبي صلى هللا عليه وسلم وسائر من وصف صالته صلى هللا عليه وسلم لم يذكر هذه الجلسة وإنما ذكرت في حديث أبي حميد ومالك بن ال ُحويرث. ولو كان هديه صلى هللا عليه وسلم فعلها دائما ً لذكرها كل من وصف صالته صلى هللا عليه وسلم و ُمجرد فعله صلى هللا عليه وسلم لها ال يدل سنة يُقتدى به فيها على أنها من سنن الصالة إال إذا علم أنه فعلها على أنها ُ سنن الصالة فهذا سنة من ُ وأما إذا قدر أنه فعلها للحاجة لم يدل على كونها ُ من تحقيق المناط في هذه المسألة ) أهـ ( .زاد المعاد في هدي خير العباد جـ 1ص) 233 قال الشيخ ابن عثيمين رحمه هللا ( :للعلماء في جلسة االستراحة ثالثة أقوال: القول األول :االستحباب ُمطلقاً. القول الثاني :وعدم االستحباب ُمطلقاً. القول الثالث :التفصيل بين من يشق عليه القيام ُمباشرة فيجلس ومن ال يشق عليه فال يجلس. قال في المغني (جـ 1ص " :)529وهذا فيه جمع بين األخبار وتوسط بين القولين" وذكر في الصفحة التي تليها عن علي بن أبي طالب رضي هللا عنه " :إن من السنة في الصالة المكتوبة إذا نهض الرجل في الركعتين األوليين أن ال يعتمد بيديه على األرض إال أن يكون شيخا ً كبيرا ً ال يستطيع " رواه األثرم ثم قال :وحديث مالك " يعني ابن الحويرث " " :أن النبي صلى هللا عليه وسلم لما رفع رأسه من السجدة الثانية استوى قاعدا ً ثم اعتمد على األرض " محمول على أنه كان من النبي صلى هللا عليه وسلم لمشقة القيام عليه لضعفه وكبره فإنه قال عليه السالم " :إني قد بدنت فال تسبقوني بالركوع وال بالسجود " أهـ .وهذا القول هو الذي أميل إليه أخيرا ً ) أهـ. ( مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين جـ 13ص .) 217 وقال أيضا ً رحمه هللا ( :اختلف العلماء رحمهم هللا هل هي جلسة للراحة أو جلسة للتعبد :فمن قال أنها جلسة للراحة قال إنها ال تُسن إال عند الحاجة إليها كأن يكون اإلنسان كبيرا ً في السن ال يستطيع النُهوض مرة واحدة أو في ركبتيه وجع أو مريضا ً أو ما أشبه ذلك فإذا كان ُمحتاجا ً إليها فإنه يجلس وفي هذه الحال تكون مشروعة من جهة أن ذلك أرفق به وما كان أرفق بالمرء فهو أولى. ومن العلماء من قال :إنها جلسة عبادة وإنها مشروعة لكل مص ٍّل سواء كان نشيطا ً أو غير نشيط. ومنهم من قال :إنها غير مشروعة ُمطلقاً. فاألقوال إذا ً ثالثة وأرجح األقوال عندي :أنها جلسة راحة ودليل ذلك أنها ليس لها تكبير عند الجلوس وال عند القيام منها وليس فيها ذكر مشروع وكل فعل مقصود فإنه يكون فيه ذكر مشروع فعلم بهذا أنها جلسة راحة وأن اإلنسان إذا كان محتاجا ً إليها فليرح نفسه اقتدا ًء بنبيه صلى هللا عليه وسلم وإال فال يجلس. وهذا اختيار صاحب المغني واختيار ابن القيم في زاد المعاد وهو أرجح األقوال فيما أرى ) أهـ. ( مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين جـ 13ص .) 221 ثالثاًُ :حكم جلسة االستراحة للمأموم: اختلف العلماء في ُحكم جلوس المأموم خلف إمامه في جلسة االستراحة في الحاالت التالية: الحالة األولى :إذا كان اإلمام ال يجلس هذه الجلسة ألنه يرى عدم مشروعيتها والمأموم يجلس ألنه يرى مشروعيتها ( أي يجلس المأموم هذه الجلسة وال يجلسها اإلمام ). الحالة الثانية :إذا كان اإلمام يجلس هذه الجلسة ألنه يرى مشروعيتها والمأموم ال يجلس ألنه ال يرى مشروعيتها ( أي يجلس اإلمام هذه الجلسة وال يجلسها المأموم ). الحالة الثالثة :إذا كان اإلمام يجلس هذه الجلسة ألنه يرى مشروعيتها والمأموم يجلس مثله اتباعا ً له سواء كان المأموم يرى مشروعيتها أو ال ( أي يجلس اإلمام والمأموم ). وسبب الخالف في هذه المسألة هو :هل جلوس المأموم في هذه الحال وتأخره عن اإلمام ينافي ال ُمتابعة التي أمر بها النبي صلى هللا عليه وسلم أم ال؟ أما الحالة األولى :فذهب بعض العلماء إلى أن المأموم يجلس لالستراحة ولو لم يجلسها اإلمام وكان تأخر المأموم في هذه الحال يسير ال يضر. أما الحالة الثانية :فلو كان اإلمام يجلس ألنه يرى مشروعيتها والمأموم ال يجلس ألنه ال يرى مشروعيتها فال يجوز للمأموم أن يسبق إمامه بالقيام بل يجلس اتباعا ً لإلمامه وال يسبقه بالفعل ألن سبق المأموم لإلمام في األفعال الظاهرة يُنافي ال ُمتابعة ويُوقع في ال ُمخالفة التي حذر منها النبي صلى هللا عليه وسلم بقوله ( إنما جعل اإلمام ليؤتم به فال تختلفوا عليه ) رواه البخاري ( )722ومسلم ( )957عن أبي هريرة رضي هللا عنه. أما الحالة الثالثة :فهي األصل ألن موافقة اإلمام في األفعال أي ال ُمتابعة له بأن يأتي المأموم بها بعد اإلمام مباشرة هو السنة. وألن متابعة اإلمام واجبة ولذلك وجب على المأموم أن يتابع إمامه حتى في ترك الواجب وذلك فيما لو قام اإلمام من التشهد األول سهوا ً فإن المأموم ال يجلس ُمتابعةً لإلمام بل وقد يترك المأموم الركن من أجل ُمتابعة اإلمام كما يدل لذلك حديث جابر رضي هللا عنه قال ( :اشتكى النبي صلى هللا عليه و سلم فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره فالتفت إلينا فرآنا قياما ً فأشار إلينا فقعدنا فصلينا بصالته قعودا ً فلما سلم قال :إن كدتم لتفعلوا فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فال تفعلوا ائتموا بأئمتكم إن صلى قائما ً فصلوا قياما ً وان صلى قاعدا ً فصلوا قعودا ً ) رواه البخاري في األدب المفرد ( )948ومسلم (.)955 فالراجح في هذه المسألة هو ُمتابعة اإلمام فال يجلس المأموم في حالة عدم جلوس اإلمام لها وهو اختيار شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا ورجح هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه هللا وغيره من العلماء. سئل شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا :في رجل يصلي مأموما ً ويجلس بين ُ الركعات جلسة االستراحة ولم يفعل ذلك اإلمام فهل يجوز ذلك له؟ وإذا سرعة اإلمام؟ جاز :هل يكون ُمنقصا ً ألجره ألجل كونه لم يُتابع اإلمام في ُ فأجاب رحمه هللا بقوله ( :جلسة االستراحة قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى هللا عليه و سلم جلسها لكن تردد العلماء هل فعل ذلك من كبر السن للحاجة أو فعل ذلك ألنه من سنة الصالة. فمن قال بالثاني :استحبها كقول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين. ومن قال باألول :لم يستحبها إال عند الحاجة كقول أبي حنيفة ومالك وأحمد في الرواية األخرى ومن فعلها لم يُنكر عليه وإن كان مأموما ً لكون التأخر بمقدار ما ليس هو من التخلف المنهي عنه عند من يقول باستحبابها وهل هذا إال فعل في محل اجتهاد فإنه قد تعارض فعل هذه السنة عنده وال ُمبادرة إلى موافقة اإلمام فإن ذلك أولى من التخلف لكنه يسير فصار مثل ما إذا قام من التشهد األول قبل أن يُكمله المأموم والمأموم يرى أنه مستحب أو مثل أن يسلم وقد بقي عليه يسير من الدعاء هل يسلم أو يتمه؟ ومثل هذه المسائل هي من مسائل االجتهاد واألقوى أن متابعة اإلمام أولى من التخلف لفعل ُمستحب وهللا أعلم ) أهـ ( .الفتاوى الكبرى جـ 2ص188 ) وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه هللا ( :مسألة :إذا كان اإلنسان مأموما ً فهل يُسن له أن يجلس إذا كان يرى هذا الجلوس سنة أو متابعة اإلمام أفضل؟ الجواب :أن ُمتابعة اإلمام أفضل ولهذا يترك الواجب وهو التشهد األول ويفعل الزائد كما لو أدرك اإلمام في الركعة الثانية فإنه سوف يتشهد في أول ركعة فيأتي بتشهد زائد من أجل ُمتابعة اإلمام بل يترك اإلنسان الركن من أجل ُمتابعة اإلمام فقد قال النبي عليه الصالة والسالم ( :إذا صلى قاعدا ً فصلوا قعودا ً ) فيترك ركن القيام وركن الركوع فيجلس في موضع القيام ويُومئ في موضع الركوع كل هذا من أجل ُمتابعة اإلمام. فإن قال قائل :هذه الجلسة يسيرة ال يحصل بها تخلف عن اإلمام. فالجواب :أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ( :إذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا وإذا كبر فكبروا ) فأتى بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب بدون ُمهلة وهذا يدل على أن األفضل في حق المأموم أال يتأخر عن اإلمام ولو يسيرا ً بل يُبادر بال ُمتابعة فال يُوافق وال يُسابق وال يتأخر وهذا هو حقيقة االئتمام ) أهـ ( .الشرح الممتع جـ 3ص.) 192 رابعاً :كيفية جلسة االستراحة: للعلماء في كيفية جلسة االستراحة قوالن: األول -يجلس ُمفترشا ً كصفة الجلوس بين السجدتين لحديث أبي ُح َميد ساعدي عند ابن خزيمة ( جـ 1ص 341ح )685وفيه ( :ثم ثنى رجله ال َّ اليسرى وقعد عليها واعتدل حتى يرجع كل عظم منه إلى موضعه ثم هوى ساجدا ً وقال :هللا أكبر ثم ثنى رجله وقعد فاعتدل حتى يرجع كل عظم إلى موضعه ثم نهض ). الرجل اليسرى فالجلسة تكون بأن يثني رجله بالرجل المثنيَّة ِ والمقصود ِ الرجل اليمنى ثم يقعد على اليسرى وهي اليسرى -أي يفرشها -وينصب ِ تماثل الجلسة للتَّشهد األوسط. وهذا مذهب الشافعي ورواية عن أحمد وهو الراجح. الثاني -يجلس على أليتيه وهي رواية ثانية عن أحمد قال الخالل :روي عن أحمد ما ال أحصيه كثرة أنه يجلس على أليتيه. قال القاضي أبو َي ْعلَى :يجلس على قدميه وأليتيه مفضيا ً بهما إلى األرض. خامساً :كيفية النُهوض من جلسة االستراحة: للعلماء في كيفية النُهوض من جلسة االستراحة قوالن: األول -ينهض ُمعتمدا ً على يديه للحديث السابق عن مالك بن الحويرث وفيه ( :وإذا رفع رأسه من السجدة الثانية جلس واعتمد على األرض ثم قام ) وهذا مذهب مالك والشافعي. صدور قدميه ُمعتمدا ً على ركبتيه أو واضعا ً كفيه على الثاني -ينهض على ُ فخذيه وهذا مذهب أحمد. واحتج لها بحديث أبي هريرة رضي هللا عنه قال ( :كان النبي صلى هللا صدور قدميه ) رواه الترمذي ()288 عليه وسلم ينهض في الصالة على ُ والبيهقي ( )231والطبراني ( )3409وضعفه الشيخ األلباني رحمه هللا في اإلرواء (.)362 وبما ُروى عن وائل بن حجر قال ( :وإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه ) رواه أبوداود ( )736والطبراني (جـ 22ص 28ح)60 وضعفه الشيخ االلباني رحمه هللا في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (.)363 صدور قدميه ُمعتمدا ً على قال ابن قدامة رحمه هللا ( :ينهض إلى القيام على ُ ركبتيه وال يعتمد على يديه قال القاضي :ال يختلف قوله – أي أحمد – أنه ال يعتمد على األرض سواء قلنا يجلس لالستراحة أو ال يجلس وقال مالك سنة أن يعتمد على يديه في النهوض ألن مالك بن ال ُحويرث والشافعي :ال ُّ قال في صفة صالة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم " أنه لما رفع رأسه من السجدة الثانية استوى قاعدا ً ثم اعتمد على األرض " رواه النسائي وألن ذلك أعون لل ُمصلي ولنا ما روى وائل بن ُح ْجر قال " :رأيت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه " رواه النسائي واألثرم وفي لفظ " :وإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه " وعن ابن عمر قال " :نهى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصالة " رواهما سنة في الصالة المكتوبة إذا أبوداود وقال علي رضي هللا عنه :إن من ال ُ نهض الرجل من الركعتين األوليين أن ال يعتمد بيديه على األرض إال أن يكون شيخا ً كبيرا ً ال يستطيع رواه األثرم ) أهـ ( .المغني جـ 1ص .)380 سادساً :هل تُرفع األيدي عند النُهوض من جلسة االستراحة؟ للعلماء في هذه المسالة قوالن والراجح أن األيدي ال تُرفع في الصالة إال في أربعة مواضع :عند تكبيرة اإلحرام وعند الركوع وعند الرفع منه وعند القيام من التشهد األول. فعن عبدهللا بن عمر رضي هللا عنهما قال ( :رأيت النبي صلى هللا عليه وسلم افتتح التكبير في الصالة فرفع يديه حين يكبر حتى يجعلهما حذو منكبيه وإذا كبر للركوع فعل مثله وإذا قال :سمع هللا لمن حمده فعل مثله وقال :ربنا ولك الحمد وال يفعل ذلك حين يسجد وال حين يرفع رأسه من السجود ) رواه البخاري (.)738 وعن نافع أن ابن عمر رضي هللا عنهما ( :كان إذا دخل الصالة كبر ورفع يديه وإذا ركع رفع يديه وإذا قال سمع هللا لمن حمده رفع يديه وإذا قام من الركعتين رفع يديه ورفع ذلك ابن عمر إلى نبي هللا صلى هللا عليه وسلم ) رواه البخاري (.)739 سابعاً :متى يكبر للنهوض من جلس لالستراحة؟ للعلماء في هذه المسالة قوالن: األول -إذا نهض من جلسة االستراحة قائماً. الثاني -ينهي تكبيره عند انتهاء جلوسه ثم ينهض من غير تكبير وهو الراجح. قال ابن قدامة رحمه هللا ( :يستحب أن يكون ابتداء تكبيره مع ابتداء رفع رأسه من السجود وانتهاؤه عند اعتداله قائما ً ليكون مستوعبا ً بالتكبير جميع الركن المشروع فيه وعلى هذا بقية التكبيرات إال من جلس جلسة االستراحة فإنه ينتهي تكبيره عند انتهاء جلوسه ثم ينهض للقيام بغير تكبير. وقال أبو الخطاب :ينهض مكبرا ً وليس بصحيح فإنه يفضي إلى أن يوالي بين تكبيرتين في ركن واحد لم يرد الشرع بجمعهما فيه ) أهـ ( .المغني جـ 1ص.) 381 أخي الحبيب ،أكتفي بهذا القدر وفيه الكفاية إن شاء هللا. وأسأل هللا عز وجل أن يكون هذا البيان شافيا ً كافيا ً في توضيح المراد وأسأله سبحانه أن يرزقنا التوفيق والصواب في القول والعمل. وما كان من صواب فمن هللا وما كان من خطأ أو زلل فمنى ومن الشيطان وهللا ورسوله من بريئان وهللا الموفق وصلي اللهم علي نبينا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين. وفي الختام أسأل هللا عز وجل لي ولكم ولجميع المسلمين العلم النافع والعمل الصالح وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين.