ُ ابع الفصل ال ّر ُ غاصت أسماك التّونة ،والتّونة هو االسم مر ًة أُخرى، ْ ّ الصيّادون على األسماك جميعها من ذلك النّوع، الّذي يطلقه َّ الخاص عندما كل سمكة من تلك األسماك باسمها ويُميِّزون َّ ِّ حار ًة يأتون لبيعها أو ُمقايضتها بسمك ُّ الط ْعم .وغدت َّ الشمس َّ وأحس بالعرق يتصبَّب الشيخ بحرارتها في قفاه، اآلن ،وشعر ّ ّ يجدف ،وقال في نفسه« :أستطيع أن أدع على ظهره وهو ِّ واضعا طرفًا من الخيط حول القارب ينساب مع الّتيار ،وأنام ً والثمانون، إبهام قدمي ليوقظنيَّ ، ولكن اليوم هو اليوم الخامس ّ الصيد ممارس ًة جيِّدة هذا النهار». وينبغي أن أمارس َّ الحظ -وهو يُراقب خيوطه -أن في تلك اللَّحظة بالذّاتَ ، بحدة. إحدى العصي الخضراء النّاتئة تغطس َّ ّ قال: «-نعم ،نعم». ومد يده إلى ورفع مجدافَيه دون أن يرتطما بالقاربَّ ، وأمسك به في ٍ وسبّابتها ،لم الخيط، َ رفق بين إبهام يده اليمنى َ فظل ُم ً بخفةّ ،ثم جاءت يحس بتوتُّ ٍر وال ٍ بثقل َّ مسكا بالخيط َّ ّ 63 مترددة ،ليست شديدة المرة كانت جذبة ِّ مر ًة أُخرى ،وهذه َّ َّ بالضبط ،هناك في العمق؛ وال ثقيلة ،وأدرك ما كانت تعني ّ غطي السردين الّذي يُ ّ على بُعد مائة قامة سمك ُة مارلين تأكل َّ ص من رأس سمكة الصنارة ،وساقها حيث يبرز ِّ طرف ِّ الش ُّ الصغيرة. التّونة َّ الشيخ الخيط بلطف ،وحلَّه من العصا بيده اليسرى َ أمسك ّ ٍ بلطف ،اآلن يمكنه أن يدعه ينفلت من بين أصابعه دون أن بأي ش ّد. السمكة ِّ تشعر َّ ّ الشهر ،وعلى هذا البُعد ،ال بُ ّد أن تكون وفك َر« :في هذا َّ السمكة- السمكة ضخمةُ .كلي قطع ُّ الطعم -أيَّتها ّ هذه َّ ُكليها ،أرجوك أن تأكليها ،ما أطيبَهاِ ، وأنت هناك على عمق ستمائة قدم في الماء البارد وفي العتمة ،دوري دور ًة أخرى الط ْعم. في الظالم ،وعودي لتأكلي ُّ الرقيق الخفيف ،ث ُّم بجذب ٍة أش ّد عندما صعب وشعر بالجذب َّ ص -كما يبدو -ث ُّم ال شيء. السردينة من ِّ الش ّ خلع رأس َّ الشيخ بصوت مرتفع: قال ّ شميها ،أليست شهيّة؟ «-هيّا ،قومي باستدار ٍة ثانية ،فقط ّ 64 ُكليها جيِّ ًدا اآلنّ ،ثم هناك سمكة التّونة ،إنّها صلب ٌة السمكةُ -كليها». وباردةٌ ولذيذةٌ ،ال تخجلي -أيَّتها َّ انتظر والخيط بين إبهامه وسبّابته ،وهو يُراقبه ،ويُراقب َ السمكة قد الخيوط األخرى في الوقت نفسه ،فقد تكون َّ الرقيقة سبحت إلى األعلى أو إلى األسفلّ ،ثم جاءت الجذب ُة ّ مر ًة أخرى. ذاتُها َّ ٍ بصوت ٍ عال: الشيخ قال ّ «-ستبتلعه ،ساعدها يا إلهي كي تلتهمه». انصرفت ،ولم ص ،فقد ومع ذلك َّ السمكة لم تبتلع ِّ ْ الش ّ فإن َّ الشيخ بشي ٍء. حس ّ يُ َّ قال: «-ال يمكن أن تكون قد ذهبَ ْت ،اهلل يعلم أَنَّها ال يمكنها قت ِ ص من االنصراف ،إنَّها تقوم بدورة ،لعلّها َعلِ ْ بش ّ وتتذكر شيئًا من ذلك». قبلَّ ، بالسعادة، أحس باللَّمسة اللَّطيفة على الخيط، وشعر َّ ّثم ّ َ وقال: قامت بدورتها فقط ،وستأكله». «-لقد ْ 65 حس بالجذب اللَّطيفّ ،ثم شعر بشي ٍء كان سعي ًدا عندما أَ َّ السمكةَ ، فترك الخيط شدي ٍد ٍ وثقيل بصور ٍة ال تُ َّ صدق؛ إنَّه ثقل َّ فاتحا بذلك ينفلت إلى األسفل ،وإلى األسفل ،وإلى األسفلً ، ّأو َل الل ََّّفتَيْن االحتياطيَّتَيْن ،وبينما كان الخيط ينساب إلى الشيخ ،كان اليزال بإمكانه أن األسفل بخ ّفة من بين أصابع ّ حس بالثِّقل العظيم ،فقد كان ضغط إبهامه وسبّابته عديم يُ ّ األثر تقريبًا. الشيخ: قال ّ ِ ص في فمها «-يا لها من سمكة! لقد أخذت اآلن ِّ الش َّ بالع ْرض ،وابتعدت به». َ ّ السمكة ستدور ّثم تبتلعه» ،لم ي ُقل ذلك؛ ألنَّه وفك َرَّ : «إن َّ نطقت بشي ٍء َح َس ٍن ،فإنّه قد ال يحصل، كان يعلم أنّ َك إذا َ ابتعدت السمكة ،وتخيّلها وقد ْ لقد أدرك مدى ضخامة تلك َّ بالع ْرض في الم ّ في الظالمِّ ، والش ّ غطى بسمكة التّونة عال ًقا َ ص ُ بالسمكة قد توقّفت ،ولكن حس َّ فمها ،في تلك اللَّحظة ،أَ َّ الثِّقل مازال موجو ًداّ ،ثم ازداد الثِّقل ،فأرخى مزي ًدا من الخيط، ش ّدد من ضغط إبهامه وسبّابته لحظة ،فازداد الثِّقل ،واتَّجه عموديًّا إلى األسفل. 66 قال: ابتلعتْه ،واآلن سأدعها تأكله جيِّ ًدا». «-لقد َ وترك الخيط ينساب من بين أصابعه ،فيما م ّد يده اليسرى ليربط نهاية الل َّّفتَين االحتياطيتَين إلى طرف ٍ خيط آخر في ّ ستعدا ،فقد صار لديه الل َّّفتَين األُخريَين ،وهكذا غدا اآلن ُم ًّ كل واحدة منها أربعون خيط ٌ احتياطي لثالث ل ّفات ،طول ِّ ٌّ قام ًة ،باإلضافة إلى اللَّ ّفة الّتي كان يستعملها. قال: قليلُ ،كليه جيِّ ًدا». ُ - «كلي أكثر ً ص إلى قلبك، وقال في نفسهُ :كليه لكي ينفذ رأس ِّ الش ّ ويقتلك ،اصعدي بسهولة ،ودعيني أَغرز الحربة فيك -حسنًا- أنت مستع ّدة؟ هل ِ هل ِ الطعام؟ بقيت بما فيه الكفاية على مائدة َّ ٍ بصوت مرتفع: قال فسحب يارد ًة من وجذب بش ّد ٍة بكلتا ي َديه، «-اآلن!»، َ َ ذراعيْه مر َة ثانية ،وثالثة بكلتا َ الخيطّ ،ثم جذب الخيط َّ قو ِة ذراعيه وهو يدور بثقل جسده. بالتَّناوبِّ ، وبكل َّ ابتعدت ببط ٍء، السمكة لم يحدث شيءُّ ، ْ كل ما هنالك َّأن َّ 67 ولم ِ الشيخ أن يرفعها بوص ًة واحدة ،كان خيطه متينًا يستطع ّ للسمك الثَّقيل؛ وقد ش ّده إلى ظهره حتّى صار ً ومصنوعا َّ راحت ُحبَيبات الماء تتقافز منهّ ،ثم راح الخيط متوتِّ ًرا ،بحيث ْ هسيسا بطيئًا في الماء ،وهو مازال ُم ِ مس ًكا به ُمستن ًدا يُح ِدث ً ظهره إلى الخلف لمقاومة المركب َو ُم ً بنفسه إلى مقعد َ ميل َ حرك ببط ٍء مبتع ًدا في اتّجاه الجذب ،وأخذ القارب في التّ ُّ رقي. الشمال َّ ّ الش ّ تحر ِ مهل فوق سطح السمكة باطِّراد ،فأبحروا على ٍ كت َّ َّ الط ْعمان اآلخران مازاال في الماء ،ولكن الماء الهادئ ،وكان ُ ليس ّثم َة ما يمكن فعله. ٍ بصوت مرتفع: الشيخ قال ّ جرني ،وأنا «-أَتمنّى لو كان َّ بي معيَّ ، فالسمكة تَ ُّ الص ُّ السمكة الوتد ،كان بإمكاني أن أش ّد الخيط أكثرَّ ، ولكن َّ قد تقطعه ،يجب أن أُ ِ استطعت ،وأعطيها مسك بها ما ُ من الخيط عندما تحتاج إليه ،أحمد اهلل على أنَّها تسافر دما ،وال تغوص إلى األسفل». قُ ً رت أن تغوص إلى األسفل؟ ال ما الّذي سأفعله لو أنَّها َّقر ْ أعرف ،وماذا سأفعل إذا أطل َق ْت صوتًا ،وماتت؟ ال أدري، 68 كثير من األشياء الّتي أستطيع ولكنَّني سأفعل شيئًا ماّ ،ثمة ٌ فعلها. شد الخيط إلى ظهره ،وراقب ميالنه في الماء ،وراح َّ المركب يتحرك ٍ رقي. الشمال ّ بثبات إلى جهة ّ َ َّ الش ّ ّ الشيخ« :هذا سيقتلها ،ال يمكنها أن تفعل هذا إلى فكر ّ السمكة مازالت األبد» ،ولكن بعد أربع ساعات ،كانت َّ تواصل سباحتها في اطِّراد نحو ُعرض البحر ،وهي تقطر بقوة. المركبّ ، والشيخ مايزال يش ّد الخيط حول ظهره ّ َ قال: ُهرا عندما علقتُها ،ولم أَ َرها إلى اآلن». «-كان الوقت ظ ً كان قد دفع ب ُقبَّعته المصنوعة من الخوص بش ّد ٍة في رأسه تحز جبهته، السمكة ،واآلن أخذت قُبَّعته ُّ قبل أن تعلق تلك َّ لئل يضغط على كان ظمآ َن كذلك ،فركع على ركبتَيْه بحذ ٍر ّ المركب، الخيط ،وزحف إلى أقصى ما يمكنه نحو ُم َّ قدم َ قليلّ ،ثم ومد ي ًدا واحدة إلى قنّينة الماء ،وفتحها ،وشرب ً َّ السارية غير استند إلى ُم َّ قدم المركب ،واستراح بالجلوس على ّ والشراع ،وحاول ّأل ِّ يفكر ،بل يحتمل فقط. المرفوعة ِّ 69 نظر خلفه ،فوجد َّأن البَ َّر لم يَ ُع ْد على مدى البصر، ّثم َ دائما العودة ُم ِ ّ سترش ًدا بوهج وفك َر« :ال أَهميّة لذلك ،أستطيع ً الشمس ،وقد األضواء من (هافانا) ،بقيَ ْت ساعتان لغروب َّ السمكة قبل ذلك ،وإذا لم تفعل فقد تظهر عند بزوغ ترتفع َّ الشمس، القمر ،وإذا لم تفعل ذلك فقد تطلع عند شروق َّ بالقوة ،إنَّها هي الّتي عندها ليست عندي أَيَّة تشنُّجات ،وأشعر َّ ولكن ،يا لها من سمكة ،بحيث تستطيع أن ّ الش ّ ص في فمهاْ . الشكل ،ال بُ َّد َّأن فمها ُمطبِق بإحكام على الجر بهذا َّ تواصل ّ مر ًة ِّ السلك ،كم أَتمنّى أن أراها ،أَتمنّى لو أستطيع أن أراها َّ أي غريم يجابهني»؟ واحدة فقط؛ ألعرف َّ خط سيرها ،وال اتّجاهها أَب ًدا طوال تلك السمكة َّ لم تُغيِّر َّ الشيخ أن يحكم به من مالحظة اللّيلة ،حسب ما يستطيع ّ وجف النُّجوم ،أَمسى َّ الشمسَّ ، الطقس بار ًدا بعد أن غابت َّ وذراعيْه وساقَيْه الهرمتَيْن ،وكان َعرق ّ الشيخ بار ًدا على ظهره َ الط ْعم، يغطي صندوق ُّ خالل النهار -قد أخذ الكيس الّذي ّالشمس ،أَخ َذ الشمس لينشف ،وبعد أن غربَ ِت َّ ونشره في َّ ذلك الكيس ،وربطه حول عنقه بحيث يتدلّى على ظهره، وزحزحه بحذر إلى األسفل ليكون تحت الخيط الّذي صار 70 الكيس وساد ًة للخيط ،ووجد على كتفيه اآلن ،حتّى أصبح ُ المركب ،بحيث صار في ّ الشيخ طريق ًة لالتِّكاء على ُم َّ قدم َ مجرد وض ٍع ُم ٍ ريح تقريبًا ،كان وضعه -في حقيقة األمرَّ - حتمل ،ولكنَّه اعتبره وض ٍع ّ يقل ً نوعا ما عن الوضع الّذي ال يُ َ مريح تقريبًا. بمثابة وض ٍع ٍ ّ السمكة، وفك َر ّ الشيخ« :ال أستطيع أن أفعل شيئًا لهذه َّ دامت تواصل َمسلكها وال هي تستطيع أن تفعل شيئًا لي ،ما ْ ذاك». المركب تطلَّع إلى مر ٍة ،نهض ،ومن فوق جانب َ وذات َّ ٍ شريط السير ،وبدا له الخيط مثل النُّجوم ،ودقَّق في ِّ خط َّ تحر ًكا فوسفوري ُّ ٍّ يتحركون ّ يمتد من كت َفيه إلى الماء ،أخذوا َّ أقل لمعانًا ،بحيث أبطأَ اآلن ،وصار َو َه ُج أضواء (هافانا) َّ الشرقَّ ، أَ َ وفك َر« :إنَّني درك أَنَّه ال بُ َّد َّأن الّتيار يحملهم نحو َّ الشرق؛ ألنَّه أَفقد لمعان (هافانا) ،وال بُ َّد أَنَّنا نتَّجه أكثر نحو َّ مستقيما ،فهذا يعني أَنَّني َّ أتمكن السمكة ً إذا كان َخ ُّط سير َّ وتساءل في نفسه :يا من رؤية لمعان (هافانا) ع ّدة ساعات». َ تُرى ،كيف كانت نتيجة مباراة (البيسبول) في نهائي البطولة كنت أفعل هذا وأنا أُتابع المباريات بالمذياع ،لكان اليوم؟ لو ُ 71 دائما، قائل :فَ ِّك ْر في رائعاّ .ثم َّ َ ذك َر نفسه ً ذلك شيئًا ً عملك ً ِّ فعل شائنًا. دائما ،يجب ّأل تقترف ً فك ْر بما تفعل ً ٍ بصوت مسموع: ّثم قال بي معي ،ليساعدني وليشاهد هذا «--أَتمنّى لو كان َّ الص ُّ بعينه». َّ وفك َر« :ال أَح َد ينبغي أن يكون بمفرده في شيخوخته، لي أن آكل مما ليس منه بُ ّد ،يجب أن َّ ولكن ال بُ َّد ّ أتذكر أَ َّن َع ّ تذك ْر مهما التّونة قبل أن تفسد؛ ألبقى قويًّا .وقال لنفسهَّ : الصباح، كانت شهيّتك قليلة ،فإنّه يجب أن تأكل التّونة في َّ تذك ْر. َّ الدالفين من القارب ،وكان وخالل اللَّيل ،اقترب اثنان من َّ بوسعه أن يسمعهما وهما يتقلَّبان وينفخان ،وكان بمقدوره أن يميِّز بين صوت الذّكر وصوت األُنثى. وقال: «-إنّهما لطيفان؛ فهما يلعبان ،ويمرحان ،إنَّهما إخوة لنا، الطائرة». مثل األسماك ّ السمكة العظيمة الّتي جعلها ّثم أخذ يشعر َّ بالشفقة على َّ 72 ومن تعلق بصنّارته ،وقال في نفسه :إنَّها سمك ٌة عجيب ٌة غريبةَ ، اصطدت سمك ًة بهذه يدري ما عمرها؟ لم يحدث أب ًدا أَنَّني ُ الطريقة الغريبة ،ولعلَّها أَ ْعقل فت بهذه َّ تصر ْ ّ القوة ،وال سمك ًة َّ من أن تقفز ،إنّها تستطيع تدميري بالقفز أو االندفاع األهوج، مرات من قبل ،وهي ولكن ،لعلَّها قد علقت ّ ص َّ ْ بالش ِّ عدة ّ تعرف كيف ينبغي لها أن تخوض معركتها ،ليس بمقدورها رجل واح ًدا فقط ،وأَنَّه رجل طاعن أًن تعرف أَنَّها تجابه ً علي عظمها من سمكة ،وماذا ُّ الس ّن ،ولكن ،ما أَ َ في ِّ ستدر ّ الط ْعم مثل السوق إذا كان لحمها جيِّ ًدا ،إنَّها تناولت ُّ في ّ تجره مثل َذ َكر ،وليس من ُذع ٍر في ذكي ،وهي ُّ َذ َك ٍر شجاع ٍّ خطة تتّبعها أم السمكة َّ معركتها ،أتساءل ما إذا كانت لهذه َّ مجرد يائسة مثلي؟ أنَّها َّ زوج َّ المرة الّتي أصاب بصنّارته سمك ًة من ٍ وتذك َر تلك ّ ِ المرلين ،وكان الذَّكر يدع األنثى تأكل َّأو ًل من أسماك َ السمكة األنثى الّتي علقت بالصنّارة ،معرك ًة ً دائما .وخاضت َّ يائس ًة مذعور ًة عنيف ًة ،سرعان ما أنهكتها ،وطَوال الوقت، َّكر إلى جانبها ،يعبر الخيط ،ويدور معها عند سطح بقي الذ ُ الشيخ خشي أنَّه سيقطع الخيط الماء ،بقي قريبًا لدرجة َّأن ّ 73 الشكل بذيله الّذي كان حا ًدا مثل ٍ منجل تقريبًا من حيث َّ بالخطاف ،وضربها بالهراوة، الشيخ ّ والحجم .وعندما طعنها ّ وهو ُم ِ الزجاج، السيف ذي الحافّة الحا ّدة كورق ّ مسك بأنفها ّ قمة رأسها حتّى استحال لونها إلى وراح يضربها بالهراوة على ّ بي -رفعها لون يشبه ظَهر المرايا تقريبًاّ ،ثم -وبمساعدة َّ الص ّ ظل الذَّكر بجانب القارب ،وبعد ذلك ،وفيما إلى القاربّ ، ويجهز الحربة ،قفز الذّكر عاليًا كان ّ الشيخ يجمع الخيوطّ ، السمكة األنثى، في الهواء بجانب القارب؛ ليرى أين صارت َّ ّثم غاص عمي ًقا في الماء ،وكان جناحاه األرجوانيّان -أي نبسطيْن باتِّساع ،بحيث بانت خطوطه الصدريَّتانُ -م َ زعنفتاه َّ جميل ،وبقي في األرجوانيّة العريضةَّ ، الشيخ أنَّه كان ً وتذك َر ّ الماء. وقع لي مع األسماك، وقال ّ الشيخ في نفسه :ذلك أَ ْحزن أَم ٍر َ السمكة األنثى أن وكان َّ بي حزينًا كذلك ،والتمسنا من َّ الص ُّ تعفو عنّا ،وجزرناها في الحال. ٍ بصوت ٍ عال، الصبي هنا» .قال ذلك «-أَتمنّى لو كان َّ قدم المستديرة في ُم َّ واستقر على األلواح الخشبيّة ُ َّ يلفه على كت َفيه، القارب ،ومن خالل الخيط الّذي كان ُّ 74 تتحرك بثبات في أحس ّ بقوة َّ َّ السمكة العظيمة وهي َّ االتّجاه الّذي اختارته. ّ مرة -أن وفك َر ّ الشيخ« :كان من َّ الضروري لها -ذات َّ تختار في مقابل أحابيلي». كانت قد اختارت أن تبقى في المياه العميقة بعيدة عن المصايد والكمائن واألحابيل جميعهاّ ،أما اختياري فكان أن أذهب إلى هناك ألعثر عليها ،بعي ًدا عن الناس جميعهم في الشاكلة منذ معا ،ونحن على هذه ّ العالَم ،واآلن نحن مرتبطان ً الظهر ،وال أحد يساعد أَيًّا ِمنّا. ُّ ّ ولكن ذلك «ربّما ما كان ينبغي أن أَكون صيّا ًداَّ ، وفك َرُ : بكل تأكيد دت من أجله ،يجب أن َّ أتذكر ِّ هو َّ الشيء الّذي ُولِ ُ آكل التّونة بعد أن يطلع النّهار». أَن َ شيء ما أح َد وقبل أن يطلع ضوء النّهار بقليل ،أخذ ٌ تتكسر ،والخيط ُّ الطعمين اللَّذين كانا خلفه ،وسمع العصا ّ فاستل ّ سكينه من يأخذ في االنفالت من فوق حافّة المركبّ ، السمكة إلى كتفه ِغ ْمدها في َّ الظالمّ ، وحول الثِّقل الّذي تُسبِّبه َّ طع الخيط على خشب حافّة اليُسرى ،ومال إلى الخلف ،وقَ َ 75 الظالم، قطع الخيط اآلخر األقرب إليه ،وفي َّ المركبّ ،ثم َ َ عمل بمهارة بي ٍد واحد ٍة ربط نهايتَي الل ّفتَيْن االحتياطيّتَيْن .لقد َ الخيطيْن اللفتَين ليثبِّتهما ،بينما كان يعقد َ واضعا قدمه على َّ ً ست ل ّف ٍ ات احتياطيّة من الخيط، بإحكام ،واآلن صارت لديه ّ قطع خيطه ،إضاف َة إلى َّلفتَي كانت هناك ل ّفتان من ِّ ُع ٍم َ كل ط ْ كل هذه اللَّ ّفات السمكة الكبيرة، ُّ ُ وخيوط ِّ الط ْعم الّذي أكلته َّ متّصلة. ّ الطعم الّذي يعم ضوء النَّهار ،سأعود إلى ُّ وفك َر« :بعد أن ّ على عمق أربعين قامة ،وأقطع خيطه كذلك ،وأربطه باللّ ّفات فقدت مائتي قامة من الحبال االحتياطيّة ،وهكذا سأكون قد ُ الصنّارات ورؤوسها ،وذلك يمكن تعويضه، الجيّدة إضافة إلى ّ شص منّي بسمكة السمكة إذا علق ٌّ ولكن َمن ِّ يعوض هذه ّ السمكة الّتي أكلت أخرى ،وقطعتها عنّي؟ ال أدري ما نوع َّ الطعم قبل قليل ،يمكن أن تكون من نوع المارلين ،أو سمكة ُّ عريضة األنف ،أو من أسماك القرش ،لم أشعر بها أب ًدا ،وكان علي أن أتخلَّص منها بأسرع ما يمكن». ّ ٍ بصوت ٍ عال: وقال بي». «-أَتمنّى لو كان َّ لدي َّ الص ّ 76 ّ نفسك فقط، بي ،لديك َ وفك َر« :ولكنَّك ليس لديك َّ الص ّ الظالم، ومن األفضل اآلن أن تعود إلى آخر خيط لديك ،في َّ الظالم ،وتقطعه ،وتوصل الل ََّّفتَيْن االحتياطيتَيْن». أو ليس في َّ الظالم ،وقامت عمل صعبًا في َّ وهكذا فعل ...وكان ذلك ً جرته إلى األسفل ،وأوقعته َّ مر ًة واحدة بحركة مفاجئة ّ السمكة ّ خده الدم على ِّ بت بجرح تحت عينه ،وسال َّ على وجهه ،وتسبَّ ْ وجف قبل أن يصل إلى حنكه ،واتَّخذ ً قليل ،ولكنَّه تخثَّرَّ ، وعد َل قدم القارب ،واتكأ على الخشبَّ ، طريقه عائدا إلى ُم َّ يمر عبر جز ٍء جديد الكيس ،وغيَّ َر موضع الخيط بعناية ،بحيث ُّ بجر من كت َفيْه ،وحينما ثبَّ َت الخيط على منكبيه ،أخذ يشعر ِّ المركب في الماء. تحسس بيده سرع َة حركة َ السمكةّ ،ثم َّ َّ ّ السمكة بتلك الحركة وفك َر« :أتساءل ،لماذا قامت َّ السلك قد انزلق على انحناءة ظهرها العظيمة، المفاجئة ،البُ َّد َّأن ِّ المؤكد َّأن ظهرها ال يؤلمها كما يؤلمني ظهري ،ولكنَّها ومن َّ المركب إلى األبد ،مهما كانت ضخمة. ال تستطيع َج َّر هذا َ احتياطي ولدي َّصت من ِّ كل شي ٍء قد يُسبِّب المتاعبَّ ، اآلن تخل ُ ٌّ كل ما يستطيع أن يتمنّاه المرء». كبير من الخيط ،وهو ُّ ٍ بصوت ٍ عال: وبرقّ ٍة قال 77 السمكة ،سأبقى ِ معك حتّى الموت». «-أيَّتُها َّ «وأفترض أَنَّها ستبقى معي كذلك». قائل في نفسه: وأضاف ً ُ الجو بار ًدا اآلن قبيل ضوء وراح ينتظر مطلع النّهار ،صار ُّ للدفءّ ، وفك َر :إنَّني النَّهار ،فاتكأَ على خشب القارب طلبًا ِّ السمكة تستطيع ذلك ،وعند انبالج أستطيع االستمرار مادامت َّ وتحر َك النّور، انسحب الخيط متّ ً َ جها إلى األسفل في الماءَّ ، الشمس ،كان القارب بثبات ،وعندما طلع َّأول حاف ٍة من قرص ّ الشيخ اليُ ْمنى. شعاعها على كتف ّ الشيخ: فقال ّ شمال». «-إنّها تتَّجه ً ّ الشرق ،أَتمنّى وفك َرَّ : «إن الّتيّار سيجرفنا بعي ًدا في اتِّجاه َّ ُّ سيدل على أَنَّها ِجهتها مع الّتيّار ،فهذا السمكة و ْ أن تُ ِّ حول َّ ُم َتعبة». الشمس أكثر ،أَ َ السمكة لم درك ّ وعندما ارتفعت َّ الشيخ َّأن َّ ُ جهدة ،وليس ّثمة سوى عالمة إيجابيّة واحدة :تلك هي تكن ُم َ السمكة تسبح على ُع ٍ انحراف الخيط الّذي ُّ مق يدل على أَ َّن ّ بالضرورة أَنَّها ستقفز ،ولكنَّها ّ السابق ،وهذا ال يعني َّ أقل من ّ 78 قد تفعل ذلك. الشيخ: قال ّ َدي ما يكفي من الخيط «-دعها يارب -تقفز ،فَل ِّّ لِتَدبُّرها». َّ قليل وفك َر« :لعلَّني إذا ما الضغط عليها ً استطعت أن أزيد َّ ُ نهارا، فقط ،فإ ّن ذلك سيؤلمها ،وستقفز ،ومادام الوقت اآلن ً الفقري بالهواء، فلتقفز لكي تمأل الخياشيم على طول عمودها ّ وحينئ ٍذ ال تستطيع الغوص إلى األعماق لتموت هناك». َ ولكن الخيط كان ُمتوتِّ ًرا إلى الغاية الض َ حاول أَن يزيد َّ غطَّ ، بالسمكة، القصوى لدرجة االنقطاع ،منذ أن علق ِّ الش ّ ص َّ ليجر وشعر ّ الشيخ بهذه ُّ الصعوبة عندما مال بظهره إلى الخلف َّ َ فأدرك أَنَّه ال يمكنه أَن يش ّده أكثر من ذلكَّ ، َ وفك َر: الخيط، فكل جذب ٍة ِ مفاجئ ٍة «إنّني يجب ّأل أجذب الخيط بش ّد ٍة أب ًداُّ ، السمكة ،وحينذاك، توسع الجرح الّذي أحدثه ِّ الش ُّ ِّ ص في فم َّ ص ،وعلى أيّة حال ،فإنَّني السمكة فقد ترمي ِّ الش ّ عندما تقفز َّ لدي حسن بعد شروق َّ الم َّرة ال رغبة ّ الشمس ،وهذه َ أشعر بالتّ ُّ في التَّحديق فيها». 79 ولكن علقت بالخيط، صفراء قد طحالب كانت هناك ْ َّ ُ ُ ِ السمكة، ّ تجره َّ الشيخ يُدرك أنّها فقط تزيد من الحمل الّذي ّ كثيرا الصفراء الّتي أَح َد ْ فَ ُس َّر بذلك ،إنَّها طحالب الخليج َّ ثت ً الفوسفوري خالل اللَّيل. من اللَّمعان ّ الشيخ: قال ّ ِ جدا، السمكة ،إنّني أُحبُّ ِك كثيرا ًّ «-أيَّتها َّ وأحترمك ً ِ سأقتلك قبل أن ينقضي هذا اليوم». ولكنَّني وقال في نفسه« :لنأمل ذلك». ِ الشمال ،كان من صغير في اتّجاه المركب من جهة َّ طير ٌ أقبل ٌ مستوى منخ ِف ٍ جدا فوق الماء، ُّ ض ًّ المغردة ،ويحلِّق على ً الطيور ِّ كثيرا. الشيخ أن يفهم أ ّن َّ كان من اليسير على ّ الط َير ُم َتع ٌب ً وحط عليه ليستريحّ ،ثم حام حول بلغ ّ مؤخر القاربَّ ، الط ُير َّ ارتياحا أفضل. الشيخ، رأس ّ واستقر على الخيط حيث ارتاح ً َّ َ الط َير: الشيخ ّ سأل ّ حلتك األولى؟». عمر َك؟ أهذه هي ِر َ «-كم ُ جدا لدرجة الط ُير إليه عندما تكلَّم ،وكان َّ نظر َّ الط ُير ُم َتعبًا ًّ َ حط عليه وهو يتأرجح وقدماه يتفحص الخيط عندما َّ أَنَّه لم ّ 80 بشدة. الرقيقتان تتشبَّثان به َّ َّ الشيخ له: قال ّ «-إنّه ثابت ،وفي غاية الثَّبات ،وينبغي ّأل تكون على تلك الحالة من التَّعب بعد ليلة ال ريح فيها ،فما الّذي يأتي بالطيور؟». ُّ ّ الصقور الّتي تخرج إلى البحر لمالقاة وفك َر ّ الشيخ« :إنّها ُّ للطير الّذي ال الطيور» ،ولكنَّه لم ي ُقل شيئًا من ذلك َّ هذه ُّ يستطيع أن يفهمه على أيّة حال ،والّذي سيتعلَّم شيئًا عن الصقور في القريب العاجل. ُّ الشيخ: قال ّ اذهب إلى «انعم براحة جيّدة -أيُّها َّ الطير َّ الصغيرّ -ثم ْ ْ - أي إنسا ٍن أو طي ٍر أو سمكة». البَ ِّر، واغتنم فُ َ رصتك مثل ِّ ْ شجعه على الكالم أن ظهره قد تيبَّ َس خالل اللّيل وصار وما ّ بحق. اآلن يؤلمه ّ قال: «حل ضي ًفا في منزلي إذا أحببْ َت ،ولكن يؤسفني -أيّها َّ - َ وآخذك الشراع، َّ الطير -أنّني ال أستطيع اآلن أن أنشر ّ 81 يهب ،ال أخفي عليك إلى البَ ِّر مع النَّسيم الخفيف الّذي ّ ذلك ،فأنا أتح ّدث مع صديق». السمكة بحرك ٍة ِ مفاجئة في تلك اللّحظة بالذّات ،قامت َّ ستجره إلى خارج الشيخ على ِ أسقطت ّ قاع َ المركب ،وكانت ّ الشيء. يتماس ْك ،ويُ ْر ِخ الخيط بعض َّ المركب لو لم َ الشيخ لم َّ يتمكن لقد طار َّ ولكن ّ الطير حال اهتزاز الخيطّ ، وتحس َس الخيط بيده اليُ ْمنى في حتّى من رؤيته وهو يرحل، َّ عناي ٍة ،فالحظ أ ّن ال ّدم يسيل من يده. ٍ بصوت ٍ عال: الشيخ قال ّ السمكة». «-إذن ،ال بُ ّد أن شيئًا َ آلم َّ وسحب الخيط إلى الخلف ليرى ما إذا كان باستطاعته أن َ ولكن ما إن وصل الخيط إلى نقطة االنقطاع، السمكةْ ، يقلب َّ السحب ،واستقر في المركب ِ ليواجه حتّى توقّ َف ّ الشيخ عن َّ َّ ش ّد الخيط. وقال: السمكة ،ويعلم اهللُ أنَّني «-إنَّ ِك تشعرين باأللم اآلن ،أيَّتها َّ كذلك». 82 الراب ِع أسئل ُة ِ الفصل ّ 1 2 3 4 5 6 عدم االستسال ِم، يظه ُر على ّ عب َ الشيخ ،لكنُّه آث ََر َ .بدأ التّ ُ فما الّذي يُضي ُف ُه هذا إلى صفاتِ ِه؟ للسمكة؟ وما الّذي الش ِ ستشعر ُه ِم ْن ُمخاطب ِة ّ .ما الّذي تَ يخ ّ ُ تظن أنُّه كا َن يشعر بِ ِه في تلك الل ِ ّحظات؟ ُّ ُ مر ٍة -وهو يُقاسي في البح ِر وح َد ُه، َ .ك ّر َر ّ الش ُ يخ أكثر من ّ سحبُ ُه بِال هواد ٍة -قولَُه« :أَتمنّى والس َمك ُة تَ َ نفس ُهّ ، َويُ َصبِّ ُر َ بي» ،فما الّذي ُّ يدل عليه ذلك؟ لو كان َّ لدي َّ الص ُّ ِ رح ُ الكبرى أو أيميل اإلنسا ُن -عاد ًة -في ُ . لحظات ال َف ِ الصمو ِد ُ ِ الرفق ِة أم التَّ َرقُّ ِب واالنتظا ِر ،أو ّ والمقاومة إلى ِّ رأيك. الوحد ِة؟ دافِ ْع َع ْن َ َ مع التّيّا ِر .لماذا تَمنّى ّ الش ُ السمك ُة وجهتَها َ يخ ْأن تُ َح ِّو َل ّ الشرق، وفق قولِِهَّ : «إن الّتيّار سيجرفنا بعي ًدا في اتِّجاه َّ َ ِجهتها مع الّتيّار»؟ السمك ُة و ْ أَتمنّى أن تُ ِّ حول َّ الرواي ِة ،كيف تتوقّ ُع أن تكو َن النّهاي ُة؟ .حتّى هذه النَقطة من ّ 83