Uploaded by F.K Al-kaabi

عربي كتاب نصوص

advertisement
‫ِ‬
‫صوص‬
‫كتاب ال ّن‬
‫ُ‬
‫الصف احلادي عشر‬
‫ّ‬
‫الطبعة ّ‬
‫ّ‬
‫الثانية ‪1439-1438‬هـ ‪2018-2017 /‬م‬
‫حقوق الطبع محفوظة لوزارة التربية والتعليم بدولة اإلمارات العربية المتحدة‬
‫الصفوف العليا‬
‫إدارة مناهج ّ‬
‫رسالةٌ إىل الطالب‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫«يجب ْ‬
‫للبحر المت ََج ِّم ِد فينا»‬
‫فأسا‬
‫يكون‬
‫أن‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫الكتاب ً‬
‫‬
‫(كافكا)‬
‫عزيزي الطالب‪،‬‬
‫ِ‬
‫ـم ليكــون رفي ًقــا لــك وصدي ًقــا؛ ســتجد فيــه النصــوص المقـ َّـررة فــي كتــاب األنشــطة‬
‫هــذا كتـ ٌ‬
‫ـاب ُص ِّمـ َ‬
‫ونصوصــا أخــرى رديفــة‪ ،‬فــي ك ُِّل فــ ّن مــن فنــون القــول‪ :‬ال ُقــرآن الكريــم‪ ،‬والحديــث‬
‫اللغو ّيــة‪،‬‬
‫ً‬
‫الشــريف‪ ،‬والنّصــوص األدب ّيــة‪ ،‬ونصــوص الـ ّـرأي‪ ،‬والنّصــوص المعلومات ّيــة‪ .‬وهــو دعــو ٌة منّــا لتكــون‬
‫قســا مــن طقــوس حياتــك اليوم ّيــة‪ ،‬تجــد لهــا متّسـ ًعا مــن الوقــت‪ ،‬فتخلــو فيــه بكتـ ٍ‬
‫ـاب تقرؤه‬
‫القــراء ُة َط ً‬
‫بحر ّيــة‪ ،‬وتبحــر فــي عوالمــه بهــدوء وســام‪.‬‬
‫ـدروس المقــررة واالختبـ ِ‬
‫ـاة المقيـ ِ‬
‫ـط الحيـ ِ‬
‫إن التّحــرر مــن نمـ ِ‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫ـارات إلــى الحيــاة المنفتحــة علــى‬
‫ـدة بالـ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫أدوات نجــاح ِ‬
‫ِ‬
‫الثقافــة والمعرفــة ِّ‬
‫راســخ ًة وممتــدّ ة‬
‫ســيمنحك‬
‫بــكل أشــكالِها وألوانِهــا هــو ا ّلــذي‬
‫ُ‬
‫ـف ودرس‪.‬‬
‫ومتناميـ ًة وهــو ا ّلــذي ســينير بصير َتــك لتــرى الحيــا َة أك َبـ َـر بكثيــر مــن مجـ ّـرد مدرســة وصـ ٍّ‬
‫إنّنــا نح ّثــك علــى أن تجعــل للقــراءة فــي هــذا الكتــاب وكتـ ٍ‬
‫ـب أخــرى وق ًتــا تقتطعــه مــن يومــك‪ ،‬ولــو‬
‫ـجعك علــى ْ‬
‫أن تجعـ َـل لقراءاتــك فــي هــذا الكتــاب والكتــب األخــرى صــدى فــي‬
‫كان قصيـ ًـرا‪ ،‬ونشـ ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـخصية فــي‬
‫ـب عنهــا علــى صفحاتــك الشـ‬
‫حياتــك‪ ،‬فتتحــدّ ث عنهــا مــع أصدقائــك وعائلتــك‪ ،‬وتكتـ ُ‬
‫ـكل هــذا سيســهم إســهاما ملموســا فــي بنـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـي؛ فـ ُّ‬
‫ـاء شــخص ّيتك‪ ،‬وتعزيــز‬
‫ُ‬
‫ً‬
‫ً‬
‫ُ‬
‫مواقــع التواصــل االجتماعـ ّ‬
‫ثقتِــك ِ‬
‫بنفســك‪ ،‬وتزويــدك بمفاتيــح النجــاح الدائــم المســتمر‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫عزيزي الطالب‪،‬‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫فهمــا‬
‫إن القــراءة‪ ،‬وقــراءة األدب علــى وجــه الخصــوص‪ ،‬تســاعد المــرء علــى أن‬
‫يكــون أكثــر ً‬
‫للحيــاة والنــاس‪ ،‬وأوســع أف ًقــا‪ّ ،‬‬
‫وإن هــذا النــوع مــن القــراءة هــو ا ّلــذي يجعــل اإلنســان أكثــر تواض ًعــا‬
‫إن ّ‬
‫ـامحا وذكا ًء‪ّ .‬‬
‫كل قصــة أو روايــة تقرؤهــا هــي بمثابــة بوابــة تُفتــح لــك ل ُت ْب ِص َر الحيــاة بتفاصيلها‬
‫وتسـ ً‬
‫الصغيــرة‪ ،‬تلــك ا ّلتــي قــد ال ننتبــه لهــا ونحــن نمــارس واجباتنــا اليوم ّيــة‪ ،‬ونغــدو ونــروح مــع الغاديــن‬
‫والرائحيــن‪ّ .‬‬
‫ـتقر فــي قلــوب الكثيريــن مــن النــاس‪ ،‬أولئــك‬
‫إن هــذه ّ‬
‫البوابــة هــي ا ّلتــي تجعلــك تسـ ّ‬
‫ـات‪ ،‬فتعــرف مــا لــم تكــن تعــرف‪ ،‬وتــدرك‬
‫ـص‪ ،‬وتحكــي حكاياتِهــم الروايـ ُ‬
‫ـب عنهــم القصـ ُ‬
‫الذيــن تُكتـ ُ‬
‫مــا لــم يكــن خطــر لــك علــى بــال‪.‬‬
‫عزيزي الطالب‪،‬‬
‫ّ‬
‫وجوهــا ال نهايــة لهــا للحيــاة‪،‬‬
‫إن قــراءة األدب تشــبه الدخــول فــي مــرآة ســحر ّية كبيــرة‪ ،‬تكشــف لــك‬
‫ً‬
‫وقوتــه‪ ،‬فــي صدقــه وكذبــه‪ ،‬فــي عـ ّـزه وذ ّلــه‪ ،‬فــي‬
‫لفعــل الزمــان فــي اإلنســان‪ ،‬ولإلنســان فــي ضعفــه ّ‬
‫ـاب بيــن‬
‫أنان ّيتــه وظلمــه‪ ،‬فــي ر ّقتــه وقســوته فــي أحزانــه وأفراحــه‪ ،‬وآالمــه وأحالمــه‪ .‬وكلمــا انفتــح كتـ ٌ‬
‫ـكان مــا‪ ،‬فــي زمـ ٍ‬
‫ـارئ فــي مـ ٍ‬
‫ـدي قـ ٍ‬
‫ـان مــا‪ ،‬اســتطالت مــرآ ٌة ســحري ٌة أمامــه ليــرى مــا لــم يكــن يـ ُـرى‪،‬‬
‫يـ ْ‬
‫ـف مــا كان ســيبقى محجوبــا لألبــد لــوال لحظــة تبصـ ٍـر قادتــه إلــى أن ي ِ‬
‫ِ‬
‫مســك بيــن يديــه قصــة‬
‫ويكشـ َ‬
‫ُ‬
‫ُّ‬
‫ً‬
‫الص ْفحــة األخيــرة فيهــا يــزداد يقينًــا ّ‬
‫أن الخلــود ال يكــون إال للخيــر‬
‫ـب ّ‬
‫أو روايـ ًة ســتجع ُله بعــد أن يقلـ َ‬
‫والحــق والجمــال‪.‬‬
‫ِ‬
‫اللغة العربية‪.‬‬
‫نرجو لك رحل ًة ممتع ًة ومفيد ًة مع‬
‫‪8‬‬
‫الفهرس‬
‫ُ‬
‫*ال ُق ُ‬
‫والحديث ّ‬
‫الش ُ‬
‫ريف‬
‫الكريم‬
‫رآن‬
‫ُ‬
‫» »ال ُق ُ‬
‫الكريم‬
‫رآن‬
‫ُ‬
‫‪13‬‬
‫‪15‬‬
‫ُ‬
‫أحاديث شريف ٌة‬
‫»»‬
‫‪17‬‬
‫ّصوص األدب ّي ُة‬
‫*الن‬
‫ُ‬
‫‪19‬‬
‫» » ِّ‬
‫الجاهلي‬
‫عر‬
‫ُّ ‬
‫الش ُ‬
‫‪23‬‬
‫ ِّ‬‫عر‬
‫الش ُ‬
‫‪21‬‬
‫العبدي‬
‫◊قال المثقب‬
‫ّ‬
‫◊قال امرؤ القيس‬
‫هير ب ُن أبي ُسلمى‬
‫◊قال ُز ُ‬
‫الم َه ْلهل يرثي أخاه ُك َل ْي ًبا‬
‫◊قال ُ‬
‫‪29‬‬
‫‪30‬‬
‫‪31‬‬
‫‪32‬‬
‫ِ‬
‫صدر اإلسال ِم وال َع ِ‬
‫ِ‬
‫» » ِّ‬
‫األموي‬
‫صر‬
‫عصر‬
‫عر في‬
‫ِّ ‬
‫الش ُ‬
‫‪33‬‬
‫ِ‬
‫» » ِّ‬
‫العصر الع ّباسي‬
‫الشعر في‬
‫‪41‬‬
‫الر ِ‬
‫◊قال ُ‬
‫َّميمي‬
‫يب الت ُّ ‬
‫مالك ب ُن َّ‬
‫◊قال عبدال ّله بن الدُ م ْينة‬
‫عزة‬
‫◊قال ُك َث ّير ّ‬
‫صي الدَّ ْم ِع ‪َ -‬أبو فِ ٍ‬
‫◊ َأ َ‬
‫داني‬
‫الح ْم ُّ ‬
‫راس َ‬
‫راك َع َّ‬
‫◊قال المتن ّبي‬
‫◊قال صالح بن عبدال ُقدّ وس‬
‫مالحظة‪:‬‬
‫الرمادي‪.‬‬
‫النّصوص المعالجة في كتاب (التطبيقات ال ّلغو ّية) تجد عناوينها مظ ّللة بال ّلون ّ‬
‫‪9‬‬
‫‪38‬‬
‫‪39‬‬
‫‪40‬‬
‫‪45‬‬
‫‪46‬‬
‫‪47‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫»» ّ‬
‫ُ‬
‫الحديث‬
‫العربي‬
‫عر‬
‫ُّ‬
‫الش ُ‬
‫‪51‬‬
‫◊ال ّطي ُن ‪ -‬إيليا أبو ماض ‬
‫ي‬
‫◊ ِ‬
‫صيبي‬
‫سامحيني َهديل ‪ -‬غازي ال ُق‬
‫ِّ ‬
‫َ‬
‫رسائل إلى ُأ ّمي ‪ -‬نزار ق ّباني‬
‫خمس‬
‫◊ ُ‬
‫◊ج َبل ‪ -‬عمر أبي ريشة‬
‫◊فك ّْر بغ ْي ِر َك ‪ -‬محمود درويش‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫» »الحرك ُة ِّ‬
‫المتّحدة‬
‫الشعر ّي ُة في دولة اإلمارات العرب ّية ُ‬
‫ٍ‬
‫راشد ِ‬
‫الش ُ‬
‫الس ُم ِّو َّ‬
‫آل َمكتو ٍم‬
‫محمدُ ب ُن‬
‫◊إلى ُأ ّمتي ‪-‬‬
‫ُ‬
‫يخ َّ‬
‫صاحب ُّ‬
‫◊سيرة وطن ‪ -‬شيخة المطيري‬
‫ِ‬
‫عالمي‬
‫عر‬
‫ٌّ ‬
‫» »ش ٌ‬
‫ ِ‬‫الق َّص ُة القصير ُة‬
‫‪55‬‬
‫‪56‬‬
‫‪57‬‬
‫‪61‬‬
‫‪62‬‬
‫‪63‬‬
‫‪67‬‬
‫‪69‬‬
‫‪70‬‬
‫‪73‬‬
‫»» ِ‬
‫الق َّص ُة القصير ُة‬
‫◊حادث ٌة ‪ -‬نجيب محفو ‬
‫ظ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫الساعدي‬
‫باكستاني‬
‫لسائق‬
‫◊ن ّظار ٌة طب ّي ٌة‬
‫عجوز ‪ -‬مريم ّ‬
‫ٍّ‬
‫◊حتّى ِ‬
‫الزعابي‬
‫آخ ِر َر َم ٍق ‪ -‬عائشة ّ‬
‫◊ ِغطاء ِ‬
‫ِ‬
‫الف ِ‬
‫اإلنجليزي ‪ /‬جورج بِ ْرنارد شو‬
‫للكاتب‬
‫راش ‪-‬‬
‫ِّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الم ّ ‬
‫عل‬
‫◊ ُص َو ٌر خار َج اإلطار ‪ -‬ابتسا ُم ُ‬
‫◊ورقة من الرملة ‪ -‬غسان كنفاني‬
‫◊لؤلؤ في الطريق ‪ -‬غسان كنفاني‬
‫يذهب إلى المخ ّيم ‪ -‬غسان كنفاني‬
‫الصغير‬
‫◊‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫◊الزوار ‪ -‬يوسف إدريس‬
‫◊الحرب والجوع ‪َّ -‬‬
‫الشيخ عبدال ّله العاليلي‬
‫◊نامي ليستيقظ الدمع ويحكي ‪ -‬عبد العزيز الفارسي‬
‫الروسي (ليو تولستوي)‬
‫◊الناسك الحكيم ‪ -‬للكاتب ّ‬
‫الروسي (أنطوان تشيخوف)‬
‫◊المغفلة ‪ -‬للكاتب ّ‬
‫‪10‬‬
‫‪75‬‬
‫‪79‬‬
‫‪86‬‬
‫‪92‬‬
‫‪99‬‬
‫‪105‬‬
‫‪109‬‬
‫‪113‬‬
‫‪119‬‬
‫‪126‬‬
‫‪131‬‬
‫‪132‬‬
‫‪137‬‬
‫‪142‬‬
‫◊ضيوف في الليل ‪( -‬توماس هاردي)‬
‫ِ‬
‫والر‬
‫حالت‬
‫ ُ‬‫الس ِير ّ‬
‫أدب ّ‬
‫السير ُة األدب ّي ُة‬
‫»» ّ‬
‫الذ ِ‬
‫◊يوم ِ‬
‫ات‪ُ ،‬س ُ‬
‫العيد ‪َ -‬سر ُد ّ‬
‫القاسمي‬
‫محم ٍد‬
‫ُّ ‬
‫لطان ْب ُن ّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اني‬
‫دارنا الدِّ َمشق َّي ُة ‪ -‬نزار َق ّب ّ ‬
‫◊ ُ‬
‫◊قلم زينب ‪ -‬أمير تاج السر‬
‫◊ألسنة النار تتكلم ‪ -‬محمد عبيد غباش‬
‫غات العا َل ِم نُجو ٌم َتت ََل َلُ ‪( -‬رسول حمزاتوف)‬
‫◊ ُل ُ‬
‫◊ ُأ ّمي ‪( -‬مـارك تويـن)‬
‫◊الدراسة في الجامعة ‪( -‬هيلين كيلر)‬
‫الرأي‬
‫*‬
‫ُ‬
‫نصوص ّ‬
‫‪145‬‬
‫‪149‬‬
‫‪151‬‬
‫‪154‬‬
‫‪156‬‬
‫‪159‬‬
‫‪164‬‬
‫‪167‬‬
‫‪170‬‬
‫‪172‬‬
‫‪179‬‬
‫قاالت‬
‫الم‬
‫ُ‬
‫‪َ -‬‬
‫‪181‬‬
‫» »المقال ُة‬
‫ِ‬
‫هتار ُب ُ‬
‫الس َأ ِم ‪ -‬سالمة موسى‬
‫رهان َّ‬
‫◊االست ُ‬
‫رمكي‬
‫ُّ ‬
‫عوض ب ُن حاسو ٍم الدَّ‬
‫◊نريدُ ها عاد ًة ال صرع ًة ‪ُ -‬‬
‫◊ ّ‬
‫ف ‪ -‬ياسر حارب‬
‫المث َّق ُ‬
‫الحل ُق ُ‬
‫ف أن ُف َسنا؟ ‪ -‬سالمة موسى‬
‫◊لماذا نُث ِّق ُ‬
‫ِ‬
‫اإلنساني َوبِناؤ ُه‬
‫دار‬
‫ُّ‬
‫◊االقت ُ‬
‫َيف تَحص ُل على الس ِ‬
‫أي الن ِ‬
‫عادة؟‬
‫ّاس أس َعدُ ؟ وك َ‬
‫ُ‬
‫◊ ُّ‬
‫َّ‬
‫◊المعنى السياسي في العيد ‪ -‬مصطفى صادق الرافعي‬
‫الصحف ّي ُة‬
‫األعمد ُة ّ‬‫حفي‬
‫الص ُّ ‬
‫» »ال َعمو ُد ّ‬
‫◊ َصديقي الهاتِف! ‪ -‬عائشة سلطا ن‬
‫ِ‬
‫◊ ّ‬
‫اإلمارات ‪ -‬ميساء غدير‬
‫باب ُس َفرا ُء‬
‫الش ُ‬
‫‪11‬‬
‫‪183‬‬
‫‪186‬‬
‫‪188‬‬
‫‪191‬‬
‫‪193‬‬
‫‪195‬‬
‫‪198‬‬
‫‪200‬‬
‫‪203‬‬
‫‪205‬‬
‫‪207‬‬
‫‪209‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ِ‬
‫◊ ِ‬
‫اإلنسان ‪ -‬صالِ َحة ُعبي د‬
‫صف‬
‫يوج ُعني نِ ُ‬
‫المجتمع َّي ُة ‪ -‬سامي قرقاش‬
‫المسؤول َّي ُة ُ‬
‫◊ َ‬
‫◊ ْ‬
‫قــل (ال) واستَمتِع ‪َ -‬شهد العبدولي‬
‫ّصوص المعلومات ّي ُة‬
‫*الن‬
‫ُ‬
‫‪211‬‬
‫‪213‬‬
‫‪216‬‬
‫‪219‬‬
‫ّصوص المعلومات ّي ُة‬
‫» »الن‬
‫ُ‬
‫لغات العا َل ِم مرايا الن ِ‬
‫ّاس‬
‫◊ ُ‬
‫بيعة‬
‫◊ ُحض ُن ال َّط ِ‬
‫َ‬
‫بالستيك؟‬
‫كيف نحيا بِال‬
‫◊ َ‬
‫ِ‬
‫الصح َّي ِة ‪ -‬الدُّ كتور أكمل عبد الحكيم‬
‫◊‬
‫آثار إيجاب َّي ٌة على الحالة ِّ‬
‫المشي ‪ٌ ..‬‬
‫ُ‬
‫ي‬
‫◊ أتريدون تحسين مزاجكم؟ البستنة قد تكون الحل األنسب واألوفر ‪ -‬باميال كسروان ‬
‫◊الروبوتات‪ ..‬هل تجعل الحياة أسهل ‪ -‬مدى خالد‬
‫◊صناعة المستقبل ‪ -‬حازم الببالوي‬
‫‪12‬‬
‫‪221‬‬
‫‪224‬‬
‫‪227‬‬
‫‪233‬‬
‫‪236‬‬
‫‪239‬‬
‫‪243‬‬
‫‪246‬‬
‫الكرمي‬
‫رآن‬
‫ُ‬
‫الق ُ‬
‫ُ‬
‫واحلديث ّ‬
‫ريف‬
‫ُ‬
‫الش ُ‬
‫‪13‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫‪14‬‬
‫يرّشلا ثيدحلاو ُميركلا ُنآرُقلا‬
‫ُ‬
‫الكرمي‬
‫رآن‬
‫ُ‬
‫الق ُ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫قال ال ّل ُه تعالى‪:‬‬
‫﴿ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ‬
‫ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ﴾‬
‫(سورة النور)‬
‫﴿ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ‬
‫ﰔﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ﴾‬
‫(سورة النور)‬
‫‪15‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫﴿ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ‬
‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾‬
‫(سورة البقرة)‬
‫﴿ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ﴾‬
‫(سورة إبراهيم)‬
‫‪16‬‬
‫يرّشلا ثيدحلاو ُميركلا ُنآرُقلا‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫أحاديث شريفةٌ‬
‫ثل أَربَ ِ‬
‫ِ‬
‫عة نَ َفرٍ"‬
‫ل‬
‫األم ِة َم ُ‬
‫"م َث ُ‬
‫هذه َّ‬
‫حديث َ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫رسول ال ّل ِه^‪:‬‬
‫قال‬
‫ـذه األمـ ِـة مثـ ُـل َأربعـ ِـة َن َفـ ٍـر‪ :‬رجـ ٌـل آتــاه ال ّلـه مـ ً ِ‬
‫*«م َثـ ُـل هـ ِ‬
‫عمـ ُـل بِـ ِـه فــي مالِـ ِـه ُي ِنف ُقـ ُه‬
‫لمــا‪ُ ،‬‬
‫ُ ُ‬
‫َ‬
‫فهـ َـو َي َ‬
‫ـال وع ً‬
‫َ‬
‫َّ َ‬
‫َ‬
‫ـت فيــهِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـم ُيؤتــه مـ ً‬
‫ـال فهـ َـو يقـ ُ‬
‫ـول‪ :‬لــو َ‬
‫كان لــي مثـ ُـل هــذا َعملـ ُ‬
‫لمــا ولـ ْ‬
‫ور ُجـ ٌـل آتــا ُه ال ّلـ ُه ع ً‬
‫فــي َح ِّقــه‪َ ،‬‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ِ‬
‫فهمــا فــي األجـ ِـر ســوا ٌء‪ ،‬ورجـ ٌـل آتــا ُه ال ّل ـ ُه مـ ً‬
‫عمـ ُـل‪ ،‬قـ َ‬
‫لمــا‪،‬‬
‫ـال‪ُ :d‬‬
‫ـم ُيؤتــه ع ً‬
‫ـال ولـ ْ‬
‫مثـ َـل ا َّلــذي َي َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ورجـ ٌـل لــم ُيؤتِـ ِـه ال ّلـ ُه مـ ً‬
‫لمــا‪ ،‬فهـ َـو يقـ ُ‬
‫ـول‪ :‬لــو َ‬
‫فهـ َـو َيخبِـ ُ‬
‫كان‬
‫ـال وال ع ً‬
‫ـط فيــه؛ ُينف ُقـ ُه فــي َغيـ ِـر َح ِّقــه‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫لــي ِمثـ ُـل مـ ِ‬
‫ـال‪ :d‬فهمــا فــي الـ ِـو ِ‬
‫عمـ ُـل‪ ،‬قـ َ‬
‫زر ســوا ٌء»‪.‬‬
‫ـال هــذا َع ِملـ ُ‬
‫ـت فيــه مثـ َـل ا َّلــذي َي َ‬
‫(الترمذي وابن ماجه)‬
‫ـلك ال ّل ـ ُه بـ ِـه طري ًقــا إلــى الجنّـ ِـة‪َّ ،‬‬
‫علمــا‪َ ،‬سـ َ‬
‫*« َم ـ ْن َسـ َ‬
‫ـع‬
‫وإن المالئك ـ َة َلتضـ ُ‬
‫ـلك طري ًقــا يبتغــي فيــه ً‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـب ِ‬
‫ِ‬
‫أجنحتَهــا رضــا ًء لطالـ ِ‬
‫العلـ ِم‪َّ ،‬‬
‫األرض‬
‫ـماوات‪ ،‬و َمـ ْن فــي‬
‫السـ‬
‫ـتغفر لـ ُه َمـ ْن فــي ّ‬
‫ـم َل َيسـ ُ‬
‫وإن العالـ َ‬
‫ـان فــي المـ ِ‬
‫ـل القمـ ِـر علــى سـ ِ‬
‫ـائر الكواكـ ِ‬
‫ـاء‪ ،‬وفضـ ُـل العالِـ ِم علــى العابـ ِـد‪ ،‬كفضـ ِ‬
‫ح ّتــى الحيتـ ُ‬
‫ـب‪،‬‬
‫إن العلمــاء ورثـ ُة األنبيـ ِ‬
‫ـاء‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫فمـ ْن‬
‫ـارا‪ ،‬وال‬
‫ـم‪َ ،‬‬
‫ورثــوا العلـ َ‬
‫درهمــا‪ ،‬إنّمــا ّ‬
‫ً‬
‫يورثــوا دينـ ً‬
‫إن األنبيــا َء لــم ّ‬
‫َ‬
‫أخـ َـذ بـ ِـه فقــدْ أخـ َـذ بحـ ٍّ‬
‫ـظ وافـ ٍـر»‪.‬‬
‫(صحيح الترمذي)‬
‫ِ‬
‫هم ا ْن َفعني بما ع ّل ْمتَني‪ ،‬و َع ِّل ْمني ما ين َف ُعني‪ِ ،‬‬
‫رب العا َلمي َن»‪.‬‬
‫وزدني علما‪ ،‬والحمدُ ل ّله ِّ‬
‫*«ال ّل ّ‬
‫‪17‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫‪18‬‬
‫األدبي ُة‬
‫صوص‬
‫ال ّن‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫‪19‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫‪20‬‬
‫ِّ‬
‫عر‬
‫الش ُ‬
‫‪21‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫‪22‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬رعِّشلا‬
‫ِّ‬
‫اجلاهلي‬
‫عر‬
‫ُّ‬
‫الش ُ‬
‫الشــعر الجاهلــي هــو ِّ‬
‫ِّ‬
‫الشــعر العربــي الــذى قيــل قبــل اإلســام‪ ،‬وقــد تميــز العــرب عــن ســواهم مــن‬
‫األمــم األخــرى بصفــاء القريحــة ومالءمتهــم بيــن بيئتهــم وخيالهــم وتأملهــم‪ ،‬فكانــوا أشــعر األمــم‪.‬‬
‫الشــعر الجاهلــي‪ ،‬ولذلــك كان ِّ‬
‫فالباديــة بيئــة ِّ‬
‫الشــعر مــرآة لهــذه الحيــاة البدويــة القاســية الخشــنة‪،‬‬
‫يصــف األطــال والديــار واالنتجــاع والظعــن والفــاة والحيــوان والمعــارك وآبــار الميــاه‪.‬‬
‫الشــعر ديــوان ِح َك ـ ِم العــرب وعلومهــم‪َ ،‬و ِسـ ّ‬
‫لقــد كان ِّ‬
‫ـجل وقائعهــم وســيرهم‪ ،‬ومــادة حوارهــم‪،‬‬
‫يرتجلونــه؛ ليع ّبــروا عمــا يختلــج فــي صدورهــم مــن عواطــف وهمــوم‪ِّ .‬‬
‫والشــعر الجاهلــي شــعر‬
‫غنائــي ذاتــي يصــور نفســية ّ‬
‫الشــاعر وأحاسيســه‪ ،‬ســواء أكان يتغــزل أم يفخــر أم يمــدح أم يهجــو‬
‫أم يرثــي أم يعاتــب أم يعتــذر أم يصــف‪ .‬لقــد كان ِّ‬
‫الشــعر ُينشــد إنشــا ًدا أو ُي َغنّــى غنــا ًء‪ ،‬فالغنــاء كان‬
‫أســاس تعلــم الشــعر ومــن أســاليب التّعبيــر عنــه‪ .‬يقــول الشــاعر حســان بــن ثابــت‪:‬‬
‫كنت قائله‬
‫تـ َغـ َّن بالشعر إ ّمــا َ‬
‫إن الغناء لهذا الشعر مضمار‬
‫وتظهــر موســيقى الغنــاء فــي وزن القصيــدة وحــرف رو ّيهــا (قافيتهــا) الموحــد؛ فــإن كان حــرف‬
‫الــروي فــي‬
‫الــروي (القافيــة) فــي القصيــدة (البــاء)‬
‫تســمى القصيــدة (بائيــة)‪ ،‬وإن كان حــرف ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫القصيــدة (الــدّ ال) تسـ ّـمى القصيــدة (داليــة)‪ ،‬وإن كان حــرف الـ ّـروي فــي القصيــدة (نو ًنــا) تسـ ّـمى‬
‫القصيــدة (نونيــة)‪ ،‬كمــا تظهــر الموســيقا فــي التصريــع فــي مطلــع القصيــدة‪ ،‬والتصريــع هــو اتفــاق‬
‫آخــر جــزء مــن صــدر البيــت وآخــر جــزء مــن عجــزه فــي الــوزن والتقفيــة‪ ،‬كقــول علقمــة بــن عبــدة‬
‫التميمــي‪:‬‬
‫طروب‬
‫قلب في الحسان‬
‫ُ‬
‫طحا بك ٌ‬
‫الش ِ‬
‫ُبعيدَ ّ‬
‫باب َع ْص َر حان مشيب‬
‫أيضــا فــي التقطيــع الصوتــي لألبيــات‪ ،‬كقــول امــرئ القيــس فــي معلقتــه يصــف‬
‫وتظهــر الموســيقا ً‬
‫فرســه‪:‬‬
‫ِمك ٍَّر‪ِ ،‬م َف ٍّر‪ُ ،‬مقبِ ٍل‪ُ ،‬مــدْ بِـ ٍـر‪ ،‬م ًعا‬
‫‪23‬‬
‫ِ‬
‫الس ْي ُل ِم ْن َع ِل‬
‫ك ُ‬
‫َج ْلمود َص ْخ ٍر َح َّطه َّ‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫وقــد تبــوأ ّ‬
‫الشــاعر الجاهلــي مكانــة مرموقــة فــي عصــره فــكان لســان قبيلتــه‪ ،‬كمــا لعبــت األســواق‬
‫مهمــا فــي التعريــف بالشــعراء ونقــل أشــعارهم بيــن القبائــل األخــرى‪.‬‬
‫دورا ً‬
‫الموســمية الكبــرى ً‬
‫أيضــا‪ -‬للخطابــة ِّ‬‫والشــعر‪ ،‬ومــن أهــم‬
‫فاألســواق لــم تكــن للبيــع والشــراء فحســب‪ ،‬بــل كانــت ً‬
‫هــذه األســواق‪ :‬ســوق عــكاظ‪ ،‬وهــي ســوق فــي صحــراء بيــن نخلــة والطائــف شــرق مكــة‪ ،‬وكانــت‬
‫الرســول^‪ ،‬وســوق ذي‬
‫تســتمر عشــرين يو ًمــا‪ ،‬وســوق ذي المجــاز قــرب َينْ ُبـعٍ‪ ،‬و َينْ ُبـ ُ‬
‫ـع َث ْغـ ُـر مدينــة ّ‬
‫المجنــة قــرب مكــة‪.‬‬
‫المؤرخــون إلــى أن النّابغــة ُّ‬
‫الم َحكِّميــن‪ ،‬تقــام لــه فــي هــذه األســوق ُق ّبـ ٌة‪،‬‬
‫ويذهــب‬
‫الذبيانــي كان مــن ُ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫يذهــب إليهــا ّ‬
‫الركبــان‪.‬‬
‫الشــعراء؛ ليعرضــوا شــعرهم عليــه‪ ،‬فمــن أشــاد بــه ذاع صي ُتـ ُه وتناقلــت شــعره ُّ‬
‫ِّ‬
‫ـدون إال فــي أوائــل القــرن الثانــي للهجــرة‪ ،‬وهــذا مــا يفســر‬
‫ـروي‪ ،‬لــم ُيـ ّ‬
‫والشــعر الجاهلــي شــعر مـ ّ‬
‫ضيــاع أغلبــه‪ .‬فالكثيــر مــن رواتــه ذهبــت بهــم حــروب الفتــح‪ ،‬وأوفــر هــذه القصائــد ح ًّظــا مــن‬
‫المع ّلقــات مــن أفضــل مــا وصلنــا مــن العصــر‬
‫الحفــظ هــي المع ّلقــات أو‬
‫ّ‬
‫المذهبــات‪ ،‬وقــدُ عــدّ ت ُ‬
‫ـم‬
‫الجاهلــي‪ .‬ويزعــم أغلــب المؤرخيــن أنهــا ســبع قصائــد اختارتهــا العــرب فكتبتهــا بمــاء الذهــب‪ُ ،‬ثـ َّ‬
‫ـم‪ :‬امــرؤ القيــس‪ ،‬وزهيــر بــن أبــي ُســلمى‪ ،‬وطرفــة‬
‫ع ّلقتهــا علــى الكعبــة إعجا ًبــا بهــا‪ ،‬وأصحابهــا ُهـ ْ‬
‫بــن العبــد‪ ،‬ولبيــد بــن ربيعــة‪ ،‬وعنتــرة بــن شــداد‪ ،‬وعمــرو بــن كلثــوم‪ ،‬والحــارث بــن حلــزة‪.‬‬
‫وتتنــاول القصيــدة الجاهليــة مجموعــة مــن الموضوعــات والعواطــف المختلفــة فــي بنـ ٍ‬
‫ـاء ينقســم‬
‫ّ‬
‫إلــى ثالثــة أقســام‪ ،‬إذ يســتهل ّ‬
‫الشــاعر القســم األول بالبــكاء علــى الديــار القديمــة (الوقــوف علــى‬
‫األطــال) ا ّلتــي رحــل عنهــا‪ ،‬وتــرك فيهــا ذكرياتــه‪ ،‬وهــو بــكاء ُيـ َـر ُّد إلــى شــاعر ســبق امــرئ القيــس‬
‫هــو ابــن خــذام‪ ،‬كان أول مــن بكــى علــى األطــال‪ ،‬كمــا جــاء فــي ديــوان امــرئ القيــس‪:‬‬
‫المحيل َل َع َّلنا‬
‫عوجا على ال ّطلل ُ‬
‫نبكي الديار كما بكى اب ُن ِخذا ِم‬
‫وهــو ينقســم إلــى قســمين‪ :‬غــزل عفيــف‪ ،‬يــدور حــول ّ‬
‫بــث‬
‫ّغــزل بالمحبوبــة‪ ،‬أي الت ّْشــبيب‪،‬‬
‫والت ّ‬
‫َ‬
‫حســي‪ ،‬يصــف جمــال المــرأة‪ :‬شــعرها وعنقهــا وجبينهــا وعينهــا وأســنانها‬
‫الشــوق واللوعــة‪ ،‬وغــزل ّ‬
‫وطولهــا‪ ..‬كمــا يصــف ثيابهــا وزينتهــا وع ّفتهــا‪ ،‬ومــن الغــزل العفيــف يمكــن أن نستشــهد بمــا قالــه‬
‫عنتــرة بــن شــداد فــي ابنــة عمــه عبلــة‪:‬‬
‫ُ‬
‫سأ ْض ِم ُر َوجــدي في فـ َـؤادي وأ ْكت ُُم‬
‫ُ‬
‫نـــو ُم‬
‫ــــهــــر لــيــلــي‬
‫و َأ ْس‬
‫والــــعــــواذل َّ‬
‫ُ‬
‫‪24‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬رعِّشلا‬
‫مــع مــن َدهــري بمــا ال أنالــ ُه‬
‫وأ ْط ُ‬
‫ـك يــا ابنــة مالـ ٍ‬
‫وأرجــو التدانــي منـ ِ‬
‫ـك‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫خيالــك واســألي‬
‫بطيــف مــن‬
‫فمنــي‬
‫إن َلــج قومـ ِ‬
‫ـك فــي َدمــي‬
‫وال ت ْ‬
‫َج َزعــي ْ َّ ْ ُ‬
‫نوح الحمائـ ٍم في الدجى‬
‫ألــم تســمعي َ‬
‫ولــم ي ْبـ َـق لــي يــا عبـ َـل شـ ْ‬
‫ف‬
‫ص م َعـ َّـر ٌ‬
‫ـخ ٌ‬
‫َ‬
‫لــع‬
‫وتلــك ِعظــا ٌم‬
‫ٌ‬
‫باليــات و َأ ْض ٌ‬
‫ـت م ـ ْن َبعــد الفـ ِ‬
‫ْ‬
‫وإن ْ‬
‫ـراق فمــا أنــا‬
‫عشـ ُ‬
‫وإن نــا َم جفنــي َ‬
‫ْ‬
‫كان نومــي عاللــ ًة‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫المنــازل ك ّلمــا‬
‫تلــك‬
‫َأ ِحــ ُّن إلــى‬
‫بكيــت مــن الب ْي ِ‬
‫ــت وإننــي‬
‫الم ِش ِّ‬
‫ُ‬
‫ــن ُ‬
‫وألــز ُم منــه َّ‬
‫يرحــم‬
‫ليــس‬
‫ذل مــن‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ــر ٍ‬
‫َ‬
‫ــر ُم‬
‫ب ت َُض َّ‬
‫نــار َح ْ‬
‫ودون التَّدانــي ُ‬
‫ــم‬
‫كيــف‬
‫إذا عــا َد عنــي‬
‫َ‬
‫َ‬
‫بــات المت َّي ُ‬
‫ِ‬
‫حــم وال َد ُم‬
‫فمــا لــي ب ْعــدَ‬
‫الهجــر َل ٌ‬
‫فمـ ْن بعــض أشــجاني ونوحــي تع ّلموا‬
‫ٍ‬
‫ســقم‬
‫تــذوب َفأ‬
‫ــرى‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ســوى كبــد َح َّ‬
‫ِ‬
‫علــى ِ‬
‫جلدهــا ج ْيـ ُ‬
‫ـم‬
‫ـش ُّ‬
‫الصــدود مخ ِّيـ ُ‬
‫ــر ُم‬
‫كمــا أ َّدعــي أنــي بعبلــة َ ُم ْغ َ‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫لعــل ال َّطيــف يأتــي يســ ّل ُم‬
‫أقــول‬
‫َّــم‬
‫غــدَ ا‬
‫يترن ُ‬
‫طائــر فــي أيكَــة ٍ َ‬
‫ٌ‬
‫صبــور علــى طعــن القنــا لــو علمتُــم‬
‫ٌ‬
‫ـم ينتقــل ّ‬
‫الشــاعر إلــى وصــف ُظعنِهــا‪ ،‬أي ترحالهــا مــع قبيلتهــا إلــى مــكان آخــر بح ًثــا عــن المــاء‬
‫ُثـ َّ‬
‫والــكأل‪ ،‬كقــول المث ّقــب العبــدي فــي قصيدتــه‪:‬‬
‫أفـــاطـــم! قــبـ َـل بــيــنـ ِ‬
‫ـك متِّعينى‬
‫ُ‬
‫كــاذ ٍ‬
‫ِ‬
‫َــعــدي م ـ ِ‬
‫َفــا ت ِ‬
‫بــات‬
‫ـواع ــدَ‬
‫َ‬
‫لـــو تــخــالــفــنــي شمالي‬
‫فــإنِّــى ْ‬
‫ـت‪ :‬بِيني‬
‫إذ ًا َل َق َطعتُها ول ـ ُقــلـ ُ‬
‫لِ َمن ُظـ ُعـ ٌن َت َط َّل َع ِمــن ُض َب ٍ‬
‫يب‬
‫بخت‬
‫السفي َن وهــ َّن‬
‫ُ‬
‫ُيش ِّب ْه َن َّ‬
‫وهـــن على الــرجــائـ ِـز ِ‬
‫ـات‬
‫واكــنـ ٌ‬
‫ُ َّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫بـــذات ضـ ٍ‬
‫ـال‬
‫كــغــزالن خــذل ـ َن‬
‫‪25‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫سألتك ْ‬
‫أن تبينى‬
‫ومنعك مــا‬
‫ِ‬
‫الصيف دونــي‬
‫ريـــاح‬
‫تمر بها‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وصلت بها يميني‬
‫خالفك ما‬
‫ُ‬
‫كــذلـ َ‬
‫ـك أجــتــوى مــ ْن يجتويني‬
‫َفما َخ َر َجت ِم َن الــوادي لِ ِ‬
‫حين‬
‫ـاهـ ِـر والـ ُّـشـ ِ‬
‫ـات األبـ ِ‬
‫ـؤون‬
‫ُعــراضـ ُ‬
‫ـع ُم ْس ِ‬
‫ــل ك ِّ‬
‫َقــواتِ ُ‬
‫تكين‬
‫ـجـ َ‬
‫ُــل َأشـ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫الغصون‬
‫انيات مـ َن‬
‫تنوش الدَّ‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫والقســم الثانــي هــو الرحلــة‪ ،‬يصــف فيــه ّ‬
‫الشــاعر رحلتــه ووســيلة تنقلــه‪ ،‬وكل مــا تقــع عليــه عينــاه‬
‫فــي الصحــراء مــن حيــوان وزواحــف وطيــر‪ ،‬والمصاعــب ا ّلتــي تعترضــه‪ ،‬والفــاة ا ّلتــي يقطعهــا‬
‫ليب ّيــن شــجاعته وبأســه‪ .‬يقــول طرفــة بــن العبــد واص ًفــا ناقتــه وســرعتها‪:‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫احتِ َض ِ‬
‫ار ِه‬
‫اله َّم عنْدَ ْ‬
‫َوإِنِّي ألُ ْمضي َ‬
‫اإلر ِ‬
‫َأم ٍ‬
‫ــون َكـ َـأ ْلـ َـو ِ‬
‫ان ن ََص ْأت َُها‬
‫اح ِ َ‬
‫ُ‬
‫َاجي ٍ‬
‫ِ‬
‫ُت َب ِ‬
‫ات و َأ ْت َب َع ْت‬
‫اري عتَا َق ًا ن ِ َ‬
‫َلها َف ِ‬
‫خ َذ ِ‬
‫ان ُأك ِْم َل الن َّْح ُض فِ ْي ِه َما‬
‫َ‬
‫ـحـ ٍ‬
‫َالحنِ ِّي ُخ ُلو ُف ُه‬
‫ـال ك َ‬
‫ـي َمـ َ‬
‫و َطـ ُّ‬
‫ِ‬
‫َاس ْي َضــا َلـ ٍـة َيكْنِ َفانِ َها‬
‫َك ـ َـأ َّن كن َ‬
‫ــان َأ ْفــ َت ـ ِ‬
‫َلــهــا ِمــر َفــ َق ِ‬
‫ـان َكـ َـأ َّنـ َـهــا‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـم َر ُّب َها‬
‫ـسـ َ‬
‫ـي َأ ْقـ َ‬
‫َك َقنْ َطرة الـ ُّـرومـ ِّ‬
‫بِ َع ْو َجاء ِمر َق ٍ‬
‫وح و َت ْغت َِدي‬
‫ال َتـ ُـر ُ‬
‫َ ْ‬
‫َع َلى ِ‬
‫الحـ ٍ‬
‫ـب َكـ َـأ َّنـ ُه َظ ْه ُر ُب ْر ُج ِد‬
‫َوظِ ْي َف ًا َوظِ ْي َف ًا َفـ ْـو َق َمـ ْـو ٍر ُم ْع َّب ِد‬
‫ِ ٍ‬
‫ــم َّــر ِد‬
‫َكـ َـأ َّنـ ُـهـ َـمــا َبــا َبــا ُمــن ـ ْيــف ُم َ‬
‫ـــز ْت بِــــدَ ْأ ٍي ُمن ََّض ِد‬
‫و َأ ْج ـ ِـر َنــ ٌة ُل َّ‬
‫ِِ‬
‫َح َت ُص ْل ٍ‬
‫ب ُم َؤ َّي ِد‬
‫َو َأ ْطـ َـر قس ٍّي ت ْ‬
‫ـي َدالِ ٍ‬
‫ــــج ُم ـ َتـ َـشــدِّ ِد‬
‫ـسـ ْلـ َـمـ ْ‬
‫َتـ ُـمـ ُّـر بِـ َ‬
‫َل ُت ْكتَنِ َف ْن َحتَى ُتـ َـشــا َد بِ َق ْر َم ِد‬
‫والقســم الثالــث هــو الغــرض الرئيــس فــي القصيــدة‪ ،‬وهــو إِ ّمــا فخــر أو مــدح أو رثــاء أو هجــاء أو‬
‫عتــاب أو اعتــذار أو حكمــة‪.‬‬
‫الشــاعر بالن َّسـ ِ‬
‫قومــات الحيــاة القبل ّيــة‪ ،‬يفخــر فيــه ّ‬
‫ـب‬
‫فالفخــر فخــر بالقبيلــة وبالنفــس‪ ،‬وهــو مــن ُم ّ‬
‫والشــجاعة والكــرم واإلســراع إِلــى معونــة اآلخريــن‪ ،‬كقــول عنتــرة بــن شــداد‪:‬‬
‫ال ت َْضحكي مني ُعبيل ُة وا ْع َجبي‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫القلوب محك ًّما‬
‫ورأيت رمحي في‬
‫عوابس‬
‫صدور الخيل وهي‬
‫ألقى‬
‫ٌ‬
‫َ‬
‫إنــي أنــا َلــيـ ُ‬
‫ـث العرين و َمـــ ْن له‬
‫ينظر صورتي‬
‫إني‬
‫ألعجب َ‬
‫ُ‬
‫كيف ُ‬
‫ُ‬
‫جيوش‬
‫علي‬
‫ِمـنّــي إذا الت َّف ْت‬
‫ّ‬
‫ض الدِّ ِ‬
‫ِ‬
‫وعليه ِم ْن َف ْي ِ‬
‫ُ‬
‫نقوش‬
‫ماء‬
‫وأنــا َض ٌ‬
‫نحوها و َب ُش ُ‬
‫وش‬
‫حوك ْ‬
‫ِ‬
‫الجبان ُمح َّي ٌر مدْ هوش‬
‫ب‬
‫ق ْل ُ‬
‫ـارز ويــعــيـ ُ‬
‫ـش‬
‫يـــوم الــقــتــال م ــب ـ ٌ‬
‫والمــدح هــو ثنــاء علــى الممــدوح وفضائلــه ومآثــره‪ ،‬ويغلــب علــى أهــل الباديــة كمــا نــرى ذلــك‬
‫للتكســب يغلــب علــى أهــل الحضــر كمــا نــرى‬
‫عنــد امــرئ القيــس وزهيــر بــن أبــي ســلمى‪ ،‬ومــدح‬
‫ّ‬
‫‪26‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬رعِّشلا‬
‫لمــا أجــاروه‪:‬‬
‫عنــد النابغــة الذبيانــي واألعشــى‪ .‬يقــول امــرؤ القيــس ً‬
‫مادحــا بنــي تميــم ّ‬
‫الم َع ّلى‬
‫َكـ َـأ ّنــي إِ ْذ َنـ َـزلـ ُ‬
‫ـت َعلى ُ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫الم َع ّلى‬
‫َفما َمل ُك العراق َعلى ُ‬
‫بن ُح ٍ‬
‫َأ َق َّر َحشا اِ ِ‬
‫يس ِ‬
‫مر ِئ ال َق ِ‬
‫جر‬
‫لت َعلى الـبـ ِ‬
‫ـواذخِ ِم ْن َشما ِم‬
‫ن ََز ُ‬
‫َ‬
‫بِــمــقــت ِ‬
‫َــد ٍر وال م ِ‬
‫ــل ُ‬
‫ــك َ‬
‫الــشــآ ِم‬
‫َ َ‬
‫ُ‬
‫ـح الــ َظــا ِم‬
‫َبــنــو تَــيــ ٍم َمــصــابــيـ ُ‬
‫والرثــاء هــو مديــح الميــت‪ ،‬يصــف فيــه ّ‬
‫الشــاعر الجاهلــي المرثــي بجميــع الصفــات ا ّلتــي يصــف بهــا‬
‫الممــدوح‪ ،‬ومثــال ذلــك رثــاء الخنســاء ألخيهــا صخــر‪:‬‬
‫ـاو َدهــا َقذاها‬
‫َبك ْ‬
‫َت َع ْيني‪ ،‬وعـ َ‬
‫كص ْخ ٍر‬
‫وأي فتًى َ‬
‫على َص ْخ ٍر‪ّ ،‬‬
‫َفــتــى الـ ِـف ـ ْتــيـ ِ‬
‫ـان مــا َبـ َلــغــوا َم ــدا ُه‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫معيالت‬
‫صهب‬
‫بــرب‬
‫حلفت‬
‫ُ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫عليه‬
‫ـت بنو عــمـ ٍـرو‬
‫لئ ْن جــزعـ ْ‬
‫وكـــف‬
‫كــــف يـــشـــدُّ بــهــا‬
‫لــــ ُه‬
‫ٌّ‬
‫ٌّ‬
‫الج ِ‬
‫ت ََرى ُّ‬
‫حاج َح من ُس َل ْي ٍم‬
‫الش ّم َ‬
‫ٍ‬
‫رجل كري ِم الخي ِم أضحى‬
‫على‬
‫بــــعــــو ٍار فــمــا تــقــضــي كــراهــا‬
‫َّ‬
‫َـــرأ ْم طِالها‬
‫إذا مــا ال ـنّـ ُ‬
‫ـاب لــم ت ْ‬
‫وال َي ـ ْكــدَ ى إذا بل َغ ْت كُداها‬
‫ِ‬
‫البيت الــمــحـ َّـر ِم منتهاها‬
‫إلــى‬
‫رزئـــت بنو عــمـ ٍـرو فتاها‬
‫لــقــدْ‬
‫ْ‬
‫ب ما ِ‬
‫ف ثـ َـرى نَداها‬
‫يج ّ‬
‫َــح َّل ُ‬
‫ت َ‬
‫ــل نَــــدَ ى مـ ِ‬
‫َيــ ُب ّ‬
‫ـدامــعــهــا لِحاها‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫صخب صداها‬
‫ببطن حفيرة ٍ‬
‫والجبن والبخل‪.‬‬
‫والهجاء عكس المدح يوصف فيه‬
‫المهجو وقبيلته بِضعة النّسب ُ‬
‫ّ‬
‫يقول النابغة الذبياني هاج ًيا عامر بن الطفيل‪:‬‬
‫فــإن يــك عــامـ ٌـر قــد قــال جهال‬
‫ٍ‬
‫بـــراء‬
‫فــكــن كــأبــيــك أو كــأبــي‬
‫وال تذهب ِ‬
‫طاميات‬
‫بح ْل ِم َك‬
‫ٌ‬
‫وإنــك ســوف تَح ُلم أو تناهي‬
‫‪27‬‬
‫ِ‬
‫ـاب‬
‫ـســبـ ُ‬
‫ف ــإن َمــط ـ َّي ـ َة الــجــهــل الـ ِّ‬
‫الصواب‬
‫تصادفك الحكومة و‬
‫ُ‬
‫مــن الـ ُ‬
‫ـاب‬
‫ـخــيــاء ليس لــهـ ّن بـ ُ‬
‫الغراب‬
‫إذا ما شبت أو شــاب‬
‫ُ‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ـلما بــه‪ ،‬ويع ّبــر عــن ُخالصــة تجــارب‬
‫والحكمــة‪ ،‬فهــي قــول موجــز مشــهور‪ ،‬يتضمــن معنًــى مسـ ً‬
‫صاحبهــا فــي الحيــاة‪ .‬يقــول شــاعر الحكمــة زهيــر بــن أبــي ســلمى‪:‬‬
‫ِ‬
‫ـع فــي ُأ ٍ‬
‫َثير ٍة‬
‫َو َمـــ ْن ال ُيــصــانـ ْ‬
‫مـــور ك َ‬
‫بخل بِ َف ِ‬
‫ـك ذا َف ٍ‬
‫ضل َف َي َ‬
‫َو َمــن َيـ ُ‬
‫ضل ِه‬
‫عروف ِمن ِ‬
‫دون ِع ِ‬
‫رض ِه‬
‫الم‬
‫َ‬
‫َو َمن َيج َع ِل َ‬
‫ـاب ويــو َطـ ْـأ بِم ِ‬
‫نس ِم‬
‫ُيـ َ‬
‫ـضـ َّـر ْس بِـ َـأنــيـ ٍ َ‬
‫َ‬
‫َعلى َقـ ِ‬
‫ـومـ ِـه ُيستَغ َن َعــنـ ُه َو ُيــذ َم ـ ِم‬
‫َيـ ِـفــر ُه َو َم ــن ال َي ـ َّتـ ِـق َ‬
‫تم ُيش َت ِم‬
‫الش َ‬
‫‪28‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬رعِّشلا‬
‫العبدي‬
‫قال املثقب‬
‫ّ‬
‫الَ تَــ ُقــولــ َّن إِذا مــا لــم ت ِ‬
‫ُــــر ْد‬
‫ـم ِمــ ْن َب ـ ْعـ ِـد ال‬
‫ـس ـ ٌن َق ْ‬
‫ـــو ُل َن ـ َعـ ْ‬
‫َحـ َ‬
‫إِ َّن الَ بـــعـــدَ نَـــعـــم فـ ِ‬
‫ـاحـ َـش ـ ٌة‬
‫َ ْ‬
‫َ ْ‬
‫ــم فــاصــبـ ْـر َلها‬
‫فـــإِذا ُقــ ْل َ‬
‫ــت نَــ َع ْ‬
‫ان َّ‬
‫ـم َّ‬
‫ـص لل َفتى‬
‫الـــذ َّم َنـ ْقـ ٌ‬
‫وا ْعــلـ َ‬
‫‪29‬‬
‫َأن تُتِم الــوعــدَ في َش ٍ‬
‫ــيء‪َ :‬ن َع ْم‬
‫َّ َ ْ‬
‫ـم‬
‫و َق‬
‫ــبــيــح ْ‬
‫ٌ‬
‫قــــو ُل الَ َبــعــدَ َن ـ َعـ ْ‬
‫َفـــ«بِــا» فا ْبدَ أ إِذا ِخ ْف َت النَّدَ ْم‬
‫َجاح ال َق ِ‬
‫ول؛ إِ َّن ُ‬
‫بِن ِ‬
‫ف َذ ّْم‬
‫الخ ْل َ‬
‫و َمــتــى الَ َيـــت ِ‬
‫الـــــذ َّم ُي َ‬
‫َّ‬
‫ــــذ ّْم‬
‫َّـــق‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫قال امرؤ القيس‬
‫ِ‬
‫ـم‪ً ،‬‬
‫بعض هــذا التد ُّل ِل‬
‫مهل‪َ ،‬‬
‫أفــاطـ ُ‬
‫أن حــب ـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـك قاتلي‪،‬‬
‫أغـــــرك مــنــي ّ ُ َّ‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫البح ِر أرخى ُسدو َله‬
‫كمو ِج‬
‫وليل‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫ـص ـ ْلــبِـ ِـه‬
‫ف ـ ُقــلـ ُ‬
‫ـت لــه لـ ّـمــا تـ َـم ـ ّطــى بـ ُ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫الطويل أال انْجلي‬
‫الليل‬
‫أال أ ُّيها‬
‫فــيــا َلـــك مــن لــيـ ٍ‬
‫ّ‬
‫كــــأن نــجــو َمــه‬
‫ـل‬
‫َّ‬
‫ـت فــي َمصامها‬
‫كــأن الـ ُثــر ّيــا ُعـ ّلـ َقـ ْ‬
‫وقد أغتَدي‪ ،‬والط ْي ُر في ُوكُناتِها‬
‫ــل ُمـــدبِ ٍ‬
‫ِمــ َك ـ ٍّـر ِمــ َف ـ ٍّـر ُمــ ْقــبِ ٍ‬
‫ـــر م ًعا‬
‫ِ‬
‫ْ ِ‬
‫صرمي َفأ ْج ِملي‬
‫وإن كنت قد ْأز َم ْعت ْ‬
‫وأ ّنـ ِ‬
‫القلب يف َع ِل ؟‬
‫ـك مهما تأ ُمري‬
‫َ‬
‫الــهــمــوم ل َيبتَلي‬
‫ـي بـــأنـــوا ِع ُ‬
‫عــلـ ّ‬
‫أعــجــازا ونـــا َء ب َك ْلكَل‬
‫ف‬
‫وأر َد َ‬
‫ً‬
‫باح منك بأم َث ِل‬
‫بص ْب ٍح‪ ،‬وما‬
‫اإلص ُ‬
‫ْ‬
‫ُ‬
‫بـ ُكـ ّـل ُمــغـ ِ‬
‫ِ‬
‫الفتل ُشـــدَّ ت ب َي ْذ ُب ِل‬
‫ـار‬
‫بأمراس كَـــــــتّان إلى ُص ِّم َجندَ ِل‬
‫ــر ٍد ق ـيــد األوابِ ِ‬
‫ــنــج ِ‬
‫ــــــد هيكل‬
‫ْ‬
‫بــم َ‬
‫ُ‬
‫كَج ِ‬
‫صخ ٍر ح ّط ُه الس ْي ُل من ِ‬
‫لمود ْ‬
‫عل‬
‫َ‬
‫‪30‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬رعِّشلا‬
‫سلمى‬
‫هري ُ‬
‫بن أبي ُ‬
‫قال ُز ُ‬
‫ِ‬
‫نفوسكم‬
‫فال َت ْكت َُم َّن الـ ّلـ َه ما في‬
‫ٍ‬
‫ُيـ َّ‬
‫كتاب َف ُيدَّ َخ ْر‬
‫فيوضع في‬
‫ـؤخـ ْـر‬
‫ْ‬
‫علمت ُْم وذ ْقت ُُم‬
‫وما‬
‫ُ‬
‫الحرب إالّ ما ْ‬
‫مــتــى تــبــعــثــوهــا تــبــعــثــوهــا ذمــيــمـ ًة‬
‫وأعــلـ ِ‬
‫ـم الــيــو ِم واألم ـ ِ‬
‫ـس قب َل ُه‬
‫ـم عـ ْلـ َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ب‬
‫ُ‬
‫رأيت المنايا خ ْب َط عشوا َء َم ْن تُص ْ‬
‫ٍ‬
‫صانع فــي أم ـ ٍ‬
‫كثيرة‬
‫ـور‬
‫َو َمـــ ْن لــم ُي‬
‫ْ‬
‫المعروف من ِ‬
‫ِ‬
‫دون ِع ْر ِض ِه‬
‫يجعل‬
‫َو َم ْن‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ْ‬
‫َو َمــ ْن يـ ُ‬
‫بفضله‬
‫فيبخل‬
‫فضل‬
‫ـك ذا‬
‫ومن ِ‬
‫يوف ال ُي ْذ َم ْم‪ ،‬ومن ُي ْهدَ قل ُب ُه‬
‫َ َ ْ‬
‫ـاب المنايا َينَ ْلنَ ُه‬
‫ـاب أســبـ َ‬
‫َو َمــ ْن هـ َ‬
‫غير ِ‬
‫المعروف في ِ‬
‫ِ‬
‫أهله‬
‫يجعل‬
‫َو َم ْن‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫بسالح ِه‬
‫حوضه‬
‫َو َم ـ ْن لم ّيـ ُـذ ْد عن‬
‫عدوا صدي َقه‬
‫يغترب‬
‫َو َم ْن‬
‫يحسب ًّ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫ٍ‬
‫ومهما تك ْن عندَ ا ْمـ ٍ‬
‫خليقة‬
‫ـرئ ِم ْن‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫صامت َ‬
‫معجب‬
‫لك‬
‫وكائ ْن ترى ِم ْن‬
‫لِ ُ‬
‫ونصف فــؤا ُده‬
‫نصف‬
‫سان الفتى‬
‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫َّ‬
‫وإن ســفــا َه ّ‬
‫الش ِ‬
‫ـم َبــعــدَ ُه‬
‫يخ ال ُحـ ْلـ َ‬
‫‪31‬‬
‫لِ َي ْخفى‪ ،‬ومهما ُي ْك َت ِم ال ّل ُه َي ْع َل ِم‬
‫ِ‬
‫عج ْل َف ُينْ َق ِم‬
‫لِــيــو ِم‬
‫الحساب أو ُي َّ‬
‫ِ‬
‫ومــا هو عنها بِ‬
‫المرج ِم‬
‫الحديث‬
‫َّ‬
‫تضر ِم‬
‫ــر إذا ضـ َّـر ْيـ ُتــمــوهــا َف َ‬
‫َوت ْ‬
‫َــض َ‬
‫ولكنّني عن عل ِم ما في ٍ‬
‫غد عمي‬
‫ْ‬
‫ت ِ‬
‫ُـم ْت ُه و َمــ ْن تُخطِ ْئ ُي َع َّمر فيهرم‬
‫ــر ْس بــأنــيـ ٍ‬
‫ـاب و ُيــوطـ ْـأ بمنس ِم‬
‫ُي َ‬
‫ــض َّ‬
‫ِ‬
‫ـم ُي ْشتم‬
‫ــر ُه ومــن ال يـ َّتـ ِـق الـ َّـشـ ْتـ َ‬
‫َيــف ْ‬
‫ِ‬
‫ـسـ َتـ ْغـ َن عنه و ُيـ ْـذم ـ ِم‬
‫على قــومــه ُيـ ْ‬
‫ِ‬
‫مطمئ ِّن الــبِ ِّــر ال َيت َْجمج ِم‬
‫إلــى‬
‫وإن ي ــر َق أســبــاب الس ِ‬
‫ماء بِ ُس َّل ِم‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫ْ َ ْ‬
‫ـــمـــدُ ُه ذ ًّمـــا عــلــيـ ِـه ويــنــد ِم‬
‫يــك ـ ْن َح ْ‬
‫الناس ُيظل ِم‬
‫ُيــهــدَّ ْم وم ـ ْن ال يظل ِم‬
‫َ‬
‫ُــر ِم‬
‫ـســه ال يــك َّ‬
‫َـــرم نــفـ َ‬
‫ومـــن ال ُيـــك ِّ‬
‫ِ‬
‫ْ‬
‫الناس ُت ْعل ِم‬
‫وإن خا َلها تخفى على‬
‫ـصــه فــي ال ـ ّتــك ـ ّل ـ ِم‬
‫زيـــادتُـــه أو نــقـ ُ‬
‫يبق إالّ صــور ُة ال ّلح ِم والــدّ ِم‬
‫فلم َ‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫السفاهة يحل ِم‬
‫وإن ال َفتى بــعــدَ‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫مل َه ْلهل يرثي أخاه ُك َل ْي ًبا‬
‫قال ا ُ‬
‫أهــــاج قــــذا َء الــع ـ ْيـ ِ‬
‫كــــار‬
‫َ‬
‫ـن اال ّد ُ‬
‫وصـــار الــلــيـ ُـل مشت َِمال علينا‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ــــب ال ــج ـ ْـوزا َء حتى‬
‫وبِ ُّ‬
‫ـــت أراق ُ‬
‫ـــب ُمـ ْقـ َلــتــي فــي إِ ْث ِ‬
‫ــــر قــو ٍم‬
‫ُأ َقـــ ِّل ُ‬
‫ب‪ ،‬فلم ت ِ‬
‫د َع ْوت َ‬
‫ُجبني‬
‫ُك‪ ،‬يا ُك َل ْي ُ‬
‫ـب‪ ،‬خــاك ذ ٌّم‬
‫َأ ِجــبــنــي‪ ،‬يــا ُكـ َلـ ْيـ ُ‬
‫كنت تح ُلم عن رجـ ٍ‬
‫ـال‬
‫وإنــك َ‬
‫ُ‬
‫لقى‬
‫فــا َت ـ ْب ـ َعــدْ فــكـ ٌّـل ســوف َي َ‬
‫يــعــيـ ُ‬
‫ـش الــمــر ُء عــنــدَ بــنــي أبيه‬
‫كــأ ّنــي إ ْذ نعى الــنــاعــي كُلي ًبا‬
‫انحدار‬
‫ـوع لها‬
‫هـــدو ًءا‪ ،‬فــالــدّ مـ ُ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫ـار‬
‫الــلــيــل‬
‫كــــأن‬
‫َ‬
‫لــيــس لـــ ُه نــهـ ُ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ـدار‬
‫تــقــار َب مــن أوائــلــهــا انــحـ ُ‬
‫َ‬
‫تــبــاي ـنَـ ِ‬
‫ـت الــبــا ُد بــهــم فــغــاروا‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫فار؟‬
‫َ‬
‫وكيف ُيجي ُبني الب َلدُ الق ُ‬
‫ِ‬
‫ـت بــفـ ِ ِ‬
‫لقد ُفـ ِ‬
‫ـــزار‬
‫ـج ـ َعـ ْ‬
‫ـارســهــا ن ُ‬
‫ِ‬
‫ـدار‬
‫ـم ولـــك اق ــت ـ ُ‬
‫وتــعــفــو عــنـ ُـهـ ُ‬
‫َشــعــو ًبــا يــســتــديـ ُـر بــهــا الــمــدار‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫بحيث صاروا‬
‫يصير‬
‫ويوش ُك أن‬
‫َ‬
‫ــي َّ‬
‫الــشــرار‬
‫تــطــا َي َــر بــيــن جــنْــ َب َّ‬
‫‪32‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬رعِّشلا‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫والعصرِ‬
‫األموي‬
‫اإلسالم‬
‫عر يف عصرِ صد ِر‬
‫ِّ‬
‫الش ُ‬
‫َ‬
‫‪1‬‬
‫َظـ ّـل ِّ‬
‫المخضرميــن ا ّلتــي عاشــت‬
‫الرســول ^ جاهل ًيــا فــي شــكله ‪ ،‬فشــعر طبقــة ُ‬
‫الشــعر فــي عهــد ّ‬
‫فــي الجاهليــة‪ ،‬وأدركــت اإلســام ككعــب بــن زهيــر‪ ،‬والحطيئــة‪ ،‬ومعــن بــن أوس‪ ،‬والنابغــة‬
‫ـتمرار للمذهــب الجاهلــي‪ ،‬ولــم يتأثــر شــعرها باإلســام إال فــي بعــض موضوعاتــه‪.‬‬
‫الجعــدي اسـ‬
‫ٌ‬
‫وبعــد أن دانــت قريــش وســائر العــرب للدّ يــن الجديــد َقـ َّـل الهجــاء المقــذع والمــدح المبالــغ فيــه‬
‫الرســول^ نهــى عــن ِّ‬
‫الشــعر ا ّلــذي يثيــر األحقــاد‬
‫والغــزل الصريــح والفخــر بالخمــر وبالثــأر؛ ألن ّ‬
‫يشــج ُع علــى ارتــكاب الفاحشــة‪.‬‬
‫والعصبيــات‪ ،‬أو‬
‫ّ‬
‫وقــد انتهــج ُ‬
‫الرســول^؛ فقــد روي أن الخليفــة عمــر بــن الخطــاب‬
‫الراشــدون نهــج ّ‬
‫الخلفــاء ّ‬
‫رضــي ال ّلــه عنــه‪ -‬حبــس ّ‬‫للزبرقــان بــن بــدر‪ ،‬ولمــا طلــب‬
‫الشــاعر الحطيئــة حيــن أقــذع فــي هجائــه ّ‬
‫منــه الحطيئــة العفــو؛ ألن َح ْب َســه حــال دون االهتمــام بــأوالده‪ ،‬عفــا عنــه‪َ ،‬و َخ ّلــى ســبيل ُه علــى ّأل‬
‫يهجــو أحــدً ا مــن المســلمين‪ .‬يقــول الحطيئــة‪:‬‬
‫مــا َذا تقول ِ‬
‫أل ْفـــراخٍ بــذي َمـ َـرخٍ‬
‫َ‬
‫َغيب َت ك ِ‬
‫َاس َب ُه ْم في َق ْع ِر ُم ْظ ِل َم ٍة‬
‫َّ ْ‬
‫األمين الذي ِمن بع ِد ص ِ‬
‫أنت ِ‬
‫اح ِبه‬
‫َ‬
‫ْ َْ َ‬
‫ُ‬
‫ُز ْغ ِ‬
‫ِ‬
‫شجر‬
‫الحواصل ال ما ٌء وال‬
‫ب‬
‫ُ‬
‫فا ْغ ِف ْر َع َل ْي َك سال ُم ال ّله يا ُع َم ُر‬
‫أ ْل َق ْت إل ْي َك َم َقالِيدَ الن َُّهى ال َب َش ُر‬
‫وكثــر الرثــاء للشــهداء‪ ،‬والتمــدح باإلســام‪ ،‬فظهــر فــن شــعري جديــد‪ ،‬يسـ ّـمى البديعيــات‪ ،‬وهــي‬
‫رواد هــذا الفــن ّ‬
‫حســان بــن ثابــت‬
‫الرســول الكريــم^‪ .‬ومــن ّ‬
‫الشــاعر ّ‬
‫قصائــد نظمــت فــي مديــح ّ‬
‫الرســول^‪ ،‬كان يمدحــه‪ ،‬ويــر ّد عنــه هجــاء المشــركين‪ ،‬مــن أمثــال‪ :‬عبــد ال ّلــه بــن‬
‫الملقــب بشــاعر ّ‬
‫ِ‬
‫الز َب ْعــري‪ ،‬وأبــي ســفيان بــن الحــارث بــن عبــد الم ّطلــب‪ ،‬وقــد كثــرت فــي شــعره التعابيــر اإلســامية‬
‫واالقتبــاس مــن ال ُقــرآن الكريــم‪ ،‬يقــول حســان بــن ثابــت فــي إحــدى بديعياتــه‪:‬‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ـم‬
‫ـــــر‪َ ،‬عــ َلــ ْي ــه ل ــلــنُّــ ُب ـ َّـوة َخ ــا َت ـ ٌ‬
‫أ َغ ُّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـوح‪ ،‬و ُي ْش َهدُ‬
‫م ـ َن ال َّله َم ْش ُهو ٌد َي ـ ُلـ ُ‬
‫‪ - )1‬راجــع عمــر فــروخ‪ ،‬تاريــخ األدب العربــي‪ :‬األدب القديــم مــن مطلــع الجاهليــة إلــى ســقوط الدولــة األمويــة‪ ،‬ط ‪( ،4‬بيــروت‪ :‬دار‬
‫العلــم للمالييــن‪)1981 ،‬‬
‫‪ -‬راجع أحمد حسن الزيات‪ ،‬تاريخ األدب العربي‪ ،‬ط ‪( 8‬بيروت‪ :‬دار المعرفة‪)2004 ،‬‬
‫‪33‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ِ‬
‫اسمه‬
‫النبي إلــى‬
‫ـم ّ‬
‫ـم اإلل ـ ُه اسـ َ‬
‫وضـ َّ‬
‫ِ‬
‫ــــــق لــــ ُه ِ‬
‫اســـمـــه لــيــجـ ّلـ ُه‬
‫مــــن‬
‫َو َش َّ‬
‫ٍ‬
‫ْـــر ٍة‬
‫َــبــي أتَـــانَـــا َبــ ْع ــدَ َي‬
‫ــــأس َو َفـــت َ‬
‫ن ٌّ‬
‫َفأمسى ِســراجــا مستَنيرا وهـ ِ‬
‫ـاد ًيــا‬
‫َ ً ُ ْ ً َ َ‬
‫ْ َ‬
‫وبـــشـــر جــن ـ ًة‬
‫نـــــــارا‪،‬‬
‫وأنــــذرنــــا‬
‫َ‬
‫ً‬
‫الخ ْم ِ‬
‫إذا َق َال في َ‬
‫المؤ ِّذ ُن َأ ْش َهدُ‬
‫س ُ‬
‫ِ‬
‫فذو‬
‫العرش محمو ٌد‪ ،‬وهذا ُم َح َّمدُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫واألوثان في‬
‫الر ْس ِل‪،‬‬
‫األرض تعبدُ‬
‫م َن ُّ‬
‫ِ‬
‫الم َهنَّدُ‬
‫الح ّ‬
‫ـوح كما َ‬
‫َي ـ ُلـ ُ‬
‫الصق ُيل ُ‬
‫وع ّلمنا اإلســــا َم‪ ،‬فــال ـ َّل ـ َه نحمدُ‬
‫كمــا اشــتهر كعــب بــن زهيــر بالميتــه «بانــت ســعاد» ا ّلتــي أعلــن فيهــا إســامه‪ ،‬وطلــب فيهــا رضــا‬
‫ـت فــي ِ‬
‫أهلـ ِـه ح ّتــى اشــتراها‬
‫الرســول^ وأهــدا ُه برد َت ـ ُه‪ ،‬فمــا زا َلـ ْ‬
‫الرســول^ وعفــوه‪ ،‬فعفــا عنــه ّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ـع الخالفــة إلــى َبنــي ُعثمـ َ‬
‫ـان‪.‬‬
‫ُمعاويـ ُة منهــم‪ ،‬وتوار َثهــا الخلفــاء ُاألمو ّيــون فالع ّباسـ ّيون ح ّتــى آ َلـ ْ‬
‫ـت مـ َ‬
‫يقــول كعــب بــن زهيــر‪:‬‬
‫ُــل َخ ٍ‬
‫قـــال ك ُّ‬
‫َو َ‬
‫ـت آ ُمـ ُلـ ُه‬
‫ليل ُك ـنْـ ُ‬
‫َف ُق ْل ُت َخ ّلوا َسبِ ِيلي َل َأ َبا َلك ُُم‬
‫ك ُُّل ا ْب ِن ُأ ْن َثى َوإِ ْن َطا َل ْت َس َل َم ُت ُه‬
‫ُأنْبِ ْئ ُت َأ َّن َر ُسـ َ‬
‫ـول ال َل ِه َأ ْوعَدَ نِي‬
‫اك ا َّل ِذي َأ ْع َط َ‬
‫َم ْه ًل َهدَ َ‬
‫اك نَافِ َل َة ا ْلـ‬
‫َل ت ََأ ُخ َذنّي بِ َأ ْق َو ِ‬
‫ال ا ْل ُو َش ِاة َو َل ْم‬
‫ال ُأ ِ‬
‫نك َم ْش ُغ ُ‬
‫له َين ََّك إِ ّنــي َع َ‬
‫ول‬
‫الر ْح َم ُن َم ْف ُع ُ‬
‫ول‬
‫َفك ُُّل َما َقــدَّ َر َ‬
‫َي ْو ًما َع َلى آ َلـ ٍـة َحدْ َبا َء َم ْح ُم ُ‬
‫ول‬
‫َوال َع ُف ُو ِعنْدَ رس ِ‬
‫ول ال َل ِه َم ْأ ُم ُ‬
‫ول‬
‫َ ُ‬
‫آن فِيها مو ِ‬
‫ُق ــر ِ‬
‫اع ٌ‬
‫يظ َو َت ْف ِص ُيل‬
‫َ ََ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫وإن َك ُث َر ْت فِ ّي ْالَ َق ِ‬
‫ـب ْ‬
‫او ُيل‬
‫ُأ ْذنـ ْ‬
‫الش ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫أغــراض ِّ‬
‫ســول^‬
‫الر‬
‫بعــض‬
‫عــادت‬
‫األمــوي فقــد‬
‫أ ّمــا فــي العصــر‬
‫ْ‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫ــعر ا ّلتــي نهــى عنهــا ّ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫فينقــض معانيهــا عليــه‪،‬‬
‫قصيــدة لخصــ ٍم لــه‬
‫شــاعر علــى‬
‫وهــي قصيــد ٌة «يــر ُّد بهــا‬
‫كالنقائــض‪-‬‬‫ُ‬
‫ٌ‬
‫َ‬
‫خصمـ ِـه هجــاء‪ ،‬وينســب الفخــر الصحيــح إلــى ِ‬
‫ِ‬
‫نفسـ ِـه هـ َـو‪ .‬وتكـ ُ‬
‫ـون النقيضـ ُة عــاد ًة مـ ْن‬
‫ـب َف ْخـ َـر‬
‫َ‬
‫َ ّ‬
‫ُ‬
‫يقلـ ُ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫ـت هـ ِ‬
‫بحـ ِـر قصيـ ِ‬
‫السياس ـ ّي ِة بي ـ َن‬
‫ـدة الخص ـ ِم‪ ،‬وعلــى َرو ّيهــا»‪ ،‬وقــد ارتبطـ ْ‬
‫ـذه النقائـ ُ‬
‫ـض ّ‬
‫َ ْ‬
‫بالصراعــات ّ‬
‫ـان هـ ِ‬
‫ـت وقــود العصبيـ ِ‬
‫ِ‬
‫األحـ ِ‬
‫ـات‪ ،‬ولسـ َ‬
‫األحزاب‪،‬‬
‫ـذه‬
‫المتنازعـ ِـة علــى الخالفـ ِـة و ُمناصريهــا‪ ،‬فكانـ ْ‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫ـزاب ُ‬
‫ـجاعة والوفـ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـاء بالعهـ ِـد‪ ،‬واالنتصـ ِ‬
‫وبفضائلهــم‪ ،‬كالكــر ِم ّ‬
‫يفتخـ ُـر ّ‬
‫ـار‬
‫والشـ‬
‫ـاعر فيهــا بنفسـ ِـه وبقومـ ِـه‬
‫الشـ ُ‬
‫ـن ِ‬
‫ـروب ا ّلتــي خاضوهــا‪ ،‬والدّ فــا ِع عـ ِ‬
‫العـ ْـر ِ‬
‫ـب ع ـ ْن مثالـ ِ‬
‫فــي الحـ ِ‬
‫ـب خصمـ ِـه وقومـ ِـه م ـ ْن‬
‫ـم ين ّقـ ُ‬
‫ض‪ُ ،‬ثـ َّ‬
‫ـهر شـ ِ‬
‫ـي و ُطغيـ ٍ‬
‫ـان‪ ،‬ومـ ْن أشـ ِ‬
‫وج ْبـ ٍ‬
‫ُب ْخـ ٍ‬
‫ـعراء هــذا الفـ ِّن جريـ ٌـر‪ ،‬واألخطـ ُـل‪ ،‬والفـ ُ‬
‫ـن وفسـ ٍـق و َب ْغـ ٍ‬
‫ـرزدق‪،‬‬
‫ـل ُ‬
‫‪34‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬رعِّشلا‬
‫وقــد وقــف كل مــن األخطــل والفــرزدق وغيرهــم ضــد جريــر لكــن جريــر تمكــن مــن التصــدي لهــم‬
‫وإكمــام أفــواه بعضهــم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫جرير وفي والده عطية البائس الهاجع في حظائر األغنام‪ ،‬كما يصفه‪:‬‬
‫يقول الفرزدق في‬
‫الز ُر ِ‬
‫وب ل َق ْو ِم ِه‪:‬‬
‫قال اب ُن َصانِ َع ِة ُّ‬
‫ووجدْ َت َقوم َك َف َّق ُأوا من ِ‬
‫لؤم ِه ْم‬
‫َ َ‬
‫ْ َ‬
‫ِ‬
‫الؤه ُم‪َ ،‬فما مألوا َبها‬
‫َص ُغ َر ْت د ُ‬
‫َو َح ِس ْب َت َب َح َر بني ُك َل ٍ‬
‫يب ُم ْص ِد ًرا‬
‫في َح ْو َم ٍة َغ َم َر ْت َ‬
‫ورها‬
‫أباك ُب ْح ُ‬
‫إنــي َو َجـــدْ ُت أبــي َبنى لي َب ْي َت ُه‬
‫ِ‬
‫ب‬
‫وأبي اب ُن َص ْع َص َع َة بن َل ْيلى غال ٌ‬
‫تـــرى َعــطِ ـ ّيـ َة َض ِ‬
‫ــار ًبــا بِ ِفن َِائ ِه‬
‫َو َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ــــي األ ْع ــا ِم‬
‫أستَط ُ‬
‫يع َر َواس َ‬
‫ال ْ‬
‫َع ْينَ ْي َك‪ِ ،‬عنْدَ َم ـ َكـ ِ‬
‫ـار ِم األ َق ـ َـوا ِم‬
‫َح ْو ًضا‪ ،‬وال َش ِهدوا ِع َر َ‬
‫اك ِز َحا ِم‬
‫ف َغ ِر ْق َت ِحي َن و َق ْع َت في ال َق ْمقا ِم‬
‫في الج ِ‬
‫اهل ّي ِة ك َ‬
‫واإلســا ِم‬
‫َــان‪،‬‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الحكّا ِم‬
‫ؤســاء َو ُ‬
‫في َد ْو َحـــة الـ ّـر َ‬
‫الم ُل َ‬
‫وك‪َ ،‬و َر ْه ُط ُه أ ْعمامي‬
‫َغ َل َ‬
‫ب ُ‬
‫ـن بــيـن ح ـ َظـ ِ‬
‫ـائـ ِـر األ ْغ ـنَــا ِم‬
‫ِر ْب ـ َقــيـ ِ َ َ َ‬
‫ناقضا قصيدة الفرزدق بأخرى‪:‬‬
‫فير ّد جرير ً‬
‫ٍ‬
‫ُ‬
‫مالك‬
‫الفرزدق ســوء ًة في‬
‫خلق‬
‫َ‬
‫َم ْه ًل َف ـ َـر ْز َد ُق! ّ‬
‫فيهم‬
‫إن َق ْو َم َك‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫كـ َ‬
‫َ‬
‫محر ًما‬
‫أبيك‬
‫العنان على‬
‫ـان‬
‫ّ‬
‫ان مج ِ‬
‫ِ‬
‫اش ًعا‬
‫َع ْمدً ا ُأ َعـ ِّـر ُ‬
‫اله َو ُ َ‬
‫ف بِ َ‬
‫ما ِز ْل َت تَسعى في َخبالِ َك ِ‬
‫ساد ًرا‬
‫ْ َ‬
‫ِ‬
‫ولخلف ضـ ّبـ َة كــان شـ َّـر غــا ِم‬
‫ِ‬
‫القلوب وخـ ّفـ ُة األحــا ِم‬
‫ـور‬
‫خـ ُ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫غير حــرا ِم‬
‫والكير‬
‫كــان عليه َ‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫ـي غــيـ ُـر كـــرا ِم‬
‫إن الــلــئــا َم عــلـ َّ‬
‫َحتى ال َت َب ْس َت بِ ُع ّرتي َو ُع َرامي‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫أن ُه ِّ‬
‫األمــوي بعــدَ ْ‬
‫صــدر‬
‫عصــر‬
‫ــذ َب فــي‬
‫العصــر‬
‫الغــزل فــي‬
‫ازدهــر‬
‫ّقائــض‪،‬‬
‫باإلضافــة إلــى الن‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫كان تشــبي ًبا بالدّ يــار‪ ،‬و ُبــكاء علــى األطـ ِ‬
‫أن َ‬
‫األو ِل‪ ،‬وبعــدَ ْ‬
‫ـح فنًّــا مســتق ً‬
‫ال بذاتـ ِـه‪،‬‬
‫ـال‪ ،‬أصبـ َ‬
‫اإلســا ِم ّ‬
‫ً‬
‫الشـ ِ‬
‫ـع الجديــدُ فــي نفـ ِ‬
‫ـعراء‪ .‬فبعــدَ ْ‬
‫ـوس ّ‬
‫أن تحضـ ّـر ْت‬
‫ـب ا ّلتــي ســك َبها المجتمـ ُ‬
‫الحـ ِّ‬
‫ـاعر ُ‬
‫ُيصـ ّـو ُر مشـ َ‬
‫ـرف نتيجـ ِـة ال ُفتوحـ ِ‬
‫وغر َقتــا فــي البـ ْـذخِ وال ّتـ ِ‬
‫َم ّكـ ُة والمدينـ ُة‪ِ ،‬‬
‫ـات اإلســام ّي ِة‪ ،‬وجلـ ِ‬
‫األجنبي‪،‬‬
‫الرقيـ ِـق‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫ـب ّ‬
‫وتعليمـ ِـه الغنــا َء والموســيقى‪ ،‬رقيــت األذواق‪َ ،‬فـ َ‬
‫ور َّق‪.‬‬
‫ـان ال َغـ َـز ُل‪َ ،‬‬
‫‪35‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ـح‪ .‬وال َغـ َـز ُل العــذري نِســب ًة ِإِلــى رائـ ِ‬
‫ـل بـ ِ‬
‫ـده جميـ ِ‬
‫ـذري‪ ،‬و َغـ َـز ٍل صريـ ٍ‬
‫ـن‬
‫ُ‬
‫ـم ال َغـ َـز ُل إلــى‪َ :‬غـ َـز ٍل ُعـ ٍّ‬
‫ُّ ْ‬
‫وانقسـ َ‬
‫ِ‬
‫رواده‪ :‬قيــس بــن الملــوح‬
‫نقــي‪ ،‬مــن‬
‫عفيــف‬
‫وهــو َغ َــز ٌل‬
‫َمعمــر ال ُعــذري (مجنــون بثينــة)‪،‬‬
‫ٌ‬
‫َ‬
‫طاهــر ٌّ‬
‫ٌ‬
‫عــزة)‪ ،‬وذو الرمــة‬
‫(مجنــون ليلــى)‪ ،‬وقيــس بــن ذريــح (مجنــون لبنــى)‪ ،‬و ُك َث ّيــر عــزة (مجنــون ّ‬
‫(مجنــون م ّيــة)‪ ،‬وعــروة بــن حــزام (مجنــون عفــراء)‪ ،‬وتوبــة بــن الحم ّيــر (مجنــون ليلــى األخيليــة)‪.‬‬
‫فالشــاعر العــذري يقصــر حبــه وشــعره علــى معشــوقة واحــدة‪ ،‬يــرى فيهــا ســعادته وشــقاءه‪ ،‬ال ينــي‬
‫وح ّبـ ُه ا ّلــذي ال يتغيــر مــع مــرور الزمــن‪ .‬يقــول‬
‫تضر ًعــا يصـ ّـو ُر فيهــا َك َل َفـ ُه و َعذابـ ُه ُ‬
‫يتغنــى بهــا ُمتذ ّلـ ًـا ُم ّ‬
‫جميــل فــي بثينــة‪:‬‬
‫ال تحسبي أنــي هــجــر ُتـ ِ‬
‫ـك طائ ًعا‬
‫ْ‬
‫ـح‬
‫ـات‪،‬‬
‫ولتبكينّي الــبــاكــيـ ُ‬
‫وإن َأ ُب ـ ْ‬
‫ِ‬
‫عشت‪ -‬الفؤا ُد‪ ،‬فإن أ ُم ْت‬
‫يهواك ‪-‬ما‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫لناظر‬
‫وعــــدت‪،‬‬
‫إلــيــك‪ ،‬بما‬
‫إنــي‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫َحــدَ ٌ‬
‫ـع َأ ْن تُهجري‬
‫ث‪َ ،‬ل َع ْم ُرك‪ ،‬رائـ ٌ‬
‫بــســر ِك ُمــعــلـنًــا‪ ،‬لــم ُأ َ‬
‫عـــذر‬
‫يــو ًمــا‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫صـــداك بين األقــبـ ِـر‬
‫صـــداي‬
‫يتبع‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫المكثر‬
‫ـي‬
‫نــظـ َـر‬
‫الفقير إلــى الــغــنـ ِّ‬
‫ويقول قيس بن ذريح في لبنى‪:‬‬
‫وإنّي ألهوى الن َّْو َم في َغ ْي ِر ِحينِ ِه‬
‫ُــم‬
‫ت َ‬
‫ُحدِّ ُثني األحـــا ُم أ ِّنــي أراك ُ‬
‫َّ‬
‫هوى‬
‫وأن فــؤادي ال يلين إلــى ً‬
‫َل ـ َعـ َّـل لِ ـ َقــا ًء فــي الـ َـم ـنَــا ِم َيـ ُكـ ُ‬
‫ـون‬
‫أحـــ َ‬
‫ا َم الـ َـمـنَــا ِم َي ِقي ُن‬
‫فيا َلـ ْيـ َ‬
‫ـت ْ‬
‫ِ‬
‫ســواك‪ْ ،‬‬
‫وإن قالوا َبلى سيلي ُن‬
‫ومــن رواد الغـ ِ‬
‫الصريـ ِ‬
‫ـي‪ ،‬وال‬
‫ـزل ّ‬
‫ـي) عمــر بــن أبــي ربيعــة‪ ،‬واألحــوص‪ ،‬والعرجـ ّ‬
‫ـي الحسـ ِّ‬
‫ـح (اإلباحـ ِّ‬
‫يلتــزم فيــه ّ‬
‫الشــاعر بحــب امــرأة واحــدة‪ ،‬بــل يتّبــع الجمــال أينمــا كان‪ ،‬فيتغــزل بأكثــر مــن امــرأة‪،‬‬
‫ويصــف مفاتنهــا ومغامراتــه معهــا‪ ،‬وقــد يصــف مجموعــة مــن النســاء‪ .‬وقــد ُر ِوي أن عمــر بــن ربيعــة‬
‫للحــواج‪ ،‬فيشــبب بالحرائــر الجميــات‪ ،‬ويصفهــن طائفــات محرمــات‪ ،‬فزهــدت‬
‫كان يتعــرض‬
‫ّ‬
‫(دهلــك)‬
‫األســر فــي أداء الفريضــة خشــية منــه‪ ،‬ممــا جعــل الخليفــة عمــر بــن عبــد العزيــز ينفيــه إلــى ْ‬
‫إحــدى جــزر البحــر األحمــر بيــن بــاد اليمــن والحبشــة‪ ،‬ولــم يعــد إال بعــد أن أقســم أن يتــوب‪.‬‬
‫يقــول فــي إحــدى قصائــده‪:‬‬
‫‪36‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬رعِّشلا‬
‫يقصدُ النّاس لل ّط ِ‬
‫واف احتسا ًبا‬
‫ُ‬
‫وذنوبي مجموع ٌة في ال ّط ِ‬
‫واف‬
‫وفي قصيدة اشتُهرت له يصور انشغال ثالث أخوات به‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫بصرنَني‬
‫َأ َ‬
‫َبينَما َيــذ ُكــر َنــنــي‬
‫قــا َلـ ِ‬
‫ـت الكُبرى َأ َتــعـ ِـرفـ َن ال َفتى‬
‫ِ‬
‫الصغرى َو َقد تَـــــــ َّيمتُها‬
‫قا َلت ُ‬
‫َ ِ‬
‫الم ِ‬
‫يل َيعدو بي األَ َغر‬
‫دون َقيد َ‬
‫ِ‬
‫الوسطى َن َعم َهــذا ُع َمر‬
‫قا َلت ُ‬
‫َقد َع َرفنا ُه‪َ ،‬و َهــل َيخفى ال َق َمر‬
‫قصصا يبتكرها‪ ،‬فتغلب لغة الحوار القصصي على قصائده‪.‬‬
‫فهو ُيجري على لسان محبوباته‬
‫ً‬
‫‪37‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫الر ِ‬
‫ميمي‬
‫يب ال َّت‬
‫قال‬
‫ُ‬
‫ُّ‬
‫بن َّ‬
‫مالك ُ‬
‫ـت ِش ـ ْعــري َه ْ‬
‫ــل َأب ـ ْي ـ َت ـ َّن َل ْي َل ًة‬
‫َأال َل ـ ْيـ َ‬
‫ْب َع ْر َض ُه‬
‫الرك ُ‬
‫َف َل ْي َت ال َغضى َل ْم َي ْق َط ِع َّ‬
‫َل َقدْ َ‬
‫في َأ ْه ِل ال َغضى َل ْو َدنا ال َغضى‬
‫كان ْ‬
‫الهدى‬
‫ـم َتـ َـرنــي بِـ ْعـ ُ‬
‫ـت َّ‬
‫الضال َل َة بِ ُ‬
‫َأ َل ـ ْ‬
‫ُ‬
‫راسان ها َمتي‬
‫َل َع ْمري َل ِئ ْن غا َل ْت ُخ‬
‫َ‬
‫ـج ِمـ ْن با َبي ُخ‬
‫راسان ال َأ ُعــدْ‬
‫َفــإِ ْن َأ ْنـ ُ‬
‫َتـ َـذ َّكـ ْـر ُت َم ـ ْن َي ْبكي َع َل َّي َف َل ْم َأ ِجــدْ‬
‫ِ‬
‫ــــر ٍو َمن َّيتي‬
‫ــمــا تَـــــرا َء ْت عــنْــدَ َم ْ‬
‫َو َل ّ‬
‫َأ ُق ُ ِ‬
‫ـي ْار َف ـ ُعـ ْـونــي َفإِنَّني‬
‫ـــول لَ ْصــحــابـ ْ‬
‫ِ‬
‫وت فان ِْزال‬
‫الم ُ‬
‫َفيا صاح َب ْي َر ْحلي َدنا َ‬
‫ـض َلي َل ٍة‬
‫ـي ال ـ َيــو َم َأ ْو َب ـ ْعـ َ‬
‫َأق ْيما َع ـ َلـ َّ‬
‫اس ـ ُتـ َّـل ُروح ــي َف َه ِّيئا‬
‫َوقــومــا إِذا مــا ْ‬
‫و ُخـ ّطــا بِـ َـأ ْطـ ِ‬
‫ـراف األَ ِس ـنَّـ ِـة َم ْض َجعي‬
‫َ‬
‫بـــار َك ال ـ ّل ـ ُه فيكُما‬
‫َوال َتـ ْ‬
‫ـســدانــي َ‬
‫ـحـ ُ‬
‫ــردي إِ َل ْيكُما‬
‫ُخــذانــي َفـ ُ‬
‫ـجـ ّـرانــي بِــ ُب ْ‬
‫ِ‬
‫َيـ ُقــو ُلـ َ‬
‫ـم َيدْ فِن ُْونَني‬
‫ـون ال ُت ْبعدْ َو ُه ـ ْ‬
‫ِ‬
‫ـــت َفـ َبـ ِّلـ َغـ ْن‬
‫ـــر ْض َ‬
‫َفــيــا راكــ ًبــا إِ ّمـــا َع َ‬
‫َو َب ِّل ْغ َأخــي ِع ْم َ‬
‫ران ُبـ ْـردي َو ِم ْئ َزري‬
‫ـم َعلى َش ْي َخ َّي ِمنّي ِك َل ِيهما‬
‫َو َس ـ ِّلـ ْ‬
‫َو َعـ ِّطـ ْـل َق ُلوصي في الـ ِّـركـ ِ‬
‫ـاب َفإِنَّها‬
‫ِ‬
‫بِ َجن ِ‬
‫الص النَّواجيا‬
‫ْب ال َغضى ُأ ْزجي الق َ‬
‫كاب َلياليا‬
‫الر َ‬
‫َو َل ْي َت ال َغضى ماشى ِّ‬
‫ِ‬
‫ـس دانيا‬
‫ــــزار َو َلــكــ َّن الـ َغــضــى َلــيـ َ‬
‫َم ٌ‬
‫في َج ْي ِ‬
‫ش ا ْب ِن َع ّف َ‬
‫ان غازيا‬
‫َو َأ ْص َب ْح ُت ْ‬
‫َل َقدْ ُكن ُْت َع ـ ْن با َبي ُخــراسـ َ‬
‫ـان نائيا‬
‫إِ َل ـ ْيــهــا‪َ ،‬وإِ ْن َمنَّيت ُُموني األَمــانــيــا‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫يني باكيا‬
‫الر َد ِّ‬
‫والر ْم ِح ُّ‬
‫السيف ُّ‬
‫سوى َّ‬
‫ِ‬
‫َو َح َّ‬
‫ـت َوفاتيا‬
‫مي َوحــا َنـ ْ‬
‫ــل بِها ج ْس ْ‬
‫ِ‬
‫ــهــ ْي ٌــل َبـــدا ليا‬
‫ــر بِـ َع ـ ْيــنــي َأ ْن ُس َ‬
‫َيــق ُّ‬
‫بِــــرابــــي ٍ‬
‫ـــقـــيـــم َلــيــالــيــا‬
‫ــــة إِنّــــــي ُم‬
‫َ‬
‫ٌ‬
‫َوال ُت ـ ْعـ ِ‬
‫ـجــانــي َقـــدْ تَــ َبــ َّيــ َن مابيا‬
‫ـي الـ َقـ ْبـ َـر واألَ ْك ــف ـ َ‬
‫ــم ا ْبكيا ليا‬
‫ـان ُث َّ‬
‫لـ َ‬
‫ــض َ‬
‫ــل ِردائــيــا‬
‫ـي َف ْ‬
‫َو ُر ّدا َعــلــى َعــي ـنَـ َّ‬
‫ض َأ ْن ت ِ‬
‫ض ِ‬
‫ذات ال َع ْر ِ‬
‫ِم َن األَ ْر ِ‬
‫ُوسعا ليا‬
‫َف َقدْ ُكن ُْت َق ْب َل الـ َيــو ِم َص ْع ًبا قياديا‬
‫ُ‬
‫ــكــان ال ـ ُب ـ ْعـ ِـد إِ ّل َمكانيا‬
‫َو َأ ْيـــــ َن َم‬
‫بني مــالِـ ٍ‬
‫والــر ِ‬
‫يــب‪َ :‬أ ْن ال تَالقيا‬
‫ـك‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫َو َبــ ِّل ْ‬
‫ـوز ال ـ َيــو ِم َأ ْن ال تَدانيا‬
‫ـجـ َ‬
‫ــغ َعـ ُ‬
‫َو َبــ ِّل ْ‬
‫ــغ َكــثــيـ ًـرا وا ْبـــ َن َعـ ّـمــي َوخاليا‬
‫َس ـ ُت ـ ْفـ ِـلـ ُـق َأكْـــبـــا ًدا َو ُت ـ ْبــكــي َبــواكــيــا‬
‫‪38‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬رعِّشلا‬
‫مينة‬
‫الد ْ‬
‫قال عبدال ّله بن ُ‬
‫أالياصبانجدمتىهجتمننجد؟‬
‫لقد زادني مسراك وجدا على وجد‬
‫بكيت كما يبكي الوليد ولم َأ َز ْل‬
‫جليدً ا‪،‬وأبديتالذيلمتكنتبدي‬
‫ّ‬
‫بكل تداوينا‪ ،‬فلم يشف ما بنا‬
‫على ّ‬
‫أن قرب الدار خير من البعد‬
‫َأإِ ْن هتفت ورقاء في رونق الضحى‬
‫ّ‬
‫وقد زعموا ّ‬
‫دنايمل‪،‬‬
‫المحب إذا‬
‫أن‬
‫ّ‬
‫على ّ‬
‫أن قرب الــدار ليس بنافع‬
‫‪39‬‬
‫غض النبات من الرند‬
‫على فنن ّ‬
‫ّ‬
‫وأن الــنــأي يشفي مــن الوجد‬
‫إذا كان من تهواه ليس بذي و ّد‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫قال ُك َث ّير ع ّزة‬
‫ُنت أدري َ‬
‫عز َة ما ال ُبكا‬
‫وما ك ُ‬
‫قبل ّ‬
‫القلب حتى تو َّل ِ‬
‫وال ِ‬
‫ِ‬
‫ت‬
‫عات‬
‫موج ُ‬
‫َ‬
‫ـت وح َّل ِ‬
‫ِ ٍ‬
‫ت‬
‫ـأو َفـ ْ‬
‫نــذرا فـ ْ‬
‫كــنــاذ َرة ً‬
‫إذا و ِّطن َْت ‪-‬يوما‪ -‬لها النفس َذ َّل ِ‬
‫ت‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ً‬
‫منالصملوتمشيبهاالعصمز َّل ِ‬
‫ت‬
‫ُ ْ ُ‬
‫ُّ ِّ‬
‫فضن ِ‬
‫إلـــي‪ ،‬وأمـــا بــالــنـ ِ‬
‫َّت‬
‫ـوال َ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫لــديــنــا‪ ،‬وال مــقـ ِـلـيـ ٌة إن ت َق َّل ِ‬
‫ت‬
‫َ ّ‬
‫نعل عـ ّـز َة ز َّل ِ‬
‫شام ٍ‬
‫وال ِ‬
‫ت إن ُ‬
‫ت‬
‫بــعــز َة بعدما‬
‫وإنّـــي و َتــهــيــامــي‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫الغمامة‪ ،‬ك َّلما‬
‫َالمرتَجي ظِ َّل‬
‫َلك ُ‬
‫ـت مــمــا بيننا وتخ ّل ِ‬
‫تـ َ‬
‫ت‬
‫ـخ ـ َّل ـ ْيـ ُ‬
‫ّ‬
‫اضمح َّل ِ‬
‫ت‬
‫تــبـ ّـو َأ منها للمقيل ْ َ َ‬
‫ف ُق ْل‪ :‬نفس حر س ّلي ْت فتس َّل ِ‬
‫ت‬
‫ُ ُ ٍّ ُ َ‬
‫َ‬
‫الحب بيني وب ْينَها‬
‫وكانت ل َق ْط ِع‬
‫ِّ‬
‫لت لها‪ :‬يا َعـ ُّـز‪ُ ،‬كـ ُّـل ُمصي َب ٍة‬
‫ف ُق ُ‬
‫أعرض ْت‬
‫صخر ًة حين‬
‫كَأنِّي ُأنادي‬
‫َ‬
‫َ‬
‫فما أن َْص َف ْت‪ ،‬أ َّما النسا ُء ف َب َّغ َض ْت‬
‫أح ِسني‪ ،‬ال ملوم ٌة‬
‫أسيئي بنا أو ْ‬
‫لعز َة بالجوى‬
‫فما أنا بالدّ اعي ّ‬
‫ِ‬
‫الواشون ّ‬
‫َ‬
‫أن َصبابتي‬
‫يحسب‬
‫فال‬
‫ِ‬
‫ـم ال ـ ّلـ ِـه مــا حـ ّـل قب َلها‬
‫فــوالـ ّلــه ثـ ّ‬
‫فإن َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫هجرتَها؟‬
‫سأل‬
‫فيم ْ‬
‫الواشون‪َ :‬‬
‫بــعــز َة كــانــت غــمــر ًة فتج َّل ِ‬
‫ت‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫وال بعدَ ها من ُخ ّل ٍة حيث ح َّل ِ‬
‫ت‬
‫‪40‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬رعِّشلا‬
‫ِّ‬
‫الشعر يف العصرِ‬
‫العباسي‬
‫ّ‬
‫يبــدأ العصــر العباســي بســقوط الدولــة األمويــة فــي الشــام ســنة ‪ 132‬هـــ‪ 749/‬م‪ ،‬وقيــام دولــة بنــي‬
‫العبــاس فــي الكوفــة (العــراق)‪ ،‬وينتهــي سياسـ ًيا بســقوط بغــداد فــي يــد (هوالكــو) التتــري ســنة ‪656‬‬
‫هـ‪ 1258/‬م‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ويعــد عصــر الدولــة العباســية عصــر اإلســام الذهبــي ا ّلــذي بلغــت فيــه الدولــة اإلســامية أوج‬
‫ازدهارهــا الفكــري‪ ،‬فنُقلــت العلــوم األجنبيــة‪ ،‬وتنوعــت اآلداب العربيــة وتطــورت‪ .‬وخال ًفــا للدولــة‬
‫األمويــة ا ّلتــي كانــت عربيــة خالصــة متعصبــة للعــرب لغـ ًة وأد ًبــا‪ ،‬قاعدتهــا دمشــق علــى حــدود باديــة‬
‫العــرب‪ ،‬اصطبغــت الدولــة العباســية بصبغــة فارســية؛ ألن ال ُفـ ْـر َس ُهــم الذيــن أيدوهــا‪ ،‬فجعلــت‬
‫قاعدتهــا بغــداد أقــرب األمصــار إلــى بالدهــم‪ .‬فتأثــر العــرب بعــادات الفــرس وتقاليدهــم ولغتهــم‪،‬‬
‫وتمازجــوا معهــم بالتــزاوج والتناســل‪ ،‬وأشــرك الخلفــاء الموالــي (المســلمين مــن غيــر العــرب)‬
‫س وأتــراك وســريان وروم وبربــر فضعفــت العصبيــة‪ ،‬وتعــددت ِ‬
‫فــي سياســة الدولــة مــن ُفـ ْـر ٍ‬
‫الفـ َـر ُق‪،‬‬
‫وتكاثــر الجــواري والغلمــان‪ ،‬والتأنــق فــي الطعــام واللبــاس‪ ،‬والتنافــس فــي البنــاء والتشــييد‪ ،‬كل‬
‫هــذا كان لــه أثــر ب ّيــن فــي اللغــة العربيــة وآدابهــا‪.‬‬
‫وكثــر التّعـ ّـرب (التش ـ ّبه بالعــرب) بيــن الموالــي‪ ،‬وبلــغ مــن إعجابهــم بالعــرب أنهــم كانــوا يلفقــون‬
‫ألنفســهم أنســا ًبا عربيــة‪ ،‬فأبــو تمــام الرومــي أصبــح حبيــب بــن أوس بــن الحــارث بــن قيــس‪...‬‬
‫وأصبــح الشــعراء المســلمون مــن الفــرس والتــرك والــروم ينظمــون الشــعر بالعربيــة وفــي المقابــل‬
‫تطبــع العــرب بطبــاع غيــر عربيــة فانغمســوا فــي التــرف والبــذخ ومســاوئ المدنيــة كال ّلهــو‪ .‬كمــا كان‬
‫أيضــا مــن اســتبحار فــي العلــم واتســاع للعمــران وانفتــاح علــى ثقافــات أخــرى‪.‬‬
‫للمدنيــة محاســن ً‬
‫ونتيجــة اتســاع رقعــة الخالفــة الجغرافيــة واالحتــكاك بثقافــات أخــرى ُع ّربــت الكثيــر مــن الكلمــات‬
‫األجنبيــة التــي لــم يجــد العــرب لهــا فــي لغتهــم ألفا ًظــا تؤديهــا فأصبحــت «أنــذزاه» الفارســية‬
‫«هندســة» و «كليمــا» اليونانيــة «إقليــم» وأوجــدت ألفــاظ عربيــة لكلمــات نحــو «أباذميــا» و‬
‫«اســطقس» و»أســطرونوميا» هــي «الوبــاء‪ ،‬والعنصــر‪ ،‬والهيئــة أو الفلــك»‪ .‬وبقيــت الكثيــر مــن‬
‫‪ - )1‬راجع أحمد حسن الزيات‪ ،‬تاريخ األدب العربي‪ ،‬ط ‪( 8‬بيروت‪ :‬دار المعرفة‪)2004 ،‬‬
‫ راجــع عمــر فــروخ‪ ،‬تاريــخ األدب العربــي‪ :‬العصــور العباســية حتــى القــرن الرابــع هجــري‪ ،‬ط ‪( 4‬بيــروت)‪ ،‬دار العلــم للمالييــن‪،‬‬‫(‪)1981‬‬
‫‪41‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫الكلمــات علــى لفظهــا األجنبــي مثــل «قانــون» و «اســترالب» و «كاغــد» و «جغرافية» و «موســيقى»‪،‬‬
‫وتســمى ألفا ًظــا دخيلــة ألن العجمــة ظلــت ظاهــرة عليهــا‪.‬‬
‫شــعرا ُم َو َّلــدً ا ألن أكثــر الشــعراء مو ّلديــن (مــن َأ َب َو ْيــن أحدهمــا عربــي‬
‫وســمي الشــعر العباســي‬
‫ً‬
‫ّ‬
‫ـعرا‬
‫واآلخــر غيــر عربــي) وألن الشــعر لــم يكــن عرب ًيــا‬
‫ً‬
‫خالصــا فــي معانيــه وأســلوبه كمــا سـ ّـمي شـ ً‬
‫ُم ْحدَ ًثــا ألن الشــعراء كانــوا ُجــد ًدا أو متأخريــن‪.‬‬
‫وغرضــا ووزنًــا‪ .‬فعلــى مســتوى المبنــى‪،‬‬
‫تأثــر الشــعر بالحيــاة الحضريــة الجديــدة مبنًــى ومعنًــى‬
‫ً‬
‫ُه ِجــرت الكلمــات الغريبــة فأصبحــت التراكيــب واضحــة ســهلة‪ ،‬وكثــر اســتخدام البديــع و ُتــرك‬
‫االبتــداء بذكــر األطــال إلــى وصــف القصــور والريــاض والخمــور والغــزل واإلغــراق فــي المــدح‬
‫والهجــاء‪ .‬يقــول البحتــري واص ًفــا قصــر الخليفــة المتــوكل‪:‬‬
‫ّ‬
‫بجوه‬
‫وكـــأن حيطان الــزجــاج ّ‬
‫فت ََرى ال ُع ُي َ‬
‫ون َي ُجل َن في ذي َر ْون ٍَق‬
‫لبست من الذهب الصقيل سقو ُف ُه‬
‫جج يمجن على جنوب سواحل‬
‫ُل ٌ‬
‫ِ‬
‫ُم َت َل ِّه ِ‬
‫السافِ ِل‬
‫ب ال َعالي أنــيـ ِـق ّ‬
‫نورا يضيء على الظالم الحافل‬
‫ً‬
‫أ ّمــا علــى مســتوى المعنــى‪ ،‬فقــد تولــدت المعانــي الحضريــة‪ ،‬واقتبســت األفــكار الفلســفية؛ إذ أ ْك َثــر‬
‫الم َو َّلديــن‪ ،‬وهــذا يع ّلــل وفــرة المعانــي الجديــدة فــي شــعر بشــار بــن بــرد وأبي‬
‫شــعراء هــذا العصــر مــن ُ‬
‫نــواس وأبــي العتاهيــة وابــن الرومــي‪ .‬وكان لنقــل العــرب علــوم اليونــان وغيرهــم تأثيــر فــي شــعر أبــي‬
‫تمــام والمتنبــي وأبــي العــاء المعــري وغيرهــم بمــا دخلــه مــن آراء علميــة وأفــكار فلســفية وسياســية‪.‬‬
‫أ ّمــا أغــراض ِّ‬
‫الشــعر فقــد بقيــت‪ ،‬واســتمرت؛ فالفخــر والمديــح والغــزل والرثــاء والحكمــة‬
‫ـراض قديم ـ ٌة منــذ العصــر الجاهلــي‪ ،‬إال أن الفخــر القبلــي القديــم تضــاءل‪،‬‬
‫والوصــف والزهــد أغـ ٌ‬
‫َو َح َّ‬
‫ــل محلــه الفخــر بالنفــس‪.‬‬
‫يقول أبو الطيب المتنبي‪:‬‬
‫شرفوا بي‬
‫شر ُ‬
‫فت ْبل َ‬
‫ال بقومي َ‬
‫وبهم َف ْخ ُر ّ‬
‫الضا‬
‫كل َمـ ْن َن َط َق ّ‬
‫ْ‬
‫وبنفسي فـ َ‬
‫ـخـ ْـر ُت ال بجدودي‬
‫ث ال ّط ِ‬
‫َد َو َع ْو ُذ الجاني َو َغ ْو ُ‬
‫ريد‬
‫‪42‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬رعِّشلا‬
‫جب َع ٍ‬
‫ْ‬
‫جيب‬
‫عج ًبا ف ُع ُ‬
‫إن أ ُك ْن ُم َ‬
‫أنَا تِـ ْـر ُب النّدَ ى َو َر ُّب ال َق َوافي‬
‫ٍ‬
‫َــهــا ال ّلــ ُه‬
‫َــدارك َ‬
‫أنَـــا فــي ُأ ّمــــة ت َ‬
‫ــوق َن ْف ِس ِه من م ِ‬
‫ـم َيجدْ َف َ‬
‫زيد‬
‫َ‬
‫لـ ْ‬
‫يظ الح ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫سود‬
‫َوس َما ُم العدَ ى و َغ ُ َ‬
‫ــح فــي َثــمـ ِ‬
‫كــصــالِ ٍ‬
‫ـود‬
‫ـب َ‬
‫َغ ــري ـ ٌ‬
‫كمــا انتشــرت فــي المديــح معانــي الشــجاعة والكــرم وشــرف األصــل‪ ،‬وأضيفــت إليــه المقــدرة‬
‫فــي لعــب الشــطرنج مثـ ًـا‪ ،‬كمــا نــرى ذلــك عنــد ابــن الرومــي عندمــا يخاطــب صاحبــه أبــا القاســم‬
‫ـوزي الشــطرنجي الــذي نبــغ فــي لعــب الشــطرنج‪:‬‬
‫التـ ّ‬
‫َو َأ َرى َأ َّن ُر ْق ـ َع ـ َة ْالَ َد ِم ْالَحـْـ‬
‫ِ‬
‫ب بِ ِّ‬
‫الشطـْـ‬
‫َّاس َل ْس َت َت ْل َع َ‬
‫َغل َط الن ُ‬
‫جديها َو َغــ ْي ُــر َك َم ـ ْن َيلـْـ‬
‫ـت‬
‫َأ ْن ـ َ‬
‫َ‬
‫َل َك َمك ٌْر َي ِد ُّب فِي ا ْل َق ْو ِم َأ ْخ َفى‬
‫َأ ْو َدبِ ِ‬
‫يب ا ْل َ‬
‫مل ِل فِي ُم ْست ََه ِاميــ‬
‫ـــدم ِ‬
‫ِ‬
‫َم ِ‬
‫ـــاء‬
‫ـــر َأ ْر ٌض َع ـ َل ـ ْلــتـ َـهــا بِ َ‬
‫ـس ال ُّلعب ِ‬
‫ـج َلـ ِ‬
‫ـك ـ ْن َبـ َـأ ْن ـ َفـ ِ‬
‫ــ َـر ْنـ ِ‬
‫اء‬
‫ََ‬
‫ـال َغـيــر النِّس ِ‬
‫اء‬
‫َعـ ُ‬
‫ـب إِ َّن الـ ِّـر َجـ َ ْ َ َ‬
‫يب ا ْل ِغ َذ ِاء فِي ْالَعض ِ‬
‫ِم ْن َدبِ ِ‬
‫اء‬
‫ْ َ‬
‫ــة ِمـــن ا ْل ـب ـ ْغــضـ ِ‬
‫َن إِ َلـــى َغــاي ٍ‬
‫ـاء‬
‫َ َ َ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫ورق االعتــذار‪ ،‬واتّســع فيــه العتــاب الرقيــق الــذي نــراه عنــد البحتــرى فــي عتابــه للوزيــر الفتــح بــن‬
‫خاقــان‪:‬‬
‫َفــدَ يــنـ َ ِ‬
‫أي َخ ـ ْطـ ٍ‬
‫ـب َع َــرا‬
‫ـاك مــن ّ‬
‫ْ‬
‫ـــك َقــد َح َ‬
‫وإن ك َ‬
‫ْ‬
‫َــان َرأ ُي َ‬
‫في‬
‫ــال ّ‬
‫بــأن قــدْ س ِ‬
‫َــــذ ُب َظ ـنّــي ْ‬
‫ُأك ّ‬
‫خ ْطـ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ـم أ ُكـ ْن‬
‫َو َل ْ‬
‫ــو لم ت ُك ْن ساخ ًطا لـ ْ‬
‫َــائــب ٍ‬
‫ِ‬
‫َـــت ْ‬
‫أن َتـنُــو َبــا‬
‫ــة ْأو َشـــك ْ‬
‫َون َ‬
‫ــش ِ‬
‫َفـ َلـ ّقــيـ َتــنــي َبــعــدَ بِ ْ‬
‫ــر ُقـ ُطــوبــا‬
‫أعهدُ َظنّي ك َُذوبا‬
‫َت‪َ ،‬و َما ُ‬
‫كنت َ‬
‫أ ُذ ُّم الـ ّـزمـ َ‬
‫ـان‪ ،‬وأشكُو ُ‬
‫الخ ُطوبا‬
‫وكثــر الزهــد والحكمــة‪ ،‬وأصبحــا فنّيــن يعالجهمــا مجموعــة مــن ّ‬
‫الشــعراء فــي قصائــد أو ُم َق ّطعــات‪.‬‬
‫يقــول أبــو العتاهيــة‪:‬‬
‫ـي ا َّلــذي ُهـ َـو َم ِّي ٌت‬
‫يا َأ ُّيــهــا الـ َ‬
‫ـحـ ُّ‬
‫‪43‬‬
‫المنى‬
‫َأفن ُ‬
‫مر َك بِال َت َع ُّل ِل َو ُ‬
‫َيت ُع َ‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫شيب َف َقد ك َ‬
‫داؤ ُه‬
‫َساك ِر ُ‬
‫الم ُ‬
‫َأ ّمــا َ‬
‫ــواك إِذا َد َ‬
‫ف َه َ‬
‫عــاك لِ َري َب ٍة‬
‫خالِ ْ‬
‫َع َلم المحج ِة بين لِم ِ‬
‫ريد ِه َو َأرى‬
‫ُ َ َ َّ َ ِّ ٌ ُ‬
‫بت لِهالِ ٍك َونجا ُت ُه‬
‫َو َلـ َقــد َع ِج ُ‬
‫َواِبت ََّز َعن َك َّف َ‬
‫الصبا‬
‫ـواب ِّ‬
‫يك َأثـ َ‬
‫ِ‬
‫الهوى‬
‫َف َل ُر َّب َخ ٍير في ُمخا َل َفة َ‬
‫الم َح َّج ِة في َعمى‬
‫ال ُق َ‬
‫لوب َع ِن َ‬
‫بت لِ َمن نَجا‬
‫َموجو َد ٌة َو َل َقد َع ِج ُ‬
‫وأصبــح ال َّطـ ْـر ُد (وصــف الصيــد) با ًبــا مسـ ً‬
‫ـتقل بذاتــه‪ ،‬ولــم يقتصــر علــى الصيــد فقــط‪ ،‬بــل تنــاول كل‬
‫مــا يتعلــق بالحيــوان‪ ،‬ح ّتــى وصــف «قتــال ِ‬
‫الد َيكــة»‪ ،‬يقــول أبــو نــواس واص ًفــا كلــب صيــد لــه اســمه‬
‫(سرياح)‪:‬‬
‫رق في ذي عـ ِ‬
‫ـار ٍ‬
‫ما ال َب ُ‬
‫ض َل ّم ِ‬
‫اح‬
‫َوال اِنــبِ‬
‫ــتــات الــدلــو بالمتّاح‬
‫ُ‬
‫ـــة ِ‬
‫حــيـن دن ــا ِمــن راح ِ‬
‫الم ِ‬
‫شاح‬
‫َ‬
‫َ َ‬
‫ـــل ِ‬
‫ِ‬
‫ـــم ِ‬
‫الـــم ِ‬
‫ـــراح‬
‫َيـــكـــا ُد ع ــن ــدَ َث َ‬
‫إِذا َســمــا الــخـ ِ‬
‫ـايـ ُـل لِ ـ َ‬
‫أشــبـ ِ‬
‫ـاح‬
‫ضاض الكَوك ِ‬
‫ِ‬
‫تضاح‬
‫الم‬
‫َوال اِ ِنق ُ‬
‫َب ُ‬
‫الحو َأ ِ‬
‫الم ِ‬
‫نداح‬
‫وال‬
‫انسياب َ‬
‫ُ‬
‫ب ُ‬
‫ـســر َعـ ِـة ِمــن ِس ِ‬
‫رياح‬
‫َأ َجـــدُّ في الـ ُ‬
‫ـج ـ ِّـو بِـــا ِجــنـ ِ‬
‫ـاح‬
‫َيــطــيـ ُـر فــي ال ـ َ‬
‫ـل َشــبــا ِ‬
‫َيــف ـ َتـ ُّـر َعــن ِمــثـ ِ‬
‫الــر ِ‬
‫مــاح‬
‫وأ ّمــا علــى مســتوى الــوزن‪ ،‬فقــد ابتدعــت أوزان أخــرى‪ ،‬كالمســتطيل والممتــد‪ ،‬وهمــا عكــس‬
‫ّ‬
‫المق ّطعــات (أبيــات‬
‫الطويــل والمديــد‪،‬‬
‫والموشــح ّ‬
‫والزجــل‪ ،‬والدوبيــت والمواليــا‪ ،‬ونُظمــت ُ‬
‫معــدودة فــي أغــراض محــدودة)‪.‬‬
‫ولمــا انفــرط عقــد الخالفــة‪ ،‬وكثــرت الدويــات العربيــة وغيــر العربيــة‪ ،‬باســتقالل الــوالة فــي‬
‫فــارس والشــام ومصــر والمغــرب‪ ،‬وجــد ِّ‬
‫ـارا‪،‬‬
‫ـكارا وانتشـ ً‬
‫الشــعر فــي غيــر بغــداد تشــجي ًعا‪ ،‬فــازداد ابتـ ً‬
‫فاألمــراء مثــل الخلفــاء ُي َق ِّربــون ّ‬
‫الشــعراء‪ ،‬ويعضدونهــم‪.‬‬
‫ومــا إن انتهــى القــرن الخامــس للهجــرة حتّــى ذهــب جمــال الشــعر‪ ،‬وفقــد تأثيــره فــي النفــوس‬
‫لذهــاب المعضديــن لــه مــن البويهييــن والســاجقة وكثــرة الفتــن والصراعــات‪ ،‬فغــاب التوليــد‬
‫واإلبــداع‪ ،‬وكثــر تقليــد معانــي األقدميــن واســتخدام المحســنات البديعيــة والمبالغــة فــي المــدح‬
‫واســتدرارا لألكــف حتــى قيــل‪« :‬أعــذب الشــعر أكذبــه»‪.‬‬
‫للتكســب‬
‫ً‬
‫‪44‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬رعِّشلا‬
‫الد ْم ِع‬
‫أَ َ‬
‫راك َع َّ‬
‫صي َّ‬
‫احل ْمدا ُّ‬
‫ين‬
‫أَبو ِف ٍ‬
‫راس َ‬
‫أراك هنا؟‬
‫‪)1‬ما معنى َ‬
‫هي ُرؤيةُ ال َعين؟ِ‬
‫ْ‬
‫هل َ‬
‫أ ْم ُرؤيةُ القل ِ‬
‫ْب‬
‫بمعنى أَظ ُّن َك؟‬
‫َ‪1‬‬
‫َأ‬
‫الص ْب ُر‬
‫شيمت َُك َّ‬
‫صي الدَّ ْم ِع َ‬
‫راك َع َّ‬
‫ِ‬
‫َبلى‪ ،‬أنا ُم ٌ‬
‫ـدي َلو َع ٌة‬
‫شتاق‪َ ،‬وع ـنْـ َ‬
‫الهوى‬
‫إذا ال َّل ُيل َأ ْضواني َب َس ْط ُت َيدَ َ‬
‫تَكا ُد تُضي ُء الن ُّار بي َن َجوانِحي‬
‫المشتق‬
‫ع‬
‫‪)3‬ما نو ُ‬
‫ِّ‬
‫كيف‬
‫" ُمعلِّلتي"؟ و َ‬
‫ُيؤث ُِّر هذا على‬
‫المعنى؟‬
‫والم ْو ُت دو َن ُه‪،4‬‬
‫ُم َع ِّل َلتي‪َ 3‬‬
‫بالو ْص ِل‪َ ،‬‬
‫ح ِف ْظ ُت و َضيع ِ‬
‫ت الـ َـمـ َـو َّد َة َبينَنا‬
‫َ َّ ْ‬
‫َ‬
‫وم ــا ه ـ ِ‬
‫حائف‬
‫ـذه األ ّيــــا ُم إِ ّل َص‬
‫ٌ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الح ِّي غا َد ٌة‬
‫بِنَ ْفسي م َن الغادي َن في َ‬
‫ض الو ِ‬
‫فاء َم َذ َّل ٌة‬
‫َو َفـ ْيـ ُ‬
‫ـت‪َ ،‬وفــي َب ْع ِ َ‬
‫ت ِ‬
‫ليم ٌة‪،‬‬
‫ُسائ ُلني‪َ « :‬م ْن َأن َ‬
‫ْت؟»‪َ ،‬و ْه َي َع َ‬
‫الهوى‪:‬‬
‫َف ُق ْل ُت‪،‬كماشا َء ْت‪َ ،‬وشا َء لها َ‬
‫َف ُق ْل ُت لها‪َ « :‬لو ِش ْئ ِ‬
‫ت َل ْم َت َت َعنَّتي‪،‬‬
‫ْ‬
‫َفقا َل ْت‪َ « :‬ل َقدْ َأ ْزرى بِ َك الدَّ ْه ُر َب ْعدَ نا»‬
‫‪45‬‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫عليك َوال َأ ْمـ ُـر؟‬
‫لهوى ن َْه ٌي‬
‫َأما ل َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ــر!‬
‫َولــك ـ َّن مـ ْثــلــي ال ُي ُ‬
‫ــــذاع لــ ُه س ُّ‬
‫و َأ ْذ َل ْل ُت دمعا ِمن َخ ِ‬
‫ِ ‪2‬‬
‫الئق ُه الك ْب ُر‬
‫ًَْ ْ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ُوالفك ُْر‬
‫الصبا َبة‬
‫هي أ ْذ َكتْها َّ‬
‫إذا َ‬
‫َــز َل ال َق ْط ُر!‬
‫إذا ِمـ ُّ‬
‫ـت َظ ْمآنًا َفــا ن َ‬
‫ِ‬
‫الوفاء ِ‬
‫َو َأ ْح َس ُن‪ِ ،‬م ْن َب ْع ِ‬
‫لك‪ ،‬ال ُع ْذ ُر‬
‫ض‬
‫ـف كاتِبِها بِ ْش ُر‬
‫ِلَ ْحـ ُـرفِــهــا‪ِ ،‬م ـ ْن َكـ ِّ‬
‫ْــب‪َ ،‬و َب ْه َجتُها ُعـ ْـذ ُر‬
‫ـواي لها َذن ٌ‬
‫َهـ َ‬
‫ِ ِ ٍ‬
‫شيمتُها‪ 5‬ال َغدْ ُر‬
‫الح ِّي‬
‫لن َسة في َ‬
‫َ‬
‫َو َه ْل بِ َفتًى ِم ْثلي َعلى حالِ ِه ُنك ُْر؟‬
‫ِ‬
‫ُثر»‬
‫« َقتي ُلك»! قا َل ْت‪َ « :‬أ ُّي ُه ْم؟ َف ُه ُم ك ُ‬
‫َو َل ْم ت َْسألي َعنّي َو ِعنْدَ ِك بي ُخ ْب ُر»‬
‫َف ُق ْل ُت‪« :‬معا َذ ال ّل ِه! ب ْل َأن ِ‬
‫ْت ال الدَّ ْه ُر»‬
‫َ‬
‫َ‬
‫اعر‬
‫ف ّ‬
‫‪)2‬بِ َم َو َص َ‬
‫الش ُ‬
‫َد ْم َع ُه؟‬
‫الصفَةُ ُجملةً ؟‬
‫هلْ َت َق ُع ِّ‬
‫الهاء في "دونَ ُه" تعو ُد‬
‫‪ُ )4‬‬
‫على ماذا؟‬
‫ف اآلنسةَ ؟‬
‫‪)5‬بِ َم َو َص َ‬
‫ما نوع الص ِ‬
‫فة؟‬
‫ُ ِّ‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫املتنبي‬
‫قال‬
‫ّ‬
‫بك دا ًء ْ‬
‫كفى َ‬
‫المو َت شافِ َيا‬
‫أن َترى ْ‬
‫لما ت ََمنّ ْي َت ْ‬
‫أن َتـ َـرى‬
‫ت ََمنّ ْيت ََها ّ‬
‫َعيش ِ‬
‫كنت ت َْر َضى ْ‬
‫أن ت َ‬
‫بذ ّل ٍة‬
‫إذا‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ـار ٍة‬
‫الــر َ‬
‫مــاح ل ـ َغـ َ‬
‫َوال تَستَطي َل ّن ّ‬
‫الحيا ُء من ال َّط َوى‬
‫فما َين َف ُع األُ ْسدَ َ‬
‫المنَا َيا ْ‬
‫أن ي ُك ّن أمانِ َيا‬
‫ـسـ ُ‬
‫ـب َ‬
‫َو َحـ ْ‬
‫َصدي ًقا فأ ْع َيا ْأو َع ــدُ ًوا م ِ‬
‫داج َيا‬
‫ُ‬
‫الحسا َم ال َي َمانِ َيا‬
‫َفــا ت َْست َِعدّ ّن‬
‫ُ‬
‫تاق الم ِ‬
‫وال تَستَجيدَ ّن ِ‬
‫الع َ‬
‫ذاك َيا‬
‫َ‬
‫َ‬
‫تكون َضـ َـو ِار َيــا‬
‫َوال ُت ّت َقى حتى‬
‫ـم ّ‬
‫َ‬
‫شكيك َب ْعدَ ُه‬
‫أن ال َبي َن ُي‬
‫َوأ ْع ـ َلـ ُ‬
‫ـــوع ال َع ِ‬
‫ّ‬
‫ين ُغـــدْ ٌر بِ َر ّب َها‬
‫فــإن ُد ُم َ‬
‫َوقد َ‬
‫أنت َوافِ َيا‬
‫كان َغــدّ ًارا ف ُك ْن َ‬
‫إن رأيت َُك َش ِ‬
‫اك َيا‬
‫ف َل ْس َت ُفــؤادي ْ َ ْ‬
‫إذا كُــن إ ْثــر ال ـ َغـ ِ‬
‫ـاد ِريــن َجـ َـو ِار َيــا‬
‫ّ َ‬
‫َوللنّ ْف ِ‬
‫أخ ٌ‬
‫س ْ‬
‫الق تَدُ ّل على ال َفتى‬
‫ِ‬
‫ِأق َّ‬
‫ب ُر ّب َما‬
‫ــل اشتيا ًقا أ ّيـ َـهــا ال َق ْل ُ‬
‫الص َبى‬
‫ُخ ِل ْق ُت أ ُلو ًفا َل ْو َر ُ‬
‫جعت إلى ّ‬
‫ليس صاف َيا‬
‫الو ّد من َ‬
‫َرأ ْيت َُك ت ُْصفي ُ‬
‫القلب ِ‬
‫ِ‬
‫باك َيا‬
‫وج َع‬
‫فار ُ‬
‫قت َشيبي ُم َ‬
‫َل َ‬
‫َح َب ْبت َُك‪َ ،‬ق ْلبي‪َ ،‬ق َبل ُح ّب َك من نأى‬
‫الصامناأل َذى‬
‫الجو ُدلم ُي ْر َز ْق َخ ً‬
‫إذا ُ‬
‫المال ِ‬
‫الحمدُ مكسو ًبا َوال ُ‬
‫باق َيا‬
‫َفال َ‬
‫أكــان سخاء ما أ َتــى أم تَس ِ‬
‫اخ َيا‬
‫ْ َ‬
‫َ َ ً‬
‫‪46‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬رعِّشلا‬
‫عبدالق ّدوس‬
‫قال صالح بن‬
‫ُ‬
‫الــشــبــاب فــمــا لــه مـــ ْن عــودة‬
‫ذهــــب‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫هرب‬
‫وأتَـــى‬
‫الم ُ‬
‫ُ‬
‫المشيب فــأي ـ َن مــنـ ُه َ‬
‫واذكــــــر مــنــاقــش ـ َة ال ــح ــس ـ ِ‬
‫ـاب فــإنــه‬
‫ْ‬
‫لــم ينسـه الــمـ َلــكــــ ِ‬
‫ـان حيـ َن نسيتَـ ُه‬
‫َ ُ‬
‫ـب‬
‫ال َبـــــدَّ ُيــحــصــي مــا جــنــيـ َ‬
‫ـت و َيــك ـ ُتـ ُ‬
‫وأنـــــــت ٍ‬
‫تلعـب‬
‫اله‬
‫بـــــل أثــبــتـــــا ُه‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫دنــيـــــاك الــتــي تــســعــى لها‬
‫وغـــــرور‬
‫ُ‬
‫ـب‬
‫ـاع يــذهــــ ُ‬
‫دار حــقــيــق ـ ُتــهـــــا م ــت ـــ ـ ٌ‬
‫ٌ‬
‫ـان في زمـ ِ‬
‫عنك ما قد كـ َ‬
‫َد ْع َ‬
‫الصبا‬
‫ـن ِّ‬
‫وح فــيـ َ‬
‫ـك وديــعـــ ـ ٌة أودع ـ َتــهـــــا‬
‫والــــــر ُ‬
‫ُّ‬
‫ـار كالهمـا‬
‫والــلــيـ ُـل‬
‫فاعلـم والــنــهــــ ُ‬
‫ْ‬
‫وجــمــيــع مـــــا خ ـ َّلــف ـ َتـــ ـ ُه وجــمــعـ َتــــ ُه‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫نعيمهـا‬
‫لـــــــدار ال يـــــــدو ُم‬
‫َتــ َّبـــً ــا‬
‫ُ‬
‫ـت نصيح ًة أوال َكــهــا‬
‫ـع ُهــديــــ َ‬
‫فــاســمـ ْ‬
‫ِ‬
‫ــب ال ـ َّـزم ـ َ‬
‫ستبصرا‬
‫ـان وأهــ َلــه ُم‬
‫َصــح َ‬
‫ً‬
‫ال تـــأ َم ِ‬
‫َ‬
‫الـــخـــؤون فــإنــــ ُه‬
‫هـــــر‬
‫ـــن الــدَّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ـصــاتِــهـــــا‬
‫ــــب األيــــــا ِم ف ــي َغـ َّ‬
‫وعــــواق ُ‬
‫فعليك تــقــوى الــ ّل ِ‬
‫َ‬
‫تفـز‬
‫ــه فالز ْمهـا‬
‫ْ‬
‫ِ ِ‬
‫ْ‬
‫الرضـا‬
‫واعــمــل بــطــاعــتــه تــنـ ْـل منـ ُه ِّ‬
‫واقــنــع فــفــي بــعـ ِ‬
‫ـض الــقــنــاعـ ِـة راحـــ ٌة‬
‫ْ‬
‫فـــإذا َطـ ِ‬
‫ثـــوب مــذ َّلـ ٍـة‬
‫ـت‬
‫ـت ُكــســيـ َ‬
‫ـمــعـ َ‬
‫َ‬
‫ـدو َك بالتح ّي ِـة ول َتكُـ ْن‬
‫وابـــــد ْأ َع ـــ ـ َّ‬
‫ـســم ــًــا‬
‫واحـــــــــذر ُه إن القــي ـ َتـــ ـ ُه ُم ـ َت ـ َبـ ِّ‬
‫‪47‬‬
‫واذكُــــر ذنــو َب َ‬
‫ذنـب‬
‫ــك وابِــكــهــا يـا ُم ُ‬
‫ســتَــر ُّدهــا بــالــرغ ـ ِم مــنـ َ‬
‫ـب‬
‫ـك و ُتــسـ َلــــ ُ‬
‫ـب‬
‫ـاســنـــــا فيهـا ُتــعـــــدُّ و ُتــحــســــ ُ‬
‫أنــفـ ُ‬
‫ح ـ ًقــا َيــقــي ـنًــا بــعـــــدَ مــوتِ َ‬
‫نهـب‬
‫ـــــك ُي ُ‬
‫عــمــا قــلــيــــ ٍ‬
‫ـرب‬
‫ـل َيـــــخــــ ُ‬
‫و َمــشــيــدُ هــا ّ‬
‫ــجـــــر ُب‬
‫ـوح ل ــأن ـــ ــا ِم ُم‬
‫ـــــــر َن ــص ـــ ـ ٌ‬
‫ِّ‬
‫َب ٌّ‬
‫ـب‬
‫األمــــور بما‬
‫ورأى‬
‫تـــؤوب و َتــعـ ُقـ ُ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫زال ِقــدْ م ــًــا لــلــرجــــ ِ‬
‫مـــــا َ‬
‫ـال ُيـــــؤ ِّد ُب‬
‫ِّ‬
‫ـض ُي َ‬
‫ـب‬
‫ـــــذ ُّل لــ ُه‬
‫ُّ‬
‫ـضـ ٌ‬
‫َمـ َ‬
‫ـجــــ ْ‬
‫األعـــز األ ْنـ َ‬
‫ّ‬
‫ـب‬
‫ـي األه ـ َيــــ ُ‬
‫ـي هــــ َـو الـ َبــهــــ ُّ‬
‫إن الـ َّتــقــــ َّ‬
‫ِ‬
‫ــقـــــر ُب‬
‫لــديـــــه ُم‬
‫ـع لـــــ ُه‬
‫إن الــمــطــيــــ َ‬
‫َّ‬
‫لـب‬
‫والــيــأس مـ ّـمــا‬
‫َ‬
‫الم ْط ُ‬
‫ُ‬
‫فـــات فــهـ َـو َ‬
‫فلقدْ ُكــســي ثـــوب الــمــذ َّل ِ‬
‫أشعب‬
‫ــة‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫مــنـــ ـ ُه زم ــا َن ـــ ـ َ‬
‫ـب‬
‫ـك خــائــف ــًــا تــتـــــر َّقــــ ُ‬
‫فــالــلــيـ ُ‬
‫ـب‬
‫ـث يــبــدو نــا ُبـــ ـ ُه إ ْذ ي ْغ َ‬
‫ـض ُ‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫الـــعـــدو ْ‬
‫َّ‬
‫وإن تــــقــــا َد َم عــهـــــدُ ُه‬
‫إن‬
‫ُّ‬
‫ٍ‬
‫ـصـ ِ‬
‫يب‬
‫فالحقدُ‬
‫ــدور ُم َّغ ُ‬
‫بـــاق فــي ال ـ ُّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫واثـــــق‬
‫بـــــك‬
‫ـف أنـــــه‬
‫ٌ‬
‫يــلــقــاك يــحــلـ ُ‬
‫عطيك مــن َطـــر ِ‬
‫ف ال ـ ِّلــسـ ِ‬
‫َ‬
‫ـان حــاو ًة‬
‫ُي‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫َو ِص ِ‬
‫َ‬
‫ــــل الــكــرا َم ْ‬
‫بجفوة‬
‫رمـــوك‬
‫وإن‬
‫ـوارى عــنـ َ‬
‫ـك فــهـ َـو الــعــقـ َـر ُب‬
‫وإذا ت ـــ ـ َ‬
‫ــديـــــق لــقــي ـ َتـــ ـ ُه ُمتم ِّلقـا‬
‫الــص‬
‫وإذا‬
‫ٌ‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫امـــــــريء ُمتم ِّل ٍـق‬
‫ال خــيـ َـر فــي و ِّد‬
‫واخــتــر قــري ـنَـ َ‬
‫تفاخرا‬
‫ـك واصــطــنــعـ ُه‬
‫ً‬
‫ْ‬
‫َّـب‬
‫فــهــــ َـو‬
‫الــعـــــدو وحـــ ـ ُّقـــ ـ ُه ُيتجـن ُ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫ـب‬
‫يتله ُ‬
‫ُحــلــــ ِـو الــلــســـــان وقــلــبـــ ـ ُه َّ‬
‫و َيــــرو ُغ مــنـ َ‬
‫علـب‬
‫ـك كمـا يـــــرو ُغ ال ّث ُ‬
‫عنهم بــالـ َّتــجـ ِ‬
‫ـاوز أصــــ َـو ُب‬
‫فالصفح‬
‫ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫نسب‬
‫الــمــقــارن ُي ُ‬
‫إن الــقــريــــ َن إل ــى ُ‬
‫جناح َك لــأقـ ِ‬
‫هـم‬
‫ـض‬
‫واخــفـ ْ‬
‫َ‬
‫ـارب ُك ِّل ْ‬
‫بــتــذ ُّلــــ ٍ‬
‫ـم إن أذنــبــوا‬
‫ـل واســمــــ ْ‬
‫ـح لــهــــ ْ‬
‫ـــر فــاكــتــم ـ ُه وال تــن ـ ُطــــ ْـق بــــ ِـه‬
‫والـــس ُّ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫الــمــرء ْ‬
‫ـم ُيــطــوه‬
‫ســـر‬
‫إن لــــ ْ‬
‫وكــــذاك ُّ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ال ِ‬
‫الرزق‬
‫رص َ‬
‫تحر َص ْنفالح ُ‬
‫ليسبزائدفي ِّ‬
‫َّ‬
‫ـب‬
‫إن الــزجــاجــ َة كــسـ ُـرهــا ال ُيــش ـ َعـ ُ‬
‫نــشــر ْتـــ ـ ُه ألــســنـــ ـ ٌة تــزيـــــدُ وتــكــــ ِـذ ُب‬
‫ـذوب فال ي ُك ْن لـ َ‬
‫ـك صاح ًبا‬
‫ود ِع ال ـ َكـ َ‬
‫ِ‬
‫نطقـت وال تكـ ْن‬
‫وزن الــكــا َم إذا‬
‫َ‬
‫واحــفـ ْ‬
‫ـظ لــســا َنـ َ‬
‫ـرز مــن لفظِ ِه‬
‫ـك واحــتـ ْ‬
‫ُّ‬
‫ويـــظـــل مــلــهــوف ــًــا يـــــــرو ُم تــحـ ّيــــ ًـا‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫الــنــاس يــأتــي رز ُقـــ ُه‬
‫عــاجــز فــي‬
‫كــم‬
‫فاجتنب‬
‫وارع األم ــانــ َة والــخــيــان ـ َة‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫وإذا أص ــاب ـ َ‬
‫ـك نــكــب ـ ٌة فــاصــبــــ ْـر لهـا‬
‫ِ‬
‫الـــزمـــان بــريــبــــ ٍـة‬
‫مـــيـــت م ــن‬
‫وإذا ُر‬
‫َ‬
‫فــــاضــــرع لـــر ّبـــك إنــــه أدنـــــى لــم ـ ْن‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫بمعز ٍل‬
‫استطعت عــن األنـــا ِم‬
‫كُــ ْن مــا‬
‫َ‬
‫واحــــــذر ُمــصــاحــبــ َة الــلــئــيــم فــإنّــ ُه‬
‫ْ‬
‫َّ‬
‫صحب‬
‫ـذوب يشيـ ُن ُحــــ ًـرا َي‬
‫ُ‬
‫إن الــكـ َ‬
‫ٍ‬
‫ِّ‬
‫ـب‬
‫ثــرثـــــار ًة فـــــي‬
‫كـــــل نـــــاد تخ ُط ُ‬
‫ِ‬
‫ـب‬
‫ـم بــالــلــســان و ُيــعـ َطـ ُ‬
‫فــالــمــر ُء َيــسـ َلــــ ُ‬
‫ويــتــعــب‬
‫الـــحـــريـــص‬
‫بــــل يــشــقــى‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫والـــــــر ُ‬
‫ب‬
‫ـس بحيلة ُيستج َل ُ‬
‫زق لــيـ َ‬
‫ِّ‬
‫ـب‬
‫ر َغ ـــ ــدً ا و ُي‬
‫ـس و ُيــخـ َّيــــ ُ‬
‫ــحـــــر ُم َك ـ ِّيــــ ٌ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫طب لـ َ‬
‫مكسب‬
‫ـك‬
‫واعـــد ْل‬
‫ُ‬
‫والتظلم َي ْ‬
‫ْ‬
‫ـب‬
‫مـــــن ذا رأي ـــ ـ َ‬
‫ـت مــسـ َّلـ ًـمــا ال ُيـنْــكـ ُ‬
‫أو نــالـ َ‬
‫ـب‬
‫األمـــــر‬
‫ـك‬
‫ُّ‬
‫األشــــق األصــعـ ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫يــدعــو ُه مــن حــبـ ِ‬
‫وأقـــرب‬
‫الـــوريـــد‬
‫ـل‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫صحب‬
‫الــــو َرى ال ُي‬
‫الكثير مــن‬
‫إن‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ـرب‬
‫ُيعدي كما ُيعدي‬
‫الصحيح األجـ ُ‬
‫َ‬
‫‪48‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬رعِّشلا‬
‫هما صائ ًبا‬
‫واحـــذر مــن المظلو ِم َس ً‬
‫ْ‬
‫ــــز بــبــلــــ ٍ‬
‫الــــــر َ‬
‫ـدة‬
‫رأيـــــت‬
‫وإذا‬
‫َ‬
‫زق َع َّ‬
‫ِّ‬
‫فـــأرض ال ـ ّلـ ِـه واســع ـ َة ال َف َضا‬
‫فــارحـ ْـل‬
‫ُ‬
‫فلقدْ نصحت َُك ْ‬
‫قبلت نصيحتي‬
‫إن‬
‫َ‬
‫‪49‬‬
‫ـم بــــ َّ‬
‫ـب‬
‫حج ُ‬
‫ـأن دعـــــــا َء ُه ال ُي َ‬
‫واعــلــــ ْ‬
‫المذهب‬
‫يضيق‬
‫ـت فيها أن‬
‫َ‬
‫وخــشــيـ َ‬
‫ُ‬
‫ً‬
‫ــرضــا شر ُقهـا والــمــغـ ِـر ُب‬
‫طـــول و َع ً‬
‫ـب‬
‫ــبــاع و ُيـ َ‬
‫ـوهــــ ُ‬
‫ـح أغــلــى مــا ُي ُ‬
‫فــالـنُّــصـ ُ‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫‪50‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬رعِّشلا‬
‫ّ‬
‫احلديث‬
‫العربي‬
‫عر‬
‫ُ‬
‫ُّ‬
‫الش ُ‬
‫األدب العربــي الحديــث‪ 1‬هــو األدب ا ّلــذي ظهــر تاريخ ًّيــا فيمــا ُي ْط َلـ ُـق عليــه العصــر الحديــث‪ ،‬هــذا‬
‫العصــر ا ّلــذي يصعــب تحديــده حســب الحقــب أو الحــوادث التاريخيــة‪ ،‬فالعصــر العثمانــي انتهــى‬
‫فــي بعــض األقطــار العربيــة بعــد الحــرب العالميــة األولــى عــام ‪1918‬م‪ ،‬ولــم يكــن لــه وجــود فــي‬
‫أقطــار عربيــة قبــل ذلــك بقــرون‪ .‬وقــد َأ ْولــى بعــض الدارســين أهميــة للحملة الفرنســية عــام ‪-1798‬‬
‫‪ 1801‬علــى مصــر وبــاد الشــام‪ ،‬وهــي حملــة اســتعمارية جلبــت معهــا بعــض العناصــر الثقافيــة مــن‬
‫مثــل المطبعــة والصحيفــة والمرصــد والمكتبــة والمســرح والعلمــاء‪ ،‬وهــو مــا ن ّبــه النــاس فــي مصــر‬
‫إلــى تخلــف الواقــع وضــرورة االنفتــاح علــى العصــر‪ ،‬وبنــاء جيــش قــوي‪ ،‬شــرع فــي تأسيســه محمــد‬
‫علــي‪ ،‬بعــد أن ســيطر علــى الحكــم بعــد جــاء الحملــة الفرنســية‪.‬‬
‫ومــن أجــل بنــاء جيــش قــوي أرســل محمــد علــي البعثــات إلــى إيطاليــا وفرنســا‪ ،‬وكان رفاعــة‬
‫الطهطــاوي مرشــدً ا دين ًيــا لطــاب البعثــة الرابعــة إلــى فرنســا‪ ،‬أفــاد مــن هــذه الرحلــة فــي ترجمــة‬
‫المعــارف المختلفــة‪ ،‬وتعــرف الفــرق بيــن واقــع المصرييــن وواقــع الغربييــن‪ .‬وقــد اهتــم الخديــوي‬
‫إســماعيل بالحركــة العلميــة‪ ،‬فأنشــأ مــدارس للعلــوم والهندســة والطــب والحــرب‪ ،‬واســتأنف‬
‫إرســال البعثــات إلــى أوروبــا‪ ،‬وأســس نظــارة المــدارس‪ ،‬وعهــد إليهــا أمــر التعليــم‪ ،‬وأنشــأ المكتبــة‬
‫الخديويــة‪ ،‬وبنــى مدرســة المعلميــن‪ ،‬وبســط يــد المؤلفيــن‪ ،‬فنــزح إليهــا األجانــب مــن أدبــاء‬
‫وعلمــاء‪ ،‬فــكان اختــاط هــؤالء بالمصرييــن ســب ًبا فــي نهــوض اللغــة واألدب‪.‬‬
‫ومهمــا يكــن مــن أمــر فــإن الحيــاة الثقافيــة واألدب ّيــة أفــادت علــى نحــو غيــر مباشــر مــن هــذه الحركــة‬
‫العلميــة ا ّلتــي صاحبــت إنشــاء المــدارس المختلفــة العامــة والمتخصصــة لخدمــة الجيــش‪ ،‬فــكان أن‬
‫ظهــرت تيــارات فكريــة وثقافيــة مختلفــة كان أهمهــا تيــار إحيــاء التــراث لمواجهــة النمــاذج األدب ّيــة‬
‫واضحــا فــي الشــعر؛ إذ مــال ّ‬
‫الشــعراء إلــى إحيــاء النمــاذج التراثيــة فــي‬
‫والفكريــة الغربيــة‪ ،‬وبــدا ذلــك‬
‫ً‬
‫العصريــن األمــوي والعباســي‪ ،‬وبــرز مــن ّ‬
‫الشــعراء اإلحيائييــن نخبــة فــي أقطــار الوطــن العربــي علــى‬
‫رأســهم محمــود ســامي البــارودي‪ ،‬وضمــت هــذه النخبــة أحمــد شــوقي‪ ،‬وحافــظ إبراهيــم‪ ،‬وخليــل‬
‫مطــران‪ ،‬وإبراهيــم اليازجــي‪ ،‬والزهــاوي‪ ،‬والرصافــي فــي العــراق‪ ،‬واألميــر عبــد القــادر الجزائــري‪،‬‬
‫‪ )1‬أحمد حسن الزيات‪ ،‬تاريخ األدب العربي‪ ،‬ط ‪( 8‬بيروت‪ :‬دار المعرفة‪)2004 ،‬‬
‫‪51‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫وأبــو مســلم البهالنــي فــي ُعمــان‪.‬‬
‫وتــا ذلــك جيــل ظـ َّـل متعل ًقــا بأهــداب الكالســيكية‪ ،‬ممــن ســموا بالكالســيكيين الجــدد‪ ،‬مــن مثــل‬
‫الجواهــري‪ ،‬وعمــر أبــو ريشــة‪ ،‬وعزيــز أباظــة‪ ،‬وإبراهيــم طوقــان‪ ،‬ومصطفــى وهبــي التــل‪ ،‬وبــدوي‬
‫الجبــل‪ ،‬إلــى جانــب شــعراء العصبــة األندلســية‪ ،‬وهــم شــعراء المهجــر الجنوبــي‪.‬‬
‫وقــد بــدت مالمــح الحركــة الرومانتيكيــة فــي شــعر خليــل مطــران الــذي بــدأ يضيــق بالتقليــد مــع أن‬
‫كثيـ ًـرا مــن شــعره ال يفــارق بنــاء القصيــدة اإلحيائيــة‪ ،‬فقــد ظهــرت هــذه المالمــح الرومانتيكيــة فــي‬
‫قصيدتــه «المســاء» التــي يربــط فيهــا بيــن حالتــه النفســية وهــو مريــض وغــروب الشــمس إذ يقــول‪:‬‬
‫مــتــفــر ٌد‬
‫م ــت ــف ــر ٌد بــصــبــابــتــي‪،‬‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫شاكإلىالبحراضطرابخواطري‬
‫بــكــآبــتــي‪ ،‬مـــتـــفـــر ٌد بــعــنــائــي‬
‫فيجيبني بــريــاحــه الــهــوجـ ِ‬
‫ـاء‬
‫ينتابها مــوج كــمــوج مكارهي‬
‫ويفتها كالسقم فــي أعضائي‬
‫ثـ ٍ‬
‫ـم وليت لي‬
‫ـاو على صخر أصـ ّ‬
‫تغشى الــبــريــة كــــدر ٌة وكأنها‬
‫واألفــــق معتكر قــريــح جفنه‬
‫قلبا كهذي الصخرة الصم ِ‬
‫اء‬
‫ً‬
‫ّ‬
‫عيني من أحشائي‬
‫صعدت إلى‬
‫ّ‬
‫يغضي على الغمرات واألقـ ِ‬
‫ـذاء‬
‫أيضا‪:‬‬
‫ويقول فيها ً‬
‫ﻳﺎ ﻟﻠﻐﺮوب وﻣﺎ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻋﺒﺮة‬
‫ﻧﺰﻋا ﻟﻠﻨﻬﺎر وﺻﺮﻋﺔ‬
‫أو ﻟﻴﺲ ً‬
‫ﻃﻤﺴا ﻟﻠﻴﻘﻴﻦ ومبع ًثا‬
‫أو ﻟﻴﺲ‬
‫ً‬
‫ﻣﺤﻮا ﻟﻠﻮﺟﻮد إﻟﻰ َمدً ى‬
‫أو ﻟﻴﺲ ً‬
‫ﻟﻠﻤﺴﺘﻬﺎم! وﻋﺒﺮة ﻟﻠﺮاﺋﻲ!!‬
‫ِ‬
‫األضـــواء؟‬
‫ﻟﻠﺸﻤﺲ ﺑﻴﻦ ﻣﺂﺗﻢ‬
‫ِ‬
‫الظلماء؟‬
‫ﻟﻠﺸﻚ ﺑﻴﻦ ﻏﻼﺋﻞ‬
‫ِ‬
‫اﻷﺷﻴﺎء؟‬
‫ﻟﻤﻌﺎﻟﻢ‬
‫وإﺑﺎد ًة‬
‫وقــد نزعــت جماعــة الديــوان المؤلفــة مــن عبــاس محمــود العقــاد‪ ،‬وإبراهيــم عبــد القــادر المازنــي‪،‬‬
‫وعبــد الرحمــن شــكري منز ًعــا (رومنطيق ًيــا) وأعجبــت باللــون الغنائــي الذاتــي واللغــة العصريــة‬
‫البســيطة‪ ،‬وقــد دعــت فــي «الديــوان» ا ّلــذي صــدر منــه جــزءان‪ ،‬شــارك فيهمــا الع ّقــاد والمازنــي‬
‫ســنة ‪ 1921‬إلــى الصــدق فــي اإلحســاس‪ ،‬والصــدق فــي التعبيــر‪ ،‬ونقــدوا المدرســة الكالســيكية‬
‫‪52‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬رعِّشلا‬
‫الجديــدة‪ ،‬وخاصــة أحمــد شــوقي‪ ،‬وحافــظ ابراهيــم نقــدً ا الذ ًعــا‪ .‬يقــول عبــاس محمــود العقــاد‬
‫فــي تقديمــه لديــوان عبــد القــادر المازنــي‪« :‬فمــن كان يعيــش بفكــره ونفســه فــي غيــر هــذا العصــر‪،‬‬
‫فمــا هــو مــن أبنائــه‪ ،‬وليســت خواطــر نفســه مــن خواطــره‪ ».‬يقــول ابراهيــم عبــد القــادر المازنــي فــي‬
‫احــدى قصائــده واص ًفــا نمــوذج الرجــل العصــري‪:‬‬
‫يــتــلــقــاك بــالــطــاقــة والــبــشــر‬
‫وفــــي قــلــبــه ق ــط ــوب ال ــع ــداء‬
‫عاجز الرأي والمروءة والنفـــــــــ‬
‫ــــــس‪ ،‬ضئيل اآلمال واألهواء‬
‫كالسراب الرقراق يحسبه الظمآ‬
‫ألــــف الـــــذل فــاســتــنــام إلــيــه‬
‫ن مـــــاء ومـــــا بــــه مــــن مـــاء‬
‫وتــبــاهــى بـــه عــلــى الــشــرفــاء‬
‫وقــد التقــت جماعــة الديــوان مــع الرابطــة القلميــة فــي مبادئهــا وفــي مفهومهــا للشــعر‪ ،‬وبــدا‬
‫واضحــا فــي خصائــص ِّ‬
‫الشــعر لديهــا‪ ،‬علــى نحــو مــا ظهــر فــي العالقــة بيــن‬
‫الجانــب الرومانتيكــي‬
‫ً‬
‫العقــاد وميخائيــل نعيمــة‪ .‬ومــن أعــام الرابطــة القلميــة‪ :‬جبــران خليــل جبــران‪ ،‬وميخائيــل نعيمــة‪،‬‬
‫تأسســت الرابطــة القلميــة ســنة ‪1920‬‬
‫ونســيب عريضــة‪ ،‬وإيليــا أبــو ماضــي‪ ،‬وأميــن الريحانــي‪ ،‬وقــد ّ‬
‫ـورا‬
‫واتّخــذت مــن نيويــورك مقـ ًّـرا لهــا‪ ،‬فثــارت علــى الصــور الشــعرية القديمــة‪ ،‬واســتخدمت صـ ً‬
‫رومنطيقيــة جديــدة‪ ،‬ومضاميــن حديثــة‪ ،‬وتأثــرت بالطبيعــة والحر ّيــة‪ .‬يقــول جبــران خليــل جبــران‬
‫ـب الطبيعــة والعــودة إلــى الغــاب‪:‬‬
‫فــي قصيدتــه «المواكــب» داع ًيــا إلــى حـ ّ‬
‫القبور‬
‫ليس في الغابات موت‪ ،‬ال وال فيها‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫طي الصدور‬
‫وهم ينثني ّ‬
‫إن هول الموت ٌ‬
‫فإذا نيسان و ّلى لم يمت معه السرور‬
‫فالذي عاش ربي ًعا كالذي عاش الدهور‬
‫هيمنــت (الرومانتيكيــة) علــى الســاحة األدب ّيــة فــي األقطــار العربيــة خــال الثالثينــات واألربعينــات‪،‬‬
‫أسســها‬
‫وقــد ظهــرت مالمــح الحركــة (الرومانتيكيــة) بوضــوح شــديد فــي «جماعــة أبولــو» ا ّلتــي ّ‬
‫أحمــد زكــي أبــو شــادي‪ ،‬وانضــم إليهــا أعــام (الرومانتيكيــة) فــي الوطــن العربــي مــن مثــل‪:‬‬
‫علــي محمــود طــه‪ ،‬وإبراهيــم ناجــي‪ ،‬وأبــو القاســم الشــابي‪ ،‬وأنــور العطــار‪ .‬وكانــت مجلــة‬
‫أبولــو(‪ )1934-1932‬قــد أحدثــت نهضــة شــعرية علــى مســتوى الشــكل والمضمــون‪ ،‬وظهــرت‬
‫فيهــا مالمــح التحــول فــي تعــدد القوافــي‪ ،‬وفــي التجديــد فــي المعجــم والصــورة واإليقــاع‪ .‬علــى‬
‫‪53‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫نحــو مــا نــرى فــي قصيــدة علــي محمــود طــه «الجنــدول»‪ :‬علــى نحــو مــا نــرى فــي قصيــدة علــي‬
‫محمــود طــه «الجنــدول»‪:‬‬
‫عبر ْه‬
‫آه لو كنت معي نختال َ‬
‫نبر ْه‬
‫حيث يروي الموج في أرخم َ‬
‫إثــــر ْه‬
‫بــشــراع تــســبــح األنــجــم َ‬
‫حلم ليل مــن ليالي كليوبتره‬
‫َ‬
‫يفجــر ّ‬
‫الشــعراء الشــباب عواطفهــم (الرومانتيكيــة) فــي شــكل جديــد هــو‬
‫وكان مــن الطبيعــي أن ّ‬
‫شــكل ِّ‬
‫الشــعر الجديــد‪ ،‬أو قصيــدة التفعيلــة؛ ألســباب فنيــة واجتماعيــة واقتصاديــة وسياســية ونفســية‬
‫بعــد الحــرب العالميــة الثانيــة متأثريــن بمنجــزات (الرومانتيكيــة) والرمزيــة اللتيــن شــاعتا فــي‬
‫مهــد الطريــق لحركــة ِّ‬
‫الشــعر الجديــد أو شــعر التفعيلــة‬
‫مرحلــة مــا بيــن الحربيــن العالميتيــن‪ ،‬ممــا ّ‬
‫ــم اتجــه وجهــة واقعيــة‪ ،‬قبــل أن‬
‫ا ّلــذي بــدأ شــكل ًيا فــي اختيــار التفعيلــة بــدل البيــت الشــعري‪ُ ،‬ث َّ‬
‫رواد هــذه المدرســة‪ :‬نــازك المالئكــة‪ ،‬وبــدر شــاكر السـ ّياب‪ ،‬وعبــد‬
‫تتعــدد أشــكاله وصــوره‪ .‬ومــن ّ‬
‫الوهــاب البياتــي‪ ،‬ونــزار قبانــي‪ ،‬وصــاح عبــد الصبــور‪ ،‬وقــد غلــب علــى ِّ‬
‫الشــعر الحديــث قصيــدة‬
‫التفعيلــة ا ّلتــي أصبــح لهــا أعالمهــا الكبــار فــي وقتنــا الراهــن‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬رعِّشلا‬
‫ني‬
‫ّ‬
‫الط ُ‬
‫إيليا أبو ماضي‬
‫طي‬
‫ـي ا ْل ـ ّط ـ ْي ـ ُن ســا َع ـ ًة َأنَّـــ ُه ْ‬
‫َنــسـ َ‬
‫وكَسى ا ْلـ َ‬
‫ـخـ ُّـز ِج ْس َم ُه َفتَباهى‬
‫يا َأخــي! ال ت َِم ْل بِ َو ْج ِه َك َعنّي‬
‫ْت َلم ت َْصنَ ِع ا ْل َحر ْي َر ا َّلذي ت َْل‬
‫َأن َ‬
‫بين‬
‫‪)3‬ما ال َعالقةُ َ‬
‫( َت ْشقى) و( َت ْس َع ُد)‬
‫وبين (ال ّن ِ‬
‫هار)‬
‫َ‬
‫و(الظّالمِ)؟‬
‫ُّضار إِذا ُج ْع‬
‫َأن َ‬
‫ْــت ال َتـ ْـأ ُكـ ُـل ا ْلن َ‬
‫ـت في ا ْلـ ُبـ ْـر َد ِة ا ْل ُم َو ّش ِاة ِم ْثلي‬
‫َأ ْنـ َ‬
‫َو َحـــوى ا ْلــمـ َ‬
‫ـال ك ْي ُس ُه َفـ َتـ َـمـ َّـر ْد‬
‫ْــت َف ْر َقدْ‬
‫ما َأنــا َف ْح َم ٌة وال َأن َ‬
‫ــؤ ا َّلـــذي َتـ َتـ َقـ َّلــدْ‬
‫ــؤ ُل َ‬
‫ـــس وا ْلــ ُّل ْ‬
‫بِ ُ‬
‫‪2‬‬
‫َت وال ت َْش َر ُب ا ْل ُج َ‬
‫مان ا ْل ُمن ََّض ّْد‬
‫في ِكسائي ا ْل َّرد ْي ِم ت َْشقى وت َْس َعدْ‬
‫‪3‬‬
‫ـك فــي عــا َل ـ ِم ا ْل ـنَّــهـ ِ‬
‫َل ـ َ‬
‫ـي‬
‫ـار َأمــانـ ْ‬
‫ولِـ َق ـ ْلــبــي َكــمــا لِـ َق ـ ْلــبِـ َ‬
‫ـك َأ ْحــا‬
‫َو ُر ًؤى وا ْل ـ َّظــا ُم َفـ ْـو َقـ َ‬
‫ـك ُم ْمت َّْد‬
‫ٌ‬
‫ٌم ِح‬
‫ــســان َف ــإِ َّنــ ُه َغــ ْي ُــر َجـ ْلـ َـمــدْ‬
‫َأ ُّيها ا ْل ُم ْز َدهي! إِذا َم َّس َك ا ْل ُّس ْق‬
‫ْت ِم ْثلي َي َب ُّش َو ْج ُه َك لِ ْلنُّ ْعمى‬
‫َأن َ‬
‫ُم َأال ت َْشتَكي؟ َأال َت َتن ََّهدْ ؟‬
‫‪5‬‬
‫وفــي حــا َلـ ِـة ا ْل ُمص ْي َب ِة َيك َْمدْ‬
‫َخفى ِ‬
‫حـ ْيـ َن ت ْ‬
‫وع ـنْــدَ مــا َتـ َتـ َـو َّقــدْ‬
‫ٍ‬
‫ُــــراب‬
‫مــــانــــي كُــ ُّلــهــا ِمــــ ْن ت‬
‫َأ َأ‬
‫َّ‬
‫مـــــانـــــي ُكــ ُّل ــه ــا لِــ ْلــتَّــاشــي‬
‫و َأ‬
‫َّ‬
‫ال‪َ ،‬فهذي وتِ ْل َك ت َْأتي وت َْمضي‬
‫اعر‬
‫‪)4‬استخد َم ّ‬
‫الش ُ‬
‫الجملَ االستفهام ّيةَ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الفكرة‪:‬‬
‫لتأكيد‬
‫أيضا‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫األبيات‬
‫اقرأ‬
‫المتضمنةَ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫جمل استفهام ّيةً ‪،‬‬
‫ً‬
‫وسج ِل ال ّتفاصيلَ الَّتي‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫لتأكيد‬
‫اعر‬
‫ساقَها ّ‬
‫الش ُ‬
‫فكرتِ ِه‪.‬‬
‫َ‬
‫قير‪َ 1‬فــصـ َ‬
‫ـال ت ْي ًها و َعـ ْـر َبــدْ‬
‫ٌن َح ٌ‬
‫ـج ـ ْـو ُم ا َّلــتــي تَــراهــا َأراهـــا‬
‫ا ْلــنُّ ـ ُ‬
‫ـت َأ ْدن ــى َعلى ِغــنـ َ‬
‫ـاك إِ َل ْيها‬
‫ـسـ َ‬
‫َلـ ْ‬
‫ْـــت ِم ْثلي ِمــ َن ال ـ َّثــرى َوإِ َل ـ ْيـ ِـه‬
‫َأن َ‬
‫‪55‬‬
‫‪)1‬ما الَّذي يرمي إل ْي ِه‬
‫يقول‪:‬‬
‫حين ُ‬
‫ّ‬
‫اعر َ‬
‫الش ُ‬
‫طين؟‬
‫ه‬
‫ن‬
‫أ‬
‫ّين‬
‫ط‬
‫ال‬
‫سي‬
‫َّ‬
‫ُ ُ ٌ‬
‫نَ َ‬
‫عجمي‬
‫الم‬
‫‪)2‬المعنى ُ‬
‫ُّ‬
‫في) للكلمتين‪ِ:‬‬
‫َ‬
‫(الح ْر ُّ‬
‫ف َْح َمةٌ ‪َ ،‬وفرق ٌَد‪،‬‬
‫يختلف ِ‬
‫عن المعنى‬
‫ُ‬
‫الم ِ‬
‫ِ‬
‫سياق‬
‫راد في‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫األبيات‪ ،‬ما المعنى‬
‫ِ‬
‫سياق‬
‫المرا ُد في‬
‫ِ‬
‫القصيدة؟‬
‫و َأمــان ـ ْيـ َ‬
‫ـك ُك ُّلها ِمــ ْن َع ْس َجدْ ؟‬
‫ـك لِـ ْلـ ُ‬
‫و َأمــانـ ْيـ َ‬
‫ـخـ ُلـ ْـو ِد ا ْلـ ُـمـ َـؤ َّكــدْ ؟‬
‫َكـ َـذويــهــا‪ ،‬و َأي َش ٍ‬
‫ــؤ َّبــدْ‬
‫ــــيء ُي َ‬
‫ُّ‬
‫ْ‬
‫‪4‬‬
‫صاصتي َل ْس ُت َأ ْب َعدْ‬
‫و َأنا َمع َخ َ‬
‫ِ‬
‫صاحبي ال َّت ْي ُه وا ْل َّصدْ ؟‬
‫َف ِلماذا يا‬
‫‪6‬‬
‫بين ( َي َب ُّش)‬
‫‪)5‬ما ال َعالقَةُ َ‬
‫و(يكْم ُد) وبين ِ‬
‫(غ ًنى)‬
‫َ‬
‫َ َ‬
‫صاص ٍة)؟ و(أ ْدنى)‬
‫و( َخ َ‬
‫و(أ ْب َعد)؟‬
‫ِ‬
‫األو ِل‬
‫‪ْ )6‬‬
‫بين البيت ّ‬
‫قارن َ‬
‫ِ‬
‫أن تع ّب َر‬
‫ْ‬
‫واألخير‪،‬‬
‫وحاول ْ‬
‫ِ‬
‫القصيدة بأسلوبِ َك‪.‬‬
‫عن ِفك َِر‬
‫ْ‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ِ‬
‫سامحيني َهديل‬
‫صيبي‬
‫الق‬
‫غازي ُ‬
‫ِّ‬
‫أغالب الليل الحزين الطويل‬
‫أغــالــب الـــداء المقيم الوبيل‬
‫أغ ــال ــب اآلالم مــهــمــا طغت‬
‫بحسبي الــ ّلــه ونــعــم الوكيل‬
‫وحــســبــي الـــ ّلـــه إذا رضــنّــي‬
‫بصدره المشؤوم همي الثقيل‬
‫فحسبي ال ـ ّلــه قبيل الــشــروق‬
‫وحــســبــي الـــ ّلـــه إذا أســبــلــت‬
‫يــا رب أنــت المرتجي سيدي‬
‫قضيت عــمــري تائه ًا ‪ ،‬هــا أنا‬
‫الـــ ّلـــه يـــــدري أنـــنـــي مــؤمــن‬
‫مهما طغى القبح يظل الهدى‬
‫أنـــا الــشــريــد الــيــوم يــا سيدي‬
‫ذرفـــــت أمــــس دمــعــتــي تــوبــة‬
‫يــا ليتني مــا زلــت طــفـ ً‬
‫ا وفي‬
‫أرتــــــل الــــقــــرآن يــــا لــيــتــنــي‬
‫على جبين الحب في مخدعي‬
‫هديل بنتي مثل نــور الضحى‬
‫تـــقـــول يــــا بـــابـــا تـــريـــث فــا‬
‫وحــســبــي ال ـ ّلــه ُبــعــيــد األصــيــل‬
‫دمــوعــهــا عين الفقير العليل‬
‫أنـــر لخطوتي ســـواء السبيل‬
‫أعـــود إذ لــم يــبــق إال القليل‬
‫فــي عمق قلبي رهبة للجليل‬
‫كــالــطــود يختال بــوجــه جميل‬
‫فــأغــفــر أيـــا رب لــعــبــد ذلــيــل‬
‫ولــم تــزل على خــدودي تسيل‬
‫عيني مــا زال جــمــال النخيل‬
‫ما زلت طف ً‬
‫ال ‪ ..‬في اإلهاب النحيل‬
‫يؤزني في الليل صوت الخليل‬
‫أسمع فيها هــدهــدات العويل‬
‫أقــول إال سامحيني ‪ ..‬هديل‬
‫‪56‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬رعِّشلا‬
‫رسائل إىل أُ ّمي‬
‫خمس‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫قباين‬
‫نزار ّ‬
‫باح َ‬
‫الخ ِير ‪ ..‬يا ُح ْل َو ْه‪..‬‬
‫َص ُ‬
‫ِ‬
‫باح َ‬
‫الح ْل َو ْه‬
‫يستي ُ‬
‫َص ُ‬
‫الخ ِير ‪ ..‬يا قدّ َ‬
‫ِ‬
‫عامان يا ُأ ِّمي‪،‬‬
‫َمضى‬
‫ِ‬
‫ذي َأ ْب َح ْر‬
‫َعلى ا ْل َو َلد ا َّل ْ‬
‫و َخب َأ في ح ِ‬
‫قائبِ ِه‪..‬‬
‫َ‬
‫َ َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫باح بِالده األَ ْخ َض ْر‬
‫َص َ‬
‫و َأنْجمها‪ ،‬و َأنْهرها‪ ،‬وك َُّل َش ِ‬
‫قيقها األَ ْح َم ْر‪.‬‬
‫َ‬
‫َُ‬
‫ُ َ‬
‫و َخب َأ في مالبِ ِسهِ‬
‫َ َّ‬
‫َ‬
‫والز ْعت َْر‪..‬‬
‫َطرابينًا ِم َن النَّ ْعنا ِع َّ‬
‫َولي َل َك ًة ِد َم ْش ِق َّي ْه‪..‬‬
‫َأنا َو ْحدي‪..‬‬
‫َو ِمنّي ِم ْق َعدي َي ْض ُج ْر‬
‫صافير‪ُ ،‬ت َفتِ ُش َب ْعدُ َع ْن َبيدَ ْر‬
‫َو َأ ْحزاني َع‬
‫ٌ‬
‫ورو ّبا‪..‬‬
‫َع َر ْف ُت ُأ ُ‬
‫اإلسمن ِ‬
‫والخ َش ِ‬
‫ْت َ‬
‫ب‬
‫َع َر ْف ُت َعواطِ َ‬
‫ف ِْ َ‬
‫ضار َة ال َّت َع ِ‬
‫ب‬
‫َع َر ْف ُت َح َ‬
‫َو ُط ْف ُت ِ‬
‫السنْدَ ‪،‬‬
‫الهنْدَ ‪ُ ،‬ط ْف ُت ِّ‬
‫ُط ْف ُت ال َعا َل َم األَ ْص َف ْر‬
‫(‪)1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫َو َل ْم َأ ْع َث ْر‬
‫َعلى ا ْم َر ٍأة ت َُم ِّش ُط َش ْع ِر َي األَ ْش َق ْر‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫وت ِ ِ‬
‫السك َّْر‬
‫َ ْ‬
‫َحم ُل في َحقي َبتها إ َل َّي َعرائ َس ُّ‬
‫َو َتكْسونِي إِذا َأ ْعرى‬
‫‪57‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫َو َتن ُْش ُلنِي إذا َأ ْع َث ْر‬
‫الو َلدُ ا َّل ِذي َأ ْب َح ْر‬
‫َأيا ُأ ِّمي‪َ ..‬أنا َ‬
‫َوال زا َل ْت بِخاطِ ِر ِه‬
‫ت ُ‬
‫السك َّْر‬
‫وس ُة ُّ‬
‫َعيش َع ُر َ‬
‫كيف‪ ..‬يا ُأ ِّمي‬
‫َيف ‪َ ..‬ف َ‬
‫َفك َ‬
‫وت أ ًبا‪َ ..‬و َل ْم َأ ْك َب ْر؟‬
‫َغدَ ُ‬
‫باح َ‬
‫الخ ِير ِم ْن َمدْ ِريدْ ‪..‬‬
‫َص ُ‬
‫بارها ال ُف َّل ْه؟‬
‫ما َأ ْخ ُ‬
‫بِها ُأو ِص ِ‬
‫يك يا ُأ َّما ُه‬
‫ْ‬
‫تِ ْل َك ال ِّط ْف َل ُة ال ِّط ْف َل ْه‬
‫ب َحبِي َب ٍة ِلَبي‬
‫َف َقدْ كان ْ‬
‫َت َأ َح َّ‬
‫ُيدَ ِّل ُلها كَطِ ْف َلتِ ِه‪..‬‬
‫ويدْ ُعوها إلى فِن ِ‬
‫ْجان َق ْه َوتِ ِه‪..‬‬
‫ََ‬
‫َو َي ْس ِق ْيها‪َ ،‬و ُي ْط ِع ُمها‬
‫َو َي ْغ ُم ُرها بِ َر ْح َمتِه‪..‬‬
‫مات َأبي‪..‬‬
‫َو َ‬
‫َوال زا َل ْت ت َِع ُ‬
‫يش بِ ُح ْل ِم َع ْو َدتِه‬
‫و َتبح ُث عنْه فِي َأر ِ‬
‫جاء ُغ ْر َفتِه‪..‬‬
‫َ ْ َ َ ُ ْ ْ‬
‫َوت َْس َأ ُل َع ْن َعبا َءتِ ِه‪..‬‬
‫َوت َْس َأ ُل َع ْن َجريدتِ ِه‪..‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫يف َع ْن َف ْي ُر ِ‬
‫وز َع ْين َِيه‬
‫الص ُ‬
‫َوت َْس َأ ُل ح ْي َن َي ْأتي َّ‬
‫لِ َتنْ ُث َر َف ْو َق َك َف ْي ِه‬
‫الذ َه ِ‬
‫َدنانِ ْي ًرا ِم َن َّ‬
‫ب‬
‫المات‬
‫المات َس‬
‫َس‬
‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫(‪)3‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪58‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬رعِّشلا‬
‫ٍ‬
‫والر ْح َم ْه‬
‫الح َّ‬
‫إِلى َب ْيت َسقانا ُ‬
‫ب َّ‬
‫هار ِك البي ِ‬
‫ضاء‪..‬‬
‫إلى ْأز ِ َ ْ‬
‫(ساح ِة الن َّْج َم ْة)‬
‫َف ْر َح ِة‬
‫َ‬
‫إلى ت ْ‬
‫َختِ ْي‪ ،‬إلى ُكتُبِ ْي‬
‫ِ‬
‫حارتِنا‪..‬‬
‫إلى َأ ْطفال َ‬
‫و ِحي ٍ‬
‫طان َم َلناها بِ َفوضى ِم ْن ِكتا َبتِنا‬
‫َ ْ‬
‫ط كَسو ٍ‬
‫إلى ِق َط ٍ‬
‫الت‬
‫ُ ْ‬
‫تَنا ُم َعلى َم ِ‬
‫شار ِقنا‪..‬‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫جارتِنا‪..‬‬
‫َو َل ْي َلكَة ُم َع ِّر َشة َعلى ُش ّباك َ‬
‫ِ‬
‫عامان ‪ ..‬يا ُأ ّمي‬
‫َمضى‬
‫َو َو ْج ُه ِد َم ْش َق‬
‫ور ُي َخ ْربِ ُش فِي َجوانِ ِحنا‪..‬‬
‫ُع ْص ُف ٌ‬
‫يع ُّض َعلى س ِ‬
‫تائ ِرنا‪..‬‬
‫ََ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫و َينْق ُرنا‪..‬‬
‫بِ ِر ْف ٍق‪ِ ،‬م ْن َأصابِ ِعنا‪..‬‬
‫ِ‬
‫عامان يا ُأ ِّمي‬
‫َمضى‬
‫َو َل ُيل ِد َم ْش َق‪ُ ..‬ف ُّل ِد َم ْش َق‬
‫ُد ْو ُر ِد َم ْش َق‪..‬‬
‫ت َْس ُك ُن فِ ْي َخواطِ ِرنا‪..‬‬
‫مآذنُها‪ ..‬ت ُِضيء َعلى م ِ‬
‫ِ‬
‫راكبِنا‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫مآذ َن األُم ِوي َقدْ ُز ِر َع ْت بِ ِ‬
‫كأ َّن ِ‬
‫َ‬
‫داخ ِلنا‬
‫َ ِّ‬
‫كأ َّن مشاتِ َل التُّفاح َتعبِ ُق فِي َض ِ‬
‫مائ ِرنا‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ َ‬
‫َ‬
‫جار‬
‫كأ َّن َّ‬
‫الض ْو َء واألَ ْح َ‬
‫جا َء ْت ُك ُّلها َم َعنا‪..‬‬
‫َأتى َأ ْي ُل ْو ُل يا ُأ َّما ُه‬
‫(‪)5‬‬
‫‪59‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫الح ْز ُن َي ْح ِم ُل لِي َهدايا ُه‬
‫َوجا َء ُ‬
‫َو َيت ُْر ُك ِعنْدَ نافِ َذتِي‬
‫م ِ‬
‫دام َع ُه َو َشكْوا ُه‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫َأتى َأ ْي ُل ْو ُل َأ ْي َن د َم ْش ُق؟‬
‫َأ ْي َن َأبِي َو َع ْينا ُه؟‬
‫َو َأ ْي َن َح ِر ُير َن ْظ َرتِ ِه‪َ ،‬و َأ ْي َن َعبِ ْي ُر َق ْه َوتِ ِه؟‬
‫الر ْح َّم ُن َم ْثوا ُه‪..‬‬
‫َسقى َّ‬
‫حاب َمن ِْزلِنا الك ِ‬
‫َبير‪َ ..‬و َأ ْي َن ُن ْعما ُه؟‬
‫َو َأ ْي َن ِر ُ‬
‫َو َأ ْي َن َم ِ‬
‫دار ُج َّ‬
‫الش ْم ِش ِير‪ ..‬ت َْض َح ُك فِ ْي َزوايا ُه؟‬
‫َو َأ ْي َن ُط ُفو َلتِي فِ ْي ِه‬
‫ُأ َج ْر ِج ُر َذ َيل ِق َّطتِ ِه‬
‫وآك ُُل ِم ْن َع َ‬
‫ريشتِ ِه‬
‫ف ِم ْن ( َبنَ ْفشا ُه)‬
‫َو َأ ْق ُط ُ‬
‫ِد َم ْش ُق‪ِ ..‬د َم ْش ُق‬
‫يا ِش ْع ًرا‬
‫َعلى حدَ ِ‬
‫قات َأ ْع ُينِنا َك َت ْبنا ُه‬
‫َ‬
‫َويا طِ ْف ًل َجم ْي ًل‬
‫ِمن َض ِ‬
‫فائ ِر ِه َص َل ْبنا ُه‬
‫ْ‬
‫َج َث ْونا ِعنْدَ ُر ْك َبتِ ِه‬
‫َو ُذ ْبنا فِ ْي َم َح َّبتِ ِه‬
‫إِلى َأ ْن فِ ْي َم َح َّبتِنا َق َت ْلنا ُه‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬رعِّشلا‬
‫جبل‬
‫َ‬
‫عمر أبي ريشة‬
‫ِ‬
‫كنت حاقدً ا‬
‫معا َذ خالل‬
‫الكبر ما ُ‬
‫فكم ٍ‬
‫جبل ي ْغفو على النَّج ِم خدُّ ُه‬
‫ألف عندَ ها‬
‫ن َظ ْر ُت إلى الدُّ نيا فلم َ‬
‫الع ِّز ِ‬
‫ف ِ‬
‫هان لي في مو ِق ِ‬
‫وما َ‬
‫ف‬
‫موق ٌ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫األحرار ما َ‬
‫السرى‬
‫فيا ُغ ْر َب َة‬
‫أطول ُّ‬
‫‪61‬‬
‫ِ‬
‫عائب‬
‫مسراي‬
‫عاب‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫وال غاض ًبا إن َ‬
‫ِ‬
‫مالعب‬
‫للسائمات‬
‫وأ ْذيـــا ُلـــ ُه‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ب‬
‫كبيرا ُأداري أو‬
‫صغيرا أعات ُ‬
‫ً‬
‫ً‬
‫ب ِّ ِ‬
‫الن لي في جانِ ِ‬
‫وال َ‬
‫ب‬
‫الحق جان ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ب‬
‫غيابات‬
‫ومل ُء‬
‫الدروب غياه ُ‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫بغيرِ َك‬
‫ّ‬
‫فك ْر ْ‬
‫حممود درويش‬
‫وأنــــت ُت ـ ِ‬
‫ّــر بــ َغــ ْي ِ‬
‫ــر َك‬
‫ـع ــدُّ‬
‫َ‬
‫فـــطـــور َك‪ ،‬فــك ْ‬
‫َ‬
‫ـــوت الحما ْم‬
‫ـس ُق َ‬
‫ال تــنـ َ‬
‫َ‬
‫بغيرك‬
‫وأنت ت َُسدّ ُد فاتورة الكهرباء‪ ،‬فك ّْر‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫بغيرك‬
‫البيت‪ ،‬بيتِك‪ ،‬فك ّْر‬
‫وأنت تعود إلى‬
‫َ‬
‫ـرضــعــون الــغــمــا ْم‬
‫مــن يـ َ‬
‫َ‬
‫بغيرك‬
‫ـوض حــرو َبــك‪ ،‬ف ـ ّكـ ْـر‬
‫َ‬
‫وأنـــت تــخـ ُ‬
‫َ‬
‫بغيرك‬
‫الكواكب‪ ،‬فك ّْر‬
‫وأنت تنا ُم وتُحصي‬
‫َ‬
‫َ‬
‫نفسك باالستعارات‪ ،‬فك ّْر بغ ْي َ‬
‫رك‬
‫َ‬
‫تحر ُر َ‬
‫وأنت ّ‬
‫باآلخرين البعيدين‪ ،‬فكّر بن ِ‬
‫وأنت ُت َفك ُّر َ‬
‫َفسك‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫‪62‬‬
‫َ‬
‫يطلبون السال ْم‬
‫تنس من‬
‫ال َ‬
‫ـب الخيا ْم‬
‫تنس ش ـ ْعـ َ‬
‫ال َ‬
‫َث ّم َة َمن لم َي ِجدْ ح ّي ًزا للمنا ْم‬
‫َمن فقدوا ح َّقهم في الكال ْم‬
‫ْ‬
‫شم َع ٌة في الظال ْم‬
‫قل‪ :‬ل ْيتَني ْ‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬رعِّشلا‬
‫احلركة ِّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫مل ّتحدة‬
‫اإلمارات‬
‫دولة‬
‫عري ُة يف‬
‫العربي ِة ا ُ‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫الش ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫للش ِ‬
‫إذا أردنــا ْ‬
‫نــؤر َخ ِّ‬
‫ّحــدة‪ ،‬فإنّنــا نجــدُ صعوبــ ًة‬
‫المت‬
‫ــعر الحديــث فــي دولــة اإلمــارات العرب ّيــة ُ‬
‫أن ِّ‬
‫ـعر الحديـ ِ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـك ّ‬
‫فــي تحديـ ِـد بواكيـ ِـر ِه‪ ،‬أو بداياتِـ ِـه؛ ذلـ َ‬
‫أن مــا َوص َلنــا مــن ِّ‬
‫ـث ‪-‬ح ّتــى اآلن‪ -‬ال يــكا ُد‬
‫ـاوز مرحلـ َة العشــريني ِ‬
‫ـك فــا نــكا ُد نعثـ ُـر علــى نصـ ٍ‬
‫ات‪ ،‬ومــا بعدَ هــا‪ ،‬أ ّمــا مــا قبـ َـل ذلـ َ‬
‫ـوص شــعر ّي ٍة‬
‫يتجـ ُ‬
‫ّ‬
‫ـإن الدِّ راسـ ِ‬
‫ـعر الحديـ ِ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـك فـ ّ‬
‫أن نت َ‬
‫ـتطيع ْ‬
‫ـث فــي هـ ِـذ ِه المنطقـ ِـة‪ ،‬ولذلـ َ‬
‫ـخ ِّ‬
‫ّخذهــا ُمن َط َل ًقــا لتأريـ ِ‬
‫ـات‬
‫نسـ ُ‬
‫ـث فــي اإلمـ ِ‬
‫ـعر الحديـ ِ‬
‫الشـ ِ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـارات تنطلـ ُـق ‪-‬عــادةً‪ -‬مــن ّ‬
‫روا َد ِّ‬
‫ـاعر «ســالم بــن علــي‬
‫ا ّلتــي تناو َلـ ْ‬
‫ـت ّ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ونهايــة ال َق ِ‬
‫العويــس» ا ّلــذي َ‬
‫ــرن‬
‫عشــر‪،‬‬
‫ــع‬
‫الممتــدّ ة مــا بيــ َن نهايــة ال َقــرن التّاس َ‬
‫َ‬
‫عــاش فــي الفتــرة ُ‬
‫وبوصف ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫الش ِ‬
‫اإلحيائــي ا ّلــذي َ‬
‫ــه ّ‬
‫األو َل لهــذا ِّ‬
‫كان‬
‫ــاعر‬
‫الحديــث‪،‬‬
‫ــعر‬
‫الرائــدَ ّ‬
‫َّ‬
‫الش َ‬
‫العشــري َن بوصفــه ّ‬
‫غر َقـ ًة فــي المحسـ ِ‬
‫ـزة تنــأى عــن مجـ ِ‬
‫يكتــب بطريقـ ٍـة متميـ ٍ‬
‫ـت ُم ِ‬
‫ـاراة األسـ ِ‬
‫ـنات البديع ّيـ ِـة‪،‬‬
‫ـاليب ا ّلتــي كا َنـ ْ‬
‫ُ ّ‬
‫ُ‬
‫ُ َ ِّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫والمناســبات‪ ،‬واأللغـ ِ‬
‫ـاز‪.‬‬
‫والتــي كانــت تركــز علــى اإلخوان ّيــات‪ُ ،‬‬
‫ـعراء واألُدبـ ِ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـاعر «ســالم بــن علــي العويــس»‪ ،‬مــن أمثـ ِ‬
‫الشـ ِ‬
‫ُّ‬
‫ـاء ا ّلذيـ َن ُيذ َكـ َ‬
‫ـع ّ‬
‫وكل ُّ‬
‫ـال‪ :‬محمـ ِـد‬
‫ـرون مـ َ‬
‫ـح‪ ،‬ومبـ ِ‬
‫ـلطان بـ ِ‬
‫ـن حمـ ِـد العقيلــي‪ ،‬وأحمــدَ بـ ِ‬
‫ـارك بـ ِ‬
‫ـان بـ ِ‬
‫ـن ثانــي بـ ِ‬
‫بـ ِ‬
‫ـن سـ َ‬
‫ـن قطامــي‪ ،‬وخلفـ َ‬
‫ـن‬
‫ـن مصبـ ٍ َ ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫وعلــي ِ‬
‫وســعيد الهاملــي‪ ،‬وأحمــدَ ِ‬
‫بــارك ِ‬
‫قمبــر‪،‬‬
‫بــن‬
‫بــن خصيفــ َة‪،‬‬
‫ســيف النّاخــي‪،‬‬
‫بــن‬
‫ســلي ٍم‪َ ،‬و ُم‬
‫ِّ‬
‫ون مــن معاصريـ ِـه‪ ،‬أو ممــن عاشــوا فــي فتـ ٍ‬
‫ُي َعــدّ َ‬
‫ـرة قريبـ ٍـة مــن عصـ ِـر ِه‪...‬‬
‫ْ ّ‬
‫ُ‬
‫الشــعراء ا ّلذيـن عاشــوا قبـ َـل هـ ِ‬
‫أ ّمــا ّ‬
‫نصوصــا شــعر ّي ًة‬
‫ـؤالء فإنّنــا ال نعـ ُ‬
‫ـرف عنهــم شــي ًئا‪ ،‬وإذا لــم نجــدْ‬
‫ً‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫أساســا إلــى غيـ ِ‬
‫ـاب وسـ ِ‬
‫ـتمرار‪ ،‬فـ ّ‬
‫ـإن ذلـ َ‬
‫ـم‬
‫تؤ ِّكــدُ هــذا التّواصـ َـل واالسـ‬
‫ـك يرجـ ُ‬
‫ـائل ال ِّطباعــة ا ّلتــي لـ ْ‬
‫ـع ً‬
‫َ‬
‫تأخـ ٍ‬
‫ـج ّإل فــي فتـ ٍ‬
‫ـرة ُم ّ‬
‫تدخـ ْـل إلــى منطقـ ِـة الخليـ ِ‬
‫ـرة‪.1‬‬
‫ف أوائـ ُـل ُشـ ِ‬
‫ـرة» نســب ًة إلــى منطقـ ِـة «الحيـ ِ‬
‫ـارات باسـ ِم «جماعـ ِـة الحيـ ِ‬
‫ـعراء اإلمـ ِ‬
‫ـرة» فــي مدينـ ِـة‬
‫وقــد ُعـ ِـر َ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـي العويـ ِ‬
‫ـلطان القاســمي‪ ،‬وخلفـ ُ‬
‫ـارقة‪ ،‬وهــم‪ :‬صقـ ُـر ب ـ ُن سـ َ‬
‫ّ‬
‫ـس‪،‬‬
‫ـالم ب ـ ُن علـ ّ‬
‫ـان ب ـ ُن مص ّبــح‪ ،‬وسـ ُ‬
‫ـي العويـ ِ‬
‫وأخــو ُه ُسـ ُ‬
‫ـس‪.‬‬
‫ـلطان ب ـ ُن علـ ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫بالش ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫الكامــل فــي االلتــزا ِم ّ‬
‫لهــؤالء ُّ‬
‫وكانَــت القصائــدُ ِّ‬
‫ــكل‬
‫بانحيازهــا‬
‫تحتفــظ‬
‫ــعراء‬
‫الش‬
‫الشــعر ّي ُة‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫بمســتوى ُمتقــدِّ ٍم مــن الوعــي‬
‫ّجديــد فــي المعنــى‪ ،‬كمــا تشــهدُ لهــم‬
‫محاولــة الت‬
‫مــع‬
‫ً‬
‫العمــودي‪َ ،‬‬
‫ِّ‬
‫الرشيد بوشعي‪ :‬ر‪ ،‬أدب الخليج العربي الحديث والمعاصر‪ ،‬منشورات دار العالم العربي‪ ،‬دبي‪ ،‬ط‪142 ،1‬هـ‪2011/‬م‪.‬‬
‫‪)1‬أ‪ .‬د‪ّ .‬‬
‫‪63‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫وال ُقـ ِ‬
‫ـدرة علــى اإلبــداعِ‪ ،‬وتعــدُّ ِد محـ ِ‬
‫ـاور الخطـ ِ‬
‫ـاب ِّ‬
‫ـعري واتّجاهاتِــه وجوانبِــه وجدان ًّيــا‪ ،‬ووطن ًّيــا‪،‬‬
‫الشـ ِّ‬
‫وقوم ًّيــا‪.‬‬
‫الشـ ِ‬
‫ـارات اعتمــدَ علــى تثقيـ ِ‬
‫ـل فــي اإلمـ ِ‬
‫ـعراء األوائـ ِ‬
‫ـف ذاتِـ ِـه بوسـ َ‬
‫ـائل ُمختلفـ ٍـة‪ ،‬وذلـ َ‬
‫وجيـ ُـل ُّ‬
‫ـك مــن‬
‫ـف والمجـ ّـا ِ‬
‫ـال متابعـ ِـة الصحـ ِ‬
‫خـ ِ‬
‫ت ا ّلتــي كا َنــت تصـ ُـل إلــى المنطقـ ِـة بطريقـ ٍـة غيـ ِـر ُمنت َظ َمـ ٍـة‪ ،‬ومــن‬
‫ُّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ـب فــي المكتبـ ِ‬
‫ـال اإلذاعـ ِ‬
‫ـات‪ْ ،‬أو مــن خـ ِ‬
‫خـ ِ‬
‫ـال الكتـ ِ‬
‫والمث ّقفيـ َن مــن‬
‫ـات‬
‫ّ‬
‫الخاصــة لــدى الميســوري َن ُ‬
‫أبنـ ِ‬
‫ـاء المنطقـ ِـة‪.‬‬
‫ـول الصحافـ ِـة وال ِّطباعـ ِـة فــي مرحلـ ِـة الســتيني ِ‬
‫ات‬
‫ّ ّ‬
‫ـي‪ ،‬ودخـ ِ ّ‬
‫ومـ َ‬
‫ـع تطـ ّـو ِر التّعليـ ِم فــي المجتمـ ِع اإلماراتـ ِّ‬
‫مــن ال َقـ ِ‬
‫الت فــي مجـ ِ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـرز ْت قصيــد ُة التّفعيلـ ِـة كشـ ٍ‬
‫ـال ِّ‬
‫ـكل جديـ ٍـد‬
‫ـت تحـ ّـو ٌ‬
‫ـرن الماضــي حد َثـ ْ‬
‫ـعر‪ ،‬وبـ َ‬
‫ـور «أحمــد أميــن المدنــي» ‪-‬رحمـه ال ّلـه‪ -‬باإلضافـ ِـة إلــى كتابـ ِـة القصيـ ِ‬
‫ـاعر الدّ كتـ ِ‬
‫الشـ ِ‬
‫فــي تجـ ِ‬
‫ـارب ّ‬
‫ـدة‬
‫َ ُ ُ‬
‫ِ‬
‫للشـ ِ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـاعر «المدنــي» رؤي ـ ًة جديــد ًة ِّ‬
‫ـت تجرب ـ ُة ّ‬
‫واألدوات التّعبير ّيـ ِـة‬
‫ـعر والعا َل ـ ِم‬
‫العمود ّيـ ِـة‪ ،‬وحم َلـ ْ‬
‫والفن ّيـ ِـة‪.‬‬
‫ِ‬
‫مرحلــة الســبعيني ِ‬
‫ِ‬
‫ظهــر ْت كوكبــ ٌة جديــد ٌة مــن ُّ‬
‫والم َجدّ ديــ َن ا ّلذيــن‬
‫ات‬
‫وفــي‬
‫ّ‬
‫المحافظيــ َن ُ‬
‫الشــعراء ُ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫ـدة‪ :‬العمــودي والتّفعيلـ ِـة‪ ،‬مثـ َـل‪ :‬مان ـ ِع سـ ِ‬
‫كتبــوا فــي نموذجــي القصيـ ِ‬
‫ـعيد العتيبـ ِـة‪ ،‬وشــهاب غانــم‪،‬‬
‫ّ‬
‫الشـ ِ‬
‫المحافظـ ِـة فــي تجـ ِ‬
‫وحبيـ ِ‬
‫ـارب ُّ‬
‫ـعراء‪ :‬ســلطان خليفــة الحبتــور‪،‬‬
‫ـب ّ‬
‫الصاي ـغِ‪ ،‬كمــا امتــدَّ ُعنصـ ُـر ُ‬
‫وحمــد بوشــهاب‪ ،‬وعــارف ّ‬
‫الشــيخ‪... ،‬‬
‫ـات ظهــر ْت فــي اإلمـ ِ‬
‫وفــي مطل ـ ِع ال ّثمانينيـ ِ‬
‫ـوات شــعر ّي ٌة كثيــرةٌ‪ ،‬تنتمــي إلــى كال ال ّت ّي َار ْيـ ِ‬
‫ـن‪،‬‬
‫ـارات أصـ ٌ‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫وحصــة عبدال ّلــه‪ ،‬وكلثــم عبدال ّلــه‪،‬‬
‫ومنهــم‪ :‬عــارف الخاجــة‪ ،‬وأحمــد راشــد ثانــي‪ ،‬وميســون صقــر‪،‬‬
‫ّ‬
‫وكريــم معتــوق‪ ،‬وإبراهيــم محمــد إبراهيــم‪ ،‬وإبراهيــم الهاشــمي‪... ،‬‬
‫الشــعري فــي اإلمـ ِ‬
‫وبعــدَ هـ ِـذ ِه الفتـ ِ‬
‫ـرة اتّس ـ َع ْت دائــر ُة اإلبــدا ِع ِّ‬
‫بالمالحظـ ِـة‬
‫ـارات‪،‬‬
‫وأصبحـ ْ‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫ـت جديــر ًة ُ‬
‫ِ‬
‫الشــعر ّي ِة فــي الوطـ ِ‬
‫راسـ ِـة‪ ،‬ح ّتــى غــدَ ْت كأنّهــا صــور ٌة ُمص ّغــر ٌة عــن الحركـ ِـة ِّ‬
‫ـن‬
‫والرصــد والتّوثيـ ِـق والدّ َ‬
‫َّ‬
‫ممــا يعنــي ّ‬
‫أن الحرك ـ َة ّ‬
‫نتجــا شــعر ًّيا‬
‫الشــعر ّي َة اإلمارات ّي ـ َة أفـ َ‬
‫ـي‪ ،‬بـ ْـل وفــي العا َل ـ ِم ً‬
‫ـرز ْت ُم ً‬
‫أيضــا‪ّ ،‬‬
‫العربـ ّ‬
‫ـب المختلفـ ِـة لحداثـ ِـة القصيـ ِ‬
‫أســهم فــي بلـ ِ‬
‫ـع الجوانـ ِ‬
‫ـورة ٍ‬
‫ـي ُمتم ّيـ ٍـز َو ُمتفاعـ ٍ‬
‫ـدة فكر ًّيــا‬
‫ـل مـ َ‬
‫أدب عربـ ٍّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ممــا جع َل ـ ُه ُيش ـك ُِّل رافــدً ا قو ًّيــا مــن روافــد األصالــة ال ّثقاف ّيــة ألُ ّمتنــا‪.‬‬
‫وفن ًّيــا‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الذهبي ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ــة مــن ُع ْم ِ‬
‫الشــعرا ُء اإلمارات ّي َ‬
‫واكــب ُّ‬
‫دولــة‬
‫ّحــاد‬
‫ــر ات‬
‫وقــد‬
‫ــون نهضــ َة دولتهــم فــي الفتــرة ّ ّ‬
‫َ‬
‫‪64‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬رعِّشلا‬
‫ـارات العربيـ ِـة المتّحـ ِ‬
‫اإلمـ ِ‬
‫الشــعر ّي ِة اإلمارات ّيـ ِـة يجــدُ ّ‬
‫ـدة‪ّ ،‬‬
‫ـع للحركـ ِـة ّ‬
‫أن القصيــد َة تطـ ّـو َرت‪،‬‬
‫المتَت ِّبـ َ‬
‫ّ‬
‫وإن ُ‬
‫ـذب األلفـ ِ‬
‫ـاعر بأعـ ِ‬
‫ـح الوطـ ُن لوحـ ًة يرسـ ُـمها ّ‬
‫األدوات ّ‬
‫ـاظ‪،‬‬
‫كمــا تطـ ّـو َر ْت‬
‫ُ‬
‫الشــعر ّي ُة ذاتُهــا‪ ،‬وأصبـ َ‬
‫الشـ ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫الصـ ِ‬
‫ِّ‬
‫ـص ّ‬
‫ـور ّ‬
‫ـعري‬
‫الشـ َّ‬
‫والرمز ّيــة ا ّلتــي تزيــدُ النّـ َّ‬
‫ويلونُهــا بألــوان َشـتّى مــن ُّ‬
‫وأرق الكلمــات‪ّ ،‬‬
‫الشــعر ّية ّ‬
‫جمـ ً‬
‫ـأن يكـ َ‬
‫ـعر يكتفــي بـ ْ‬
‫ـال والتزا ًمــا‪ ،‬ولــم َي ُعـ ِـد ِّ‬
‫ـون وز ًنــا وقافي ـ ًة وصــور ًة خيال ّي ـ ًة‪.‬‬
‫الشـ ُ‬
‫ـكل العمــودي للقصيـ ِ‬
‫الشـ ِ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـدة قـ ُ‬
‫ـول ّ‬
‫ـت علــى ّ‬
‫ـاعر « ُمبــارك ابــن‬
‫ومــن نمــاذج القصائـ ِـد ا ّلتــي حاف َظـ ْ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ـدة مهـ ٍ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫صديقـ ِـه ّ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـيخ «عبدال ّلــه بــن صالــح المطـ ّـوع»‪:1‬‬
‫ـداة إلــى‬
‫ســيف النّاخــي» فــي قصيـ ُ‬
‫ـك شـ ِ‬
‫َ‬
‫َعـ ِـهــد ُتـ َ‬
‫اقتدار‬
‫ولــك‬
‫ـاعـ ًـرا‬
‫ُ‬
‫َو َش ْهما مـ ِ‬
‫ـاجــدً ا‪ ،‬ولـ َ‬
‫افتكار‬
‫ـك‬
‫ُ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫ـــحـــا ًثـــا َوفـــ ًّيـــا‬
‫ولــــــــآداب َب ّ‬
‫َ‬
‫رعــــاك الــ ّلــ ُه ِمـــ ْن ِخ ٍّ‬
‫ـــل ُهــمــا ٍم‬
‫ِ‬
‫مـــدار‬
‫أنــــت َلــــ ُه‬
‫ّــاريــخ‬
‫ولــلــت‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫َلــــ ُه فــي ك ِّ‬
‫ـار‬
‫ُــــل َحــ ْلــ َبــة ابــتــكـ ُ‬
‫«أبـــا قــاســ ٍم» يــا نــذيـ َـر ال ـ َبـ َـشـ ْـر‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫ينتص ْر‬
‫ـــمـــ ْن‬
‫بــــأن الــحــيــا َة ل َ‬
‫ِِ‬
‫وكذلك ِ‬
‫الش ِ‬
‫َ‬
‫قول ّ‬
‫(تفرق قومي)‪:2‬‬
‫اعر «سلطان خليفة الحبتور» في قصيدته ّ‬
‫كــان ُّ‬
‫َ‬
‫وصــو ُتـ َ‬
‫موح‬
‫ـك‬
‫يبث ال ّط َ‬
‫ويـــزرع فــي حــالِــكـ ِ‬
‫ـات الدُّ جى‬
‫ُ‬
‫ويمحو من الن ِ‬
‫الح َذ ْر‬
‫ّفس معنى َ‬
‫ـارا ُي ــض ــي ُء حــيــا َة ال ـ ّبـ َـشـ ْـر‬
‫ن ــه ـ ً‬
‫ّخذ ْت من الت ِ‬
‫ِ‬
‫الش ِ‬
‫شكل جديدً ا‪ُ ،‬‬
‫ّفعيلة ً‬
‫القصائد ا ّلتي ات َ‬
‫قول ّ‬
‫اعر «شهاب غانم»‪:3‬‬
‫ومن‬
‫إنّها الموج ُة تلهو‬
‫تلعب‬
‫إنّها الموج ُة‬
‫ْ‬
‫تذهب‬
‫سوف تأتي‪ُ ،‬ث ّم‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫تذهب‬
‫ُث ّم تأتي‪ُ ،‬ث ّم‬
‫ْ‬
‫فإذا األ ّيا ُم تقسو‬
‫‪ )1‬مبارك الخاطر‪« ،‬رجل‪ ...‬ومولدُ َقرن»‪ ،‬منشورات دائرة الثّقافة واإلعالم‪ ،‬الشّ ارقة‪1997/‬م‪.‬‬
‫وأ ِ‬
‫‪ )2‬قصائد من اإلمارات‪ ،‬منشورات اتّحاد ُك ّتاب ُ‬
‫دباء اإلمارات‪ ،‬ط‪1986/1‬م‪.‬‬
‫‪ )3‬المصدر السابق‪.‬‬
‫‪65‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ربما في ِ‬
‫الغد تأسو‬
‫ُّ‬
‫تبسم‬
‫هر ّ‬
‫وإذا الدّ ُ‬
‫يتجهم‬
‫ال َي ُغرن َْك‪ ...‬غدً ا قد ّ‬
‫فلماذا تتأ ّلم؟‬
‫ولإلســتزادة عــن التجربــة الشــعرية للدكتــور شــهاب غانــم‪ ،‬يمكــن االطــاع علــى كتــاب (طائــر الشــعر الجميــل)‪ ،‬لمؤلفــه الدكتــور أكــرم‬
‫جميل قنبس‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع ‪ -‬أبوظبي ‪ /‬ط‪.2015/1‬‬
‫‪66‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬رعِّشلا‬
‫إىل أُ ّمتي‬
‫الس ُم ِّو َّ‬
‫آل َمكتومٍ‬
‫بن راشدٍ ِ‬
‫يخ‬
‫الش ُ‬
‫صاحب ُّ‬
‫َّ‬
‫حمم ُد ُ‬
‫ُ‬
‫َم ِن المقصو ُد في ال َبي َت ِ‬
‫ين‬
‫األول ِ‬
‫َين؟‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫الشائعةُ في‬
‫ما‬
‫العاطفةُ ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫األبيات م ْن ‪6 - 3‬؟‬
‫كيف‬
‫هي ِجل َُّق؟ و َ‬
‫َم ْن َ‬
‫ت؟‬
‫أصبح‬
‫كيف‬
‫و‬
‫؟‬
‫كانت‬
‫َ‬
‫َ ْ‬
‫ْ‬
‫عبير "أنّى‬
‫بِ َم يوحي ال َّت ُ‬
‫ثمةَ غيلَةً‬
‫ت َّ‬
‫الْ َت َف َّ‬
‫فإن َّ‬
‫كبةٌ ِ‬
‫و َد ٌم و َن َْ‬
‫قاق"؟‬
‫وش ُ‬
‫ما نوع الت ِ‬
‫شبيه في قولِ ِه‪:‬‬
‫ُ َّ‬
‫فيف‬
‫ريف َح ُ‬
‫الص ُ‬
‫"فإذا َّ‬
‫أَ ْج ِن َح ِة ال ُعال"؟‬
‫َكـ ْفـ ِ‬
‫الم ُ‬
‫ـف ُدمــو َعـ َ‬
‫شتاق‬
‫ـكـ ْ‬
‫ـك َأ ُّيــهــا ُ‬
‫ـون بِـ ِ‬
‫ْـــــت َم ـ ْفــتـ ٌ‬
‫ـعـ ْـشـ ِـقـ َ‬
‫ـك ُأ َّمـــ ًة‬
‫َو َلَن َ‬
‫َأ ّوا ُه مــا هـــذا ا ّلــــذي فــي ُأ ّمــتــي‬
‫نــا َد ْيـ ُ ِ‬
‫ـــي في َأ ْسمالِها‬
‫ـت جـ َّلـ َـق َو ْه َ‬
‫ِ‬
‫َوبِ َ‬
‫ــــأ ْر ِ‬
‫ـــو ٍد‬
‫ـحـ ٍـر َأ ْس َ‬
‫ض بــابِـ َـل َأ ُّي سـ ْ‬
‫ـت َفـــــإِ َّن َث ـ َّـمــ َة غــيـ َلـ ًة‬
‫َأنّــــى ا ْلــ َّتــ َف ـ َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الردى في ُم ْه َج ٍة‬
‫م ْن َب ْعد َأ ْن َي ْقضي َّ‬
‫مــا َهــ َك ــذا كــانــا َمــــا َذ ُعــرو َبــتــي‬
‫ِ‬
‫ــو ٌق‬
‫ـــري َف َ‬
‫ــض َّ‬
‫ــج ُمــ َط َّ‬
‫َأ ْط ـ َل ـ ْع ـ ُتــهــا س ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـب بِــدْ َعـ ٍـة‬
‫َو َطـــ ٌن َيــرانــي فيه صــاحـ َ‬
‫ــة بـــدَ وي ٍ‬
‫ـــت فــي َخــي ٍ‬
‫ـــة‬
‫َـــر َّبـــ َع ْ‬
‫ــم َ َّ‬
‫ْ َ‬
‫َوت َ‬
‫ــهــوى ال ـ َقــريـ ِ‬
‫َمــ ْب‬
‫ـض َأب ـ َّي ـ ٌة‬
‫ــهــور ٌة بِ َ‬
‫َ‬
‫في فا ْنتَشى‬
‫نور َح ْر َ‬
‫َو َأ َخـ ْـذ ُت َأ ْج َم ُع َ‬
‫فيف َأ ْجنِ َح ِة ال ُعال‬
‫ريف َح ُ‬
‫الص ُ‬
‫فإِذا َّ‬
‫ـــت ُأ َّمــتَــنــا ال ـ َعــظــيـ َـم ـ َة َأ َّنــنــا‬
‫نـــا َد ْي ُ‬
‫ـدار ِة َم ْو ِض ًعا‬
‫ال ن َْرتَضي َغ ْي َر الـ َّ‬
‫ـصـ َ‬
‫زار َم ْوطِنَنا َوعــا َي ـ َن ُصنْ َعنا‬
‫َمــ ْن َ‬
‫ــــــة عــربــي ٍ‬
‫َعــــــرب ســــا َلــــ ُة ُأم ٍ‬
‫ــة‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫َ ٌ ُ‬
‫ِم ـ ْن َأ ِر ِضــنــا َو ِمــ َن َ‬
‫الخ ِ‬
‫ليج َو َأ ْهـ ِـلـ ِـه‬
‫‪67‬‬
‫َفـ ِـل ـ ُكـ ِّـل وج ٍ‬
‫ـت َم ـ ُ‬
‫ـذاق‬
‫ـــد َل ـ ْـو َعـ ِـلـ ْـمـ َ‬
‫َ ْ‬
‫َخ َضع ْت لِـ ِ‬
‫ـعـ َّـز ِة َم ْج ِدها األَ ْعــنـ ُ‬
‫ـاق‬
‫َ‬
‫ـــل حـ ّتــى اســـــود ِ‬
‫َقـــدْ َح َّ‬
‫ُ‬
‫اآلفـــاق‬
‫ت‬
‫ْ َ َّ‬
‫ِ‬
‫ـب َو َمــحـ ُ‬
‫ـاق‬
‫ـي َخــرائـ ُ‬
‫َونَــ َظ ْــر ُت َو ْه ـ َ‬
‫َأدمـــى َف ـ َلــم ي ـعـ ِـد ِ‬
‫ــراق ِع ـ ُ‬
‫الــع ُ‬
‫ـراق‬
‫ْ‬
‫ْ َ ُ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ـــقـــاق‬
‫ـــــراق َونَـــكْـــ َبـــ ٌة َو ِش‬
‫َو َد ٌم ُي‬
‫ُق ْ‬
‫ـع َبـ ْعــدَ هــا ال ـ ِّتـ ْـريـ ُ‬
‫ـاق؟‬
‫ــل لــي َأ َي ـنْ ـ َفـ ُ‬
‫ـب ُي ُ‬
‫ك ّ‬
‫طاق‬
‫َــا َوال الـ َـو ْضــع ُ الـ َّـرهــيـ ُ‬
‫ـت َلــه الــمــهــج ِ‬
‫ــزاز ت ُ‬
‫ُساق‬
‫الــع ُ‬
‫كــا َنـ ْ ُ ُ َ ُ‬
‫فــي حــب ِ‬
‫ُ‬
‫شـــاق‬
‫ــف ُأ‬
‫ــه َو َي‬
‫ـــغـــار كَــ ْي َ‬
‫ُ ِّ‬
‫ُ‬
‫ــس لــهــا َبــ ْيــ َن الــنُّــجــو ِم ِر ُ‬
‫فـــاق‬
‫نَــ ْف ٌ‬
‫ِ‬
‫ـــم ُ‬
‫ـــاق‬
‫ــــربــــ َّيــــ ٌة إِنْـــســـانُـــهـــا ع ْ‬
‫َع َ‬
‫ــس األَ ْو ُ‬
‫راق‬
‫ـــم َلــــ ُه تَــتَــنــا ُف ُ‬
‫َقـــ َل ٌ‬
‫وإذا الــصــحـ ِ‬
‫ـف ُكـ ُّلــهــا إِ ْش ُ‬
‫ــــراق‬
‫ـائـ ُ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ـب َعـ ْـز َمــنــا ٍ‬
‫َمـــ ٌ‬
‫اإل ْخ ــف ـ ُ‬
‫ـاق‬
‫أ ُيــجــانـ ُ‬
‫َو َلـــنـــا عــلــى مـــا نَـــدَّ عـــي مــيــثـ ُ‬
‫ـاق‬
‫َص ـ ّلــى َو َ‬
‫الــخ ّ‬
‫َـــبـــار َك َ‬
‫ــا ُق‬
‫قـــــال‪ :‬ت َ‬
‫ـاب واألَ ْع ُ‬
‫ـــراق‬
‫َشـ ُـر َفـ ْ‬
‫ـت بِها األَ ْنــسـ ُ‬
‫ـج َو ِو ُ‬
‫َحــيـ ُ‬
‫ثــــاق‬
‫ـث ال ـ ُبــطــو َل ـ ُة َم ـنْـ َـهـ ٌ‬
‫ت كلمةُ‬
‫لماذا ُم ِن َع ْ‬
‫ِ‬
‫"خرائب" م َن‬
‫الص ِ‬
‫رف؟‬
‫َّ‬
‫ما ال َغ َر ُض ِم َن‬
‫االستفها ِم في الب ِ‬
‫يت‬
‫َ‬
‫السابعِ؟‬
‫ّ‬
‫ما َداللةُ ال ُّنجو ِم في‬
‫ِ‬
‫البيت؟‬
‫هذا‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ـاع ِم ـ ْن َأ ْق ِ‬
‫َلــوال َ‬
‫طارنا‬
‫ليج َلــضـ َ‬
‫الخ ُ‬
‫ا ْذك ُِر اآليةَ الكريمةَ‬
‫الّتي اس َتش َه َد بها‬
‫اعر هنا‪.‬‬
‫ّ‬
‫الش ُ‬
‫ـــمـــا َدعـــانـــا َشــ ْعــ ُبــ ُه‬
‫كُـــنّـــا َلـــــ ُه َل ّ‬
‫َلـــوال بــطــو َلــ ُة ج ـيـ ِ‬
‫ـشــنــا َو َشــبــابِــنــا‬
‫َ ْ‬
‫ُ‬
‫ليج هــي الــمــا ُذ ِلُم ٍ‬
‫ُد َو ُل َ‬
‫الخ ِ‬
‫ـــة‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫َو ِمـــ َن َ‬
‫الخ ِ‬
‫ـــو ُة ُأ َّمــتــي‬
‫ليج َتــعــو ُد ُق َّ‬
‫َولِ ـ َـمــ ْن َيــ ُظــنّـ َ‬
‫ـون الــحــيــا َة َبسي َط ًة‬
‫ِ‬
‫الرجا‬
‫ـار بِها ُيفيدُ َوال َّ‬
‫ال اال ْنــتــظـ ُ‬
‫قـــال ُق ِ‬
‫والــ ّلــ ُه َ‬
‫ـــل ا ْعـ َـمــلــوا بِ ِكتابِ ِه‬
‫قيق َونــا َلــ ُه ِ‬
‫اإل ْح ُ‬
‫الـ َيـ َـمـ ُن َّ‬
‫ـــراق‬
‫الش ُ‬
‫د ْعــــوى ال ـ َغــريـ ِـق َكــتـ ِ‬
‫ـائ ـ ًبــا َتـنْــسـ ُ‬
‫ـاق‬
‫َ‬
‫ِ ِ‬
‫َ‬
‫ــر ُاق‬
‫َلـ َقــضــى َو‬
‫الــس ّ‬
‫عــــاث بِ َــر ْبــعــه ُّ‬
‫َغــــــراء َلـــيـــس لِ ِ‬
‫ُ‬
‫ـــــاق‬
‫ـــزهـــا إِ ْم‬
‫ـــع ِّ‬
‫ّ َ ْ َ‬
‫ْـــب الــفـ ِ‬
‫ـــرك ِ‬
‫ـائــزي ـ َن َلــحـ ُ‬
‫ـاق‬
‫َو َلــهــا بِ َ‬
‫ـــت ِســبـ ُ‬
‫ـاق‬
‫إِ َّن الــحــيــا َة إذا َو َعـــ ْي َ‬
‫ب ْ ِ‬
‫ُ‬
‫ــــــاق‬
‫ــــارهــــا َد ّف‬
‫َ‬
‫ــــمــــ ٌة تَــــ ّي ُ‬
‫ـــــل ه َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫األر ُ‬
‫زاق‬
‫َوبِ ْ‬
‫ـحـ َّ‬
‫ــاالجــتــهــاد ُتـ َ‬
‫ـصـ ُـل ْ‬
‫‪68‬‬
‫اعر أُ َّم َت ُه؟‬
‫ف ّ‬
‫بِ َم َو َص َ‬
‫الش ُ‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬رعِّشلا‬
‫سرية وطن‬
‫شيخة املطريي‬
‫ِ‬
‫أدر الــمــعــانــي إنــهــ ّن غنائيا‬
‫الش ِ‬
‫َ‬
‫عيون ّ‬
‫عر من أحداقيا‬
‫ُب‬
‫واسك ْ‬
‫ُ‬
‫بالصهيل وداخلي‬
‫تطر ُب ّ‬
‫الخيل َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫وأمـ ْ‬
‫تاريخها‬
‫القو ِل عن‬
‫ـط لثا َم ْ‬
‫ـوحــدً ا وتساميا‬
‫سبع َص َهلن َتـ ُّ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫واسأل األيام‪ِ :‬حس ُب ِك ماهيا‬
‫ف‬
‫ِق ْ‬
‫كتبوا على موج الخليج قصيدة‬
‫الفض قلب الشعر يصدح تاليا‬
‫ّ‬
‫هي ُ‬
‫الم َعتَّق نخلة‬
‫أول الـ ّـرمــل ُ‬
‫تهم وعرو َقهم‬
‫صو َ‬
‫والطي ُن خ ّبأ ْ‬
‫هم هكذا بــدؤوا ونحن نعيدُ ها‬
‫أدر المعاني والمغاني والهوى‬
‫* من ديوان « ماأكثري وأق ّلي»‪ ،‬ص ‪38‬‬
‫‪69‬‬
‫هــا شممت برملها أجــداديــا‬
‫أمـــــرر ف ــوق ــه أحــامــيــا‬
‫وأنـــــا‬
‫ّ‬
‫يــا ســيــرة أولـــى ومــجــدً ا باقيا‬
‫اإلمارات اقرؤوا أمجاديا‬
‫وطني‬
‫ُ‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫عاملي‬
‫ِشع ٌر‬
‫ٌّ‬
‫تنويع عن الغصون‬
‫(آنا أخماتوفا)‬
‫ُ‬
‫الريـح‬
‫ترحـل‬
‫حينما‬
‫ُ‬
‫مـن سـيهز الغصـون‪..‬؟‬
‫حينما يذبل الغصـ ُن‬
‫سـيلم النـدى‪..‬‬
‫مـن‬
‫ّ‬
‫في الصباح‪..‬؟‬
‫سعادة حجر‬
‫(إيميلي ديكينسون)‬
‫كم بالغة سعادة الحجر‬
‫يتسكع وحده في الطرق بال ضجر‬
‫فال يهمه العمل‬
‫وال بالمتطلبات يضيق األمل‬
‫وثوبه البني ألبسه إياه‬
‫الدهر الذي من فوقه عبر‬
‫وهو كالشمس بكل حرية‬
‫يلمع وحده أو مع البقية‬
‫محق ًقا وجوده‬
‫بكل بساطة وعفوية‪.‬‬
‫‪70‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬رعِّشلا‬
‫خريف‬
‫(ألفونس دي ال مارتين)‬
‫المكسو ُة باألخضر المستديم!‬
‫الغابات‬
‫ـات‪ ،‬أيتها‬
‫ُ‬
‫تح ّي ٌ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫المص َف ّـر ِة على العشب المتنـاثر!‬
‫األوراق ُ‬
‫ـات‪ ،‬أيتها األيام األخيرة الرائعة ! ِحدا ُد الطبيعة‬
‫تح ّي ٌ‬
‫عينـي‪.‬‬
‫ِّـع‬
‫ـثيـر ألمي و ُي َمت ُ‬
‫َّ‬
‫ُي ُ‬
‫ٍ‬
‫بخطوات حالمة في طريق مهجـور‪،‬‬
‫أسير‬
‫وآلخـر ٍ‬
‫ِ‬
‫مرة‪،‬‬
‫وأريد أن أرى ثانية‪،‬‬
‫الشمس المتضائـل َة ّ‬
‫والشاحـب َة والتي ال ينفـذ‬
‫هذه‬
‫َ‬
‫نورها الواه ُن إلى ظالم الغابات عند قدمي إالّ بجهد!‬
‫ُ‬
‫أجمل البحار‬
‫(ناظم حكمت)‬
‫ُ‬
‫أجمل البحار‬
‫نذهب إليه بعد‬
‫البحر الذي لم‬
‫هو‬
‫ْ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫وأجمل األطفال‬
‫هم الذي َن لم يكبروا بعد‬
‫ُ‬
‫وأجمل األيام‬
‫هي َ‬
‫تلك التي في انتظارنا‬
‫ُ‬
‫وأجمل القصائد‬
‫هي تلك التي لم أكتبها لك بعد‬
‫يا صغيري‪...‬‬
‫يا صغيرتي‪...‬‬
‫‪71‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫تعلم الصمت‬
‫(كارين بويه)‬
‫كل ليلة على األرض الطافحة باأللم‪.‬‬
‫أيها الفؤاد تعلم كيف تصمت‪.‬‬
‫النفوس القوية‪ ،‬كالدروع القوية‪،‬‬
‫تعكس الضوء من موطن النجوم‪.‬‬
‫من شأن عويلك أن يجعلك أضعف‪.‬‬
‫أيها الفؤاد تعلم كيف تصمت‪.‬‬
‫يقوي‪،‬‬
‫فالصمت وحده يشفي‪ ،‬الصمت ّ‬
‫وهو طاهر على نحو غير ممسوس‪ ،‬ومخلص ببراءة‪.‬‬
‫(فرناندو بيسوا)‬
‫نظمت كل آللئ‬
‫هذا العقد ألهديه إليك‪.‬‬
‫الآللئ قلبي‬
‫والخيط؟ حزني‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫ِ‬
‫القصرية‬
‫ص ُة‬
‫ُ‬
‫الق َّ‬
‫‪73‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫‪74‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫القصرية‬
‫ص ُة‬
‫ُ‬
‫الق َّ‬
‫ِ‬
‫ـص فـ ٌ‬
‫ـان أثـ َـر فــان‪ :‬أي‬
‫ـص»‪ ،‬ا ّلــذي يأتــي بمعنــى التَّت ّبــع‪ ،‬يقــال‪ :‬قـ َّ‬
‫«الق ّصة»مشــتقة مــن الفعــل « َقـ َّ‬
‫تت ّبعــه‪ .‬ومنــه قولــه تعالــى‪( :‬ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ)‪ .‬ويأتــي‬
‫أيضــا بمعنــى اإلخبــار والروايــة‪ ،‬يقــال‪َ :‬قــص عليــه الخبــر‪ :‬أي حدّ ثــه‪ ،‬و َقــص ِ‬
‫الق ّصــة‪ :‬أي حكاهــا‪.‬‬
‫ً‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫فالق ّصــة‪ :‬هــي الحكايــة ا ّلتــي تُحكــى‪.‬‬
‫أمــا ِ‬
‫«الق ّصــة» فــي االصطــاح فلهــا تعريفــات كثيــرة‪ ،‬لك ـ ّن معظــم هــذه التعريفــات يؤكــد علــى ّ‬
‫أن‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫الق ّصــة ســرد متخ ّيــل قصيــر نســب ًّيا‪ ،‬يهــدف إلــى إحــداث تأثيــر معيــن‪ ،‬وفــي أغلــب األحــوال تركــز‬
‫ِ‬
‫الق ّصــة القصيــرة علــى شــخصية واحــدة فــي موقــف واحــد‪ ،‬فــي لحظــة واحــدة‪ ،‬فــي مــكان بعينــه‪.‬‬
‫ِ‬
‫ـري يتنــاول بالســرد حد ًثــا وقــع‪ْ ،‬أو يمكــن‬
‫ـي نثـ ٌّ‬
‫وقــد اختصــر بعضهــم تعريــف الق ّصــة بقولــه « َفـ ٌّن أدبـ ٌّ‬
‫أن يقــع»‪.‬‬
‫وأهــم مــا يمكــن أن يقــال عــن ِ‬
‫الق ّصــة (والروايــة كذلــك) إنّهــا فـ ٌّن غايتــه اإلمتــاع فــي المقــام األول‪،‬‬
‫فليــس مــن أهــداف ِ‬
‫الق ّصــة (أو الروايــة) أن تقــدم معلومــات للقــارئ بصــورة مباشــرة‪ ،‬وليــس مــن‬
‫إن ِ‬
‫أن تُع ّلــم أو تعــظ‪ّ .‬‬
‫أهدافهــا ْ‬
‫الق ّصــة فــن‪ ،‬والفــن ال يتخــذ مــن الخطــاب المباشــر وســيلة أو طريقــة‬
‫للتعبيــر والوصــول إلــى وجــدان القــارئ‪.‬‬
‫إن ِ‬
‫ّ‬
‫الق ّصــة تســتحث القــارئ علــى التفكيــر والتأمــل‪ ،‬وعلــى أن ينظــر إلــى الحيــاة مــن زوايــا مختلفــة‪،‬‬
‫ومــن خــال تفاصيــل صغيــرة جــدًّ ا قــد ال ينتبــه إليهــا‪ ،‬لكنهــا تشــكل حيــاة النــاس وتؤثــر فيهــم‪،‬‬
‫لذلــك نقــول‪ :‬إن ِ‬
‫الق ّصــة الناجحــة هــي ا ّلتــي تجعــل القــراء يفكــرون‪ ،‬ويشــعرون‪.‬‬
‫وهنــاك عناصــر أساســية تقــوم عليهــا ِ‬
‫الق ّصــة (أو الروايــة)‪ ،‬والكاتــب الناجــح هــو ا ّلــذي يشــكل مــن‬
‫متجانســا متماس ـكًا‪ ،‬يؤثــر فــي القــارئ‪ ،‬ويوصــل إليــه فكــرة مــا بشــكل غيــر‬
‫هــذه العناصــر بنــاء فن ًّيــا‬
‫ً‬
‫مباشــر‪ ،‬ومــن أهــم عناصــر ِ‬
‫الق ّصــة‪:‬‬
‫القصــة القصيــرة علــى حــدث مفــرد؛ ِ‬
‫ِ‬
‫فالق ّصــة تجــري فــي زمــان محــدد‪،‬‬
‫‪ .1‬الحــدث‪ :‬عــادة مــا تقــوم ّ‬
‫ومــكان محــدد‪ ،‬وتتنــاول موق ًفــا محــد ًدا‪ ،‬أو شــريحة مــن الحيــاة بغيــة تســليط الضــوء عليهــا‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫‪ .2‬الشــخصيات‪ :‬عنصــر الشــخصية يعــد دعامــة أساســية مــن دعامــات ِ‬
‫الق ّصــة‪ ،‬فــا يمكــن ْ‬
‫أن تُبنــى‬
‫قصــة مــن دون وجــود شــخصية تحــرك األحــداث وتتأثــر بهــا‪ ،‬والشــخصية قــد تكــون إنســانًا أو‬
‫حيوا ًنــا أو كائنًــا متخيـ ّـاً‪.‬‬
‫‪.3‬اإلطــار الزمانــي والمكانــي‪ :‬يحــدد هــذا العنصــر زمــن وقــوع األحــداث ومكانهــا‪ ،‬والكاتــب‬
‫المتمكــن يوظــف عنصــر الزمــان والمــكان توظي ًفــا يناســب جــو ِ‬
‫الق ّصــة‪ ،‬والفكــرة‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪.4‬الــراوي ووجهــة النظــر‪ :‬الــراوي هــو ا ّلــذي يــروي ِ‬
‫الق ّصــة‪ ،‬وهــو ليــس الكاتــب‪ ،‬بــل الكاتــب‬
‫يختــار وجهــة نظــر معينــة تُــروى مــن خاللهــا ِ‬
‫الق ّصــة‪ ،‬ويرويهــا ٍ‬
‫راو قــد يكــون شــخصية مــن‬
‫شــخصيات ِ‬
‫الق ّصــة‪ ،‬وقــد يكــون راو ًيــا خارج ًّيــا‪ .‬ووجهــة النظــر ا ّلتــي ينطلــق منهــا الــراوي‬
‫تتقاطــع مــع فكــرة الروايــة‪ ،‬ألنهــا تع ّبــر عنهــا‪.‬‬
‫قصتــه أو روايتــه ليصنــع منهــا عمـ ًـا فن ًّيــا‪،‬‬
‫‪ .5‬الحبكــة‪ :‬الطريقــة ا ّلتــي يجمــع بهــا الكاتــب أحــداث ّ‬
‫ـص مــن بدايتــه ح ّتــى نهايتــه‪ ،‬وقــد يظهــر خــط بســيط‬
‫يجــذب القــارئ‪ ،‬ويشــدّ ه فــي اتجــاه النّـ ّ‬
‫للحبكــة فــي بعــض القصــص‪ ،‬فعلــى الرغــم مــن قصــر ِ‬
‫الق ّصــة‪ ،‬وضيــق المســاحة المتاحــة‬
‫للكاتــب ليتحــرك فيهــا‪ ،‬إال ّ‬
‫أن بعــض القصــص يظهــر فيهــا تصاعــد لألحــداث‪ ،‬ووصولهــا إلــى‬
‫ـم انحــدار نحــو النهايــة‪.‬‬
‫نقطــة توتــر عليــا‪ُ ،‬ثـ َّ‬
‫‪ .6‬التشــويق‪ :‬هــو العنصــر ا ّلــذي يشــدّ القــارئ نحــو ِ‬
‫الق ّصــة وعالمهــا‪ ،‬وغال ًبــا مــا يكــون مرتب ًطــا‬
‫بشــيء تريــده الشــخصية الرئيســة‪ ،‬أو مشــكلة تواجههــا‪ .‬بعــض القصــص قــد تتحــرر مــن البنيــة‬
‫التقليديــة ا ّلتــي تعتمــد علــى التشــويق وتــأزم الموقــف‪ ،‬خاصــة تلــك ا ّلتــي تركــز علــى مشــهد‬
‫وحيــد مضغــوط‪ ،‬أو ا ّلتــي تُبقــي القــارئ داخــل دائــرة تفكيــر الشــخصية وتأمالتهــا وأســئلتها‪،‬‬
‫ولذلــك يصنــف بعضهــم القصــص إلــى «قصــة شــخصية» و«قصــة حبكــة أو حــدث»‪ .‬أ ّمــا الثانيــة‪،‬‬
‫فــي الغالــب‪ ،‬هــي ا ّلتــي قــد تحــوي عنصــر التشــويق القائــم علــى توتــر األحــداث ووصولهــا إلــى‬
‫ـأزم ُعليــا‪.‬‬
‫نقطــة تـ ّ‬
‫‪.7‬الفكــرة أو الموضــوع‪ :‬وهــي الرســالة المبطنــة فــي ِ‬
‫الق ّصــة‪ ،‬والتــي يريــد الكاتــب مــن القــارئ أن‬
‫يصــل إليهــا‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫‪ .8‬اللغــة‪ :‬اللغــة ترتبــط بحجــم ِ‬
‫الق ّصــة‪ ،‬ويجــب أن تكــون مكثفــة تعتمــد التلميــح بــدل التصريــح؛‬
‫فــا مجــال للوصــف المســهب فيهــا‪ ،‬وغال ًبــا مــا يتــراوح عــدد كلماتهــا بيــن خمســمئة إلــى عشــرة‬
‫آالف كلمــة‪ ،‬وقــد تســتخدم الحــوار ا ّلــذي يجــب أن يناســب الشــخصية‪ ،‬ممــا يفتــح البــاب‬
‫للعبــارات العاميــة والشــعبية‪.‬‬
‫ويمكننــا أن نجمــل القــول فــي القصــة فنقــول‪ّ :‬‬
‫إن القصــة ال تتنــاول ‪-‬خال ًفــا للروايــة‪ -‬شــخصية‬
‫كاملــة بــكل مــا يحيــط بهــا مــن حــوادث وظــروف ومالبســات‪ ،‬وإنمــا تكتفــي بتصويــر جانــب واحــد‬
‫مــن جوانــب حيــاة الفــرد‪ .‬وال تتعــدد الشــخصيات فــي القصــة القصيــرة‪ .‬ومــن الضــروري أن تتوافــر‬
‫والزمــان والمــكان؛ فيجــب أن يكــون المــكان محــدو ًدا‪ ،‬وأن يكــون الزمــان قصيـ ًـرا‪.‬‬
‫وحــدة الفعــل ّ‬
‫ـي‪ -‬حد ًثــا مــن الحيــاة اليوميــة‪ ،‬ويحــاول أن يجعــل منــه موق ًفــا‬
‫وأن ينتقــي القـ ّ‬
‫الروائـ ّ‬
‫ـاص ‪-‬عكــس ّ‬
‫فنّ ًّيــا‪ ،‬يوضــح بــه حقيقــة مــن الحقائــق‪.‬‬
‫ولــم تعــد بنيــة القصــة القصيــرة وعناصرهــا كمــا كانــت وقــت ظهورهــا‪ ،‬فقــد اختفــت بعــض‬
‫الشــروط واختفــت بعــض العناصــر‪ ،‬حتــى تــكاد كل قصــة قصيــرة لهــا شــكلها الخاص‪.‬ولقــد‬
‫تعــددت موضوعاتهــا وأغراضهــا ومجاالتهــا وتباينــت فــي مــدى ارتباطهــا بالواقــع أو ابتعادهــا عنــه‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن اإللحــاح الســابق علــى ملحــظ التركيــز فــي القصــة القصيــرة‪ ،‬ســواء أكان فــي البنيــة الفنيــة أم فــي‬
‫اللغــة‪ ،‬يســوقنا إلــى الحديــث عــن أهــم خصائــص القصــة القصيــرة‪ ،‬التــي يمكــن حصرهــا‪ ،‬بشــكل‬
‫عــام‪ ،‬فــي ثــاث خصائــص‪:‬‬
‫‪ .1‬الوحــدة‪ :‬وقــد أكّــد عليهــا كبــار الكتــاب والتزمــوا بهــا‪ ،‬والمقصــود بالوحــدة هنــا‪ :‬الوحــدة‬
‫العضويــة التــي تــؤدي إلــى وحــدة االنطبــاع‪ ،‬والتأكيــد علــى أن تحمــل القصــة فكــرة واحــدة‪،‬‬
‫محكمــا يولــد فــي القــارئ انطبا ًعــا‬
‫وتركــز علــى شــخصية واحــدة فــي الغالــب‪ ،‬وأن تبنــى بنــاء‬
‫ً‬
‫واحــدً ا‪.‬‬
‫‪ .2‬التكثيــف‪ :‬وهــو مطلــب جوهــري لنجــاح القصــة فن ًّيــا‪ ،‬ولذلــك قــال عنهــا يوســف إدريــس‪:‬‬
‫«القصــة القصيــرة رصاصــة» انظــر كيــف تصيــب الرصاصــة الهــدف‪ ،‬فهــي ليســت حجـ ًـرا وال‬
‫كــرة‪ ،‬بــل رصاصــة تنطلــق لتصيــب الهــدف بســرعة ودقــة تامتيــن‪ .‬ولذلــك فــإن كل كلمــة‬
‫محســوبة فــي القصــة‪ ،‬وكل جملــة لهــا دورهــا‪ ،‬وليــس هنــاك مــكان لالسترســال فــي الــكالم‬
‫‪77‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫لمجــرد أنــه كالم جميــل أعجــب الكاتــب‪ .‬والتكثيــف يختلــف باختــاف القصــة‪ ،‬وطولهــا‪،‬‬
‫وبنيتهــا الفنيــة‪.‬‬
‫‪ .3‬الدراميــة‪ :‬ويقصــد بهــا التوتــر الــذي يجعــل القــارئ يتابــع القــراءة‪ ،‬ويرغــب فــي الوصــول إلــى‬
‫النهايــة‪ ،‬حتــى لــو خلــت القصــة مــن الصــراع‪ ،‬واعتمــدت علــى أفــكار الشــخصية الداخليــة فـ ّ‬
‫ـإن‬
‫الكاتــب الناجــح يســتطيع أن يشــدّ خيــط القصــة‪ ،‬ويجــذب القــارئ إلــى عالمهــا‪ .‬وهنــاك تقنيــات‬
‫كثيــرة تســاعد الكتــاب علــى تصعيــد درجــة التوتــر فــي القصــة‪ ،‬كالبدايــة المثيــرة للتســاؤل‪،‬‬
‫أو الشــخصية المح ّيــرة أو المحتــارة‪ ،‬أو الحــوار الداخلــي‪ ،‬أو حركــة الزمــان أو المفارقــات‪،‬‬
‫وغيرهــا كثيــر‪.‬‬
‫إن القصــة تأخــذ مــن المســرح درام ّيتــه‪ ،‬ومــن الشــعر تو ّتــره‪ّ .‬‬
‫وكمــا قــال الن ّقــاد ّ‬
‫إن القصــة القصيــرة‬
‫تفتــح نافــذة صغيــرة للقــارئ ليطــل منهــا علــى مشــهد مــن مشــاهد الحيــاة لــم يكــن قــد َفطِــن إليــه مــن‬
‫قبــل‪ ،‬وكلمــا زادت النوافــذ أتيــح لهــذا القــارئ أن تتوســع نظرتــه للحيــاة‪ ،‬وتــزداد عم ًقــا ومعرفــة‪ّ .‬‬
‫إن‬
‫قــارئ األدب هــو إنســان أكثــر تســامحا وتقبــا للحيــاة بــكل تناقضاتهــا‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫حادثةٌ‬
‫جنيب حمفوظ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ـم‬
‫ـم فــي تلفــون الــدّ كان بصــوت مرتف ـعٍ؛ ليسـ َ‬
‫ـمع صو ُت ـ ُه رغـ َ‬
‫كان يتك َّلـ ُ‬
‫ضوضـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـاء شــار ِع الجيـ ِ‬
‫بنصفـ ِـه األعلــى داخـ َـل‬
‫الصاخبـ ِـة‪ ،‬وجعـ َـل يميـ ُـل‬
‫ـش ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫كان؛ ِ‬
‫الــدُّ ِ‬
‫ليبتعــدَ مــا أمكــ َن ِ‬
‫بقولــه‪:‬‬
‫َــم حدي َثــ ُه‬
‫عــن َّ‬
‫ثــم خت َ‬
‫الضوضــاء‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـع‬
‫(انتظرنــي‪ ،‬سـ‬
‫الســماع َة إلــى مكانهــا‪ ،‬ونقــدَ البائـ َ‬
‫ـورا)‪ ،‬وأعــا َد َّ‬
‫ـأحضر فـ ً‬
‫ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ـوق ال ُّطـ ِ‬
‫ـتدار فـ َ‬
‫َّجهــا نحـ َـو ال َّطريـ ِـق‪.‬‬
‫ـوار مت ً‬
‫كالمــة‪ ،‬واسـ َ‬
‫الم َ‬
‫ثم ـ َن ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الســتي َن أو ِ‬
‫َ‬
‫الجبهـ ِـة‬
‫ـروي‬
‫َ‬
‫نحوهــا‪ ...‬طويـ ُـل القا َمــة نحي ُلهــا‪ُ ،‬كـ ُّ‬
‫كان فــي ِّ‬
‫ِ‬
‫الذ ْقـ ِ‬
‫والعينيـ ِ‬
‫ـم يبـ َـق فـ َ‬
‫ـن‪ُ ،‬م َكـ َّـو ُر َّ‬
‫ـذور‬
‫ـوق مرآتهــا ّإل جـ ُ‬
‫ـن‪ ،‬وأ ّمــا َص ْل َع ُتـ ُه فلـ ْ‬
‫ـت شـ ِ ِ ِ‬
‫ـض مثـ ُـل منابـ ِ‬
‫ـح مظهــر ُه عــن إهمـ ٍ‬
‫شـ ٍ‬
‫ـال‬
‫ـعر أبيـ َ‬
‫أفصـ َ‬
‫ـعر ذقنــه‪ ،‬وقــدْ َ‬
‫ُ‬
‫ـيان الـ ّـذ ِ‬
‫ـح نتيجـ ًة للسـن أو ال َّطبـ ِع أو نسـ ِ‬
‫ـك َ‬
‫ات‪ ،‬علــى ذلـ َ‬
‫صريـ ٍ‬
‫ـع‬
‫كان يتم َّتـ ُ‬
‫ِّ ِّ‬
‫ٍ‬
‫مرح ٍ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ينظــر إلــى‬
‫وابتهــاج‪ ..‬وبــدا أنَّــ ُه‬
‫بنشــاط‬
‫وتلتمــع عينــا ُه‬
‫ــة‪،‬‬
‫ُ‬
‫بحيو َّيــة ِ َ‬
‫ُ‬
‫ـف م ـن ال ُّلوريـ ِ‬
‫ِ‬
‫‪1‬‬
‫الدّ اخـ ِ‬
‫ـم مـ َ‬
‫ـات‬
‫ّ‬
‫ـال ُي ْمن ـ ًة بمحــاذاة صـ ٍّ َ‬
‫ـل ال إلــى ال َّطريـ ِـق ‪ ،‬ثـ َّ‬
‫ِ‬
‫لصـ َـق ال ُّطـ ِ‬
‫ـوار ح ّتــى وجــدَ منفـ ًـذا إلــى ّ‬
‫الشــارعِ‪َ ..‬مـ َـر َق مـ َن المن َف ِذ؛‬
‫الواق َفــة ْ‬
‫الشــارع إلــى ِض َّفتِ ِ‬
‫ِ‬
‫يجــاو ُز ُمقدِّ مــ َة ال ّلــوري‬
‫ــه األُخــرى‪ ،‬ومــا كا َد‬
‫ــر ّ َ‬
‫لي ْع ُب َ‬
‫ارة (فــورد) نحــوه بسـ ٍ‬
‫األخيـ ِـر ح ّتــى شــعر باندفــا ِع س ـي ِ‬
‫ـرعة فائقـ ٍـة‪.2‬‬
‫َُ‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫أن يتراجــع بسـ ٍ‬
‫الشـ ِ‬
‫وقـ َ‬
‫كان عل ْيـ ِـه ْ‬
‫ـهود فيمــا بعــدُ إ َّنـ ُه َ‬
‫ـال أحــدُ ُّ‬
‫ـرعة‪ ،‬وإ َّنـ ُه‬
‫َ َ‬
‫ســرعة الســي ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫لــو َ‬
‫َ‬
‫لســبب مــا ‪ -‬لع َّلــ ُه‬
‫ارة‪ ،‬ولكنَّــ ُه‬
‫رغــم‬
‫ذلــك لنَجــا‬
‫فعــل‬
‫َّ ّ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ـاتر يــا‬
‫ـب إلــى األمــا ِم‪ ،‬وهـ َـو يهتـ ُ‬
‫المفاجــأ ُة أو ســو ُء التَّقديـ ِـر ‪ -‬وثـ َ‬
‫ـف‪( ،‬يــا سـ ُ‬
‫ـل صرخـ ٌة كالعـ ِ‬
‫رب) وجـ ِ‬
‫ـوادث متالحقـ ًة‪ ،‬نــدّ ْت عـ ِ‬
‫الرجـ ِ‬
‫ـرت الحـ ُ‬
‫ـواء‪،‬‬
‫ُ‬
‫ُّ‬
‫ـن َّ‬
‫ذات الوقـ ِ‬
‫وفــي ِ‬
‫ـار ِة الواقفي ـ َن علــى‬
‫صرخـ ُ‬
‫ـت انطلقـ ْ‬
‫ـات الفــز ِع م ـ َن المـ َّ‬
‫ـت َ‬
‫ـوق إفريـ ِـز مح َّطـ ِـة ال َّتــرا ِم‪ .‬صــدر عـن (فرم َلـ ِـة الفـ ِ‬
‫ال ُّطـ ِ‬
‫ـوار‪ ،‬وفـ َ‬
‫ـوت‬
‫ـورد) صـ ٌ‬
‫َ ْ‬
‫‪79‬‬
‫أن‬
‫مكن ْ‬
‫‪)1‬ماذا ُي ُ‬
‫تستنتج من العبارةِ‬
‫َ َ‬
‫الّتي تحتها ٌّ‬
‫خط؟‬
‫أي ٍ‬
‫رج ُح‬
‫سبب ُت ّ‬
‫‪ُّ )2‬‬
‫ِ‬
‫الر ِ‬
‫جل‬
‫إلهمال‬
‫ّ‬
‫مظهر ُه؟ لماذا؟‬
‫فات الّتي‬
‫ّ‬
‫مالص ُ‬
‫لديك ِ‬
‫نت َ‬
‫عن‬
‫تكو ْ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫خالل‬
‫من‬
‫جل‬
‫الر‬
‫ْ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫الراوي ل ُه؟‬
‫وصف‬
‫ّ‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫األرض بعجـ ٍ‬
‫ِ‬
‫ْ‬
‫ـات متو ِّقفـ ٍـة‬
‫ـف علــى‬
‫تزحـ ُ‬
‫ـي َ‬
‫محشـ َـر ٌج متشـن ٌِّج ممـ َّـز ٌق‪ ،‬وهـ َ‬
‫ٍ‬
‫الضحيـ ِـة فــي ثـ ٍ‬
‫ـرات كأسـ ِ‬
‫ـراب‬
‫ـرات وعشـ ٌ‬
‫ـوان عشـ ٌ‬
‫جامــدة‪ُ ،‬‬
‫وهـ ِـر َع نحـ َـو َّ َّ‬
‫ِ‬
‫غليــظ منيــع‪ ،‬وانتشــر فــي ِ‬
‫ٌ‬
‫نطقــة‬
‫الم‬
‫ســور‬
‫ــم‬
‫ٌ‬
‫تكــو َن ُ‬
‫الحمــا ِم‪ ،‬حتّــى ّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ٌ‬
‫منه ْ‬
‫الهـ َـر ُج‪.‬‬
‫َ‬
‫بم يوحي تشبي ُه‬
‫‪َ )3‬‬
‫بالشيء؟ِ‬
‫ِ‬
‫الرجل ّ‬
‫ّ‬
‫وكان ِ‬
‫ـل بحركـ ٍـة واحـ ٍ‬
‫منكف ًئــا علــى ِ‬
‫الر ُجـ ِ‬
‫َ‬
‫وجه ِه‪،‬‬
‫ـدة‪،‬‬
‫ـم ينبـ ْ‬
‫ـم َّ‬
‫ـض جسـ ُ‬
‫ولـ ْ‬
‫ــه‪ ،‬وإحــدى رجلي ِ‬
‫لمس ِ‬
‫يجــرؤ أحــدٌ علــى ِ‬
‫ــه ممــدو َد ٌة إلــى ِ‬
‫آخرهــا‪،‬‬
‫وال‬
‫ُ‬
‫ْ‬
‫ـاق نحي َلـ ٍـة غزيـ ِ‬
‫واألُخــرى منثنيـ ٌة منْح ِســر ُة (البنطلـ ِ‬
‫ـون) عـ ْن سـ ٍ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـرة َّ‬
‫ـعر‪،‬‬
‫َ ُ َ َ‬
‫كل شـ ٍ‬
‫ـت بخـ ِ‬
‫ـاف ِّ‬
‫َّ‬
‫ّ‬
‫وكأن‬
‫ـيء حو َل ـ ُه‪،‬‬
‫ـدت حذا َءهــا‪،‬‬
‫صمـ ٌ‬
‫وقــدْ فقـ ْ‬
‫وتغشــا ُه ْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـم يهــوي‬
‫الرجـ ُـل وهـ َـو يرتفـ ُ‬
‫ـارا‪ ،‬ثـ َّ‬
‫ـع فــي الفضــاء أمتـ ً‬
‫األمـ َـر ال يعنيــه ألب َّتـ َة‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫ـورد ظهــره بالسـي ِ‬
‫ـائق الفـ ِ‬
‫ِ‬
‫ارة مـ ْن بـ ِ‬
‫فـ َ‬
‫ـاب‬
‫ـوق‬
‫وألصـ َـق سـ ُ‬
‫َ ُ َّ ّ‬
‫األرض كشــيء‪َ ،3‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـت بـ ِـه علــى سـ ِ‬
‫ـبيل‬
‫أحدَ قـ ْ‬
‫الحفــاة ْ‬
‫ـب مجموع ـ ًة م ـ َن ُ‬
‫وراح يخاطـ ُ‬
‫الحي َطــة‪َ ،‬‬
‫المرا َقبـ ِـة‪:‬‬
‫ُ‬
‫* ال ذنــب لــي‪ ،‬اندفــع هــو مـن أمــا ِم ال ّلــوري فجــأةً‪ ،‬وبسـ ٍ‬
‫َ‬
‫ودون‬
‫ـرعة‪،‬‬
‫َ َ ْ‬
‫َ‬
‫ِِ‬
‫ْ‬
‫وج ًهــا ُم ْســتجي ًبا‪ ،‬عــا َد‬
‫ينظــر إلــى‬
‫أن‬
‫لــم يجــدْ ْ‬
‫يســاره كمــا َي ِج ُ‬
‫ــب‪ ،‬وإذا ْ‬
‫َ‬
‫ليقـ َ‬
‫ـول بلهجـ ٍـة خطاب َّيـ ٍـة‪:‬‬
‫ِ‬
‫باإلمكان ْ‬
‫الصدْ م َة‪.‬‬
‫* لم يك ْن‬
‫َّب َّ‬
‫أن أتجن َ‬
‫كالزفيـ ِـر المكتــو ِم‪ ،‬وتحــر َك حركـ ًة شـ ِ‬
‫ونــدَّ عـ ِ‬
‫المصـ ِ‬
‫ـام َل ًة‬
‫ـاب صـ ٌ‬
‫ـوت َّ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫ـن ُ‬
‫اللمبـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـرق فــي ّ‬
‫ـم غـ َ‬
‫ـاالة‪.‬‬
‫ُمباغتـ ًة‪ ،‬ثان َيـ ًة واحــدةً‪ ،‬ثـ َّ‬
‫حي‪.‬‬
‫ لم ْ‬‫يمت! ٌّ‬
‫ لع ّلها إصاب ٌة بسيط ٌة‪.‬‬‫ِ‬
‫الهواء والعيا ُذ بال ّل ِه!‬
‫طار في‬
‫ لكنَّ ُه َ‬‫كبير‪...‬‬
‫ ولو‪ ،‬ع ْف ُو ر ِّبنا ٌ‬‫‪ -‬ال يوجدُ َد ٌم؟‬
‫‪80‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫ عندَ ِ‬‫فم ِه‪ ،‬ان ُظ ْر‪...‬‬
‫ٍ‬
‫ ُّ‬‫ٌ‬
‫حادث من هذا النَّوعِ‪.‬‬
‫ساعة‬
‫كل‬
‫ِ‬
‫السـ ِ‬
‫اآلدمي‪،‬‬
‫ـور‬
‫ـح لـ ُه وقـ ُ‬
‫ـرطي مســر ًعا‪ ،‬وفتـ َ‬
‫ِّ‬
‫ـع قدميــه ثغر ًة فــي ّ‬
‫وجــا َء شـ ٌّ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫يصيــح بالن ِ‬
‫ّــاس ْ‬
‫َ‬
‫خطــوات فقــط‪،‬‬
‫خطــوات‪،‬‬
‫أن يبتعــدوا‬
‫وهــو‬
‫نفــذ منْهــا‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫تتحــو ُل ِ‬
‫الر ِ‬
‫وإشــفاقها‪،‬‬
‫جــل‪ ،‬وال تُخفــي ِحــدَّ َة تط ُّل ِعهــا‬
‫وعين ُُهــم ال‬
‫َّ‬
‫عــن َّ‬
‫وقـ َ‬
‫ـال إنسـ ٌ‬
‫ـان‪:4‬‬
‫يموت‪ ،‬ونح ُن ال ُ‬
‫نفعل شي ًئا؟!‬
‫ َسيبقى هكذا حتّى‬‫َ‬
‫بلهجة ِ‬
‫ٍ‬
‫فأجا َب ُه ُّ‬
‫راد َع ٍة‪:‬‬
‫رطي‬
‫الش ُّ‬
‫ أقـ ُّـل لمسـ ٍـة قــدْ تق ُت ُلـه‪ ،‬و(بوليــس) النَّجـ ِ‬‫ـعاف فــي ال َّطريـ ِـق‬
‫ـدة واإلسـ ُ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫إليـ ِـه‪..‬‬
‫ِ‬
‫جانــب ال َّط ِ‬
‫ُ‬
‫الســ ّيار ُة إلــى‬
‫ريــق؛‬
‫الحــادث‬
‫واعتــرض‬
‫َ‬
‫َ‬
‫فاضطــرت َّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫البشــري ُم ِ‬
‫الس ِ‬
‫َ‬
‫فضــاق‬
‫ممشــا ُه‪،‬‬
‫ــور‬
‫ِّ‬
‫االلتفــاف َح ْ‬
‫شــار َك ًة التَّــرا َم فــي ْ‬
‫ــو َل ّ‬
‫بهــا حتّــى تحركــت فــي ب ٍ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫صفــوف ممتــدَّ ٍة‬
‫عــت فــي‬
‫شــديد‪،‬‬
‫ــطء‬
‫وتجم ْ‬
‫َّ ْ‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫تداخ َل ٍ‬
‫وم ِ‬
‫عــت‬
‫تصــر ُخ وتعــوي بــا‬
‫وهــي‬
‫ــة‪،‬‬
‫فائــدة‪ ،‬ومــن ُركّابِهــا تط َّل ْ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫الضحيـ ِـة فــي اهتمــا ٍم‪ ،‬وأعيـن تجنَّبـ ِ‬
‫ـت النَّظـ َـر فــي َجـ َـزعٍ‪ ،‬وجــا َء‬
‫ٌ‬
‫أعيـ ٌن إلــى َّ َّ‬
‫ِ‬
‫ـدة وراء ص ّفارتِـ ِـه الح َلزونيـ ِـة فاتَّسـ ِ‬
‫(بوليــس) النَّجـ ِ‬
‫ـادرت‬
‫ـعت الح ْلقـ ُة‪ ،‬وغـ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫الر ُج ِ‬
‫الض ُ‬
‫َ‬
‫حاســما وحاز ًمــا‪،‬‬
‫ابــط‬
‫الملقــى‪،‬‬
‫وكان ّ‬
‫َّ‬
‫ً‬
‫ــل ُ‬
‫الســ ّيار َة إلــى َّ‬
‫القــو ُة َّ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫الر ُج َ‬
‫شــاملة‪،‬‬
‫بنظــرة‬
‫ــل‬
‫المتجمعيــ َن‪،‬‬
‫بتفريــق‬
‫أمــرا‬
‫وتفح َ‬
‫َّ‬
‫ــص َّ‬
‫ِّ‬
‫فأصــدر ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫وســأل ُّ‬
‫طي‪:‬‬
‫ــر َّ‬
‫الش َ‬
‫اإلسعاف؟‬
‫تحض ِر‬
‫ُ‬
‫ألم ُ‬
‫‪ْ -‬‬
‫وإ ْذ لــم تكــ ْن ثمــ َة ضــرور ٌة إلــى الس ِ‬
‫ــؤال‪ ،‬فإنَّــ ُه لــم ُي ْل ِ‬
‫ــق ً‬
‫بــال إلــى‬
‫ُّ‬
‫َّ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫مــر ًة أخــرى‪:‬‬
‫الجــواب‪،‬‬
‫وتســاءل َّ‬
‫هل من ُش ٍ‬
‫هود؟‬
‫‪ْ ْ -‬‬
‫‪81‬‬
‫الداللةُ الّتي توحي‬
‫‪)4‬ما ّ‬
‫ٍ‬
‫بها كلمةُ "إنسان"؟‬
‫"رجل"؟‬
‫يقل‬
‫ٌ‬
‫لماذا ْلم ْ‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫‪)5‬بِ َم توحي تسميةُ‬
‫جل بالمجهول؟ِ‬
‫الر ِ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫(كبابجــي) َ‬
‫كان‬
‫وصبــي‬
‫وســائق (لــوري)‬
‫أحذيــة‪،‬‬
‫ماســح‬
‫فتقــدَّ َم‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ِّ‬
‫ُّ‬
‫الض ِ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫حــدث ُ‬
‫َ‬
‫منــذ‬
‫ابــط مــا‬
‫ــم ِع ّ‬
‫عائــدً ا بصين َّيــة فارغــة‪ ،‬وأعــادوا علــى َم ْس َ‬
‫ـاءت س ـيار ُة اإلسـ ِ‬
‫ِ‬
‫المجهـ ُ‬
‫َ‬
‫ـعاف‪،‬‬
‫ـم فــي التّلفــون‪ ،‬وجـ ْ ّ‬
‫ـول يتك َّلـ ُ‬
‫الر ُجـ ُـل َ‬
‫كان َّ‬
‫ٍ‬
‫بالر ُج ِ‬
‫وح َ‬
‫َ‬
‫وهــو‬
‫ــذ ٍر‪،‬‬
‫ــل‪،‬‬
‫َ‬
‫ــهم بعنايــة َ‬
‫رئيس ُ‬
‫َّ‬
‫وتفح َصــ ُه ُ‬
‫وأحــاط رجا ُلهــا َّ‬
‫ـض متوجهــا إلــى ّ ِ‬
‫ـادر ُه هــذا قائـ ًـا‪:5‬‬
‫ـم نهـ َ‬
‫ِّ ً‬
‫يجلـ ُ‬
‫الضابــط‪ ،‬فبـ َ‬
‫ـس ال ُق ْر ُفصــا َء‪ ،‬ثـ َّ‬
‫ِ‬
‫اإلسعاف‪.‬‬
‫يجب نق ُل ُه إلى‬
‫ أظ ُّن‬‫ُ‬
‫بلهجــة ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ذات ٍ‬
‫يختلــف ِ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫يحــدث‬
‫األثــر ا َّلــذي‬
‫عــن‬
‫أثــر ال‬
‫اآلخــر‬
‫فقــال‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫عــاد ًة ع ـ ْن جـ ِ‬
‫ـرس ســيارتِ ِه‪:‬‬
‫ِ‬
‫مرداش‪..‬‬
‫ ْبل‬‫يجب نق ُل ُه إلى ُمستشفى الدِّ‬
‫ُ‬
‫ـك‪ ،‬علــى حيـن اســتطرد رجـ ُـل اإلسـ ِ‬
‫َ‬
‫الضابـ ُ‬
‫ـط مــا يعنيـ ِـه ذلـ َ‬
‫ـعاف‬
‫وأدرك ّ‬
‫َ ُ‬
‫َ‬
‫قائـ ًـا‪:‬‬
‫تحت‬
‫ضع خطًّا‬
‫َ‬
‫‪ْ )6‬‬
‫ِ‬
‫الجملة الّتي ُتشير‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫وصول‬
‫تأخر‬
‫إلى‬
‫ِ‬
‫اإلسعاف إلى‬
‫المستشفى‪.‬‬
‫ أعتقدُ َّ‬‫أن الحال َة خطير ٌة جدًّ ا‪.‬‬
‫رقــدَ الرجـ ُـل بحجـ ِ‬
‫وعندمــا ُأ ِ‬
‫ـرة الفحـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـرداش كانــت‬
‫ـص بمستشــفى الدِّ مـ‬
‫َّ ُ‬
‫ِ ِ‬
‫ـف كالجبـ ِ‬
‫ـع ال َّليـ ِ‬
‫التفت‬
‫ـم‬
‫تزحـ ُ‬
‫َ‬
‫ـال‪َ ،‬‬
‫ـل َ‬
‫طالئـ ُ‬
‫وفح َصـ ُه مديـ ُـر القسـ ِم بنفســه‪ ،‬ثـ َّ‬
‫إلــى مسـ ِ‬
‫ـاعد ِه قائـ ًـا‪:6‬‬
‫ُ‬
‫القلب ُمباشرةً‪..‬‬
‫الر ِئة ال ُيسرى‪ ،‬تُهدِّ ُد‬
‫َ‬
‫ إصاب ٌة خطير ٌة في ِّ‬‫‪ -‬عمل َّي ٌة؟‬
‫رأس ُه ً‬
‫قائل‪:‬‬
‫َّ‬
‫فهز َ‬
‫حتض ُر‪..‬‬
‫ إ َّن ُه ُي َ‬‫ِ‬
‫وصد َق ْ ِ‬
‫راســ ُة ال َّط ِ‬
‫الر ُج ُ‬
‫شــامل ًة‬
‫ــل حركــ ًة‬
‫بيــب‪ ،‬فقــدْ‬
‫تحــر َك َّ‬
‫َّ‬
‫ــت ف َ‬
‫ِ‬
‫ـم َشـ َـه َق‬
‫كالر ْع َشـ ِـة‪ْ ،‬‬
‫ـدر ُه‪ ،‬اضطرا ًبــا ُمتالح ًقــا ُم َح ْشـ ِـر ًجا‪ ،‬ثـ َّ‬
‫واض َطـ َـر َب صـ ُ‬
‫َّ‬
‫وكان ال َّطبيبـ ِ‬
‫َ‬
‫ـت المديـ ُـر نحـ َـو‬
‫َشـ ْـه َق ًة خفيف ـ ًة‪ ،‬واس ـ َت َك َّن‪،‬‬
‫ـان يراقبانِـ ِـه‪ ،‬فالتفـ َ‬
‫‪82‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫يقــول‪:‬‬
‫وهــو‬
‫ســاعد ِه‬
‫ُم‬
‫َ‬
‫‪ -‬انْتهى‪..‬‬
‫‪7‬‬
‫ِ‬
‫ـزال راقــدً ا بكامـ ِ‬
‫الر ُجـ ُـل مــا يـ ُ‬
‫َ‬
‫وجــا َء ضابـ ُ‬
‫مالبسـ ِـه‬
‫ـل‬
‫ـط النُّقطـ ِـة‪،‬‬
‫وكان َّ‬
‫ـردة الحـ ِ‬
‫ـذاء المفقـ ِ‬
‫عــدا فـ ِ‬
‫ـودة‪.‬‬
‫غيير الّذي طرأَ‬
‫‪)7‬ما ال ّت ُ‬
‫الشخص ّي ِة منذُ‬
‫على ّ‬
‫ِ‬
‫بداية ِ‬
‫الق ّص ِة حتى‬
‫هذه اللّحظة؟ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫بيب‪:‬‬
‫وقال ال َّط ُ‬
‫ ِ‬‫ُ‬
‫الحوادث ال تنتهي‪..‬‬
‫هذه‬
‫ِ‬
‫ابط وهو ِ‬
‫َ‬
‫الفقيد‪:‬‬
‫يوم ُئ إلى‬
‫فقال ّ‬
‫الض ُ َ‬
‫ِ‬
‫الش ِ‬
‫ وشهاد ُة ُّ‬‫صالح ِه!‬
‫ليست في‬
‫هود‬
‫ْ‬
‫الس ِ‬
‫رير‪:‬‬
‫وهو‬
‫ُ‬
‫ثم‪َ ،‬‬
‫يقترب م َن َّ‬
‫َّ‬
‫أن ِ‬
‫ أرجو ْ‬‫نستد َّل على َشخص َّيتِ ِه‪.‬‬
‫ـرع فــي عملـ ِـه علــى حي ـ َن بسـ َ‬
‫(الشـ ُ‬
‫ـط ّ‬
‫المرافـ ُـق ل ـ ُه ورق ـ ًة‬
‫وشـ َ‬
‫ـاويش) ُ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫فـ َ ِ‬
‫ـدوره لتسـ ِ‬
‫الضابـ ُ‬
‫ـط يــدَ ُه‬
‫ـب بـ‬
‫ودس ّ‬
‫ـوق من َْضــدَ ة‪َّ ،‬‬
‫ـجيل المحضـ ِـر‪َّ ..‬‬
‫وتأهـ َ‬
‫ٍ‬
‫الجاكت ِ‬
‫ِ‬
‫بر ْف ٍ‬
‫ِ‬
‫نقــود قديمــ ًة‬
‫فاســتخر َج حافظــ َة‬
‫اخلــي؛‬
‫جيــب‬
‫ــق فــي‬
‫َّــة الدّ‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫متوســط َة الحجـ ِم‪ ،‬ومضــى يفت ُِّشــها َجي ًبــا َجي ًبــا‪ ،‬و ُيملــي علــى ّ‬
‫الشـ‬
‫ـاويش‪:8‬‬
‫ِّ‬
‫قرشا من الع ِ‬
‫َ‬
‫ملة الورق َّي ِة‪.‬‬
‫ خمس ٌة‬‫وأربعون ً َ ُ‬
‫ (روشت ٌة) للدُّ ِ‬‫َ‬
‫سليمان‪..‬‬
‫كتور فوزي‬
‫وألقــى نظــر ًة عابــر ًة علــى أسـ ِ‬
‫ـماء األدويـ ِـة‪ ،‬ولكنَّـ ُه الحـ َ‬
‫ـظ وجــو َد كتابـ ٍـة‬
‫ٍ‬
‫علــى ِ‬
‫البيــض‬
‫إرادة‪ ،‬فــإذا بهــا‪:‬‬
‫بصــر ُه عليهــا بــا‬
‫فجــر ُه‬
‫أيضــا‪،‬‬
‫ُ‬
‫ظهرهــا ً‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ــات ممنوعــ ٌة‪ ،‬ويستَحســن تجنُّــب المنب ِ‬
‫كالش ِ‬
‫هــات ّ‬
‫والقهــوة‬
‫ــاي‬
‫والدُّ هن ّي ُ‬
‫ِّ‬
‫ُ‬
‫ُْ ْ َ ُ‬
‫إن تعليمـ ٍ‬
‫ِ‬
‫ـط ابتســام ًة باطن َّي ـ ًة؛ إذ َّ‬
‫الضابـ ُ‬
‫ّ‬
‫ـات مماثل ـ ًة‬
‫ـم ّ‬
‫والشــيكوالتَه‪ ،‬وابتسـ َ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـدرت إليـ ِـه مــن طبيبِـ ِـه فــي نفـ ِ‬
‫ـس َّ‬
‫ـم واصـ َـل إمــا َء ُه‪ ،‬وأصاب ُعـ ُه‬
‫صـ ْ‬
‫ـهر! ثـ َّ‬
‫ـتخرج م ـ َن الحافظـ ِـة محفوظاتِهــا‪:‬‬
‫تسـ‬
‫ُ‬
‫الس ِ‬
‫ور ال ُقرآن َّي ِة‪..‬‬
‫ مج َّلدٌ‬‫صغير م َن ُّ‬
‫ٌ‬
‫‪83‬‬
‫الراوي‬
‫‪)8‬‬
‫َ‬
‫كيف َّ‬
‫صو َر ّ‬
‫تعا ُم َل الطَّبيبِ‬
‫ّ ِ‬
‫الر ُج ِل‬
‫والضابط َ‬
‫مع َّ‬
‫المجهول؟ِ‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫الحافظة َ‬
‫بضيق‪:‬‬
‫قال‬
‫آخر في‬
‫لم يجدْ شي ًئا َ‬
‫ولما ْ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫تحقيق شخص َّي ٌة!‬
‫توجدُ بطاق ُة‬
‫‪ -‬ال َ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫أن َ‬
‫َ‬
‫اخلي‪ ،‬وما لبِ َث ْ‬
‫بفتور‪:‬‬
‫قال‬
‫وانتقل إلى‬
‫الجيب الدّ‬
‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫ونصف‪ُ ،‬عمل ٌة معدن َّي ٌة‪.‬‬
‫قروش‬
‫ ثالث ُة‬‫ُ‬
‫سج ِل استنتاجاتِ َك‬
‫‪ّ )9‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫من‬
‫عن َّ‬
‫الشخص ّية ْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫كان‬
‫الج َمل الَّتي َ‬
‫خالل ُ‬
‫الض ُ‬
‫ابط ُي ْمليها على‬
‫ّ‬
‫اويش)‪ ،‬وما ك ِ‬
‫ِ‬
‫ب‬
‫ُت‬
‫(الش‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫الوص َف ِة‬
‫على ظَ ْه ِر ْ‬
‫الطِّ ّب َّي ِة؟‬
‫الف ْق ِ‬
‫‪)10‬في ِ‬
‫هذه ِ‬
‫رة‬
‫فارقَةٌ ِ‬
‫صار َخةٌ ‪ .‬ما‬
‫ُم َ‬
‫تأثيرها‬
‫هي؟ وما ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫مشاع ِر َك تجاه‬
‫في‬
‫الشخص َّي ِة؟‬
‫َّ‬
‫وتوالى الت ُ‬
‫وتتابع اإلمال ُء‪:‬‬
‫َّفتيش‪،‬‬
‫َ‬
‫منديل‪ ،‬سلسل ُة مفاتيح‪ ،‬ساع ُة ٍ‬
‫ٌ‬
‫يد‪..‬‬
‫‬‫َ‬
‫عليــه صفحــ ٌة مطويــ ٌة مــن كر ٍ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫اســة‪ ،‬ف َب َســطها‪،‬‬
‫عثــر‬
‫وكان‬
‫َّ‬
‫ّ‬
‫آخــر مــا َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بمظــروف بعــدُ ‪ِ ،‬‬
‫ٍ‬
‫فأم َ‬
‫ــل ْ‬
‫ف فيهــا‬
‫أن ُي‬
‫ــف‬
‫صــاد َ‬
‫لــم ُت ُغ َّل ْ‬
‫فوجدَ هــا رســال ًة ْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫مــا ِ‬
‫الر ُج ِ‬
‫يمكــ ُن ْ‬
‫نظــر‬
‫نظــر َّأو َل مــا َ‬
‫ــل‪َ ،‬‬
‫أن ُي ْســتَدَ َّل بــه علــى شــخص َّية َّ‬
‫إلــى اإلمضـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـاء‪ ،‬ولكنَّ ـ ُه لــم يــز ْد ع ـ ْن (أخـ َ‬
‫رأس‬
‫ـوك عبدُ ال ّلـ ِـه)‪ ،‬فعــا َد إلــى‬
‫ِ‬
‫موجهـ ًة إلــى (أخــي العزيـ َـز أدا َمـ ُه ال ّلـ ُه)‬
‫الرســال َة كانـ ْ‬
‫ـت َّ‬
‫َّ‬
‫الصفحــة‪ ،‬ولكـ َّن ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ولــم يجــدْ ُبــدًّ ا مــن قرا َءتِهــا‪.‬‬
‫فاســتا َء مــن هــذه المعانَــدَ ة‪ْ ،‬‬
‫العزيز أدا َم ُه ال ّل ُه‬
‫أخي‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫أكبر ٍ‬
‫الحياة‪.‬‬
‫أمل في‬
‫اليو َم تح َّق َق لي ُ‬
‫ـخ الرسـ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫وكان تاريـ َ‬
‫ـخ‬
‫ـالة‪،‬‬
‫ْ‬
‫اض ُطـ َّـر إلــى التَّو ُّقــف راف ًعــا عينَ ْيــه إلــى تاريـ ِ ّ‬
‫الباهـ ِ‬
‫اليــو ِم ِ‬
‫ـوق األسـ ُط ِر إلــى الوجـ ِـه ِ‬
‫نفسـ ِـه ‪ 20‬فبرايــر‪ ،‬وامتــدَّ بصـ ُـر ُه فـ َ‬
‫ـت‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫الجامـ ِـد كَتِمثـ ٍ‬
‫المشـ ِ‬
‫ـال‪ ،‬ذلـ َ‬
‫ـك ا َّلــذي‬
‫الم ْغ َلـ ِـق ك َِسـ ٍّـر‪،‬‬
‫ـوب ُبز ْر َقــة ُمخيفــة‪ُ ،‬‬
‫َ‬
‫ـل فــي الحيـ ِ‬
‫تح َّقـ َـق َل ـ ُه أكبـ ُـر أمـ ٍ‬
‫ـاة‪ ،10‬وتسـ َ‬
‫ـب‪:‬‬
‫ـاءل ال َّطبيـ ُ‬
‫ٍ‬
‫شيء؟‬
‫عثرت على‬
‫‬‫َ‬
‫ِِ‬
‫فان َتب ـه إلــى ِ‬
‫ـم ابتســام َة اســتهان ٍَة؛ ليـ َّ‬
‫أي‬
‫نفسـ ِـه‪،‬‬
‫ـدل علــى اعتيــاده َّ‬
‫َ َ‬
‫وابتسـ َ‬
‫َ‬
‫شـ ٍ‬
‫ـيء‪ ،‬وقـ َ‬
‫ـال‪:‬‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫أكبر ٍ‬
‫الرسال ُة!‬
‫أمل في الحياة‪ ،‬بذل َك بدأت ّ‬
‫ اليو َم تح َّق َق لي ُ‬‫‪9‬‬
‫‪84‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫وعــاد إلــى القـ ِ‬
‫ـي ال َّطبيـ ِ‬
‫ـراءة متجنِّ ًبــا النَّظـ َـر إلــى عينـ ِ‬
‫ـت‬
‫ـب‪ :‬فقـ ِـد انزاحـ ْ‬
‫َ‬
‫انزاحــت جميعــا والحمــدُ ل ّل ِ‬
‫ــه‪ ،‬أمينــ ُة‬
‫ريــرةُ‪،‬‬
‫ْ‬
‫ً‬
‫الم َ‬
‫عــ ْن صــدري األعبــا ُء َ‬
‫ِ‬
‫ذكــرت‬
‫ــف‪ ،‬وك َّلمــا‬
‫هــو‬
‫وبه َّيــ ُة‬
‫علــي يتو َّظ ُ‬
‫ُ‬
‫وزينــب فــي بيوت ِهــ َّن‪ ،‬وهــا َ‬
‫ُ‬
‫ٌّ‬
‫ِِ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ِ ِ‬
‫المنّـ َ‬
‫ـان‪ ،‬وهــذا هـ َـو‬
‫الماضــي بمتاعبِــه َو َكدْ حــه وقلقــه وشــقائه ْ‬
‫أح َمــدُ ال ّلـ َه َ‬
‫الن َّْصـ ُـر المبي ـ ُن‪.‬‬
‫ـان الر ِ‬
‫ـترق النَّظــر مــر ًة أخــرى إلــى اإلنسـ ِ‬
‫احـ ِ‬
‫واسـ َ‬
‫ـل‪ ،‬ا َّلــذي ال يــدْ ري‬
‫ّ‬
‫َ َّ‬
‫ِ‬
‫ــه‪ ،‬وانعزالِ ِ‬
‫هشــ َة بصمتِ ِ‬
‫ِ‬
‫يثيــر الدَّ َ‬
‫العميــق‬
‫وارتــداد ِه‬
‫ــه‬
‫ْ‬
‫قــر ُه‪ ،‬ا َّلــذي ُ‬
‫أحــدٌ َم َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫والقلــق َّ‬
‫ــر‬
‫واألمــل‬
‫والشــقا ُء‬
‫ــب‬
‫إلــى‬
‫ُ‬
‫المجهــول‪ ،‬المتاع ُ‬
‫الكبيــر والن َّْص ُ‬
‫ُ‬
‫المبيـ ُن! وبعــدَ تفكيـ ٍـر طويـ ٍ‬
‫ـات‬
‫ـل قـ َّـر رأيــي علــى تـ ْـر ِك الخد َمـ ِـة فِ ْعـ ًـا‪ .‬فهيهـ َ‬
‫المدينــة‪ ،‬وحســب ُت ِ‬
‫ِ‬
‫ْ‬
‫الح ْســ َب َة‪،‬‬
‫بقيــت فــي‬
‫صحتــي طا َلمــا‬
‫ُ‬
‫َ ْ‬
‫َحســ َن َّ‬
‫أن تت َّ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫الفــرق بيــ َن‬
‫هــي‬
‫فوجدتنــي أخــد ُم فــي الحكو َمــة بثــاث ُجنيهــات‪َ ،‬‬
‫الم َر َّتـ ِ‬
‫المعـ ِ‬
‫ـب والمعـ ِ‬
‫رت ْ‬
‫ـاش‪ ،‬ولذلِـ َ‬
‫ـاش‪،‬‬
‫ـك قـ َّـر ُ‬
‫أن أ ْط ُلـ َ‬
‫ـب إحا َلتــي علــى َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫البلــد ْ‬
‫مجلــس‬
‫ــم إلــى‬
‫إن شــا َء ال ّلــ ُه‪،‬‬
‫وقري ًبــا أعــو ُد إلــى‬
‫َ‬
‫وســوف َ‬
‫أنض ُّ‬
‫ٍ‬
‫ريــف عنــدَ ِ‬
‫ال َّظ ِ‬
‫ٍ‬
‫الخ َف ِ‬
‫عبدالت ِ‬
‫اآلن ُّ‬
‫ــر‪ ،‬أ ّمــا َ‬
‫شــيخ َ‬
‫ِ‬
‫بخيــر‪،‬‬
‫شــيء‬
‫فــكل‬
‫َّــواب‬
‫ِ‬
‫ممــا َ‬
‫كان‪.11‬‬
‫َ‬
‫خيــر ّ‬
‫وليــس فــي اإلمــكان ٌ‬
‫وهو ُ‬
‫الض ُ‬
‫يقول‪:‬‬
‫وطوى ّ‬
‫الرسال َة َ‬
‫ابط ّ‬
‫ــه‪ ،‬ولكــن ليــس بِ ِ‬
‫ــف كَمــا ي ْفهــم مــن خطابِ ِ‬
‫ــه مــا ُي ْم ِكــ ُن‬
‫ إنَّــ ُه مو َّظ ٌ‬‫ْ َ‬
‫ُ َ ُ ْ‬
‫االســتدالل علــى هويتِ ِ‬
‫ُ‬
‫ــه‪.‬‬
‫ُ َّ‬
‫أكمل وص َف َك‬
‫‪)11‬‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫من‬
‫للشخص َّية ْ‬
‫ِ‬
‫خالل ما تست ْن ِت ُج ُه‬
‫عنها في هذهِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫الف ْق َر ِة‪.‬‬
‫َ‬
‫بيب‪:‬‬
‫فقال ال َّط ُ‬
‫ـراءات المألو َف ـ ُة‪ ،‬وغالبــا مــا يجيــئ أه ُل ـه فــي الوقـ ِ‬
‫ س ـ ُتت َ‬‫ـت‬
‫َّخ ُذ اإلجـ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ً‬
‫ُ‬
‫الم ِ‬
‫ِ ‪12‬‬
‫ناسـ ِ‬
‫ـب‪ ،‬فيتس ـ َّل َ‬
‫الج َّث ـ َة م ـ َن ْ‬
‫المشـ َـر َحة‪.‬‬
‫مون ُ‬
‫ُ‬
‫‪85‬‬
‫وصف‬
‫‪)12‬بِ َم يوحي‬
‫ُ‬
‫الط ِ‬
‫ِ‬
‫للر ُجل بأنَّ ُه‬
‫َّبيب َّ‬
‫(ج َّثةٌ )؟‬
‫ُ‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫لسائق باكستا ٍّ‬
‫ين عجو ٍز‬
‫نظارةٌ‬
‫ٍ‬
‫طبيةٌ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫*‬
‫الساعدي‬
‫مرمي ّ‬
‫نديــا ِمــن جيبِ ِ‬
‫ِ‬
‫أخــرج ِم ً‬
‫خلــع ن ّظارتَــ ُه‪.‬‬
‫ــه‪.‬‬
‫الرؤيــ ُة ُمض َّب َبــ ًة‪.‬‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫َ‬
‫بــدت ُّ‬
‫جــاج النَّ ّظ ِ‬
‫قبــل َأ ْن يرفــع ِ‬
‫الم َ‬
‫اإلشــار ُة حمــرا ُء‪َ .‬‬
‫ِ‬
‫ــارة‪،‬‬
‫نديــل إلــى ُز‬
‫َ‬
‫ـت الكُرســي‪ ،‬انحنــى اللتقاطِـ ِـه‪ ،‬ســق َط ِ‬
‫س ـ َق َط ِ‬
‫ت‬
‫المنديـ ُـل سـ ْـه ًوا تحـ َ‬
‫ِّ‬
‫قبــل َأ ْن ي ِ‬
‫لم َســها‪َ ،‬‬
‫النَّ ّظــارةُ‪َ ،‬‬
‫يبح ُ‬
‫ــت‬
‫مســكَها اندف َع ْ‬
‫ُ‬
‫نــزل َ‬
‫ــث عنهــا‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫المقع ِ‬
‫تحــت ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫َّحــر ِك‪ ،‬اإلشــار ُة‬
‫ــد‪،‬‬
‫إلــى‬
‫األبــواق ترتَف ُ‬
‫َ‬
‫ــع‪ ،‬تُطال ُبــ ُه بالت ُّ‬
‫قليــا َع َّلــه ِ‬
‫ِ‬
‫الر ُج ُ‬
‫تمه ُ‬
‫يلتق ُطهــا‪ ،‬األ ْب ُ‬
‫ً‬
‫ــل‬
‫ــل‬
‫ُ‬
‫َخضــرا ُء‪َ ،‬ي َّ‬
‫ــر‪َّ ،‬‬
‫ــواق ت َُز ْمج ُ‬
‫ال يــرى بوضـ ٍ‬
‫ف أبوظبــي َج ِّيــدً ا‪،‬‬
‫ـوح م ـ ْن دونِهــا‪ ،‬يتحـ َّـر ُك‪ ،‬هـ َـو يعـ ِـر ُ‬
‫ـرف شــوار َعها‪َ ،‬يح َف ُظهــا َع ـ ْن َظ ْهـ ِـر ق ْلـ ٍ‬
‫ـائق ِم ـ ْن ثالثيـ َن‬
‫ـب‪ ،‬هـ َـو سـ ٌ‬
‫يعـ ُ‬
‫َ‬
‫تعديــات كثيــر ٌة َ‬
‫وتحويــات ّ‬
‫الشــوار ِع‬
‫اآلن‪،‬‬
‫هنــاك‬
‫عا ًمــا‪ ،‬لكــ ْن‪،‬‬
‫ُ‬
‫ٌ‬
‫ـرت مجــرى ك ُِّل ال ُّطرقـ ِ‬
‫ـات‪َ ،‬ح َسـنًا‪ ،‬ســيقو ُد إلــى األمــا ِم‪ ،‬فقـ ْ‬
‫ـط إلــى‬
‫غ َّيـ ْ‬
‫ُ‬
‫األمــا ِم وبت ََم ُّهـ ٍ‬
‫ـباح أما َمـ ُه‪ ،‬ال شــي َء يبــدو ُمحــدَّ َد‬
‫السـ‬
‫ُ‬
‫ـيارات أشـ ٌ‬
‫ـل تــا ٍّم‪ّ .‬‬
‫ـح‪ ،‬ال بــأس سيس ـت َِمر فــي التَّقــدُّ ِم إلــى األمــا ِم ح ّتــى اإلشـ ِ‬
‫ِ‬
‫المالمـ ِ‬
‫ـارة‬
‫َ َ َ ْ ُّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الحمــراء الت ِ‬
‫هــذه النَّ ّظــار َة ال َّلعينــ َة‪.‬‬
‫ّاليــة‪ ،‬ســ َي ِجدُ‬
‫إحساس‬
‫‪)1‬ما‬
‫ُ‬
‫الشخصي ِ‬
‫نحو‬
‫ة‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫بلدها؟‬
‫ـض العينَ ْيـ ِ‬
‫ـن كمــا يقـ ُ‬
‫الم َث ُل‪،‬‬
‫هـ َـو سـ ٌ‬
‫ـائق ماهـ ٌـر‪ُ ،‬يمكـ ُن َأ ْن يقــو َد ُم ْغ َمـ َ‬
‫ـول َ‬
‫أقــوال مأثــور ٌة كثيــر ٌة فــي ب ِ‬
‫لــد ِه‪ ،‬يتصــور أنَّهــم ال ي ِ‬
‫ٌ‬
‫َ‬
‫كــون‬
‫متل‬
‫لديهــم‬
‫ْ َ‬
‫َ‬
‫َّ ُ‬
‫ْ‬
‫ـوال المأثـ ِ‬
‫ســوى األقـ ِ‬
‫ـورة‪ ،‬ويضحـ ُ‬
‫رأس ـ ُه‬
‫ـك بينَ ـ ُه وبي ـ َن ن ْف ِسـ ِـه هـ ًّ‬
‫ـازا َ‬
‫حــال ب ِ‬
‫فــي َأس ٍ‬
‫ٌ‬
‫لــد ِه‪ .‬تمنّــى لــو َ‬
‫أقــوال مأثــور ٌة‬
‫لديهــم‬
‫كان‬
‫ــف علــى‬
‫ِ َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫إدارة؟» ر ّبمــا هـ َـو‬
‫إدارة أكثـ ُـر «لكـ ْن هـ ْـل هـ َـو ح ًّقــا ُح ْسـ ُن‬
‫وح ْسـ ُن‬
‫َأ َقـ ُّـل ُ‬
‫ِ‬
‫ـاع‬
‫ـي األطمـ ُ‬
‫ـي األطمـ ُ‬
‫َن ْقـ ُ‬
‫ـاع الخارج ّي ـ ُة؟ ُر ّبمــا هـ َ‬
‫ـص المــال؟ ر ّبمــا هـ َ‬
‫ِ‬
‫ُ ‪1‬‬
‫ُ‬
‫حمــدُ ال ّلــ َه أنّــ ُه‬
‫«يتســاءل‬
‫الدّ اخل ّيــة؟‬
‫َ‬
‫الراديــو‪َ ،‬ي َ‬
‫وهــو َيســتم ُع إلــى ّ‬
‫اعة األُ ُذ ِن وبالتّالــي ي ِ‬
‫يســمع جيــدً ا‪َ .‬لــن يخشــى وقــوع ســم ِ‬
‫فقــدُ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫َ َ ُ َ ِّ‬
‫ّ‬
‫* أبدو ذكية (‪ ،)2009‬دار العالم العربي للنشر والتوزيع‪ ،‬دبي‬
‫‪86‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫الخمـ ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ـم‬
‫عم ـ ٌة‪ ،‬ك ُُّل الحـ ِّ‬
‫عم ـ ٌة‪ ،‬يــا ال ّل ـ ُه! َكـ ْ‬
‫ـس ن َ‬
‫ـواس َ ْ‬
‫السـ ْـم ُع ن َ‬
‫السـ ْـم َع» َّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫هــذا كريــم! َأ ْن ِ‬
‫الصغيــرةَ‪ُ ،‬مجـ َّـر ُد تَجوي َفيـ ِ‬
‫نمتلـ َ‬
‫ـن‬
‫ـواس َّ‬
‫ـك هــذه الحـ َّ‬
‫ٌ‬
‫س ِمــن األمــا ِم‪ِ ،‬‬
‫ومــ َن الجانِ َب ْي ِ‬
‫األكبــر‪،‬‬
‫العالــم‬
‫ــن لِنــرى‬
‫الــر ْأ ِ َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫فــي َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـون بسـ ِ‬
‫ـار ُه‪ ،‬ونكـ َ‬
‫ـخاصا‬
‫ـبب هــذه التَّجاويــف أشـ ً‬
‫ونَسـ َ‬
‫ـمع أنغا َمـ ُه وأخبـ َ‬
‫ِ‬
‫باآلخــر ا ّلــذي ُيشــبِ ُهنا فــا‬
‫وأكثــر التِصا ًقــا‬
‫أكثــر ُق ْر ًبــا ِمــ َن العا َلــ ِم‪،‬‬
‫َ‬
‫َ‬
‫بالوحــدَ ِة‪ .‬فعـ ًـا كمــا قـ َ‬
‫ـف ِه َبـ ٍـة‬
‫«الص َّحـ ُة تُســاوي َأ ْلـ َ‬
‫الم َثـ ُـل‪ِّ :‬‬
‫نَشـ ُع ُر َ‬
‫ـال َ‬
‫بالضـ ِ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـال‪َ ،‬‬
‫بالوحــدَ ِة ِم ْثـ ُـل ُّ‬
‫ُأخــرى»‪ُّ .‬‬
‫أخـ َـذ ُيف ِّكـ ُـر بينَـ ُه‬
‫ـعور َّ‬
‫ـعور َ‬
‫الشـ ُ‬
‫وبي ـ َن ن ْف ِسـ ِـه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫َ‬
‫َســو ٍق‪َ ،‬شــ َع َر بأنَّــ ُه وحيــدٌ ‪ ،‬بأنَّــ ُه‬
‫مــر ٍة‬
‫دخــل فيهــا َمرك َ‬
‫َــز ت ُّ‬
‫َّــر َّأو َل َّ‬
‫تذك َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٌّ‬
‫األصــوات‬
‫أصــوات كثيــرةٌ‪َ ،‬صــدى‬
‫األصــوات عاليــ ًة‪،‬‬
‫كانــت‬
‫ضــال‪،‬‬
‫ٌ‬
‫ُ‬
‫الواجهـ ِ‬
‫ِ‬
‫فــي الواق ـعِ‪َ ،‬تنْبـ ِ‬
‫ِ‬
‫الزجاج َّيـ ِـة‪،‬‬
‫الرخام ّيـ ِـة‪،‬‬
‫ـات ُّ‬
‫ُ ُ‬
‫ـع م ـ َن األرض ّيــات ُّ‬
‫ِ ِ‬
‫األس ـ ُق ِ‬
‫اللمعـ ِـة‪ ،‬ح ّتــى ُمجـ َّـر ُد تن ُّفـ ِ‬
‫ف ّ‬
‫ـج صو ًتــا تتــر َّد ُد‬
‫ـس الواحــد ُينتـ ُ‬
‫ِ‬
‫وكان المركـ ُـز مك َت ًّظــا بـك ُِّل أشـ ِ‬
‫َ‬
‫ـكال ال َب َشـ ِـر‪،‬‬
‫األركان‪،‬‬
‫ـداؤ ُه فــي ك ُِّل‬
‫أصـ ُ‬
‫ُ‬
‫ـض الوقـ ِ‬
‫كان قــدْ َأوصـ َـل زبو ًنــا إلــى دبــي‪ ،‬فف َّكــر فــي التَّو ُّقـ ِ‬
‫ـف لبعـ ِ‬
‫َ‬
‫ـت‪،‬‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫ـاف هـ ِ‬
‫واكتشـ ِ‬
‫ـذه األماكـ ِ‬
‫ـم أرا َد حي ـ َن‬
‫ـن ا ّلتــي ُيسـ ّـمونَها (المــوالت) ُثـ َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫يعــود إلــى ب ِ‬
‫مدينــة‬
‫دبــي‪،‬‬
‫لــد ِه َأ ْن‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫يحكــي ألحفــاده مــاذا رأى فــي ّ‬
‫َ‬
‫ـال لنَ ْف ِسـ ِـه‪ِ :‬م ـ ْن غيـ ِـر المعقـ ِ‬
‫العجائـ ِ‬
‫ـب‪ ،‬يعنــي قـ َ‬
‫ـول َأ ْن أحيــا ثالثي ـ َن‬
‫دون َأ ْن أرى ســوى إسـ ِ‬
‫عا ًمــا فــي هــذا البلـ ِـد َ‬
‫ـفلت َّ‬
‫الشــوار ِع‪.3‬‬
‫البدايــة عندَ مــا خطــا خطواتِ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ســتوع ِ‬
‫ــه األولــى‬
‫المشــهدَ فــي‬
‫ب‬
‫ــم َي‬
‫َ‬
‫َل ْ‬
‫المــكان غيــر مفهــو ٍم تَمامــا‪ِ ،‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫المــول‪َ ،‬‬
‫هــات‬
‫كان‬
‫داخــل‬
‫إلــى‬
‫واج ٌ‬
‫ً‬
‫َ‬
‫ـرون‪ ،‬رأى تَجمهـ ٍ‬
‫ـرات كثيــرةً‪ ،‬لك ـ ْن هنـ َ‬
‫ـاس كثيـ َ‬
‫ـاك‬
‫َ ُ‬
‫ّبراق ـ ٌة كثيــرةٌ‪ ،‬ونـ ٌ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫مختل ًفــا‪ ،‬يبـ َ‬
‫ـس مجـ َّـر َد‬
‫بــدا األمـ ُـر‬
‫ـخاصا منتميـ َن للمــكان‪ ،‬ليـ َ‬
‫ـدون أشـ ً‬
‫ـول‪ ،‬وهــو َلــم يسـ ِ‬
‫مهـ ٍـر‪ ،‬كأنَّهــم قــدْ ُولِــدوا فــي المـ ِ‬
‫ـتوع ِ‬
‫المشـ َـهدَ‬
‫َ ْ َ‬
‫َج ُ‬
‫ت َ‬
‫ب َ‬
‫ْ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫تجــو َل‬
‫المــكان‪،‬‬
‫لحظــات ُيلقــي نظــر ًة عا َّمــ ًة علــى‬
‫ــف‬
‫ب ْعــدُ ‪ .‬تو َّق َ‬
‫َّ‬
‫‪87‬‬
‫‪)2‬ماذا نُسمي ِ‬
‫هذه‬
‫ّ‬
‫اللَّحظةَ في ِ‬
‫زمن‬
‫ِ‬
‫الق َّص ِة؟‬
‫ِ‬
‫السط ِْر‬
‫‪)3‬م ْن هذا َّ‬
‫تتصو ُر حيا َة‬
‫كيف‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫السائق؟‬
‫هذا ّ‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ـط بــدَ ِ‬
‫ِ‬
‫ت األلـ ُ‬
‫الرؤي ـ ُة ج ّيــدةً‪ ،‬لك ـ ْن فقـ ْ‬
‫ـوان واألضــوا ُء‬
‫قليـ ًـا‪ ،‬كانــت ُّ‬
‫ــون والض ِ‬
‫ِّســبة لِعينَي ِ‬
‫كثيــر ًة بالن ِ‬
‫ــه ال َّل َت ْي ِ‬
‫ــوء‬
‫ــم‬
‫تتعــودا ك َُّل هــذا ال َّل ِ َّ‬
‫َّ‬
‫ْ‬
‫ــن َل ْ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫الوقــت‬
‫بعــض‬
‫مــر ًة واحــدةً‪ ،‬ارتــأى َأ ْن‬
‫يجلــس َ‬
‫َ‬
‫فــي مــكان واحــد َّ‬
‫فــي َأ َحـ ِـد المقاعـ ِـد القريبـ ِـة «آه ‪ ..‬المـ ُ‬
‫ـع ذلـ َ‬
‫ـك‬
‫ـكان ُم ْب ِهـ ٌـر‪ ،‬ال أدري مـ ْ‬
‫ـان‪َ ،‬أتُراهــا أرضيـ ٍ‬
‫ِمـن أيـن يأتــي ك ُُّل هــذا ال َّلمعـ ِ‬
‫ـات ُم َذ َّهبـ ًة؟» تسـ َ‬
‫ـاءل‬
‫ّ‬
‫ْ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ـي فقـ ْ‬
‫ـط ِشــدَّ ُة النَّظافـ ِـة‬
‫أحمـ َـق! حت ًْمــا هـ َ‬
‫بينَـ ُه وبيـ َن َن ْفســه «يــا لــي مـ ْن َ‬
‫ِ‬
‫ـي التَّحـ ُّـر ُك َ‬
‫اآلن لِرؤيـ ِـة‬
‫َ‬
‫المســتخدَ مة‪َ .‬ح َسـنًا ر َّبمــا علـ َّ‬
‫وجــو َد ُة المــوا ِّد ُ‬
‫ـف هكــذا ك َُّل يــو ٍم ِلرى أكثــر شـ ٍ‬
‫ـيء ُم ْمكـ ٍ‬
‫ـن»‪.‬‬
‫المزيـ ِـد‪َ ،‬ل ـ ْن أتو َّقـ َ‬
‫َ‬
‫كان َيش ُع ُر‬
‫‪)4‬‬
‫كيف َ‬
‫َ‬
‫كان في‬
‫حين َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫هو‬
‫المول؟ و َ‬
‫كيف َ‬
‫يكون‬
‫حين‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫شعور ُه َ‬
‫بين زمالئِ ِه؟‬
‫َ‬
‫الوقــت؛ ليشــعر باألُ ْل ِ‬
‫ِ‬
‫فــة‪ ،‬ليقــاو َم َ‬
‫ث ن ْف َســ ُه َط َ‬
‫كان ُيحــدِّ ُ‬
‫َ‬
‫ذاك‬
‫ــوال‬
‫َ َُ‬
‫اجتاح ـ ُه حـ َ‬
‫ُّ‬
‫ـت قدمــا ُه ع َت َب ـ َة المركـ ِـز‪،‬‬
‫ـب ا ّلــذي‬
‫ـال وط َئـ ْ‬
‫َ‬
‫ـعور الغريـ َ‬
‫الشـ َ‬
‫ٍ‬
‫َ‬
‫ذاك ُّ‬
‫يكر ُه‬
‫ـي‪ .‬بأ َّنـ ُه غيـ ُـر موجــود‪َ .‬‬
‫ـعور بأ َّنـ ُه ال ينتمــي‪ .‬بأ َّنـ ُه غيـ ُـر مرئـ ٍّ‬
‫الشـ ُ‬
‫ـعور‪ ،‬لذلـ َ‬
‫هــذا ُّ‬
‫ص دو ًمــا ّأل َيخـ ُـر َج ِم ـ ْن س ـ ّيارتِ ِه ّإل إلــى‬
‫ـك حـ َـر َ‬
‫الشـ َ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ـم‬
‫ـم‪ ،‬هـ َـو بينَهـ ْ‬
‫ـم ُي ْشــبِهو َن ُه‪ ،‬و َيش ـ ُع ُر بأ َّن ـ ُه ُم ِهـ ٌّ‬
‫الســائقي َن‪ُ .‬هـ ْ‬
‫رفاقــه م ـ َن ّ‬
‫ِ‬
‫مســموع‪ ،‬ورأ ُيــ ُه لــ ُه ثِ َق ٌ‬
‫عيــار‪،‬‬
‫قــور‪ ،‬وكال ُمــ ُه‬
‫ــل َ‬
‫ٌ‬
‫حكيــم َ‬
‫وو ْز ٌن وم ٌ‬
‫وو ٌ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـم يســتط ْع تحديــدَ شـ ِ‬
‫بالضبــط فــي َ‬
‫ذاك‬
‫ـعوره َّ‬
‫هنــا َيش ـ ُع ُر بأ َّن ـ ُه‪ ..‬بأ َّن ـ ُه َلـ ْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـب َأ ْن َيهـ ِـز َم َأ ُّي‬
‫الوقــت‪ ،‬أرا َد فقــط التَّغ ُّلـ َ‬
‫ـاو َز ُه‪ ،‬ال يجـ ُ‬
‫ـب عليــه‪ ،4‬تجـ ُ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫رج ً‬
‫ف الدُّ نيــا‬
‫ــا‬
‫عجــوزا َع َــر َ‬
‫ً‬
‫مــكان ‪-‬مهمــا َيكُــ ْن ّبرا ًقــا وصاخ ًبــا‪ُ -‬‬
‫ِ‬
‫المعر َف ـ ُة آم ـ ُن دومــا‪ ،‬إنّهــا ت َْذ ِكــر ُة دخـ ِ‬
‫ِ‬
‫أي‬
‫ـاس‪.‬‬
‫ـول اإلنســان إلــى ِّ‬
‫والنّـ َ‬
‫َ‬
‫ً‬
‫َ‬
‫مـ ٍ‬
‫ـون ِ‬
‫«عار ًفــا» يكـ ُ‬
‫ـكان فــي العا َل ـ ِم‪ ،‬حي ـ َن تكـ ُ‬
‫ـون ُم َر َّح ًبــا بـ َ‬
‫أي‬
‫ـك فــي ِّ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ٌ‬
‫جاهل ال‬
‫وي‬
‫ـي للتَّصـ ُّـرف‪ ،‬وكأن ََّك و َلدٌ صغيـ ٌـر‪ْ ،‬أو َقـ َـر ٌّ‬
‫مــكان‪ ،‬فــا داعـ َ‬
‫دورات الميـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـف يسـت ِ‬
‫يعـ ِـر ُ ِ‬
‫ـاه الحديث َة‪.‬‬
‫َخد ُم‬
‫أي طريـ ٍـق يتَّجـ ُه‪ ،‬كيـ َ َ‬
‫ف مـ ْن ِّ‬
‫َ‬
‫ف «الدُّ نيــا» وك ُُّل شـ ٍ‬
‫ـيء بعدَ ذلـ َ‬
‫ومقدور‬
‫ـك تاف ٌه وصغيـ ٌـر‬
‫رجـ ٌـل َعـ َـر َ‬
‫هـ َـو ُ‬
‫ٌ‬
‫ــد الســالِ ِم المتحر ِ‬
‫عليــه‪ .‬قــرر التَّوجــه إلــى َأح ِ‬
‫ِ‬
‫كــة أما َمــ ُه‪َ ،‬و َص َ‬
‫ــل‬
‫َ‬
‫ُّ َ‬
‫ُ ِّ‬
‫َّ‬
‫َّ َ‬
‫تجـ َّـو َل قليـ ًـا‪ِ ،‬‬
‫ـات ُأخــرى كثيــرةٌ‪ ،‬محـ ّـا ٌت‪،‬‬
‫واجهـ ٌ‬
‫لل ّطا َبـ ِـق ال ّثانــي‪َ ،‬‬
‫‪88‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫ســاعات‪ ،‬تســا َء َل‪َ :‬ه ْ‬
‫ــل‬
‫ــرات‪،‬‬
‫ــس‪ ،‬أحذ َيــ ٌة‪،‬‬
‫ٌ‬
‫جوه ٌ‬
‫حقائــب‪ُ ،‬م َ‬
‫ُ‬
‫َمالبِ ُ‬
‫ـذه الب ِ‬
‫ح ًّقــا يحتــاج النّــاس ك َُّل هـ ِ‬
‫ضائـعِ؟ مــاذا يعنــي َأ ْن يكـ َ‬
‫ـون لديـ َ‬
‫ـك‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ـرات كثيــرةٌ؟ ك ُُّل‬
‫جوهـ ٌ‬
‫ـب‪ ،‬وسـ ٌ‬
‫ـاعات‪ ،‬و ُم َ‬
‫ـس‪ ،‬وأحذ َي ـ ٌة‪ ،‬وحقائـ ُ‬
‫َمالبِـ ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫هـ ِ‬
‫ـذه أشــيا ُء لتزييـ ِ‬
‫ألجـ ِ‬
‫ـل‬
‫الصـ ْـرف وال َعنــاء ْ‬
‫ـن الجســد‪ ،‬لمــاذا ك ُُّل هــذا َّ‬
‫ِ‬
‫ـي لتزييـ ِ‬
‫ـم ُيز ِّينـ َ‬
‫ـن الـ ّـر ِ‬
‫ـون الجســدَ ل ُيعالِجــوا‬
‫وح؟ ُهـ ْ‬
‫الجســد؟ مــاذا بقـ َ‬
‫ـائق فــي وقـ ٍ‬
‫ـت سـ ٍ‬
‫ـون َعـ ِ‬
‫وح‪ .‬قـ َ‬
‫ـابق‪ ،‬كانــوا َيتحدَّ ثـ َ‬
‫ـن‬
‫السـ ُ‬
‫الـ ّـر َ‬
‫ـال زمي ُل ـ ُه ّ‬
‫األثريـ ِ‬
‫ـم‪ ،‬فــي الواق ـ ِع كانــوا َيتحدَّ ثـ َ‬
‫ـف ُي ِنفقـ َ‬
‫ـون َع ـ ْن‬
‫ـاء وكيـ َ‬
‫ـون أموا َلهـ ْ‬
‫ـل لهــم بتِــر ْت َقدَ م ـه فــي حـ ٍ‬
‫َ‬
‫ـف ُيمك ـ ُن َأ ْن‬
‫ـادث‪ ،‬ويتشـ‬
‫ـاورون كيـ َ‬
‫ُ ُ‬
‫زميـ ٍ ْ ُ َ‬
‫ـال ليشــتري َقدَ مــا اصطناعي ـ ًة ُثــم تَطرقــوا لألثريـ ِ‬
‫جمعــوا ل ـ ُه المـ َ‬
‫ـاء‪،‬‬
‫ّ‬
‫َّ َّ‬
‫َ ً‬
‫َي َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـم َيتس ـ َّق َ‬
‫ـم‬
‫ـم ال ّطارئ ـ َة‪ُ .‬هـ ْ‬
‫ـار ال ُفقــراء ل َي ُف ّكــوا َأ َزماتهـ ُ‬
‫طون أخبـ َ‬
‫ولـ ْـو أنَّهـ ْ‬
‫ِ‬
‫ـهم أثريــا َء‪َ .‬بــدَ ْت‬
‫ـم أن ُف ُسـ ْ‬
‫ـم فــي َأ ْن يكونــوا ُهـ ْ‬
‫ـم َيتحدَّ ثــوا َعـ ْن َرغبت ِهـ ْ‬
‫َلـ ْ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـب َأ ْن يقــو َم َأ َحــدٌ‬
‫ُمجـ َّـر ُد هــذه األُمنيــة غيـ َـر منطق َّيــة‪ .‬فــي النِّهايــة يجـ ُ‬
‫ور ِ‬
‫والسـ ِ‬
‫بِــدَ ِ‬
‫العامـ ِ‬
‫ـائق‪ ،‬ال يمك ـ ُن لل ـك ُِّل َأ ْن يكونــوا أثريــا َء بِ ُح َّجـ ِـة‬
‫ـل ّ‬
‫العدالــة االجتماعي ِ‬
‫ِ‬
‫لذلــك َي ِ‬
‫َ‬
‫صــون دو ًمــا ْ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ُهــم‬
‫أن‬
‫حر‬
‫ــة؛‬
‫ّ‬
‫تكــون ُأمنيات ْ‬
‫منطقيـ ًة‪ .‬ليـ ِ‬
‫ـم ال َيعتبِـ َ‬
‫أن تكـ َ‬
‫السـ ِّي ِئ ْ‬
‫ـهم‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫ـرون أ ْن ُف َسـ ْ‬
‫ـون ســائ ًقا‪ .‬هـ ْ‬
‫ـس مـ َن َّ‬
‫ـدون مــا يأكلـ َ‬
‫ـم َي ِجـ َ‬
‫ـون‪،‬‬
‫ُفقــرا َء‪ .‬فالفقيـ ُـر هـ َـو مـ ْن ال َي ُجــدُ مــا يأك ُلـ ُه‪ُ .‬‬
‫وهـ ْ‬
‫رون َج ِّيــدً ا بثيـ ٍ‬
‫و َيس ـتَتِ َ‬
‫مزقـ ٍـة‪ .‬ر َّبمــا تَتمـ َّـز ُق األحذي ـ ُة‬
‫ـاب وافيـ ٍـة غيـ ِـر ُم َّ‬
‫ٍ‬
‫ـف تتو َّقـ ِ‬
‫ـير بـ ِـه‬
‫ـي‪ ،‬يعنــي كيـ َ‬
‫ُ‬
‫ـع م ـ ْن حــذاء تَسـ ُ‬
‫أحيا ًنــا‪ ،‬لك ـ َّن هــذا طبيعـ ٌّ‬
‫حتف ًظــا بهيئتِ ِ‬
‫ــل م ِ‬
‫ختل ٍ‬
‫أراض م ِ‬
‫ــه َط َ‬
‫فــة بِــك ُِّل ثِ َق ِل َ‬
‫ــوال‬
‫علــى‬
‫ــك َأ ْن َي َظ َّ ُ‬
‫ٍ ُ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫الم ِ‬
‫َ‬
‫هتــر ِئ‪ ،‬لكــ ْن غال ًبــا‬
‫ســتطيعون‬
‫الوقــت‪ُ .‬عمو ًمــا َي‬
‫تغييــر الحــذاء ُ‬
‫َ‬
‫للر َم ِ‬
‫ِ‬
‫فض َ‬
‫أكثــر‬
‫حاجــ ٌة ُم ِل َّحــ ٌة‬
‫ــق‬
‫ُي ِّ‬
‫األخيــر‪ ،‬قــدْ تَأتــي َ‬
‫لــون َّ‬
‫ُ‬
‫ــر َّ‬
‫الص ْب َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ـم‬
‫ل َصـ ْـرف المــال فيهــا‪ .‬م ْثـ ُـل توفيـ ِـر َم ْبلـ ِغ ال َقــدَ ِم االصطناع َّيــة لزميلهـ ُ‬
‫ـون تَبِعـ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الم ْسـ ِ‬
‫ـم بأحذيـ ٍـة ُم َم َّز َقـ ٍـة‪َ ،‬يعلمـ َ‬
‫ـات‬
‫ـير الكثيـ ُـر منْهـ ْ‬
‫ـكين‪َ .‬س َيسـ ُ‬
‫ِ ِ‬
‫ــم َ‬
‫ذاك‪.‬‬
‫قراره ْ‬
‫‪89‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫إحساس َك تِجا َه‬
‫‪)5‬ما‬
‫ُ‬
‫الشخصي ِة في هذهِ‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫اللَّحظ َِة؟‬
‫ث لحر ِ‬
‫كة‬
‫حد َ‬
‫‪)6‬ماذا َ‬
‫الز َم ِن هنا؟‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ ٍ‬
‫ب ْعــدَ تَجـ ٍ‬
‫ـوال طويـ ٍ‬
‫ـم‬
‫المطاعـ ُ‬
‫ـل اص َطــدَ َم َأ ْن ُف ـ ُه برائحــة أطعمــة‪ ،‬كانــت َ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫توجــ َه إلــى البائــ ِع‬
‫تنــو ٍع‬
‫ألقربِهــا إليــه‪َّ ،‬‬
‫ُمص َط َّفــ ًة فــي ُّ‬
‫كبيــر‪ ،‬اتَّجــ َه َ‬
‫ــة المكس ِ‬
‫ــه العربي ِ‬
‫طاولــة مســتطي َل ٍة‪َ ،‬ط َلــب بِ ُلغتِ ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ــرة‬
‫ــف‬
‫الواقــف َخ ْل َ‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫ُ َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الر ُج ُ‬
‫ً‬
‫إليــه اإلعــادةَ‪ ،‬لكنَّــ ُه‬
‫ــب‬
‫ســم ْع ُه‪َ ،‬ط َل َ‬
‫ــم َي َ‬
‫ــل َل ْ‬
‫(ساندويتشــا)‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ســم ْع ُه‪َ ،‬‬
‫بالص َمــ ِم‪ ،‬أعــا َد طل َبــ ُه‪،‬‬
‫كان صــدى َّ‬
‫الضوضــاء ُيشــع ُر ُه َّ‬
‫ــم َي َ‬
‫َل ْ‬
‫ٍ‬
‫الر ُ‬
‫(ســاندويش) َيتحــدَّ ُ‬
‫ــم مــا‬
‫جــل يســأ ُل ُه َعــ ْن َأ ِّي نــو ِع‬
‫ــم َي َ‬
‫فه ْ‬
‫ث‪َ ،‬ل ْ‬
‫َّ‬
‫يقـ ُ‬
‫ـع يبــدو فل ّبين ًّيــا‪ ،‬ال ُيجيــدُ العرب ّي ـ َة تما ًمــا‪ ،‬وهـ َـو ال ُيجيــدُ‬
‫ـول‪ ،‬البائـ ُ‬
‫اإلنجليزيـ َة‪ ،‬حسـنًا‪ ،‬بــدا البائـ ِ‬
‫الصبـ ِـر‪ُ ،‬يكـ ِّـر ُر ُســؤا َل ُه َعـ ْن طلبِـ ِـه‪،‬‬
‫ـع نافــدَ َّ‬
‫ُ‬
‫ّ َ َ‬
‫ِ‬
‫تجاه َل ـ ُه‬
‫ـم يت َلـ َّـق ِمن ـ ُه إجاب ـ ًة فور ّي ـ ًة‬
‫َ‬
‫بــدَ ْت مالم ُح ـ ُه حــا َّدةً‪ ،‬وحي ـ َن َلـ ْ‬
‫لزبـ ٍ‬
‫ـف مكا َن ـ ُه‪َ ،‬ش ـ َع َر باإلحـ ِ‬
‫ـراج‪ ،‬دو ًمــا ت ََصـ َّـو َر َأ َّن ُلغ َت ـ ُه‬
‫ـون آخـ َـر‪ .‬و َقـ َ‬
‫ـاس َي ِ‬
‫حترمو َن ـ ُه فــي ذلـ َ‬
‫ـك‬
‫العرب ّي ـ َة ج َّيــدةٌ‪ ،‬و َأ َّن سـ ْـم َع ُه ج ِّيــدٌ ‪ .‬و َأ َّن النّـ َ‬
‫ِ‬
‫الحقائــق ِ‬
‫ِ‬
‫للش ِّ‬
‫المــكان َبــدَ ْت ك ُُّل َ‬
‫موض ًعــا َّ‬
‫ــك‪.5‬‬
‫تلــك‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ـاندويتش) وعــا َد إلــى س ـ ّيارتِ ِه‪َ .‬ش ـ َع َر‬
‫(السـ‬
‫ـرر التَّخ ّلــي َع ـ ْن فكـ َـرة ّ‬
‫قـ َّ‬
‫ِ‬
‫الوطـ ِ‬
‫ـب سـ ّيار َت ُه‬
‫ـم َيشـ ُع ْر أ َّنـ ُه ُيحـ ُّ‬
‫كأ َّنـ ُه يعــو ُد إلــى َ‬
‫ـعور ُه‪َ ،‬لـ ْ‬
‫ـن‪ ،‬يتذ َّكـ ُـر ُشـ َ‬
‫(التّاكســي) كمــا أح َّبهــا فــي ذلـ َ‬
‫ـك اليــو ِم‪ .‬أح َّبهــا ِم ْثـ َـل َوطنِـ ِـه‪ِ ،‬م ْثـ َـل‬
‫ُأ ِّمـ ِـه‪.‬‬
‫ـكار وهــو يقــود بِبـ ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫‪6‬‬
‫ـطء فــي خـ ٍّ‬
‫ـط ُمســتقي ٍم‪،‬‬
‫ُ ُ‬
‫ـدور برأســه ك ُُّل هــذه األفـ ِ ُ َ‬
‫تـ ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـيارات ا ّلتــي تُطالِ ُب ـ ُه باإلســرا ِع ّ‬
‫ـارع‬
‫السـ‬
‫فالشـ ُ‬
‫تحمـ ًـا َز َ‬
‫مجـ َـر َة أبــواق ّ‬
‫ُم ِّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ــيارات أما َمــ ُه‬
‫الس‬
‫ليــس‬
‫َ‬
‫«شــار َع ُه» يســتم ُّر حتّــى َينتبِــ َه لتو ُّقــف ّ‬
‫ٍ‬
‫وبجانبِـ ِـه‪ُ ،‬يـ ِ‬
‫ـف‪،‬‬
‫حمــدُ ال ّل ـ َه‪ ،‬يتو َّقـ ُ‬
‫ـدر ُك أ َّن ـ ُه َو َصـ َـل إلشــارة حمــرا َء‪َ ،‬ي َ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ِ ِ‬
‫ــن النَّ ّظ ِ‬
‫يبحــث َع ِ‬
‫ُ‬
‫ــم تكُــ ْن‬
‫ــارة ت َ‬
‫بســرعة‪َ ،‬ل ْ‬
‫بســرعة‪ُ ،‬‬
‫َحــت َمقعــده‪ُ ،‬‬
‫أن َي ِ‬
‫َّحــر ِك َ‬
‫قبــل ْ‬
‫لته َمــ ُه‬
‫ُســرع ًة كافيــ ًة‪ ،‬تَفت ُ‬
‫ــر للت ُّ‬
‫َــح اإلشــارةُ‪ُ ،‬يض َط ُّ‬
‫ـت ضغـ ِ‬
‫ـط علــى البِنزيـ ِ‬
‫الشــار ِع الغاضـ ِ‬
‫غـ ُ‬
‫ـب‪َ .‬يضغـ ُ‬
‫ـول ّ‬
‫ـط هديـ ِـر‬
‫ـن تحـ َ‬
‫األبـ ِ‬
‫ـوت ارتطــا ٍم م ِ‬
‫فاجـ ٍ‬
‫ف مــاذا َحــدَ َ‬
‫ث‬
‫ـم َيعـ ِـر ْ‬
‫ـواق‪ ،‬صـ ُ‬
‫ـئ وقـ ٍّ‬
‫ـوي‪ ،‬و َلـ ْ‬
‫ُ‬
‫‪90‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫ب ْعــدَ ذلـ َ‬
‫ـك‪.‬‬
‫تحــت أســياخِ الس ِ‬
‫ٍ‬
‫ــيارة‪َ ،‬يشــ ُع ُر ب َب َل ٍ‬
‫دافــئ‬
‫ــل‬
‫محصــورا‬
‫َي ِجــدُ ن ْف َســ ُه‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫يحيـ ُ ِ‬
‫ـوات النّـ ِ‬
‫المتهـ ِّـو ُر هـ َـو َم ـ ْن‬
‫السـ ُ‬
‫ـمع أصـ َ‬
‫ـط بــه‪ ،‬يسـ ُ‬
‫ـائق ُ‬
‫ـاس «هــذا ّ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ــوال ال َّط ِ‬
‫يســير ِم ْث َ‬
‫بالحــادث َط َ‬
‫ــم فجــأ ًة‬
‫ريــق‬
‫ب‬
‫تَســ َّب َ‬
‫ــل ُســ َلحفاة ُث َّ‬
‫ُ‬
‫ـدوس علــى (البِنزيـ ِ‬
‫ـمع أصوا ًتــا ُأخــرى َتـ ُـر ُّد عليـ ِـه «قيــاد ُة‬
‫ـن)»‪ ،‬يسـ ُ‬
‫يـ ُ‬
‫ِ‬
‫ـائق (تاكســي) بدَ ْهـ ِ‬
‫ـم باأل ْمـ ِ‬
‫ـس‬
‫ب سـ ُ‬
‫ـس تس ـ َّب َ‬
‫هــؤالء َر ْعنــا ُء دو ًمــا‪َ ،‬ن َعـ ْ‬
‫طِ ٍ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫مهــور»‪،‬‬
‫الج‬
‫جيــدون الت‬
‫هم‪ ،‬ال ُي‬
‫فلــة‪،‬‬
‫ــع ُ‬
‫َّعامــل َم َ‬
‫ُ‬
‫يجــب اســتبدا ُل ْ‬
‫ـارة اإلسـ ِ‬
‫ـوت ص ّفـ ِ‬
‫ـوت‬
‫ـعاف‪َ ،‬يــدٌ تمتــدُّ إليـ ِـه النتشــالِ ِه‪ ،‬صـ ٌ‬
‫ـمع صـ َ َ‬
‫َيسـ ُ‬
‫كان يســمعه‪ .‬يســحب يــدَ ه ِمـن تحـ ِ‬
‫ـت‬
‫ـب إليـ ِـه َمــدَّ َيـ ِـد ِه‬
‫ُ َ ُ ْ‬
‫خارجــا إذا َ َ َ ُ ُ َ‬
‫ً‬
‫َيط ُلـ ُ‬
‫ـل مــا‪ ،‬المقعــدُ ربمــا‪ ،‬تصطـ ِـدم بشـ ٍ‬
‫مسـ ُ ِ‬
‫ـيء‪ ،‬ي ِ‬
‫ثِ َقـ ٍ‬
‫تحس ُسـ ُه‪ ،‬إنّهــا‬
‫ُ‬
‫َ َ ُ َّ‬
‫ـك بــه‪َ ،‬ي َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫تمسـ ُ‬
‫ـت قبض َت ـ ُه‪،‬‬
‫يمــدَّ يــدَ ُه‪َ ،‬أ ْن ُي ْف ِلـ َ‬
‫الصـ ُ‬
‫ـك بهــا‪َّ ،‬‬
‫ـوت ُيناديــه َأ ْن ُ‬
‫ن ّظار ُت ـ ُه‪َ ،‬ي َّ‬
‫ـس ب ْعــدَ َأ ْن وجدَ هــا‪.‬‬
‫ـس ُمجــدَّ ًدا‪ ،‬ليـ َ‬
‫لك ـ ْن ال‪ ،‬أبــدً ا‪ ،‬ليـ َ‬
‫‪91‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ح ّتى ِ‬
‫ق‬
‫آخرِ َر َم ٍ‬
‫عائشة ال ّزعابي‬
‫أخيرا‪..‬‬
‫َو ً‬
‫ِ ِ‬
‫ـخ َزوجــي بعــد طـ ِ ِ‬
‫ـف‪َ ..‬و َهـ ْـل َ‬
‫َر َضـ َ‬
‫كان‬
‫الصيـ َ‬
‫ـول صــرا ٍع أن َيسـتَدي َن لنُســاف َر هــذا َّ‬
‫َ‬
‫يتَو َّقــع ِمنّــي تَحمـ َـل حــرار ِة ص ِيفنــا و ِشـ ِ‬
‫الل ِهـ ِ‬
‫ـوائ ِه ّ‬
‫ـب؟‬
‫َ‬
‫َ ُّ َ َ َ‬
‫َ َ ُ‬
‫ــدت َعلــى ِخبرتــي ال َقيم ِ‬
‫َ‬
‫داخــل‬
‫خــذت َن َف ًســا َعمي ًقــا َوأنــا‬
‫ــة ك َُأنْثــى‪َ ..‬أ‬
‫ُ‬
‫اعت ََم ُ‬
‫ِّ َ‬
‫َ‬
‫فن ِ‬
‫معر َكـ ٍـة جديـ ٍ‬
‫ـول البـ ِ‬
‫الصبـ ِـر َوطـ ِ‬
‫ـال‪ ..‬وزا َد‬
‫ـدة أعـ ِـر ُ‬
‫َتائ َجهــا َس ـ َل ًفا‪ ..‬تَع َّبـ ُ‬
‫ـأت بِ َّ‬
‫َ‬
‫َ َ‬
‫َجاب لِ َط َلبــي‪ ..‬كالعــا َد ِة!‬
‫(الــدَّ ُّق) حتّــى َت َف َّكك ْ‬
‫َــت َأوصا ُلــ ُه واســت َ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِّســو ِة ّ‬
‫َ‬
‫بيــر ٍة‬
‫ــم أكُــن ِمــن‬
‫أولئــك الن َ‬
‫اللئــي َي ْي َئســ َن بســر َعة‪َ ..‬وبِ َأنَــف امــرأة َخ َ‬
‫َل ْ‬
‫ـت م ِ‬
‫ـت ِ‬
‫ب ِمــن َمسـ ِ‬
‫داخـ َـل َزوجــي َو َم ِ‬
‫كل َمسـ َـر ٍ‬
‫خار َجـ ُه‪َ ..‬و َّ‬
‫أملـ ُ‬
‫ـك‬
‫ـاربِه‪ ِ،‬كنـ ُ‬
‫َعرفـ ُ َ‬
‫ِ‬
‫فاتيح ـ ُه بيــدي‪ُ ..‬ألـ ِّـو ُح بِهــا متــى أشــا ُء وكي َفمــا أشــا ُء‪.‬‬
‫ســدا َد َت ُه َو َم َ‬
‫«مرحبــا بِ ُكــم َعلــى ُخطـ ِ‬
‫ـوط ال ّطيـ ِ‬
‫الماليزي ِ‬
‫ُ‬
‫ـتكون نَحــو ماليزيا‪..‬‬
‫‪..‬رح َلتُنــا َسـ‬
‫ـران‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫َ ً‬
‫ـاعات مــع تَو ُّقـ ٍ‬
‫َغر ُق ســبع سـ ٍ‬
‫ـف في باكســتان»‪.‬‬
‫الرح َلـ ُة تَسـت ِ َ َ‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫رت بِالر ِ‬
‫ِ‬
‫ــر ُة اســت َ‬
‫احــة‬
‫يت علــى الك‬
‫َرخ ُ‬
‫ُرســي‪َ ..‬شــ َع ُ ّ‬
‫ِّ‬
‫حيــ َن َح َّل َقــت بِنــا ال ّطائ َ‬
‫وصديقاتــي‬
‫ال َعمي َقـ ِـة َبعــدَ َق َلـ ٍـق َعظي ـ ٍم‪ ..‬كُنـ ُ‬
‫ـت خائ َف ـ ًة أن تَشـ َـم َت بــي جاراتــي َ‬
‫ـت مشـ ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـاع َر ُه َّن‬
‫السـ َف ِر مــن َأ ِجندَ تــه‪َ ..‬وأنــا ا ّلتــي َأ َ‬
‫لهبـ ُ َ‬
‫حيـ َن ُيلغــي َزوجــي فكـ َـر َة َّ‬
‫الغيــر ِة وال َق ِ‬
‫بِ‬
‫هــر‪...‬‬
‫َ‬
‫مس هذا الص ِ‬
‫َحت َش ِ‬
‫يف‪.‬‬
‫علي ّأل َأبقى ت َ‬
‫َّ‬
‫قس َم ّ‬
‫أحمد‪َ ..‬أ َ‬
‫‪َ -‬حبيبي َ‬
‫حتار إلى أي َن ُيسافِ ُر بي!!‬
‫أحمد‪ُ ..‬م ٌ‬
‫‪ُ -‬عمري َ‬
‫ينهما؟‬
‫حتار ٌة َب ُ‬
‫ َه ْل سا َف َرت إحدا ُك َّن إلى َبلجيكا أو ماليزيا؟ ُم َ‬‫بالسـ ِ‬
‫(صال َل ـ َة)‬
‫ـت َأعـ ِـر ُ‬
‫كُنـ ُ‬
‫ـفر ح ّتــى إلــى َ‬
‫ف ّأل ُظرو ُف ُه ـ َّن وال ُظروفــي تَسـ َـم ُح َّ‬
‫‪92‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫الذ َهـ ِ‬
‫ـم َّ‬
‫جارتــي (عليــا ُء) أشـ َع َل‬
‫ـب ا ّلــذي َه َر َســتني بــه َ‬
‫فــي ُعمــان‪َ ..‬ولكـ َّن َطقـ َ‬
‫ـب كَيانــي‪َ ..‬ج َع َلنــي أ َت َق ّلــى فــي فِـ ِ‬
‫ـراش ال َقهـ ِـر والغيـ َـر ِة‪َ ..‬‬
‫كان َيو ًمــا‬
‫َقلبــي‪َ ،‬و َق َلـ َ‬
‫مناسـ َب ٍة أو دونَهــا إسـ َ‬
‫ـقاط‬
‫كَســي ًفا حيـ َن جــا َءت َوهــي َتتَباهــى بِال َّطقـ ِم َو َت َت َع َّمــدُ بِ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ّ ِ‬
‫قــم ُمت ََر ِّب ًعــا علــى َص ِ‬
‫كشــوف أك َث َــر ِمــ َن‬
‫الم‬
‫الشــي َلة وال َعبــا َءة ل َي َ‬
‫درهــا َ‬
‫ظه َــر ال َّط ُ‬
‫الذ َه ِ‬
‫ــب‪ ..‬لتَشــت َِع َل الن ُ‬
‫ــدري العــاري ِمــ َن َّ‬
‫ّ‬
‫ّيــران‬
‫ــداي َص‬
‫َ‬
‫الــا ِز ِم‪َ ..‬ت َل َّم َســت َي َ‬
‫حقــون بِالغيــر ِة‪ ..‬وتَحو َلــت َعينــاي إلــى َط َل ٍ‬
‫ِ‬
‫قــات‬
‫الم‬
‫ــج فــي َص‬
‫َ‬
‫َ َ َ َّ‬
‫َ‬
‫َأج َ‬
‫َو َتت َّ‬
‫ــدري َ‬
‫ـرات ِ‬
‫ـت علــى جمـ ِ‬
‫ناريـ ٍـة ِ‬
‫الفكـ ِـر‬
‫أقذ ُفهــا فــي َوجـ ِـه َعليــا َء‪َ ..‬لي َلتَهــا َلــم َأنــم‪َ ..‬ت َق َّل ْبـ ُ‬
‫َّ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـاع صا َعيـ ِ‬
‫قمــا مث َلهــا َس ـت ُ‬
‫َقول‬
‫والتَّخطيــط‪ ..‬كيـ َ‬
‫ـن؟ َلــو اش ـت ََر ُ‬
‫الصـ َ‬
‫ـف ُأر ُّد ّ‬
‫يت َط ً‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫عهــود‬
‫يــر َم‬
‫غــارت َوق َّلدَ تْنــي؟‪ ..‬ال ُبــدَّ أن ت‬
‫َكــون َضر َبتــي َشــي ًئا ُمختَل ًفــا َو َغ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫بِالنِّس ـ َبة لهــؤالء النِّسـ َـوة ال َّثرثــارات‪.‬‬
‫ـت ِعنــدَ ح ِ‬
‫الصبـ ِ‬
‫ـت ُأ َر ِّد ُد‬
‫لقومـ ِـه‪ ..‬كُنـ ُ‬
‫المس ـت َِيقظي َن‪َ ..‬و َقفـ ُ‬
‫ـاح‪ ..‬كُنـ ُ‬
‫ُ‬
‫فــي َّ‬
‫ـت َّأو َل ُ‬
‫ِعبــار ًة ِ‬
‫واحــدَ ًة ال َغ َيرهــا‪:‬‬
‫َ‬
‫‪ُ -‬أريدُ أن ُأسافِ َر‪.‬‬
‫قال وهو يع ُّض على َش َفت ِ‬
‫هاش في و ِ ِ‬
‫َفر َك َعين َِيه‪ ..‬ارتَسم ِ‬
‫االند ُ‬
‫َيه‪:‬‬
‫جهه‪ُ َ َ ُ َ َ ..‬‬
‫َ‬
‫َ َ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫سرتي؟‬
‫ من أي َن َ‬‫ياح َ‬
‫ ال ِ‬‫راحتِك‪ُ ..‬أريدُ أن ُأسافِ َر‪.‬‬
‫أعر ْ‬
‫َح َّس ْر على َ‬
‫ف‪ ..‬ت َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الجزيـ َـر ِة)‪َ .‬‬
‫و ُمنـ ُـذ ذلـ َ‬
‫كان ُهجو ًمــا ال‬
‫عر َك ـ ٌة َأ َشــدُّ مــن (در ِع َ‬
‫ـك َ‬
‫الوقــت َبــدَ َأت َم َ‬
‫نازيرها‪َ ..‬سـ َق َطت را َي ُت ُه‪ ..‬وان َب َسـ َطت‬
‫ت َِقـ ُ‬
‫المدَ َّرعـ ُ‬
‫ـات َ‬
‫الحرب َّيـ ُة وال َج ُ‬
‫ـف َأما َمـ ُه ال ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الكاسـ ِ‬
‫ـار‪،‬‬
‫ـري‬
‫ـح ا ّلــذي َد َأبـ ُ‬
‫المني َعـ ُة أمــا َم َهديـ َ‬
‫ـت َعليــه َليـ َـل نَهـ َ‬
‫قال ُعـ ُه َو ُحصو ُنـ ُه َ‬
‫ِ‬
‫ـاح الباكـ ِـر ح ّتــى آخـ ِـر َن َفـ ٍ‬
‫ـس ِم ـ َن ال ّليـ ِ‬
‫ـل‪َ .‬‬
‫الصبـ ِ‬
‫كان َي ُظ ـ ُّن ُمت ََو ِّه ًمــا‬
‫ُمنـ ُـذ ســاعات َّ‬
‫ِ‬
‫َســلم لِ ِ‬
‫أنَّنــي سأست ِ‬
‫لواقعِ‪...‬ولكــ َّن ا ّلــذي َح َص َ‬
‫يــض‬
‫الر‬
‫ايــات ال َب َ‬
‫ــل أنَّــ ُه َر َف َ‬
‫ــع ّ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫والحمـ َـر َّ‬
‫وكل األلــوان‪ ،‬وهــا أنــا فــي َمق َعــدي فــي ال ّطائـ َـرة‪..‬‬
‫ُ‬
‫ـت َأح ُلــم بِالسـ َف ِر ال َبعيـ ِـد والتِّجـ ِ‬
‫ـوال َحـ َ‬
‫ـول العا َلـ ِم‪..‬‬
‫أصــدِّ ُق نَفســي!! َكــم كُنـ ُ‬
‫ال َ‬
‫ُ َّ‬
‫‪93‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ــض ِ‬
‫طيــب) وقافِ َلتَهــا فــي ِرحالتِهــا المخت َِل َف ِ‬
‫ُأ ِ‬
‫ِ‬
‫شــاهدُ (دانيــ َة َ‬
‫أناملــي‬
‫الخ‬
‫ــة َفأ َع ُّ‬
‫ُ‬
‫تح ّسـ ُـر‪ .‬لمــاذا ال َتتَح ّقـ ُـق َأحال ُمنــا‬
‫ـي ال َفقيـ ِـر‪َ ،‬و َأ َ‬
‫َقهـ ًـرا وغي ًظــا‪َ ،‬وأن ُظـ ُـر إلــى َزوجـ َ‬
‫كيف َترى‬
‫‪)1‬‬
‫َ‬
‫ي‬
‫خص‬
‫الش‬
‫‪/‬الراو َيةُ‬
‫ةُ‬
‫َّ‬
‫َّ ّ‬
‫فسها؟ َو َعال َم َي ُد ُّل‬
‫نَ َ‬
‫ذلِ َك؟‬
‫كيف َترى‬
‫‪)2‬‬
‫َ‬
‫‪/‬الراويةُ‬
‫َّ‬
‫الشخص َّيةُ ّ‬
‫دل‬
‫وجها؟ َعال َم َي ُّ‬
‫َز َ‬
‫َ‬
‫ذلك؟‬
‫ـت‬
‫ـورةٌ‪َ ..‬ح ُلمـ ُ‬
‫الكَثيــرةُ؟ ُمنـ ُـذ َو َعيـ ُ‬
‫ـت َعلــى الدُّ نيــا َوأحالمــي َمســرو َق ٌة أو مبتـ َ‬
‫ِ ِ‬
‫المتَكـ ِّـر َر َز َّج بــي‬
‫راســتي َوأن ُأصبِـ َ‬
‫ـوبي ُ‬
‫ـهورةً‪ ،‬لكـ َّن ُرسـ َ‬
‫ـح َطبي َبـ ًة َمشـ َ‬
‫بِإكْمــال د َ‬
‫ـت َزوج المس ـتَقب ِل َغنيــا س ـي ِ‬
‫ِ‬
‫ـي الكئيـ ِ‬
‫ـب‪ ..‬ت َ‬
‫حم ُلني علــى‬
‫َخ َّيلـ ُ‬
‫ًّ َ َ‬
‫َ‬
‫َ ُ‬
‫َبي ـ َن ُجــدران َبيتـ َ‬
‫خادم ـ ٌة فــي بيـ ِ‬
‫ـوف الراحـ ِـة َفــإذا أنــا ِ‬
‫كُفـ ِ‬
‫ـت بِـ ِـه َو َأر ْد ُت ـ ُه‬
‫ـت أبيـ ِـه الكَبيـ ِـر‪َ ..1‬رضيـ ُ‬
‫َ‬
‫ّ َ‬
‫َ‬
‫َزوجــا يصنَــع ِمــن المتَــ ِع الصغيــر ِة أفراحــا كَبيــر ًة َفــإذا بِ ِ‬
‫ــه ال َي ِ‬
‫ف َش َ‬
‫ــرق‬
‫عــر ُ‬
‫ً‬
‫ً َ‬
‫َّ َ‬
‫ُ َ ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫األرض مــن َغربِهــا‪ ..‬وال ي ِ‬
‫ِ‬
‫لــب َط ِّي ٍ‬
‫ــك ســوى َق ٍ‬
‫ــب للغا َيــة‪ .‬و َع ٍ‬
‫مل ُ‬
‫قــل َصــد ٍئ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬
‫الوحيــدَ ا ّلــذي انت ََزعتُــه ِمــن‬
‫ــم َ‬
‫للغا َيــة‪ !!2‬ك ُُّل أحالمــي َبعيــدَ ةٌ‪ّ ..‬إل هــذا ُ‬
‫الح ُل َ‬
‫ِ‬
‫المســت ِ‬
‫َحيل‪.‬‬
‫ســماوات ُ‬
‫ـعار ِه بِأ ّنـ ُه َح َّقـ َـق م ِ‬
‫ـب فــي إشـ ِ‬
‫ـت‬
‫عجـ َـزةً‪َ ..‬لويـ ُ‬
‫ياحبي َبتــي؟ َلــم َأكـ ْن َأر َغـ ُ‬
‫ َســعيدَ ٌة َ‬‫ُ‬
‫ِشفاهي‪:‬‬
‫ـاس تُســافِ ُر إلــى َبلجيــكا‪ ..‬إلــى‬
‫ليســت ّإل ماليزيــا‪ ..‬النّـ ُ‬
‫ إلــى َأيـ َن َ‬‫ياحسـ َـرتي‪َ ..‬‬
‫أوروبــا‪ ..‬إلــى ُأسـتُراليا‪..‬‬
‫ٍ‬
‫وقـ ُـل ويتَمتِـ ِ‬
‫َأطبــق بيـ ِـد ِه علــى َفمــي‪ ،‬وهــو يح ِ‬
‫ـب َمزاجــي‬
‫ـم بِعبــارات‪ ،‬لــم َير َغـ ْ‬
‫ُ َ ُ َ‬
‫َ َ‬
‫َُ ُ‬
‫ـك ُر ِ‬
‫الر ِائـ ُـق فــي َفـ ِّ‬
‫موزهــا كَعا َدتــي َم َع ـ ُه‪.‬‬
‫ّ‬
‫ـن الن ِ‬
‫مــا أجمـ َـل الســحب البيضــاء! تَبــدو َكنُ َتـ ِ‬
‫ـف ال ُقطـ ِ‬
‫ّاع َمـ ِـة‪َ ..‬هــل نَح ـ ُن فِعـ ًـا‬
‫ُّ ُ َ َ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫أرض؟! كُنــت كالبلهـ ِ‬
‫ـون بي ـن سـ ٍ‬
‫ٍ‬
‫ـاء ُأ َصـ ِّـو ُر َّ‬
‫ب‪..‬‬
‫ـماء َو‬
‫ُ‬
‫ـح َ‬
‫السـ ُ‬
‫َ‬
‫كل َشــيء‪ُّ ،‬‬
‫ُم َع َّلقـ َ َ َ َ‬
‫ِ ِ‬
‫َناولتُهــا فــي ال ّط ِائـ َـر ِة‪ُ ..‬ر َّبمــا ال ت َُصدِّ ُقنــي‬
‫الوج َبـ َة ا ّلتــي ت َ‬
‫كَراســي ال ّطائــرة‪ ..‬ح ّتــى َ‬
‫ـون دليـ َـل إثبـ ٍ‬
‫ـات!‬
‫الجـ ُ‬
‫ـارات؛ َفتَكـ َ َ‬
‫ كَم مضى ِمن الو ِ‬‫قت؟ َسأل ُت ُه ُم َت َل ِّه َف ًة‪..‬‬
‫َ َ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ُ‬
‫وأكثر‪..‬‬
‫ساعات‬
‫ثالث‬
‫‬‫ُ‬
‫كل َش ٍ‬
‫جــل إغا َظ ِ‬
‫هــون ِمــن َأ ِ‬
‫بــأس‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬
‫ــة ( َعليــا َء)‬
‫ــيء َي‬
‫يــاه‪ِ ..‬رح َلــ ٌة َطوي َلــ ٌة‪ .‬ال َ‬
‫‪94‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ـار‪َ ..‬لــن تُصــدِّ َق أنَّنــي‬
‫َوتوابِ ِعهــا‪ .‬ف َّكـ ُ‬
‫المطـ َ‬
‫ـي َ‬
‫ـور ُوصولـ َ‬
‫ـرت فــي أن أتَّصــل بِهــا َفـ َ‬
‫ِ‬
‫فِع ـ ً‬
‫زاجهــا َويســو َء َيو ُمهــا‪.‬‬
‫ا ســا َف ُ‬
‫رت‪ ..‬أريــدُ أن َي َت َع َّكـ َـر م ُ‬
‫األخـ ِ‬
‫ِ‬
‫كا َنــت ِ‬
‫ـي‪َ ،‬تتَباهــى بِ َجمالِهــا ّ‬
‫ـاذ َوطولِها‬
‫دائ ًمــا نِــدًّ ا لــي‪ ،‬فــي‬
‫المدرســة َ‬
‫والحـ ِّ‬
‫َ‬
‫الفـ ِ‬
‫ـت‪َ ،‬خ َط َفــت َمــن مـ َ‬
‫ـال َلـ ُه َقلبــي ُمنـ ُـذ ِص َغــري‪َ ..‬لــم َيشـ ُعر‬
‫َزو َجـ ْ‬
‫ـارعِ‪َ ،‬وحيـ َن ت َّ‬
‫بِ ُوجــودي فــي ظِـ ِّـل ( َعليــا َء) كا َنــت ال ُعيـ ُ‬
‫ـع ّإل‬
‫ـون ال َتــرى ّإل َجما َلهــا‪ ..‬وال َت َت َت َّبـ ُ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫اخـ ِ‬
‫أخبارهــا‪ِ ،‬مــن َأخواتِ ِهــم وأمهاتِ ِهــم الدّ ِ‬
‫ِ‬
‫ـم الك ِ‬
‫َبير‪.‬‬
‫ـات‬
‫والخارجــات مــن َبيت ِهـ ُ‬
‫ُ‬
‫َ َّ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫فتــاة‪ ..‬أ ّمــا أنــا َف َ‬
‫ــت ‪َ ..‬‬
‫ــكان َزواجــي‬
‫ــم ك ُِّل‬
‫َزو َج ْ‬
‫كان َز ُ‬
‫َوحيــ َن ت َّ‬
‫واجهــا ُح ُل َ‬
‫أي ُشـ ٍ‬
‫تَقليد ًّيــا‪َ ..‬لــم أفـ َـر ْح َو َلــم َأحـ َـز ْن‪ ..‬ح ّتــى َزوجــي َلــم ُي ِ‬
‫ـعور بِنَشـ َـو ِة‬
‫ظهـ ْـر َّ‬
‫ـاز بــي ِمــن ِ‬
‫االنتِصـ ِ‬
‫دون َشـ ِ‬
‫ـدار ٍة كَمــا‬
‫ـار‪ ،‬بِأ َّنـ ُه فـ َ‬
‫ـباب َ‬
‫ـي‪ ،‬وأ َّنـ ُه اسـتَح َّقني بِجـ َ‬
‫الحـ ِّ‬
‫وج ( َعليــا َء)‪َ ،‬لــو َ‬
‫كان َف َع َلهــا َلمــا َج َعلتُهــا نِــدًّ ا لــي فــي َعقلــي َو َحياتــي‪.‬‬
‫َفعـ َـل َز ُ‬
‫رت أن ُأ ِ‬
‫ِ‬
‫عام َلهــا‬
‫ــر ُ‬
‫دائمــا إلغا َظتــي والنِّكا َيــة بــي‪َ ..‬و َق َّ‬
‫زيارتــي ً‬
‫كانَــت َت َت َع َّمــدُ َ‬
‫بِ ِ‬
‫الم ِ‬
‫ثــل‪.3‬‬
‫ِ ِ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ِ‬
‫األحز َمـ ِـة َف ُهنـ َ‬
‫ـب إلينــا َربـ َ‬
‫ـات‬
‫ـط‬
‫ـاك َم َط ّبـ ٌ‬
‫ان َت َبهنــا َعلــى َصــوت قائــد ال ّطائـ َـرة‪َ ..‬ط َلـ َ‬
‫ـت فــي َزوجــي‪:‬‬
‫َهوائ َّيـ ٌة‪َ ..‬ص َرخـ ُ‬
‫ِ‬
‫الش ِ ِ‬
‫َسير في ّ‬
‫ات؟‬
‫الم َط ّب ُ‬
‫ارعِ؟ من أي َن جا َءت هذه َ‬
‫‪َ -‬هل نَح ُن ن ُ‬
‫‪ -‬اذكُري ال ّل َه‪ ..‬ل َقد َف َضحتِنا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـت َر َّج ـ ًة‬
‫َجـ ْ‬
‫ـم ْارت َّ‬
‫َلــم َأنتَظـ ِـر الـ َّـر َّد‪َ ..‬بــدَ أت ال ّطائـ َـر ُة تَقفـ ُـز كَضفدَ َعــة َف ِز َعــة‪ُ ..‬ثـ َّ‬
‫ـات يتَراكَضـن لِت ِ‬
‫ِ‬
‫أت أسـ َـم ُع ُص ً‬
‫َهد َئـ ِـة‬
‫ورأيـ ُ‬
‫َعني َفـ ًة‪ ..‬بــدَ ُ‬
‫َ‬
‫المضيفـ َ‬
‫ـت ُ‬
‫راخــا َو َل َغ ًطــا‪َ ..‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫المـ َ‬
‫ـكان تَو ُّتـ ٌـر َشــديدٌ ‪.‬‬
‫األطفــال ا ّلذي ـ َن َشــرعوا فــي ال ُبــكاء‪َ ..‬وســا َد َ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫عــاد صـ ُ ِ ِ‬
‫ـي َجديــد‪..‬‬
‫ـوت قائــد ال ّطائـ َـرة َيدعونــا للت ََّم ُّســك َج ِّيــدً ا‪َ ..‬م َطـ ٌّ‬
‫َ َ‬
‫ـب َهوائـ ٌّ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ـض‬
‫صح ِفـ ِـه‪ ..‬بعـ ُ‬
‫ـور َة ال َب َقـ َـرة مــن ُم َ‬
‫الر ُجـ ُـل ا ّلــذي َيجلـ ُ‬
‫ـس أمامــي َبــدَ َأ َيقـ َـر ُأ سـ َ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫الشــها َدت ِ‬
‫الـ ُّـرك ِ‬
‫ون َو ُي َحوقلـ َ‬
‫ّاب َبــدَ ؤوا ُي َسـ ّـم َ‬
‫ـون ‪َ ..‬و َزوجــي ُيـ َـر ِّد ُد َّ‬
‫َين َو َيقـ َـر ُأ آي ـ َة‬
‫ِ‬
‫الكُرســي‪ ..‬إ َذن‪ ..‬األمــر َخطيــر!‪ ..‬اه َتـ َّـز ِ‬
‫المـ َّـر ِة‬
‫ت ال ّط ِائـ َـر ُة اهتـ ً‬
‫ـزازا أقــوى م ـ َن َ‬
‫ٌ‬
‫ُ‬
‫ِّ‬
‫‪95‬‬
‫كيف َترى‬
‫‪)3‬‬
‫َ‬
‫ي‬
‫خص‬
‫الش‬
‫‪/‬الراو َيةُ‬
‫ةُ‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫ّ‬
‫لياء؟‬
‫َصدي َق َتها َع َ‬
‫َعال َم َي ُد ُّل ذلِ َك؟‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ِ‬
‫رأي‬
‫‪)4‬لماذا َتغ َّي َر ُ‬
‫الشخصي ِة‪/‬الراو يةِ‬
‫َّ‬
‫َّ ّ َ‬
‫في نَ ِ‬
‫فسها َو َز ِ‬
‫وجها‬
‫ِ‬
‫لياء؟‬
‫َو َصدي َقتها َع َ‬
‫الرأ َي ِ‬
‫صد ُق؟‬
‫ين أَ َ‬
‫أي َّ‬
‫ولِماذا؟‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ــس‬
‫زح ُ‬
‫الج ُ‬
‫انح َب َ‬
‫ــف إلــى َح ْلقــي‪َ ..‬‬
‫فــاف َي َ‬
‫الم َيــان‪َ ..‬بــدَ َأ َ‬
‫الســابِ َقة‪َ ..‬شــ َعرنا بِ َ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫الم َط ُــر َيه ُط ُ‬
‫الخــار ِج‪َ ..‬ونحــ ُن َ‬
‫َصوتــي‪َ ..‬‬
‫أرض‬
‫اآلن َبيــ َن ســماء َو‬
‫ــل فــي‬
‫كان َ‬
‫ِ ٍ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ـب َ‬
‫ـوف‬
‫الخـ ُ‬
‫فــي ُعل ّبــة َحديد َّيــة‪َ ..‬تتَما َيـ ُـل ك ََســفينَة َو َرق َّيــة فــي بِر َكــة مــاء‪َ ..‬ركـ َ‬
‫ـت َك َفـ ٍ‬
‫ـت أن ُظـ ُـر إلــى‬
‫ـور ٍة‪ ..‬كُنـ ُ‬
‫َصــدري والت ََصـ َـق بِ ُضلوعــي‪ ..‬انك ََمشـ ُ‬
‫ـأرة َمذعـ َ‬
‫َ‬
‫َزوجــي بِ َعين ِ‬
‫َيــن َق َف َزتــا ِمــن ِم ْح َج َر ْي ِهمــا‪ ..‬مــاذا َلــو؟ مــاذا َلــو َ‬
‫آخــر‬
‫كان هــذا ُ‬
‫ـون الحيـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـون وجهــي‪ ،‬و َت َلــو َن بِ ـك ُِّل األلـ ِ‬
‫ـوان ّإل َلـ َ‬
‫أت‬
‫ـاة‪َ ..‬قـ َـر ُ‬
‫َ َّ‬
‫ـار َلـ ُ َ‬
‫المطــاف؟ طـ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ـوف ُّ‬
‫َ‬
‫مسـ َ‬
‫ـك َب َيــدي‪َ ،‬و َبــدَ َأ َيقـ َـر ُأ َو ُيـ َـر ِّد ُد‬
‫الخـ َ‬
‫ـي ا ّلــذي َأ َ‬
‫والذعـ َـر َعلــى َوجــه َزوجـ َ‬
‫ِ‬
‫بــي ُّ‬
‫مس َ‬
‫ــت النَّــدَ ُم‪،‬‬
‫عــر َو َق َّل َبنــي ك َ‬
‫َيــف شــا َء‪َ ..‬ن َب َ‬
‫الذ ُ‬
‫ــك َ‬
‫اآليــات واألدع َيــ َة‪َ .‬أ َ‬
‫اغفــر لــي‪ ...‬س ـي ِ‬
‫ـوب‪ :‬ال ّلهــم ِ‬
‫المرعـ ِ‬
‫غف ُر مــاذا؟‬
‫َ َ‬
‫َوتَجـ َّـذ َر‪َ ،‬و َأ ْو َر َق فــي َصـ َ‬
‫َّ‬
‫ـدري َ‬
‫ـلت َعــن صـ ِ‬
‫ـي َو َ‬
‫ـاة ال َفجـ ِـر ح ّتــى‬
‫َكاسـ ُ‬
‫َ‬
‫أبش ـ َعها؟ آه ‪َ ..‬ليتَنــي مات َ‬
‫مــا أك َثـ َـر ُذنوبـ َ‬
‫ـت َعلــى َزوجــي ِ‬
‫المسـ ِ‬
‫ـكين‪َ ،‬و َلــم ُأجبِــر ُه َعلــى‬
‫َطاولـ ُ‬
‫َخـ َـر َج َوقتُهــا‪َ ..‬ليتَنــي مــا ت َ‬
‫َ‬
‫ـن التَصعــدُ إلى سـ ِ‬
‫ِ‬
‫المديـ ِ‬
‫ـون َّ‬
‫االســتِدان َِة‪َ ..‬يقولـ َ‬
‫ـماء َر ِّبهــا‪َ ،‬فدُ يو ُن ُه‬
‫َ‬
‫إن َ‬
‫َ‬
‫الم ْيــت َ‬
‫روح َ‬
‫كان َشــهيدً ا‪ِ .‬‬
‫ُت َكب ُلـه و َت َقيــدَ ه ح ّتــى َلــو ِ‬
‫ُ‬
‫ـي‬
‫لكنَّـ ُه َسـ‬
‫ِّ ُ َ ُّ ُ َ‬
‫ـيكون َشــهيدً ا ‪َ ..‬ف َل َقــد َص َبـ َـر َعلـ َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫كَثيـ ًـرا‪ ..‬واحت ََمـ َـل َســا َط َة لســاني َوق َّل ـ َة َعقلــي‪ .‬ال أذ ُكـ ُـر أ َّن ـ ُه َض َر َبنــي َيو ًمــا أو‬
‫ِ‬
‫كان َيتمنّــى إرضائــي‪ ..‬ليتَــ ُه َف َع َ‬
‫كــس َ‬
‫ــل َو َض َر َبنــي‪..‬‬
‫أهانَنــي‪َ ..‬بــل علــى ال َع‬
‫ث ماحــدَ َ‬
‫فمــا كان َســيحدُ ُ‬
‫ث‪َ ..‬لي َت ـ ُه أو َق َفنــي ِعنــدَ َحــدّ ي‪َ ،‬و َف َعـ َـل ِمثـ َـل ما َف َعـ َـل‬
‫حزام ِ‬
‫ــك بِ ِ‬
‫ــه‪َ ،‬و َج َلدَ هــا علــى َظ ِ‬
‫مس َ‬
‫هرهــا حتّــى‬
‫أبــي بِ ُأ ّمــي حيــ َن عانَدَ تُــه‪ ،‬إذ َأ َ‬
‫جارتَنــا األر َم َلــ َة‬
‫َّــرت يــو َم ن ََه ُ‬
‫ــر أخطائــي! ت ََذك ُ‬
‫ــرت َ‬
‫اســتَكانَت‪ .‬آخ‪ ..‬مــا أك َث َ‬
‫ِ‬
‫َو َو َصمتُهــا بأق َبـ ِ‬
‫ـت‬
‫ـب ُمســاعَدَ ًة ِمــن َزوجــي‪ ..‬كنـ ُ‬
‫الصفــات حيـ َن جــا َءت تَط ُلـ ُ‬
‫ـح ِّ‬
‫ـف َزوجــي‪ ..‬أال َلعنَ ـ ُة ال ّلـ ِـه علــى األفــا ِم والمسلسـ ِ‬
‫ـط لِ َخطـ ِ‬
‫ُخ ِّطـ ُ‬
‫أ ُظنُّهــا ت َ‬
‫ـات‬
‫ُ َ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ـمارا؟!‬
‫ا ّلتــي َأسـ َـه ُر َع َليهــا ك َُّل َلي َلــة! َو( َعليــا ُء) لمــاذا َأ َض ُعهــا فــي َرأســي مسـ ً‬
‫وارهــا‪..‬‬
‫عر َكـ َة َو َأشـ َع َل ُأ َ‬
‫الم َ‬
‫َهــل َف َع َلــت بــي َشــي ًئا ُمحــدّ ًدا؟ «ال» ‪ ..‬أنــا َمــن َبــدَ َأ َ‬
‫ـامحني يــارب‪ ..‬سـ ِ‬
‫سـ ِ‬
‫ـت صا َدقتُهــا‪..4‬‬
‫ـامحيني يــا َعليــا ُء‪ ..‬لــو كُنـ ُ‬
‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫ـاي َعلــى َزوجــي‪ ..‬ال َيـ ُ‬
‫ـي َجديــدٌ ‪..‬‬
‫ـزال َيقـ َـر ُأ اآليــات‪َ ..‬م َطـ ٌّ‬
‫َسـ َق َط ْت َعينـ َ‬
‫ـب َهوائـ ٌّ‬
‫ــديد ورغب ٍ‬
‫غــص َش ٍ‬
‫ٍ‬
‫ــة فــي ال َّت َق ُّيــؤ‪َ ..‬ر َّجــ ٌة‬
‫رت بِ َم‬
‫اض َط َر َبــت َم ِعدَ تــي‪َ ..‬شــ َع ُ‬
‫ْ‬
‫ََ َ‬
‫ٍ‬
‫والش ِ‬
‫الح َف ِ‬
‫رب َو ِع ٍ‬
‫َســير علــى َد ٍ‬
‫ــر ُّ‬
‫ــقوق‪ ..‬حتّــى‬
‫ــر َملــيء بِ ُ‬
‫َجديــدَ ةٌ‪ ..‬كأنَّنــا ن ُ‬
‫‪96‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الســماء! سـ َ ِ‬
‫ـارب‪ ..‬أشـ َـهدُ ْ‬
‫ـرت‬
‫أن ال إلـ َه ّإل ال ّلـ ُه ‪ ..‬تذ ّكـ ُ‬
‫ـبحان ال ّلــه!! ســامحني يـ ُّ‬
‫َّ ُ ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َحدي ًثــا َن َبو ًّيــا‪َ « ،‬مـ ْن َ‬
‫الجنَّ َة» َهل َسـ ُ‬
‫ـأدخ ُلها؟‬
‫كان آخـ ُـر كالمــه ال إلـ َه ّإل ال ّل ُه َد َخـ َـل َ‬
‫الشــيطاني ُة؟! سـ ِ‬
‫الج ُم َعـ ِـة َيقـ ُ‬
‫ـول‪َّ :‬‬
‫َو ُذنوبــي؟! َوأفــكاري ّ‬
‫حمـ َة‬
‫ـم ُ‬
‫ـب ُ‬
‫عت َخطيـ َ‬
‫َّ‬
‫إن َر َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫الجنَّـ َة‪ .‬ولكنَّنــي‬
‫ال ّلــه واسـ َع ٌة‪ ..‬وأنَّهــا َوسـ َعت َبغ ًّيــا َسـ َق ْت كَل ًبــا المــا َء‪َ ،‬فدَ َخ َلــت َ‬
‫ِ‬
‫ُّ ِّ ‪5‬‬
‫ـم والنَّ َكـ ِـد والــذل!‬
‫َلــم َأسـ ِـق َزوجــي ســوى َ‬
‫الهـ ِّ‬
‫ِ‬
‫َصوحــا ال َأعــو ُد َبعدَ هــا‬
‫يــارب‪ ..‬تَو َبــ ًة ن‬
‫نيــب‬
‫ســامحني‪َ ..‬س‬
‫يــارب‬
‫ً‬
‫ُّ‬
‫ــأتوب َو ُأ ُ‬
‫ُ‬
‫ُّ‬
‫ـت وأنــا علــى هـ ِ‬
‫ـذه الحـ ِ‬
‫أت أت ََشـ َّـهدُ ‪ ..‬ال أ ْدري َكــم‬
‫ـال‪َ ..‬بــدَ ُ‬
‫أبــدً ا‪ ..‬يــا َويلــي َلــو ِمـ ُّ‬
‫قائـ ِـد ال ّط ِائــر ِة يب ِّشــرنا بِتَجــاو ِز المطبـ ِ‬
‫ـوت ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـات‬
‫ـاب َصـ ُ‬
‫ُ َ ّ‬
‫الوقــت ح ّتــى انسـ َ‬
‫َمـ َّـر مــن َ‬
‫َ َُ ُ‬
‫الهوائ َّيـ ِـة‪.‬‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ـع َخ ْلفــي‬
‫الس ـ ِّيدَ ُة ا ّلتــي تَق َبـ ُ‬
‫عــا َدت الدِّ مــا ُء تَجــري فــي َأوصالنــا مــن َجديــد‪َّ ..‬‬
‫َأقســم ْت ّأل تَر َكــب ِ‬
‫ـعرت بِ ُحنُـ ٍّـو َغريـ ٍ‬
‫ـب‬
‫الص َعــدا َء‪َ ..‬شـ ُ‬
‫طائـ َـر ًة أ َبــدً ا‪َ ..‬تنَ َّفسـ ُ‬
‫ـت ُّ‬
‫َ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الحبيـ ِ‬
‫ـب‪َ ..‬‬
‫ـي َو َظـ َّـل َي ْرقينــي بِآيــات ال ّلــه َو ُي َهــدِّ ُئ‬
‫ـي َ‬
‫كان خائ ًفــا َعلـ َّ‬
‫َعلــى َزوجـ َ‬
‫والخ ِ‬
‫لــت أن ُأ ِ‬
‫ِ‬
‫عــض ال َق َل ِ‬
‫َــي‪ ..‬ال َي ُ‬
‫ــق َ‬
‫ــوف‬
‫حاو ُ‬
‫ــزال َب ُ‬
‫غم َ‬
‫مــن َروعــي‪َ .‬‬
‫ــض َعين َّ‬
‫َيســري فــي َأوصالــي‪..‬‬
‫ِ‬
‫جــرا‪ُ ..‬وصو ُلنــا لِماليزيــا َســ َي ُ‬
‫الســا َع ِة‬
‫الســا َع ُة‬
‫َ‬
‫كون فــي ّ‬
‫الرابِ َعــ َة َف ً‬
‫جــاو َزت ّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫باحــا‪َ .‬بــدَ أت ال ّطائـ َـر ُة تَق َتـ ِـر ُب مــن َأجــواء العاص َمــة‪ ..‬كا َنــت َمدينَـ ًة‬
‫الساد َســة َص ً‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الم َب ِّكـ ِـر‪َ ..‬‬
‫كان َمن َظـ ًـرا َخ ّل ًبــا‪..‬‬
‫ُمسـتَيق َظ ًة تَحـ َ‬
‫الم َطـ ِـر ُ‬
‫ـت َرذاذ النَّــدى‪َ ،‬و َقطــرات َ‬
‫ِ‬
‫البِ‬
‫ُ‬
‫يــوت َ‬
‫الحمــر‪..‬‬
‫ســاط‬
‫وهنــاك‪ ..‬ال ُب ُ‬
‫َ‬
‫ــر َيمتــدُّ ُهنــا ُ‬
‫الخ َشــب َّي ُة بِأســ ُقفها ُ‬
‫األخض ُ‬
‫َــة الر ِائع ِ‬
‫هــذه المدين ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫َّشــاط فــي‬
‫ــة‪َ ..‬د َّب الن‬
‫صــر‬
‫بــاب ا ّلــذي َي ُل ُّ‬
‫َّ‬
‫ّ َ‬
‫والض ُ‬
‫َ‬
‫ــف َخ َ‬
‫أت ُأصــور‪ ..‬هب َطـ ِ‬
‫ـت ال ّط ِائـ َـر ُة فــي‬
‫ـت (الكاميــرا) َوبــدَ ُ‬
‫أوصالِنــا َجمي ًعــا‪َ ..‬ح َملـ ُ‬
‫ِّ ُ َ َ‬
‫أرض المــدَ ر ِج ِ‬
‫ِ‬
‫مطـ ِ‬
‫الواسـ ِع ح ّتــى‬
‫العاص َمـ ِـة‪َ ..‬أ َخـ َـذت َعجالتُهــا ت ََنزلِـ ُـق َعلــى‬
‫ـار‬
‫ِ ُ َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫المدينَـ ِـة الغاف َيـ ِـة‬
‫اس ـ َت َق َّرت‪ ..‬كُنـ ُ‬
‫ـت َأســبِ ُق َزوجــي فــي النُّــزول َو ُمعا َن َقــة َهــواء َ‬
‫ـاح النَّظيـ ِ‬
‫فــي ِمثـ ِ‬
‫الصبـ ِ‬
‫ـف‪..‬‬
‫ـل هــذا َّ‬
‫كان مطــارا ِ‬
‫ِ ِ‬
‫الق ِ ِ ِ ِ‬
‫واســ َط ِة ِ‬
‫ان َت َقلنــا بِ ِ‬
‫الم ِ‬
‫واســ ًعا‬
‫طــار‪ً َ َ ..‬‬
‫طــار للج َهــة ال ّثانيــة مــن َ‬
‫‪97‬‬
‫عور‬
‫‪)5‬‬
‫كيف َت ِص ُ‬
‫َ‬
‫ف شُ َ‬
‫الشخصي ِة في هذهِ‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫ال ُّنقط َِة ِمن ِ‬
‫الق َّص ِة؟‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ِ‬
‫ـكان َشـ ً‬
‫المـ َ‬
‫ـمال َو َجنو ًبــا َبح ًثــا َعــن غايتــي‪..‬‬
‫َونَظي ًفــا‪ ..‬كا َنــت َعينـ َ‬
‫ـاي تَجوبــان َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الحـ َ‬
‫َبحثيــن‪َ .‬لــم ُأر ّد‪.‬‬
‫ـظ َزوجــي انشــغالي فــي ال َبحــث‪َ ..‬سـ َـأ َلني‪َ :‬عــن مــاذا ت َ‬
‫َ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫درت األرقــا َم ا ّلتــي َأح َف ُظهــا‪َ ..‬‬
‫كان‬
‫ـي‪َ ..‬أ ُ‬
‫ان َط َلقـ ُ‬
‫ـت نَحـ َـو كَبينَــة الهاتــف ال ُعمومـ ِّ‬
‫ميــع‪:‬‬
‫الج ُ‬
‫ســم ُع ُه َ‬
‫َصوتــي عال ًيــا َي َ‬
‫ث‬
‫‪)6‬ماذا َح َد َ‬
‫للشخص َّي ِة ُهنا؟ ما‬
‫َّ‬
‫َرأ ُي َك في ذلِ َك؟‬
‫نائمــة؟ سـ ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ـامحيني‪َ ..‬لــم َأنتَبِــه لِل َفـ ِ‬
‫ـاح َ‬
‫ـرق‪ ..‬مــا‬
‫الخ ِير َ‬
‫ َعليــاء‪َ ..‬صبـ ُ‬‫‪..‬هــل أنــت َ‬
‫ـك كُنـ ِ‬
‫أجمـ َـل المدينَ ـ َة! َلي َتـ ِ‬
‫كان ال ّل ـ ُه فــي َعونِ ُكــم وأن ُتــم َت َت َل َّظـ َ‬
‫ـت َمعــي‪َ ..‬‬
‫ـون‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َجـ ُ ِ‬
‫‪6‬‬
‫الحــر‪ ..‬أنــا َأرت ِ‬
‫‪...‬و‪..‬‬
‫ـف م ـ َن ال َبــرد‪ ..‬كا َنــت ِرح َل ـ ًة ُممت َع ـ ًة َ‬
‫فــي َ ِّ‬
‫َف‪ ..‬ويح ِ‬
‫أيت َزوجي‪َ ..‬ي ِ‬
‫وق ُل كَعا َدتِ ِه!!!‬
‫ور ُ‬
‫ضر ُب َك ًّفا بِك ٍّ َ ُ َ‬
‫َ‬
‫‪98‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫طاء ِ‬
‫الف ِ‬
‫راش‬
‫ِغ ُ‬
‫ِ‬
‫اإلجنليزي ‪ /‬جورج ب ِْرنارد شو‬
‫للكاتب‬
‫ِّ‬
‫ـت ألُ ِ‬
‫ـم َأ ُز ْر هولنــدا ُمنْـ ُـذ أوائـ ِ‬
‫حضـ َـر منهــا جدَّ تــي إلــى‬
‫ـل ‪ 1939‬حيـ َن ذه ْبـ ُ‬
‫َلـ ْ‬
‫ـروض وقتَئـ ٍـذ َّ‬
‫َ‬
‫أن َجدَّ تــي س ـتُمضي م َعنــا فــي أمريــكا‬
‫أمريــكا‪،‬‬
‫وكان المفـ ُ‬
‫أن زيارتَهــا قـ ِـد امتــدَّ ْت ثمانــي سـ ٍ‬
‫ـب‪َ ،‬بيــدَ َّ‬
‫ـنوات‪ ،‬ح ّتــى‬
‫فحسـ ُ‬
‫َ‬
‫س ـ َّت َة أشـ ُـه ٍر ْ‬
‫بــدا أنَّهــا لـ ْن تعــو َد إلــى و َطنِهــا هولنــدا مـ َّـر ًة ُأخــرى‪.‬‬
‫ـم َّ‬
‫أن َجدَّ تــي قــدْ َر َ‬
‫ـت تأ َمـ ُـل فــي‬
‫ـت لأل ْمـ ِـر الواق ـعِ‪ّ ،‬إل أنّهــا ظ َّلـ ْ‬
‫ضخـ ْ‬
‫ور ْغـ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِّــر فــي‬
‫ــت ت ُْمضــي َشــ ْط ًرا‬
‫العــودة يو ًمــا مــا‪ ،‬ود َأ َب ْ‬
‫كبيــرا مــ ْن وقتهــا تُفك ُ‬
‫ً‬
‫منزلِهــا فــي هولنــدا‪.‬‬
‫فــي صيـ ِ‬
‫ـف س ـن َِة ‪ ،1947‬عندمــا َأوفدَ تْنــي َّ‬
‫عمـ ُـل بهــا فــي‬
‫الشـ ِـرك ُة ا ّلتــي َأ َ‬
‫أن ِ‬
‫همـ ٍـة إلــى بروكســل‪ ،‬ناشــدَ تْني ْ‬
‫الفرص ـ َة و ُأ َعـ ِّـر َج علــى هولنــدا‬
‫أنتهـ َـز‬
‫َ‬
‫ُم َّ‬
‫ٍ‬
‫بتقريــر ٍ‬
‫ٍ‬
‫شــيء‪،‬‬
‫واف عــ ْن ك ُِّل‬
‫فــأزور خالــي وزوجتَــ ُه‪ ،‬وأعــو َد إليهــا‬
‫َ‬
‫ــة عــن ِغ ِ‬
‫َــت ت ُّ ِ‬
‫ــراش ِمــن الص ِ‬
‫طــاء فِ‬
‫وبخاص ٍ‬
‫كثيــرا!‬
‫ــوف كان ْ‬
‫ٍ َ ّ‬
‫ْ‬
‫َّ‬
‫َعتــز بــه ً‬
‫‪1‬‬
‫إليهمــا فــي ُغ ِ‬
‫ث ِ‬
‫ــت أتحــدَّ ُ‬
‫رفــة‬
‫وعندمــا ُز ْر ُت خالــي وزوجتَــ ُه‪،‬‬
‫وجلس ُ‬
‫ْ‬
‫ٍ‬
‫االســتقبال الهولندي ِ‬
‫ِ‬
‫ــة ال ِّط ِ‬
‫ــراز‪ُ ،‬خ ِّي َ‬
‫إلــي َّ‬
‫شــيء يجــري علــى‬
‫أن ك َُّل‬
‫ّ‬
‫ــل َّ‬
‫ـول هـ ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫أي تغييـ ٍـر ُمط َل ًقــا طـ َ‬
‫ـذه األعــوا ِم ا ّلتــي‬
‫ـم َيطــر ْأ ُّ‬
‫مألــوف عادتــه‪ ،‬وأ َّنـ ُه َلـ ْ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ــبي ْ‬
‫ــت ســن َة ‪َّ ،1939‬‬
‫أن‬
‫البيــت‬
‫وأن‬
‫َ‬
‫َت َل ْ‬
‫قائمــا ك َع ْهــدي بــه‪َ ،‬‬
‫وح ْس َ‬
‫مــازال ً‬
‫ـال النّافـ ِ‬
‫ُألقــي َن ْظــر ًة واحــد ًة ِم ـ ْن خـ ِ‬
‫ـذة ألرى الفضــا َء المحيـ َ‬
‫ـط بـ ِـه وقــدْ‬
‫َ‬
‫أحا َط ْتـ ُه ظِـ ٌ‬
‫ـت يو ًمــا ِمـ َن األ ّيــا ِم َميـ َ‬
‫ـب المدينـ ِـة‬
‫ـال‪ ،‬كا َنـ ْ‬
‫ـدان مولبــورج‪ ،‬ق ْلـ َ‬
‫ِ ‪2‬‬
‫النّابــض‪.‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫كان خالــي وزوجتُــ ُه قــدْ َظ ّ‬
‫وإن َ‬
‫ْ‬
‫واجتــازا ِمحنَــ َة‬
‫ــا علــى ق ْيــد الحيــاة‪ْ ،‬‬
‫‪99‬‬
‫أن‬
‫مكن ْ‬
‫‪َ )1‬تن َّبأْ بما ُي ُ‬
‫ِ‬
‫هل س َيج ُد‬
‫ث؛ ْ‬
‫حد َ‬
‫َي ُ‬
‫الراوي ِ‬
‫طاء‬
‫غ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫الف ِ‬
‫راش؟‬
‫الراوي ِف ْع ًل‬
‫‪)2‬‬
‫َ‬
‫استخد َم ّ‬
‫أن توقُّعاتِ ِه‬
‫َي ُد ُّل على َّ‬
‫ل َْم َتك ُْن في َمحلِّها‪،‬‬
‫ا ْذك ُْر ُه‪.‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الح ِ‬
‫بســا ٍم‪ ،‬ف َقــدْ َ‬
‫ــمات َو ْج َه ِيهمــا مــا‬
‫كان يبــدو علــى َق َس‬
‫َ‬
‫ــرب القاســ َية َ‬
‫ـت ِم ـن َقبـ ُـل‪ ،‬و َقــدْ حاو ْلـ ُ ِ‬
‫ُينْبِــى ُء بـ َّ‬
‫ـرارا‪،‬‬
‫ـم َت ُعــدْ كمــا كا َنـ ْ ْ ْ‬
‫ـت مـ ً‬
‫ـور َلـ ْ‬
‫ـأن األمـ َ‬
‫خـ َ‬
‫أمض ْيتُهــا م َع ُهمــا‪ْ ...‬‬
‫ـم‬
‫أن َأعـ ِـر َ‬
‫ـال األ ّيــا ِم ا ّلتــي َ‬
‫السـ َ‬
‫ـبب‪ ،‬ولكن َُّهمــا َلـ ْ‬
‫ف َّ‬
‫ث واألحـ ِ‬
‫ـواد ِ‬
‫ب والحـ ِ‬
‫يسـ ِ‬
‫ـمعاني شــي ًئا ِمـ ْن ِق َصـ ِ‬
‫ـص الحـ ْـر ِ‬
‫ـداث ا ّلتــي مـ َّـر ْت‬
‫ُ‬
‫ـت ِ‬
‫أعتقــدُ أحيا ًنــا أنَّهمــا ين ُْشـ ِ‬
‫ـدان النِّسـ َ‬
‫ـيان‪،‬‬
‫ِبهمــا وعانَيــا ِمـ ْن َويالتِهــا‪ ،‬فكنْـ ُ‬
‫ُ َ‬
‫ـح أحيا ًنــا ُأخــرى أن َُّهمــا قــدْ َس ـ َب َق وتحدَّ ثــا عـ ِ‬
‫ـن الحـ ْـر ِ‬
‫ب بمــا فيـ ِـه‬
‫و ُأ َر ِّجـ ُ‬
‫‪)3‬كيف يمكن أن‬
‫تصف ال ّتغيير‬
‫الّذي طرأ على‬
‫ِ‬
‫الراوي‬
‫ْ‬
‫وج َهي خال ّ‬
‫وزوج ِت ِه؟‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الذكريـ ِ‬
‫الكفايـ ُة ح ّتــى سـ ِـئما هـ ِ‬
‫ـات األليمـ َة‪ْ ،‬أو َّ‬
‫ـذه ِّ‬
‫الســني َن المريــر َة‬
‫أن هــذه ِّ‬
‫َ‬
‫تَحــوي فــي طياتِهــا مــا ال ي ْقويـ ِ‬
‫ِ ِ ‪3‬‬
‫ـان علــى ِذ ْكـ ِـر ِه ِ‬
‫وروايتــه‪.‬‬
‫َ َ‬
‫ّ‬
‫ْ‬
‫ل َقــدْ كنْـ ُ ِ‬
‫ـرار ِة ن ْفســي َّ‬
‫لص ْمتِ ِهمــا هــذا‪،‬‬
‫ـي َ‬
‫ـير الحقيقـ َّ‬
‫أن ال َّت ْفسـ َ‬
‫ـت واث ًقــا فــي َقـ َ‬
‫ـون ِمـن م ِ‬
‫ور ّبمــا ال َي ْعــدو ْ‬
‫ممــا ت َ‬
‫ظاهـ ِـر‬
‫ليـ َ‬
‫أن يكـ َ ْ َ‬
‫َخ َّي ْل ُتــه أو َر َّج ْح ُتــه‪ُ ،‬‬
‫ـس شــي ًئا ّ‬
‫ــة وال َّلبا َق ِ‬
‫الكياس ِ‬
‫أن الت ِ‬
‫لش ِ‬
‫ــعور ِهما َّ‬
‫ــر ْت بِنــا ‪َ -‬‬
‫ــة ُ‬
‫ــر‬
‫معش َ‬
‫َّجــار َب ا ّلتــي َم َّ‬
‫َ‬
‫األمريك ّيي ـ َن‪ -‬فــي الحـ ْـر ِ‬
‫ـس إ ًذا ِم ـ َن‬
‫ـم َت ُك ـ ْن ســهل ًة وال يســيرةً‪ ،‬ف َليـ َ‬
‫ب‪َ ،‬لـ ْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـون ِمـ ْن ُضـ ِ‬
‫تشــدَّ قا بمــا َأ ْبــدا ُه الهولند ّيـ َ‬
‫الســلي ِم ْ‬
‫ـروب َّ‬
‫أن َي َ‬
‫ـجاعة‬
‫الشـ‬
‫الـ َّـذوق َّ‬
‫وال َبـ ْـأ ِ‬
‫س!‬
‫الشــجاع َة ألســأ َلهما عـن ِغطـ ِ‬
‫ـاء ِ‬
‫الفـ ِ‬
‫وأخيـ ًـرا‪َ ،‬و َجــدْ ُت َّ‬
‫ـراش المصنــو ِع ِمـ َن‬
‫ْ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫لهمــا َم ْب َلـ َ‬
‫ـغ اهتمــا ِم َجدَّ تــي بـ ِـه؛ أل َّنـ ُه ِمـ ْن ُصنْـ ِع يدَ يهــا‪،‬‬
‫الصــوف‪ ،‬وذ َكـ ْـر ُت ُ‬
‫ّ‬
‫َيهما وراحــا يحدِّ ثانــي عـن ِقصـ ِـة ِغطـ ِ‬
‫ـك ُســؤالي هــذا ُعقــدَ َة لســان ِ‬
‫و َقــدْ َفـ َّ‬
‫ـاء‬
‫ْ َّ‬
‫ُ َ‬
‫أن أفهمهمــا بسـ ٍ‬
‫ِ‬
‫الفـ ِ‬
‫ـراش‪ ،‬ولع َّل ُهمــا اعتقــدا َّ‬
‫ـهولة و ُأ َقدِّ َر ُهمــا‪.‬‬
‫أن َبو ْســعي ْ َ ُ‬
‫ُ‬
‫قا َل ْت زوج ُة خالي‪:‬‬
‫الراوي في هذا‬
‫‪َ )4‬م ِن ّ‬
‫الج ِ‬
‫زء‪ِ ،‬‬
‫روي‬
‫الم‬
‫ن‬
‫وم‬
‫ُ‬
‫ْ َ ُّ‬
‫ع‬
‫ل ُه؟ وما موضو ُ‬
‫ِ‬
‫الق َّص ِة؟‬
‫ـح ْ‬
‫أن َجدَّ َتـ َ‬
‫ـت‬
‫ب بهــا و ُت َقدِّ ُرهــا َحـ َّـق َقدْ ِرهــا‪ .‬و َم َضـ ْ‬
‫ـك ً‬
‫أيضــا سـ ُت ْع َج ُ‬
‫رجـ ُ‬
‫ ُأ ِّ‬‫تــروي ِ‬
‫َ ‪4‬‬
‫الق َّصـة‪.‬‬
‫أن ُتــدْ ِر َك ّأو ًل أنَّنــا ُكنّــا فــي َمسـ ِ‬
‫ـك ْ‬
‫ َي ْجــدُ ُر بـ َ‬‫ـيس الحاجـ ِـة إلــى َّ‬
‫ـح ِم‪،‬‬
‫الشـ ْ‬
‫‪100‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫ـت وال شــي َء ِمـ ْن هــذا ال َقبيـ ِ‬
‫ـاو ِل ال َيـ ِـد إ ّبـ َ‬
‫ـل َ‬
‫ـان‬
‫فــا ُد ْهـ َن وال َزيـ َ‬
‫كان فــي ُمتَنـ َ‬
‫ٍ ِ‬
‫الحــر ِ‬
‫كمــ ْن يســتعيدُ‬
‫وجهــا علــى الــكال ِم َ‬
‫ــب َز ُ‬
‫ب‪ ،‬وع َّق َ‬
‫بصــوت حالــ ٍم َ‬
‫ْ‬
‫ذكريـ ٍ‬
‫ـات بعيــدةً‪:‬‬
‫بالزبـ ِ‬
‫ـض ال َّليالــي ب َفطيـ ٍ‬
‫ـم فــي ب ْعـ ِ‬
‫ـدة‪ ...‬أال‬
‫ ل َقــدْ كنْـ ُ‬‫ـرة َمصنوعـ ٍـة ُّ‬
‫ـت أح ُلـ ُ‬
‫ـخ ًفا و ْق َتـ َ‬
‫َي ْبــدو هــذا َســخي ًفا َ‬
‫ـم َي ُكـ ْن ُسـ ْ‬
‫ـف علــى‬
‫ـذاك‪ .‬ل َقــدْ ُكنّــا نَت َل َّهـ ُ‬
‫اآلن؟ َلـ ْ‬
‫ـح ِم والدُّ ْهـ ِ‬
‫ـب غائـ ٍ‬
‫ـف العاشـ ُـق علــى حبيـ ٍ‬
‫َّ‬
‫ـب!‬
‫تلهـ ُ‬
‫ـن كمــا َي َّ‬
‫الشـ ْ‬
‫ـت إلــى هــذا التَّعبيـ ِـر‪،‬‬
‫َفأ ْو َمـ َـأ ْت َزوج ـ ُة خالــي بر ْأ ِســها‪ ،‬وكأنَّهــا قـ ِـد‬
‫ارتاحـ ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫َطر َد خالــي‪:‬‬
‫وسـ َ‬
‫ـرح ْت بن َظراتهــا إلــى عا َل ـ ٍم بعيــد بينَمــا اس ـت َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ذلــك الو ْق ِ‬
‫القيمــة؛ َّ‬
‫َ‬
‫ّــاس فــي‬
‫كانــت النُّقــو ُد عديمــ َة‬
‫ــت‬
‫ فــي‬‫ألن الن َ‬
‫حاجـ ٍـة إلــى مــواد‪ ...‬إلــى أشــياء نافعـ ٍـة مفيـ ٍ‬
‫ـدة‪ ...‬أشــيا َء يحتاجـ َ‬
‫ـون إليهــا‪.‬‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ــي ا ّلتــي نملكُهــا علــى التّوالــي‪...‬‬
‫ل َقــدْ تخ َّل ْصنــا ِمــ َن‬
‫الجواهــر ُ‬
‫والح ُل ِّ‬
‫ُثــم تَحررنــا تدريجيــا ِم ـن ك ُِّل مــا لدينــا ِم ـن كماليـ ٍ‬
‫ـات يمك ـ ُن االســتغنا ُء‬
‫ّ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫ًّ‬
‫َّ َّ ْ‬
‫ِ‬
‫ـاش ا ّلــذي يمك ـ ُن َبي ُع ـ ُه ِ‬
‫الريـ ِ‬
‫ـح المنـ ُ‬
‫أو‬
‫عنهــا‪ ..‬وأص َبـ َ‬
‫ـزل عار ًيــا تما ًمــا م ـ َن ّ‬
‫ــق ِســوى ِغ ِ‬
‫طــاء ِ‬
‫ِ‬
‫الف‬
‫ــراش‪.5‬‬
‫ــم َي ْب َ‬
‫اســتبدا ُل ُه‪ ...‬و َل ْ‬
‫إنّــي َأ ْذكــر هــذا ِ‬
‫َــت ُأ ّمــي ت ِ‬
‫ص ْ‬
‫أن تض َعــ ُه‬
‫الغطــا َء تما ًمــا‪ ...‬ل َقــدْ كان ْ‬
‫َحــر ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الضخــ ِم‪ .‬ل َقــدْ َ‬
‫ُمح َّبــكًا تما ًمــا عنــدَ األقــدا ِم َف َ‬
‫كان ِمــ َن‬
‫ــوق‬
‫ســريرها َّ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫الصـ ِ‬
‫ـوف األسـ َـو ِد‪ ...‬وقــدْ حيـ َ‬
‫الرســو ِم الهندسـ ّي ِة‬
‫ّ‬
‫ـك علــى ن ََمــط بديـ ٍع مـ َن ُّ‬
‫المســتديرة والبيضاوي ِ‬
‫ِ‬
‫ــة‪.‬‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫اعتذار و َأس ٍ‬
‫رقيق بدَ ْت ِ‬
‫وأضا َف ْت زوج ُة خالي في صو ٍ‬
‫ت ٍ‬
‫ف‪:‬‬
‫فيه ر َّن ُة‬
‫َ ْ‬
‫ٍ َ‬
‫ــل حياكتِ ِ‬
‫ِ‬
‫وح ِّ‬
‫َ‬
‫ أخشــى ْ‬‫ُنــت‬
‫أن‬
‫ــه‪ ...‬ولكنَّنــي ك ُ‬
‫ــبب فــي َفكِّــه َ‬
‫الس َ‬
‫أكــون َّ‬
‫جائعـ ًة‪ ...‬ل َقــدْ ُكنّــا فــي ِمحنَـ ٍـة‪َ .‬فــرد خالــي بسـ ٍ‬
‫ـرعة ك ََمـ ْن َينفــي عـ ْن ن ْف ِسـ ِـه‬
‫َ َّ‬
‫ُ‬
‫الت ُّْهم ـ َة‪:‬‬
‫‪101‬‬
‫آخر ماذا‬
‫هنا‬
‫‪ُ )5‬‬
‫ٌ‬
‫تلميح ُ‬
‫َتتوق َُّع؟‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ َأ َج ْل‪َ ..‬ل ْم ُأفك ِّْر أنا في َ‬‫فاستطر َد ْت زوج ُت ُه‪:‬‬
‫ذلك‪.‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫فــر ٍد َج ِ‬
‫الج ِ‬
‫ــوار ُب ال ُت َقــدَّ ُر ب َث َم ٍ‬
‫ــوار ُب‪.‬‬
‫ــم َي ُعــدْ عنــدَ ِّ‬
‫ كانَــت َ‬‫أي ْ‬
‫ــن‪ ،‬و َل ْ‬
‫الغطـ ِ‬
‫ـن واحـ ٍـد ِم ـن ِ‬
‫ولهــذا َع َمــدْ ُت إلــى َحـ ِّـل حيا َكـ ِـة ُر ْكـ ٍ‬
‫ـاء‪ُ .‬ر ْك ـ ٌن واحــدٌ‬
‫َ‬
‫تينــة ال َّث ِ‬
‫ب الم ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫وحك ُ ِ‬
‫ــط‪ِ ،‬‬
‫الج ِ‬
‫ف َق ْ‬
‫قيلــة‬
‫وجــا مــ َن َ‬
‫الصــوف َز ً‬
‫ْــت مــ َن ّ‬
‫ــوار ِ َ‬
‫ِ‬
‫ــوداء‪ ...‬ل َقــدْ َ‬
‫ور ًبــا رائ ًعــا‪.‬‬
‫الس‬
‫كان َج َ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫فقال خالي ُم ْغتا ًظا‪:‬‬
‫ِ‬
‫ـار‬
‫ـته ْي ُت هــذا َ‬
‫ َأ َجـ ْـل‪ ،‬ل َقــد اشـ َ‬‫ـور َب لنَ ْفســي صراح ـ ًة‪ ...‬ولك ـ ْن أشـ َ‬
‫الجـ َ‬
‫بيـ ِـد ِه فــي حركـ ِـة تســلي ٍم وإذعـ ٍ‬
‫ـان ِ‬
‫واض ًعــا يــدَ ُه علــى َم ِعدَ تِـ ِـه‪:‬‬
‫َ‬
‫ذات ٍ‬
‫ْ‬
‫ليلــة إلــى‬
‫اآلخــر‪...‬‬
‫كنــت جائ ًعــا أنــا‬
‫ ل َقــدْ‬‫ــور َب َ‬
‫ُ‬
‫فأخــذ ُت َ‬
‫الج َ‬
‫ُ‬
‫بــدة ال ّط َاز ِ‬
‫الز ِ‬
‫عر ُفــه‪ ،‬وعُــدْ ُت ِ‬
‫ُم ِ‬
‫ــا َر ْط َل ِ‬
‫حام ً‬
‫جــة‪.‬‬
‫يــن ِمــ َن ُّ‬
‫ــزار ٍع َأ ِ ُ‬
‫زوجة خالي وقا َل ْت بِ َله ٍ‬
‫ِ‬
‫فة‪:‬‬
‫فلم َع ْت َعينا‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ـان ِ‬
‫الزبـ ِ‬
‫كامـ ِ‬
‫ـدة‪ ...‬ر ْطـ ِ‬
‫ تَخيـ ْـل‪ ....‬ر ْطـ ِ‬‫ـان‪ ،‬ل َقــدْ اح َت َف ْظنــا َبر ْطـ ٍ‬
‫ـل‬
‫ـان ِمـ َن ُّ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫الر ْطـ َـل اآلخـ َـر بينَنــا وأ َك ْلنــا ُه كمــا هـ َـو علــى ِع ّلتِـ ِـه َ‬
‫دون‬
‫ُ‬
‫منهمــا واقت ََسـ ْـمنا َّ‬
‫ـي ُمسـ ِ‬
‫ـت‪:‬‬
‫ـتدر َك ًة وقا َلـ ْ‬
‫ـم ن َظـ َـر ْت إلـ َّ‬
‫ُخ ْبـ ٍـز! ُثـ َّ‬
‫ ال ُبدَّ َّ‬‫سم ِع َك‪.‬‬
‫أن هذا‬
‫ٌ‬
‫غريب على َم َ‬
‫فاعترض ُت ً‬
‫قائل‪:‬‬
‫ْ‬
‫كل‪ّ ..‬‬
‫ ّ‬‫كل الب َّت َة‪.‬‬
‫َ‬
‫فقال خالي مؤ ِّكدً ا‪:‬‬
‫ ل َقــدْ َ‬‫كان ذلـ َ‬
‫ـك اليــو ُم عيــدً ا مشــهو ًدا عندَ نــا‪ ...‬ووا َف َق ْت ـ ُه زوج ُت ـ ُه‪ ...‬أ ّمــا‬
‫اآلخــر ف َقــدْ كفانــا شــهرا ِ‬
‫كامـ ًـا‪ ..‬وأخشــى َّ‬
‫الر ْطـ َـل ِم ـ َن‬
‫أن هــذا َّ‬
‫ً‬
‫الر ْطـ ُـل َ ُ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ُّ ِ‬
‫ـم َن ُعــدْ نَستسـ ُ‬
‫ـيغ طعا ًمــا بِــا‬
‫فســدَ َذ ْو َقنــا‪ ،‬ف َقــدْ َّ‬
‫تعو ْدنــا عليــه‪ ،‬و َلـ ْ‬
‫الزبــدة قــدْ َأ َ‬
‫ٍ ِ‬
‫ـم ش ـ َع ْرنا بالحاجـ ِـة إلــى غيـ ِـر ِه‪.‬‬
‫ُزبــدة‪ ،‬وم ـ ْن ُثـ َّ‬
‫‪102‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫فض ِح َك خالي َ‬
‫وقال‪:‬‬
‫َ‬
‫ث‪ ...‬ل َقــدْ ح َل ْلنــا حياكَــ َة ِغ ِ‬
‫أن تَتخ َّي َ‬
‫ــل مــا حــدَ ْ‬
‫ُــك ْ‬
‫ وهكــذا ُيمكن َ‬‫طــاء‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫الفـ ِ‬
‫ـراش ُر ْكنًــا ُر ْكنًــا‪ُ .‬كنّــا َن ُفـ ُّ‬
‫لصنْ ـ ِع َز ٍ‬
‫وج ِم ـ َن‬
‫ـك فــي ك ُِّل مـ َّـرة مــا يكفــي ُ‬
‫المـ ِ‬
‫الجـ ِ‬
‫ـوار ِ‬
‫َ‬
‫ب‪،‬‬
‫ـزار ُع ط ِّي ًبــا م َعنــا‪ ،‬وشــري ًفا للغايـ ِـة‪ ،6‬فقا َط َع ْتـ ُه زوج ُتـ ُه‬
‫َ‬
‫وكان ُ‬
‫ظاهـ ٍ‬
‫قائل ـ ًة فــي حماسـ ٍـة ِ‬
‫ـرة‪:‬‬
‫َ‬
‫يــن ِمــن ُّ ِ‬
‫ْــس أنَّــ ُه َ‬
‫ ل َقــدْ َ‬‫كان فــي‬
‫الزبــدة‪ ،‬وال َتن َ‬
‫دائمــا َر ْط َل ِ َ‬
‫كان ُيعطينــا ً‬
‫أن ي ُغ َّشــنا ويخدَ َعنــا مسـ ِ‬
‫مقـ ِ ِ‬
‫ـتغ ًل فرص ـ َة َخوفِنــا ِم ـن األلمـ ِ‬
‫ـان ا ّلذي ـ َن‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ـدوره ْ َ‬
‫ُ‬
‫هــذه المســاو ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫فوافــق خالــي ً‬
‫َ‬
‫قائــا‪:‬‬
‫مات‪،‬‬
‫أمثــال‬
‫منعــون بشــدَّ ٍة‬
‫َي‬
‫َ‬
‫ُ َ‬
‫ـال ل َقــدْ لبــى ِغطاء ِ‬
‫كان ط ِّي ًبــا‪ .‬علــى ك ُِّل حـ ٍ‬
‫الفـ ِ‬
‫ َأ َجـ ْـل ‪ ...‬ل َقــدْ َ‬‫ـراش حاجتَنا‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫ِمـن ُّ ِ‬
‫ـن كام َل ِ‬
‫لمــدَّ ِة عا َميـ ِ‬
‫ـم َ‬
‫ـب ُك َّلمــا‬
‫والر ْعـ ُ‬
‫َ‬
‫كان ينتا ُبنــا ال َفـ َـز ُع ُّ‬
‫ين‪...‬و َكـ ْ‬
‫الزبــدة ُ‬
‫ـاءل ويقــرب ِمـن النِّهايـ ِـة‪ ،‬بينمــا الحالـ ُة مسـ ِ‬
‫ـتم َّر ٌة ِمـ ْن‬
‫ـص و َيتضـ ُ َ ُ ُ َ‬
‫رأينــا ُه َيتق َّلـ ُ‬
‫ُ‬
‫سـ ٍ‬
‫ـت‬
‫ـيء إلــى أســو َأ وال يبــدو َلهــا نِها َي ـ ٌة‪ .‬وأخيـ ًـرا ح َل ْلنــا آخـ َـر ِقطعـ ٍـة كانـ ْ‬
‫ِّ‬
‫باقيـ ًة منـ ُه‪ .‬وهنــا حــدَ َ‬
‫ث مــا اعت َْبرنــا ُه مأســا ًة أو فجيعـ ًة أو َسـ ِّـمها كارثـ ًة إذا‬
‫ـوط األخيــر َة ا ّلتــي ف َككْناهــا َلــم َت ْكـ ِ‬
‫أن الخيـ َ‬
‫‪...‬ذلك َّ‬
‫َ‬
‫ـف ّإل ل َع ِمـ َـل‬
‫ِش ـ ْئ َت‬
‫ْ‬
‫ٍ ِ‬
‫ٍ‬
‫الجـ ِ‬
‫ـورب األخيـ ِـر‪.‬‬
‫َفـ ْـردة واحــدة مـ َن َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الجـ ِ‬
‫دون ْ‬
‫ـابيع َ‬
‫أن نجـ ُـر َؤ علــى َع ْر ِضهــا‬
‫ـورب سـ َّت َة أسـ َ‬
‫ول َقــد احت َف ْظنــا ب َفـ ْـردة َ‬
‫هلـ ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫سم ِ‬
‫المـ ِ‬
‫ـزارعِ‪ ...‬إلــى ْ‬
‫ـك‪ ..‬وأخيـ ًـرا‬
‫أن جــا َء يــو ٌم ص ْرنــا فيــه فــي يـ ْـأ ٍ ُ‬
‫علــى ُ‬
‫أن ُأجــر َب ح َّظنــا‪ ،‬فإنَّنــا لـ ْن نخســر شــي ًئا علــى ك ُِّل حـ ٍ‬
‫ـض‬
‫عز ْمـ ُ‬
‫ـال إذا َر َفـ َ‬
‫َ‬
‫َ َ‬
‫ـت ْ ِّ‬
‫الز ِ‬
‫ِ‬
‫ــزارع ِشــراء ال َف ِ‬
‫ِ‬
‫ــر اليدَ ِ‬
‫بــدة‪.‬‬
‫يــن ِمــ َن ُّ‬
‫الم ِ ُ‬
‫ــردة الواحــدة وأعادنــي ص ْف َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ِ ِِ‬
‫واع َتـ َ‬
‫ـتطر َد‪:‬‬
‫ـدل خالــي فــي جلســته واسـ َ‬
‫ِ‬
‫الم ِ‬
‫ــزار ِع وأنــا ُأقــدِّ ُم ِر ْج ً‬
‫ــر‬
‫ وهكــذا ذه ْب ُ‬‫ــا و ُأ َؤ ِّخ ُ‬
‫ــت إلــى صديقنــا ُ‬
‫أســتطيع ْ‬
‫ِر ْج ً‬
‫ــف َ‬
‫ُنــت ُمرتَبِــكًا و ُمض َط ِر ًبــا‪.‬‬
‫لــك‬
‫ــا‪ ..‬وال‬
‫َ‬
‫أن َأ ِص َ‬
‫كيــف ك ُ‬
‫ُ‬
‫‪103‬‬
‫صول إلى ِ‬
‫‪ُ )6‬و ً‬
‫هذه‬
‫الن ِ‬
‫صير‬
‫م‬
‫ما‬
‫‪.‬‬
‫قطة‬
‫ُّ‬
‫َ ُ‬
‫ِغ ِ‬
‫طاء ِ‬
‫الف ِ‬
‫راش؟‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ـم َي ُك ـ ْن لــي حـ ُّـق االختيـ ِ‬
‫ْلــم َأ ُك ـ ْن أستَسـ ُ‬
‫ـار‪...‬‬
‫ـيغ االســتجدا َء‪ ...‬ولك ـ ْن َلـ ْ‬
‫ـك ِســوى َفــر ٍ‬
‫وتشــجع ُت أخيــرا فأخبر ُتـه بصراحـ ٍـة متلعثِمــا أنَّنــي ال ِ‬
‫أملـ ُ‬
‫دة‬
‫َْ ُ‬
‫َّ ْ‬
‫ْ‬
‫ُ ً‬
‫ً‬
‫ـن الحديـ ِ‬
‫واحـ ٍ‬
‫ـف خالــي عـ ِ‬
‫ـث و َقـ ِـد ارتسـ َـم ْت علــى َف ِمـ ِـه ابتســام ٌة‬
‫ـدة‪ .‬وتو َّقـ َ‬
‫َف‪:‬‬
‫ـم اس ـتَأن َ‬
‫عريض ـ ٌة‪ُ ،‬ثـ َّ‬
‫الم ِ‬
‫ع‬
‫زار ُ‬
‫‪)7‬لماذا ف َِر َح ُ‬
‫في َ‬
‫رأيك؟‬
‫ِ‬
‫ث أمــر ِ‬
‫ــل إلــى َحــدِّ الم ِ‬
‫يص ُ‬
‫ــي‬
‫عجــزات‪ ..‬ل َقــدْ َ‬
‫ــم ع َل َّ‬
‫هج َ‬
‫ُ‬
‫ وهنــا َحــدَ َ ْ ٌ‬‫الشــك ِْر ِ‬
‫ِ‬
‫والعر ِ‬
‫الم ِ‬
‫فــان بِ‬
‫ِ‬
‫عبــارات ُّ‬
‫الجميــل‪،‬‬
‫وهــو ُي ْزجــي‬
‫ــزار ُع ُيعانِ ُقنــي‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ُ‬
‫ـذه ال َفــر ِ‬
‫ـدة نَظيــر هـ ِ‬
‫الزبـ ِ‬
‫وهـ ْـر َو َل إلــى ِ‬
‫ـن َمـ ِ‬
‫ـن كام َليـ ِ‬
‫وأحضـ َـر َرط َليـ ِ‬
‫دة‬
‫دار َه‪،‬‬
‫ـن ُّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الوحيــدة‪.7‬‬
‫وهنا شعر ُت بالدَّ ِ‬
‫هشة فتساء ْل ُت‪:‬‬
‫َْ‬
‫وكيف؟‬
‫ ولك ْن لماذا؟‬‫َ‬
‫هو ن ْف ُس الس ِ‬
‫للم ِ‬
‫زارعِ‪.‬‬
‫ؤال ا ّلذي َّ‬
‫ هذا َ‬‫وجه ُت ُه ُ‬
‫ُّ‬
‫فأجا َبني ب َقولِ ِه‪:‬‬
‫جاء ِت ال ِّنهايةُ‬
‫‪ْ )8‬‬
‫هل َ‬
‫ت؟‬
‫ع‬
‫ق‬
‫تو‬
‫كما‬
‫َّ‬
‫ْ َ‬
‫الج ِ‬
‫ــوار ِ‬
‫َح ُّ‬
‫َ‬
‫منــك‪،‬‬
‫ب ا ّلتــي َأ ْبتا ُعهــا‬
‫ ل َقــدْ كان ْ‬‫ــل حياكَــ َة َ‬
‫َــت زوجتــي ت ُ‬
‫ـذه ال َفــر ِ‬
‫ـط لهـ ِ‬
‫ـك ِمـن صوفِهــا ِغطــاء ِ‬
‫للفـ ِ‬
‫ـاج ف َقـ ْ‬
‫دة‬
‫ـي تَحتـ ُ‬
‫وتَحيـ ُ ْ‬
‫ْ‬
‫ـراش‪ ....‬وهـ َ‬
‫ً‬
‫الزبـ ِ‬
‫لتُتِـ ِ‬
‫ـي وحدَ هــا تُســاوي عنــدي َر ْط َليـ ِ‬
‫ـدة؛‬
‫ـن ِمـ َن ُّ‬
‫ـم الغطــا َء‪ ...‬ولهــذا فهـ َ‬
‫َّ‬
‫الغطـ ِ‬
‫ألنَّهــا س ـتَجع ُلها ســعيد ًة لحصولِهــا علــى ِ‬
‫ـاء كامـ ًـا‪.8‬‬
‫ُ‬
‫طويل ُث َّم َ‬
‫ٌ‬
‫قال خالي‪:‬‬
‫وسا َد َص ْم ٌت‬
‫ـك َّ ِ‬
‫ـك ْ‬
‫أن تُخبِـ َـر َجدَّ َتـ َ‬
‫ وهكــذا ُيمكنُـ َ‬‫ـليم‪ ،‬ولك ـ َّن الحـ ْـر َب‬
‫أن غطاءهــا سـ ٌ‬
‫غ َّيـ َـر ْت ُرســو َم ُه وهندس ـ َت ُه‪!!...‬‬
‫‪104‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫ُص َو ٌر خار َِج ا ِإلطا ِر‬
‫ملع ّلا‬
‫ابتسام ا ُ‬
‫ُ‬
‫واد ِ‬
‫ض الح ِ‬
‫ِ‬
‫ث َأ ْخت َِل ُقها‪:‬‬
‫عنْدَ ما َأ ْف َش ُل في ت َّذك ُِّر َب ْع ِ َ‬
‫ث س ـيار ٍة‪ ،‬و َأ َّن رذا َذ ا ْل َخبـ ِـر وص َلنــي َعبــر حديـ ٍ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ـث َب ْي ـ َن‬
‫َأ ْذ ُكـ ُـر َأ َّن فِ َّض ـ َة َر َح َلـ ْ‬
‫ْ َ َ‬
‫َ َ َ‬
‫َ‬
‫ـت َب ْعــدَ َت َع ُّرضهــا لحــاد َ ّ َ‬
‫ِ‬
‫الجام َعـ ِـة‪.‬‬
‫ـت فــي َطريقــي إِلــى‬
‫ُأ ّمــي وإِ ْحــدى َصديقاتِهــا‪ ،‬و ُكنْـ ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـت فــإِ َّن‬
‫َحدَّ َثـ ْ‬
‫ضورهــا َأ ْك َثـ ُـر َص ْم ًتــا م ـ َن النَّـ ْـو ِم‪ ،‬وإِذا ت َ‬
‫َأت ََذ َّكـ ُـر َأ َّن ف َّض ـ َة كا َنــت ا ْمـ َـر َأ ًة َطوي َل ـ ًة َسـ ْـمرا َء‪ُ ،‬ح ُ‬
‫فيضــا و َعمي ًقــا‪ ،‬وك ََأ َّنـه ٍ‬
‫ـب وا ْمـ َـر َأ ًة فــي ُع ْم ِرهــا‪َ .‬‬
‫آت ِمـ ْن َغـ ْـو ِر بِ ْئـ ٍـر‪َ ،‬وغالِ ًبــا‬
‫كان َخ ً‬
‫ُ‬
‫َناسـ ُ‬
‫َلهــا َص ْو ًتــا‪ ،‬ال َيت َ‬
‫ِ‬
‫ـت ِلَ ْثوابِهــا َأ ْلـ ٌ‬
‫ـي‬
‫مــا تُرافِ ُق ـ ُه ا ْبتِســا َم ٌة َطوي َل ـ ٌة ُطفول َّي ـ ٌة َخجو َل ـ ٌة‪ ،‬وكا َنـ ْ‬
‫ـوان نار َّي ـ ٌة َجمي َل ـ ٌة والفت ـ ٌة ل َع ْينَـ ْ‬
‫ٍ‬
‫ِ ٍ‬
‫بالر ْس ـ ِم ِم ْثلــي‪.‬‬
‫ط ْف َلــة مو َل َعــة َّ‬
‫ـال َعلــى سـن ِ‬
‫َحتـ ُ‬
‫َ‬
‫صورتَهــا َأت َ‬
‫َوات ُع ْم ِرهــا و َعلــى َو ْحدَ تِهــا‬
‫اآلن ِعنْدَ مــا َأ ْسـت َْح ِض ُر‬
‫َخ َّي ُلهــا ا ْمـ َـر َأةً‪ ،‬كا َنـ ْ‬
‫ـت ت ْ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ديمـ ِـة‪ ،‬و َيت ََو َّعــدُ َأ ْطفـ َ‬
‫َضاحكـ َ‬
‫ـون‬
‫ـي ُك َّلمــا َســم َع ُه ْم َيت َ‬
‫ـال َ‬
‫ـع َز ْو ٍج ُيدْ م ـ ُن َسـ َ‬
‫َمـ َ‬
‫الحـ ِّ‬
‫ـماع األُ ْســطوانات ال َق َ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫الجديـ ِـد‪ ،‬و َتـ َـر َك فِ َّض ـ َة‬
‫َعلــى قا َمتــه ال َقصيـ َـرة‪َ .‬ل َقــدْ َر َحـ َـل َب ْعــدَ بِ ْض َعــة َأ ْعــوا ٍم م ـ َن انْتقالنــا إِلــى َمن ِْزلنــا َ‬
‫ِ ِ‬
‫ـي ال َقديـ ِم‪.‬‬
‫َو ْحدَ هــا فــي ال َب ْيــت م ْث َلمــا ت ََرك ُ‬
‫ْناهمــا فــي َ‬
‫الحـ ِّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫بارهــا‬
‫ـم َأ َر ف َّضـ َة َب ْعــدَ انْتقالنــا إِلــى َب ْيتنــا َ‬
‫زيارتهــا‪َ ،‬لكـ َّن َأ ْخ َ‬
‫ـم ُن َف ِّكـ ْـر َمـ َّـر ًة فــي َ‬
‫ـم ت َُز ْرنــا‪ ،‬و َلـ ْ‬
‫الجديــد‪َ ،‬لـ ْ‬
‫َلـ ْ‬
‫الحــاد ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ ٍ‬
‫ٍ‬
‫كان ْ ِ‬
‫وهــي‬
‫ــت َلــ ُه‪،‬‬
‫ــر‬
‫ث ا َّلــذي َت َع َّر َض ْ‬
‫َ‬
‫َــت تَص ُلنــا َعلــى َفتَــرات ُمتَباعــدَ ة إِلــى َأ ْن َســم ْع ُت َخ َب َ‬
‫ـت تَسـت َِعدُّ للهبـ ِ‬
‫ِ ٍ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـوط َغ ّطــى َعلــى ُصــراخِ النّـ ِ‬
‫ـار َع‪ ،‬و ُيقـ ُ‬
‫ـاز ّ‬
‫ـاس ا َّلذيـ َن‬
‫َجتـ ُ‬
‫ُ‬
‫ت ْ‬
‫ـال‪ :‬إِ َّن َصـ ْـو َت طائـ َـرة كا َنـ ْ ْ‬
‫ِ‬
‫المـ ْـر َأ ِة‪.‬‬
‫ت َ‬
‫َج َّمعــوا َحـ ْـو َل ُج َّثــة َ‬
‫ديم ُة فِ َّض ُة َع ْرجا َء؟‪.‬‬
‫َس َأ ْل ُت ُأ ّمي‪َ :‬ه ْل كان ْ‬
‫جارتُنا ال َق َ‬
‫َت َ‬
‫الس َ‬
‫ؤال با َغتَها‪:‬‬
‫ك ََأ َّن ّ‬
‫ ما ا َّلذي َذك ََّر ِك بها َ‬‫اآلن؟‪.‬‬
‫ِ‬
‫َت َقدْ َأ ْع َطتْني إ ّياها َم َّرةً‪.‬‬
‫غير ٌة كان ْ‬
‫ ُز َ‬‫جاج ُة ع ْط ِر َص َ‬
‫دون صــو ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ت‪:‬‬
‫َر َسـ َـم ْت ُأ ّمــي َعلــى َو ْج ِههــا َد ْه َش ـ ًة َأ ْك َبـ َـر م ـ ْن َأ ْن َت ْقــوى َمالم ُحهــا َعلــى ال َّت ْعبيـ ِـر َعنْهــا َ َ ْ‬
‫‪105‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ِ‬
‫ُخبرينــي َ‬
‫ـم ت ْ‬
‫بذلِـ َ‬
‫ـك ِم ـ ْن َق ْبـ ُـل‪.‬‬
‫ُز َ‬
‫جاج ـ ُة ع ْطـ ٍـر؟ َمتــى؟ َلـ ْ‬
‫ِ ِ‬
‫ديم ِة‪.‬‬
‫ُق ْل ُت لها‪ :‬إِنَّني ن ُ‬
‫بم ْحت ََويات خزانَتي ال َق َ‬
‫َسيت َأ ْم َرها‪ ،‬و َقدْ َع َث ْر ُت َع َل ْيها ال َي ْو َم‪ ،‬و َأنا َأ ْع َب َث ُ‬
‫ـح وج ِههــا الجميـ ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ـب نِ ْق َمتــي ِم ْثـ َـل ك ُِّل َمـ َّـر ٍة‬
‫ـت ُأ ّمــي ُت َف ِّكـ ُـر ُب ْر َه ـ ًة‪ ،‬وت ََم َّعنْـ ُ‬
‫َص َم َتـ ْ‬
‫َ‬
‫ـت فــي َمالمـ ِ َ ْ‬
‫ـل‪ ،‬لَ ُصـ َّ‬
‫ٍ‬
‫الحـ ِّ‬
‫ـم‪،‬‬
‫ـيء‪ .‬قا َلـ ْ‬
‫َعلــى َ‬
‫الم ْوضــوعِ‪َ :‬ن َعـ ْ‬
‫ـت‪ ،‬وك ََأنَّهــا ال تُريــدُ إِنْهــا َء َ‬
‫ـظ ا َّلــذي َج َع َلنــي ال ُأ ْشــبِ ُهها فــي َشـ ْ‬
‫ـت إِ ْحــدى ِر ْج َل ْيهــا َأ ْق َصـ َـر ِم ـ َن األُ ْخــرى‪.‬‬
‫كا َنـ ْ‬
‫ِ‬
‫اسـتَدَ ْر ُت َعنْهــا َب ْعــدَ َذلِـ َ‬
‫اسـ َت َط ْع ُت َأ ْن َأت ََذ َّكـ َـر‬
‫ـك ال ُبــدَّ َأنَّهــا تَســا َء َل ْت َب ْينَهــا و َب ْيـ َن َن ْف ِســها‪َ :‬ك ْيـ َ‬
‫ـف ْ‬
‫عنْدَ مــا ْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ـم‪ ،‬و َأنــا‬
‫المـ ْـر َأة َ‬
‫َ‬
‫جاجــة الع ْطـ ِـر َّ‬
‫وهد َّيـ َة ُز َ‬
‫عاهـ َة َ‬
‫الصغيـ َـرة‪ ،‬و َأنــا ال َأكا ُد َأ ْع ِر ُفهــا‪ ،‬لَنَّنــا غا َد ْرنــا َح َّينــا ال َقديـ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫المدْ َرسـ َّي َة األُولــى وال حتّى‬
‫ـم َأتَجـ َ‬
‫َواتي َ‬
‫المدْ َر َســة وال َسـن َ‬
‫ـي األَ َّو َل فــي َ‬
‫الساد َسـ َة‪ ،‬ال َأت ََذ َّكـ ُـر َي ْومـ َ‬
‫ـاو ِز ّ‬
‫َلـ ْ‬
‫ِ‬
‫االس ـتُدْ يو‬
‫ـور ٍة‪ ،‬الت ُِق َطـ ْ‬
‫ـت لــي فــي ْ‬
‫المدْ َر َســة وال َأ َّو َل صـ َ‬
‫ُمدَ ِّرســاتي وال َصديقاتــي وال َش ـك َْل َم ْبنــى َ‬
‫ِ‬
‫بعدَ سـ ِـة مصــو ٍر مح َتـ ِـر ٍ‬
‫المن ِْزل َّيـ ِـة األُ ْخــرى‪ ،‬وفيهــا‬
‫ف‪ ،‬و َبــدَ ْت َأ ْك َثـ َـر ُو‬
‫ضوحــا و َأ َقـ َّـل َع ْفو َّيـ ًة مـ َن ُّ‬
‫ً‬
‫َ َ ُ َ ِّ ُ ْ‬
‫الصـ َـو ِر َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـس بقا َمـ ٍـة َصغيـ َـرة ُم ْمتَل َئــة و َع ْينَ ْيـ ِ‬
‫ـري‪ ،‬ن ْص ُف ـ ُه ا ْبتســا َم ٌة ُم َت َك َّل َفـ ٌة‪،‬‬
‫وو ْجــه دائـ ٍّ‬
‫ـن َع َســل َّي َت ْي ِن واسـ َع َت ْي ِن َ‬
‫َأ ْجلـ ُ‬
‫بشـ ِ‬
‫بشـع ٍر ِ‬
‫ـن َم ْعقو َد َت ْيـ ِ‬
‫صير َت ْيـ ِ‬
‫ْل َجدي َل َت ْيـ ِ‬
‫المـ ٍع َعلــى َشـك ِ‬
‫ُمحـ ٌ‬
‫ـن فــي نِها َيتِ ِهمــا َ‬
‫ـرائ َط َب ْيضــا َء‪َ .‬أ ْن ُظـ ُـر‬
‫ـاط َ ْ‬
‫ـن َق َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫إِلــى الصـ ِ‬
‫ـم َبأنَّنــي ال َأت ََذك َُّرهــا‪:‬‬
‫الم َع َّل َقــة فــي ُغ ْر َفــة ُأ ّمــي‪ ،‬و ُأ ْقسـ ُ‬
‫ـورة ُ‬
‫ّ َ‬
‫َوات ّ ِ ِ‬
‫ال َأت ََذكَّرها‪ ،‬يا ُأمي‪ ،‬لِماذا ال تُصدِّ قينَني؟ إِنَّني ال َأت ََذكَّر َأي ًضا حتّى السن ِ‬‫ور ِة‪.‬‬
‫اللح َقة ّ‬
‫َ‬
‫ُ ْ‬
‫َ‬
‫للص َ‬
‫َّ‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫َخيـ ُـل صوتَهــا ي ْأتــي ِمـن و ِ‬
‫ـاب كَثيـ ٍ‬
‫راء َضبـ ٍ‬
‫ـف‪ ،‬ل ُي ْم ِعـ َن فــي ت َْذكيــري‪ ،‬ولكـ ْن َعلــى َطري َقتــي‪:‬‬
‫ْ َ‬
‫َ‬
‫َأ ْحيا ًنــا َأت َ َّ َ ْ‬
‫روجـ ِ‬
‫ـاط هـ ِـذ ِه الصـ ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ـت ِضــدَّ ُخ ِ‬
‫ـك إِلــى‬
‫الر ْغـ ِم ِمـ ْن َأنَّنــي ُكنْـ ُ‬
‫َلكنَّــك َأ ْنــت َمـ ْن َأ َصـ َّـر َعلــى ا ْلتقـ َ‬
‫ـورة َعلــى َّ‬
‫ّ َ‬
‫ـت تهذيـن فــي نومـ ِ‬
‫ـك مرتفعـ ًة‪ ،‬وكنـ ِ‬
‫ـت حرار ُتـ ِ‬
‫(األُسـتُدْ يو)‪ ،‬وأنـ ِ‬
‫ـك فــي الليلـ ِـة التــي‬
‫ـت محمومـ ٌة‪ .‬كانـ ْ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ـك ُكنْــتِ‬
‫ـك إلــى (األُس ـتُدْ يو)؛ ألَ َّنـ ِ‬
‫ـدك وأخيـ ِ‬
‫ـت مصــر ًة علــى مرافقـ ِـة والـ ِ‬
‫ـك كنـ ِ‬
‫ســبقتْها‪ ،‬وم ـ ِع ذلـ َ‬
‫ْ‬
‫ّ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الم ْم ِكـ ِ‬
‫ـور ٌة لخالِـ ٍـد َ‬
‫ـي‬
‫دون َأ ْن تُزاحميــه َعلــى ك ُْرسـ ِّ‬
‫ـن َأ ْن ت ُْؤ َخـ َـذ صـ َ‬
‫ـم َي ُكـ ْن مـ َن ُ‬
‫ـور ًة جــدًّ ا‪َ .‬لـ ْ‬
‫ط ْف َلـ ًة َغيـ َ‬
‫ـك و َعينَيـ ِ‬
‫التّصويـ ِـر‪ُ .‬ا ْن ُظــري إِلــى َأ َثـ ِـر الحمــى َعلــى َخدَّ يـ ِ‬
‫ـك‪.‬‬
‫ْ ْ‬
‫ْ‬
‫ُ ّ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ـون الروايـ ُة ه َكــذا‪َ :‬ل َقـ ِـد ا ْل َت َقـ َ ِ ِ ِ‬
‫ـي ا َّلــذي َ‬
‫كان َقــدْ‬
‫َأ ْحيا ًنــا تَكـ ُ ِّ َ َ‬
‫ـط َلــك َهــذه ّ‬
‫ـور َة َصديـ ُـق والــدك األَجنبـ ُّ‬
‫الصـ َ‬
‫كان ي ْط ِلـ ُـق َع َليـ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـك‪.‬‬
‫ْ‬
‫الجمي َلــة كمــا َ ُ‬
‫ـح ( ُأ ْسـتُدْ يو) َجديــدً ا‪ ،‬و َأرا َد ال َّت َبـ ُّـر َك بِت َْصويـ ِـر ال ِّط ْف َلــة َ‬
‫َف َتـ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ديــث ُم ِ‬
‫غاي ًــرا تَما ًمــا‪ ،‬فت ُ‬
‫الح ُ‬
‫و َأ ْحيانًــا َ‬
‫ــور ِة َ‬
‫كان َأ َّو َل َأ ّيــا ِم‬
‫العيــد‪ ،‬و َقــدْ‬
‫كان َ‬
‫ــو َم ّ‬
‫َقــول ُأ ّمــي‪ :‬لَ َّن َي ْ‬
‫الص َ‬
‫ِ ِ‬
‫راغبـ ًة فــي َأ ْن ُت ْل َت َقـ َ ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫الجديـ ِـد‪.‬‬
‫ـور ٌة ب ُف ْســتانك األَ ْح َمـ ِـر َ‬
‫ـس‪ ،‬و ُكنْــت َ‬
‫وا َفـ َـق عيــدَ ميــادك الخامـ َ‬
‫ـط َلــك صـ َ‬
‫‪106‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫كان فــي ِم ْثـ ِ‬
‫َأ ّمــا خالِــدٌ ا َّلــذي َ‬
‫ـي ال َّليل َّي ـ َة‪ُ ،‬فر َّبمــا َيت ََذ َّكـ ُـر‬
‫ـل ُع ْمــري تَقري ًبــا‪ ،‬وا َّلــذي ُيزاح ُمنــي َأ ْحالمـ َ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫يــوم الصـ ِ‬
‫ـك مرورنــا مــع َأبــي َعلــى المحـ ِّـل الصغيـ ِـر الم ِ‬
‫الصـ ِـق‬
‫َّ‬
‫َ َ‬
‫ـورة بكَثيـ ٍـر مـ ْن تَفاصيلــه بمــا فــي َذلـ َ ُ َ َ َ‬
‫ُ‬
‫َ ْ َ ّ َ‬
‫ِ ِ‬
‫ـض الح َلويـ ِ‬
‫ـات وم َج َّلـ ِـة ِ‬
‫(ماجـ ٍـد)‪.‬‬
‫(لألس ـتُدْ يو) لشــراء َب ْعـ ِ َ ّ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫اإل ْصـ ِ‬
‫ـك ِ‬
‫الذهـ ِ‬
‫ـرار َعلــى َّ‬
‫ َب ْعــدَ ك ُِّل َذلِـ َ‬‫ـار ْت َم ْصــدَ ًرا‬
‫ـم ُت ْع ِج ْبــك ّ‬
‫ـور ُة عنْدَ مــا َر َأ ْيتهــا‪ ،‬وصـ َ‬
‫الصـ َ‬
‫ـاب َلـ ْ‬
‫قاربِـ ِ‬
‫ل َغ َضبِـ ِ‬
‫ـك ُك َّلمــا َأ َر ْدنــا َأ ْن نُر َيهــا َأ َحــدَ َأ ِ‬
‫ـك‪.‬‬
‫‪ -‬لِماذا ُت َع ِّلقينَها في ُغ ْر َفتِ ِك إِذن؟‪.‬‬
‫ذاكرت ِ‬
‫ِ‬
‫َك الن َّّسا َي َة‪.‬‬
‫‪ -‬ل ُت َق ّوي َ‬
‫ذاكــر ِة ُطفو َلتــي‪َ ،‬ل ِك ـن ك َُّل حديـ ٍ‬
‫ف الخالي ـ َة فــي ِ‬
‫ُأريــدُ َأ ْن َأ ْسـ َـم َع َأ ْك َثـ َـر‪ِ ،‬لَ ْمـ َ َ‬
‫ـث َع ـ ْن ُطفو َلتــي‬
‫ـأ ال ُغـ َـر َ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫كان ي ْؤلِمنــي‪ ،‬وي َخ ِّلـ ُ ِ‬
‫ِ‬
‫ساســا با ْل ُغ ْر َبـ ِـة‪.‬‬
‫ُ‬
‫ـف عنْــدي إِ ْح ً‬
‫َأ ْسـ َـم ُع ُه م ـ ْن ُأ ّمــي َ ُ ُ‬
‫اآلخريـ َن ُمحـ ِ‬
‫ـف النّافِـ َـذ ِة‪ ،‬ل َيت ََأ َّمـ َـل َ‬
‫ـم ِمـ ْن َق ْبـ ُـل‪َ ،‬ق ْبـ َـل‬
‫ـف َخ ْلـ َ‬
‫ـت ِم ْثـ َـل َمـ ْن َي ِقـ ُ‬
‫ُكنْـ ُ‬
‫ـاو ًل َأ ْن َيت ََذ َّكـ َـر َأ ْيـ َن َر ُ‬
‫آهـ ْ‬
‫ـم‪ُ ،‬يشـ ِ‬
‫والحديـ َ‬
‫المـ َ‬
‫والض ِحـ َ‬
‫ـك‪ ،‬و َأ َّن‬
‫َأ ْن َي ْكت َِشـ َ‬
‫ـث َّ‬
‫ـي َ‬
‫ـكان والك ُْرسـ َّ‬
‫ـارك ُُه ُم َ‬
‫الم ْوجوديـ َن َب ْين َُهـ ْ‬
‫ـف َأ َّنـ ُه َأ َحــدُ َ‬
‫ـف النّافِـ َـذ ِة هــو ّ ِ‬
‫ِ‬
‫الم ْفقــو َدةُ‪.‬‬
‫ـف َخ ْلـ َ‬
‫الواقـ َ‬
‫ُ َ‬
‫الذاكـ َـر ُة َ‬
‫ـن الحماقـ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫بعدَ هــا بسـن ٍ‬
‫ـات‬
‫َوات ِعنْدَ مــا ِض ْقـ ُ‬
‫الم َف َّض َلــة و َعـ ِ َ‬
‫َْ‬
‫ـت َذ ْر ًعــا َبأحاديــث َصديقاتــي َعـ ْن َأ ْلعابِ ِهـ َّن ُ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـاب و َعـ ْن َصباحــات حاف َلــة َبأ ْمـ ٍ‬
‫ـراض ُم ْختَل َفة كي َيك َْسـ ْب َن‬
‫الصغيـ َـرة ا َّلتــي ْار َت َك ْبنَهــا‪ ،‬ون ْلـ َن َع َل ْيهــا العقـ َ‬
‫َّ‬
‫بحكايـ ِ‬
‫ـأ ر ْأســي ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ـات َم ْيسـ َ‬
‫ـون ُك َّلمــا‬
‫المدْ َر َســة‪ ،‬وعنْدَ مــا ا ْم َتـ َ َ َ‬
‫ســاعات إِضاف َّيـ ًة مـ َن النَّـ ْـو ِم‪ ،‬و َيت ََه َّر ْبـ َن مـ َن َ‬
‫ـب األَ ْطفـ ِ‬
‫وحصـ ِ‬
‫ـت تُدْ ِمنُهــا وكُتِـ ِ‬
‫ـال‬
‫َخ َل ْونــا َم ًعــا فــي َس ـ ّي َارتِها َع ـ ْن ُطفو َلتِهــا‬
‫ـص الموســيقا ا َّلتــي كا َنـ ْ‬
‫َ‬
‫ا َّلتــي َقر َأتْهــا َقبـ َـل َأ ْن تُشـ ِ‬
‫ـاهدَ َأ ْفــا َم (ديزنــي)‪..‬‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ ِ‬
‫ٍ‬
‫َج َع َلنــي ُأ ْم ِسـ ُ‬
‫ـم َي ُعــدْ‬
‫ـك َر ْأســي بك ْلتــا َيـ َّ‬
‫َبــدَ ْأ ُت َأ ْش ـ ُع ُر بغيـ َـرة َحقيق ِّيــة م ـ ْن َشـ ْـأنها َأ ْن ت ْ‬
‫ـدي‪ ،‬و َأ ْبكــي‪َ .‬لـ ْ‬
‫ـات و َعـن ح ِ‬
‫ـن المنْـ ِـز ِل و َعـن َأحاديثــي مــع الصديقـ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـار ِمنْـ ُه‪َ ،‬بـ ْـل َ‬
‫ياة‬
‫ْ َ‬
‫َ َ ّ‬
‫ْ‬
‫كان َأ ًخــا غائ ًبــا َعـ ِ َ‬
‫خالــدٌ ُمناف ًســا‪َ ،‬أغـ ُ‬
‫ِ‬
‫ـك األَحاديـ َ‬
‫ُأ ّمــي و َأبــي‪َ .‬‬
‫الجديــدَ ِة ُهـ َـو تِ ْلـ َ‬
‫ـي فيهــا‪.‬‬
‫غيرتــي َ‬
‫ـم‪ ،‬ال َأ َثـ َـر ل َقدَ مـ ّ‬
‫الملي َئـ َة ب َعوالـ َ‬
‫ـث َ‬
‫كان َم ْصــدَ ُر َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫قــال لــي أســتا ُذ علــ ِم الن ِ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫الجامعــة َّ‬
‫‪،‬يفقــدون ذاكــر َة طفولتهــم‬
‫للبعض‬
‫يحــدث‬
‫إن هــذا‬
‫ّفــس فــي‬
‫ـرة مب ّكـ ٍ‬
‫ـاعر فــي فتـ ٍ‬
‫ـاالت متكـ ٍ‬
‫ـرض لحـ ٍ‬
‫ـباب عديـ ٍ‬
‫ـررة مـ ْن قمـ ِع المشـ ِ‬
‫ألسـ ٍ‬
‫ـدة منهــا َّ‬
‫ـرة مــن‬
‫أن ال ِّطفـ َـل تعـ َ‬
‫عمـ ِ‬
‫ـره‪ ،‬أو أل ّن ـ ُه لــم يأخـ ْـذ كَفاي َت ـ ُه م ـ َن اهتمــا ِم أ ّمـ ِـه بسـ ِ‬
‫ـبب مواليــدَ أخــرى تلت ـ ُه مباشــرةً‪ ،‬أو أل ّن ـ ُه َ‬
‫كان‬
‫‪107‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫أن الحالـ َة تعتبــر نو ًعــا مــن أنــوا ِع فقـ ِ‬
‫الذاكــر ُة إلغا َءهــا تما ًمــا‪ ،‬وأ ّكــدَ لــي َّ‬
‫ـوادث تريــدُ ّ‬
‫َ‬
‫ـدان‬
‫ُعرضـ ًة لحـ‬
‫ُ‬
‫الذاكـ ِ‬
‫الذاكـ ِ‬
‫ـرة (فقـ ِ‬
‫ـرة ال ّطفول ّيـ ِـة)‪ ،‬قـ َ‬
‫ـدان ّ‬
‫ّ‬
‫ـال ذلـ َ‬
‫ـك‪ ،‬وانتظـ َـر ر ّد َة فعلــي‪.‬‬
‫أن ِ‬
‫ـرح السـ ِ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـت آنـ َ‬
‫ـت ْ‬
‫ـؤال بذلـ َ‬
‫ـك ّ‬
‫أبعــدَ التّهمـ َة عــن ذاكرتــي‪.‬‬
‫ـكل المباشـ ِـر‪ ،‬وحاولـ ُ‬
‫خجلـ ُ‬
‫ـذاك مــن طـ ِ ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫قلــت َّ‬
‫الحــوادث‬
‫بعــض‬
‫إن‬
‫ُ‬
‫ّــر َ‬
‫األمــر بالنّســبة لــي َ‬
‫ليــس غيا ًبــا تا ًّمــا ألحــداث ال ّطفولــة فأنــا أتذك ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫األشــخاص ا ّلذيــ َن لــم يعــدْ لهــم وجــو ٌد َ‬
‫القديــم والنّخلــ َة‬
‫ّــر بيتَنــا‬
‫وبعــض‬
‫غيــرة‪،‬‬
‫الص‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫اآلن‪ ،‬وأتذك ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫وابتســم ً‬
‫أغلــب‬
‫قائــا‪َ :‬أنــت إذن تتذكّريــ َن‬
‫إلــي‬
‫العمالقــ َة فــي الفنــاء‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫نظــر َّ‬
‫وبعــض جيراننــا‪ ،‬وقــدْ َ‬
‫ـور تقريبــا فــا تكونــي طماع ـ ًة‪ .‬دعــي فســح ًة لمــا ســيأتي مــن أحـ ٍ‬
‫األمـ ِ‬
‫ـداث‪...‬‬
‫ً‬
‫ّ‬
‫ذلــك ألنّــه صــدَّ َق ِدفاعــي عــن ِ‬
‫ُ‬
‫هــل َ‬
‫ال َأدري ْ‬
‫ذاكرتــي أم ألنّــ ُه َ‬
‫َ‬
‫حــاول مداواتَها‪،‬لكنّنــي‬
‫كان ُي‬
‫قــال‬
‫ْ‬
‫ُ‬
‫إن ِ‬
‫أعصـ َـر ذهنــي؛ لِتسـ َ‬
‫ـت ْ‬
‫ـقط من ـ ُه قطــر ُة ذكــرى حقيق ّي ـ ٌة واحــد ٌة‬
‫ـدت إلــى ُغرفتــي حاولـ ُ‬
‫عندمــا عـ ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫القديــم ِ‬
‫الجيــران‪..‬‬
‫وجــوه‬
‫تخــص بيتَنــا‬
‫أو النّخلــ َة العمالقــ َة أو أحــدَ‬
‫ُّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ـي َأ ْحـ ٌ‬
‫ـت فــي‬
‫المت ََأ ِّخـ َـر ِة‪ُ .‬ر َّبمــا كنْـ ُ‬
‫كا َنـ ْ‬
‫ـت َأ ْغ َلـ ُ‬
‫ـداث تَعــو ُد إِلــى ُطفو َلتــي ُ‬
‫ـب األَ ْحــداث ا َّلتــي َأت ََذك َُّرهــا هـ َ‬
‫ـت َأ ْكبــر‪ ،‬وهــي حـ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ـواد ُ‬
‫ث َجمي َلـ ٌة ك َت َع ُّلمــي قيــا َد َة‬
‫َ َ‬
‫ور َّبمــا ُكنْـ ُ َ َ‬
‫العاشـ َـرة َأ ْو الحاد َيـ َة َع ْشـ َـر َة مـ ْن ُع ْمــري‪ُ ،‬‬
‫ـاز ِ ِ‬
‫ذات العجـ ِ‬
‫الدّ راجـ ِـة ِ‬
‫ـات الكَبيــر ِة‪ ،‬وإِ ْدمانــي علــى ِ‬
‫الجهـ ِ‬
‫ـي النّاطِـ ِـق ا َّلــذي ْاش ـتَرا ُه لــي‬
‫َ َ‬
‫ّ َ‬
‫اإل ْلكتْرونـ ِّ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اسـت َْو َق َفتْنا فــي َأ َحـ ِـد َشـ ِ‬
‫َأبــي ِمـ ْن َم َحـ ِّـل َألعـ ٍ‬
‫ـاب‪َ ،‬ذ َه ْبنــا إِ َل ْيـ ِـه فــي َل ْي َلـ ٍـة ُم ْمطِـ َـر ٍة‪ ،‬وتِ ْلـ َ‬
‫ـوار ِع‬
‫المـ ْـر َأة ا َّلتــي ْ‬
‫ـك َ‬
‫ـك اليــو ِم ا َّلــذي ُفـ ْـز ُت فيـ ِـه ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـس‪ ،‬لتَقـ َ‬
‫بم َظ َّلـ ٍـة‪،‬‬
‫ـول إِنَّنــي ُأ ْشــبِ ُه ُم َم ِّث َل ـ ًة َصغيـ َـرةً‪ُ ،‬يح ُّبهــا ا ْبنُهــا‪ ،‬و َذلـ َ َ ْ‬
‫باريـ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َحتــوي‬
‫َع َل ْيهــا إِ ْحــدى َل ْوحــات (كُلــو َد مونيــه) فــي َمدينَــة َمــاه َبعيــدَ ة‪ ،‬و ُع ْل َبــة األَ ْلــوان الكَبيـ َـرة ا َّلتــي ت ْ‬
‫ات‪ِ ،‬‬
‫ـرات المــر ِ‬
‫َعلــى َثمانيـ ٍـة و َأربعيـن َلو ًنــا‪ ،‬رســم ُت بِهــا وجـه ُأمــي َع َشـ ِ‬
‫وكتـ ِ‬
‫(حـ ْـو َل العا َلـ ِم فــي‬
‫ـاب َ‬
‫َ‬
‫َ ّ‬
‫َ ْ َ ّ‬
‫َْ َ ْ َ َ ْ‬
‫ـاث مــر ٍ‬
‫ات َعلــى التّوالــي‪.‬‬
‫َثمانيـ َن َي ْو ًمــا) ا َّلــذي َق َر ْأ ُتـ ُه ثـ َ َ ّ‬
‫ِ‬
‫الواحــدَ ِة بعــدَ منْتَص ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الســا َع ُة َت ْقت ِ‬
‫ــف ا َّل ْل ْي ِ‬
‫َخ ّل ُ‬
‫ــر ِد َتت َ‬
‫ــل‬
‫َــر ُب ِمــ َن‬
‫ــل‪ ،‬وا ْن َت َب ْه ُ‬
‫َْ ُ َ‬
‫ــت إِلــى َل ْســ َعة ال َب ْ‬
‫كانَــت ّ‬
‫الع ْطـ ِـر ِم ـن ِ‬
‫َخرج ُت ُزجاج ـ َة ِ‬
‫ِ‬
‫الخزا َنـ ِـة‪ ،‬وت ََأ َّم ْلتُهــا َق ْبـ َـل َأ ْن َأ ْفت ََحهــا‪،‬‬
‫َج َســدي‪َ .‬أ ْغ َل ْقـ ُ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫واس ـت ْ َ ْ‬
‫ـت النّافـ َـذةَ‪ْ ،‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫و َتنْت َِشــر ِ‬
‫ـي َح ًّقــا‪،‬‬
‫رائ َحتُهــا ال َقو َّي ـ ُة فــي َهــواء ال ُغ ْر َفـ ِـة‪ُ ،‬كنْـ ُ‬
‫ـي ا َّلتــي َأ ْهدَ تْهــا إِ َلـ َّ‬
‫ـت َأت ََمنّــى َلـ ْـو َأ َّن ف َّض ـ َة هـ َ‬
‫َ‬
‫ـم َي ُك ـ ْن َهــذا ُم َجـ َّـر َد ُح ُل ـ ٍم‪.‬‬
‫و َلـ ْ‬
‫ـت‬
‫ـض‪ُ ،‬كنْـ ُ‬
‫ـت َأت ََمنّــى َلـ ْـو َأ َّن فِ َّض ـ َة َظ َّلـ ْ‬
‫ُكنْـ ُ‬
‫ـم ت َْر َحـ ْـل َعنّــا‪ ،‬و َأنــا فــي ذلــك ال ُع ُمـ ِـر ال َغـ ِّ‬
‫جارتَنــا‪ ،‬و َلـ ْ‬
‫ـت َ‬
‫ـظ فِعـ ًـا بصـ ٍ ِ‬
‫ـت ُأمــي ت ِ‬
‫ـع َأخــي خالِـ ٍـد ُم َع َّل َق ـ ًة فــي ُغ ْر َفتِهــا‪،‬‬
‫ـورة م ـ ْن ُطفو َلتــي َمـ َ‬
‫َحتَفـ ُ ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫َأت ََمنّــى َلـ ْـو كا َنـ ْ ّ‬
‫ــو َ‬
‫كان لــي َأ ٌخ‪.‬‬
‫و ُكن ُ‬
‫ْــت دو ًمــا َأت ََمنّــى َل ْ‬
‫‪108‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫ورقة من الرملة‬
‫غسان كنفاين‬
‫أوقفونــا صفيــن علــى طرفــي الشــارع الــذي يصــل الرملــة بالقــدس‪ ،‬وطلبــوا منــا أن نرفــع أيدينــا‬
‫متصالبــة فــي الهــواء‪ ،‬وعندمــا الحــظ أحــد الجنــود اليهــود أن أمــي تحــرص علــى وضعــي أمامهــا‬
‫كــي أتقــي بظلهــا شــمس تمــوز‪ ،‬ســحبني مــن يــدي بعنــف شــديد‪ ،‬وطلــب منــي أن أقــف علــى ســاق‬
‫واحــدة‪ ،‬وأن أصالــب ذراعــي فــوق رأســي فــي منتصــف الشــارع التــرب‪..‬‬
‫كنــت فــي التاســعة مــن عمــري يومــذاك‪ ،‬ولقــد شــهدت قبــل أربــع ســاعات فقــط كيــف دخــل‬
‫اليهــود إلــى الرملــة‪ ،‬وكنــت أرى وأنــا واقــف هنــاك فــي منتصــف الشــارع الرمــادي كيــف كان اليهــود‬
‫يفتشــون عــن حلــى العجائــز والصبايــا‪ ،‬وينتزعونهــا منهــن بعنــف وشراســة‪ ،‬وكان ثمــة مجنــدات‬
‫أيضــا كيــف كانــت أمــي‬
‫ســمراوات يقمــن بنفــس العمليــة‪ ،‬ولكــن فــي حمــاس أشــد‪ .‬وكنــت أرى ً‬
‫تنظــر باتجاهــي وهــي تبكــي بصمــت‪ ،‬وتمنيــت لحظــة ذاك لــو أســتطيع أن أقــول لهــا أننــي علــى مــا‬
‫ـي‪ ،‬بالشــكل الــذي تتصــوره هــي‪..‬‬
‫يــرام‪ ،‬وأن الشــمس ال تؤثــر فـ ّ‬
‫كنــت أنــا مــن تبقــى لهــا‪ ،‬فأبــي قــد مــات قبــل بــدء الحــوادث بســنة كاملــة‪ ،‬وأخــي الكبيــر أخــذوه أول‬
‫مــا دخلــوا الرملــة‪ ،‬لــم أكــن أعــرف بالضبــط مــاذا كنــت أعنــي بالنســبة ألمــي‪ ،‬لكننــي اآلن ال أســتطيع‬
‫أن أتصــور كيــف كانــت األمــور ســتجري لــو أننــي لــم أكــن عندهــا ســاعة وصلــت دمشــق‪ ،‬ألبيــع لهــا‬
‫جرائــد الصبــاح وأنــا أنــادي وأرتجــف قــرب مواقــف الباصات‪..‬‬
‫لقــد بــدأت الشــمس تذيــب صمــود النســاء والشــيوخ‪ ..‬وارتفعــت مــن هنــا وهنــاك بعــض‬
‫االحتجاجــات اليائســة البائســة‪ ،‬كنــت أرى بعــض الوجــوه التــي اعتــدت أن أراهــا فــي شــوارع‬
‫ـعورا دقي ًقــا مــن األســى‪ ،‬لكننــي أبــدً ا لــن أســتطيع تفســير ذلــك‬
‫الرملــة الضيقــة وتبعــث فــي اآلن شـ ً‬
‫الشــعور العجيــب الــذي تملكنــي‪ ،‬ســاعة رأيــت مجنــدة يهوديــة تعبــث ضاحكــة بلحيــة عمــي أبــي‬
‫عثمــان‪..‬‬
‫وعمــي أبــو عثمــان ليــس عمــي بالضبــط‪ ،‬ولكــن حــاق الرملــة وطبيبهــا المتواضــع‪ ،‬ولقــد تعودنــا‬
‫علــى أن نحبــه منــذ وعينــاه وأن نناديــه بعمــي احترا ًمــا وتقديـ ًـرا‪ ،‬كان واق ًفــا يضــم إلــى جنبــه ابنتــه‬
‫األخيــرة‪ ،‬فاطمــة‪ ،‬صغيــرة ســمراء تنظــر بعينيهــا الســوداوين الواســعتين إلــى اليهوديــة الســمراء‪..‬‬
‫‪109‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ ابنتك؟!‬‫وهــز أبــو عثمــان رأســه بقلــق؟ ولكــن عينيــه كانتــا تلتمعــان بِت ََم ُّعـ ٍ‬
‫ـن قائــم عجيــب‪ ،‬وببســاطة شــديدة‬
‫رفعــت اليهوديــة مدفعهــا الصغيــر‪ ،‬وصوبتــه إلــى رأس فاطمــة‪ ،‬الصغيــرة الســمراء ذات العيــون‬
‫دائمــا‪..‬‬
‫الســوداء المتعجبــة ً‬
‫فــي تلــك اللحظــة‪ ،‬وصــل أحــد الحــراس اليهــود فــي تجوالــه أمامــي‪ ،‬ولفــت نظــرة الموقــف‪ ،‬فوقف‬
‫حاج ًبــا عنــي المنظــر‪ ،‬ولكننــي ســمعت صــوت ثــاث طلقــات متقطعــة دقيقــة‪ ،‬ثــم تيســر لــي أن أرى‬
‫وجــه أبــي عثمــان يتمــوج بأســى مريــع‪ ،‬ونظــرت إلــى فاطمــة‪ ،‬مدلــى رأســها إلــى األمــام‪ ،‬ونقــاط مــن‬
‫الــدم تتالحــق هابطــة خــال شــعرها األســود إلــى األرض البنيــة الســاخنة‪.‬‬
‫وبعــد هنيهــة‪ ،‬مــر أبــو عثمــان مــن جانبــي‪ ،‬حامـ ًـا علــى ســاعديه الهرمتيــن جثــة فاطمــة‪ ،‬الصغيــرة‬
‫الســمراء‪ :‬كان صام ًتــا جامــدً ا ينظــر أمامــه بهــدوء بيــن الصفيــن إلــى أول منعطــف‪ ،‬وعــدت أنظــر‬
‫إلــى زوجتــه جالســة علــى األرض ورأســها بيــن كفيهــا تبكــي بأنيــن مقطــع حزيــن‪ ،‬وتوجــه جنــدي‬
‫يهــودي نحوهــا‪ ،‬وأشــار لهــا أن تقــف‪ ..‬ولكــن العجــوز لــم تقــف‪ ،‬كانــت يائســة إلــى آخــر حــدود‬
‫اليــأس‪.‬‬
‫هــذه المــرة‪ ،‬اســتطعت أن أرى بوضــوح كل مــا حــدث‪ ،‬ورأيــت بعينــي كيــف رفســها الجنــدي‬
‫بقدمــه‪ ،‬وكيــف ســقطت العجــوز علــى ظهرهــا ووجههــا ينــزف د ًمــا‪ ،‬ثــم رأيتــه‪ ،‬بوضــوح كبيــر‪،‬‬
‫يضــع فوهــة بندقيتــه فــي صدرهــا‪ ،‬ويطلــق رصاصــة واحــدة‪.‬‬
‫فــي اللحظــة التاليــة‪ ،‬توجــه الجنــدي ذاتــه نحــوي‪ ،‬وبهــدوء شــديد طلــب منــي أرفــع ســاقي التــي‬
‫أنزلتهــا لــأرض دون أن أشــعر وعندمــا رفــس ســاقي صفعنــي مرتيــن‪ ،‬ومســح مــا علــق علــى ظاهــر‬
‫يــده مــن دم فمــي‪ ،‬بقميصــي‪ ،‬وشــعرت بإعيــاء مدمــر لكننــي نظــرت إلــى أمــي‪ ،‬هنــاك بيــن النســاء‪،‬‬
‫رافعــة ذراعيهــا فــي الهــواء كانــت تبكــي بصمــت ولكنهــا فــي تلــك اللحظــة ضحكــت مــن خــال‬
‫بكائهــا ضحكــة صغيــرة دامعــة‪ ،‬وشــعرت بســاقي تلتــوي تحــت ثقلــي‪ ،‬وبألــم فظيــع يــكاد يقطــع‬
‫أيضــا‪ ،‬وتمنيــت مــرة أخــرى لــو أننــي أســتطيع أن أركــض إلــى أمــي‪،‬‬
‫فخــذي‪ ،‬لكننــي ضحكــت ً‬
‫فأقــول لهــا إننــي لــم أتألــم كثيـ ًـرا مــن الصفعتيــن‪ ،‬وإننــي علــى مــا يــرام‪ ،‬وأرجوهــا باكـــــــ ًيا أالّ تبكي‪،‬‬
‫وأن تتصــرف كمــا تصــرف أبــو عثمــان قبــل هنيهــة‪.‬‬
‫‪110‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫وقطــع أفــكاري مــرور أبــي عثمــان مــن أمامــي عائــدً ا إلــى مكانــه بعــد أن دفــع فاطمــة‪ ،‬وعندمــا‬
‫حاذانــي‪ ،‬غيــر ناظــر إلــي البتــة‪ ،‬تذكــرت أنهــم قتلــوا زوجتــه‪ ،‬وأن عليــه أن يواجــه مصا ًبــا جديــدً ا‬
‫اآلن‪ ،‬وتابعتــه مشــف ًقا‪ ،‬خائ ًفــا بعــض الشـ ِ‬
‫ـيء‪ ،‬إلــى أن وصــل إلــى مكانــه فوقــف هنيهــة مول ًيــا ظهــره‬
‫المحــدودب المبلــول بالعــرق‪ ،‬لكنــي اســتطعت أن أتصــور وجهــه‪ :‬جامــدً ا صام ًتــا مزرو ًعــا بحبيــات‬
‫مــن العــرق الالمــع‪ ،‬وانحنــى أبــو عثمــان ليحمــل علــى ذراعيــه الهرمتيــن جثــة زوجتــه التــي طالمــا‬
‫رأيتهــا متربعــة أمــام دكانــه تنتظــر انتهــاءه مــن الغــداء كــي تعــود إلــى الــدار باألوانــي الفارغــة‪ ،‬ومــا‬
‫لبــث أن مــر بــي‪ ،‬وللمــرة الثالثــة‪ ،‬اله ًثــا لها ًثــا رفي ًعــا متواصـ ًـا وحبيبــات العــرق مزروعــة فــي وجهــه‬
‫المغضــن‪ ،‬وحاذانــي‪ ،‬غيــر ناظــر إلــي البتــة‪ ،‬وعــدت مــرة أخــرى أراقــب ظهــره المنحنــي المبتــل‬
‫بالعــرق وهــو يســير الهوينــى بيــن الصفيــن‪.‬‬
‫لقــد كــف النــاس عــن البــكاء‪ ،‬وخيــم ســكون فاجــع علــى النســاء والشــيوخ وبــدا كأنمــا ذكريــات أبي‬
‫عثمــان تنخــر فــي عظــام النــاس بإصــرار‪ ،‬هــذه الذكريــات الصغيــرة التــي حكاهــا أبــو عثمــان لــكل‬
‫رجــال الرملــة وهــم مستســلمون لــه علــى كرســي الحالقــة‪ ..‬هــذه الذكريــات التــي بنــت لنفســها‬
‫خاصــا فــي صــدور كل النــاس هنــا‪ ..‬هــذه الذكريــات بــدت كأنمــا تنخــر فــي عظــام النــاس‬
‫عالمــا ً‬
‫ً‬
‫بإصــرار‪.‬‬
‫لقــد كان أبــو عثمــان‪ ،‬كل عمــره‪ ،‬رجـ ًـا مســالما محبوبــا‪ ،‬كان يؤمــن بــكل شـ ٍ‬
‫ـيء‪ ،‬وأكثــر مــا آمــن‬
‫ً‬
‫ً‬
‫بنفســه‪ ،‬لقــد بنــى حياتــه مــن الالشــيء‪ ،‬فعندمــا قذفتــه ثــورة جبــل النــار إلــى الرملــة كان قــد فقــد كل‬
‫شــيء‪ ،‬وبــدأ مــن جديــد‪ :‬طبي ًبــا كأي غرســة خضــراء فــي أرض الرملــة الطيبــة‪ ،‬وكســب حــب النــاس‬
‫ورضــى النــاس‪ ،‬وعندمــا بــدأت حــرب فلســطين األخيــرة‪ ،‬بــاع كل شــيء‪ ،‬واشــترى أســلحة كان‬
‫يوزعهــا علــى أقاربــه ليقومــوا بواجبهــم فــي المعركــة‪ ،‬لقــد انقلبــت دكانــه إلــى مخــزن للمتفجــرات‬
‫واألســلحة‪ ،‬ولــم يكــن يريــد لهــذه التضحيــة أي ثمــن‪ ،‬كل مــا كان يطلــب هــو أن يدفــع فــي مقبــرة‬
‫الرملــة الجميلــة المزروعــة باألشــجار الكبيــرة‪ ،‬هــذا كان كل مــا يريــده مــن النــاس‪ ..‬كل رجــال‬
‫الرملــة يعرفــون أن أبــا عثمــان ال يريــد أن يدفــن فــي مقبــرة الرملــة عندمــا يمــوت‪.‬‬
‫هــذه األشــياء الصغيــرة هــي التــي أســكتت النــاس‪ ،‬كانــت وجوهــم المبلولــة بالعــرق تنــوء تحــت‬
‫ثقــل هــذه الذكــرى‪ ..‬ونظــرت إلــى أمــي‪ ،‬واقفــة هنــاك‪ ،‬رافعــة ذراعيهــا فــي الهــواء‪ ،‬شــادة قامتهــا‬
‫كأنهــا وقفــت اآلن‪ ،‬تتابــع أبــا عثمــان بنظرهــا‪ ..‬صامتــة كأنهــا كــوم رصــاص‪ ،‬وعــدت أنظــر إلــى‬
‫‪111‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫بعيــد‪ ،‬ورأيــت أبــا عثمــان واق ًفــا أمــام حــارس يهــودي يحادثــه ويشــير إلــى دكانــه‪ ،‬ومــا لبــث أن‬
‫ســار وحيــدً ا باتجــاه الــدكان‪ ،‬وعــاد حامـ ًـا فوطــة بيضــاء لــف بهــا جثــة زوجتــه‪ ..‬وتابــع طريقــه إلــى‬
‫المقبــرة‪.‬‬
‫ثــم لمحتــه عائــدً ا مــن بعيــد‪ ،‬بخطواتــه الثقيلــة وظهــره المنحنــي وســاعديه الســاقطين إلــى جنبيــه‬
‫بإعيــاء‪ ،‬واقتــرب منــي بطي ًئــا كمــا كان يســير‪ ،‬شـ ً‬
‫ـيخا أكثــر ممــا كان‪ ،‬معفـ ًـرا مغبـ ًـرا يلهــث لها ًثــا طويـ ًـا‬
‫رفي ًعــا‪ ،‬وعلــى صدريتــه نقــاط كثيــرة مــن الــدم الممــزوج بالتــراب‪..‬‬
‫ـي كأنــه يمــر بــي للمــر األولــى ويرانــي‪ ،‬واق ًفــا هنــاك‪ ،‬فــي منتصــف الشــارع‬
‫ولمــا حاذانــي‪ ،‬نظــر إلـ ّ‬
‫ً‬
‫مبلــول بالعــرق‪ ،‬بشــفة مجروحــة مــدالة تجمــد‬
‫معفــرا‬
‫تحــت ســطح شــمس تمــوز المحرقــة‪:‬‬
‫ً‬
‫عليهــا الــدم‪ ،‬وأطــال النظــر وهــو يلهــث‪ ،‬كانــت فــي عينيــه معــان كثيــرة لــم أســتطع فهمهــا ولكننــي‬
‫أحسســتها ومــا لبــث أن عــاد إلــى مســيره‪ ،‬بطي ًئــا مغبـ ًـرا اله ًثــا‪ ،‬فوقــف‪ ،‬وأدار وجهــه للشــارع‪ ،‬ورفــع‬
‫ذراعيــه وصالبهمــا فــي الهــواء‪.‬‬
‫لــم يتيســر للنــاس أن يدفنــوا أبــا عثمــان كمــا أراد‪ ،‬ذلــك أنــه عندمــا ذهــب إلــى غرفــة القائــد ليعتــرف‬
‫ـارا هائـ ًـا هــدم الــدار وضاعــت أشــاء أبــي عثمــان بيــن األنقــاض‪.‬‬
‫بمــا يعــرف‪ ،‬ســمع النــاس انفجـ ً‬
‫وقالــوا ألمــي‪ ،‬وهــي تحملنــي عبــر الجبــال إلــى األردن‪ ،‬أن أبــا عثمــان عندمــا ذهــب إلــى دكانــه قبــل‬
‫ن يدفــن زوجــه‪ ،‬لــم يرجــع بالفوطــة البيضــاء‪ ،‬فقــط‪.‬‬
‫‪112‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫لؤلؤ يف الطريق‬
‫غسان كنفاين‬
‫صمــت المذيــاع فجــأة‪ ،‬وســمعت دقــات ســاعة منهوكــة تأتــي مــن أقصــى المدينــة‪ ،‬ثــم اندلــق‬
‫الصــوت دفعــة واحــدة فد َّقــت أغنيــة ماجنــة قطعهــا صــوت يهنــئ بحلــول العــام الجديــد‪.‬‬
‫ولكــن الغرفــة بمــن فيهــا بقيــت صامتــ ًة كمــا كانــت‪ ،‬كان صمتًــا مــن ذلــك الطــراز الــذي يحتــار‬
‫ً‬
‫حافــا بالعــذاب؟ أم ألننــا ســوف‬
‫اإلنســان فــي تفســيره‪ :‬أنصمــت‪ ،‬يــا تــرى‪ ،‬ألننــا ودعنــا عا ًمــا‬
‫نســتقبل عا ًمــا آخــر‪ ،‬ال يبــدو أقــل عذا ًبــا؟ أم لألمريــن م ًعــا؟‬
‫كان مــن الضــروري أن يحــرك إنســان مــا الجــو المخنــوق‪ ،‬وهكــذا اقتــرح حســن أن نخــرج إلــى‬
‫مخيمــا‬
‫الشــرفة‪ ،‬حيــث نتنشــق هــواء العــام الجديــد قبــل أن تبتذلــه أنــوف اآلخريــن‪ ،‬كان الظــام‬
‫ً‬
‫بقســوة‪ ،‬وكان لهــب أحمــر فــي نهايــة األفــق‪ ،‬حيــث تحــرق شــركات النفــط الغــاز المتبقــي عــن‬
‫حاجتهــا‪ ،‬كان ال ّلهــب يترنــح فــي محاولــة يائســة إلنــارة األفــق كلــه‪ ،‬وكان يتهــاوى بيــن الفينــة‬
‫واألخــرى حتــى يغســل األرض بذوبــه‪ ،‬ثــم ينطلــق مــن جديــد‪.‬‬
‫كثيرا جدًّ ا‪ ،‬ولكن هنالك من ال يستطيع أن يشم رائحة طعام طهي جيدً ا)‪.‬‬
‫كثيرا‪ً ،‬‬
‫ (إننا نربح ً‬‫قال حسن ذلك فيما يتكئ على حاجز الشرفة‪ ،‬بينما اقتعد الباقون حواف النوافذ الواطئة‪.‬‬
‫كنــا قــد عفنــا مثــل هــذا النــوع مــن دروس األخــاق‪ ،‬كنــا نعرف كل شــيء عــن النــاس الذيــن يذوبون‬
‫أيضــا‪ ،‬أدق التفاصيــل عــن بطولــة الذيــن أتــوا‬
‫فيمــا هــم يفتشــون عــن وســيلة للعيــش‪ ،‬وكمــا نعــرف‪ً ،‬‬
‫مــن بعيــد كــي يعيشــوا‪ ،‬فماتــوا مــن فــرط مــا تاقــوا إلــى العيــش‪ ..‬ولــم نكــن فــي حاجــة لــدرس‬
‫جديــد فــي األخــاق‪ ،‬يأتــي مــن إنســان حالــم‪ ،‬يــأكل األفــق بعيــون متجهمــة‪ ،‬ويتكــئ كالشــعراء‬
‫علــى حاجــز الشــرفة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫شيء من التحدي‪:‬‬
‫إال أن صوت حسن ما لبث أن وصل من جديد‪ ،‬محتو ًيا على‬
‫قصة حدثت قبل عام‪ ،‬في مطلع العام الماضي‪ .‬وكنت أنا أحد أبطالها)‪.‬‬
‫ (أعرف َّ‬‫وعاد إلى صمته‪ ،‬وبدا لنا أنه قد كف عن رغبته في التحدث‪ ،‬ولكنه عاود من جديد‪:‬‬
‫‪113‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫‪ -‬يجــب أن يمــوت اإلنســان فــي مطلــع عــام‪ ،‬أو فــي نهايــة عــام‪ ،‬فذلــك أدعــى لحفــظ تاريــخ موتــه‬
‫مــن إنســان يمــوت فــي يــوم مــن األيــام‪ ..‬لقــد مــات صاحبــي‪ ،‬وبطــل قصتــي‪ ،‬فــي مطلــع العــام‪،‬‬
‫وهكــذا فإنــه مــن الصعوبــة بمــكان أن ننســى موتــه‪ ،‬ولذلــك فنحــن مجبــرون علــى أالَّ ننســى قصتــه‬
‫أيضــا!)‬
‫ً‬
‫لقد أصبح من الواجب‪ ،‬اآلن‪ ،‬أن يسأل أحدنا‪ ،‬ولو دون أن يرغب في ذلك‪:‬‬
‫ ( وما هي القصة؟)‬‫‪( -‬القصــة يــا ســيدي غريبــة ح ًّقــا‪ ..‬وإن كنــت أتعمــد نســيانها أثنــاء العــام‪ ،‬كــي ال يكذبنــي النــاس‪،‬‬
‫أو أكــذب نفســي‪ ،‬فإنــه لمــن العبــث أن أنســاها اآلن‪ ..‬ونحــن فــي مطلــع عــام‪ ..‬لمــاذا؟ آه‪ ..‬إننــي ال‬
‫أدري علــى اإلطــاق‪ ..‬ولكننــي أشــعر أنــه مــن العبــث أن أنســاها أكثــر ممــا فعلــت‪ ،‬ولذلــك‪ ،‬فــا‬
‫أيضــا‪)..‬‬
‫بــد أن تســمعوها منــي‪ ،‬وقــد يخفــف هــذا عنــي بعــض الشــيء‪ً ،‬‬
‫واســتدار حســن‪ ،‬فواجهنــا وجــه مظلــل بمأســاة متلبــدة كتقاطيعــه‪ ،‬كان ال ّلهــب األحمــر قــد ارتفــع‬
‫فــي نهايــة األفــق حتــى أقصــاه‪ ،‬ثــم انخفــض إلــى األرض مــن جديــد‪ ،‬وقــال حســن‪:‬‬
‫ (لــم أكــن أدري ّ‬‫أن ســعد الديــن ســوف يلحــق بــي إلــى هنــا‪ ..‬صحيــح أننــا عشــنا طفولتنــا ســوية‪،‬‬
‫لكننــي حصلــت مــن الشــهادات‪ ،‬فيمــا بعــد‪ ،‬مــا عجــز هــو عــن تحصيلــه‪ ،‬ولذلــك فــإن إمكانيــة‬
‫الكســب كانــت متوفــرة فــي حالتــي أكثــر ممــا هــي فــي حالتــه‪ ،‬ولكنــه رغــم ذلــك أتــى إلــى هنــا‪،‬‬
‫طموحــا شــديدَ ا فــي أن يربــح شــي ًئا مــا‪ ،‬وكان هــذا الطمــوح‪ ،‬يورثــه حماســة ال تهــدأ‪.‬‬
‫طامحــا‬
‫ً‬
‫ً‬
‫لقــد رحبــت بــه ضي ًفــا فــي منزلــي‪ ،‬وكنــت أعتنــي بــه قــدر طاقتــي‪ ،‬ولكننــي لــم أكــن أســتطيع تقديــم‬
‫أي شــيء يســهل لــه طريــق وظيفــة مــا‪ ،‬لــم يكــن الصــراع علــى أبــواب دوائــر الدولــة فــي صالحــه‬
‫أبــدً ا‪ ،‬وكانــت شــهادة أي إنســان تعنــي بالنســبة لــه ك ًّفــا مبســوطة توشــك أن تصفعــه بقــوة ال ترحــم‪،‬‬
‫وكنــت علــى اســتعداد لتحمــل ســعد الديــن أطــول مــدة مقــدرة‪ ،‬ولكننــي لــم أكــن أســتطيع أن أمنــع‬
‫نفســي مــن أن أشــرح لــه بيــن الفينــة واألخــرى أن الوظيفــة بالنســبة لــه بعيــدة‪ ،‬وأن عليــه أن يعــود إلــى‬
‫بلدتــه حيــث يمكــن للمشــكلة أن تحــل بطريقــة أو بأخــرى‪ ،‬قلــت لــه فــي مــرة إن العجلــة التــي تــدور‬
‫هنــا شرســة إلــى حــدود أســطورية‪ ،‬وإنهــا ال تهتــم باإلنســان الفــرد علــى اإلطــاق‪ ،‬وإن الجــوع‬
‫منظــرا مســل ًّيا فحســب‪ ،‬وإن النــاس هنــا يلهثــون‬
‫بالنســبة للبــذخ الماثــل ال يمكــن أن يكــون إال‬
‫ً‬
‫‪114‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫راكضيــن وراء القــرش إلــى حــد أنهــم ال يلتفتــون خلفهــم كــي يشــاهدوا الزاحفيــن‪ ..‬ولكــن ســعد‬
‫الديــن لــم يكــن يهمــه مــن األمــر شــيء‪ ،‬ولقــد قــال لــي مــرة إنــه ال يمكــن لــه أن يعــود بــا عمــل‪،‬‬
‫وبــا مــال‪ ،‬وإنــه ال يســتطيع أن يتحمــل علــى اإلطــاق نظــرة صديــق أو عــدو‪ ،‬يقــول لــه‪ ،‬أو يهمــس‪،‬‬
‫أو يشــير‪ ،‬أو ال يقــول وال يهمــس وال يشــير‪ ،‬كيــف يعــود مــن وادي الذهــب بــا ذهــب؟‬
‫ يا سعد الدين‪...‬‬‫كنت أقول له بين الفينة واألخرى‪.‬‬
‫‪ -‬يــا ســعد الديــن‪ ،‬غــدً ا ســوف ينتهــي مــا جلبتــه معــك مــن مــال‪ ،‬فكيــف تريــد أن تتصــرف؟ هــل‬
‫تتوقــع مــن أصدقائــك أن يربــوك فــي بيوتهــم كأنــك مدلــل ضائــع؟ إن صحتــك ال تســاعدك علــى‬
‫العيــش اعتبا ًطــا‪ ،‬أنــت تشــكو ضع ًفــا مـ ًّـرا فــي قلبــك يســتلزم راحــة مطلقــة‪ ..‬وغــذاء جيــدً ا‪ ..‬وهكــذا‬
‫فــإن جــو العائلــة يناســبك أكثــر مــن انفــراط جــو العــازب‪ ..‬يجــب أن تعــود إذا وجــدت فــي جيبــك‬
‫أجــرة العــودة‪.‬‬
‫ولكــن ســعد الديــن لــم يســتمع‪ ،‬كان يريــد أن يبقــى فــي المدينــة الصاخبــة‪ ،‬الســائرة رغــم كل شــيء‪،‬‬
‫يفتــش‪ ،‬ويلــف‪ ،‬ويــدور‪ ،‬ويبحــث عــن شــيء مــا‪.‬‬
‫ولكــن‪ ،‬يــا أصدقائــي‪ ،‬لــن أطيــل عليكــم‪ ،‬لقــد أتانــي ذات يــوم فقــال‪ :‬إن مــا معــه مــن المــال يوشــك‬
‫أن ينفــد‪ ،‬وأنــه قــد وقــع فــي الفــخ حيــث ال يســتطيع أن يســتمر أكثــر‪ ،‬وال أن يتراجــع‪ ،‬وطلــب منــي‬
‫المشــورة‪ ..‬مــاذا كنــت اســتطيع أن أقــدم لــه ســوى ثمــن العــودة؟ ولكنــه رفــض‪ ،‬وكان يريــد معجــزة‬
‫مــا شــأن كل مــن يأتــي إلــى هنــا‪ ..‬معجــزة تمــأ جيوبــه بالذهــب‪ ،‬وتمســك بيــده تقــوده بلطف شــديد‬
‫إلــى داره علــى بســط ممــدودة‪ ..‬ولقــد بذلــت‪ ،‬يشــهد ال ّلــه‪ ،‬جهــدً ا هائـ ًـا مــن أجــل أن أجتـ ّ‬
‫ـث مــن‬
‫رأســه أيــة فكــرة تدفعــه للتــردد‪ ..‬ولقــد اقتنــع أخيـ ًـرا‪ ..‬ثــم‪ ،‬وخــوف أن يتراجــع كعادتــه‪ ،‬طلبــت منــه‬
‫ـورا إلــى أقــرب مكتــب ســفر كــي يرتبــط نهائ ًّيــا بموعــد إقــاع وشــيك‪.‬‬
‫أن يســير معــي فـ ً‬
‫غائمــا بــار ًدا‪ ،‬وكان صمــت ســعد الديــن‬
‫لقــد ســرنا ســوية‪ ،‬كمــا أذكــر‪ ،‬تلــك الظهيــرة‪ ،‬كان الجــو ً‬
‫حرجــا ال قبــل لــي بــه‪ ،‬وهكــذا قــررت أن أصمــت أنــا اآلخــر‪ ،‬ولكــن صــوت ســعد الديــن‬
‫يورثنــي ً‬
‫مــا لبــث أن انقــض متله ًفــا‪ ،‬وأحسســت بك ّفــه تشــد ذراعــي بعنــف‪ ،‬وحيــن التفــت إليــه كان نــدا ًء مـ ًّـرا‬
‫يلتمــع فــي عيونــه‪ ،‬ويختلــج برجــاء أخيــر‪ ،‬وقــال لــي شــبه متوســل‪:‬‬
‫‪115‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫‪ -‬اســمع يــا حســن‪ ..‬أنــا أؤمــن أن خلــف هــذه الزرقــة يوجــد أمـ ٌـل مــا‪ ..‬ولذلــك فأنــا ال أظــن مطل ًقــا‬
‫أنــه ســوف يتخلــى عنــي‪ ،‬لقــد وضحــت أمامــي طريــق جديــدة‪ ..‬وال بــد لــي مــن ســلوكها‪.‬‬
‫ أي طريق؟‬‫‪ -‬انظر هناك‪ ..‬أترى ذلك الجالس أمام القفص في وسط الساحة؟ أتعرف ماذا يبيع؟؟‬
‫بائســا يجلــس القرفصــاء أمــام قفــص صغيــر‪ ،‬ولــم يكــن هنــاك‬
‫ونظــرت عبــر الســاحة‪ ،‬فرأيــت رجـ ًـا ً‬
‫أي زبــون‪ ،‬ثــم إن الطقــس كان بــر ًدا‪:‬‬
‫‪ -‬ال أعرف!‬
‫محــارا‪ ..‬هــذا القفــص ملــيء بالمحــار‪ ..‬إنــه يجمــع المحــار ويبيــع كل أربــع بروبيــة‬
‫ أنــه يبيــع‬‫ً‬
‫واحــدة‪ ..‬إن ال ّلــه وحــده يعــرف فيمــا إذا كانــت المحــارة حبلــى بلؤلــؤة أم ال‪ ..‬هــذا أبــدع (يانصيــب)‬
‫يمكــن للواحــد منــا أن يشــاهده عمــره كلــه‪.‬‬
‫ وماذا في ذلك؟‬‫ ال بد أن أجرب حظي‪.‬‬‫ أي حظ؟‬‫ـارا بــكل مــا معــي‪ ،‬وال ُبــدّ‬
‫ الحــظ المدفــون تحــت ركام عــذاب عشــرة أعــوام‪ ،‬ســوف أشــتري محـ ً‬‫مــن أن أجــد لؤلــؤة‪.‬‬
‫ـض كل خاليــا جســده‪ ،‬المجهــود‬
‫إيــه! لقــد فقــد ســعد الديــن كل توازنــه‪ ،‬العــذاب الطويــل الــذي أمـ ّ‬
‫اليائــس الــذي كان يبذلــه فــي ســبيل أن يعيــش‪ ،‬كل هــذا جعلــه يعتقــد أن النجــاح يكمــن فــي خدعــة‬
‫مــا‪ ..‬فــي طريــق مبطــن تحــت مظهــر ســاذج‪ ،‬موجــود علــى أي حــال هنــا أو هنــاك‪ .‬ولهــذا كلــه‪ ،‬كان‬
‫يصــر علــى أن الثــروة والراحــة وكل مــا طمــح لــه يكمــن فــي بطــن محــارة مجهولــة‪..‬‬
‫أيضــا‪ ..‬مــن يــدري؟ ربمــا وجدنــا‬
‫أتريــدون الحقيقــة؟ لقــد كانــت تجربــة رائعــة بالنســبة لــي‪ ،‬أنــا‪ً ،‬‬
‫لؤلــؤة! وربمــا كانــت لؤلــؤة كبيــرة مــدورة‪ ،‬مزرقــة بهديــر محيــط مجهــول متباعــد‪ ..‬أليــس مــن‬
‫الممكــن أن يجــد ســعد الديــن لؤلــؤة وأن يســتمر فــي النضــال هنــا‪ ،‬فتــرة أطــول‪ ..‬أو أن يعــود إلــى‬
‫‪116‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫منزلــه وفــي جيبــه شــيء مــا؟‬
‫وهكــذا توجهنــا إلــى الرجــل المقرفــص‪ ..‬ولكننــي رغــم كل شــيء كنــت أخــاف أن يســحق ســعد‬
‫الديــن فشـ ٌـل آخــر‪ ،‬فقمــت بمحاولــة أخيــرة‪ ،‬ولكنهــا مستســلمة ســل ًفا‪:‬‬
‫‪ -‬ســعد الديــن! هــل تعــرف أن فرصتــك واحــدة مــن ألــف؟ هــل تعــرف أن بيــن كل ألــف محــارة‬
‫توجــد محــارة واحــدة حبلــى بلؤلــؤة؟ وقــد يكــون الجنيــن الثميــن صغيـ ًـرا كحبــة عــدس؟‬
‫فقال‪:‬‬
‫‪ -‬هنــاك مالييــن مــن المحــارات فــي قــاع البحــر‪ ،‬يــا حســن أتســتطيع أن تؤكــد أن صاحبنــا الغــواص‬
‫لــم يحمــل المحــارات المحظوظــة‪ ،‬ويتــرك كل المحــارات الفارغــة هنــاك؟‬
‫وجلســنا أمــام الرجــل‪ ،‬ودفــع لــه ســعد الديــن كل مــا فــي جيبــه‪ ،‬واختــار كو ًمــا صغيـ ًـرا مــن كومــة‬
‫المحــار‪ ،‬وبــدا لــي فــي تلــك اللحظــة أن وجــود لؤلــؤة فــي هــذا الكــوم مــن القــاذورات المبتلــة‪،‬‬
‫طمــوح ال مبــرر لــه‪.‬‬
‫وبــدأت ســكين الرجــل تعمــل بالمحــارات‪ ..‬كان يدخلهــا ببراعــة فائقــة فــي رأس المحــارة‪ ،‬حيــث‬
‫ـم يرفعهــا بحركــة دائريــة فتنفتــح المحــارة‬
‫شــققت الشــمس نافــذة صغيــرة تكفــي لــرأس النصــل‪ ،‬ثـ ّ‬
‫عــن كتلــة لزجــة شــبيهة باللحــم الطــري‪ ،‬كأنهــا أحشــاء حيــوان صغيــر‪ ،‬وتعمــل الســكين تنقي ًبــا فــي‬
‫قطعــة اللحــم‪ ،‬ثــم تُلقــى المحــارة العاقــرة فــي ســلة النفايــات‪ ،‬وترتســم الخيبــة فــي عينــي ســعد‬
‫أيضــا‪.‬‬
‫الديــن‪ ،‬ثــم تمحــى تحــت إصــرار أمــل جديــد‪ ،‬وتعــود الســكين تعمــل‪ ،‬مــن جديــد‪ً ،‬‬
‫وبــدأ كــوم المحــارات يتصاغــر شــي ًئا فشــي ًئا‪ ،‬ثمــة غمامــة مجهولــة كانــت تهيمــن علــى الموقــف‪،‬‬
‫كانــت عيــون ســعد الديــن تتشــبت الهثــة بالســكين المعقوفــة وهــي تفتــح المحــارات الفارغــة‪،‬‬
‫وكان الرجــل يقــوم بعملــه بــكل بســاطة‪ ،‬وكنــت قــد بــدأت أتابــع ســعد الديــن‪ ،‬وأكاد أشــاهد الغصــة‬
‫تمتــص صمــوده بألــف خرطــوم هالمــي‪.‬‬
‫أيهــا األصدقــاء‪ ..‬مــا تــم‪ ،‬بعــد‪ ،‬كان غري ًبــا إلــى حــدود مذهلــة‪ ،‬لقــد تبقــت‪ ،‬ثمــة‪ ،‬محــارة واحــدة ال‬
‫غيــر‪ ،‬وكان اإلجهــاد قــد وضــح علــى وجــه ســعد الديــن‪ ،‬فأخــذت أرقبــه وجـ ًـا‪ ،‬ومغفـ ًـا مراقبــة‬
‫أنامــل الرجــل وهــي تفــك غمــوض المحــارة‪ ..‬لقــد بــدا شــكل ســعد الديــن مخي ًفــا‪ ..‬شــكل إنســان‬
‫‪117‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫علــى وشــك الســقوط فــي هــوة‪ ،‬وكان يبــدو أنــه قــد تعلــق نهائ ًيــا بهــذه المحــارة‪ ،‬وأن كل المســتقبل‬
‫ال بــد وأن يكــون هنــاك‪ .‬وفجــأة‪ ،‬التمــع فــي العينيــن الملهوفتيــن بريــق راعــب‪ ،‬وخيــل إلــي أن الحياة‬
‫قــد تمثلــت لمعا ًنــا فــي العينيــن العميقتيــن‪ ،‬لمعا ًنــا غري ًبــا فحســب‪ ،‬كان يحــدق فــي المحــارة‪ ،‬وكنت‬
‫أحــدق فــي وجهــه‪ ،‬ثــم‪ ،‬وقبــل أن أدرك شــي ًئا‪ ،‬ســقط ســعد الديــن علــى وجهــه فــي الوحــل‪ ،‬وعندمــا‬
‫حاولــت رفعــه‪ ،‬وجدتــه مي ًتــا!)‬
‫كان الظــام مــا زال يخيــم بقســوة‪ ،‬وال ّلهــب األحمــر يرتفــع بقــوة نحــو األفــق ثــم يهمــد فجــأة‪،‬‬
‫ومــرت لحظــات مــن الصمــت الميــت‪ ،‬لــم يكــن أحــد منــا يرغــب فــي التعليــق أو الحديــث‪ ،‬ولــم‬
‫واهمــا أو مبال ًغــا أو كاذ ًبــا‪ ،‬ولكننــا لــم نكــن‬
‫يكــن يهمنــا ســاعتها أن نناقــش حســن فيمــا إذا كان‬
‫ً‬
‫نســتطيع أن نخلــع أنفســنا عــن القصــة‪ .‬ووصــل صــوت حســن مــرة أخــرى‪ ،‬راج ًفــا متوتـ ًـرا‪:‬‬
‫‪ -‬كان المســكين يشــكو ضع ًفــا فــي القلــب‪ ،‬ولــم يســتطع أن يتحمــل‪ ،‬ولكــن يتحمــل مــاذا؟‬
‫صدقونــي أننــي ال أعــرف أيهــا األخــوة لمــاذا مــات ســعد الديــن؟ هــل كانــت‪ ،‬ثمــة‪ ،‬لؤلــؤة داخــل‬
‫غمــا؟‬
‫تلــك المحــارة األخيــرة الملعونــة فمــات ً‬
‫فرحــا‪ ،‬أم كانــت فارغــة كأخواتهــا العاقــرات‪ ،‬فمــات ًّ‬
‫لقــد مضــى كل شــيء بســرعة‪ ،‬ودون أن أفطــن لهــذا الموضــوع‪ ،‬لقــد أنســاني الجســد المطــروح فــي‬
‫الوحــل كل شــيء عــن المحــار واللؤلــؤ‪ ..‬وعندمــا انتهينــا مــن نقــل الميــت‪ ،‬كان صاحــب المحــار‬
‫قــد اختفــى‪ ،‬بطبيعــة الحــال‪.‬‬
‫‪118‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫اخمليم‬
‫يذهب إىل‬
‫الصغري‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫غسان كنفاين‬
‫مت ترشيح هذا النص من قبل الطالبة فاطمة عبدال ّله احمد عبدال ّله اليماحي‬
‫ّ‬
‫مدرسة املاسة للتعليم الثانوي للبنات يف الفجرية‪.‬‬
‫كان ذلــك زمــن الحــرب‪ .‬الحــرب؟ كال‪ ،‬االشــتباك ذاتــه‪ ..‬االلتحــام المتواصــل بالعــدو ألنــه أثنــاء‬
‫الحــرب قــد تهــب نســمة ســام يلتقــط فيهــا المقاتــل أنفاســه‪ .‬راحــة‪ .‬هدنة‪.‬إجــازة تقهقــر‪ .‬أمــا فــي‬
‫دائمــا تمـ ّـر بأعجوبــة بيــن طلقتيــن‪ ،‬وهــذا مــا كان‪ ،‬كمــا‬
‫دائمــا علــى بعــد طلقــة‪ .‬أنــت ً‬
‫االشــتباك فإنــه ً‬
‫قلــت لــك‪ ،‬زمــن االشــتباك المســتمر‪.‬‬
‫ـب زوجتــه ربمــا ألنــه‬
‫كنــت أســكن مــع ســبعة أخــوة كلهــم ذكــور شــديدو المــراس‪ ،‬وأب ال يحـ ّ‬
‫أنجبــت لــه زمــن االشــتباك ثمانيــة أطفــال‪ .‬وكانــت عمتنــا وزوجهــا وأوالدهــا الخمســة يســكنون‬
‫أيضــا‪ ،‬وجدّ نــا العجــوز الــذي كان إذا مــا عثــر علــى خمســة قــروش علــى الطاولــة أو فــي جيــب‬
‫معنــا ً‬
‫أحــد الســراويل الكثيــرة المع ّلقــة مضــى دون تــردد واشــترى جريــدة‪ ،‬ولــم يكــن يعــرف‪ ،‬كمــا تعلــم‪،‬‬
‫دائمــا بمــا اقتــرف كــي يقــرأ أحدنــا علــى مســمعه الثقيليــن‬
‫القــراءة‪ ،‬وهكــذا كان مضطـ ًـرا لالعتــراف ً‬
‫آخــر األخبــار‪.‬‬
‫فــي ذلــك الزمــن ‪ -‬دعنــي ً‬
‫أول َأ ُقـ ْـل لــك أنــه لــم يكــن زمــن اشــتباك بالمعنــى الــذي يخ ّيــل إليــك‪ ،‬ك ّ‬
‫ال‬
‫لــم تكــن ثمــة حــرب حقيقيــة‪ .‬لــم تكــن ثمــةأي حــرب علــى اإلطــاق‪ .‬كل مــا فــي األمــر أننــا كنــا‬
‫ـخصا فــي بيــت واحــد مــن جميــع األجيــال التــي يمكــن أن تتو ّفــر فــي وقــت واحــد‪.‬‬
‫ثمانيــة عشــر شـ ً‬
‫لــم يكــن أي واحــد منّــا قــد نجــح بعــد فــي الحصــول علــى عمــل‪ ،‬وكان الجــوع ‪ -‬الــذي تســمع‬
‫عنــه‪ -‬همنــا اليومــي‪ .‬ذلــك أســميه زمــن االشــتباك‪ .‬أنــت تعلــم‪ .‬ال فــرق علــى االطــاق‪.‬‬
‫كنــا نقاتــل مــن أجــل األكل‪ ،‬ثــم نتقاتــل لنوزعــه فيمــا بيننــا‪ ،‬ثــم نتقاتــل بعــد ذلــك‪ .‬ثــم فــي أيــة‬
‫لحظــة ســكون يخــرج جــدّ ي جريدتــه المطويــة باعتنــاء مــن بيــن مالبســه ناظـ ًـرا إلــى الجميــع بعينيــه‬
‫الصغيرتيــن المتح ّفزتيــن‪ ،‬معنــى ذلــك أن خمســة قــروش قــد ســرقت مــن جيــب مــا ‪ -‬إذا كان فيــه‬
‫متمس ـكًا بالجريــدة‬
‫ـجارا ســيقع‪ .‬ويظــل جــدّ ي‬
‫ّ‬
‫هنــاك خمســة قــروش ‪ -‬أو مــن مــكان مــا‪ .‬وأن شـ ً‬
‫وهــو يتصــدّ ى لألصــوات بســكون الشــيخ الــذي عــاش وق ًتــا كاف ًيــا لالســتماع إلــى كل هــذا الضجيج‬
‫‪119‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ّ‬
‫والشــجار دون أن يــرى فيهــا مــا يســتحق الجــواب أو االهتمــام‪ ..‬وحيــن تهــدأ األصــوات يميــل‬
‫أقــرب الصبيــان إليــه (ذلــك أنــه لــم يكــن يثــق بالبنــات) ويدفــع لــه الصحيفــة وهــو يمســك طرفهــا‪،‬‬
‫كــي ال تخطــف‪.‬‬
‫وكنــت مــع عصــام فــي العاشــرة ‪ -‬كان أضخــم منــي قليـ ًـا كمــا هــو اآلن‪ ..‬وكان يعتبــر نفســه زعيــم‬
‫إخوتــه أبنــاء عمتــي ‪ -‬كمــا كنــت أعتبــر نفســي زعيــم إخوتــي‪ ..‬وبعــد محــاوالت عديــدة اســتطاع‬
‫عمتــي أن يجــدا لنــا مهنــة يوميــة‪ :‬نحمــل الســلة الكبيــرة م ًعــا ونســير حوالــي ســاعة‬
‫والــدي وزوج ّ‬
‫وربــع‪ ،‬حتــى نصــل إلــى ســوق الخضــار بعــد العصــر بقليــل‪ .‬فــي ذلــك الوقــت أنــت ال تعــرف كيــف‬
‫يكــون ســوق الخضــار‪ :‬تكــون الدكاكيــن قــد بــدأت بإغــاق أبوابهــا وآخــر الشــاحنات التــي تعبــر‬
‫بمــا تب ّقــى‪ ،‬تســتعد لمغــادرة ذلــك الشــارع المزحــوم‪ .‬وكانــت مهمتنــا ‪ -‬عصــام وأنــا ‪ -‬ه ّينــة وصعبــة‬
‫فــي آن واحــد‪ .‬فقــد كان يتع ّيــن علينــا أن نجــد مــا نعبــئ بــه ســلتنا‪ :‬أمــام الدكاكيــن‪ .‬وراء الســيارات‪،‬‬
‫ـي فــي قيلولــة أو داخــل حانوتــه‪.‬‬
‫وفــوق المفــارش ً‬
‫أيضــا إذا كان المعنـ ّ‬
‫أقــول لــك أنــه كان زمــن االشــتباك‪ :‬أنــت ال تعــرف كيــف يمـ ّـر المقاتــل بيــن طلقتيــن طــوال نهــاره‪.‬‬
‫ممــزق أو حزمــة بصــل‪ ،‬وربمــا تفاحــة مــن‬
‫كان عصــام يندفــع كالســهم ليخطــف رأس ملفــوف ّ‬
‫تتأهــب للتحـ ّـرك‪ .‬وكنــت أنــا بــدوري أتصــدّ ى للشــياطين ‪ -‬أي بقيــة‬
‫بيــن عجــات الشــاحنة وهــي ّ‬
‫األطفــال ‪ -‬إذا مــا حاولــوا تنــاول برتقالــة شــاهدتها فــي الوحــل قبلهــم‪ .‬وكنــا نعمــل طــوال العصــر‪:‬‬
‫نتشــاجر عصــام وأنــا مــن جهــة‪ ،‬مــع بقيــة األطفــال أو أصحــاب الدكاكيــن أو الســائقين أو رجــال‬
‫الشــرطة أحيا ًنــا‪ ،‬ثــم أتشــاجر مــع عصــام فيمــا تب ّقــى مــن الوقــت‪.‬‬
‫كان ذلــك زمــن االشــتباك‪ .‬أقــول هــذا ألنــك ال تعــرف‪ :‬إن العالــم وقتئــذ يقلــب علــى رأســه‪ ،‬ال أحــد‬
‫يطالبــه بالفضيلــة‪ .‬ســيبدو مضح ـكًا مــن يفعــل‪ ..‬أن تعيــش كيفمــا كان وبأيــة وســيلة هــو انتصــار‬
‫أيضــا‪ .‬أليــس كذلــك؟ إذن دعنــا‬
‫مرمــوق للفضيلــة‪ .‬حس ـنًا‪ .‬حيــن يمــوت المــرء تمــوت الفضيلــة ً‬
‫نتفــق بأنــه فــي زمــن االشــتباك يكــون مــن مهمتــك أن تحقــق الفضيلــة األولــى‪ ،‬أي أن تحتفــظ‬
‫بنفســك ح ًّيــا‪ .‬وفيمــا عــدا ذلــك يأتــي ثان ًيــا‪ .‬وألنــك فــي اشــتباك مســتمر فإنــه ال يوجــد ثان ًيــا‪ :‬أنــت‬
‫دائمــا ال تنتهــي مــن ً‬
‫أول‪.‬‬
‫ً‬
‫وكان يتع ّيــن علينــا أن نحمــل الســ ّلة م ًعــا حيــن تمتلــئ ونمضــي عائديــن إلــى البيــت‪ :‬ذلــك كان‬
‫طعامنــا جمي ًعــا لليــوم التالــي‪ ..‬بالطبــع كنــا أنــا وعصــام متفقيــن علــى أن نــأكل أجــود مــا فــي السـ ّلة‬
‫‪120‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫علــى الطريــق‪ .‬ذلــك اتفــاق لــم نناقشــه أبــدً ا‪ ،‬لــم نعلــن عنــه أبــدً ا‪ .‬ولكنــه كان يحــدث وحــده‪ .‬ذلــك‬
‫أننــا كنــا م ًعــا فــي زمــن االشــتباك‪.‬‬
‫وكان الشــتاء شــديد القســوة ذلــك العــام‪ ،‬وكنّــا نحمــل سـ ّلة ثقيلــة ح ًقــا‪( ،‬هــذا شــيء ال أنســاه‪ ،‬كأنــك‬
‫ـريرا) وكنــت آكل تفاحــة‪ ،‬فقــد كنّــا خرجنــا مــن‬
‫وقعــت أثنــاء المعركــة فــي خنــدق فــإذا بــه يحــوي سـ ً‬
‫بوابــة الســوق وســرنا فــي الشــارع الرئيســي‪ .‬قطعنــا مــا يقــرب مــن مســير عشــر دقائــق بيــن النــاس‬
‫والســيارات والحافــات وواجهــات الدكاكيــن دون أن نتبــادل كلمــة (ألن الســلة كانــت ثقيلــة ح ًقــا‬
‫وكنــا نحــن اإلثنيــن منصرفيــن تما ًمــا إلــى األكل) وفجــأة‪..‬‬
‫ال‪ .‬هــذا شــيء ال يوصــف‪ .‬ال يمكــن وصفــه‪ :‬كأنــك علــى نصــل ســكين مــن عــدوك وأنــت دون‬
‫ســاح وإذا بــك فــي اللحظــة ذاتهــا تجلــس فــي حضــن أمــك‪..‬‬
‫دعنــي َأ ُقـ ْـل لــك مــا حــدث‪ :‬كنّــا نحمــل الس ـ ّلة كمــا قلــت لــك‪ ،‬وكان شــرطي يقــف فــي منتصــف‬
‫الطريــق‪ ،‬وكان الشــارع ً‬
‫مبتــا‪ ،‬وكنــا تقري ًبــا دون أحذيــة‪ .‬ربمــا كنــت أنظــر إلــى حــذاء الشــرطي‬
‫الثقيــل والســميك حيــن شــهدتها فجــأة هنــاك‪،‬كان طرفهــا تحــت حذائــه‪ ،‬أي كنــت بعيــدً ا حوالــي‬
‫ســتة أمتــار ولكننــي عرفــت‪ ،‬ربمــا مــن لونهــا أنهــا أكثــر مــن ليــرة واحــدة‪.‬‬
‫نحــن فــي مثــل هــذه الحــاالت ال نف ّكــر‪ .‬يتحدّ ثــون عــن الغريــزة‪ .‬ط ّيــب‪ .‬أنــا ال أعــرف مــا إذا كان‬
‫لــون األوراق الماليــة شــي ًئا لــه عالقــة بالغريــزة‪ .‬لــه عالقــة بتلــك القــوة الوحشــية‪ ،‬المجرمــة‪ ،‬القــادرة‬
‫علــى الخنــق فــي لحظــة‪ ،‬الموجــودة فــي أعمــاق كل منــا‪ .‬ولكــن مــا أعرفــه هــو أن المــرء فــي زمــن‬
‫االشــتباك ال ينبغــي لــه أن يف ّكــر حيــن يــرى ورقــة ماليــة تحــت حــذاء الشــرطي وهــو يحمــل ســلة‬
‫مــن الخضــار الفاســد علــى بعــد ســتة أمتــار‪ .‬وهــذا مــا فعلتــه‪ :‬ألقيــت ببقايــا التفاحــة وتركــت الســلة‬
‫فــي اللحظــة ذاتهــا‪ .‬وال شــك أن عصا ًمــا تمايــل فجــأة تحــت ثقــل الســلة التــي تركــت فــي يــده ولكــن‬
‫كان قــد شــاهدها بعــدي بلحظــة واحــدة‪ .‬إالّ أننــي بالطبــع كنــت قــد اندفعــت تحــت وطــأة تلــك‬
‫القــوة المجهولــة التــي تجبــر وحيــد القــرون علــى هجــوم أعمــى‪ ،‬غايتــه آخــر األرض‪ ،‬ونطحــت‬
‫ـورا‪ .‬وكان توازنــي أنــا اآلخــر قــد اختـ ّـل‪ .‬ولكننــي لــم أقــع‬
‫ســاقي الشــرطي بكتفــي فتراجــع مذعـ ً‬
‫علــى األرض وفــي تلــك اللحظــة التــي يحســب فيهــا األغبيــاء أن الشــيء يمكــن لــه أن يحــدث‬
‫شــاهدتها‪ :‬كانــت خمــس ليــرات‪ .‬لــم أشــاهدها فحســب بــل التقطتهــا واســتكملت ســقوطي‪ .‬إالّ‬
‫أننــي وقفــت بأســرع ممــا ســقطت وبــدأت أركــض بأســرع ممــا وقفــت‪.‬‬
‫‪121‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ومضــى العالــم بأجمعــه يركــض ورائــي‪ :‬ص ّفــارة الشــرطي‪ ،‬وصــوت حذائــه يقــرع بــاط الشــارع‬
‫ورائــي تما ًمــا‪ .‬صــراخ عصــام‪ ،‬أجــراس الحافــات‪ .‬نــداء النــاس‪ ..‬هــل كانــوا ح ًقــا ورائــي؟ ليــس‬
‫أيضــا‪ .‬لقــد عــدوت متأكــدً ا حتــى صميمــي أن ال أحــد فــي كل‬
‫بوســعك أن تقــول وليــس بوســعي ً‬
‫الكواكــب الســيارة يســتطيع أن يمســكني‪ ..‬وبعقــل طفــل العشــر ســنوات ســلكت طري ًقــا آخــر‪.‬‬
‫ربمــا ألننــي حســبت أن عصا ًمــا سـ ّ‬
‫ـيدل الشــرطي علــى طريقــي‪ .‬لســت أدري‪ .‬لــم ألتفــت‪ .‬كنــت‬
‫أركــض وال أذكــر أننــي تعبــت‪ ..‬كنــت جند ًيــا هــرب مــن ميــدان حــرب أجبــر علــى خوضهــا وليــس‬
‫ـي حذائــه‪.‬‬
‫أمامــه إالّ أن يظــل يعــدو والعالــم وراء كعبـ ّ‬
‫ووصلــت إلــى البيــت بعــد الغــروب‪ ،‬وحيــن فتــح لــي البــاب شــهدت مــا كنــت أشــعر فــي أعماقــي‬
‫أننــي سأشــهده‪ :‬كان الســبعة عشــر مخلو ًقــا فــي البيــت ينتظروننــي‪ .‬وقــد درســوني بســرعة‪ ،‬ولكــن‬
‫بدقــة‪ ،‬حيــن وقفــت فــي حلــق البــاب أبادلهــم النظر‪:‬كفــي مطبقــة علــى الخمــس ليــرات فــي جيبــي‪،‬‬
‫وقدمــاي ثابتتــان فــي األرض‪.‬‬
‫ـجارا قــد وقــع بيــن العائلتيــن قبــل‬
‫كان عصــام يقــف بيــن أمــه وأبيــه‪ ،‬وكان غاض ًبــا‪ .‬ال شــك أن شـ ً‬
‫جالســا فــي الركــن ملتح ًفــا بعباءتــه البنيــة النظيفــة ينظــر‬
‫مقدمــي‪ .‬واســتنجدت بجــدي الــذي كان‬
‫ً‬
‫حكيمــا‪ .‬رجـ ًـا حقيق ًيــا يعــرف كيــف ينبغــي لــه أن ينظــر إلــى الدنيــا‪.‬‬
‫ـي بإعجــاب‪ :‬كان رجـ ًـا‬
‫ً‬
‫إلـ ّ‬
‫وكان كل ما يريده من الخمس ليرات‪ :‬جريدة كبيرة هذه المرة‪.‬‬
‫وانتظــرت الشــجار بفــارغ الصبــر‪ .‬كان عصــام بالطبــع قــد كــذب‪ :‬قــال لهــم أنــه هــو الــذي وجــد‬
‫الخمــس ليــرات وأننــي أخذتهــا منهــا بالقــوة‪ .‬ليــس ذلــك فقــط‪ ،‬بــل أجبرتــه علــى حمــل الســلة‬
‫الثقيلــة وحــده طــوال المســافة المنهكــة‪ :‬ألــم أقــل لــك أنــه زمــن االشــتباك؟ لــم يكــن أي واحــد مننــا‬
‫مهتمــا فقــط بــل كان متأكــدً ا مــن أن أحــدً ا لــم يهتــم بالحقيقــة‪ .‬ليــس ذلــك فقــط بــل إنــه ارتضــى أن‬
‫ً‬
‫يـ ّ‬
‫ـذل نفســه ويعلــن ربمــا للمــرة األولــى أننــي ضربتــه وأننــي أقــوى منــه‪ ..‬ولكــن مــا قيمــة ذلــك كلــه‬
‫أمــام المســألة الحقيقيــة األولــى‪.‬‬
‫كان أبــوه يف ّكــر بشـ ٍ‬
‫ـيء آخــر تما ًمــا‪ :‬كان مســتعدً ا لقبــول نصــف المبلــغ وكان أبــي يريــد النصــف‬
‫اآلخــر ألننــي لــو نجحــت فــي االحتفــاظ بالمبلــغ كلــه لصــار مــن حقــي وحــدي‪ ،‬أمــا إذا تخ ّليــت‬
‫عــن هــذا الحــق فأفقــد كل شــيء وسيتقاســمون المبلــغ‪.‬‬
‫‪122‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫ولكنهــم لــم يكونــوا يعرفــون ح ًقــا معنــى أن يكــون الطفــل ممسـكًا بخمــس ليــرات فــي جيبــه زمــن‬
‫االشــتباك‪ ..‬وقــد قلــت لهــم جمي ًعــا بلهجــة حملــت ألول مــرة فــي حياتــي طابــع التهديــد بتــرك‬
‫البيــت وإلــى األبــد‪ :‬إن الخمــس ليــرات لــي وحــدي‪.‬‬
‫وأنــت تعــرف ال شــك‪ :‬جـ ّن جنونهــم‪ ،‬ضــاع رابــط الــدم فوقفــوا جمي ًعــا ضــدي‪ .‬لقــد أنذرونــي ً‬
‫أول‪.‬‬
‫ولكننــي كنــت مســتعدً ا لمــا هــو أكثــر مــن ذلــك ثــم بــدأوا يضربوننــي‪ .‬وكان بوســعي بالطبــع أن‬
‫أدافــع عــن نفســي‪ ،‬ولكــن ألننــي أردت أن أحتفــظ بكفــي داخــل جيبــي مطبقــة علــى الخمــس ليــرات‬
‫تفــرج جــدّ ي علــى المعركــة‬
‫فقــد كان مــن العســير ح ًقــا أن أتجنــب الضربــات المحكمــة‪ .‬وقــد ّ‬
‫باســتثناء بــادئ األمــر‪ ،‬ثــم لمــا بــدأت المعركــة تفقــد طرافتهــا قــام فوقــف أمامهــم‪ ،‬وبذلــك يســر لــي‬
‫أن ألتصــق بــه‪ .‬اقتــرح تســوية‪ .‬قــال إن الكبــار ال حــق لهــم بالمبلــغ‪ .‬ولكــن مــن واجبــي أن آخــذ كل‬
‫أطفــال البيــت ذات يــوم صحــو إلــى حيــث نصــرف جمي ًعــا مبلــغ الخمــس ليــرات كمــا نشــاء‪.‬‬
‫عندهــا تقدّ مــت إلــى األمــام معتز ًمــا الرفــض‪ ،‬إالّ أننــي فــي اللحظــة ذاتهــا شــهدت فــي عينيــه مــا‬
‫أمســكني‪ .‬لــم أفهــم بالضبــط آنــذاك مــا كان فــي عينيــه‪ ،‬ولكننــي شــعرت فقــط أنــه كان يكــذب وأنــه‬
‫كان يرجونــي أن أصمــت‪.‬‬
‫أنــت تعــرف أن طفــل العشــر ســنوات ‪ -‬زمــن االشــتباك ‪ -‬ال يســتطيع أن يفهــم األمــور (إذا كان ثمــة‬
‫حاجــة لفهمهــا) كمــا يســتطيع عجــوز مثــل جــدّ ي‪ .‬ولكــن هــذا هــو مــا حصــل‪ .‬كان يريــد جريدتــه‬
‫ربمــا كل يــوم لمــدة أســبوع ‪ -‬وكان يهمــه أن يرضينــي بــأي ثمــن‪.‬‬
‫ـي أن أحمــي الليــرات‬
‫وهكــذا اتفقنــا ذلــك المســاء‪ .‬ولكننــي كنــت أعــرف أن مهمتــي لــم تنتــه‪ .‬فعلـ ّ‬
‫أيضــا أن أواجــه‬
‫ـي ً‬
‫ـي أن أماطــل بقيــة األطفــال‪ .‬وعلـ ّ‬
‫الخمــس كل لحظــات الليــل والنهــار‪ .‬ثــم علـ ّ‬
‫محــاوالت إقنــاع وتغريــر لــن تكــف عنهــا أمــي‪ .‬قالــت لــي ذلــك المســاء إن الليــرات الخمــس‬
‫قميصــا جديــدً ا لــي‪ ،‬أو دواء حيــن تقتضــي الحاجــة‪ ،‬أو كتا ًبــا إذا مــا‬
‫تشــتري رطليــن مــن اللحــم‪ ،‬أو‬
‫ً‬
‫ف ّكــروا بإرســالي إلــى مدرســة مجانيــة فــي الصيــف القــادم‪ ...‬ولكــن مــا نفــع الــكالم؟ كأنهــا كانــت‬
‫تطلــب منــي وأنــا أعبــر بيــن طلقتيــن أن أنظــف حذائــي‪.‬‬
‫ولــم أكــن أعــرف بالضبــط مــاذا كنــت أنــوي أن أفعــل‪ .‬ولكننــي طــوال األســبوع الــذي جاء بعــد ذلك‬
‫نجحــت فــي مماطلــة األطفــال‪ ،‬بــآالف مــن الكذبــات التــي كانــوا يعرفــون أنهــا كذلــك ولكنهــم لــم‬
‫يقولــوا إطال ًقــا أنهــا أكاذيــب‪ .‬لــم تكــن الفضيلــة هنــا‪ .‬أنــت تعلــم‪ .‬كانــت مســألة أخــرى تــدور حــول‬
‫‪123‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫الفضيلــة الوحيــدة آنذاك‪:‬الخمــس ليرات‪.‬‬
‫ولكــن جــدّ ي كان يفهــم األمــور‪ ،‬وكان يريــد جريدتــه ثمنًــا معـ ً‬
‫ـادل لــدوره فــي القصــة‪ ،‬وحيــن مضــى‬
‫ـوزا مثلــه ال يمكــن‬
‫األســبوع بــدأ يتملمــل‪ .‬لقــد شــعر (مــن المؤكــد أنــه شــعر‪ ،‬ذلــك ألن رجـ ًـا عجـ ً‬
‫أن تفوتــه تلــك الحقيقــة) أننــي لــن أشــتري لــه الجريــدة‪ ،‬وأنــه فقــد فرصتــه‪ ،‬ولكنــه لــم يكــن يمتلــك‬
‫أيــة وســيلة الســتردادها‪.‬‬
‫وحيــن مـ ّـرت عشــرة أيــام أخــرى اعتقــد الجميــع أننــي صرفــت الليــرات الخمــس‪ ،‬وأن يــدي فــي‬
‫جيبــي تقبــض علــى فــراغ‪ .‬علــى خديعــة‪ .‬ولكــن جــدّ ي كان يعــرف أن الليــرات الخمــس مــا تــزال‬
‫فــي جيبــي‪ .‬وفــي الواقــع قــام ذات ليلــة بمحاولــة لســحبها مــن جيبــي وأنــا مســتغرق فــي النــوم‪،‬‬
‫(كنــت أنــام بمالبســي) إالّ أننــي صحــوت فتراجــع إلــى فراشــه ونــام دونمــا كلمــة‪.‬‬
‫قلــت لــك‪ .‬إنــه زمــن االشــتباك‪ .‬كان جــدّ ي حزينًــا ألنــه لــم يحصــل علــى جريــدة‪ ،‬وليــس ألننــي‬
‫نكثــت بوعــد لــم يتفــق عليــه‪ .‬كان يفهــم زمــن االشــتباك‪ ،‬ولذلــك لــم يلمنــي طــوال الســنتين اللتيــن‬
‫أيضــا‪ .‬كان فــي أعماقــه ‪ -‬كطفــل‬
‫عاشــهما بعــد ذلــك علــى مــا فعلتــه‪ .‬وقــد نســي عصــام القصــة ً‬
‫صعــب المــراس‪ -‬يفهــم تما ًمــا مــا حــدث‪ .‬واصلنــا رحالتنــا اليوميــة إلــى ســوق الخضــار‪ ،‬كنــا‬
‫ـدارا مجهـ ً‬
‫ـول ارتفــع‬
‫نتشــاجر أقــل مــن أي وقــت مضــى ونتحــادث قليـ ًـا‪ .‬يبــدو أن شــي ًئا مــا ‪ -‬جـ ً‬
‫فجــأة بينــه ‪ -‬هــو الــذي مــا زال فــي االشــتباك ‪ -‬وأنــا الــذي تن ّفســت ‪ -‬ليــس يــدري كــم ‪ -‬هــواء آخــر‪.‬‬
‫خروجــا‬
‫وأذكــر أننــي احتفظــت بالخمــس ليــرات فــي جيبــي طــوال الخمســة أســابيع‪ :‬كنــت أعــد‬
‫ً‬
‫الئ ًقــا لهــا فــي زمــن االشــتباك‪ .‬إالّ أن كل شــيء حيــن يقتــرب مــن التنفيــذ كان يبــدو وكأنــه جســر‬
‫للعــودة إلــى زمــن االشــتباك وليــس للخــروج منــه‪.‬‬
‫كيــف تســتطيع أن تفهــم ذلــك؟ كان بقــاء الليــرات الخمــس معــي شــي ًئا يفــوق اســتعمالها‪ .‬كانــت‬
‫تبــدو فــي جيبــي وكأنهــا مفتــاح أمتلكــه فــي راحتــي وأســتطيع فــي أيــة لحظــة أن أفتــح بــاب الخــروج‬
‫ـم وراء البــاب زمــن اشــتباك آخــر‪ .‬أبعــد‬
‫وأمضــي‪ .‬ولكــن حيــن كنــت أقتــرب مــن القفــل كنــت أشـ ّ‬
‫مــدى‪ .‬كأنــه عــودة إلــى بدايــة الطريــق مــن جديــد‪.‬‬
‫مهمــا‪ :‬ذات يــوم مضيــت مــع عصــام إلــى الســوق وقــد اندفعــت ألخطــف حزمــة مــن‬
‫ومــا بقــي ليــس ً‬
‫الســلق كانــت أمــام عجــات شــاحنة تتحـ ّـرك ببــطء‪ .‬وفــي اللحظــة األخيــرة زلقــت وســقطت تحــت‬
‫‪124‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫الشــاحنة‪ .‬كان حظــي جيــدً ا فلــم تمــر العجــات فــوق ســاقي‪ ،‬إنمــا تو ّقفــت بالضبــط بعــد مالمســتها‪.‬‬
‫وعلــى أيــة حــال صحــوت مــن إغمائــي فــي المستشــفى‪ .‬وكان أول مــا فعلتــه ‪ -‬مــا ال شــك فيــه ‪ -‬أن‬
‫تف ّقــدت الخمــس ليــرات‪ .‬إالّ أنهــا لــم تكــن هنــاك‪.‬‬
‫أعتقــد أن عصــام هــو الــذي أخذهــا حيــن حملــوه معــي فــي الســيارة إلــى المستشــفى‪ .‬ولكنــه لــم‬
‫يقــل وأنــا لــم أســأل‪ .‬كنــا نتبــادل النظــر فقــط ونفهــم‪ .‬ال‪ ،‬لــم أكــن غاض ًبــا ألنــه كان مله ًيــا وأنــا أنــزف‬
‫دمــي بأخــذ الليــرات الخمــس‪ .‬كنــت حزينًــا فقــط ألننــي فقدتهــا‪.‬‬
‫وأنت لن تفهم‪ .‬ذلك كان في زمن االشتباك‪.‬‬
‫‪125‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫الزوار‬
‫يوسف إدريس‬
‫مــاكاد آخرهــم يخــرج ويفــرغ العنبــر محتوياتــه المكتظــة كالقطــار المزدحــم حيــن يصــل إلــى محطــة‬
‫النهايــة‪ ،‬حتــى التفتــت «سمســمة» وهــو ليــس اســم دلــع ولكنــه اســمها الحقيقــي إلــى ســكينة التفاتــة‬
‫حــادة وقالــت بصــوت عــال‪:‬‬
‫ (بقى) اسمعي يا‪...‬‬‫واحتــارت قليـ ًـا هــل تقــول لهــا يا(بــت) ياســكينة أم ســكينة فقــط‪ ...‬وســكينة كان اســمها ســكينة‬
‫وهــي ســكينة فعـاً‪ ،‬وهــو اســم قــد يبــدو ريف ًيــا‪ ،‬ولكنهــا لــم تكــن ريفيــة النشــأة أو المالمــح! كانــت‬
‫مــن مدينــة مــا‪ ،‬واحــدة مــن عشــرات مدننــا أنصــاف الكبيــرة‪ ،‬مؤدبــة جــدًّ ا‪ ،‬خجولــة جــدًّ ا‪ ،‬ورقيقــة‬
‫أيضــا‪ .‬وكانــت تحتــل الســرير المجــاور لسمســمة المــرأة الضخمــة‪ ،‬كبيــرة الصــدر‪ ،‬التــي يميــل‬
‫ً‬
‫ودائمــا ترتــدي قميــص نــوم أبيــض‪.‬‬
‫لونهــا إلــى الســمرة‪،‬‬
‫ً‬
‫والســريران كانــا فــي عنبــر واحــد مــن العنابــر الكبيــرة التــي تحفــل بهــا مستشــفياتنا العامــة والمركزيــة‬
‫ـريرا‪ ..‬عنبــر الحريــم يســمونه‪ ..‬لــه‬
‫والجامعيــة والصدريــة‪ ،‬العنبــر المعهــود ذو االثنيــن والعشــرين سـ ً‬
‫(تومرجيــة) ســليطة اللســان‪ ،‬ومنفوخــة الجســد‪ ،‬مكــورة كالبطــة‪ ،‬و(تومرجــي) أعمــش مفــروض‬
‫أال يدخــل العنبــر‪ ،‬وأن يقتصــر عملــه علــى المطبــخ ودورة الميــاه‪ ،‬ولكــن أحــدً ا لــم يعلــن يو ًمــا هــذا‬
‫المفــروض وأحــدً ا لــم ينفــذه‪.‬‬
‫وكانــت ســكينة الضعيفــة الرقيقــة الحنونــة التــي تحــس إذا اطلــت النظــر إليهــا أو عمقتــه أن هنــاك‬
‫أناســا ضعفــاء محتاجيــن إلــى الشــفقة‪ ،‬كانــت مريضــة بمــرض مزمــن ولهــا فــي المستشــفى‬
‫فعـ ًـا ً‬
‫ثالثــة أشــهر وأمنيتهــا الكبــرى أن تغــادر وتخــرج‪ ..‬ولكنهــم ال يخرجونهــا وال يصرحــون لهــا‬
‫بالخــروج‪ ،‬وال يفعلــون هــذا بعنــف أو بحــزم كمــا قــد يعتقــد البعــض‪ ..‬إنهــم يفعلــون بأنصــاف‬
‫االبتســامات أحيانــا وبهــز الــرءوس والطبطبــة أحيا ًنــا أخــرى‪ ..‬وأحيانــا بمجــرد القــول‪ :‬حــاال إن‬
‫شــاء ال ّلــه تخرجيــن‪ ..‬أمــا ســبب بقائهــا أو إبقائهــا فهــو أن مرضهــا مــن نــوع غريــب يحلــو لألســتاذ‬
‫أن يحاضــر طلبتــه وأطبــاءه الصغــار عليــه‪ ..‬وأن يريــه لزمالئــه الكبــار كمــا لــو يريهــم قطعــة نــادرة‬
‫ضمــن مجموعــة أصــداف أو طوابــع بريــد يقتنيهــا‪.‬‬
‫‪126‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫وســكينة لــم تكــن مقطوعــة مــن شــجرة‪ ..‬كان لهــا إخــوة‪ ،‬فــي الحقيقــة أخ واحــد غيــر شــقيق‬
‫وأختــان‪ ..‬وكان لهــا خــاالت وعمــات وقريبــات كأي إنســان منــا وكل إنســان‪ .‬ولكــن رغــم هــذا‬
‫كلــه فلــم يكــن لهــا زوار بالمــرة‪ .‬طــوال األشــهر الثالثــة التــي مكثتهــا بالمستشــفى لــم يزرهــا أحــد‪..‬‬
‫مــن يــوم أن أتــى بهــا أخوهــا وأودعهــا العنبــر لــم تــر وجهــه‪ .‬تلــك حقيقــة تعرفهــا هــي ويعرفهــا‬
‫الجميــع حتــى التومرجيــة الســليطة اللســان تعرفهــا‪ ..‬وقــد تكــون مشــكلة الخــروج تلــح علــى‬
‫ســكينة فــي أحيــان كشــيء ال بــد منــه وال بــد مــن حدوثــه وال بــد أن تكلــم الطبيــب الكبيــر بشــأنه‪،‬‬
‫ولكــن مشــكلتها األكثــر حــدة فــي الواقــع أن يزورهــا أحــد‪ ..‬أن تغمــض عينيهــا وتفتحهمــا فتجــد‬
‫يــدً ا توقظهــا مــن النــوم أو الغفــوة وتقــول لهــا‪ :‬قومــي يــا ســكينة‪ ..‬جالــك زوار‪.‬‬
‫طــوال أيــام الجمــع واالثنيــن ‪-‬والحقيقــة طــوال أيــام األســبوع‪ -‬يفــد العشــرات والمئــات واآلالف‬
‫علــى المستشــفى ويوزعــون علــى عنابــره ثــم علــى أســرته‪ ،‬وقــد يخــص كل ســرير زائــر أو خمســة‬
‫أو عشــرة‪ ..‬ماعــدا ســريرها هــي لــم يكــن يهـ ّـوب ناحيتــه أحــد‪ ،‬أو للدقــة كان زوار جارتهــا يتخــذون‬
‫حرجــا ألحد‪.‬‬
‫ســريرها كأريكــة يجلســون عليهــا‪ ،‬وهــي مــن خجلهــا ال تعتــرض أو تأتــي بحركــة تســبب ً‬
‫كانــت تغــادر الفــراش نهائ ًّيــا‪ .‬وتذهــب تتمشــى فــي الطرقــة أو تخــرج إلــى شــرفة العنبــر القــذرة‪ ..‬هنــاك‬
‫تتخــذ مســتود ًعا ألكــوام الزبالــة وقشــر البرتقــال والمــوز واليوســفندي اآلتــي البــد مــع كل زيــارة‪.‬‬
‫وهنــاك‪ ..‬فــي تمشــيتها هــذه كانــت ســكينة تخــزن وتنقبــض وتحــس أنهــا مظلومــة‪ ،‬وأن ال بــد ثمــة‬
‫خطــأ فــي الكــون جعلهــا تبقــى بغيــر زوار‪ ..‬إن أخاهــا باســتطاعته أن يخطــئ مــرة ويزورهــا‪ ..‬وكــم‬
‫زارت هــي إخوتهــا وبنــات خاالتهــا وكان واجبهــم فــي هــذه الحالــة أن يــردوا الزيــارة‪ ..‬مــاذا حــدث‬
‫وقســاها؟ مــاذا حــدث حتــى نســيها الجميــع هكــذا ونســوا أنهــا فــي مستشــفى؟‬
‫جمــد قلوبهــم ّ‬
‫حتــى ّ‬
‫مــاذا حــدث حتــى تنقطــع صلتهــا هكــذا بعائلتهــا وأقربائهــا وحتــى بصديقاتهــا وبالدنيــا كلهــا؟ لــم‬
‫تكــن تــدري‪ ..‬حتــى مجــرد إرســال خطــاب‪ ..‬مــا أرســل لهــا أحــد خطا ًبــا أو بعــث بســام‪.‬‬
‫إحســاس لــم يكــن يشــاركها فيــه أحــد‪ ..‬كانــت أعمــق أعمــاق قلبهــا هــى التــي تكتئــب وتخــزن‬
‫دائمــا بابتســامة ال فــرق بينهــا‬
‫فقــط‪ ..‬أمــا كل مــا علــى الســطح مــن وجــه ومالمــح فقــد كان يلتــف ً‬
‫وبيــن مئــزر الصــوف الــذي تتلفــع بــه‪.‬‬
‫وطالــت المــدة‪ ،‬ثالثــة أشــهر‪ ..‬وأربعــة وخمســة‪ ،‬والمرضــى يتغيــر معظمهــم حتــى لــم يبــق مــن‬
‫القدامــى ســوى جارتهــا سمســمة‪ .‬والوضــع علــى مــا هــو عليــه‪ ..‬وضــع عجيــب وغريــب‪ .‬فهــي‬
‫‪127‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫صحيــح ضائقــة بالمستشــفى والبقــاء فيــه تريــد بشـ ّـق النفــس أن تخــرج وتغــادره‪ ..‬ولكنهــا فــي نفــس‬
‫الوقــت وإذا مــا ســألت نفســها ال تعــرف أبــدً ا لمــن وإلــى أيــن تذهــب ومــاذا بالضبــط ســتفعل‪..‬‬
‫لقــد كانــت قبــل دخولهــا تحيــا مــع أخيهــا تخدمــه فــي انتظــار أن يتــزوج هــو أو يأتيهــا هــي عريــس‪،‬‬
‫ولكنهــا مرضــت وكانــت تقضــي الليــل كلــه تنهــج وتكــح حتــى ضــاق بهــا األخ وانتهــز أول فرصــة‬
‫وأدخلهــا المستشــفى‪ ..‬ربمــا كــي ال تعالــج بقــدر مــا يتخلــص منهــا ومــن حشــرجات أنفاســها‪ .‬بــل‬
‫إنهــا ســمعت أنــه بعــد دخولهــا المستشــفى تــزوج وعــزل مــن البيــت‪ .‬وشــقيقاتها كلهــن متزوجــات‪،‬‬
‫وهــى ليســت جميلــة حتــى يرحــب بهــا زوج أي أخــت‪ ..‬بــل لقــد ذبلــت وكبــرت حتــى علــى الــزواج‬
‫فإلــى مــن تذهــب وإلــى أيــن؟ وضــع عجيــب وغريــب فهــي ضائقــة بالمستشــفى ضي ًقــا ال حــد لــه‪،‬‬
‫أيضــا‪ ،‬كالســجين الــذي‬
‫ومستســلمة لهــذا الضيــق والحيــاة فــي المستشــفى استســا ًما ال حــدّ لــه ً‬
‫يتــوق إلــى الخــروج مــن الســجن إلــى الحيــاة والحريــة‪ ،‬ولكنــه حيــن يــدرك أنــه إذا خــرج فلــن‬
‫يعــرف مــاذا وال كيــف يفعــل بحريتــه تلــك يستســلم للســجن‪ .‬ويــكاد يجــن بيــن الضغطيــن‪.‬‬
‫تفكيــرا جد ًّيــا أو تدبــرت مــا‬
‫ولــم تــأت المســألة فجــأة‪ ..‬بــل وإلــى اآلن لــم تفكــر فيهــا ســكينة‬
‫ً‬
‫فعلــت‪ ،‬ولكنهــا هكــذا جــاءت‪ ..‬سمســمة كانــت زوجــة أحــد المعلميــن الكبــار الــذي ال يقــل عــدد‬
‫أقربائهــم وأنســبائهم وأوالدهــم ونســائهم وبناتهــم عــن المئــات بــأي حــال مــن األحــوال‪ ،‬ولهــذا‬
‫كان ال يمــر يــوم دون أن يــزور سمســمة ال أقــل مــن خمســة أو ســتة زوار‪ .‬ويــوم العطــات واألعيــاد‬
‫يرتفــع الرقــم حتــى يــكاد يصــل إلــى الخمســين‪ ..‬وكان يبــدو علــى سمســمة أنهــا فــي الوقــت الــذي‬
‫تعتــب فيــه علــى فالنــه الفالنيــة ألنهــا لــم تزرهــا‪ ،‬مــا يــكاد الــزوار يغادرونهــا حتــى تلهــث تع ًبــا‬
‫وحتــى تغمغــم ببرطمــة ال يفهــم منهــا ســوى الضيــق الشــديد بالزيــارة والــزوار‪ ،‬والمســألة بــدأت‬
‫بــأن راحــت ســكينة تســأل سمســمة عــن الــزوار إذا قدمــوا مــن هــم‪ ،‬ومــا هــي درجــة قربهــم لهــا‪،‬‬
‫ومــاذا يشــتغلون؟ ولــم يكــن األمــر مجــرد ســؤال‪ ..‬دأبــت ســكينة علــى مالحظتهــم بدقــة ومعرفتهــم‬
‫باالســم حتــى لتطفــح الســعادة مــن وجههــا حيــن تقــول لسمســمة بعــد خــروج زائــر‪:‬‬
‫ (مش ده مصطفى ابن خالتك اللي بيشتغل في السكة الحديد)؟‬‫فتبهت سمسمة وتقول‪:‬‬
‫عرفك)؟‬
‫‪-‬ال ّله‪( ..‬وأنتي إيه اللى ّ‬
‫حينئــذ تحــس ســكينة الناحلــة الهادئــة الســاكنة بســعادة داخليــة ال حــد لهــا‪ ..‬غيــر معقــول بالمــرة أو‬
‫‪128‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫مقبــول‪ ،‬فقــد أصبحــت لمجــرد أنهــا عرفــت الزائــر وخمنتــه‪ ،‬جــاء تخمينهــا بالضبــط مطاب ًقــا للحقيقة‪.‬‬
‫ولكــن هــذه الســعادة ‪-‬بالتكــرار‪ -‬لــم تعــد تحــدث‪ ،‬ووجــدت ســكينة نفســها مدفوعــة إلــى خطــة‬
‫أخــرى كــي تحــس بنفــس ســعادتها الســابقة‪ .‬فبــدأت تقــدم مســاعدات‪ ،‬وتســرع ً‬
‫مثــا وتحضــر‬
‫كراســي لــزوار سمســمة ‪-‬أو إذا أرادت األخيــرة أن تعــزم عليهــم بالقهــوة أو الشــاي أو الغــازوزة‪-‬‬
‫أســرعت ســكينة إلــى البوفيــه تحضــر الطلبــات بنفســها‪ .‬وكانــت سمســمة تأخــذ األمــر فــي أولــه‬
‫باعتبــار أنــه نــوع مــن الطيبــة مــن ســكينة ال أكثــر‪ ،‬ولكنهــا بــدأت تعجــب فعـ ًـا وقــد راحــت ســكينة‬
‫تقــوم بأعمــال غيــر معقولــة أبــدً ا‪ ..‬تأخــذ األطفــال مــن األمهــات الزائــرات وتداديهــم أو تذهــب بهــم‬
‫إلــى دورة الميــاه‪ ..‬وتلعــب مــع األبنــاء الكبــار وتقــول لهــذا الزائــر‪ ..‬والنبــي وحياتــك بقــى ســلم‬
‫علــى فالنــة وفــان وكأنهــم أقرباؤهــا هــي‪.‬‬
‫بــدأت سمســمة تســتعجب‪ ،‬وسمســمة لــم تكــن ســهلة وال طيبــة وال مســكينة أبــدً ا‪ .‬إنهــا جهنــم‬
‫زودتهــا فــي نظرهــا‬
‫الحمــراء إذا انفتحــت وإذا رأت فــي األمــر مــا يريــب‪ ..‬وكانــت ســكينة قــد ّ‬
‫كثيـ ًـرا وبشــكل أصبــح ال تفســير لــه وال تبريــر‪ ،‬تجلــس مــع األقربــاء واألصهــار طــوال الزيــارة وال‬
‫تغادرهــم للحظــة وكأنهــا منهــم وعليهــم‪ ،‬يتحدثــون عــن أدق أدق أمورهــم العائليــة الخاصــة فــا‬
‫تخجــل وال تبتعــد‪ .‬بــل أكثــر مــن هــذا تهتــم بهــا وتناقشــها مناقشــة المتحمــس الغيــور‪ ،‬وتبــدي اآلراء‬
‫أيضــا‪ ..‬وتنتظــر سمســمة علــى أحـ ّـر مــن الجمــر أن «تحــس» ســكينة مــرة فتقــوم أو تغــادر الفــراش‪..‬‬
‫ً‬
‫أو علــى األقــل تولــي انتباههــا إلــى الناحيــة األخــرى بــا فائــدة‪ ،‬إذ كانــت ســكينة ال تفعــل شــي ًئا‬
‫أيضــا تتحــدث وتع ّقــب وتحــاول‬
‫مــن هــذا أبــدً ا‪ ،‬بــل تظــل طــوال الجلســة بأكملهــا وبعــد الجلســة ً‬
‫أن تدخــل سمســمة فــي أخــص الشــؤون وفــي الغويــط‪ ..‬وسمســمة تكظــم وتكظــم‪ .‬فصحيــح أن‬
‫ســكينة تتدخــل ولكنهــا تفعــل هــذا وهــي راقــدة فــي فراشــها نفســه ال تغــادره‪ ،‬وعلــى العكــس إن‬
‫زوارهــا هــم الذيــن يجلســون علــى فــراش ســكينة وبهــذا يعطونهــا الفرصــة لالندمــاج والتدخــل‪.‬‬
‫بــل تطــور األمــر إلــى مــا هــو أكثــر‪ ،‬وبــدأت ســكينة تقتنــص زائــر أو زائــرة مــن الجالســين علــى‬
‫فراشــها وتنخــرط فــي حديــث ال ينقطــع معــه أو معهــا بحيــث تنتهــي الزيــارة وهــم لــم يتبادلــوا كلمــة‬
‫واحــدة مــع قريبتهــم سمســمة‪ ،‬وكأنهــم جــاءوا لزيــارة ســكينة أصـ ًـا‪.‬‬
‫ولقــد تكــرر األمــر مــرة مــرة وسمســمة صابــرة تكظــم‪ ،‬إلــى أن كان هــذا اليــوم الــذي قــررت أن‬
‫تنفجــر فيــه‪ .‬وهكــذا مــا كاد آخــر زائــر فــي يــوم الزيــارة يخــرج ويفــرغ العنبــر محتوياتــه المكتظــة‬
‫‪129‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫كقطــار وصــل إلــى محطــة النهايــة‪ ،‬حتــى التفتــت سمســمة إلــى ســكينة التفاتــة حــادة وقالــت بصوت‬
‫بالــغ العلــو‪:‬‬
‫ (بقى) اسمعي يا‪...‬‬‫واحتــارت قليـ ًـا‪ ..‬أتقطــع العشــم والعالقــة والعيــش والملــح مــرة واحــدة وتقــول يــا بــت يــا ســكينة‪،‬‬
‫أم تكتفــي بنهرهــا وتقــول يــا ســكينة فقــط؟ فــإذا قالــت لهــا يــا ســكينة فكيــف تســتطيع أن تصــب‬
‫عليهــا بهــذه البدايــة مــا يتفجــر بــه صدرهــا الضخــم العالــي األســمر مــن غضــب وضيــق؟ احتــارت‬
‫ســكينة وكأنمــا لتزيــد برؤيتهــا لهــا جرأتهــا وعنــف انفجارهــا‪ ..‬كانــت قــد قــررت أن توقفهــا عنــد‬
‫حدهــا وأن تنذرهــا بأنهــا إذا اســتمرت فــي اقتنــاص زائــر أو أكثــر مــن زوارهــا هكــذا فســوف تمرمــط‬
‫األرض بزوارهــا ‪ -‬زوار ســكينة إذا جــاؤوا ‪ -‬والعيــن بالعيــن والســن بالســن والبــادى أظلــم‪.‬‬
‫صوبــت سمســمة عينهــا إلــى ســكينة لتجدهــا راقــدة فــي ســريرها نصــف مغطــاة الجســد تحملــق‬
‫أمامهــا كمــن يجتــر ذكــرى لحظــة ســعيدة مرت‪..‬وفجــأة اكتشــفت سمســمة الجهنميــة أن تهديدهــا‬
‫الــذي يــكاد يفلــت مــن فمهــا ال معنــى لــه بالمــرة‪ .‬أجــل هكــذا‪ ..‬فــي ومضــة مفاجئــة اكتشــفت‬
‫سمســمة أن ســكينة ال يأتيهــا زوار وال ينتظــر أن يأتيهــا أحــد‪ ..‬وهكــذا بعــد أن كانــت قــد اســتدارت‬
‫واســتدار الســرير الســتدارتها‪ ،‬وقالــت‪( :‬بقــى)‬
‫اسمعي يا‪....‬‬
‫وحيــن التفتــت ســكينة بدهشــة ونــوع مــن الذعــر تســأل‪ :‬نعــم يــا ســت سمســمة؟ لــم تغيــر سمســمة‬
‫رقدتهــا وال رفعــت عينيهــا عــن وجــه ســكينة‪ ..‬كل مــا فــي األمــر أن صوتهــا انخفــض فجــأة حتــى‬
‫كاد ال يســمع‪.‬‬
‫وقالت‪:‬‬
‫ (ال ه)‪ ...‬وال حاجة‪( ..‬ده كلمة كده وعدت)‪.‬‬‫قالــت هــذا وهــي ترمــق الفتــاة بعينيــن مشــتتتين فــوق وجههــا يــكاد يطفــر منهمــا الدمــع‪ ..‬وظلــت‬
‫مثبتــة عينيهــا فــوق وجــه ســكينة ال ترفعهمــا‪ ،‬وكأنهــا تراهــا ألول مــرة‪ ..‬رفيعــة نحيلــة مقطوعــة مــن‬
‫شــجرة‪.‬‬
‫‪130‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫احلرب واجلوع‬
‫َّ‬
‫الشيخ عبدال ّله العاليلي‬
‫الكآبــة! إنهــا ّ‬
‫كل طفولتــي‪ .‬وال تعجــب فقــد اتفــق وكنــت أيــام الحــرب العالميــة األولــى‪ ،‬أشــهد‬
‫وأبصــر ِمقصلــة الجــوع‪ ،‬فــا بــدع أن ت َغ َّشـتْني الكآبــة َّ‬
‫وتفشــت فــي أعماقــي ال كســديل أو ســتار‪ ،‬بــل‬
‫ِ‬
‫كقمــاط يل َت ّفنُــي مــن أنحائــي‪.‬‬
‫رأيــت الهــول المجســم فــي الطرقــات واألز ّقــة‪ ،‬وأبصــرت بمشــاعري كلهــا‪ ،‬حتــى انقلبــت ‪-‬كمــا‬
‫َح ِســبتُني‪ -‬ولســت إالّ عينًــا‪ ،‬جاحظــة‪ ،‬بــل ليــس القتــل والقتــال شــي ًئا بالنســبة إلــى مــا كنــت أرى‪،‬‬
‫ِ‬
‫ـع القتــل‪.‬‬
‫فــإرادة القتــل فــي الحــروب تخ ّفــف َو ْقـ َ‬
‫أ ّمــا حـ َّـز ُة األلــم الحقيقــي فتكمــن فــي المســغبة‪ ،‬فــي الجــوع الــذي ال يفتــأ يطعنــك‪ ،‬وأنت ال تســتطيع‬
‫لــه دف ًعــا‪ ،‬بــكل نصالــه‪ ،‬ليعــود فيطعــن ويطعــن‪ ،‬كمعاصــر هائلــة تــدور أســنانها علــى أشــاء ح ّيــة‪،‬‬
‫ِ‬
‫ـاح وهكــذا دواليــك‪.‬‬
‫ـدوا‬
‫ـاح مســا َء لمســاء صبـ َ‬
‫ورواحــا‪ ،‬صبـ َ‬
‫ً‬
‫وتظـ ّـل ماضيــة ُغـ ًّ‬
‫مجــازا‪ ،‬ألن الــذي رأيــت فــي الحقيقــة‪ :‬كان موم ِ‬
‫يــات‬
‫رأيــت أطفــاالً وأ ّمهــات أدعوهــم كذلــك‬
‫ً‬
‫َ‬
‫جــوعٍ‪ُ ،‬تـ ْـزري بــكل مــا أبدعــت ريشــة «رمبرانــت» الهولنــدي ومــا أعطــت ريشــة «هولبيــن» األلمانــي‬
‫فــي تحفتــه «رقــص المــوت»‪ ،‬ومــا جــرت بــه ريشــة «روبنــز» (الفلمنكــي)‪ .‬أقــول هــذه الريشــات‬
‫مجتمعــة تعجــز عــن نقــل َم ْر ِئ ّي َاتــي‪ ،‬بـ ِّ‬
‫الرعــب فــي أخاديدهــا الغائــرة‪ .‬وأقـ ّـل‬
‫ـكل ارتســامات تكشــيرة ُّ‬
‫مــا انحفــر عمي ًقــا فــي ســرائري‪ ،‬منظــر فتــى اتفقــت لــه ُلقيمــة أســرع إليهــا َف ُمــه وللحظتــه اقتحــم علــى‬
‫ـم آخــر والتزمــا عليهــا لينفـكَّا ٌّ‬
‫وكل فــي فمــه َشـ َف ُة اآلخــر يمضغهــا مشــفوعة بدمعــة‪ ،‬ال أدري‬
‫فمــه فـ ٌ‬
‫أدمعــة تـ ٍ‬
‫ـرح كانــت أم دمعــة فــرح‪ .‬فالــذي ظـ َّـل فــي غائمــة وعيــي أنّهمــا كانــا يمضغــان ويبكيــان‪.‬‬
‫‪131‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫نامي ليستيقظ الدمع ويحكي‬
‫عبد العزيز الفارسي‬
‫رأيت اجتماعهم ُقبيل الظهيرة‪ ،‬ساقني حدسي إلى الموت‪.‬‬
‫لحظة ُ‬
‫درس‬
‫الوجــو ُه الصارمــة‪ ،‬باللحــى المسترســلة علــى الصــدور تمــأ مســجدنا فــي حادثيــن ال غيــر‪ٌ :‬‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫وشــممت رائحــة‬
‫صالحــا‪.‬‬
‫رجــل نحســب ُه‬
‫مــوت‬
‫عابــر للقــارات‪ ،‬أو‬
‫بعــد صــاة العشــاء إلمــا ٍم‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ً‬
‫الكافــور‪ ،‬ودهــن العــود واألكفــان الجديــدة وكلــي يقيـ ٌن أنهــا تنبعـ ُ‬
‫ـث مــن ذاكرتــي‪ ..‬وذاكرتــي فقــط‪.‬‬
‫وتر ّكــزت ُخطبــة الجمعــة حــول األلــم‪ ،‬والحمــى‪ ،‬واألمــراض واألجــور األخرويــة المترتبــة عليهــا‪.‬‬
‫ـج المــوت‬
‫وأنــا فــي حدســي أطــوف وأســعى بيــن الكافــور ودهــن العــود وبيــاض األكفــان‪ .‬أعالـ ُ‬
‫المباغــت بالكبريــاء‪.‬‬
‫« ســيدي المــوت‪ :‬إن جئــت علــى غفلـ ٍـة فمرح ًبــا بــك‪ ،‬وإن اســتأذنت بمــرض ُعضــال فعلــى الرحــب‬
‫المطلــق»‪.‬‬
‫والســعة‪ .‬ولــن أردك‪ .‬ال ح ًبــا‪ ،‬ولكــن رغبـ ًة فــي معرفــة ُ‬
‫ـألت الــذي عــن شــمالي‪ .‬كان ُيذيــل ُدبــر صــاة الجمعــة باالســتغفار‬
‫رغبـ ًة فــي اختبــار الحــدس‪ ،‬سـ ُ‬
‫ـت‪« :‬أمــات أحــد؟»‪.‬‬
‫والتســبيح‪ .‬همسـ ُ‬
‫أومــأ باإليجــاب‪« :‬شــريفة»‪َّ ..‬‬
‫ـدف‬
‫ـح علــى يــدي‪ ،‬وتســاقطت مــن أضلعــي ُنـ ُ‬
‫فتهشــم الرمــش الذبيـ ُ‬
‫األســى‪..‬‬
‫تقبــض األرواح هنــا‪ ،‬وهنــاك‪ِ ..‬‬
‫فلــم قبضــت روح شــريفة فــي أرض‬
‫« ســيدي‪ :‬ألســت نفســك‬
‫ُ‬
‫الغربــاء؟!‪ ..‬غربتــان يــا مــوت؛ عــن أرض األهــل وغربتــك‪ .‬أفتجمعهمــا؟‪ .‬ال أنهــرك يــا غريــب‪..‬‬
‫ال ننهــرك يــا غريـ ِ‬
‫ـب‪.‬‬
‫وتســاقطت ذكــرى الغيــاب مدائــن‪ ،‬طــوت الرحيــل بأعيــن متر ّقبــة لــم تكــن ثمــة رائحــة للكافــور‪ ،‬أو‬
‫خضــب لحيتــه بالحنــاء‪:‬‬
‫دهــن العــود‪ ،‬البيــاض رائحــة جثمانهــا الــذي اصطففنــا خلفــه‪ .‬قــال إمــا ٌم ّ‬
‫« نصلــي أربــع تكبيــرات علــى الميتــة‪ .‬بعــد األولــى نقــرأ الفاتحــة‪ .‬بعــد الثانيــة نقــرأ الصــاة‬
‫اإلبراهيميــة‪ .‬بعــد الثالثــة ندعــو للميتــة‪ .‬بعــد الرابعــة‪»...‬‬
‫‪132‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫القلب ما تبقى‪ « :‬ندعو لما تبقى من أرواحنا‪ ،‬ثم نُس ِّلم »‪.‬‬
‫وأكمل‬
‫ُ‬
‫« ال ّله أكبر »‪.‬‬
‫ـب زوجتــي إذا ســألت عــن عمــر الميــت وأجبتهــا‪ « :‬أصغــر منــا بكــذا ســنة أو أكبــر منــا بكــذا‬
‫تغضـ ُ‬
‫ســنة »‪ .‬تصــرخ‪ « :‬قــل ُعمــر الميــت ُمجـ ّـر ًدا مــن أي مقارنـ ٍـة بأعمارنــا »‪ .‬لكــن إن ســألت عــن عمــر‬
‫ـبق إصــرار‪ « :‬أصغــر منـ ِ‬
‫شــريف َة التــي لــم تكمــل الثالثيــن‪ ..‬ســأقول بسـ ِ‬
‫ـك بخمــس ســنين »‪.‬‬
‫« ال ّله أكبر »‬
‫قالــت شــريف ُة يو ًمــا ـ قبــل أن أهجرهــا لفــرط غبائــي ـ تحدّ ثنــي عــن نكهــة الفقــد‪ « :‬أكــره المــوت‬
‫مريضــا قبــل موتــه‪ .‬أريــدُ فقــد أحبتــي كمــا كانــوا شــامخين ضاحكيــن بهامــات‬
‫الضعيــف‪ ،‬ولــم أزر ً‬
‫ورؤوس تعانــق الشــمس »‪ .‬لــذا لــم أزر شــريفة فــي مرضهــا‪ ،‬وأتذكرهــا اآلن فقــط ضاحكـ ًة بشوشــة‪.‬‬
‫« ال ّله أكبر »‬
‫الدعاء للميتة‪ :‬ربي‪ ..‬هذه شريفة‪..‬‬
‫ربي‪ ..‬هذه شريفة‪..‬‬
‫ربي هذه‪........‬‬
‫« ال ّله أكبر »‬
‫السالم عليكم ورحمة ال ّله‪...‬‬
‫خضــب اللحيــة‪ :‬لــم اســتعجلت بالســام ولــم تتــرك لنــا فرصــة الصــاة علــى أنفســنا؟‪ .‬يــا‬
‫يــا ُم ّ‬
‫ُم َخ ّضــب اللحيــة‪ ..‬يــا إمــام‪ :‬أتضمــن وجــود مــن يدعــو لــي بعــد المــوت؟‬
‫قيــل عــن جنــازة المؤمــن إنهــا خفيفــة فــي الحمــل‪ ،‬ســريعة فــي الوصــول إلــى القبــر‪ .‬والجنــازة‬
‫ـتلمت الجانــب األمامــي األيمــن للنعــش ألتحســس وزن شــريفة‪ .‬قالــت‪:‬‬
‫تنطلـ ُـق فــي هرولــة‪ .‬اسـ‬
‫ُ‬
‫ونكســات أحملهــا بيــن‬
‫« وزنــي خمســ ٌة وأربعــون كيلوغرا ًمــا‪ ..‬خمســ ٌة لــي‪ ،‬واألربعــون همــوم‬
‫ٌ‬
‫أضلعــي »‪ .‬وزن شــريفة اآلن خفيــف‪ .‬ربمــا كان خمســة كيلــو غرامــات‪ .‬شــريفة‪ :‬أيــن تركــت الهمــوم‬
‫والنكســات؟!!‬
‫‪133‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ـي‬
‫كان القبـ ُـر جاهـ ًـزا‪ .‬دسسـ ُ‬
‫ـت نفســي بيــن األكتــاف المتراصــة أللقــي نظــرة علــى الداخــل‪ .‬قــال صبـ ٌ‬
‫ـت بالكلمــات‬
‫لجــده‪« :‬يــاااااااه‪ .‬عميــق»‪ .‬رد الجــد‪« :‬لــو مــا مكرهــن‪ ..‬مــا غـ ّـرزوا قبرهــن»‪ ..‬غصصـ ُ‬
‫ـت للخلــف‪.‬‬
‫فتراجعـ ُ‬
‫الغبــار يخنـ ُـق وجــه الشــمس‪ ،‬واتخــذ بعــض الرجــال ظــل الســدر مــا ًذا حتــى وضــع الجثمــان فــي‬
‫اللحــد واإلغــاق عليــه‪ .‬فيمــا توافــدت بعــض الســيارات إلــى بــاب المقبــرة‪ ،‬جــاء بهــا مــن تخ ّلــف‬
‫عــن الجنــازة‪ ،‬ومــن قــرر توفيــر الســيارات لــدرب العــودة بعــد الدفــن‪.‬‬
‫ـوت بنــا؟!‪ .‬ال شــيء‪ .‬ال شــيء»‪ .‬كنــا نعالــج الحــر بالبوظــة‬
‫قالــت شــريفة ذات وهــج‪« :‬مــا يفعــل المـ ُ‬
‫أنفاســا عميقــة‪ .‬لــم تســمعني اآلن لقلــت‪« :‬هــذا مــا يفعــل المــوت»‪ ،‬وألشــرت‬
‫المث ّلجــة ونسـ ُ‬
‫ـحب ً‬
‫إلــى عــدد مــن كبــار الســن قــد افترشــوا التــراب وجلســوا يســردون أخبارهــم‪ .‬بعضهــم تنــاول أعــوا ًدا‬
‫يابســة وصــار يخطــط بهــا فــي وجــه األرض‪..‬‬
‫«أيهــا المــوت الغريــب‪ ..‬أيهــا المــوت الغريــب‪ .‬ذابــت احتماالتنــا كالبوظــة فــي حــر الصيــف‪.‬‬
‫ســالت وتخ ّلصنــا منهــا‪ .‬تمنينــا لعــق مــا تبقــى مــن البوظــة واالحتمــاالت علــى اليديــن‪ .‬لكننــا‬
‫خجلنــا‪ .‬كابرنــا‪ .‬ربمــا‪»...‬‬
‫خــرج أبوهــا مــن القبــر‪ .‬تبعــه ولــداه‪ .‬أحدهمــا يبكــي واآلخــر يتأمــل الوجــوه‪ .‬أمــا األب فقــد بــدا‬
‫صار ًمــا‪ .‬زارتــه النوبــة القلبيــة قبــل شــهر ودخــل العنايــة يوميــن‪ .‬قــال لــه الطبيــب‪ :‬أربعــون فــي‬
‫المائــة‪ ..‬هــذا احتمــال وفاتــك خــال شــهر مــن اآلن‪ ..‬وإن نجــوت فــإن هناك نســبة تقارب العشــرين‬
‫بالمائــة‪ ..‬هــي احتمــال وفاتــك خــال ســنة‪ .‬هــذا مــا تقولــه إحصائيــات األزمــات القلبيــة فــي أنحــاء‬
‫العالــم‪ .‬مـ ّـر شــهر وســقطت العشــرون بالمائــة األولــى‪ .‬قبــل انقضــاء العشــرين بالمائة األخيــرة ماتت‬
‫ابنتــه التــي يع ّيــر بهــا ولديــه‪ :‬بشــريفة فقــط أرفــع رأســي‪ ..‬أمــا أنتمــا فــا فائــدة أرجوهــا منكمــا‪ .‬هكــذا‬
‫قــال يــوم تفوقــت‪.‬‬
‫ٍ‬
‫واحد يهيل ثالثة كفوف ويفسح لغيره كي يأخذ األجر»‪.‬‬
‫«أهيلوا التراب‪ .‬كل‬
‫تسابقوا إلهالة التراب على اللحد‪ .‬ارتفعت كومة الغبار عال ًيا‪.‬‬
‫أغضمت عيني وأهلت التراب‪..‬‬
‫ُ‬
‫‪134‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫«شريفة‪ ..‬ما أقول للغياب؟ ما أقول للغياب؟!»‬
‫ٍ‬
‫خطوة فينا‪ .‬لك ألف خطيئة‪ .‬فمتى يا غياب تؤوب؟»‬
‫ألف‬
‫«لك ُ‬
‫نفضوا أياديهم من الغبار‪ ،‬ولم أنفض يدي‪.‬‬
‫تقدّ موا لتقبيل أبيها وأخويها‪..‬‬
‫«الصبر‪ ..‬الصبر يا جماعة»‬
‫«ع ّظم ال ّله أجركم»‬
‫ـت إلــى أبيهــا‪ ،‬احتضنتــه بصمــت‪ ،‬ثــم تواريــت‪ .‬ركبــوا ســياراتهم وتركــوا القبــر الرطــب‪.‬‬
‫ويــوم تقدّ مـ ُ‬
‫ـيت أجرجــر المرثيــة‪ ،‬وأبحـ ُ‬
‫ـث عــن كلماتهــا‪ .‬لــك المطلــق اآلن يا شــريفة‪ .‬لــك المطلق‪،‬‬
‫وحــدي مشـ ُ‬
‫ولــي أســاور مــن تمـ ّن‪ ،‬تز ّيــن االنتظــار الكئيــب‪.‬‬
‫«ســيدي المــوت‪ :‬إن جئــت علــى غفلـ ٍـة فمرح ًبــا بــك‪ ،‬وإن اســتأذنت بمـ ٍ‬
‫ـرض ُعضــال فعلــى الرحــب‬
‫المطلــق»‪.‬‬
‫والســعة‪ .‬لــن أردك‪ .‬ال ح ًبــا‪ ،‬ولكــن رغبـ ًة فــي ُ‬
‫ذرعــت فنــاء الــدار عشــرين مــر ًة فــي انتظــاري‪.‬‬
‫وصلــت البيــت‪.‬‬
‫كانــت زوجتــي غاضبــة حيــن‬
‫ْ‬
‫ُ‬
‫ـت‪« :‬أيــن كنــت؟!‪ .‬لقــد أخفتنــي‪ .‬مـ ّـر علــى انقضــاء صــاة الجمعــة ســاعة ولــم تــأت‪ .‬ومــا‬
‫صرخـ ْ‬
‫ـت‪:‬‬
‫ـت إلــى المنــزل‪ .‬قلـ ُ‬
‫هــذا التــراب فــي يديــك؟»‪ .‬دلفـ ُ‬
‫‪ -‬كنا ندفن شريفة‪.‬‬
‫ادفـ ِ‬‫ـن مــن تريــد‪ ،‬ولكــن أخبرنــي أنــك ســتتأخر عــن القــدوم‪ .‬قتلتنــي مــن االنتظــار‪ .‬أيــن جهــازك‬
‫الن ّقــال؟‬
‫هنــا فــي البيــت‪ ،‬ألــم يكــن ممكنًــا أن تتصــل مــن هاتــف زميلــك لتخبرنــي عــن تأخــرك؟‪ ..‬ثــم مــن‬‫شــريفة هــذه؟‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ألخــذ حمــام‬
‫أنــاس ال تعرفهــم‪ .‬هيــا ادخــل‬
‫تعــودت منــك الجــري خلــف جنائــز‬
‫تصمــت؟!‪.‬‬
‫ُ‬
‫وانفــض عنــك هــذا التــراب‪.‬‬
‫‪135‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ـحت بهمــا علــى صــدري‪.‬‬
‫ـت يــدي المغبرتيــن‪ .‬مسـ ُ‬
‫ـت إلــى مكتبــي وتأملـ ُ‬
‫لــن أنفضه!!!‪..‬دخلـ ُ‬‫قالــت شــريفة فــي احتيــاج‪« :‬أريــد البــكاء علــى كتفــك»‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لخوف مألني‪« :‬أخشى أن تجرح رموشك كتفي»‪.‬‬
‫رافضا‬
‫ُ‬
‫قلت ً‬
‫لم تبك‪ ،‬اآلن والغبار على هذا الصدر أنادي شريفة‪« :‬نامي‪ ..‬ليستيقظ الدمع ويحكي»‪.‬‬
‫‪136‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫الناسك احلكيم‬
‫الروسي (ليو تولستوي)‬
‫للكاتب ّ‬
‫خطــر مــرة ألحــد الملــوك خاطــر عابــر مــأ عقلــه‪ ،‬فشــغله عــن كل امــرأة‪ ..‬حبــذا لــو عــرف ذلــك‬
‫الملــك لــكل عمــل ميعــاد عملــه األنســب‪ .‬ثــم لــكل عمــل فــي ميعــاده رجلــه األنجــب‪ ،‬إ ًذا لظفــر‬
‫صعــدا إلــى ذروة المجــد والخلــد فــي كل مــا يــدور بالخلــد مــن أعمــال الملــك بيــن النــاس!‬
‫وتشــبث الملــك بخاطــره‪ ..‬فــأذاع األمــر بيــن عســاكره‪ .‬وذهــب العســكر إلــى دســاكر المملكــة‬
‫ومدنهــا ينــادون‪ :‬يــا أصحــاب العلــم وطــاب الحكمــة‪ ،‬لقــد تعطــف الملــك فوعــد بأثمــن الجوائــز‬
‫لمــن يجيــب عــن هــذا الســؤال‪ :‬مــن يكــون أنســب الرجــال ألنســب األعمــال فــي أنســب األوقــات!‬
‫وتدفــق العلمــاء علــى ســاحة الملــك يتدافعــون ويدافعــون كل عمــا ارتــآه‪ ..‬ويــا أكثــر مــا ســمع فريــق‬
‫يقــوم قائـ ًـا‪ :‬إن أنســب األوقــات إنمــا يمكــن معرفتــه بقائمــة يكتــب اإلنســان فيهــا األيــام والشــهور‬
‫واألعــوام‪ ..‬ويظــل متتب ًعــا إياهــا ال تفوتــه مــن أحداثهــا شــاردة‪ ..‬وال واردة‪ .‬وهكــذا ال يفتــأ يط ّبــق‬
‫ً‬
‫متخــذا مــن حــوادث الزمــن عبرتــه فتصــدى ألصحــاب هــذا الــرأي َمــ ْن‬
‫حاضــره علــى ماضيــه‪.‬‬
‫يقــول‪ :‬ومــا لنــا نظــل غارقيــن بأنفســنا فــي اعتبــارات الماضــي‪ ..‬نســتوحيها ونســتلهمها‪ .‬وفــي‬
‫ـارا‪ ،‬فمــا علــى اإلنســان إال أن يجلــس وينظــر‬
‫حــوادث الحاضــر ومــا هــو أول عبــرة‪ .‬وأجــل اعتبـ ً‬
‫حواليــه فيمــا يــدور مــن أحــداث‪ .‬ومــن ثــم يســتتبعه‪ ،‬ويســتوعيه ويســتخرج منــه أنســب األوقــات‬
‫ألي عمــل مــن األعمــال!‬
‫فــإذا فريــق ثالــث ينهــض متسـ ً‬
‫ـائل‪ :‬وهــل يمكــن لإلنســان أن يتتبــع كل مــا يــدور حولــه مــن حــوادث‬
‫الزمــان‪ .‬لعمــر الحــق إن الــرأس ال تعــرف فــي العلــم مــن يــأس‪ .‬ولكــن إقنــاع اليــأس مــن بلــوغ‬
‫شــيء والبلــوغ نفســه شــيء آخــر‪ ،‬فمــا أحــوج المــرء الضعيــف لنفســه‪ ،‬والقليــل بمحتويــات رأســه‪،‬‬
‫أن يتخــذ لــه مشــيرين وناصحيــن‪ ،‬يفتونــه‪ ،‬ويدلونــه علــى أنســب األوقــات ألنســب األعمــال! ودعنــا‬
‫مــن أنســب األوقــات‪ ،‬فمــا هــي أنســب األعمــال يــا أحكــم الرجــال؟‬
‫هذا شيخ وقور يتقدم إلى ساحة الملك‪ ،‬ويتكلم في حنكة وحكمة ً‬
‫قائل‪:‬‬
‫إن أنســب األعمــال هــو التعليــم‪ ..‬ألن العلــم هــو النــور الــذي يتســع علــى الحــوادث‪ ..‬فيضــيء‬‫أركانهــا ويكشــف مــن جوانبهــا‪ .‬فــإذا ضابــط عجــوز يضــرب األرض بقدميــه فــي حميــة وحماســة‬
‫‪137‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ويقــول‪:‬‬
‫مــا قيمــة العالــم بــا حــرب‪ ..‬ومــا قيمــة الحــرب بــا أمــن؟ فعب ًثــا إ ًذا يضيــع النــاس‪ ..‬أوقاتهــم إن‬‫لــم يعرفــوا أســرار الفنــون الحربيــة ومتاهاتهــا‪.‬‬
‫ولكن أال نستمع إلى هذا الالبس المسوح يتقدم في هيبة الكهنوت ويقف ً‬
‫قائل‪:‬‬
‫لقــد شــغلتم الدنيــا يــا أبنــاء النــاس عــن دينكــم‪ .‬ومــا أحــوج الــروح الخالــدة فيكــم إلــى التغلــب‬‫علــى أجســادكم الفانيــة‪ ..‬فليــس أكثــر خيـ ًـرا مــن مزاولــة الطقــوس الدينيــة‪ ..‬وال أنســب مــن إقامــة‬
‫شــعائر ال ّلــه‪.‬‬
‫والســؤال الثالــث‪ :‬مــن هــم أحكــم الرجــال الــذي هــم أجــدى بــأن يقلدهــم الملــك مقاليــد األمــر‪..‬‬
‫ويســتمع إلــى نصحهــم‪ ..‬وحكــم قولهــم فــي كل أمــر‪ .‬أال يكونــون هــم العلمــاء‪ ..‬أم األطبــاء‪ ..‬أم‬
‫أنهــم الكهنــة‪ ..‬أم أن الملــك بــا جنــد كطائــر بــا جنــاح‪ ..‬وإذا فهــم الجنــود‪.‬‬
‫اختلفــت األقــوال وتضاربــت اآلراء‪ .‬فمــا اقتنــع الملــك بقــول‪ ..‬وال أرضــاه رأي‪ ..‬وهــو يتلهــف‬
‫شــو ًقا إلــى إجابــة مــا خطــر لــه مــن ســؤال‪ .‬ولكــن آه‪ ،‬مــا أكثــر مــا ينســى الملــك ويســهو أن فــي الغابــة‬
‫ناسـكًا‪ ..‬كــم قالــوا إنــه حكيــم وناقــد الفكــر‪ ..‬وإ ًذا فهــو صاحــب الــرأي وليســأله الملــك‪.‬‬
‫وتنكــر الملــك فــي زي فــاح ســاذج‪ .‬وخــرج إلــى الغابــة إلــى حيــث يعيــش الناســك الحكيــم فمــا‬
‫بلغــه هنــاك فــي دغلــة مــن األحــراش‪ .‬وجــده أمــام كوخــه مك ًبــا علــى األرض يحفــر بفأســه‪ ..‬فحيــاه‬
‫الملــك فــرد التحيــة متأد ًبــا ثــم عــاد إلــى عملــه‪ ،‬ال يــكل وال ينــي‪..‬‬
‫وكان الناســك نحي ًفــا ضعي ًفــا‪ ..‬وكل مــرة يرســل فيهــا الفــأس إلــى األرض‪ .‬ويخــرج مــن صلبهــا‬
‫متفرســا فــي شــهيق وزفيــر طويليــن‪ .‬ثــم يعــود فيضــرب فــي األرض‬
‫بعــض التــراب‪ .‬يقــف هنيهــة‬
‫ً‬
‫فأســه‪.‬‬
‫واقترب الملك منه ً‬
‫قائل‪:‬‬
‫‪ -‬إننــي قــد أتيــت إليــك‪ ..‬أيهــا الناســك الحكيــم لكــي تدلنــي علــى ثــاث مســائل حيرتنــي‪ :‬فمــا هــو‬
‫أنســب وقــت لــكل عمــل؟ ومــا هــو أنســب عمــل لــكل وقــت؟ ثــم مــن هــو أنســب الرجــال ليركــن‬
‫إليــه المــرء فــي تصريــف أمــره؟‬
‫‪138‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫فأنصــت الناســك إلــى الملــك‪ ..‬ولكنــه لــم يجــب‪ ..‬بــل لــم يلبــث أن عــاد للحفــر ال ينــي‪ :‬فقــال لــه‬
‫الملــك‪:‬‬
‫‪ -‬إنــك علــى مــا يبــدو متعــب‪ ..‬فدعنــي آخــذ الفــأس منــك‪ ..‬وأعمــل بعــض الوقــت عنــك‪ .‬فشــكره‬
‫الناســك وناولــه الفــأس‪ .‬ثــم اســتلقى علــى األرض يســتريح‪ .‬ومــا ضــرب الملــك الفــأس ضربتيــن‬
‫حتــى توقــف‪ .‬وأعــاد علــى مســمع الناســك أســئلته‪ ..‬ولكــن الناســك ظــل صام ًتــا‪ .‬ومــد يــده يريــد‬
‫الفــأس وهــو يقــول يمكنــك أن تســتريح هنيهــة ودعنــي أعمــل‪.‬‬
‫ولكــن الملــك لــم يعطــه الفــأس وراح يضــرب‪ ،‬والحفــرة فــي األرض تتســع‪ .‬ومــرت ســاعة‪..‬‬
‫ثــم أخــرى‪ ،‬إلــى أن اكفهــرت الشــمس‪ ..‬وبــدأت تغــوص خلــف األشــجار‪ .‬فألقــى الملــك أخيـ ًـرا‬
‫بالفــأس علــى األرض وقــال‪:‬‬
‫مصممــا أالّ جــواب‪ :‬فقــل لــي‬
‫ جئــت إليــك أيهــا الرجــل‪ ..‬لكــن تجيــب عــن أســئلتي‪ .‬فــإن كنــت‬‫ً‬
‫حتــى أعــود!‬
‫فتلفت الناسك إلى بعيد وقال‪:‬‬
‫راكضا‪ ..‬فدعنا ن ََر ُه من يكون‪.‬‬
‫ ها هو شخص يأتي ً‬‫ـم كلتــا يديــه علــى أحشــائه‬
‫ونظـ ًـرا الملــك فــرأى رجـ ًـا ملتح ًيــا‪ ..‬يجــري إلــى داخــل الغابــة‪ ،‬وقــد ضـ ّ‬
‫ودمــاء غزيــرة تســيل منــه‪ ..‬ولمــا ســقط علــى األرض مغشـ ًيا عليــه‪ ،‬فأســرع إليــه الملــك ورفــع عنــه‬
‫رداءه فــإذا بجــرح كبيــر قــد انشــق فــي جســمه‪ .‬فأمســك الملــك بالجــرح وغســله بالمــاء وطهــره‬
‫علــى قــدر مــا اســتطاع وربطــه بمنديلــه‪.‬‬
‫ولكــن الدمــاء مــا تفتــأ تســيل وتنفجــر‪ .‬فمــا زال الملــك يضمــد الجــرح حتــى أخــذ ســيل الدمــاء منــه‬
‫يهــدأ شــي ًئا فشــي ًئا‪ ..‬ثــم انقطــع‪.‬‬
‫ـاهما حواليــه‪ .‬فلمــا رأى الملــك‪ ..‬طلــب منــه فــي‬
‫وحينئــذ أفــاق الرجــل مــن غيبوبتــه‪ ..‬وتلفــت سـ ً‬
‫ضراعــة شــرا ًبا يبــل بــه جفــاف حلقــه فأســرع الملــك ومــأ كــوب مــاء وســقاه‪ .‬وكانــت الشــمس إذ‬
‫ذاك ســقطت فــي وحــدة األفــق‪ ..‬وترطــب الجــو بنســمة البحــر‪ ..‬فحمــل الملــك والناســك الرجــل‬
‫الجريــح وأدخــاه فــي جــوف الكهــف‪ ،‬ومــدداه علــى الفــراش وأســبال عليــه مــن أرديتهــا مــا يكفــي‬
‫‪139‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫لبعــث الــدفء فيــه‪ ..‬فأغلــق الرجــل عينيــه وغفــا‪.‬‬
‫وكان الملــك قــد أرهقــه الســير وأنهكــه العمــل طيلــة هــذا اليــوم العجيــب‪ ،‬حتــى إنــه اســتلقى علــى‬
‫األرض ونــام أعمــق نــوم عرفــه فــي حياتــه طــول الليــل حتــى الصبــاح!‬
‫وفــي الصبــاح اســتيقظ الملــك ويــا لدهشــته‪ ..‬إذ ألقــى نفســه فــي هــذا المــكان الموحــش المقبــض‪،‬‬
‫ولكنــه عــاد بعــد قليــل‪ ،‬فتذكــر الناســك وكهفــه‪ .‬ثــم هــذا الرجــل ذا اللحيــة الــذي رآه الســاعة يحــدق‬
‫فيــه النظــر بعينيــن براقتيــن‪ .‬وإذ رأى الرجــل الملــك قــد تنبــه إلــى أنــه يمعــن فيــه النظــر‪ .‬قــال لــه‬
‫بصــوت ضعيــف أن اغفــر لــي‪ .‬فقــال الملــك‪:‬‬
‫ أنا ال أعرفك يا صاح‪ ..‬وليس ثمة ما أغفر لك من أجله‪.‬‬‫فأجاب الرجل‪:‬‬
‫ أنــت ال تعرفنــي‪ ..‬ولكنــي أنــا أعرفــك‪ ..‬أنــا عــدوك الــذي أقســم لينتقمــن لنفســه منــك يــا مــن‬‫قتلــت أخــاه‪ .‬وســرقت أموالــه ودمــرت بيتــه شــر تدميــر‪ .‬وهــا أنــا قــد عرفــت أنــك ذاهــب وحــدك‬
‫لتعــود الناســك فأصــررت ألقتلــك عنــد عودتــك وتربصــت وانتظــرت‪ .‬فخرجــت حان ًقــا أهيــم باح ًثــا‬
‫علــي انقضــاض الوحــوش الكواســر‬
‫عنــك‪ .‬حتــى صادفنــي بعــض حرســك فعرفونــي وانقضــوا‬
‫ّ‬
‫جرحــا ممي ًتــا‪ ...‬فجاهــدت حتــى تخلصــت منهــم وهربــت إلــى أحــراش‬
‫حتــى خلفــوا فــي جســمي ً‬
‫ـي فضمــدت جراحــي ولــو لــم تفعــل لكنــت أنــا‬
‫الغــاب‪ ...‬حيــث وجدتــك‪ ..‬ولكنــك أســرعت إلـ ّ‬
‫فــي عــداد األمــوات‪ ..‬فليشــنقوني‪ .‬لقــد أردت قتلــك يــا مــوالي الملــك‪ .‬إن أنــا عشــت‪ .‬وإن أنــت‬
‫أردت فســأكون خادمــك المخلــص‪ ..‬مضح ًيــا بحياتــي‪ ..‬وأكــون أول المضحيــن مــن أجلــك‪..‬‬
‫وليكــن أبنائــي عبيــدك يــا مــوالي‪ ..‬مــا حييــت فاغفــر لــي‪.‬‬
‫فرحــا‪ ..‬لتصالحــه مــع عــدوه بمثــل هــذه الســهولة‪ ،‬ومــا‬
‫فتهلــل وجــه الملــك بشـ ًـرا‪ ..‬وامتــأت نفســه ً‬
‫غفــر لــه كيــده فحســب‪ ..‬بــل لقــد وعــده ليعــوض لــه مــا أصابــه مــن فقــد أخيــه‪ .‬وليــرد لــه مــا ســلبه‬
‫مــن أموالــه‪.‬‬
‫شاكرا‪ ..‬داع ًيا للملك راع ًيا حبه ووالءه‪.‬‬
‫فرحا‬
‫فخرج ً‬
‫ً‬
‫خارجــا فوجــده راك ًعــا‬
‫وتلفــت الملــك حواليــه فــي الكهــف فلــم يجــد الناســك‪ ..‬فغــادر المــكان‬
‫ً‬
‫‪140‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫علــى ركبتيــه جاهــدً ا يعيــد التــراب إلــى الحفــرة التــي حفرهــا باألمــس فاقتــرب منــه وقــال لــه‪.‬‬
‫ للمــرة األخيــرة‪ ..‬أرجــوك أيهــا الرجــل الحكيــم أن تجيــب عــن أســئلتي‪ .‬فقــال الناســك ومــا زال‬‫منك ًبــا علــى ركبتيــه‪:‬‬
‫ ولكنك قد أجبت عن أسئلتك‪.‬‬‫فدهش الملك وقال‪:‬‬
‫ أجبت عن أسئلتي‪ ...‬بربك ما الذي تعني‪.‬‬‫فأجاب الناسك‪:‬‬
‫ أال تــرى‪ ..‬إن لــم تكــن قــد أرحــت ضعفــي باألمــس‪ .‬ولــم تحفــر هــذه الحفــرة لــي‪ .‬ورجعــت‬‫غاض ًبــا لــكان هــذا الرجــل قــد عثــر بــك وقتلــك‪ ...‬ولكنــك قــد ندمــت علــى أنــك غادرتنــي‪ .‬فأهــم‬
‫األوقــات إ ًذا كان عندمــا كنــت ممسـكًا بالفــأس تضــرب األرض بهــا‪ .‬وكان أهــم عمــل عملتــه‪ ..‬هــو‬
‫أن ســاعدتني‪ ،‬وفعلــت الخيــر لــي‪ .‬ألنــك لــو لــم تفعلــه‪ ،‬لــكان قــد أصابــك الشــر الــذي ينتظــرك‬
‫وقــد كنــت أنــا أهــم األشــخاص بالنســبة لــك‪ ...‬ألنــك لــم تكــن تعــرف مــن الــذي ســيصادفك مــن‬
‫النــاس بعــدي‪ .‬هــذا شــأنك معــي‪ .‬أمــا حيــن ركــض الرجــل نحونــا فقــد كان أنســب وقــت هــو الــذي‬
‫ضمــدت فيــه جراحــه ألنــك لــو لــم تفعــل لمــات الرجــل ولــم يصفــح عنــك‪ .‬وإ ًذا لقــد كان الخيــر‬
‫الــذي عملتــه معــه هــو أنســب األعمــال وكان الرجــل نفســه أنســب الرجــال‪ .‬فتذكــر إ ًذا أيهــا الملــك‬
‫أن هنــاك وق ًتــا واحــدً ا أهــم وأنســب مــن كل األوقــات‪ .‬وهــذا الوقــت هــو اآلن‪ .‬فــاآلن هــو الوقــت‬
‫الــذي تبغــي‪ ..‬ألنــه الوقــت الوحيــد الــذي نملــك‪ .‬أن يكــون لنــا فيــه ثمــة قــوة‪ .‬أمــا أهــم وأنســب‬
‫األشــخاص فهــو الــذي تكــون معــه لحظتــك هــذه‪ .‬ألنــك ال تعــرف بعــد هــذه اللحظــة مــع مــن غيــره‬
‫ســتتعامل‪.‬‬
‫أمــا أهــم وأنســب األعمــال فهــو أن تعمــل لهــذا الشــخص خيـ ًـرا‪ .‬ألنــه لهــذا الغــرض وحــده وضعــت‬
‫فــي هــذه األجســاد‪ ..‬الحيــاة وخلق اإلنســان!‬
‫‪141‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫املغفلة‬
‫الروسي (أنطوان تشيخوف)‬
‫للكاتب ّ‬
‫منذ أيام دعوت إلى غرفة مكتبي مربية أوالدي « يوليا فاسيلفنا » لكي أدفع لها حسابها‪.‬‬
‫قلت لها‪:‬‬
‫‪ -‬اجلســي يــا (يوليــا فاســيليفينا)‪ ،‬هيــا نتحاســب‪ ،‬أنــت فــي الغالــب بحاجــة إلــى النقــود‪ ،‬ولكنــك‬
‫خجولــة إلــى درجــة أنــك لــن تطلبيهــا بنفســك‪ ..‬حس ـنًا‪ ..‬لقــد اتفقنــا علــى أن أدفــع لــك ثالثيــن‬
‫(روبـ ًـا) فــي الشــهر‪.‬‬
‫ أربعين‪.‬‬‫‪ -‬كال‪ ،‬ثالثيــن‪ ،‬هــذا مســجل عنــدي‪ ..‬إذن تســتحقين ســتين (روبـ ًـا)‪ ..‬نخصــم منهــا تســعة أيــام‬
‫آحاد‪..‬فأنــت لــم تعلمــي (كوليــا) فــي أيــام اآلحــاد‪ ،‬بــل كنــت تتنزهيــن معــه فقــط‪ .‬ثــم ثالثــة أيــام‬
‫أعيــاد‪.‬‬
‫تضرج وجه (يوليا فاسيليفينا)‪ ،‬وعبثت أصابعها بأهداب الفستان ولكن‪ ..‬لم تنبس بكلمة!‬
‫مريضــا أربعــة أيــام ولــم‬
‫‪ -‬نخصــم ثالثــة أعيــاد‪ ،‬إذن المجمــوع اثنــا عشــر (روبـ ًـا)‪ ..‬وكان (كوليــا) ً‬
‫تدرســين (لفاريــا) فقــط‪ ..‬وثالثــة أيــام كانــت أســنانك تؤلمــك فســمحت لــك‬
‫تكــن دروس‪ ..‬كنــت ّ‬
‫زوجتــي بعــدم التدريــس بعــد الغــداء‪ ..‬إذن اثنــا عشــر زائــد ســبعة تســاوي تســعة عشــر‪ ..‬نخصــم‪،‬‬
‫الباقي‪..‬هــم‪ ..‬واحــد وأربعــون (روبـ ًـا)‪ ..‬مضبــوط؟‬
‫احمـ ّـرت عيــن (يوليــا فاســيليفينا) اليســرى وامتــأت بالدمــع‪ ،‬وارتعــش ذقنهــا‪ .‬وســعلت بعصبيــة‪،‬‬
‫وتمخطــت‪ ،‬ولكــن‪ ..‬لــم تنبــس بكلمــة!‬
‫ قبيــل رأس الســنة كســرت فنجا ًنــا وطب ًقــا‪ .‬نخصــم (روبليــن)‪ ..‬الفنجــان أغلــى مــن ذلــك‪ ،‬فهــو‬‫مــوروث‪ ،‬ولكــن فليســامحك ال ّلــه! علينــا العــوض‪ ..‬نعــم‪ ،‬وبســبب تقصيــرك تســلق (كوليــا)‬
‫أيضــا ســرقت الخادمــة مــن (فاريــا)‬
‫الشــجرة ومـ ّـزق ســترته‪ ..‬نخصــم عشــرة‪ ..‬وبســبب تقصيــرك ً‬
‫أيضــا خمســة‪..‬‬
‫حــذاء‪ ..‬ومــن واجبــك أن ترعــي كل شــيء‪ ،‬فأنــت تتقاضيــن مر ّت ًبــا‪ ..‬وهكــذا نخصــم ً‬
‫وفــي (‪ )10‬ينايــر أخــذت منــي عشــرة (روبــات)‪ .‬فهمســت يوليــا فاســيليفينا‪:‬‬
‫‪142‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫ لم آخذ!‬‫ ولكن ذلك مسجل عندي!‬‫ طيب‪ ،‬ليكن‪..‬‬‫ من واحد وأربعين نخصم سبعة وعشرين‪ ..‬الباقي أربعة عشر‪..‬‬‫امتــأت عيناهــا االثنتــان بالدمــوع‪ ..‬وطفــرت ح ّبــات العــرق علــى أنفهــا الطويــل الجميل‪.‬ياللفتــاة‬
‫المســكينة!‬
‫وقالت بصوت متهدج‪:‬‬
‫ أخذت مرة واحدة‪ ..‬أخذت من حرمكم ثالث (روبالت)‪ ..‬لم آخذ غيرها‪..‬‬‫ ح ًقــا؟ انظــر‪ ،‬وأنــا لــم أســجل ذلــك! نخصــم مــن األربعــة عشــر ثالثــة‪ ،‬الباقــي أحــد عشــر‪ ..‬هاهــي‬‫ذي نقــودك ياعزيزتــي! ثالثــة‪ ..‬ثالثــة‪ ..‬ثالثــة‪ ..‬واحــد‪ ،‬واحــد‪ ..‬تفضلي!‬
‫ً‬
‫(روبل)‪ ..‬فتناولتها‪ ،‬ووضعتها في جيبها بأصابع مرتعشة‪ .‬وهمست‪:‬‬
‫ومددت لها أحد عشر‬
‫ (‪.)Merci‬‬‫علي الغضب‪.‬‬
‫ فانتفضت واق ًفا وأخذت أروح وأجيء في الغرفة‪ .‬واستولى ّ‬‫سألتها‪:‬‬
‫ (‪ )Merci‬على ماذا؟‬‫ على النقود‪..‬‬‫ ياللشيطان‪ ،‬ولكني نهبتك‪ ،‬سلبتك! لقد سرقت منك! فعالم تقولي (‪)Merci‬؟‬‫ في أماكن أخرى لم يعطوني شي ًئا‪..‬‬‫درســا قاسـ ًيا‪ ..‬ســأعطيك نقــودك‪،‬‬
‫‪ -‬لــم يعطــوك؟! ليــس هــذا غري ًبــا! لقــد مزحــت معــك‪ ،‬لقنتــك ً‬
‫الثمانيــن (روبـ ًـا) كلهــا! هاهــي ذي فــي المظــروف جهزتهــا لــك! ولكــن هــل يمكــن أن تكونــي‬
‫‪143‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫عاجــزة إلــى هــذه الدرجــة؟ لمــاذا ال تحتجيــن؟ لمــاذا تســكتين؟ هــل يمكــن فــي هــذه الدنيــا أال‬
‫تكونــي حــادة األنيــاب؟ هــل يمكــن أن تكونــي مغفلــة إلــى هــذه الدرجــة؟‬
‫ابتسمت بعجز فقرأت على وجهها‪ « :‬يمكن !» ‪.‬‬
‫الصفــح عــن هــذا الــدرس القاســي وس ـ ّلمتها‪ ،‬لدهشــتها البالغــة‪ ،‬ال ّثمانيــن (روبـ ًـا) ك ّلهــا‪.‬‬
‫ســألتها ّ‬
‫فشــكرتني بخجــل وخرجــت‪ ..‬وتط ّلعــت فــي إثرهــا وف ّكــرت‪ :‬مــا أســهل أن تكــون قو ًّيــا فــي هــذه‬
‫الدّ نيــا!‬
‫‪144‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫ضيوف يف الليل‬
‫(توماس هاردي)‬
‫كانــت األمطــار تهطــل بعــزارة‪ ..‬وكانــت الريــاح تصفــر فــي ذلــك الليــل البهيــم‪ ..‬تــكاد تقتلــع‬
‫أكــواخ القريــة الصغيــرة‪ ..‬ولكــن كــوخ المــزارع [فليفــل] كان حافـ ًـا تلــك الليلــة‪ ..‬كان أهــل القريــة‬
‫يحتفلــون بعيــد ميــاد ابنــة فليفــل‪ ..‬كانــوا يشــربون ويأكلــون ويرقصــون علــى أنغــام القيثــارة العذبــة‬
‫التــي كانــت تخنقهــا فــي الخــارج أصــوات العاصفــة الهوجــاء‪ .‬ولــم يكــن يقطــع عليــه مرحهــم إال‬
‫تيــار مــن الريــح العاصفــة يندفــع داخــل الكــوخ‪ ،‬مــن نافــذة نســي المــزارع فليفــل يــوم أمــس أن‬
‫يســعفها ببعــض المســامير عنــد حــذره أهــل القريــة مــن هبــوب العاصفــة‪ .‬أماســقف ذلــك الكــوخ‬
‫المســكين‪ ،‬فقــد كان يســمح لنقــاط مــن المطــر أن تتســاقط علــى أرض الكــوخ برتابــة وانتظــام‪،‬‬
‫مشــكلة مــا يشــبه اإليقــاع ألنغــام القيثــار الراقصــة!‬
‫وقامــت الســيدة فليفــل لتنجــد نــار الموقــد التــي كاد يخبــو أوارهــا‪ ،‬عندهــا ســمعت طرقتيــن‬
‫متتاليتيــن‪ ..‬وتوقــف الراقصــون وجمــدت أيــدي القروييــن‪ ..‬قبــل أن تصــل الكــؤوس إلــى الشــفاه‪..‬‬
‫ثــم أشــار فليفــل إلــى زوجتــه التــي كانــت قريبــة مــن البــاب‪ ..‬فرفعــت المــزالج‪ ..‬ودخــل الكــوخ‬
‫بعــد أن أحنــى رأســه شــاب طويــل نحيــف‪ ،‬التصقــت ثيابــه الممزقــة بجســده المرتجــف مــن البــرد‪،‬‬
‫وحــاول الشــاب أن يقــول شــي ًئا‪ ،‬لكــن فليفــل فهــم كل شــيء‪ ..‬كان يحتــاج إلــى الــدفء‪ ..‬إلــى‬
‫الطعــام‪ ..‬إلــى الراحــة‪..‬‬
‫وعــاد الكــوخ إلــى مرحــه بعــد أن اســتقر الشــاب الطويــل علــى مقعــد قــرب الموقــد‪ ،‬ليجفــف ثيابــه‪،‬‬
‫ويدفــئ جســمه بشــرحة لحــم قدمتهــا لــه ابنــة فليفــل التــي يحتفلــون بعيــد ميالدهــا‪( :‬أال تشــاركنا‬
‫حفلــة ميــادي؟) وحــاول الشــاب الطويــل للمــرة الثانيــة أن يقــول أي شــيء‪ ،‬لكــن لســانه لــم يســعفه‪،‬‬
‫فابتســمت الفتــاة الصغيــرة وهــي ترمقــه بنظــرة فيهــا مــن الحــذر بقــدر مــا فيهــا مــن البــراءة واإلشــفاق‪.‬‬
‫ويظهــر أن النــار المتأججــة‪ ،‬والطعــام الســاخن‪ ،‬والموســيقية الريفيــة الراقصــة‪ ،‬وطيبــة أهــل القريــة‬
‫الذيــن يفتحــون قلوبهــم لــكل ضيــف‪ ...‬يظهــر أن كل ذلــك ســاعد علــى إخــراج الشــاب الطويــل‬
‫ـي أنــي رأيتــك مــن قبــل‪ .‬ولكــن أيــن؟ هــذا مــا‬
‫مــن صمتــه‪ ،‬عندمــا ســألته الســيدة فليفــل‪( :‬يخيــل إلـ ّ‬
‫يحيرنــي‪ )..‬فأجــاب الشــاب الطويــل‪( :‬لقــد غــادرت هــذه المنطقــة منــذ ســنين‪ ..‬ولقيــت بعــد ذلــك‬
‫‪145‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫كثيـ ًـرا مــن المتاعــب وســمعت ثــاث طرقــات قويــة متتاليــة‪ ،‬وكأن صاحبهــا كان عصبــي المــزاج‪،‬‬
‫فقــد باشــر بالطــرق ثانيــة بينمــا كان أحــد القروييــن ُينــزل بالمــزالج‪ ..‬وتلفــت الشــاب الطويــل حوله‪،‬‬
‫وكأنــه يبحــث عــن شــيء فــي أركان الكــوخ‪.‬‬
‫وكان الضيــف الثانــي ال يقــل عــن األول طـ ً‬
‫ـول‪ ،‬ولكــن تلــك الشــعرات البيضــاء التــي تخطــط شــعره‬
‫كانــت تــدل بوضــوح أنــه يزيــده عمـ ًـرا‪ ..‬وكان هنــاك اختــاف آخــر‪..‬‬
‫كان الضيــف الجديــد يرتــدي معط ًفــا ســميكًا‪ ،‬ظهــرت تحتــه بذلــة رماديــة عندهــا فــك أزراره‪ ..‬وقال‬
‫بلهجــة فيهــا مــن األمــر أكثــر ممــا فيهــا مــن الطلــب‪ :‬يجــب أن أرتــاح بعــض الوقــت‪ ،‬وإال فســتغرقني‬
‫األمطــار قبــل أن أصــل إلــى (كاســل بريــدج)‪ .‬ولــم يكــن فليفــل أقــل كر ًمــا منــه فــي المــرة األولــى‬
‫مر ِّح ًبــا‪( :‬أهـ ًـا بالضيــوف فــي حفلتنــا المتواضعــة)‪.‬‬
‫فقــد قــال َ‬
‫مجلســا قــرب النــار‪ .‬وبعــد أن قــام‬
‫وانحنــى الضيــف الثانــي للشــاب الطويــل وهــو يتخــذ لنفســه‬
‫ً‬
‫فليفــل بواجباتــه نحــو الضيــف الجديــد‪ ،‬ســأله وهــو يلــوك قطعــة مــن اللحــم أرهقــت أســنانه‪ :‬وهــل‬
‫تقيــم فــي (كاســل بريــدج)؟ فأجــاب الضيــف الجديــد‪ :‬كال‪ ..‬ولكــن يجــب أن أكــون هنــاك فــي الغــد‬
‫صباحــا فســأله فليفــل‪( :‬وهــل تــؤدي هنــاك أيــة وظيفــة؟)‪.‬‬
‫قبــل الســاعة الثامنــة‬
‫ً‬
‫ولــم يــرد الضيــف الجديــد‪ ،‬فقــد تظاهــر بأنــه مشــغول بــأكل مــا قــدم إليــه مــن طعــام‪ :‬فقــال الشــاب‬
‫الطويــل معق ًبــا‪( :‬تســتطيع غال ًبــا أن تعــرف حرفــة اإلنســان إذا نظــرت إليــه)‪.‬‬
‫فقــال الضيــف الجديــد‪( :‬ولكــن عملــي ال يتــرك آثــاره علــى يــدي‪ ،‬بــل يتــرك آثــاره علــى زبائنــي)‪.‬‬
‫وح ّيــر هــذا الــكالم أولئــك القروييــن الســذج‪ ..‬فمــا هــو هــذا العمــل‪ ..‬الــذي ال يتــرك آثــاره علــى‬
‫صاحبــه‪ ،‬وإنمــا يتــرك آثــاره علــى الزبائــن؟؟‪ ..‬ولــم يســتطع أحــد أن يحــل هــذا اللغــز فحاولــت‬
‫الســيدة فليفــل أن تغيــر مجــرى الحديــث فقــال‪( :‬مــن ســيطربنا اآلن بصوتــه الشــجي؟) وصمــت‬
‫جميــع الحاضريــن كأنهــم ملــوا الغنــاء‪ ..‬وملــوا الحديــث‪ ..‬لكــن الضيــف الجديــد تقــدم إلــى وســط‬
‫ً‬
‫جميل‪..‬‬
‫الكــوخ وهــو يقــول‪( :‬ســأبدأ أنــا بالغنــاء ومــا عليكــم إال أن تــرددوا معــي‪ .)..‬لــم يكــن صوتــه‬
‫كمــا أنــه لــم يكــن ردي ًئــا‪ ..‬لكــن الــذي أثــار دهشــة القروييــن كلمــات أغنيتــه‪ ،‬فقــد كان يغنــي‪:‬‬
‫إنه لمنظر جميل‪ ..‬أن تراني وأنا أعمل‪..‬‬
‫أن ترى زبائني الذي أربطهم‪..‬‬
‫‪146‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪-‬‬
‫ريصقلا ةَّصِقلا‬
‫ُ‬
‫أن تراني وأنا أرفعهم إلى األعلى‪..‬‬
‫وأرسلهم إلى مكان بعيد‪ ..‬بعيد‪...‬‬
‫وســرت الهمســات بيــن الحضــور‪ ..‬ولــم يرافقــه فــي الغنــاء إال الشــاب الطويــل‪ ،‬فقــد ردد معــه‪:‬‬
‫وأرســلهم إلــى مــكان بعيــد‪ ..‬بعيــد‪ ..‬واســتأنف صاحبنــا الغنــاء‪:‬‬
‫إن طريقتي في العمل‪ ..‬بسيطة كعملي‪..‬‬
‫حبل متين‪ ..‬وعمود ليس بالطويل‪..‬‬
‫وفي أقل من دقيقة‪ ..‬أتم عملي‪..‬‬
‫وســرت الهمســات بيــن الحضــور‪ ..‬حبــل متيــن‪ ..‬وعمــود ليــس بالطويــل‪ ..‬إنــه الـــ‪ ..‬لقد جاء ليشــنق‬
‫(تيموثــي ســامرز)‪ ..‬المــزارع الــذي ســرق خرو ًفــا ألســرته الجائعــة‪ ..‬فحكــم عليــه باإلعــدام‪ ..‬ألنــه‬
‫أراد أن يطعــم أوالده‪ ..‬أوالده الذيــن يموتــون مــن الجــوع‪ ..‬وبهــت الحضــور وتظاهــر الضيــف‬
‫الجديــد أنــه لــم يســمع همســاتهم‪ ..‬ويظهــر أن الشــاب الطويــل هــو الوحيــد الــذي تمتــع بتلــك‬
‫األغنيــة!‬
‫وعندمــا حــرك المغنــي شــفتيه ليســتأنف الغنــاء‪ُ ،‬ســمعت طرقــة خفيفــة متــرددة وفتــح البــاب‪ ..‬كان‬
‫شــا ًبا قصيـ ًـرا أشــقر‪ ،‬قــال عندمــا ُفتــح لــه‪ :‬هــل أســتطيع أن أعــرف الطريــق إلــى‪ ..‬وطغــى علــى صوتــه‬
‫المغنــي الجديــد الــذي اســتأنف غنــاءه‪:‬‬
‫غدً ا سأتم عملي‪ ..‬إنه عمل بسيط‪..‬‬
‫خروف مزارع سرق‪..‬‬
‫وحياة اللص ستسرق في الغد‪..‬‬
‫فليرحمه ال ّله‪..‬‬
‫ولــم يرافقــه فــي الغنــاء إال الشــاب الطويــل‪ ،‬فقــد ردد معــه‪ :‬فليرحمــه ال ّلــه‪ ..‬فليرحمــه ال ّلــه‪ ..‬كل‬
‫ذلــك‪ ..‬والضيــف الثالــث واقــف عنــد البــاب‪ ..‬يســمع وركبتــاه تــكادان ال تحمالنــه‪ ..‬وأســنانه‬
‫تصطــك‪ ..‬بينمــا امتقــع وجهــه‪ ..‬وابيضــت شــفتاه‪ ..‬وكان مــن الواضــح أن شــي ًئا مــا أرعــب الشــاب‪،‬‬
‫‪147‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫فقــد اســتدار وأغلــق البــاب وراءه وانصــرف‪..‬‬
‫وســمع فــي الوقــت نفســه ثــاث طلقــات‪ ،‬كاد يهتــز لهــا الكــوخ‪ ..‬ونظــر الحضــور بعضهــم إلــى‬
‫بعــض متســائلين‪ ..‬مــاذا يعنــي هــذا؟‬
‫وقــال المغنــي الجديــد‪ :‬إن ســجينًا قــد فــر مــن (كاســل بريــدج)‪ ..‬قــد يكــون رجلــي‪ ..‬وقــد يكــون‬
‫ذلــك الشــاب الــذي كان يرتعــد منــذ حيــن‪ ..‬إنــي آمركــم باســم القانــون أن تلحقــوه وتقبضــوا عليــه‪..‬‬
‫إياكــم أن تعــودوا دون أن تقبضــوا عليــه‪..‬‬
‫ـم‪ ..‬حــام حولــه رجــل طويــل نحيــف‪ ..‬ودخــل بعــد أن نظــر‬
‫وبعــد دقائــق أضحــى الكــوخ خال ًيــا‪ ..‬ثـ ّ‬
‫مــن النافــذة‪..‬‬
‫وكان أول شــيء فعلــه هــذا الشــاب الطويــل أن توجــه إلــى طاولــة الطعــام‪ ،‬وقطــع شــرحة مــن اللحــم‬
‫شــرع يأكلهــا بنهــم‪ ..‬وقبــل أن ينتهــي مــن أكلهــا‪ ..‬فتــح البــاب ودخــل المغنــي الجديــد الــذي أدهشــه‬
‫وجــود الشــاب الطويــل فقــال‪ :‬كنــت أظــن أنــك ذهبــت مــع اآلخريــن‪..‬‬
‫فأجــاب الشــاب الطويــل‪ :‬علــى كل حــال‪ ..‬ســنقبض عليــه قبــل الغــد‪ ..‬ســيأتي بعــض الجنــود إلــى‬
‫صباحــا‪ ..‬هــل‬
‫هنــا‪ ..‬أمــا أنــا فذاهــب إلــى (كاســل بريــدج)‪ ..‬فيجــب أن أكــون هنــاك قبــل الثامنــة‬
‫ً‬
‫أنــت ذاهــب فــي طريــق (كاســل بريــدج)؟ فقــال الشــاب الطويــل‪( :‬كال‪ ..‬إن بيتــي هنــاك‪ )..‬وأشــار‬
‫إلــى اليميــن‪ ،‬وكأنــه ال يريــد أن يعيــن مكا ًنــا بالــذات‪ ..‬وتصافــح الضيفــان‪ ،‬وذهــب كل منهمــا فــي‬
‫طريقــه‪.‬‬
‫ولــم يطــل األمــر بالضيــف الثالــث الــذي مــر‪ ..‬فقــد وجــدوه‪ ،‬وأحضــروه إلــى الكــوخ‪ ..‬حيــث كان‬
‫ينتظــره ضابطــان مــن (كاســل بريــدج)‪ .‬وعندمــا أدخــل الضيــف الفــار إلــى الكــوخ‪ ،‬قــال أحــد‬
‫الضابطيــن‪ :‬مــن هــذا الــذي أحضرتمــوه؟ إنــه ليــس ســجيننا‪ ..‬وعقــدت الدهشــة ألســنة الجميــع‪،‬‬
‫لكــن الفــار تولــى إيضــاح األمــر فقــال‪ :‬إن الســجين الــذي فـ ّـر هــو أخــي‪ ..‬ولقــد كنــت فــي الطريــق‪،‬‬
‫جالســا قــرب موقــد النــار‪ ،‬وعلــى مقربــة منــه يغنــي‬
‫وألرتــاح بعــض الوقــت‪ ،‬لكننــي وجــدت أخــي‬
‫ً‬
‫أغنيــة إعدامــه لذلــك الرجــل المكلــف بإعــدام المحكوميــن‪ ..‬وكانــت أقــل كلمــة أو إشــارة منــي‬
‫كافيــة للقضــاء عليــه‪ ..‬فلــم أجــد أمامــي إال الفــرار‪ ..‬وكان مــا كان‪!!..‬‬
‫‪148‬‬
‫ِ‬
‫السريِ‬
‫حالت‬
‫والر‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫أدب ّ‬
‫‪149‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫‪150‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ‬
‫األدبي ُة‬
‫رية‬
‫الس ُ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫اله ْي َئـ ُة‪.‬‬
‫ـيرةُ‪َ :‬‬
‫والسـ َ‬
‫ـار بهــم سـ ْي َر ًة َح َسـنَ ًة‪َّ .‬‬
‫ـيرةُ‪ :‬الطريقـ ُة‪ .‬يقــال‪ :‬سـ َ‬
‫والسـ َ‬
‫السـنَّ ُة‪ِّ ،‬‬
‫ـير ُة فــي اللغــة هــي ُّ‬
‫السـ َ‬
‫ِّ‬
‫وفــي التنزيــل العزيــز‪( :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ)‪.‬‬
‫ـوي‪ ،‬يتنــاول حيــاة إنســان مــا تنـ ً‬
‫ـاول يقصــر أو يطــول‪.‬‬
‫والســيرة األدب ّيــة‪ :‬ف ـ ّن جوهــره التواصــل اللغـ ّ‬
‫ّ‬
‫وعرفهــا بعضهــم بأنّهــا «الســرد المتتابــع لــدورة حيــاة شــخص‪ ،‬وذكــر الوقائــع ا ّلتــي جــرت لــه فــي‬
‫ّ‬
‫أثنــاء مراحــل هــذه الحيــاة»‪.‬‬
‫السيرة األدب ّية إلى سيرة ذات ّية وسيرة غير ّية‪.‬‬
‫وتنقسم ّ‬
‫فالسيرة الذات ّية‪ :‬هي ا ّلتي يكتبها الشخص بنفسه عن نفسه‪.‬‬
‫ّ‬
‫الســيرة الغير ّيــة‪ :‬فهــي ا ّلتــي يكتبهــا كاتــب مــا عــن شــخص آخــر‪ ،‬فهــي ترجمــة حيــاة شــخص‬
‫ّأمــا ّ‬
‫عــن طريــق الشــواهد والشــهادات والوثائــق‪.‬‬
‫الســيرة الذات ّيــة أن يكــون موضوع ًيــا فــي نظرتــه لنفســه‪ ،‬وهــو يذكــر موقفــه مــن‬
‫ويتحتــم علــى كاتــب ّ‬
‫أيضــا أن يكــون موضوع ًّيــا‪ ،‬وأن يقــف موقــف‬
‫الســيرة الغير ّيــة ً‬
‫النــاس والحــوادث‪ .‬وعلــى كاتــب ّ‬
‫الســيرة األدب ّيــة‪.‬‬
‫الشــاهد ال القاضــي‪ .‬ولذلــك يعــدّ الصــدق مــن أهــم شــروط كتابــة ّ‬
‫الســيرة األدب ّيــة فـ ّ‬
‫الســيرة‬
‫ـإن المتعــة ال تتحقــق إالّ إذا كانت ّ‬
‫ولمــا كان الصــدق مــن أهــم شــروط كتابــة ّ‬
‫عــن شــخصية فـ ّـذة‪ ،‬عاشــت حيــاة غنيــة باألحــداث والمواقــف‪ ،‬أو كانــت عــن شــخصية مبدعــة فــي‬
‫أي مجــال مــن مجــاالت الفنــون والعلــوم‪.‬‬
‫«الســيرة» فــي كتابــه (ســيرة رســول ال ّلــه)^‪،‬‬
‫ويعــدّ محمــد بــن إســحق أول مــن اســتخدم كلمــة ّ‬
‫ـورا‪ُ ،‬ث َّم ظهــرت تراجم‬
‫الســيرة النبويــة أوســع مــا فــي التراجــم اإلســامية‪ ،‬وأقدمهــا ظهـ ً‬
‫ولذلــك تعــدّ ّ‬
‫الم َف ّســرين‪ ،‬وطبقــات ّ‬
‫الشــعراء وطبقــات النّحــاة وغيرهــم‪.‬‬
‫أخــرى لطبقــات الصحابــة‪ ،‬وطبقــات ُ‬
‫الســيرة الغير ّيــة فــي بدايــة نشــأتها‬
‫الســيرة الغير ّيــة؛ فقــد ارتبطــت ّ‬
‫وقــد تعــددت الغايــات مــن كتابــة ّ‬
‫بالتاريــخ‪ ،‬فم ّثلــت نو ًعــا مــن الســير عــرف بالســيرة التاريخيــة‪ ،‬التــي ركــزت علــى ربــط حيــاة األفــراد‬
‫باألحــداث التاريخيــة والوقائــع والحــروب‪ .‬وهــذا النــوع مــن الســير قــد يتضمــن إشــارات وعظيــة‬
‫‪151‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫وحكمــا‪ ،‬إال ّ‬
‫أن البعــد التاريخــي يبقــى هــو الغالــب عليهــا‪ ،‬وتعــد ســيرة (ابــن طولــون) للبلــوي‪،‬‬
‫ً‬
‫وســيرة (عمــر بــن عبدالعزيــز) البــن عبدالحكــم مــن األمثلــة علــى هــذا النــوع مــن الســير‪.‬‬
‫ولكــن بعــض الســير الغير ّيــة اتخــذت لهــا غايــات أخــرى‪ ،‬فاتجهــت نحــو الوعــظ والتدبــر فــي‬
‫أحــوال النــاس كمــا أشــار إلــى ذلــك ابــن الجــوزي حيــن قــال «إن التواريــخ وذكــر الســير راحــة‬
‫ـت حســن التدبيــر‪ ،‬وإن‬
‫للقلــب وجــاء للهــم‪ ،‬وتنبيــه للعقــل‪ ،‬فإنــه ‪ ..‬إن ُشــرحت ســيرة حــازم علمـ َ‬
‫ٍ‬
‫خوفــت مــن إهمــال الحــزم» ‪ .‬ولذلــك يمكــن أن يطلــق علــى هــذا النــوع مــن‬
‫ُق ّصــت قصــة ُم َفـ ِّـرط ِّ‬
‫الســيرة التعليميــة‪ ،‬التــي لــم تكــن تتجــاوز ذكــر مناقــب الشــخص‪ ،‬وبعــض أقوالــه‪ ،‬ومواقفــه؛‬
‫الســير ّ‬
‫ككتــاب «الحســن البصــري وزهــده ومواعظــه» البــن الجــوزي‪.‬‬
‫يضــاف إلــى هاتيــن الغايتيــن غايــة ثالثــة كان لهــا دور كبيــر فــي كتابــة الســير الغير ّيــة‪ ،‬تمثلــت‬
‫فــي تلبيــة حاجــة النــاس إلــى الســمر والفكاهــة واإلدهــاش؛ فكثيــر مــن الســير كانــت عبــارة عــن‬
‫«مجموعــة مــن القصــص والمغامــرات تــدور حــول شــخصية واحــدة‪ ،‬ويتفــاوت فيهــا الخيــال‪،‬‬
‫ولكنهــا جميعهــا مســلية تصــاغ فــي أســلوب مبســط» ‪ .‬وقــد كان هــذا التوجــه ســب ًبا فــي ظهــور مــا‬
‫يســمى بالســيرة الخيال ّيــة أو الشــعبية التــي كانــت تنهــل مــن معيــن الخيــال‪ ،‬وتبتعــد كثيـ ًـرا عــن رصــد‬
‫الواقــع وااللتــزام بالصــدق والحقيقــة‪ ،‬ولعــل هــذا الشــكل يتضــح بجــاء فــي ســيرة (عنتــرة بــن‬
‫شــداد) و(ســيف بــن ذي يــزن)‪.‬‬
‫الســيرة األدب ّيــة التــي لهــا مميــزات وشــروط‬
‫الســير ال ترقــى إلــى مســتوى ّ‬
‫ولك ـ ّن هــذه األنــواع مــن ِّ‬
‫الســيرة األدبيــة بنــاء فن ًّيــا متماسـكًا‪ ،‬وأن يكــون هنــاك تصـ ّـور ترتّب‬
‫فنيــة خاصــة بهــا؛ إذ البــد أن تبنــى ّ‬
‫الســيرة تعتمــد علــى عنصــر الصــدق فــي كتابتهــا فإنهــا تعــد‬
‫األحــداث والمواقــف علــى هديــه‪ .‬وألن ّ‬
‫مــن األدب التفســيري‪ ،‬وليســت مــن األدب المســتمد مــن الخيــال؛ فالكاتــب‪ :‬يستكشــف األشــياء‬
‫واألشــخاص مــن جديــد‪ ،‬ويعيــد بنــاء األحــداث والمواقــف التــي حدثــت بالفعــل‪ ،‬فكأنــه يعيــد‬
‫تشــكيل هــذا الواقــع وفــق رؤيــة جديــدة‪ ،‬وضمــن بنــاء فنــي محكــم‪.‬‬
‫والســير‬
‫الســير الغير ّيــة ّ‬
‫ولع ّلــه مــن الجديــر بالذكــر أن نشــير هنــا إلــى فــرق جوهــري واضــح بيــن ّ‬
‫فالســيرة الذات ّيــة تكــون أقــرب إلــى القــارئ‪ ،‬وأكثــر تأثيـ ًـرا فيــه‪ ،‬ألنهــا عــادة تعتمــد علــى‬
‫الذات ّيــة؛ ّ‬
‫البــوح‪ ،‬وعلــى تقديــم خالصــة فكــر الكاتــب ورؤاه‪ ،‬وتفســير مبرراتــه‪ّ ،‬‬
‫إن الكاتــب هنــا يذكــر‬
‫المواقــف‪ ،‬ويذكــر المشــاعر معهــا‪ ،‬ولذلــك هــو يضــرب علــى الوتــر اإلنســاني الــذي يجمــع بينــه‬
‫‪152‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ‬
‫وبيــن القــارئ‪ .‬أمــا الســير ة الغير ّيــة فهــي فــي الغالــب نقــل موضوعــي يعتمد علــى الشــواهد والوثائق‬
‫ممــا يجعــل كتابتهــا أقــرب إلــى الكتابــة العلميــة الموضوعيــة‪.‬‬
‫‪153‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ِ‬
‫العيد‬
‫يوم‬
‫ُ‬
‫*‬
‫الذ ِ‬
‫حممدٍ‬
‫القاسمي‬
‫ن‬
‫س‬
‫رد ّ‬
‫ُّ‬
‫ُ‬
‫لطان بْ ُ‬
‫ات‪ُ ،‬‬
‫َس ُ‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫ِ‬
‫المغـ ِ‬
‫ـال العيـ ِـد ِعنــدَ ُغـ ِ‬
‫ـروب َشـ ِ‬
‫ـب ِهـ َ‬
‫ـمس ذلـ َ‬
‫ـرب‪.‬‬
‫ـاس ت َْر ُقـ ُ‬
‫النّـ ُ‬
‫ـك ال َيــو ِم‪َ ،‬بعــدَ َصــاة َ‬
‫ِ‬
‫ـوت ِ‬
‫المد َف ـعِ‪ ،‬م ِ‬
‫وفــي َ‬
‫علنًــا بِـ َّ‬
‫ـأن َغــدً ا العيــدَ ‪َ .‬يسـ َـم ُع َبعــدَ ُه َطني ـ َن‬
‫الهــدوء ال ّتــا ِّم ُيــدَ ّوي َصـ ُ‬
‫ذاك ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫النّـ ِ‬
‫ـم األسـ ُ‬
‫ـواق‪ ،‬بِ َمــن ت َّ‬
‫رجـ ِـة‪ ،‬هــذا‬
‫َأخـ َـر فــي تَجهيـ ِـز نَفســه ل ْلعيــد‪ ،‬أو جــا َء لل ُف َ‬
‫ـم بِ ِهـ ُ‬
‫ـاس َفتَز َدحـ ُ‬
‫جــاء لِ ِش ِ‬
‫العيــد‪ ،‬و َ ِ‬
‫ِ‬
‫ور ُه َلــدى «الِ ْم َح ِّس ِ‬
‫ــراء مالبِ ِ‬
‫ــن» ‪ِ -‬‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫ــر‬
‫الحــا ِق‪،‬‬
‫أي‬
‫ــس‬
‫َ‬
‫واآلخ ُ‬
‫ــر َد َ‬
‫ذاك َينتَظ ُ‬
‫َ‬
‫جــاء لِ ِشـ ِ‬
‫للضيـ ِ‬
‫ـراء مــا يحتاجـه فــي تَقديـ ِم ِ‬
‫ـف ِمــن َحلــوى َومنفـ ٍ‬
‫ـوش‬
‫«الفوا َلـ ِـة» َوهــي مــا ُيقــدَّ ُم َّ‬
‫ُ ُ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ـرس الس ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫وبشــم ٍك‪ ،‬يصنَـ ِ‬
‫مس ـ ِم‪َ ،‬و ُيقـ ُ‬
‫«هــر َدة»‪.‬‬
‫ـال َلهــا َ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫َ َ‬
‫َخر ُج مــن َهـ ِ ِّ‬
‫ـع مــن ال َّطحين َّيــة‪ ،‬ا ّلتــي تُس ـت َ‬
‫ّان بِ ِ‬
‫ّان الِمح َّلــوي َتيمــور‪ ،‬وهــو ا ّلــذي يقــوم بِصنــ ِع الحلــوى وب ِ‬
‫ِقبا َلــ َة دك ِ‬
‫يعهــا‪ُ ،‬ه َ‬
‫نــاك ُدك ٌ‬
‫ــه‬
‫َ ُ‬
‫ْ َ‬
‫ََ‬
‫َ‬
‫َ ُ ُ‬
‫ِّ ْ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـف َعـ ِ‬
‫ـوب ال َعينَيـ ِ‬
‫وران‪ُ ،‬يقـ ُ‬
‫ـار‬
‫ـن‪ ،‬ال َيتَو َّقـ ُ‬
‫ـن الــدَّ‬
‫ـار َمعصـ ُ‬
‫ـال َلـ ُه حمـ ُ‬
‫ـدور َحو َلهــا حمـ ٌ‬
‫طاحو َنـ ٌة‪َ ،‬يـ ُ‬
‫ـان‪ :‬ال تُحمـ ْـل هــذا ِ‬
‫ِ‬
‫ـت ِلنسـ ٍ‬
‫ـوق طا َقتِـ ِـه‪َ ،‬يقـ ُ‬
‫العامـ َـل فـ َ‬
‫ـار ذلِـ َ‬
‫ـول‬
‫ـك َم َثـ ًـا‪ ،‬فــإذا ُقلـ َ‬
‫َ‬
‫َ ِّ‬
‫الهــر َدة‪َ ،‬فصـ َ‬
‫ِ‬
‫ـك‪ :‬ال ت َ‬
‫َلـ َ‬
‫الهــر َد ِة!‬
‫َخـ ْ‬
‫ـار َ‬
‫ـف! هــذا حمـ ُ‬
‫‪2‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الم َص ّلــى‪ ،‬وا ّلــذي كان‬
‫ـاس فــي زينَتهــا‪ ،‬وات َ‬
‫ـاح يــو ِم العيــد َخ َر َجــت النّـ ُ‬
‫َصبـ َ‬
‫َّجهــوا إلــى ُ‬
‫ِ‬
‫الكيلومتــر‪ ،‬بِ ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ــن المدين ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫إســمنتي بِ‬
‫َــة بِ‬
‫ثــاث‬
‫ــه ِمن َب ٌــر‬
‫نصــف‬
‫واحــد َو‬
‫كيلومتــر‬
‫مقــدار‬
‫ٌّ‬
‫َيب ُعــدُ َع ِ َ‬
‫ِ‬
‫درجـ ٍ‬
‫ـب َعليـ ِـه‪ ،‬م ِ‬
‫ـف َ‬
‫والج َم ـ ِع‬
‫الصفـ َ‬
‫ـات َيقـ ُ‬
‫ـب األعيــاد ُ‬
‫تراص ـ َة‪َ ،‬وخطيـ ُ‬
‫الم َّ‬
‫واج ًهــا ُّ‬
‫الخطيـ ُ‬
‫َ‬
‫ـوف ُ‬
‫ُ‬
‫ـال ِ‬
‫ِ‬
‫ـن ِمجـ ٍ‬
‫الجهـ ِ‬
‫حمـ ِـد بـ ِ‬
‫ـاد‪ ،‬صاحـ ِ‬
‫الرجـ ُ‬
‫والفتيـ ُ‬
‫الشـ ُ‬
‫ُهــو ّ‬
‫ـان‬
‫ـيخ سـ ُ‬
‫الصــوت َ‬
‫ـب َّ‬
‫ـور‪ِّ ..‬‬
‫ـيف ب ـ ُن ُم َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـيخ ُسـ ُ‬
‫الشـ ُ‬
‫ـم َّ‬
‫وإخو ُتـ ُه و َذوو ُه‬
‫ـمي‬
‫َ‬
‫فــي ُّ‬
‫ـلطان بـ ُن صقـ ٍـر القاسـ ُّ‬
‫الصفــوف األمام َّيــة‪َ ،‬وفــي ُمقدِّ َمت ِهـ ُ‬
‫الخلفيـ ِـة‪ ،‬وبِأعـ ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َوأعيـ ُ‬
‫ـداد َقلي َلـ ٍـة‪َ ،‬فــإذا مــا َف َرغــوا ِمــن‬
‫الصفــوف َ َّ َ‬
‫ـان ال َبلــد‪ ،‬أ ّمــا النِّســا ُء َف ُكـ َّن فــي ُّ‬
‫اس ِمـن ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الحصـ ِ‬
‫ـن ُقــدو َم النّـ ِ‬
‫ـاس‬
‫َوجهــوا إلــى ال َب َلــد‪َ ،‬فــإذا مــا شـ َ‬
‫الحـ ّـر ِ َ‬
‫ـاهدَ َأحــدُ ُ‬
‫َصــاة العيــد‪ ،‬ت َّ‬
‫المد َفـ ِع قائليـن‪َ :‬عيــدَ ِ‬
‫ـوت ِ‬
‫ـاق ِ‬
‫ـض‪َ ،‬أمــر بإطـ ِ‬
‫ت‬
‫المد َفـعِ‪َ ،‬ف َي َت َي َّقـ ُن َمــن َي ِص ُل ُهــم َصـ ُ‬
‫َ َّ‬
‫ـم ال َبيـ ِ َ َ‬
‫بِأثوابِ ِهـ ُ‬
‫ّ‬
‫الشــار َق ُة‪.‬‬
‫ِ‬
‫مي‪ ،‬ص ‪30 - 26‬‬
‫* َم‬
‫ُ‬
‫نشورات القاس ّ‬
‫‪154‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ‬
‫‪3‬‬
‫يتوا َفــدُ َعلــى ِ‬
‫ـلطان بـ ِ‬
‫الحصـ ِ‬
‫ـيخ سـ َ‬
‫المهنِّئـ َ‬
‫ـون َّ‬
‫للشـ ِ‬
‫ـمي بِالعيـ ِـد‪َ .‬و ِمــن‬
‫َ‬
‫ـن َصقـ ٍـر القاسـ ِّ‬
‫ـن ُ‬
‫ـيخ لِحراسـ ِـة ال ّط ِائـ ِ‬
‫َبيـ ِ‬
‫الحـ َـر ِ‬
‫ـرات‪َ ،‬و ُهــم ِمــن َأصـ ٍ‬
‫ـن َمــن َي ِفــدُ كذلِـ َ‬
‫س التّابِ َعـ ُة َّ‬
‫للشـ ِ‬
‫ـل‬
‫ـك َمجمو َعـ ُة َ‬
‫َ‬
‫ُعمانــي‪ُ ،‬أسـ ِ‬
‫ـران فــي مـ ٍ‬
‫ـرب ِمــن مح َّطـ ِـة ال َّطيـ ِ‬
‫ـكنوا بِال ُقـ ِ‬
‫ـكان َيقـ ُ‬
‫«المنـ ُ‬
‫ـاخ» َو َرئيسـ ُـهم ُيسـ ّـمى‬
‫ـال َلـ ُه َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ٍّ‬
‫الزيــدي؛ َفــإذا كانــوا فــي ســاح ِة ِ‬
‫الحصـ ِ‬
‫ـون‪َ ،‬و ُهــم َير ُقصـ َ‬
‫أخــذوا ُي َغنّـ َ‬
‫ـن‪َ ،‬‬
‫ـون‪َ ،‬ويبـ ُـر ُز ِمــن‬
‫َ‬
‫ناصـ َـر ُّ َ َّ‬
‫َمثيــل مشــه ِد مبــار َز ٍة‪ ،‬وفــي ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫آخ ِ‬
‫ِ‬
‫َب ِ‬
‫ــر‬
‫يقومــان بِت‬
‫ُــروس‪َ ،‬و‬
‫ــيوف َوت‬
‫اثنــان فــي‬
‫ــم‬
‫أياديهــم ُس ٌ‬
‫َ‬
‫ٌ‬
‫ِ َ َ ُ َ‬
‫ينه ُ‬
‫خـ ُـزه بِسـ ِ‬
‫ِ‬
‫اآلخــر‪ ،‬ويقــوم بِ َذ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـيف ِه‬
‫بحـ ِـه‪َ ،‬وي ْبقــى ُم َمــدَّ ًدا علــى‬
‫المشـ َـهد َيط َعـ ُن َأ َحدُ ُهمــا َ َ َ‬
‫األرض‪َ ،‬ف َي ُ َ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫جل ِ‬
‫ــض ِ‬
‫واق ًفــا علــى ِر ِ‬
‫قــون َح َ‬
‫ــه‪ ،‬واألوال ُد ُمتَح ِّل َ‬
‫شــه ِد‪ ،‬فــإذا مــا انتَهــى‪َ ،‬‬
‫أخــذوا‬
‫ينه َ‬
‫الم َ‬
‫َف َ‬
‫ــول َ‬
‫ـون «العيدي ـ َة»‪ ،‬وهــي َقليـ ٌـل ِم ـن النُّقـ ِ‬
‫ـت إلــى بيـ ٍ‬
‫َك‪ ،‬و ِمــن بيـ ٍ‬
‫ـرون فــي الس ـك ِ‬
‫ـت‪َ ،‬يطلبـ َ‬
‫َيجـ َ‬
‫ـود‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫ـأوالد فــي ذلِـ َ‬
‫ـك ال َيــو ِم‪.‬‬
‫تُعطــى لِـ‬
‫‪4‬‬
‫ـال ِ‬
‫رة الرو َل ِة‪ِ ِ ،‬‬
‫ـك اليــو ِم‪َ ،‬فيتَوا َفــدُ علــى َشـ ِ‬
‫ِ ِ‬
‫الرجـ ُ‬
‫والفت َي ُة‬
‫َ‬
‫أ ّمــا فــي َمســاء ذلـ َ َ‬
‫وار َفــة ال ِّظـ ِّـل‪ِّ ،‬‬
‫ـج ّ‬
‫ِ‬
‫ـان الكَبيــر ِة ِمــن َشـ ِ‬
‫ـال‪ ،‬وتُع َّلـ ُـق ِ‬
‫ـال علــى األغصـ ِ‬
‫ِ‬
‫الحبـ ُ‬
‫ـس‬
‫وال َفتَيـ ُ‬
‫الرو َلــة‪َ ،‬وتَجلـ ُ‬
‫َ‬
‫ـات واألطفـ ُ َ‬
‫ـج َرة ّ‬
‫َ‬
‫ـاة َأصابِــع ِرج َليهــا بِ ِ‬
‫كل َفتـ ٍ‬
‫ـن علــى ِ‬
‫ِ‬
‫الحبـ ِ‬
‫الحبـ ِ‬
‫ـات فــي َص َّفيـ ِ‬
‫ـال‪َ ،‬وتَشــبِ ُك ُّ‬
‫ـس‬
‫ال َفتَيـ ُ‬
‫ـال ا ّلتــي تَجلـ ُ‬
‫َ‬
‫َيــات‪ ،‬أمــا ِ‬
‫َع َليهــا ال َفتــا ُة ا ّلتــي تُقابِ ُلهــا‪َ ،‬ف َتتَكــو ُن المرجيحــ ُة ِمــن َثمانــي َفت ٍ‬
‫َ‬
‫الف ُ‬
‫يقومــون‬
‫تيــان َف‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِ ٍ‬
‫ــط المرج ِ‬
‫َحــت َّ‬
‫ــات‬
‫الح ْل ِو ّي ُ‬
‫ُبــاع ت َ‬
‫ــج َرة ُ‬
‫الش َ‬
‫يحــة‪َ ،‬أ ْي إِبعا ُدهــا إلــى َأعلــى بِــك ُِّل ع َّفــة‪َ ،‬وت ُ‬
‫بِ َش ِّ ُ َ َ‬
‫ـرات‪.‬‬
‫والمك ََّسـ ُ‬
‫ُ‬
‫‪5‬‬
‫الشـ ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ـي الكَبيـ ِـر َو َحو َلــه أقربــاؤ ُه َوأعيـ ُ‬
‫أمــا َشـ ُ‬
‫ـيخ ّ‬
‫ـان ال َب َلـ ِـد‪،‬‬
‫ـار َقة‪َ ،‬فيجلـ ُ‬
‫ـس َعلــى الكُرسـ ِّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫قص ـ ُة ال َع ّيا َلـ ِـة‪.‬‬
‫لتَل ّقــي التَّهانــي بِالعيــد‪َ ،‬وإلــى جانبِهــم تُقــا ُم َر َ‬
‫‪155‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫الد َمشق َّي ُة‬
‫دارنا ِّ‬
‫ُ‬
‫ين‬
‫ِنزار قَ ّبا ّ‬
‫َهـ ْـل ت ِ‬
‫ـارور ِة ِعطـ ٍـر؟ َبيتُنــا َ‬
‫أن َيس ـ ُك َن اإلنسـ ُ‬
‫ـون َمعنــى ْ‬
‫َعرفـ َ‬
‫كان تِلـ َ‬
‫ـارورةَ‪.‬‬
‫ـك القـ َ‬
‫ـان فــي قـ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫إنَّنــي ال ُأحـ ِ‬
‫ـارور َة‬
‫ـم قـ َ‬
‫ـاو ُل ِرشـ َـو َتكُم بِتَشــبيه َبليـغٍ‪َ ،‬ولكـ ْن ثقــوا أنَّنــي بِهــذا التَّشــبيه ال َأظلـ ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫دارنــا‪ .‬وا ّلذيـ َن َسـكَنوا ِد َمشـ َـق‪َ ،‬و َت َغ ْل َغلــوا فــي حاراتِهــا َو َزواريبِهــا‬
‫العطـ ِـر‪َ ،‬وإنَّمــا أظلــم َ‬
‫الضي َق ِ‬
‫ــة‪َ ،‬ي ِ‬
‫الجنَّــ ُة ِذرا َعيهــا ِمــن َح ُ‬
‫عر َ‬
‫يــث ال َينتَظِــرون؛ َب ّوا َبــ ٌة‬
‫فــون ك َ‬
‫ــم َ‬
‫َيــف تَفت ُ‬
‫َّ ِّ‬
‫َــح َل ُه ُ‬
‫الخ َش ِ ِ‬
‫واألحم ِ‬
‫األخض ِ‬
‫غيــر ٌة ِمــ َن َ‬
‫كــي‪،‬‬
‫ــر‪،‬‬
‫ــير َعلــى‬
‫َ‬
‫ــب تَن َفت ُ‬
‫ــر‪ ،‬وال َّلي َل ِّ‬
‫َ‬
‫الس ُ‬
‫ــح‪َ .‬و َيبــد ُأ ّ‬
‫َص َ‬
‫ِ‬
‫والرخــا ِم‪.‬‬
‫َوتَبــدَ ُأ ســيمفون َّي ُة َّ‬
‫الضــوء وال ِّظـ ّـل ُّ‬
‫ْــج* تَحت َِضــن ثِمارهــا‪ ،‬والدّ اليــ ُة ِ‬
‫ــج َر ُة ا ّل ِ‬
‫ــف َق َم ٍ‬
‫حام ٌ‬
‫نارن ِ‬
‫ــر‬
‫ــل‪،‬‬
‫والياســمينَ ُة َو َلــدَ ت َأ ْل َ‬
‫َش َ‬
‫َ‬
‫ُ َ‬
‫َ‬
‫ضبــان النَّوافِ ِ‬
‫ِ‬
‫َصطــاف ّإل ِعندَ نــا‪.‬‬
‫الســنونو ال ت‬
‫ــذ‪َ ،‬و‬
‫ــض َو َع َّل َق ُتهــم َعلــى ُق‬
‫ُ‬
‫َأب َي َ‬
‫ُ‬
‫أســراب ُّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫أ َف َمهــا بِ‬
‫الوســطى تَمــ ُ‬
‫الرخــا ِم َح َ‬
‫المــاء‪َ ،‬وتَن ُف ُخــ ُه‪َ ،‬وتَســت َِم ُّر ال ُّلع َبــ ُة‬
‫ــول البِركَــة ُ‬
‫ُأســو ُد ُّ‬
‫المائ َّيــ ُة َل ً‬
‫شــق َينتَهــي‪.‬‬
‫َهــارا‪ .‬ال الن‬
‫ــب‪َ ،‬وال مــا ُء ِد َم َ‬
‫َّوافيــر تَت َع ُ‬
‫ُ‬
‫يــا َون ً‬
‫ميــك‪ ،‬وال َّلي َلكَــ ُة ت َُم ِّش ُ‬
‫َ‬
‫ــعرها‬
‫َحــت َقدَ‬
‫ــر َم ْمــدو ٌد ت َ‬
‫الــور ُد ا ْل َب َل ُّ‬
‫َ‬
‫ــدي َس ّ‬
‫ــط َش َ‬
‫أحم ُ‬
‫ــجا ٌد َ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫ّ‬
‫والش‬
‫يحــان‪،‬‬
‫ريــف‪،‬‬
‫يــزةُ‪،‬‬
‫مشــير‪،‬‬
‫ــجي‪،‬‬
‫والر‬
‫ــاب ال َّظ‬
‫ُ‬
‫والخ َّب َ‬
‫والش ُّ‬
‫والم ُ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫َفس َّ‬
‫ال َبن َ‬
‫نثــور‪َّ ،‬‬
‫ـوف النَّباتـ ِ‬
‫َ‬
‫ـات الدِّ َمشــق َّي ِة ا ّلتــي َأت ََذ َّكـ ُـر أ ْلوانَهــا َوال أت ََذ َّكـ ُـر أســما َءها‪ ،‬ال‬
‫والضاليــا‪َ ،‬و ُألـ ُ‬
‫ت ُ‬
‫َــزال َتت ََســ َّل ُق َعلــى أصابِعــي ُك َّلمــا َأ َر ْد ُت ْ‬
‫ُــب‪.‬‬
‫أن َأكت َ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫الشـ ِ‬
‫الق َطـ ُ‬
‫ـار ًة تَص َعــدُ إلــى َمم َل َكـ ِـة َّ‬
‫ـط ّ‬
‫ـمس‪َ ،‬وحيـ َن‬
‫الم َمتَل َئــة ص َّحـ ًة َونَضـ َ‬
‫الشــام َّي ُة النَّظي َفـ ُة ُ‬
‫طعمهــا ويك ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـع ِمــن ِص ِ‬
‫ـف ُدمو َعهــا‪.‬‬
‫َفكـ ُ‬
‫ُ‬
‫تَعــو ُد َو َم َعهــا َقطيـ ٌ‬
‫غارهــا َسـتَجدُ َمــن َيسـتَقبِ ُلها َو ُي ُ‬
‫ِ‬
‫األدراج الرخاميــ ُة تَصعــدُ ‪ ،‬وتَصعــدُ َعلــى ك ِ‬
‫ُهاجــر َوت ِ‬
‫والحمائــم ت ِ‬
‫ــع َعلــى‬
‫َيفهــا‪،‬‬
‫َرج ُ‬
‫َ َ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ْ ُ ُّ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫والسـ َـم ُك‬
‫أحــدَ‬
‫األحمـ ُـر َيس ـ َب ُح َعلــى كَيفــه‪َ ،‬وال َ‬
‫كَيفهــا‪ ،‬ال َ‬
‫َ‬
‫أحــدَ َيســأ ُلها مــاذا تَف َعـ ُـل؟ َّ‬
‫َيســأ ُل ُه إلــى َأي ـ َن؟‬
‫ـرون َصحي َفـ َة ُفـ ٍّـل فــي َصحـ ِ‬
‫َو ِعشـ َ‬
‫ـرو ِة ُأ ّمــي‪ .‬ك ُُّل ِز ِّر ُفـ ٍّـل ِعندَ ها ُيســاوي‬
‫ـي ك ُُّل َثـ َ‬
‫ـن الــدّ ِار هـ َ‬
‫ِ‬
‫صبيــا ِمــن َأ ِ‬
‫والدهــا‪ ،‬لِـ َ‬
‫أوالدهــا‪َ ،‬ب َكــت‪َ ،‬و َشـ َكتْنا‬
‫ـذاك ُك َّلمــا غا َف ْلناهــا َو َسـ َـر ْقنا َو َلــدً ا ِمــن‬
‫َ ًّ‬
‫* الكلمات ا ّلتي تحتها ثالث خطوط ستكون مجال عرض تقديمي في دروس المحادثة‪.‬‬
‫‪156‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ‬
‫إلــى ال ّلـ ِـه‪.‬‬
‫ِ‬
‫ـاق هــذا ِ‬
‫ـوت‪ ،‬و َن َطقـ ُ ِ‬
‫ِضمـ َن نِطـ ِ‬
‫ـي األولــى‪َ .‬‬
‫الحــزا ِم ْ‬
‫كان‬
‫األخ َضـ ِـر ُولــدْ ُت‪َ ،‬و َح َبـ ُ َ‬
‫ـت كلماتـ َ‬
‫ِ‬
‫الجمـ ِ‬
‫ـرت َأ َت َع َّثـ ُـر بِ َجنـ ِ‬
‫طت‬
‫ـاح َحما َمـ ٍـة‪َ ،‬وإذا َسـ َق ُ‬
‫ـت إذا َت َع َّثـ ُ‬
‫ـال َقــدَ ًرا َيوم ًّيــا‪ .‬كنـ ُ‬
‫اصطدامــي بِ َ‬
‫ْ‬
‫َأسـ ُق ُط َعلــى ُح ْضـ ِ‬
‫ـن َور َد ٍة‪.‬‬
‫ـت الدِّ مشــقي الجميـ ُـل اسـتَحو َذ علــى ك ُِّل مشـ ِ‬
‫ـاعري َوأ ْف َقدَ نــي َشــه َّي َة ُ‬
‫الخـ ِ‬
‫ـروج‬
‫هــذا ال َبيـ ُ‬
‫ْ ْ َ‬
‫ُّ َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ومــن هنــا ن ََشـ َـأ ِعنــدي هــذا ِ‬
‫ـارات‪ِ ،‬‬
‫ـان فــي ك ُِّل الحـ ِ‬
‫الزقـ ِ‬
‫الصبيـ ُ‬
‫الح ُّس‬
‫إلــى ُّ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ـاق‪ ..‬كمــا َيف َعـ ُـل ِّ‬
‫(البيتوتــي) ا ّلــذي را َف َقنــي فــي ك ُِّل م ِ‬
‫راحـ ِ‬
‫ـل َحياتــي‪ .‬إنَّنــي أش ـ ُع ُر ح ّتــى اليــو ِم بِنَــو ٍع ِمــن‬
‫َ‬
‫َ ْ ُّ‬
‫االكتِ ِ‬
‫ِ‬
‫ــل التَّســكُّع علــى أر ِص َف ِ‬
‫الش ِ‬
‫الذ ِ‬
‫واصطيــاد ُّ‬
‫فــاء ّ‬
‫ــة َّ‬
‫بــاب فــي‬
‫ــوارعِ‪،‬‬
‫اتــي‪َ ،‬يج َع ُ َ َ‬
‫ْ‬
‫الذ ِّ‬
‫صــف ُأد ِ‬
‫كان نِ‬
‫المقاهــي المك َت َّظ ِ‬
‫ــة بِالر ِ‬
‫مــا تَر ُف ُضــ ُه َطبي َعتــي‪َ .‬وإذا َ‬
‫جــال‪َ ،‬ع ً‬
‫بــاء العا َلــ ِم‬
‫ُ َ‬
‫ِّ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ـت ِ‬
‫ِ‬
‫َقــد ت َ‬
‫أوم ـ ُن‬
‫المقاهــي‪َ ،‬فإنَّنــي َلــم أ ُك ـ ْن ِمــن ِخ ّريجيهــا‪ .‬ل َقــد كنـ ُ‬
‫َخـ َّـر َج فــي أكاديم َّيــة َ‬
‫راســمه و َطهار ُت ـه‪ ،‬و َ ِ‬
‫أن العمـ َـل األَدبــي عمـ ٌـل َل ـه ُطقوس ـه وم ِ‬
‫الصعـ ِ‬
‫ـي ْ‬
‫أن‬
‫كان م ـ َن َّ‬
‫َ ُ َ‬
‫ُُ َ‬
‫ُ‬
‫ـب َع َلـ َّ‬
‫ُ ُ َ‬
‫َ َّ َ‬
‫َّ َ َ‬
‫ـف ي ِ‬
‫ـل‪َ ،‬و َطق َط َقـ ِـة أحجـ ِ‬
‫مك ـ ُن أن َيخـ ُـر َج األَ َد ُب الجــا ُّد ِمــن نَرابيـ ِ‬
‫ـش النَّراجيـ ِ‬
‫ـار‬
‫ـم كيـ َ ُ‬
‫َأ َ‬
‫فهـ َ‬
‫النَّـ ِ‬
‫ـرد‪.‬‬
‫«م َظ َّلـ ِـة ال َفــي ِء والرطوبـ ِـة» ا ّلتــي هــي بيتُنــا العتيـ ُـق فــي ِ‬
‫ـت ِ‬
‫«م َ‬
‫ئذ َنـ ِـة‬
‫ُطفو َلتــي َق َضيتُهــا تَحـ َ‬
‫َ‬
‫َ َ‬
‫ُّ َ‬
‫ْ‬
‫ـت هــو نِهاي ـ ُة حـ ِ‬
‫ـدود العا َل ـ ِم ِعنــدي‪َ ،‬‬
‫َّ‬
‫والواح ـ َة‪،‬‬
‫الصديـ َـق‪،‬‬
‫الشــح ِم»‪ .‬كان هــذا ال َبيـ ُ‬
‫َ‬
‫كان َّ‬
‫َ ُ‬
‫أن ُأ ِ‬
‫اآلن ْ‬
‫َطيع َ‬
‫والمص َيـ َ‬
‫ـامير َأبوابِ ِه‪ ،‬و َأسـتَعيدَ‬
‫غمـ َ‬
‫ـف‪ .‬أسـت ُ‬
‫ـي َو َأ ُعــدَّ َمسـ َ‬
‫ـض َعينَـ َّ‬
‫والم ْشــتى‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫أن َأ ُعــدَّ بالطاتِـ ِـه ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـور َة َعلــى َخ َشـ ِ‬
‫اآلن ْ‬
‫َطيع َ‬
‫واحــد ًة‬
‫َ‬
‫ـب قاعاتــه‪َ ،‬أس ـت ُ‬
‫المحفـ َ‬
‫آيــات ال ُقــرآن َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫واحــدَ ةً‪ ،‬وأسـ َ ِ ِ ِ‬
‫ِ‬
‫الرخام َّي ـ َة َد َر َج ـ ًة َد َر َج ـ ًة‪.‬‬
‫َ‬
‫ـماك بِركَتــه واحــد ًة واحــدةً‪َ ،‬و َســال َم ُه ُّ‬
‫أســتَطيع أن ُأ ِ‬
‫ِ‬
‫ــس َأبــي فــي َص ِ‬
‫حــن‬
‫غم َ‬
‫َــي‪َ ،‬و َأســتَعيدَ ‪َ ،‬بعــدَ ثالثيــ َن َســنَ ًة‪َ ،‬مجل َ‬
‫ُ‬
‫ــض َعين َّ‬
‫ِ‬
‫ـان َق ِ ِ ِ‬
‫ِ‬
‫الجريــدَ ِة َتتَســا َق ُط‬
‫هوتــه‪َ ،‬ومن َق ُلـ ُه‪َ ،‬و َجريدَ ُتـ ُه‪َ .‬و َعلــى َص َفحــات َ‬
‫الــدّ ِار‪َ ،‬وأما َمـ ُه فنجـ ُ َ‬
‫قادم ـ ٌة ِم ـن السـ ِ‬
‫ِ‬
‫ك َُّل َخمـ ِ ِ‬
‫ـماء‪.‬‬
‫ياســمي َن َبيضــا ُء‪ ،‬كَأنَّهــا ِرســا َل ُة ُحـ ٍّ‬
‫َ َّ‬
‫ـب َ‬
‫ـس َدقائـ َـق َزهـ َـر ُة َ‬
‫الفارســي ِة الممــدود ِة َعلــى ب ِ‬
‫ِ‬
‫َبــت‬
‫َــرت ُدروســي‪َ ،‬و َكت ُ‬
‫ــاط الــدّ ِار ذاك ُ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫الس ّ‬
‫ــجا َدة ِ َّ َ‬
‫علــى َّ‬
‫‪157‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ـت َق ِ‬
‫ـي‪َ ،‬و َط َر َفـ َة بـ ِ‬
‫صائــدَ َع ْمـ ِـرو بـ ِ‬
‫ـن كُلثــو ٍم‪َ ،‬و ُز َهيـ ٍـر‪ ،‬والنّابِ َغـ ِـة ُّ‬
‫ـن‬
‫ُفروضــي‪َ ،‬و َح ِفظـ ُ‬
‫الذ ْبيانـ ِّ‬
‫ـت‪ِ /‬‬
‫الم َظ َّل ـ ُة َتــر َك بصماتِـ ِـه ِ‬
‫ـت‬
‫واض َح ـ ًة َعلــى ِشــعري‪ .‬تَما ًمــا كَمــا ت ََر َكـ ْ‬
‫ال َعبـ ِـد‪ .‬هــذا ال َبيـ ُ‬
‫َ َ َ‬
‫ِغرنا َط ـ ُة و ُقر ُطب ـ ُة وإشــبيلي ُة بصماتِهــا َعلــى ِّ ِ‬
‫ـي‪.‬‬
‫َّ َ َ‬
‫َ َ‬
‫َ‬
‫الشــع ِر األنْدَ ُلسـ ِّ‬
‫إســبانيا‪/‬األندَ ُل ِ‬
‫س كا َنــت ُمغ ّطــا ًة بِ ِقشـ َـر ٍة كَثي َفـ ٍـة‬
‫ال َقصيــدَ ُة ال َع َرب َّي ـ ُة ِعندَ مــا َو َص َلـ ْ‬
‫ـت إلــى ْ‬
‫ِ‬
‫المــاء وال ُبــرو َد ِة فــي ِج ِ‬
‫ِمــ َن ال ُغ ِ‬
‫بــال (ســييرا‬
‫حــراوي‪َ ،‬وحيــ َن َد َخ َلــت ِمنْ َط َقــ َة‬
‫الص‬
‫ِّ‬
‫بــار َّ‬
‫ـون و ُكــرو ِم ِ‬
‫ِ‬
‫نيفــادا) َو َشــواطِ ِئ نَهـ ِـر الــوادي الكَبيـ ِـر‪َ ،‬و َت َغل َغ َلــت فــي َبسـ ِ‬
‫العنَـ ِ‬
‫ـب‬
‫ـاتين َّ‬
‫الزيتـ َ‬
‫ِ ِ‬
‫فــي سـ ِ‬
‫االصطِــدا ِم‬
‫ـهول ُقر ُط َبـ َة‪َ ،‬خ َل َعــت َمالبِ َســها َوأل َقـ ْ‬
‫َفســها فــي المــاء‪َ ،‬ومــن هــذا ْ‬
‫ـت ن َ‬
‫ُ‬
‫ـي َبي ـ َن ال َّظ َمــأِ والـ ّـر ِّي ُولِــدَ ِّ‬
‫الوحيــدُ لِهــذا‬
‫ـيري َ‬
‫ـي‪ .‬هــذا ُهــو تَفسـ َ‬
‫ـعر األَندَ ُلسـ ُّ‬
‫الشـ ُ‬
‫التّاريخـ ِّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫االنقـ ِ‬
‫إســبانيا‪ /‬األندَ ُلـ ِ‬
‫ـس فــي‬
‫الجـ ِّ‬
‫ـاب َ‬
‫ـذري فــي ال َقصيــدَ ة ال َع َرب َّيــة حي ـ َن ســا َف َر ْت إلــى ْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ــحات‬
‫والم َو َّش‬
‫ُ‬
‫الســابِعِ‪ .‬إنَّهــا بِــك ُِّل َبســا َطة َد َخ َلــت إلــى قا َعــة ُم َك َّي َفــة َ‬
‫الهــواء‪ُ ،‬‬
‫ال َقــرن ّ‬
‫صائــدَ م َكي َفـ ِـة الهـ ِ‬
‫األنْدَ ُلسـي ُة َليســت ِســوى « َق ِ‬
‫ـواء»‪َ .‬وكَمــا َحــدَ َ‬
‫ث لِل َقصيــدَ ِة ال َع َرب َّيـ ِـة فــي‬
‫َ‬
‫ُ َّ‬
‫َّ َ‬
‫إســبانيا‪ /‬األندَ ُلـ ِ‬
‫ـأ ْت ُطفو َلتــي ُرطو َب ـ ًة‪ ،‬وا ْم َتـ َ َ‬
‫ث لــي‪ ،‬ا ْم َتـ َ َ‬
‫ـس َحــدَ َ‬
‫ـأ ْت َدفاتِــري ُرطو َب ـ ًة‪،‬‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫الشــامي ُة ا ّلتــي َت َت َغل َغـ ُـل فــي م ِ‬
‫وا ْم َتـ َ َ‬
‫فاصـ ِ‬
‫ـل ك َِلماتــي‪،‬‬
‫ـأ ْت َأ ْب َجد َّيتــي ُرطو َب ـ ًة‪ .‬هــذه ال ُّل َغ ـ ُة ّ َّ‬
‫َ‬
‫ـت‪ِ -‬‬
‫َتع َّلمتُهــا فــي البيـ ِ‬
‫الم َظ َّلـ ِـة ا ّلــذي َحدَّ ث ُت ُكــم َعن ـ ُه‪.‬‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫رت كَثيـ ًـرا َبعــدَ ذلـ َ‬
‫ـي‬
‫ـك‪ ،‬واب َت َعـ ُ‬
‫َو َل َقــد ســا َف ُ‬
‫السـ ْلك الدِّ بلوماسـ ِّ‬
‫ـدت َعــن د َمشـ َـق ُم َو َّظ ًفــا في ِّ‬
‫ـت ُلغـ ٍ‬
‫ـات كَثيـ َـر ًة ُأخــرى‪ّ ،‬إل َّ‬
‫أن أ ْب َجد َّيتــي الدِّ َمشــق َّي َة َظ َّلــت‬
‫نَحـ َـو عشــري َن عا ًمــا َوتَع َّلمـ ُ‬
‫فــل ا ّلــذي َي ْح ِم ُ‬
‫ــك ال ِّط َ‬
‫ــت ذلِ َ‬
‫ــل فــي‬
‫نج َرتــي‪َ ،‬وثيابــي‪َ .‬و َظ َل ْل ُ‬
‫ُمت ََم ِّســ َك ًة بِ َأصابِعــي َو َح َ‬
‫رد ب َلــدي‪ .‬إلــى ك ُِّل َفنـ ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َحقي َبتِـ ِـه َّ‬
‫ـاد ِق‬
‫كل مــا فــي أحـ‬
‫ـواض د َمشـ َـق‪ ،‬مــن نَعنــاعٍ‪َ ،‬و ُفـ ٍّـل‪َ ،‬و َو َ ٍّ‬
‫ـرير ِ‬
‫ـت َم َعهــا َعلــى َسـ ٍ‬
‫واحـ ٍـد‪.‬‬
‫ـت َمعــي ِد َمشـ َـق‪َ ،‬ونِمـ ُ‬
‫العا َل ـ ِم ا ّلتــي َد َخلتُهــا َح َملـ ُ‬
‫‪158‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ‬
‫قلم زينب‬
‫*‬
‫أمري تاج السر‬
‫اليــوم التالــي فــي العيــادة‪ ،‬كان غري ًبــا ومرب ـكًا بحــق‪ ،‬عثــرت بالــكاد علــى ركــن قريــب أضــع فيــه‬
‫عربتــي‪ ،‬وكانــت ثمــة ثــاث حافــات مــن ماركــة «روزا» اليابانيــة أمــام بــاب العيــادة مباشــرة‪،‬‬
‫ويتدفــق منهــا العشــرات بيــن رجــال ونســاء وأطفــال‪ ،‬داخليــن إلــى العيــادة‪ ،‬أو متجمهريــن علــى‬
‫بابهــا‪ .‬توجســت بشــدة‪ ،‬وأكاد أوقــن تما ًمــا أنهــم معــزون جــاؤوا بهــذه الكثافــة‪ ،‬والبــد أن أحــد أفــراد‬
‫صباحــا فــي المستشــفى‪ ،‬يقــف أمــام‬
‫أســرة عــز الديــن قــد توفــي فجــأة‪ ،‬خاصــة أننــي لــم أشــاهده‬
‫ً‬
‫كشــك التيجانــي المغــروس فــي وســط الحــوش‪ ،‬يتنــاول فطــوره المعتــاد المكــون مــن شــطيرتين‬
‫مــن الفــول‪.‬‬
‫تخبطــت وســط الجمــوع حتــى دخلــت‪ ،‬وعثــرت علــى ممرضــي العجــوز بعيــدً ا تما ًمــا عــن أي‬
‫مأســاة رســمتها فــي خيالــي‪ ،‬كان مبتسـ ًـما بشــدة‪ ،‬وقــد امتــأت صفحــة كاملــة مــن دفتــره القديــم‬
‫ذي الغــاف األزرق‪ ،‬بأســماء المراجعيــن‪ ،‬ومــازال يعمــل علــى التســجيل بنشــاط غريــب‪ .‬كان‬
‫مــا لفــت نظــري فــي أولئــك المرضــى الفجائييــن‪ ،‬أنهــم جمي ًعــا بمالمــح واحــدة‪ ،‬كأنهــم أهــل أو‬
‫أقــارب‪ ،‬يرطنــون بصخــب‪ ،‬يرتــدي رجالهــم الصديــري والســروال القصيــر‪ ،‬وترتــدي نســاؤهم ثيا ًبــا‬
‫ملونــة رخيصــة‪ ،‬وأســاور مــن القصديــر تحيــط بالســواعد واألعنــاق‪ ،‬بينمــا أطفالهــم شــبه عرايــا فــي‬
‫مالبــس شــفافة‪ .‬كانــت رائحــة عطــر (الشــاكوين) الــذي يصنــع فــي البيــوت محل ًيــا مــن األعشــاب‪،‬‬
‫تضــج فــي المــكان‪.‬‬
‫ســألت عــن ذلــك الزحــام غيــر المتوقــع‪ ،‬فأجابنــي الممــرض وهــو ينهــض‪ ،‬ويتقدمنــي إلــى غرفتــي‪،‬‬
‫بأنــه رزق هبــط علينــا مــن الســماء فجــأة واليعــرف الســبب‪ .‬كان مخط ًئــا فــي اعتقــاده‪ ،‬ألنني جلســت‬
‫علــى طاولتــي أكثــر مــن عشــر دقائــق أنتظــر أن يبــدأ دخــول المرضــى‪ ،‬طــال انتظــاري إلــى عشــرين‬
‫ً‬
‫وصراخــا‪ ،‬وألفا ًظــا‬
‫دقيقــة‪ ،‬ولــم يدخــل أحــد‪ .‬ســمعت بعــد ذلــك صخ ًبــا هائـ ًـا بالخــارج‪ ،‬ســبا ًبا‬
‫غريبــة‪ ،‬وانفتــح البــاب فجــأة‪ ،‬ألرى عــز الديــن موســى يدخــل متــورم الوجــه‪ ،‬يدفعــه نفــر مــن أولئــك‬
‫ً‬
‫مندهشــا أســتطلع‬
‫المرضــى الفجائييــن‪ ،‬وقــد أمســك أحدهــم بيديــه‪ ،‬لواهمــا خلــف ظهــره‪ .‬وقفــت‬
‫األمــر‪ ،‬ليتقــدم منــي أحــد أولئــك المرضــى‪ ،‬كان شـ ً‬
‫ـيخا فــي نحــو الســبعين‪ ،‬يرتــدي عمامــة مــن‬
‫*) قلم زينب‪ ،‬قصة روائية‪ ،‬منشورات ضفاف‬
‫‪159‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫قمــاش الكــرب الشــفاف‪ ،‬وصنـ ً‬
‫ـدل مــن جلــد الماعــز‪ ،‬تطايــر منــه الوبــر‪ ،‬كان كمــا يبــدو متحد ًثــا‬
‫ـدرب علــى مخاطبــة األطبــاء مــن قبــل‪ ،‬ألنــه خاطبنــي‬
‫رســم ًيا لتلــك الفوضــى الغريبــة وال بــد أنــه تـ ّ‬
‫قائـ ًـا بــا مقدّ مــات‪:‬‬
‫ هل تبيعون اإلنسانية ياطبيب؟‬‫ ال أفهم ما تعني‪.‬‬‫قلــت ولــم أكــن أفهــم بالفعــل‪ ،‬والكان ممرضــي عــز الديــن فــي لحظــة غضبــه وتــورم وجهــه تلــك‪،‬‬
‫قــادرا علــى إفهامــي أي شــيء‪ .‬كان قــد تحــرر مــن قبضــة الرجــل الــذي لــوى ســاعديه‪ ،‬وقــف‬
‫ً‬
‫منتص ًبــا فــي مواجهتــي‪ ،‬لك ـ ّن صــدره كان يعلــو ويهبــط بســرعة‪ ،‬ويصــب مــن جســده العــرق‪ .‬وقــد‬
‫كان ذلــك الممــرض القديــم الــذي ينتمــي لقبيلــة (المحــس) فــي أقصــى شــمال البــاد‪ ،‬واســتوطنت‬
‫ـورا عرفــت صبــره شــخص ًّيا أثنــاء‬
‫أســرته الســاحل منــذ زمــن بعيــد‪ ،‬قليــل الغضــب فيمــا مضــى‪ ،‬وصبـ ً‬
‫مســاعدتي فــي الجراحــة‪ ،‬ولــم أره بهــذه الصــورة أبــدً ا مــن قبــل‪.‬‬
‫‪ -‬طالبنــا ممرضــك بأجــرة حتــى ندخــل عليــك‪ .‬هــل هــذه إنســانية؟‪ ..‬هــل تتاجــرون فــي آالم النــاس‬
‫ياطبيب؟‬
‫كانــت فصاحــة لــم أتوقعهــا مــن شــيخ فــي ذلــك العمــر‪ ،‬وتلــك المتاجــرة بــآالم اآلخريــن بالــذات‪،‬‬
‫جملــة شــديدة اإليحــاء‪ ،‬لــم أســمعها حتــى مــن ألســنة مرضــى أصغــر سـنًا‪ ،‬وأقــوى لســانًا‪..‬‬
‫نظــرت إلــى الرجــل بتمعــن‪ ،‬شــممت فــي هيئتــه دمــاء المحتــال ( إدريــس علــي ) ووجــدت فــي‬
‫صوتــه رنــة كأنــي ســمعتها مــن قبــل‪ ،‬رنــة الصــوت الــذي أهدانــي قلــم زينــب الرخيــص‪ ،‬وقــدّ م‬
‫لــي داخــل المستشــفى‪ ،‬فتــاة تحــب زميـ ًـا وال تنــام‪ ،‬ولــم أســتطع مســاعدتها‪ .‬لــم تكــن ثمــة جــدوى‬
‫ً‬
‫مفتوحــا‪ ،‬يرتــوي منــه العطشــان متــى مــا أراد‬
‫ســبيل‬
‫ألوضــح لــه‪ ،‬أن العيــادات المســائية ليســت‬
‫ً‬
‫ويـــمضي بــا ثمــن‪ ،‬ألوضــح أن مولــد الهنــدي (بــرد شــاندرا)‪ ،‬تــم شــراؤه بــا إنســانية‪ ،‬ويعمــل فــي‬
‫إنــارة المــكان بــا إنســانية‪ ،‬إيجــار المبنــى نفســه‪ ،‬يؤخــذ منــي آخــر الشــهر بــا إنســانية‪ ،‬والطريــق‬
‫الــذي تشــقه العربــة حتــى تصــل‪ ،‬يذبحهــا يوم ًيــا بــا إنســانية‪ ،‬ثــم ذلــك الوقــت الــذي يقتطــع مــن‬
‫حتمــا بــا إنســانية‪ ،‬لــم يكــن ليفهمنــي‪ ،‬وقــد جــاء ممتل ًئــا بضغينــة كبيــرة‪،‬‬
‫راحــة الطبيــب‪ ،‬يقتطــع ً‬
‫ومــن خلفــه شــعب ربمــا يحمــل المــدى والخناجــر‪ ،‬وينتظــر نتيجــة تلــك المواجهــة بينــي وبينــه‪.‬‬
‫‪160‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ‬
‫كان بإمكانــي أن أســتدعي الشــرطة‪ ،‬إن عثــرت عليهــا فــي ذلــك المــكان‪ ،‬لكننــي لــم أفعــل‪ ،‬وبــدأت‬
‫أحــاور الرجــل‪:‬‬
‫ هل أنتم من جماعة ( إدريس علي ) ؟‬‫قلما غال ًيا‪ ،‬وترفض عالج أهله‪.‬‬
‫ نعم‪ ..‬لقد أهداك ً‬‫ وهل تقيمون هنا في حي النور؟‬‫ ال‪ ..‬قدمنا من (المرغنية)‪.‬‬‫كان حــي (المرغنيــة) الــذي ذكــره‪ ،‬يقــع فــي الطــرف الجنوبــي مــن المدينــة‪ ،‬حــي بعيــد وشــبه‬
‫عشــوائي‪ ،‬وممتلــىء بالضجيــج والفوضــى‪ ،‬والبــد أن إدريــس المســكين قــد تعــب فــي الــدوران‬
‫ـم ذلــك الشــعب‪ ،‬ينازلنــي بــه‪ ،‬ولــم أفعــل لــه شــي ًئا ســوى أننــي‬
‫بيــن أزقتــه وحفــره العميقــة‪ ،‬حتــى يلـ ّ‬
‫اســتقبلته فــي عيادتــي‪ ،‬قبلــت بقلــم زينــب هديــة‪ ،‬مــن دون أن أعــرف مــن هــي زينــب‪ ،‬وأســمع ســيرة‬
‫القلــم تــرد اآلن علــى لســان ذلــك الشــيخ الفصيــح بوصفــه هديــة غاليــة‪.‬‬
‫أمســه قــط منــذ تســلمته‪ ،‬والكان مغر ًيــا بتجربتــه فــي‬
‫كان القلــم موضو ًعــا أمامــي علــى الطاولــة‪ ،‬لــم ّ‬
‫الكتابــة حتــى‪ ،‬التقطتــه فــي تلــك اللحظــة بعنــف‪ّ ،‬لوحــت بــه أمــام وجــه الرجــل‪ ،‬ثــم كســرته مــن‬
‫أرضــا‪ ،‬وفوجئــت بالرجــل يلتقطــه مــرة أخــرى‪ ،‬يخــرج مــن جيبــه شــري ًطا الص ًقــا‬
‫الوســط وألقيتــه ً‬
‫شــفا ًفا‪ ،‬يلصــق بــه القلــم‪ ،‬ويعيــده إلــى الطاولــة مــرة أخــرى‪ ،‬كأنــه كان يعــرف ماســيحدث واســتعدّ‬
‫لــه‪ ،‬وشــعرت بالدهشــة‪ .‬قلــت لعــز الديــن فــي صــوت قاطــع‪ ،‬إننــا لــن نتاجــر بــآالم أحــد اليــوم‪،‬‬
‫وعليــه أن يدخلهــم واحــدً ا واحــدً ا‪ ،‬ونراهــم بــا أجــرة‪ ،‬إنــه يــوم اإلنســانية الكبيــر‪.‬‬
‫كان الممــرض قــد صعــق‪ ،‬أراد االحتجــاج‪ ،‬لكننــي أســكتّه بنهــرة قاســية‪ ،‬وســمعت الرجــل الفصيــح‬
‫يرطــن بعــد أن فتــح البــاب كامـ ًـا‪ ،‬وواجــه اآلخريــن الذيــن يتكدســون فــي الصالــة‪ ،‬والشــارع أمــام‬
‫بــاب العيــادة‪.‬‬
‫ واحدً ا واحدً ا من فضلكم وسنراكم كلكم‪.‬‬‫قلــت مــرة أخــرى‪ ،‬وعــدت أجلــس علــى طاولتــي هاد ًئــا‪ ،‬أضــع ســماعتي الطبيــة حــول رقبتــي‪ ،‬وال‬
‫ألتفــت إلــى انحنــاء عــز الديــن‪ ،‬ومشــيته المترنحــة وهــو يغــادر غرفتــي‪ ،‬وال إلــى صوتــه المتحشــرج‬
‫‪161‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫الــذي بــدأ ينــادي بــه علــى المرضــى حتــى يدخلــوا‪.‬‬
‫البــد أنهــا الثانيــة عشــرة ليـ ًـا حيــن فرغنــا مــن معاينــة تلــك المظاهــرة المرضيــة الحاشــدة التــي‬
‫مريضــا يشــكلون كتا ًبــا مــن كتــب الطــب‪ ،‬فــي فهرســته‬
‫أرســلها ( إدريــس علــي )‪ ،‬ســبعة وخمســون ً‬
‫وتنــوع أمراضــه‪ ،‬عثــرت بينهــم علــى الســل الرئــوي واحتقــان المــرارة‪ ،‬والعمــى الليلــي‪ ،‬وتخبــط‬
‫صمامــات القلــب‪ ،‬وتــورم الســاقين‪ ،‬ومضاعفــات مــرض الضغــط والســكر‪ ،‬والربــو الشــعبي‪،‬‬
‫وتليــف الرئــة‪ ،‬وأمــراض أخــرى أقــل شــأنا مثــل المالريــا‪ ،‬والتيفوئيــد‪ ،‬والحمــى‪ ،‬وليــن العظــام عنــد‬
‫األطفــال‪ ،‬وكانــت ثمــة فتــاة فــي الثالثــة عشــرة مــن عمرهــا‪ ،‬اســمها نوريــة‪ ،‬تملــك قل ًبــا فــي الجانــب‬
‫األيمــن مــن الصــدر‪ ،‬ولــم تشــخص أبــدً ا مــن قبــل‪ ،‬وجــاءت تشــكو مــن قمــل الــرأس الــذي يســري‬
‫فــي الليــل‪ ،‬ويمنعهــا النــوم‪ ،‬لكــن هيئتهــا الهزيلــة أغرتنــي بفحصهــا كامـ ًـا‪ ،‬ومــن ثــم عثــرت علــى‬
‫ذلــك العيــب الخلقــي النــادر‪.‬‬
‫كنــت مغتب ًطــا مــن ذلــك التنــوع الــذي اليتوافــر بســهولة‪ ،‬بالرغــم مــن تعبــي الشــديد‪ ،‬ومحاوالتــي‬
‫المجهــدة فــك رمــوز الرطانــة القبليــة التــي كانــت تصــدر مــن بعضهــم‪ ،‬ممــن اليجيــدون العربيــة أو‬
‫يتصنعــون عــدم إجادتهــا حتــى يظلــوا مربوطيــن بهوياتهــم‪ ،‬خاصــة النســاء المســنات‪ ،‬وقــد اســتفدت‬
‫مترجمــا فور ًيــا فــي تلــك الســاعات‪،‬‬
‫كثيـ ًـرا مــن فصاحــة الشــيخ الــذي واجهنــي فــي البدايــة‪ ،‬عينتــه‬
‫ً‬
‫مريضــا بــأي شــيء‪.‬‬
‫ولــم يكــن ً‬
‫كان اســمه حامــد رطــل‪ ،‬اســم شــائع عنــد قبيلتــه‪ ،‬واليوجــد تقري ًبــا عنــد قبيلــة أخــرى‪ ،‬وقــد عمــل‬
‫حمـ ً‬
‫ـال بالمينــاء‪ ،‬حتــى تعــب ظهــره مــن حمــل األجولــة والحقائــب‪ ،‬وازداد فقـ ًـرا مــن‬
‫طــوال حياتــه‪ّ ،‬‬
‫تفاهــة العائــد الــذي كان يجنيــه‪ ،‬واآلن يعتمــد علــى أبنائــه الذيــن يعملــون فــي وظيفتــه الســابقة‪،‬‬
‫نهــارا علــى مقهــى شــعبي فــي حــي (المرغنيــة)‪ ،‬يراقــب الطريــق الضــاج‪ ،‬يــرد التحايــا‬
‫يجلــس‬
‫ً‬
‫ويمــازح المــارة‪ ،‬ويذهــب فــي المســاء إلــى معالــج روحانــي اســمه الشــيخ الحلمــان‪ ،‬يســكن فــي‬
‫أيضــا‪ ،‬يســاعده فــي إيقــاد بخــوره‪ ،‬وترتيــب دخــول مرضــاه النفســيين‪،‬‬
‫ذلــك الحــي الفوضــوي ً‬
‫ويطمــح فــي األيــام القادمــة أن يفتتــح عيادتــه الروحانيــة الخاصــة بعــد أن تعلــم كثيـ ًـرا مــن الحيــل‬
‫عنــد شــيخه‪.‬‬
‫لمهــم‬
‫لــم تــأت ســيرة ( إدريــس علــي ) مــرة أخــرى أثنــاء حــواري مــع الرجــل‪ ،‬وال ســألت عــن كيفيــة ّ‬
‫هكــذا‪ ،‬وإرســالهم إلــي‪ ،‬وهــل حملتهــم تلــك الباصــات مــن منطقتهــم البعيــدة‪ ،‬بإنســانية أم ال؟‪...‬‬
‫‪162‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ‬
‫كنــت فــي الحقيقــة قــد أعجبــت بــه‪ ،‬وفكــرت أنــه ربمــا ينفــع شــخصية فــي روايــة قــد أكتبهــا ذات‬
‫يــوم‪.‬‬
‫بالطبــع كانــت الحصيلــة الماديــة فــي ذلــك اليــوم‪ ،‬صفـ ًـرا‪ ،‬وحتــى أولئــك المرضــى المعتــادون ممــن‬
‫يتــرددون علينــا بشــكل مســتمر للكشــف أو المقابلــة الروتينيــة‪ ،‬لــم يجــدوا طريقــة للدخــول إلــى‬
‫العيــادة بســبب الزحــام‪ ،‬ومضــوا إلــى طبيــب آخــر‪ ،‬يملــك عيــادة قديمــة فــي أول الحــي‪.‬‬
‫كانــت الباصــات قــد مضــت تحمــل شــعب إدريــس الفوضــوي إلــى مقــره البعيــد‪ ،‬ووقــف عــز الديــن‬
‫أتعودهــا منــه‪ ،‬أن أدفــع ثمــن تلــك الحقــن التــي كتبتهــا‬
‫أمامــي ســاخ ًطا‪ ،‬ويطالبنــي فــي جــرأة لــم ّ‬
‫للمرضــى‪ ،‬واســتهلكوها عــن آخرهــا‪ ،‬وكانــت ملكــه‪ ،‬اشــتراها بمالــه الخــاص‪ ،‬ويســتخدمها فــي‬
‫أيضــا خســر الكثيــر مــن الوقــت‪ ،‬والمخــدر الموضعــي‪ ،‬والشــاش‬
‫جنــي بعــض الربــح اإلضافــي‪ً ،‬‬
‫المعقــم‪ ،‬حيــن أجبرتــه علــى ختــان صبــي صغيــر‪ ،‬قــدم برفقــة أولئــك المرضــى الفجائييــن‪.‬‬
‫حيــن وصلــت إلــى البيــت‪ ،‬وجــدت أســرتي كلهــا تقــف فــي الشــارع‪ ،‬مدهونــة بالقلــق‪ ،‬لقــد تأخــرت‬
‫عــن موعــد وصولــي‪ ..‬تأخــرت كثيـ ًـرا فــي ذلــك اليــوم‪ ،‬ولــم تكــن ثمــة طريقــة للبحــث عنــي‪ ،‬وأنــا‬
‫أقــود العربــة الوحيــدة التــي تملكهــا العائلــة لــم تكــن ثمــة هواتــف تعمــل فــي المدينــة ذلــك الحيــن‪.‬‬
‫‪163‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ألسنة النار تتكلم‬
‫حممد عبيد غباش‬
‫خــرج أحــد األصدقــاء بمفــرده فــي رحلــة صيــد ســمك‪ .‬وعندمــا حــاول العــودة اكتشــف أن وقــود‬
‫قاربــه قــد نفــد‪ .‬كان قري ًبــا مــن إحــدى الجــزر غيــر المأهولــة‪ .‬اســتخدم المجــداف للوصــول إليهــا‬
‫وأمضــى ســاعات طويلــة وحيــدً ا مــع نفســه‪ :‬ال إنســان يســامره‪ .‬ال كتا ًبــا أو جهــاز تلفزيــون يشــغل‬
‫وقتــه‪ .‬لــم تـــمأل ســاعات انتظــاره إال رمــال الجزيــرة الصغيــرة وهديــر أمــواج البحــر وزعيــق‬
‫النــوارس‪.‬‬
‫لــم يقلــق‪ ،‬فقــد تواصــل هاتف ًيــا مــع أصحابــه ليأتــوا لنجدتــه‪ .‬وكان هنــاك مــا يكفــي مــن الطعــام‬
‫والمــاء لعــدة أيــام‪ ،‬وكان يســتطيع أن يصيــد الســمك‪ .‬األمــر الــذي وجــده غيــر محتمــل‪ ،‬كمــا روى‬
‫لــي‪ ،‬هــو ابتعــاده عــن بيتــه‪.‬‬
‫بــدل ركــوب البحــر ذهبــت مــع أصدقــاء فــي رحلــة بعيــدة بســيارتي دفــع رباعــي إلــى الصحــراء‪.‬‬
‫وحيــن اختفــت مظاهــر الحضــارة بالكامــل تو ّقفنــا عنــد مــكان قريــب مــن جــذوع شــجرة غــاف‬
‫يابســة ونصبنــا خيمتنــا‪ .‬لــم ينفــد وقودنــا‪ .‬لــم نضــع الطريــق‪ .‬لكــن كنّــا بعيديــن عــن بيوتنــا‪.‬‬
‫أشــعلنا النــار‪ ،‬وبـ ً‬
‫ـدل مــن مســامرة التلفزيــون كل ليلــة جلســنا علــى الرمل مباشــرة وأخذنــا كاألطفال‬
‫نرقــب النــار مســحورين‪ .‬أدركــت لحظتهــا لمــاذا عبدهــا قدمــاء الفــرس‪ :‬كانــت فــي خشخشــتها‬
‫ـف بــه أدخنــة ســوداء قليلــة كانــت تتشــكل تكوينــات ال نهايــة‬
‫تفشــي األســرار‪ .‬وســط لهــب أزرق تحـ ّ‬
‫لهــا مــن األلســنة النحاســية المتدرجــة األلــوان‪ .‬لــم أفتقــد بيتــي تلــك الليلــة كمــا افتقــد صديقــي‬
‫بيتــه وهــو الــذي ســاقت لــه األقــدار جزيــرة ُملكــه وحــده‪ .‬علــى كثيــب الرمــل ســاد الشــعور بيــن‬
‫أصدقائــي بــأن بيوتنــا التــي تركناهــا وراءنــا صــارت ســجونًا لنــا‪.‬‬
‫عظيمــا لــكل النــاس‪ .‬قلعــة الرجــل كمــا يقــول المثــل اإلنكليــزي‪ :‬حصــن يتمترس‬
‫يمثــل البيــت شــي ًئا‬
‫ً‬
‫وراءه عــدة عقــود ليحــارب ألجــل لقمــة العيــش ولينجــب أطفـ ً‬
‫ـال تتواصــل بهــم الســالة‪ ..‬لكــن‬
‫القلعــة االنكليزيــة كثيـ ًـرا مــا تتحــول إلــى ســجن عثمانــي تضيــع فــي أقبيتــه‪ ،‬و ينســاك فــي غياهبــه‬
‫مح ّبــوك بعــد أن ييأســوا مــن تحريــرك‪.‬‬
‫والحمــام‬
‫ـب الكثيــر ممــا بداخــل البيــت‪ ،‬الثالجــة العامــرة بالمــاء البــارد صي ًفــا‬
‫مثــل كل النــاس أحـ ّ‬
‫ّ‬
‫‪164‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ‬
‫بمائــه الســاخن شــتاء‪ ،‬ومعهمــا الغنائــم الصغيــرة الكثيــرة األخــرى‪ .‬لكــن هــل تســتحق هــذه األشــياء‬
‫نضحــي بالغنائــم األكبــر التــي يمنحهــا العالــم؟ امتــاك مالييــن النجــوم التــي تلمــع فــي ســماء‬
‫أن‬
‫ّ‬
‫الليــل‪ ،‬وأحجــار الجمــر الكريمــة التــي تتوهــج علــى الرمــل؟‬
‫رواســب البــداوة فــي نفوســنا تنتفــض رغــم االســتقرار فــي مــدن‪ ،‬ورغــم التعليــم وكل «حيــل‬
‫المدينــة األخــرى»‪ .‬البــداوة الباقيــة فينــا تجعلنــا نتملمــل فــي بيوتنــا‪ ،‬نختنــق وراء جدرانهــا‪ ،‬ودون‬
‫وعــي نشــتاق لتموجــات الســراب البعيــد‪ ،‬لقــوس قــزح مع ّلــق فــوق رؤوســنا‪ ،‬ألفــق ال تبلغــه‬
‫أبصارنــا‪ .‬أجدادنــا وهــم ينقلــون الخيــم وبيــوت ّ‬
‫الشــعر مــن مــكان آلخــر كانــوا يجــدون ســعادتهم‬
‫فــي الترحــال‪ .‬اكتشــفوا أن طــول البقــاء فــي مــكان واحــد يدفــع بالحــواس للتب ّلــد فــإذا بغاللــة تحيــط‬
‫األشــياء وتظهرهــا شــاحبة‪ .‬ويمتــد التب ّلــد ليبتــذل مشــاعرنا لمــن نحــب‪.‬‬
‫مــع شــاعرنا أبــي تمــام كانــت ألســنة النــار تســتنهضنا‪ :‬ارتحــل تتجــدد! ارتحــل عــن وطنــك حتــى‬
‫تح ّبــه أكثــر‪ ،‬فعنــد المرتحــل الحقيقــي كل بقعــة علــى األرض هــي وطــن له‪ .‬ارتحــل مع المســافرين‪.‬‬
‫اختــر مــن تشــاء‪ :‬مــع مغامريــن يلهثــون وراء الثــروات‪ ،‬أو علمــاء يكتشــفون‪ .‬رافــق االختصاصييــن‬
‫فــي شــؤون البراكيــن وارصــد مــع الباحثيــن عــادات القبائــل البدائيــة‪...‬‬
‫على ذلك الكثيب الرملي كانت عيدان الغاف وهي تحترق ترسل بخورها وتحذر‪:‬‬
‫جذورا في باطن األرض! لست دودة لتغوص في التراب!‬
‫أنت لست شجرة لتحفر‬‫ً‬
‫النسيم البري كان يلهب النار‪ ،‬وكنت أسمع حفيفه‪ :‬كن ريشة في مه ّبي!‬
‫كيــف لــم يســمع صديقــي نــوارس جزيرتــه وهــي تناديــه للرحيــل؟ كيــف لــم يــر األمــواج حولــه‬
‫ترشــده لوجهــة الســفر إذ هــي تتوالــى الواحــدة تلــو األخــرى فــي طريقهــا الطويــل للجانــب اآلخــر‬
‫مــن العالــم؟‪.‬‬
‫علــى كثيبنــا الرملــي األعيــن تلمــع علــى ضــوء النــار والقمــر‪ .‬أصدقــاء يتجاذبــون الحديــث‬
‫ويتوجســون مــن أن كل شــيء ســينتهي بعــد قليــل‪ .‬احتــج أحدهــم‪:‬‬
‫تجــول خاطــف ال يتيــح المجــال للغــوص فــي‬
‫فاتحــا للبصيــرة‪ ،‬فأكثــره‬
‫ّ‬
‫ ليــس الترحــال دائمــا ً‬‫المــكان وال رصــد معالمــه‪.‬‬
‫‪165‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫أجابه آخر‪:‬‬
‫لكنــه برغــم ذلــك مائــدة ســخية لــكل الحــواس‪ .‬شــكل وصــوت ورائحــة كل بلــد فريــدة ال تشــبه‬
‫غيرهــا‪ ،‬تما ًمــا مثــل فــرادة بصمــة اإلصبــع‪.‬‬
‫ زرعوا في نفوسنا الجبن عن الترحال بالتخويف من الغربة‪..‬‬‫ً‬
‫مطــول‪ ..‬لكــن كيــف يمكــن ذلــك؟ كيــف تســتطيع أن تهــرب مــن هــذه الســجون دون‬
‫تداولنــا‬
‫أيضــا مــن الوظيفــة إال أن يكــون أحدهــم قــد أورثــك مــا يكفــي لتضمــن عيشــك؟ ت ًبــا‬
‫أن تهــرب ً‬
‫لألحــام التــي ال يمكــن تحقيقهــا! حســبة شــيطانية‪ :‬الحريــة والجــوع خــارج الحبــس واألمــان‬
‫المعيشــي بداخلــه‪.‬‬
‫رحلــة العــودة‪ .‬أطفــال راجعــون لبيوتهــم مــن اللعــب يملؤهــم الحنــق ألن الواجبــات المدرســية‬
‫ـخصا‬
‫تنتظرهــم‪ .‬كنــا نحــن الســبعة فــي الصحــراء‪ ،‬يســري علينــا قــول قديــم لتشــي غيفــارا‪ 17 ،‬شـ ً‬
‫الصلبــة‪،‬‬
‫يســيرون علــى ضــوء القمــر‪ .‬دا ّبتنــا الميكانيكيــة‪ ،‬وليســت الخيــول التــي تــدق الصخــور ّ‬
‫ـدوي كالمطرقــة علــى أصداغنــا‪.‬‬
‫تهــدر فــي الفضــاء‪ .‬مــا العمــل؟ ســؤال لينيــن يـ ّ‬
‫تحركــت البــداوة فــي دمائنــا وصرنــا نحلــم بالغنائــم‪ .‬فــي طريــق العــودة تدفقــت أفكارنــا‪ .‬نحــن‬
‫المســاجين أخذنــا نفكــر بالمهــام المقبلــة‪ .‬كيــف نبــرد القضبــان‪ ،‬نخــادع الحـ ّـراس‪ ،‬نرشــو المراقبين‪،‬‬
‫ونحفــر األنفــاق كان لســان حالنــا يــر ّدد مــع الشــاعر‪ :‬فــي كل ســرداب خبيئــة‪ ،‬وفــي كل خبيئــة أفعــى‪.‬‬
‫‪166‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ‬
‫جوم َت َت َلألَ ُأ‬
‫غات العالَ ِم ن ُ‬
‫لُ ُ‬
‫ٌ‬
‫(رسول حمزاتوف)‬
‫الكتــاب يشــبِه ســجادةً‪َ ،‬فأنــا َأحيكُهــا ِمــن ُخيـ ِ‬
‫كان هــذا ِ‬
‫ـوط ال ُّل َغـ ِـة اآلفاريــة م َتعــدِّ د ِة األلـ ِ‬
‫إذا َ‬
‫ـوان‪َ .‬وإذا‬
‫َّ ُ َ َ‬
‫ُ ُ ُ َ ّ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الخـ ِ‬
‫ـروف َفأنــا َأخيـ ُ ِ‬
‫كان ُيشــبِ ُه َفــرو ًة ِمــن ِجلـ ِـد َ‬
‫المتينَـ ِـة‪.‬‬
‫ـط الجلــدَ بِخيــوط ال ُّل َغــة اآلفار َّيــة‪َ ،‬‬
‫ـال إ َّنـ ُه َلــم َيكــن فــي ال ُّلغـ ِـة اآلفار َّيـ ِـة فــي الماضــي‪ ،‬الماضــي ال َبعيـ ِـد ِجــدًّ ا ِســوى َعــدَ ٍد َقليـ ٍ‬
‫ُيقـ ُ‬
‫ـل جــدًّ ا‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫يــة‪ ،‬والح ِ‬
‫َلمــات‪َ .‬فمفاهيــم كالحر ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الخيــر َ‬
‫يــاة‪َّ ،‬‬
‫ــر عنهــا‬
‫داقــة‪َ ،‬و‬
‫الص‬
‫ِمــن الك‬
‫والشــجا َعة‪َ ،‬و َّ‬
‫َ َ‬
‫كان ُيع َّب ُ‬
‫ُ ِّ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫كلمـ ٍ‬
‫كلمـ ٍـة واحــدَ ٍة َأو بِ ِ‬
‫ِ‬
‫ـات ُمتَشــابِ َه ٍة ِجــدًّ ا ِمــن َحيـ ُ‬
‫ـث َلفظِهــا َومعناهــا‪.‬‬
‫بِ َ‬
‫لِي ُقـ ِ‬
‫َطيع َأن أقـ َ‬
‫ـرون ّ‬
‫ـل اآلخـ َ‬
‫ـت فــي‬
‫ـول بِ ُل َغتــي ك َُّل مــا أريــدُ ُه‪َ ،‬ولسـ ُ‬
‫إن لغـ َة َشــعبِنا َفقيــرةً‪ .‬أ ّمــا َأنــا فأسـت ُ‬
‫حاجـ ٍـة إلــى ُل َغـ ٍـة ُأخــرى َكــي ُأعبــر عــن َأفــكاري ومشـ ِ‬
‫ـاعري‪....‬‬
‫َ‬
‫َ َ‬
‫ِّ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـات ُّ‬
‫ـذوب النُّجــو ُم ُك ُّلهــا فــي نَج ـ ٍم‬
‫ُلغـ ُ‬
‫الســماء‪ .‬أنــا ال أو ُّد َأن َتـ َ‬
‫ـعوب بِالنِّس ـ َبة لــي‪ ،‬كالنُّجــو ِم فــي َّ‬
‫ـف السـ ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ـك‪ .‬لكـ ْن لِنَــدَ ِع النُّجــو َم َت َتـ َ‬
‫ـمس كَفي َلـ ٌة بِذلـ َ‬
‫ـماء‪َّ .‬‬
‫ـي‬
‫الشـ ُ‬
‫ـألُ هـ َ‬
‫كبيـ ٍـر واحــد َضخـ ٍم ُي َغ ّطــي نصـ َ َّ‬
‫ـان نَجم ـ ٌة‪ /‬و ْلي ُكــن لِـك ُِّل إنسـ ٍ‬
‫األُخــرى‪ ،‬و ْل َت ُكــن لِـك ُِّل إنسـ ٍ‬
‫ـان ن َْج ُم ـ ُه‪.‬‬
‫َ َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫يولوج ّييـ َن ا ّلذيـ َن َيقولـ َ‬
‫الج‬
‫يوجــدُ‬
‫ـون إ َّنـ ُه َقــد َ‬
‫ـب نَجمــي‪ُ -‬ل َغتــي (اآلفار َّيـ َة) األُ َّم‪َ .‬وأنــا ُأ َصــدِّ ُق ُ‬
‫أنــا ُأحـ ُّ‬
‫غيــر َذهــب كثيــر‪ .‬إحــدى الن ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الج َب ِ‬
‫هــذه الدَّ عــوةَ‪:‬‬
‫امــر ٍأة ُأخــرى‬
‫ِّســاء َص َّبــت علــى‬
‫الص ِ َ ٌ‬
‫ــل َّ‬
‫فــي َ‬
‫رأس َ‬
‫ٌ‬
‫ـات م ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـم‪ ...‬إلــى هــذا الحــدِّ تَكـ ُ‬
‫رع َب ـ ًة فــي‬
‫ـون ال َّلعنـ ُ ُ‬
‫ـم بِهــا ُأ ُّم ُهـ ُ‬
‫ِل َيحـ ِـر ِم ال ّل ـ ُه أوال َدك ال ُّل َغ ـ َة ا ّلتــي َتتَك َّلـ ُ‬
‫ـات‪ ،‬ي ِ‬
‫ـدون لعنـ ٍ‬
‫ـان‪ِ ،‬‬
‫ـال‪ ،‬وح ّتــى بِـ ِ‬
‫ـض األَحيـ ِ‬
‫لكــن فــي ِ‬
‫َبعـ ِ‬
‫فقــدُ اإلنسـ ُ‬
‫ـان ا ّلــذي ال َيح َتـ ِـر ُم ُل َغ َتـ ُه األ ُّم‬
‫َ‬
‫َ‬
‫الجبـ ِ َ‬
‫احتِرام ـه‪ ،‬فــاألم الجبلي ـ ُة َلــن تَقــر َأ َأشــعار ابنِهــا إذا كا َنــت مكتوب ـ ًة بِ ُل َغـ ٍـة ِ‬
‫فاســدَ ٍة‪.‬‬
‫َ‬
‫ُّ َ َّ‬
‫َ ُ‬
‫َ‬
‫ذات يــو ٍم بِرســا ٍم ِ‬
‫راسـ ِـة‪َ ،‬وهنـ َ‬
‫داغ ْســتانِ ٍّي َ‬
‫ـاك‬
‫ـس َ‬
‫التقيـ ُ‬
‫ـت فــي باريـ َ‬
‫كان َقــد غــا َد َر ال َب َلــدَ إلــى رومــا للدِّ َ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫اغســتانِي ا ّلــذي اعتــا َد َقوانيـ َن ِ‬
‫الجبـ ِ‬
‫ـف‬
‫ـب َعليـ ِـه أن َيأ َلـ َ‬
‫ـال َيص ُعـ ُ‬
‫َتـ َّ‬
‫ـزو َج إيطال َّيـ ًة َو َلــم َيعــدْ إلــى َبلــده‪ .‬الدّ ْ ُّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الرحـ َ‬
‫ـارةً‪َ ،‬و َيحـ ُّ‬
‫المتأ ِّل َقـ ِـة‬
‫َو َطنَـ ُه َ‬
‫ـال فــي العواصـ ِم ُ‬
‫ـط ِّ‬
‫ـم فــي أرجــاء الدُّ نيــا تـ َ‬
‫الجديــدَ ‪ .‬أخـ َـذ صاح ُبنــا َيهيـ ُ‬
‫تــار ًة ُأخــرى‪ .‬لكنَّـه َ ِ‬
‫دت ْ‬
‫الحنيـ َن ُم َج َّســدً ا‬
‫َحـ َـل‪َ .‬و َأر ُ‬
‫أن َأرى هــذا َ‬
‫كان َيحمـ ُـل َحنينَـ ُه َو َشــو َق ُه َحي ُثمــا ارت َ‬
‫ُ‬
‫ـت إلــى الفنّـ ِ‬
‫فــي األلـ ِ‬
‫ـان أن ُي ِر َينــي َلوحاتِـ ِـه‪.‬‬
‫ـوان َفط َل ْبـ ُ‬
‫َحمـ ُـل هــذا االســم «الحنيـن إلــى الوطـ ِ ِ‬
‫ـات ت ِ‬
‫إحــدى ال ّلوحـ ِ‬
‫وحـ ِـة إيطال َّيـ ٌة فــي ِز ٍّي‬
‫ـن» ُرسـ َـم ْت علــى ال َّل َ‬
‫َ‬
‫ْ َ َ ُ‬
‫‪167‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ـي ا ّلــذي َصنَ َعـ ُه ِح َرفِ ّيــو «غوتْســاتْلين»‬
‫ـاري َقديـ ٍم‪ .‬إنَّهــا عنــدَ النَّبـ ِع َ‬
‫آفـ ٍّ‬
‫ـي‪ ،‬تَحمـ ُـل إ ْبري َقهــا الفضـ َّ‬
‫الجبلـ ِّ‬
‫ِ ِ‬
‫ـع كَئي َبـ ًة َقر َيـ ٌة ِ‬
‫الج َبـ ِ‬
‫ـب ِجبـ ٌ‬
‫آفار َّيـ ٌة ِمــن َح َجـ ٍـر‪َ ،‬و َفـ َ‬
‫َ‬
‫ـهورون‪َ ،‬وعلــى َسـ ِ‬
‫ـال‬
‫المشـ‬
‫ـوق ال َقريــة تَنتَصـ ُ‬
‫ـل تَق َبـ ُ‬
‫ـفح َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـاب‪.‬‬
‫َأك َثـ َـر اكتئا ًبــا‪َ ،‬و ُذرا الجبــال َي ُل ُّفهــا َّ‬
‫الضبـ ُ‬
‫ـفوح ِ‬
‫ـوع ِ‬
‫الجبـ ِ‬
‫الجبـ ِ‬
‫قـ َ‬
‫ـال الفنّـ ُ‬
‫ـال‪ ،‬ت ُ‬
‫ـرات‬
‫ـال‪ .‬حي ـ َن َيلـ ُّ‬
‫َأخـ ُـذ َقطـ ٌ‬
‫ـف َّ‬
‫ـان‪َّ :‬‬
‫ـاب ُسـ َ‬
‫الضبـ ُ‬
‫ـاب ُهــو ُدمـ ُ‬
‫الضبـ ُ‬
‫أيــت علــى َلوح ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ــة ُأخــرى‬
‫الص‬
‫ُمضي َئــ ٌة فــي‬
‫بــاب ُهــو أنــا‪َ .‬و َر ُ‬
‫خــور‪َّ .‬‬
‫َ‬
‫الض ُ‬
‫االنســياب علــى تَجاعيــد ُّ‬
‫ِ‬
‫خــور ِ ِ‬
‫ــة ِ‬
‫ــط علــى َعضاه ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫طائ ًــرا َي ُح ُّ‬
‫شــائك ٍَة‪ُّ .‬‬
‫غــر ُد‪َ ،‬و ِمــن‬
‫الص‬
‫َ‬
‫ــج ْي َر ُة تَنمــو َبيــ َن ُّ‬
‫الش َ‬
‫العار َيــة‪ .‬ال ّطائ ُــر ُي ِّ‬
‫ّــان اهتِمامــي بِال َّلوح ِ‬
‫يــت تُحــدِّ ُق ِ‬
‫اك الب ِ‬
‫ُشــب ِ‬
‫ــح َي ُ‬
‫فيــه َج َبل َّيــ ٌة َحزينَــ ٌة‪َ .‬وحيــ َن َرأى ال َفن ُ‬
‫قــول‪:‬‬
‫ــة‪َ ،‬أ َ‬
‫وض َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ديم ٍة‪.‬‬
‫وح ُة ا ْق َت َب ْستُها ِمن ُأ‬
‫ هذه ال َّل َ‬‫سطورة آفار َّية َق َ‬
‫َ‬
‫سطور ٍة؟‬
‫أي ُأ‬
‫ َّ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫اصطــادوا ِ‬‫طائـ ًـرا َو َو َضعــو ُه فــي َق َفـ ٍ‬
‫ـارا‪َ :‬و َطنــي‪َ ،‬و َطنــي‪،‬‬
‫ْ‬
‫ـص‪َ .‬أ َخـ َـذ ال ّطائـ ُـر ُيـ َـر ِّد ُد فــي َق َفصــه‪َ ،‬ليـ ًـا نَهـ ً‬
‫َو َطنــي‪َ ،‬و َطنــي‪َ ،‬و َطنــي‪َ ،‬و َطني‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫«أي َو َطـ ٍ‬
‫هكــذا أنــا تَما ًمــا َّ‬
‫ـن ُهــو َو َطنُـ ُه؟‬
‫ـب ال ّطائـ ِـر فــي نَفســه َّ‬
‫الســنوات ُأ َر ِّد ُد‪َ ..‬و َف َّكـ َـر صاحـ ُ‬
‫كل هــذه َّ‬
‫شــجار الجن ِ‬
‫وأيــن هــو؟ ال بــدَّ أنَّــه ب َلــدٌ ِ‬
‫رائــع‪ِ ،‬‬
‫َّــة َو ُط ِ‬
‫يورهــا‪ .‬ه ّيــا‬
‫ــور ُه‪ِ ،‬مــن َأ‬
‫زاه َــر ٌة َأ‬
‫َ ُ‬
‫ِ َ‬
‫ٌ‬
‫ًَ‬
‫ُ‬
‫شــجار ُه‪َ ،‬و ُط ُي ُ‬
‫ُ‬
‫َف ُ ِ‬
‫ـراح ُه َو َأرى أي ـ َن َيطيـ ُـر‪َ .‬و ُهــو َس ـ َيدُ ُّلني علــى ال َّطريـ ِـق إلــى هــذا ال َبلـ ِـد ال َعجيـ ِ‬
‫ـح‬
‫ـب‪َ .‬و َف َتـ َ‬
‫ألطلـ ْـق َسـ َ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الصخـ ِ‬
‫ـم َحـ َّ‬
‫ـور‬
‫ضاهـ ٍـة كانـ ْ‬
‫ـط علــى َع َ‬
‫ـت تَنمــو َبيـ َن ُّ‬
‫ال َق َفـ َ‬
‫ـص فان َط َلـ َـق ال ّطائـ ُـر ُمبتَعــدً ا َع ْشـ َـر ُخطــوات‪ُ ،‬ثـ َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫العاريـ ِـة‪ ،‬فــي أحضـ ِ‬
‫كان ُع ُّشـ ُه‪َ .‬و َأنْهــى الفنّـ ُ‬
‫ضاهـ ِـة َ‬
‫ـع إلــى‬
‫ـان هــذه ال َع َ‬
‫ـان كَال َمــه قائـ ًـا‪ :‬أنــا َأ ْي ًضــا َأ َت َط َّلـ ُ‬
‫ْ‬
‫َِ‬
‫و َطنــي ِمــن ُش ـب ِ‬
‫اك َق َفصــي‪.‬‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫‪َ -‬ولِماذا ال تُريدُ َأن تَعو َد؟‬
‫ِ‬
‫لــت آن َ‬
‫المت ََو ِّقــدَ ‪َ ،‬ف ْ‬
‫ــح ُمت ِّ‬
‫لبــي ّ‬
‫هــل‬
‫َــذاك ِمــن‬
‫‬‫ــرا‪َ .‬ل َقــد َح َم ُ‬
‫ُ‬
‫الش َّ‬
‫الوقــت أص َب َ‬
‫ــاب ُ‬
‫أرض َو َطنــي َق َ‬
‫َأخ ً‬
‫َطيع َأن ُأعيــدَ إ َل ْيهــا َ‬
‫ظامــي البالِ َيــ َة؟‬
‫اآلن ِع‬
‫َأ ْســت ُ‬
‫َ‬
‫حي ـن ُعـ ُ ِ‬
‫ب ال َفنّـ ِ‬
‫ـت َعــن أقـ ِ‬
‫ـار ِ‬
‫ـان‪َ ،‬ولِدَ ْه َشــتي َت َب َّي ـ َن َّ‬
‫أن ُأ َّم ـ ُه مــا زالــت علــى َقيـ ِـد‬
‫ـس َبحثـ ُ‬
‫ـدت مــن باريـ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫الحيــاة‪َ .‬وبِ ُحــزن َأ ْصغــى ِ‬
‫ـم ا ّلــذي َتـ َ‬
‫ـرك َوطنَـ ُه‬
‫أقار ُبـ ُه ا ّلذيـ َن اجتَمعــوا فــي ال َبيــت إلــى َحديثــي َعــن ابن ِهـ ُ‬
‫أرضــا غري َبـ ًة‪ .‬لكن َُّهــم‪ ،‬كمــا َيبــدو‪ ،‬كَأنَّمــا َغ َفــروا َلــه‪ .‬كانــوا َمســروري َن َّ‬
‫ـي‬
‫واسـتَبدَ َل بِــه ً‬
‫ألن ابن َُهــم َحـ ٌّ‬
‫‪168‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ‬
‫َمــع هــذا‪َ .‬و َف ْجــأ ًة َســأ َلتْني ُأ ُّمـ ُه‪:‬‬
‫ِ‬
‫َحدَّ ثتُما بِ‬
‫اآلفار َّي ِة؟‬
‫‪ -‬هل ت َ‬
‫وسي َة‪ ،‬وابن ُِك ال َفر ِ‬
‫ِ‬
‫ ك َّل‪ .‬تَحدَ ْثنا بِ ِ‬‫واس َط ِة مت ِ‬
‫نس َّي َة‪.‬‬
‫َرج ٍم‪ .‬ك ُ‬
‫الر َّ‬
‫َ‬
‫ُنت أنا أ َت َك َّل ُم ّ‬
‫ُ‬
‫ـت األم وجههــا بِ َطرحـ ٍـة ســوداء كَمــا تَفعـ ُـل النِّســاء ِحيـن يســمعن بِمـ ِ‬
‫َغ َّطـ ِ‬
‫ـوت ابنِهـ َّن‪َ .‬‬
‫المطـ ُـر َين ُقـ ُـر‬
‫َ َ َ َ‬
‫َ‬
‫ُّ َ ْ َ‬
‫كان َ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫َ َ‬
‫َجلــس فــي آفاريــا‪ .‬وعلــى ال َّطــر ِ‬
‫ـطح البيـ ِ‬
‫ـت‪ ،‬و ُكنّــا ن ِ‬
‫ـس‪ُ ،‬ر َّبمــا َ‬
‫ف َ‬
‫كان اب ـ ُن‬
‫اآلخـ ِـر‪ ،‬فــي باريـ َ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫علــى َسـ ِ َ‬
‫َ‬
‫ـوت الم َطـ ِـر‪ .‬وبعــدَ صمـ ٍ‬
‫أيضــا إلــى صـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـت َطويـ ٍ‬
‫الضـ َّ‬
‫داغسـ َ‬
‫ـت أ ُّمـ ُه‪:‬‬
‫ـل قا َلـ ْ‬
‫ـال ُي ْصغــي ً‬
‫ـتان ّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ـن َبعيـ ٍـد‪ .‬هــذا َلــم َيكـ ِ‬
‫ـات ا ْبنــي ُمنـ ُـذ َزمـ ٍ‬
‫ـئ يــا َرسـ ُ‬
‫ـن ا ْبنــي‪ .‬فا ْبنــي َلــم َي ُك ـ ْن‬
‫ـول‪َ .‬ل َقــد مـ َ‬
‫ أنـ َ‬‫ـت ُمخطـ ٌ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َطيع ْ‬
‫(اآلفار َّي ـ ُة)‪.‬‬
‫أن َينســى ال ُّل َغ ـ َة ا ّلتــي َع َّلم ُتــه إ ّياهــا‪ .‬أنــا أ ُّم ـ ُه‬
‫ل َيس ـت َ‬
‫‪169‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫أُ ّمي‬
‫*‬
‫(مـارك تويـن)‬
‫كانــت والدتــي فــي الثامنــة والثمانيــن مــن العمــر عندمــا توفيــت فــي أكتوبــر مــن عــام ‪ .1890‬وهــو‬
‫عمــر يكشــف مــدى بأســها وقوتهــا‪ ،‬ويكشــف عــن معركــة مــن أجــل الحيــاة خاضتهــا وأبلــت فيهــا‬
‫بــا ًء حس ـنًا‪ ،‬هــي التــي بلــغ جســمها عندمــا كانــت فــي األربعيــن حــدًّ ا مــن الرقــة والضعــف جعــل‬
‫مــن حولهــا مــن النــاس يعتبــرون أنهــا قــد بلغــت أســوأ الحــاالت وأنهــا قــد تمــوت فــي أيــة لحظــة‪.‬‬
‫عرفتهــا جيــدًّ ا فــي الخمــس والعشــرين ســنة األولــى مــن حياتــي‪ ،‬ولكنــي لــم أكــن أراهــا بعــد ذلــك‬
‫ً‬
‫طويــا‪ .‬وأنــا ال أنــوي الكتابــة عنهــا لمجــرد‬
‫إال فــي أوقــات متباعــدة‪ ،‬فقــد ّفرقــت بيننــا الحيــاة‬
‫الكتابــة‪ ،‬ولكنــي أحــب الحديــث عنهــا بالفعــل‪.‬‬
‫ماالــذي يحــل بالصــور التــي يلتقطهــا ّ‬
‫الذهــن لآلخريــن؟ مــن بيــن مالييــن الصــور‪ ،‬تظــل صــورة‬
‫والدتــي كأول وأقــرب صديقــة إلــى نفســي شــديدة الوضــوح‪ ،‬صــورة تعــود إلــى زمــن بعيــد يمتــدّ‬
‫ســب ًعا وأربعيــن ســنة‪ .‬كانــت وقتهــا فــي األربعيــن‪ ،‬وكنــت أنــا فــي الثامنــة‪ .‬هــي تمســك بيــدي‪ ،‬وكالنا‬
‫جــاث علــى ركبتيــه بجــوار ســرير أخــي‪ ،‬الــذي كان يكبرنــي بعاميــن‪ ،‬وهــو ممــدد علــى ســريره‪ ،‬قــد‬
‫فــارق الحيــاة‪ ،‬وعيناهــا تفيضــان بالدمــوع‪.‬‬
‫كانــت والدتــي نحيلــة ضئيلــة الجســم‪ ،‬ولكــن كان لهــا قلــب كبيــر‪ ،‬قلــب يتســع ألحــزان الجميــع‪،‬‬
‫ويتســع ألفراحهــم‪ .‬الفــارق األكبــر الــذي وجدتــه بينهــا وبيــن بقيــة النــاس ممــن عرفــت هــو ّ‬
‫أن‬
‫اهتماماتهــم كانــت قويــة فقــط تجــاه أشــياء قليلــة ومحــدودة‪ ،‬أمــا هــي فقــد ظــل يشــغلها أمــر العالــم‬
‫بأســره بــكل مافيــه وبــكل مــن فيــه حتــى آخــر يــوم مــن أيــام حياتهــا‪ .‬وطــوال تلــك الحيــاة التــي‬
‫عاشــتها لــم يظهــر منهــا اهتمــام بأمــر أو شــخص إال وكان كامـ ًـا‪ ،‬فهــي لــم تكــن لتهتــم بأمــر وتتــرك‬
‫ـورا أخــرى‪ ،‬أو تهتــم بشــخص وتهمــل اآلخريــن‪.‬‬
‫أمـ ً‬
‫كان اهتمامهــا بالبشــر والحيــوان صاد ًقــا ينبــع مــن داخلهــا‪ ،‬ويحمــل الحــب والــود‪ .‬وكانــت تجــد‬
‫العــذر ألكثــر النــاس فظاظــة حتــى لــو تطلــب ذلــك أن تختلقــه اختال ًقــا‪ ،‬فمحبــة اآلخريــن كانــت هــي‬
‫القاعــدة التــي تنطلــق منهــا‪ .‬لقــد جبلــت علــى أن تكــون صديقــة لــكل مــن حــرم الصداقــة‪.‬‬
‫*) سيرة ذاتية‪ ،‬ترجمة سعيد رضوان‪ ،‬هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة‪.2014 ،‬‬
‫‪170‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ‬
‫ذات يــوم‪ ،‬وبينمــا كانــت تســير فــي أحــد الشــوارع فــي ســان لويــس‪ ،‬وقــع بصرهــا علــى أحــد ســائقي‬
‫العربــات وهــو يضــرب حصانــه علــى رأســه بمقبــض ســوطه الثقيــل‪ ،‬ففأجأتــه وأخــذت الســوط‬
‫مــن يــده‪ ،‬وانتزعــت منــه وعــدً ا بــأالّ يقســو علــى حصــان بعــد ذلــك‪ ،‬وهــذا النــوع مــن اإلجــراءات‬
‫فيمــا يتعلــق بالحيوانــات التــي تســاء معاملتهــا كان أمـ ًـرا مألو ًفــا لديهــا مــدى العمــر‪ ،‬وكانــت بحســن‬
‫دائمــا‪ ،‬وأحيا ًنــا كانــت تفــوز بصداقــة الشــخص ذاتــه الــذي‬
‫أســلوبها وطيــب نيتهــا تحقــق غايتهــا ً‬
‫تتحــداه ‪ .‬كانــت تتبعهــا القطــط الشــريدة والضالــة والمؤذيــة إلــى البيــت‪ ،‬فتســتقبلها ‪ .‬ذات مــرة عــام‬
‫ألي منهــا ميــزة أو حســنة‬
‫‪ 1845‬وصــل عــدد القطــط فــي بيتنــا إلــى تســع عشــرة قطــة‪ ،‬ولــم يكــن ّ‬
‫واحــدة ‪.‬‬
‫لقــد كانــت تشــكل عب ًئــا ثقيـ ًـا علينــا وعلــى والدتــي كذلــك‪ ،‬ولك ـ ّن وجودهــا كان صنيعــة الحــظ‪،‬‬
‫وهــذا يكفــي ؛ فــكان يجــب أن تبقــى ‪ .‬ومــع كل هــذا فقــد كان وجودهــا أفضــل مــن عــدم وجودهــا‪،‬‬
‫ـموحا لنــا أن نقتنــي‬
‫فاألطفــال تلزمهــم حيوانــات فــي البيــت يالعبونهــا ويالطفونهــا‪ ،‬إذ لــم يكــن مسـ ً‬
‫ـورا أو حيوانــات ونضعهــا فــي أقفــاص‪ّ ،‬‬
‫ـس حتــى الفــأر‪.‬‬
‫الن أمــي لــم تكــن لتســمح بــأن ُيح َبـ َ‬
‫طيـ ً‬
‫‪171‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫الدراسة يف اجلامعة‬
‫*‬
‫(هيلني كيلر)‬
‫ـتقر رأينــا أخيـ ًـرا علــى أنــه يحســن بــي أن أدرس عا ًمــا آخــر تحــت إشــراف المســتر كيــث قبــل‬
‫اسـ ّ‬
‫التحاقــي بالكليــة‪ ،‬ولهــذا لــم يتح ّقــق حلمــي فــي ّ‬
‫الذهــاب إلــى الجامعــة فعـ ًـا إال بحلــول خريــف‬
‫مفعمــا باإلثــارة‬
‫عــام ‪،1900‬ومازلــت طب ًعــا أذكــر يومــي األول فــي كل ّيــة رادكليــف؛ إذ كان يو ًمــا‬
‫ً‬
‫بالنســبة لــي ألننــي ظللــت أتط ّلــع إليــه علــى مــدى عــدّ ة ســنوات مــن عمــري‪.‬‬
‫كانــت بداخلــي قـ ّـوة هائلــة تدفعنــي وتجعلنــي راغبــة فــي مواجهــة الصعــاب واالختبــارات التــي‬
‫يواجههــا عــادة أولئــك القــادرون علــى الســمع والبصــر‪ ،‬وقــد نصحنــي أصدقائــي بــأال أحــاول‬
‫ذلــك‪ ،‬بــل إنــه حتــى قلبــي الــذي بيــن ضلوعــي كان يحــاول فــي بعــض األحيــان إقناعــي بالتّخ ّلــي‬
‫الملحــة‪ .‬وكنــت أدرك تمــام اإلدراك أنّنــي فــي ســبيلي لمواجهــة أمــر ليس باليســير؛‬
‫الرغبــة‬
‫ّ‬
‫عــن تلــك ّ‬
‫ـم عزمــت علــى قهــر ّ‬
‫وترســخ فــي نفســي ّ‬
‫الشــعور بأنّنــي قــادرة علــى التّع ّلــم‬
‫الصعــاب‪،‬‬
‫كل ّ‬
‫ّ‬
‫ومــن ثـ َّ‬
‫والســمع؛ فـ ّ‬
‫ـكل الفــارق بينــي‬
‫بنفــس القــدر ا ّلــذي يمكــن أن يتع ّلــم بــه أي شــخص قــادر علــى الرؤيــة ّ‬
‫وبينهــم ّ‬
‫ـي تحصيــل المعرفــة بطريقــة مختلفــة‪ ،‬وخامرنــي شــعور بأنّنــي‬
‫أن ظروفــي كانــت تح ّتــم علـ ّ‬
‫فــي الكل ّيــة يمكــن أن أصبــح وثيقــة الصلــة بالكثيــر مــن الفتيــات الالتــي يف ّكــرن ويناضلــن‪ ،‬ويبديــن‬
‫مشــاعر الحــب واألمــل مثلــي‪.‬‬
‫أمامي‪..‬عالمــا‬
‫عالمــا ينفتــح‬
‫ً‬
‫شــرعت فــي دراســتي بجــدّ وشــغف‪ ،‬وكنــت فــي ذلــك الوقــت أرى ً‬
‫أن باســتطاعتي تع ّلــم ّ‬
‫مزده ًيــا بالجمــال‪ ،‬وســن ًّيا بالضيــاء‪ ،‬وشــعرت َّ‬
‫كل شــيء‪ ،‬اعتقــا ًدا منّــي بأ ّنــه‬
‫ّ‬
‫خليــق بــي فــي دنيــا العقــل والفكــر أن أكـ َ‬
‫ـر‪،‬وأن ماتحفــل بــه تلــك‬
‫كأي شــخص آخـ‬
‫ـون حـ ّـرة طليقــة ّ‬
‫الســعادة والتّعاســة ســوف تعيننــي‬
‫الدّ نيــا مــن المشــاهد‬
‫ّ‬
‫المتنوعــة وال ّطرائــف المتباينــة‪ ،‬وألــوان ّ‬
‫تفهــم طبيعــة العالــم الحقيقــي المحيــط بي‪...‬بــل ّ‬
‫إن الفصــول الدّ راســ ّية بــدت لــي‬
‫جمي ًعــا علــى ّ‬
‫مأهولــة بــأرواح العظمــاء والحكمــاء‪ ،‬وبــدا لــي األســاتذة متســمون برجاحــة العقــل والحكمــة‪.‬‬
‫لكننــي ســرعان مــا اكتشــفت ّ‬
‫تصورتــه أحالمــي‪ ،‬شــي ًئا‬
‫أن الكل ّيــة ليســت هــي تما ًمــا ال ّطريــق ا ّلــذي ّ‬
‫ثمــة أشــياء غيــر ط ّيبــة تكتنــف ّ‬
‫فشــي ًئا مضيــت أكتشــف ّ‬
‫الذهــاب إلــى الكل ّيــة؛ فعلــى ســبيل المثــال‬
‫أن ّ‬
‫ـدي قــدر كاف مــن الوقــت‬
‫ـدي مايكفــي مــن الوقــت‪ ...‬فأنــا قــد تعـ ّـودت علــى أن يتوافــر لـ ّ‬
‫لــم يكــن لـ ّ‬
‫*) قصة حياتي العجيبة‪ ،‬ترجمة محمد وهدان‪.‬‬
‫‪172‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ‬
‫ألف ّكــر‪ ،‬أو ألجلــس علــى انفــراد فــي المســاء وأحلــم‪ ،‬أو ألهيــم مــع إحــدى القصائــد ا ّلتــي أفضلها‪..‬‬
‫لكننــي فــي الكل ّيــة لــم أكــن أجــد وق ًتــا لـ ّ‬
‫ـكل هــذا! فالمــرء يذهــب إلــى الكل ّيــة ليتع ّلــم علــى مايبــدو ال‬
‫ليف ّكــر ويتأ ّمــل‪ ...‬والمــرء عندمــا يذهــب إلــى الجامعــة يتــرك وراءه الكتــب والخيــال ومتعــة االنفــراد‬
‫بذاتــه‪ .‬وقــد تعـ ّـودت فــي ذلــك الوقــت علــى إراحــة نفســي بفكــرة أنّنــي أقــوم بتحصيــل ال ّثــروات‬
‫اآلن لكــي أســتخدمها مسـ ً‬
‫الســعادة والبهجــة فــي الوقت‬
‫ـتقبل‪...‬لكنّني فــي واقــع األمــر كنــت ّ‬
‫أفضــل ّ‬
‫الحاضــر علــى أ ّيــة ثــروات يمكــن أن أمتلكهــا فــي المســتقبل!‬
‫األول فــي اللغتيــن الفرنســ ّية واأللمان ّيــة‪ ،‬والتّاريــخ‪ ،‬واإلنشــاء‬
‫تم ّثلــت مــوا ّد الدّ راســة فــي العــام ّ‬
‫اإلنجليــزي‪ ،‬ومضيــت فــي ذلــك العــام أقــرأ الكثيــر مــن أعمــال المؤلفيــن‬
‫اإلنجليــزي‪ ،‬واألدب‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الفرنس ـ ّيين واأللمــان‪ ،‬كمــا درســت فــي اســتعراض مجمــل الفتــرة التّاريخ ّيــة الممتــدة مــن ســقوط‬
‫اإلنجليــزي درســت‬
‫الرومانيــة إلــى القــرن ال ّثامــن عشــر‪ ،‬وفــي إطــار مــا ّدة األدب‬
‫ّ‬
‫اإلمبراطور ّيــة ّ‬
‫ّ‬
‫الشــاعر «ميلتــون»‪.‬‬
‫الصعوبــات ا ّلتــي اعترضــت مســار دراســتي فــي‬
‫كثيــرا مــا ســألني النّــاس كيــف أتغ ّلــب علــى ّ‬
‫ً‬
‫الكل ّيــة؟‪ ...‬وهاأنــذا أجيــب؛ فمــن النّاحيــة العمل ّيــة كنــت بال ّطبــع وحيــدة فــي الفصل‪ ،‬وكان األســتاذ‬
‫بعيــدً ا عنّــي ّ‬
‫ـي عــن طريــق الهاتــف‪ ،‬وكانــت المحاضــرات تترجــم‬
‫كل البعــد كمــا لــو كان يتحــدّ ث إلـ ّ‬
‫الشــخص ّية ّ‬
‫ـم كانــت ّ‬
‫الذاتيــة لألســتاذ تغيــب عنّــي‬
‫لــي بالهجــاء علــى يــدي بأســرع مايمكــن‪ ،‬ومــن ثـ َّ‬
‫عــادة بحكــم عــدم تواصلــي معهــا؛ فالمحاضــرات كانــت تترجــم لــي بالطريقــة ا ّلتــي يمكننــي فهمهــا‬
‫بهــا بســرعة بالغــة‪ ،‬واألفــكار كانــت تتدافــع إلــى رأســي كمــا تتدافــع الــكالب حيــن تطــارد أرن ًبــا‪...‬‬
‫فهــي فــي بعــض األحيــان التســتطيع مالحقتــه! لكــن لســت أعتقــد أنّنــي مــن هــذه النّاحيــة كنــت‬
‫ـدو ّن المحاضــرات‪ ،‬فحيــن يكــون العقــل مشـ ً‬
‫أســوأ حـ ً‬
‫ـغول‬
‫ـال مــن ســائر الفتيــات الالتــي ك ـ ّن يـ ّ‬
‫بعمليــة الرؤيــة ومالحقــة الكتابــة علــى الــورق بأســرع مايمكــن فــا أعتقــد ّ‬
‫أن المــرء حينئــذ يكــون‬
‫قــدرا أكبــر مــن االهتمــام بالموضــوع أو بالطريقــة ا ّلتــي يقــدّ م بهــا‪ ،‬وأنــا بصفــة‬
‫بوســعه أن يولــي ً‬
‫خاصــة لــم يكــن بمقــدوري الكتابــة أثنــاء المحاضــرات ّ‬
‫الســمع !‬
‫ألن يـ ّ‬
‫ّ‬
‫ـدي كانتــا مشــغولتين بعمل ّيــة ّ‬
‫وعــادة كنــت أقــوم بكتابــة مــا يمكننــي تذ ّكــره مــن نصــوص المحاضــرات حيــن أعــود إلــى المنــزل‪،‬‬
‫كمــا كنــت أقــوم بكتابــة حلــول التّماريــن ومواضيــع اإلنشــاء‪ ،‬وإجابــات االختبــارات واالمتحانــات‬
‫ممــا كان يتيــح لألســاتذة أن يكتشــفوا دون أدنــى صعوبــة أنّنــي ال أعــرف ســوى‬
‫علــى آلتــي الكاتبــة ّ‬
‫ـدي حــروف‬
‫القليــل‪ .‬وكنــت أســتخدم آلــة كاتبــة مــن نــوع يمكــن تغييــر نمــط حروفــه‪ ،‬وكانــت لـ ّ‬
‫‪173‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ـزودة بالنبــرات الفرنس ـ ّية‪ ،‬وبــدون‬
‫يونان ّيــة وعالمــات ورمــوز رياض ّيــة ومجموعــة مــن الحــروف مـ ّ‬
‫ـك أ ّنــه كان بمقــدوري ّ‬
‫مثــل هــذه اآللــة الكاتبــة أشـ ّ‬
‫الذهــاب إلــى الكل ّيــة أصـ ًـا!‬
‫ولــم يكــن متوافـ ًـرا فــي طبعــات (برايــل) ســوى القليــل جــدًّ ا مــن الكتــب ا ّلتــي كنــت بحاجــة إليهــا‬
‫ـم لــم يكــن يتسـنّى لــي معرفــة محتــوى الكتــب الباقيــة ّإل‬
‫فــي مجــاالت الدّ راســة المختلفــة‪ ،‬ومــن ثـ ّ‬
‫الســبب ذاتــه كنــت بحاجــة إلــى وقــت‬
‫بتهجيهــا لــي علــى يـ ّ‬
‫عــن طريــق قيــام شــخص ّ‬
‫ـدي؛ ولهــذا ّ‬
‫ممــا تحتــاج إليــه زميالتــي األخريات‪.‬وفــي بعــض األحيــان كنــت أشــعر‬
‫أكبــر فــي اســتذكار دروســي ّ‬
‫بحــزن شــديد علــى حالــي حيــن أجــد نفســي مضطـ ّـرة إلنفــاق ســاعات طــوال فــي قــراءة عــدد قليــل‬
‫بالضحــك والمــرح غيــر بعيــد عنّــي‪ ،‬ومــع‬
‫مــن الفصــول‪ ،‬بينمــا كانــت الفتيــات األخريــات ينعمــن ّ‬
‫أن ّ‬
‫بالضحــك منهــا ألننــي كنــت أدرك ّ‬
‫كل اإلدراك ّ‬
‫كل‬
‫دائمــا علــى تبديــد تعاســتي ّ‬
‫ذلــك حرصــت َ‬
‫الصعوبــات مايتع ّيــن‬
‫امــرىء راغــب فــي تحصيــل المعرفــة الحقيقيــة البــدّ مــن أن تكــون لديــه مــن ّ‬
‫عليــه مواجهتهــا وحــده‪ ..‬فليــس هنــاك طريــق ســهل مع ّبــد إلــى المعرفــة‪ ،‬بــل ال ّطريــق إليهــا وعــر‬
‫ـي أن أتس ـ ّلقه بـ ّ‬
‫ـدي مــن مقــدرة‪ ،‬وبأفضــل طريقــة أســتطيعها‪ .‬كنــت‬
‫ـكل مــا لـ ّ‬
‫منحــدر‪ ،‬وينبغــي علـ ّ‬
‫كثيـ ًـرا مــا أنزلــق عائــدة إلــى الــوراء‪ ،‬وكنــت أســقط علــى األرض أوأتو ّقــف عــن التّقــدّ م‪ ،‬وكنــت‬
‫أتع ّثــر فجــأة فــي صعوبــات غيــر متوقعــة‪ ،‬بــل وكنــت فــي بعــض األحيــان أنقلــب إلــى حــدّ ة المــزاج‬
‫وســوء ال ّطبــع‪ ،‬لكنّنــي فــي جميــع األحــوال كنــت مــا ألبــث أن أســتعيد ســكينتي وأتمالــك نفســي‬
‫فأخــرج للســير لبعــض الوقــت ليتبــدّ د مابــي مــن اإلحبــاط بعــض ّ‬
‫الشــيء وأشــعر بشــجاعتي ترتــدّ‬
‫الرحيــب‪ ...‬ولــم أكــن وحيــدة‬
‫ـي وأســتر ّد شــغفي ودأبــي فأعــاود ّ‬
‫الصعــود وأبــدأ فــي رؤيــة األفــق ّ‬
‫إلـ ّ‬
‫دائمــا فــي نوبــات النّضــال هــذه‪ ،‬فاألصدقــاء ال ّطيبــون كانــوا إلــى جانبــي يعينونــي‪ ،‬ويوفــرون لــي‬
‫ً‬
‫الكثيــر مــن الكتــب ا ّلتــي أحتــاج إليهــا مطبوعــة بطريقــة (برايــل)‪ ،‬وكان اهتمامهــم بــي ورعايتهــم لــي‬
‫ممــا كان بوســعهم أن يتصـ ّـوروا‪.‬‬
‫ـي مــن العــون والتّشــجيع أكثــر ّ‬
‫يســديان إلـ ّ‬
‫وفــي العــام الماضــي ‪-‬وهــو ثانــي أعوامــي فــي كل ّيــة «راد كليــف»‪ -‬مضيــت أدرس اإلنشــاء‬
‫اإلنجليــزي واألدب اإلنجليــزي والنّظــم الحكوم ّيــة فــي أمريــكا وأوروبــا‪ ،‬وكذلــك قصائــد وأعمــال‬
‫للســرور علــى قلبــي هــي دروس اإلنشــاء‪ ،‬فهي‬
‫فن ّيــة باللغــة الالتين ّيــة‪ ،‬وكانــت أكثــر الــدّ روس إضفــاء ّ‬
‫ّ‬
‫دائمــا مثيــرة للغايــة ومخاطبــة للـ ّـذكاء‪ ،‬وكان أســتاذ المــا ّدة‬
‫جذابــة رائعــة‪ ،‬وكانــت المحاضــرات ً‬
‫ّ‬
‫وتــذوق‬
‫الطــاب علــى إدراك‬
‫حريصــا علــى حفــز‬
‫وهــو الســ ّيد (تشــارلز تاونســتد كوبالنــد)‪-‬‬‫ّ‬
‫ً‬
‫عذوبــة وروعــة األدب‪ ،‬وكنّــا فــي حصــص األدب ننهــل مــن جمــال التّعبيــر وروعــة األســلوب‬
‫‪174‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ‬
‫لــدى كبــار الك ّتــاب ودونمــا أ ّيــة شــروح إضاف ّيــة الضــرورة لهــا‪ ..‬فأنــت تقــرأ لتســتمتع بأفكارهــم‬
‫ـامية‪،‬ثم تعــود إلــى منزلــك ّ‬
‫والشــعور يخامــرك بأ ّنــك قــد رنــوت إلــى الكمــال ذاتــه‪.‬‬
‫السـ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫وكان ذلــك العــام أســعد األعــوام بالنســبة لــي ألننــي توفــرت فيــه علــى دراســةمواد محببــة أثيــرة‬
‫إلــى نفســي‪ ،‬هــي االقتصــاد‪ ،‬واألدب (اإلليزاييثــي)‪ ،‬و(شكســبير) ا ّلــذي كان يلقــي علينــا دروســه‬
‫البروفيســور (جــورج ل‪ .‬ليتــردج)‪ ،‬وتاريــخ الفلســفة ا ّلــذي كان يلقــي علينــا دروســه البروفيســور‬
‫خاصــة ّ‬
‫يتفهــم‬
‫ألن المــرء يتع ّلــم منهــا كيــف ّ‬
‫(جوزبــا رويــس)‪ .‬ودروس الفلســفة ذات أهم ّيــة ّ‬
‫األســاليب ا ّلتــي كان النّــاس يف ّكــرون بهــا فــي الماضــي‪ ،‬وكيــف يتعاطــف معهــا‪ ،‬وبعــد دراســتها‬
‫يصبــح المــرء علــى ألفــة مــع أســاليب التّفكيــر ا ّلتــي كانــت قبــل ذلــك تبــدو غريبــة عليــه‪ ،‬وليــس لهــا‬
‫يبررهــا‪.‬‬
‫مــا ّ‬
‫ومــع ذلــك فالكل ّيــة ليســت المدينــة الفاضلــة للعقل كمــا كنت أتصـ ّـور من قبــل؛ ففيها ال يلتقــي المرء‬
‫وجهــا لوجــه‪ ،‬وال يستشــعر فيهــم لمســة الحياة‪..‬صحيــح أنّهــم موجــودون فــي‬
‫بالعظمــاء والحكمــاء ً‬
‫الكل ّيــة‪ ،‬لكنّــه وجــود محنّــط يبــدون مــن خاللــه فــي حالــة جفــاف ومــوت‪ ،‬ح ّتــى أ ّنــه يتع ّيــن علينــا‬
‫فصــل ّ‬
‫كل منهــم علــى حــدة وفحصــه بد ّقــة قبــل أن يتسـنّى لنــا التّأ ّكــد مــن ّ‬
‫ـص‬
‫أن ا ّلــذي أمامنــا هــو نـ ّ‬
‫المتعمقيــن ينســون ّ‬
‫لكاتــب عظيــم المجــرد تقليــد بــارع‪ .‬ويبــدو لــي ّ‬
‫أن‬
‫أن الكثيــر مــن الدّ ارســين‬
‫ّ‬
‫ممــا تعتمــد‬
‫متعتنــا الحقيق ّيــة باألعمــال األدب ّيــة العظيمــة تعتمــد علــى تعاطفنــا مــع الكاتــب أكثــر ّ‬
‫علــى تفهمنــا لمــا يكتــب‪ّ ،‬‬
‫الصعــب علينــا أن نتذ ّكــر ّ‬
‫الشــروح المع ّقــدة لهــؤالء الدّ ارســين‬
‫وأن مــن ّ‬
‫ا ّلتــي يســقطها العقــل عــادة كمــا يســقط غصــن ّ‬
‫الشــجرة ثمــرة ناضجــة رطبــة‪ ،‬ونحــن يمكننــا معرفــة‬
‫ّ‬
‫نموهــا دون أن نرتفــع إلــى مســتوى إدراك وتقديــر جمــال وروعــة‬
‫كل شــيء عــن ّ‬
‫الزهــرة وعمل ّيــة ّ‬
‫الزهــرة حيــن نراهــا فــي فيــض مــن أشـ ّعة ّ‬
‫ـرارا أســأل نفســي بصبــر‬
‫تلــك ّ‬
‫ـرارا وتكـ ً‬
‫الشــمس‪ .‬وكنــت مـ ً‬
‫ـي االنكبــاب علــى تلــك ّ‬
‫الشــروح والنّظر ّيــات؟» إنّهــا تح ّلــق فــي عقلــي هنــا‬
‫نافــذ «لمــاذا يتع ّيــن علـ ّ‬
‫وهنــاك كأنّهــا طيــور عميــاء تضــرب الهــواء بأجنحتهــا دون أن يكــون لهــا هــدف محــدّ د‪ .‬ولســت‬
‫الشــاملة بالكتــب ّ‬
‫أقــول ذلــك علــى ســبيل االعتــراض علــى اإلحاطــة ّ‬
‫الشــهيرة ا ّلتــي درســناها فمــا‬
‫الشــروح النّقد ّيــة المســهبة ا ّلتــي ال تع ّلمنــا ســوى شــيء واحــد‪ّ :‬‬
‫أعتــرض عليــه فقــط هــو تلــك ّ‬
‫أن‬
‫هنــاك مــن اآلراء المختلفــة بقــدر ماهنــاك مــن بشــر‪ ،‬ومــع ذلــك كان األمــر يختلــف كثيـ ًـرا حينمــا‬
‫يقــوم أســتاذ قديــر (كالبروفيســور كيتــردج) بشــرح مايكتبــه هــؤالء الجهابــذة؛ فاألمــر يبــدو حينئــذ‬
‫ّ‬
‫ـخصا ضريـ ًـرا قــد ارتــدّ إليــه بصــره؛ ألنّنــا حيــن كان البروفيســور يلقــي علينــا محاضراتــه كنّــا‬
‫وكأن شـ َ‬
‫‪175‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ّ‬
‫وكأن (شكســبير) قــد عــاد بــإذن ال ّلــه إلــى الحيــاة!‬
‫نشــعر‬
‫ـي أن أتع ّلمــه‪،‬‬
‫كانــت تجــيء علــي أوقــات أشــعر فيهــا بالغربــة فــي نســيان نصــف مــا كان‬
‫ً‬
‫مفروضــا علـ ّ‬
‫إذ أعتقــد ّ‬
‫أن مــن المســتحيل قــراءة أربعــة أو خمســة كتــب فــي يــوم واحــد‪ ،‬وبلغــات مختلفــة وفــي‬
‫موضوعــات مختلفــة دون أن أدرك الحكمــة الماثلــة وراءالقيــام بــل هــذه القــراءات؛ فالمــرء حيــن‬
‫يقــرأ علــى عجلــة وفــي حالــة مــن العصب ّيــة واالرتبــاك دون أن يف ّكــر في شــيء آخــر غيــر االختبارات‬
‫واالمتحانــات التّحرير ّيــة‪ ،‬يصبــح ذهنــه مثقـ ًـا بقــدر ضخــم مــن المعلومــات ا ّلتــي التبــدو أكثــر مــن‬
‫مجـ ّـرد حشــو الطائــل مــن ورائــه والفائــدة! وكان عقلــي فــي ذلــك الوقــت حافـ ًـا بحشــد هائــل‬
‫مــن األشــياء المختلفــة إلــى حــدّ لــم أكــن معــه أملــك القــدرة علــى تنظيــم معلوماتــي والتّنســيق‬
‫بينهــا‪ ،‬وكنــت ك ّلمــا خطــوت نحــو «مملكــة العقــل» شــعرت كمــا لــو ّ‬
‫أن األرواح ّ‬
‫الشــريرة تطاردنــي‬
‫وتتع ّقــب خطــاي‪.‬‬
‫وكانــت االمتحانــات مــن دون شـ ّ‬
‫فبالرغــم مــن‬
‫ـك تم ّثــل الجانــب األصعــب مــن حياتــي الجامع ّيــة؛ ّ‬
‫كونــي واجهتهــا لعددكبيــر مــن‪ ،‬المـ ّـرات وتمكّنــت فــي ّ‬
‫كل مـ ّـرة مــن قهرهــا‪ ،‬فقــد كانــت تنهــض‬
‫تهتــز نفســي وتخوننــي شــجاعتي‪ .‬وأنــت حيــن تواجــه‬
‫مــن جديــد وتتحدّ انــي بالوعيــد حتّــى‬
‫ّ‬
‫الســابقة لالمتحــان فــي حشــو ذهنــك بأكبــر قــدر ممكــن مــن الحقائــق‬
‫امتحا ًنــا‪ ،‬فإ ّنــك تقضــي األ ّيــام ّ‬
‫الرغبــة فــي أن تصبــح أنــت ومامعــك مــن‬
‫والتّواريــخ‪ ...‬قــدر كبيــر للغايــة إلــى حــدّ تنتابــك معــه ّ‬
‫الكتــب فــي قــرار مكيــن تحــت ســطح البحــر! وفــي نهايــة المطــاف تجــيء ســاعة الفــزع وتكــون‬
‫محظو ًظــا ح ًّقــا حيــن تشــعر بنفســك مه ّي ًئــا لالمتحــان وبأ ّنــك قــادر علــى تذ ّكــر المعلومــات ا ّلتــي‬
‫تحتــاج إليهــا فــي الوقــت نفســه ا ّلــذي تحتــاج إليهــا فيــه‪.‬‬
‫وأكثــر مايثيــر الحنــق والغيــظ أن تبــدو ذاكرتــك وقــد نمــا لهــا جناحــان لتطيــر بهمــا فــي اللحظــة‬
‫ذاتهــا ا ّلتــي تكــون فيهــا فــي أشــدّ الحاجــة إليهــا‪ ،‬فالحقائــق ا ّلتــي تتع ّلمهــا وتســتذكرها بالجهــد‬
‫الجهيــد غال ًبــا ماتقتــرف فــي ح ّقــك جريمــة الخيانــة حينمــا تهــرب منــك فــي الوقــت ا ّلــذي تكــون‬
‫ماســة إليهــا‪.‬‬
‫فيــه فــي حاجــة ّ‬
‫قــد تجــد نفســك فــي االمتحــان أمــام ســؤال كالتّالــي‪ :‬أكتــب مقـ ً‬
‫ـس» وإنجازاته‪.‬‬
‫ـال مختصـ ًـرا عــن َ‬
‫«هـ ْ‬
‫ـس) هــذا؟ وماهــي إنجازاتــه؟ ‪ ...‬وبرغــم المفاجــأة فاالســم‬
‫ـس»؟ ومــن يكــون َ‬
‫ياللعجــب َ‬
‫(هـ ْ‬
‫«هـ ْ‬
‫يبــدو لــك مألو ًفــا بعــض ّ‬
‫ألول وهلــة مــن يكــون ! فتأخــذ فــي البحــث‬
‫الشــيء وإن كنــت لــم تــدرك ّ‬
‫‪176‬‬
‫ةّيبدألا ُصوصّنلا ‪ -‬الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ‬
‫والتّفتيــش فــي ّ‬
‫كل الحقائــق التّاريخ ّيــة ا ّلتــي تعرفهــا‪ ،‬ويصبــح األمــر أشــبه بالبحــث فــي سـ ّلة مليئــة‬
‫بقصاصــات مــن القمــاش مــن أجــل الحصــول علــى قصاصــة صغيــرة مــن الحريــر تريدهــا‪ .‬والشـ ّ‬
‫ـك‬
‫فــي أ ّنــك تكــون واث ًقــا فــي الوقــت ذاتــه مــن ّ‬
‫أن المعلومــة موجــودة فــي مــكان مــا مــن الجهــة العلو ّيــة‬
‫لذهنــك‪ ،‬فأنــت قــد رأيتهــا هنــاك منــذ يــوم واحــد فقــط حيــن كنــت تبحــث عــن شــيء آخــر‪ ...‬لكــن‬
‫أيــن هــي اآلن؟‬
‫وتشــرع فيجــرد ّ‬
‫كل مافــي ذهنــك مــن معلومــات صغيــرة‪ :‬المعــارك‪ ،‬الحــروب‪ ،‬ال ّثــورات‪ ،‬األنظمــة‬
‫أن ّ‬
‫مندهشــا للغايــة مــن ّ‬
‫ً‬
‫كل‬
‫ـس»؟ وتجــد نفســك‬
‫الحكوم ّيــة‪ ..‬لكــن أيــن يوجــد ذلــك المدعــو « َهـ ْ‬
‫األشــياء ا ّلتــي تعرفهــا ال وجــود لهــا علــى ورقــة األســئلة!‪ ..‬وفــي نهايــة المطــاف‪ ،‬وبدافع مــن اليأس‪،‬‬
‫السـ ّلة وتق ّلــب ّ‬
‫ـس» قاب ًعــا فــي أحــد األركان ومســتغر ًقا فــي‬
‫الرجــل ّ‬
‫«هـ ْ‬
‫كل مابهــا لتجــد ذلــك ّ‬
‫تتنــاول ّ‬
‫ـاص دون أن تكــون لديــه أدنــى فكــرة عــن ذلــك القــدر الكبيــر مــن اإلزعــاج ا ّلــذي سـ ّببه‬
‫تفكيــره الخـ ّ‬
‫لك !‬
‫وفــي هــذا الوقــت بالـ ّـذات ينطلــق صــوت المراقــب ليخطــرك بـ ّ‬
‫ـأن زمــن االمتحــان قــد انقضــى وحان‬
‫موعــد تســليم ورقــة اإلجابــة‪ ..‬وبـ ّ‬
‫ـكل مشــاعر اليــأس واالشــمئزاز تتــرك ورقــة اإلجابــة وتعــود إلــى‬
‫منزلــك ورأســك ملــيء بخطــط ثور ّيــة تهــدف إلــى القضــاء علــى حـ ّـق األســاتذة فــي وضــع أســئلة ال‬
‫يقتنــع بهــا الممتحنــون!‬
‫تخطــر ببالــي اآلن فكــرة ّ‬
‫الســابقة ســوف يثيــر ضحــك النّاس‬
‫أن ماقلتــه خــال ّ‬
‫الصفحتيــن أو ال ّثــاث ّ‬
‫ّ‬
‫وبــكل د ّقــة ذلــك العالــم الحافــل باألفــكار‬
‫منّــي‪ ،‬لكــ ّن كلماتــي تلــك تصــف فــي حقيقــة األمــر‬
‫المتزاحمــة والمتدافعــة فــي تســارع‪ ،‬ا ّلــذي أعيــش فيــه وال أملــك تبديــل واقعــه‪ ،‬وماقلتــه إنّمــا هــو‬
‫بالفعــل أســلوبي فــي التّعبيــر عــن حقيقــة ّ‬
‫أن أفــكاري عــن الكل ّيــة قــد تغ ّيــرت! فحيــن كان وجــودي‬
‫ـص المســتقبل‪ ،‬كان ذلــك الوجــود يبــدو لــي‬
‫بكل ّيــة «راد كليــف» مجـ ّـرد أمــل يراودنــي وأمــر يخـ ّ‬
‫ضر ًبــا مــن الخيــال كأ ّنــه حلــم ســاحر جميــل‪ ..‬واآلن برغــم ّ‬
‫أن التحاقــي بالكل ّيــة فقــد خصائصــه‬
‫الرائعــة تلــك‪ ،‬فقــد قــدّ ر لــي أن أتع ّلــم الكثيــر مــن األشــياء ا ّلتــي لــم يكــن مــن الميســور أن أعرفهــا‬
‫ّ‬
‫الصبــر» ال ّثميــن ا ّلــذي‬
‫لــوال إقدامــي علــى تجربــة االلتحــاق بالجامعــة‪ .‬ومــن تلــك المعــارف «علــم ّ‬
‫الريــف؛ إذ‬
‫يع ّلمنــا ضــرورة التّعامــل مــع التّعليــم علــى النّحــو نفســه الــذي نتعامــل بــه مــع نزهــة فــي ّ‬
‫ـروى ّ‬
‫وأل نمضــي علــى عجــل‪ ،‬وأن نفتــح عقولنــا مــن أجــل تل ّقــي المؤ ّثــرات مــن‬
‫ينبغــي لنــا أن نتـ ّ‬
‫‪177‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ّ‬
‫كل نــوع‪ ،‬فمثــل هــذه المعرفــة تثــري النّفــوس بفكــر عميــق‪ ..‬وقــد قــال أحــد الحكمــاء «المعرفــة‬
‫قـ ّـوة» أ ّمــا بالنســبة لــي فـ ّ‬
‫ـإن المعرفــة «بهجــة وســعادة» أل ّنــك حيــن تكــون لديــك المعرفــة تصبــح‬
‫ـي وماهــو زائــف‪ ،‬وبيــن ماهــو ســا ٍم وماهــو وضيــع‪ ،‬وحيــن‬
‫ـادرا علــى التّمييــز بيــن ماهــو حقيقـ ّ‬
‫قـ ً‬
‫يكــون المــرء علــى درايــة بأفــكار ومآثــر النّــاس عبــر مختلــف عصــور التّاريــخ ومختلــف المواقــع‬
‫الجغراف ّيــة فإ ّنــه يستشــعر التّعاطــف والقربــى نحــو اإلنســان علــى مـ ّـر القــرون‪ ،‬وعلــى النّقيــض مــن‬
‫بالصمــم تجــاه الحيــاة بأســرها حيــن يفقــد اإلحســاس بـ ّ‬
‫ـأن هنــاك‬
‫ذلــك يكــون المــرء قــد أصيــب ّ‬
‫شــي ًئا ســام ًيا وراء ّ‬
‫كل مايحــاول اإلنســان أن يفعلــه ويســعى إلــى تحقيقــه‪.‬‬
‫‪178‬‬
‫الرأي‬
‫نصوص ّ‬
‫ُ‬
‫‪179‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫‪180‬‬
‫قاالت‬
‫مل‬
‫ا َ‬
‫ُ‬
‫‪181‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫‪182‬‬
‫يأّرلا ُصوصن ‪ -‬الا قَملا‬
‫املقالة‬
‫ُ‬
‫المقالــة هــي قطعــة نثريــة ذات طــول معتــدل‪ ،‬يتنــاول فيهــا الكاتــب بعــض القضايــا الخاصــة أو‬
‫ـوص الـ ّـرأي؛ ألنهــا‬
‫العامــة مــن وجهــة نظــره الخاصــة‪ ،‬ولذلــك تصنّــف المقالــة علــى أنهــا مــن نصـ ُ‬
‫فــي الغالــب تع ّبــر عــن رأي كاتبهــا فــي الموضــوع ا ّلــذي يتناولــه بالكتابــة‪.‬‬
‫وعلــى الرغــم مــن ّ‬
‫ـذورا موغلــة فــي القــدم فــي‬
‫أن المقالــة نــوع حديــث مــن الكتابــة‪ ،‬إال أن لهــا بـ ً‬
‫اآلداب القديمــة؛ إذ يمكــن أن نلتمــس بــذور هــذا الفــن فــي األدب الصينــي القديــم فــي أقــوال‬
‫الحكيــم (كونفوشــيوس)‪ ،‬وفــي األدب اليونانــي فــي كتابــات (ســقراط) و(أفالطــون) و(أرســطو)‪.‬‬
‫أمــا فــي األدب العربــي القديــم فقــد ظهــرت بــذور المقالــة فــي األدب العربــي منــذ القــرن الثانــي‬
‫للهجــرة فــي الرســائل األدبيــة ومــا تحويــه مــن موضوعــات مثــل اإلخوانيــات ومــا تتضمنــه مــن‬
‫مناظــرات ومســامرات وموضوعــات أخــرى تفـ ّـرد بهــا الشــعر كالغــزل والمديــح والهجــاء والفخــر‬
‫والوصــف رغــم األســلوب اإلنشــائي والصنعــة اللفظيــة‪ .‬وتعتبــر رســالة «صفــة اإلمــام العــادل»‬
‫للحســن البصــري التــي كتبهــا إلــى الخليفــة عمــر بــن عبــد العزيــز بطلــب منــه واص ًفــا فيهــا اإلمــام‬
‫(الخليفــة) العــادل مثـ ًـا جيــدً ا علــى المقالــة األخالقيــة الوعظيــة‪.‬‬
‫يقول الحسن البصري‪:‬‬
‫ِ‬
‫اإلمــام ا ْلعـ ِ‬
‫ِِ‬
‫ِ‬
‫ـاد َل ِقـ ّـوا َم ك ُِّل َم ِائـ ِ‬
‫ـاح‬
‫ـل‪َ ،‬و َق ْصــدَ ك ُِّل َجائـ ٍـر‪َ ،‬و َصـ َ‬
‫ـم يــا َأميـ َـر ا ْل ُم ْؤمنيـ َن َأ َّن ال ّلـ َه َج َعـ َـل ِ َ َ َ‬
‫«ا ْع َلـ ْ‬
‫اإلمــام ا ْلع ِ‬
‫ِ‬
‫ِ ٍ‬
‫ادل‪َ -‬يــا َأ ِميـ َـر‬
‫ك ُِّل َفاســد‪َ ،‬و ُقـ َّـو َة ك ُِّل َضعيــف‪َ ،‬ون ََص َفـ َة ك ُِّل َم ْظ ُلــوم‪َ ،‬و َم ْفـ َـز َع ك ُِّل َم ْل ُهــوف‪َ .‬و ِ َ ُ َ‬
‫ِ‬
‫الشـ ِـف ِيق َع َلــى إِب ِلـ ِـه‪ِ ،‬‬
‫ا ْلم ْؤ ِمنِي ـن‪ -‬كَالر ِ‬
‫اعــي َّ‬
‫ـب ا ْل َم ْر َعــى‪َ ،‬و َي ُذو ُد َهــا‬
‫الرفيـ ِـق بِ َهــا ا َّلــذي َي ْر َتــا ُد َل َهــا َأ ْط َيـ َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َعـ ْن َم َراتـ ِع ا ْل َه َل َكــة‪َ ،‬و َي ْحم َيهــا َعـ ِ‬
‫الحـ َّـر َوا ْل َقــر»‪.‬‬
‫السـ َباعِ‪َ ،‬و ُيكن َُّهــا َعـ ْن َأ َذى َ‬
‫ـن ِّ‬
‫وتعتبــر (رســالة عبــد الحميــد الكاتــب) إلــى الك ّتــاب التــي تضــع قواعــد للكتابــة الديوانيــة وألخــاق‬
‫الكاتــب قريبــة الشــبه بالمقالــة النقديــة الحديثــة‪ .‬ورســالة (ســهل بــن هــارون) إلــى بنــي عمــه فــي‬
‫مــدح البخــل وذم اإلســراف مثــال علــى المقالــة الفكاهيــة‪ .‬ورســالة (الصحابــة) البــن المقفــع مقالــة‬
‫فــي سياســة الدولــة وإدارتهــا‪ .‬ورســائل (الجاحــظ) وكتبــه نمــوذج حــي علــى المقالــة فــي األدب‬
‫القديــم‪ .‬ورســائل (أبــي حيــان التوحيــدي) وفصــول مقابســاته‪ ،‬وكتابــه (اإلمتــاع والمؤانســة) نموذج‬
‫‪183‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫للمقــاالت الفلســفية التأمليــة والهجائيــة‪.‬‬
‫يقــول أبــو حيــان التوحيــدي فــي كتابــه اإلمتــاع والمؤانســة فــي حــوار بينــه وبيــن الوزيــر بــن ســعدان‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الر ُج َ‬
‫حــول الوزيــر الصاحــب بــن عبــاد ومــا ُيقــال فــي ذمــه‪ّ :‬‬
‫ــر‬
‫َثيــر ْ‬
‫المحفــوظ‪ ،‬حاض ُ‬
‫ــل ك ُ‬
‫«إن َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الجـ ِ‬
‫لم ـ ْن ُي ْلقيــه كأنَمــا ُهـ َـو ِش ـ ْع ٌر ِقيـ َـل‬
‫ـواب‪َ ،‬فصيـ ُ‬
‫َ‬
‫ـم ُي ْعطيــه َ‬
‫َفســه بش ـ ْع ٍر ُثـ ّ‬
‫ـح اللســان‪ . . .‬إ ّن ـ ُه َي ْمــدَ ُح ن َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ـج مــن َع ْقـ ٍ‬
‫وح ْمــق»‪.‬‬
‫اإلســراف‪ُ ،‬‬
‫ـل ُ‬
‫وهـ َـو َمزيـ ٌ‬
‫فيــه م ـ ْن ســواه‪َ ،‬ف ُهـ َـو ُمحـ ٌّ‬
‫ـب لل َّثنــاء لدَ َر َجــة ْ‬
‫كل هــذه األمثلــة محــاوالت يمكــن أن تــدرج تحــت أدب المقالــة‪ .‬محــاوالت يمكــن أن تــدرج‬
‫تحــت أدب المقالــة‪.‬‬
‫أ ّمــا المقالــة فــي العصــر الحديــث فقــد ارتبطــت بظهــور الصحافــة‪ ،‬ونشــأت فــي حضنهــا‪ ،‬وقــد ذكــر‬
‫محمــود نجــم للمقالــة أربعــة أطــوار‪ ،‬هــي‪:‬‬
‫الطــور األول‪ :‬يضــم ُكتَّــاب الصحــف الرســمية‪ ،‬مثــل رفاعــة رافــع الطهطــاوي‪ ،‬وميخائيــل عبــد‬
‫الســيد‪ ،‬وعبــد ال ّلــه أبــو الســعود‪ ،‬ومحمــد أنســي‪ ،‬وتمتــدّ ح ّتــى الثــورة العرابية‪ .‬وقــد نشــروا مقاالتهم‬
‫فــي «الوقائــع المصريــة» و«وادي النيــل» و«الوطــن» و«روضــة األخبــار» و«مــرآة الشــرق»‪ ،‬وتناولــوا‬
‫المواضيــع السياســية‪ ،‬وتميــز أســلوبهم بكثــرة اســتخدام المحســنات البديعيــة والزخــرف اللفظــي‪.‬‬
‫الطــور الثانــي‪ :‬تأثــر بنشــأة الحــزب الوطنــي األول‪ ،‬وبــروح الثــورة ا ّلتــي ســبقت الحركــة ال ُعرابيــة‪،‬‬
‫دورا كبيـ ًـرا فــي تطويــر المقالــة‪ .‬مــن أبــرز‬
‫وباألدبــاء الســوريين الذيــن اســتقروا فــي مصــر‪ ،‬ولعبــوا ً‬
‫ُك َّتــاب هــذا الطــور‪ :‬أديــب إســحق‪ ،‬وســليم النقــاش‪ ،‬وســعيد البســتاني‪ ،‬وعبــد ال ّلــه نديــم‪ ،‬ومحمــد‬
‫عبــده‪ ،‬وإبراهيــم المويلحــي‪ ،‬ومحمــد عثمــان جــال‪ ،‬وعبــد الرحمــن الكواكبــي‪ ،‬وبشــارة تقــا‪.‬‬
‫ومــن أهــم الصحــف ا ّلتــي كتبــوا فيهــا نذكــر «األهــرام» و«مصــر» و«الفــاح» و«الحقــوق»‪ ،‬وقــد‬
‫تناولــت مقاالتهــم مواضيــع اجتماعيــة‪ ،‬وقــد تحللــت مــن الصنعــة اللفظيــة‪.‬‬
‫الطــور الثالــث‪ :‬ظهــرت فــي هــذا الطــور مدرســة صحفيــة حديثــة‪ ،‬نشــأت فــي عهــد االحتــال‬
‫االنكليــزي لمصــر‪ ،‬مــن أبــرز روادهــا‪ :‬علــي يوســف‪ ،‬ومصطفــى كامــل‪ ،‬وعبــد العزيــز جاويــش‪،‬‬
‫وولــي الديــن يكــن‪ ،‬وســليم ســركيس‪ ،‬ومحمــد رشــيد رضــا‪ ،‬وخليــل مطــران‪ ،‬وأحمــد لطفــي‬
‫الســيد‪ ،‬كمــا ظهــرت صحــف ناطقــة باســم أحــزاب سياســية‪ ،‬فــكان الزعيــم مصطفــى كامــل الناطــق‬
‫باســم الحــزب الوطنــي ينشــر مقاالتــه فــي جريــدة «اللــواء»‪ ،‬وكان أحمــد لطفــي الســيد يمثــل حــزب‬
‫‪184‬‬
‫يأّرلا ُصوصن ‪ -‬الا قَملا‬
‫األمــة‪ ،‬وينشــر مقاالتــه السياســية والفكريــة فــي جريــدة «الجريــدة»‪.‬‬
‫الطــور الرابــع‪ :‬المدرســة الحديثــة ا ّلتــي تبــدأ بالحــرب العالميــة األولــى وبأحــداث ثــورة ‪1919‬‬
‫المصريــة‪ ،‬وقــد ظهــرت فــي هــذه الفتــرة صحــف تركــت أثرهــا فــي كتابــة المقالــة مثــل جريــدة‬
‫«الســفور» لعبــد الحميــد حمــدي‪ ،‬و«االســتقالل» لمحمــود عزمــي‪ ،‬وقــد شــارك فــي تحريرهــا‬
‫طــه حســين‪ ،‬وجريــدة «السياســة» لمحمــد حســين هيــكل‪ ،‬وكانــت ناطقــة باســم حــزب األحــرار‬
‫الدســتوريين‪ ،‬وجريــدة «البــاغ» لعبــد القــادر حمــزة‪ ،‬وجريــدة «األســبوع» إلبراهيــم عبــد القــادر‬
‫المازنــي‪ ،‬وقــد تناولــت المقالــة فــي هــذا الطــور مواضيــع سياســية‪ ،‬وتميــز أســلوبها بالوضــوح‬
‫والدقــة‪.‬‬
‫وواضــح ّ‬
‫أن هــذه األطــوار تر ّكــز علــى تطــور المقالــة فــي مصــر‪ ،‬وقــد أشــار محمــود نجــم نفســه إلــى‬
‫ّ‬
‫ـورا مــن المقالــة فــي مصــر‪.‬‬
‫أن المقالــة الصحفيــة فــي لبنــان كانــت أســرع تطـ ً‬
‫ومنــذ ذلــك الوقــت قطعــت المقالــة‪ ،‬علــى اختــاف أنواعهــا‪ ،‬شــو ًطا كبيـ ًـرا‪ ،‬فصــار لــكل بلــد ُكتَّابــه‪،‬‬
‫وتنوعــت موضوعــات المقالــة‪ ،‬وقضاياهــا‪ ،‬وتطــورت أســاليبها‪ ،‬وصــارت المقالــة مــن أكثر أشــكال‬
‫ّ‬
‫ـارا‪.‬‬
‫الكتابــة شــيو ًعا وانتشـ ً‬
‫أن لكتابــة المقالــة أصـ ً‬
‫ـك ّ‬
‫وال شـ ّ‬
‫ـول يلتــزم بهــا ال ُك ّتــاب‪ ،‬منهــا‪ :‬تحـ ّـري الدقــة فــي نقــل المعلومــات‪،‬‬
‫والموضوعيــة فــي عــرض وجهــات النظــر‪ ،‬والصــدق والعدالــة‪ ،‬وعــدم التح ّيــز‪ ،‬واللغــة الســليمة‬
‫المشــرقة الواضحــة‪.‬‬
‫كمــا ّ‬
‫أن المقالــة قــد تتنـ ّـوع بحســب الغــرض مــن كتابتهــا‪ ،‬فالمقالــة اإلقناعيــة ســتختلف بالتأكيــد عــن‬
‫مقالــة ســردية يحكــي فيهــا الكاتــب عــن موقــف مـ ّـر بــه ليشــير‪ ،‬بعــد ذلــك‪ ،‬إلــى أمــر يــود أن يلفــت‬
‫نظــر القــارئ إليــه؛ ففــي األولــى سيســتخدم الكاتــب األدلــة والحجــج لدعــم وجهــة نظــره التــي يــود‬
‫أن يقنــع الكاتــب بهــا‪ ،‬أمــا فــي الثانيــة فسيســتخدم البنــاء القصصــي‪ ،‬وهكــذا‪.‬‬
‫وعلــى الرغــم مــن التنـ ّـوع الالنهائــي لمضاميــن المقــاالت وطرائــق عرضهــا‪ ،‬إال ّ‬
‫أن األصالــة تعــدّ‬
‫شــر ًطا أساس ـ ًّيا مــن شــروط المقالــة الناجحــة‪ ،‬ونعنــي باألصالــة أن تعكــس المقالــة روح كاتبهــا‪،‬‬
‫وفكــره‪ ،‬فهــي ليســت حشــدً ا مــن المعلومــات‪ ،‬وليســت نقـ ًـا حرف ًّيــا للوقائــع‪ ،‬بــل هــي وجهــة نظــر‬
‫خاصــة‪ ،‬تســتحق أن تُقــرأ‪ ،‬وقــد نالــت هــذا االســتحقاق مــن مصداقيــة كاتبهــا‪ ،‬ونزاهتــه‪ ،‬وثقافتــه‪.‬‬
‫‪185‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ِ‬
‫الس َأ ِم‬
‫االست‬
‫رهان َّ‬
‫ُ‬
‫هتار ب ُ‬
‫ُ‬
‫سالمة موسى‬
‫َنخـ ِـد ُع بِرؤيـ ِـة بعـ ِ‬
‫ـض النّـ ِ‬
‫ـان حالِهــم يقـ ُ‬
‫رون‪ ،‬ولسـ ُ‬
‫ـون و َيسـتَهتِ َ‬
‫ـاس َيلهـ َ‬
‫كثيـ ًـرا مــا ن َ‬
‫ُ‬
‫«نعيش اليــو َم ألنَّنا‬
‫ـول‪:‬‬
‫ف إذا كنّــا سـنَحيا فــي ال َغـ ِـد»‪ .‬وا ّلــذي يخدَ عنــا فــي هـ ِ‬
‫ـؤالء النّـ ِ‬
‫ـاس أنَّنــا نعتقــدُ أنَّهــم ســعدا ُء قــد‬
‫ال نعـ ِـر ُ‬
‫ُ‬
‫أن نَحيــا فــي مســر ٍ‬
‫أن األســلوب األم َثـ َـل لِلحيـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـاة ُهــو ْ‬
‫َقروا علــى َّ‬
‫ات‬
‫َ‬
‫َ ّ‬
‫ح ّلــوا مشــكل َة الوجــود‪ ،‬واس ـت ّ‬
‫ٍ‬
‫ـوت‪ .‬ولكنَّنــا عندمــا نتأ َّمـ ُـل حا َلهــم ونتحــدَّ ُ‬
‫ث إليهــم نَجــدُ أنَّهــم‬
‫ـرب‪ ،‬وغــدً ا نَمـ ُ‬
‫ُمتوال َيــة نــأك ُُل ونَشـ ُ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ـئموا الحيــا َة َوضاقــوا بهــا إ ْذ ال َي ِجـ َ‬
‫وهــم‬
‫ـدون أ َّيـ َة َدال َلــة َلهــا‪ُ ،‬‬
‫فــي َغمــرة مـ َن التَّشــاؤ ِم ُ‬
‫والحــزن‪َ ،‬قــد َسـ ُ‬
‫ات الرخيصـ ِـة ا ّلتــي تُســري َعنهــم تَفاه ـ َة هـ ِ‬
‫ـزن َعمــدوا إلــى المســر ِ‬
‫ِ‬
‫ـذه‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫َّ َ‬
‫السـ َـأ ُم ُ‬
‫َ ّ‬
‫َ ّ‬
‫والحـ ُ َ‬
‫ُك ّلمــا َشــم َل ُه ُم َّ‬
‫الحيـ ِ‬
‫ـاة ا ّلتــي يح ّيونَهــا‪ ،‬واســتِهتارهم بِاألخـ ِ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـراب أو ال َّطعــا ِم‪ ،‬إنَّمــا يعــو ُد ُّ‬
‫ـاق‪ ،‬وإقبا َلهــم علــى ّ‬
‫كل‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـك إلــى ِ ِ‬
‫ذلـ َ‬
‫والسـ ُـم ِّو‪ ،‬وإلــى‬
‫أنفسـ ُـهم إلــى المقــا ِم ا ّلــذي ُيشــع ُر ُهم بِالكرا َمــة ُّ‬
‫عجزهــم عــن أن َيرفعــوا َ‬
‫إن ُخلــو الحيـ ِ‬
‫أن يــؤدوا َعمـ ًـا أو يقومــوا بِنَشـ ٍ‬
‫َع ِ ِ‬
‫ـاط يجعـ ُـل لِحياتِهــم َداللـ ًة‪َّ .‬‬
‫ـاة مـ َن الدَّ ال َلـ ِـة‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫جزهــم َعــن ْ ُ ّ‬
‫ِ‬
‫السـ َ‬
‫ـش؟ ومتــى َسـ َ‬
‫ـاب َيتَســا َء ُل‪ :‬لِمــاذا أعيـ ُ‬
‫ُهــو ا ّلــذي َيجعـ ُـل ّ‬
‫ـواب‬
‫الجـ َ‬
‫ـم َي ِجــد َ‬
‫الشـ َّ‬
‫ـؤال ولـ ْ‬
‫ـأل هــذا ُّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ ٍ‬
‫ّ‬
‫ـم َي ُعــدْ َي ِجــدُ‬
‫ـب َ‬
‫ـافي َفإ َّن ـ ُه عندئــذ َيس ـتَهت ُر‪ ،‬بـ ْـل ُهــو َقــد َيرتَكـ ُ‬
‫ـم األخالق َّي ـ َة ال َبش ـ َع َة أل َّن ـ ُه لـ ْ‬
‫الجرائـ َ‬
‫الشـ َ‬
‫والشـ ِ‬
‫ـرف‪ ،‬وال نقـ ُ‬
‫الدَّ ال َلـ َة فــي االســتقا َم ِة َّ‬
‫ـول العظمـ َة والمجــدَ ‪.‬‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـي‪ ،‬نُش ـ ِّيدَ ‪ ،‬نــؤ ّد َي م ـ َن العمـ ِ‬
‫ـل مــا نــرى‬
‫كيـ َ‬
‫ـئ‪ ،‬نَبنـ َ‬
‫ـف إذن نوجــدُ الدَّ الل ـ َة لحياتنــا؟ نوجدُ هــا بــأن نُنشـ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫المسـ َ‬
‫ـتقبل ُجــز ٌء ِمـ َن الحاضـ ِـر؛ َّ‬
‫ـس َّ‬
‫ألن هــذا العمـ َـل َسـ َي َّط ِر ُد‬
‫نَتائ َجـ ُه تَنمــو أمــا َم أع ُيننــا فنَفـ َـر َح ونُحـ َّ‬
‫أن ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫المســتق َب ِل‪ .‬نَبنــي َأن ُف َســنا‪ ،‬نَبنــي َشــخص َّيتَنا‪ ،‬أو نَبنــي‬
‫الســني َن القاد َم ـ َة‪ْ ،‬‬
‫أي فــي هــذا ُ‬
‫فــي نمـ ِّـوه فــي ِّ‬
‫ِ‬
‫ـعرنا بِتَطو ِرنــا وارتِ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫قائنــا َو ِعندَ ِئـ ٍـذ‬
‫ُّ‬
‫َغ َيرنــا بِالتَّرب َيــة والتَّثقيــف‪ .‬وتَجــري َعمل ّيـ ُة البِنــاء يو ًمــا بعــدَ يــو ٍم َفتُشـ ُ‬
‫نَجــدُ الدَّ ال َلـ َة‪ ،‬وهــي‪ :‬مشـ ِ‬
‫للشـ ِ‬
‫ـباب‪ .‬أنــا َأحيــا َلنَّنــي َأرتَقــي‪َ ،‬و َّ‬
‫ـاع ُل ال َّطريـ ِـق َّ‬
‫ألن لِنَفســي امتِــدا ًدا فــي‬
‫َ َ َ‬
‫ـاج إلــى َأن َأقـ َ‬
‫ـوت‪َّ .‬‬
‫إن‬
‫ـول‪ :‬لِنَــأك ُْل َونشـ َـر ْب َوغــدً ا نمـ ُ‬
‫المس ـتَق َب ِل َيج َع ُلنــي َأتفــا َء ُل و َأفـ َـر ُح‪ ،‬فــا َأحتـ ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫بالمس ـت ِ‬
‫الحاضـ َـر ِة‪،‬‬
‫ّفاهـ ِـة فــي حياتِنــا‬
‫َقبل‪َ ،‬ومعنــى الت َ‬
‫هــذه الكلمــات ا ّلتــي تَحمـ ُـل َمعنــى التَّشــاؤ ِم ُ‬
‫ِ‬
‫ومعنــى الركـ ِ‬
‫واالنحـ ِ‬
‫ـات ال ُيمكـ ُن أن تَخ ُطـ َـر بعقـ ِ‬
‫ـل ّ‬
‫ـاب ا ّلــذي َيجــدُ الدَّ ال َلــة‬
‫ـود‬
‫ـال‪ ،‬هــذه الكلمـ ُ‬
‫الشـ ِّ‬
‫ُّ‬
‫َ َ‬
‫لِحياتِـ ِـه؛ أل َّن ـ ُه َيتَطـ َّـو ُر َو َيرتَقــي‪َ ،‬و ِل َّن ـ ُه َيبنــي َشــخص َّي َت ُه‪.‬‬
‫و ِمـن األخطـ ِ‬
‫ـاء ِ‬
‫الفاد َحـ ِـة َظـ ُّن الكثيريـ َن ِمـ َن النّـ ِ‬
‫الشـ ّب َ‬
‫ـاس َّ‬
‫أن ُّ‬
‫المسـتَهتِري َن أك َثـ ُـر اســتِمتا ًعا بِحياتِ ِهــم‪،‬‬
‫َ َ‬
‫ان ُ‬
‫*)جريدة البيان‪ 15 :‬نوفمبر ‪.2015‬‬
‫‪186‬‬
‫يأّرلا ُصوصن ‪ -‬الا قَملا‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الشـب ِ‬
‫ان الجا ّديـ َن‪.‬‬
‫وا ْن كانــوا َأقـ َّـل انتفا ًعــا مـ َن ُّ ّ‬
‫ِ‬
‫نشـ ُـأ هــذا ِ‬
‫الم ْس ـتَهتِ َر َيعيـ ُ‬
‫الخــدا ِع أنَّنــا َنــرى ّ‬
‫َو َم َ‬
‫ـهوات الدُّ نيــا‪،‬‬
‫ـع َشـ‬
‫ـش فــي ال َّلهـ ِـو‪َ ،‬ي ْسـ َـه ُر َويتّبِـ ُ‬
‫الشـ َّ‬
‫ـاب ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـس فــي التَّدخيـ ِ‬
‫ـب فــي ك َْسـ ٍ‬
‫ـاج إلــى الــدَّ ِ‬
‫رس‬
‫ـب‪َ ،‬وال ُيـ َـؤ ّدي خد َم ـ ًة تَحتـ ُ‬
‫الس ـك ِْر‪َ ،‬وال َيت َعـ ُ‬
‫َو َين َغمـ ُ‬
‫ـن أو ُّ‬
‫الواجبـ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـاز ٌئ بالمسـتَق َب ِل‪ ،‬ال ُيبالــي بِ ِ‬
‫ـك ِمــن ُهمــو ِم الدُّ نيــا هـ ِ‬
‫ضاحـ ٌ‬
‫ـات االجتِماع َّيـ ِـة أو‬
‫وهــو‬
‫والجهــد‪ُ ،‬‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ـب‪ ،‬يجهــدُ ويعــر ُق وي َف ِّكــر كَثيــرا‪ ،‬وي ِ‬
‫ـخصي‪َ .‬و َنــرى َأ َّن ّ‬
‫ـي َّ‬
‫حمـ ُـل أعبــا ًء‬
‫الشـ‬
‫ً ََ‬
‫الشـ َّ‬
‫ـاب الجــا َّد فــي تَعـ ٍ َ َ َ َ َ َ ُ ُ‬
‫ِّ‬
‫الرقـ ِّ‬
‫ُّ‬
‫ات الماديـ ِـة والروحيـ ِـة‪ ،‬وهــو رزي ـن فــي حديثِــه‪ِ،‬‬
‫ـات‪ ،‬ويض َط ِلــع بالمســؤولي ِ‬
‫ِم ـن الهمــو ِم واالهتِمامـ ِ‬
‫َ‬
‫ُ َ ٌ‬
‫ّ َّ‬
‫َّ‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫َ ُ‬
‫ُ َ ْ‬
‫ِِ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ـار ُه فــي َط َلـ ِ‬
‫ـب الـ ّـر ِز ِق أو تَرق َيـ ِـة َشــخص َّيتِه‬
‫َيقتَصــدُ فــي كَلماتــه وابتســاماته‪َ ،‬ينــا ُم لي َلــه‪َ ،‬ويســعى نَهـ َ‬
‫بِالــدّ ِ‬
‫رس‪.‬‬
‫أن األو َل ســعيدٌ باســتِ ِ ِ‬
‫ـن االثنيـ ِ ِ‬
‫والمقار َنـ ُة بيـ َن هذيـ ِ‬
‫ـقي بِجــدِّ ِه‪ ،‬ولكـ َّن هــذا‬
‫هتاره‪ ،‬وال ّثانــي َشـ ٌّ‬
‫ـن توه ُمنــا َّ َّ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َخ َطـ ٌـأ فـ ِ‬
‫ـاد ٌح؛ َّ‬
‫ـتمتاعات ّ‬
‫ـتمتاعات ّ‬
‫ـاب‬
‫ـتوى أعلــى مــن اسـ‬
‫ألن اسـ‬
‫الشـ ِّ‬
‫ـاب الجــا ِّد ت َْســري علــى مسـ ً‬
‫الشـ ِّ‬
‫حيــن تَن َقطِــع اســتِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫متاعات‬
‫المســتق َب ِل‪ ،‬فــي‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫الســني َن فــي ُ‬
‫المســتَهت ِر‪ ،‬كمــا أنَّهــا تَمتَــدُّ إلــى َع َشــرات ِّ‬
‫ُ‬
‫ـغ األَر َبعي ـ َن أو َ‬
‫المس ـتَهتِ ِر َقبـ َـل َأن َيب ُلـ َ‬
‫ّ‬
‫الخمســي َن‪.‬‬
‫الشـ ِّ‬
‫ـاب ُ‬
‫ـاة تَنتَظِــره فــي النِّصـ ِ‬
‫إن المس ـتَهتِر يحيــا بِــا حيـ ٍ‬
‫ـف ال ّثانــي ِمــن ُع ُمـ ِـر ِه‪ ،‬فــي حيـ ِ‬
‫ـن َيحيــا الجــا ُّد َحيا َت ـ ُه‬
‫ُُ‬
‫َ‬
‫َ َ‬
‫َّ ُ‬
‫الخمســين بِــا اهتِمامـ ٍ‬
‫ِ ِ‬
‫ـاألو ُل ‪ِ -‬‬
‫ـف ِعنــدَ األَر َبعيـ َن أو َ‬
‫ـات‬
‫المسـتَهتِ ُر ‪َ -‬ي ِقـ ُ‬
‫َ‬
‫ُك َّلهــا إلــى يــو ِم وفاتــه‪ ،‬فـ َّ‬
‫أي ُ‬
‫ـب األَحيـ ِ‬
‫روح َّيـ ٍـة أو َثقاف َّيـ ٍـة أو َفن َّيـ ٍـة أو اجتِماع َّيـ ٍـة‪َ ،‬وبِــا ِرســا َل ٍة‪َ ،‬وفــي َأغ َلـ ِ‬
‫ـان بِــا ِص َّحـ ٍـة‪ ،‬أ ّمــا ال ّثانــي‬
‫ـط االرتِقـ ِ‬
‫ِ‬
‫العشــرين أو َق ِبلهــا بِروابِـ ِ‬
‫ـط نفســه منـ ُـذ ِ‬
‫— ِ‬
‫ـاء َّ‬
‫والخد َمـ ِـة‬
‫ـخصي‬
‫الشـ‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫أي الجــا ُّد — فإ ّن ـ ُه ربـ َ َ‬
‫ـاوز ِ‬
‫طالعات ال َّثقافيـ ِـة‪َ ،‬فهــو شــاب ير ُقــص َقلبـه طربــا للحيـ ِ‬
‫ِ‬
‫االجتِماعيـ ِـة واالســتِ‬
‫الم َئـ َة‬
‫ـاة ح ّتــى لــو تَجـ َ‬
‫ٌّ َ ُ ُ ُ َ ً‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫ـن ِمــن ُعمـ ِـر ِه َقــد َتعــدَّ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الســابِ ِع أو ال ّث ِامـ ِ‬
‫دت اهتِماما ُتــه‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫م ـ َن ال ُع ُمـ ِـر‪ .‬كثيـ ًـرا مــا أجــدُ َر ُجـ ًـا فــي ال َعقــد ّ‬
‫أخـ َـذ ِ‬
‫الجــدِّ َو َلــم َيسـتَهتِر‪ ،‬فــي حيـ ِ‬
‫أخـ َـذ حيا َتــه ُمنـ ُـذ شــبابِ ِه َم َ‬
‫ـك اســتِمتاعا ُت ُه؛ أل َّنـ ُه َ‬
‫َفتَوا َفـ َـرت َلـ ُه بِذلِـ َ‬
‫ـن‬
‫ـكادون َيب ُلغـ َ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫أن أولئـ َ‬
‫الســتي َن ِم ـ َن ال ُع ُمـ ِـر َح ّتــى ُي ِح ّســوا الحيـ َـر َة‬
‫المس ـتَهتِري َن أ ّيــا َم َشــبابِ ِهم ال َيـ‬
‫ـون ِّ‬
‫ـك ُ‬
‫ـاب اس ـتَمتِع بِ ِ‬
‫َوح ّتــى يتَســاءلوا فــي َعجـ ٍ‬
‫ـب‪ :‬لِمــاذا ُهــم أحيــا ٌء؟ أ ُّيهــا ّ‬
‫الجــدِّ الباقــي‪ ،‬وال تَس ـتَمتِع‬
‫الشـ ُّ‬
‫الز ِائـ ِ‬
‫ـل‪.‬‬
‫بِال َّلهـ ِـو ّ‬
‫‪187‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ً‬
‫صرعة‬
‫نريدها عاد ًة ال‬
‫ُ‬
‫رمكي‬
‫الد‬
‫ُ‬
‫ُّ‬
‫بن حاسومٍ َّ‬
‫عوض ُ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫بقاعــدة كَوني ٍ‬
‫ٍ‬
‫ــر‪َّ ،‬‬
‫ثابتــة َّ‬
‫َأو ُّد ْ‬
‫ابــت الوحيــدَ فــي‬
‫ــة‬
‫أن أبــد َأ حديثــي‬
‫وأن ال ّث َ‬
‫ّ‬
‫«أن ك َُّل شــيء َيتغ َّي ُ‬
‫الخليقـ ِـة ســينتهي إلــى هـ ِ‬
‫الحـ ِ‬
‫ـدوث هـ َـو التَّغ ُّيـ ُـر»‪ ،‬و َم ـ ْن َس ـ َب َر أحـ َ‬
‫ـخ ُمنْـ ُـذ َبــدْ ِء َ‬
‫ـداث التّاريـ ِ‬
‫ـذه‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ـي َّ‬
‫فمـ ْن‬
‫ـار ُع مـ َ‬
‫الحقيقــة مـ ْ‬
‫ـع الوقــت تســار ًعا ُمرع ًبــا‪َ ،‬‬
‫أن وتيــر َة التَّغ ُّيـ ِـر تَتسـ َ‬
‫همــة وهـ َ‬
‫ـع إضافــة ُم َّ‬
‫ـود ِه‪ ،‬وم ـن نــام علــى أمجـ ِ‬
‫ـظ علــى وجـ ِ‬
‫ـار ِع حا َفـ َ‬
‫ـع ذلـ َ‬
‫ـف‬
‫ـاد الماضــي وتَو َّقـ َ‬
‫تَك َّيـ َ‬
‫ـف مـ ْ‬
‫َ ْ َ‬
‫ـك التَّسـ ُ‬
‫للخ ْلـ ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫عـ ِ‬
‫ـار ا ّلــذي ال يعــو ُد َ‬
‫ـف إطال ًقــا!‬
‫ـن الحركــة أو تَحـ َّـر َك ولك ـ ْن َبوتيــرة أبطـ َـأ فا َت ـ ُه القطـ ُ‬
‫يرجــح عــدَ د كبيــر ِم ـن العلمـ ِ‬
‫ـاء َّ‬
‫العهــدُ‬
‫الســني َن‪ ،‬وهـ َـو ْ‬
‫الح َجـ َّ‬
‫العصـ َـر َ‬
‫أن ْ‬
‫ٌ َ‬
‫ٌ‬
‫ُ ِّ ُ‬
‫ـتمر ماليي ـ َن ِّ‬
‫ـري اسـ َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـت فيــه َ‬
‫ـي‬
‫ا ّلــذي كانـ ْ‬
‫العصـ ُـر البرونـ ُّ‬
‫ـم َتــا ُه ْ‬
‫ـتمر أل َفـ ْ‬
‫ـزي ا ّلــذي اسـ َّ‬
‫البشــر ّي ُة فــي ق َّمــة ُبدائ َّيتهــا‪ُ ،‬ثـ َّ‬
‫ِ‬
‫ــط‪ ،‬أمــا العصــر التّالــي وهــو الحديــدي ف َلــم ي ِ‬
‫ٍ‬
‫كم ِ‬
‫كانــت‬
‫ــف ســن ٍَة‪ ،‬وهكــذا‬
‫ــل األ ْل َ‬
‫ْ ُ‬
‫ُّ‬
‫َ‬
‫ْ ُ‬
‫ســنَة ف َق ْ ّ‬
‫الزم ـن فــي س ـع ِيها لحيـ ٍ‬
‫َ‬
‫ـاة أفضـ َـل‪.‬‬
‫َ ْ‬
‫البشــر َّي ُة تُســابِ ُق َّ َ‬
‫ولئ ـن كانـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـات النَّوع ّي ـ ُة َقـ ِـد اعتَمــدَ ْت فــي القدي ـ ِم علــى تجـ ِ‬
‫ـار ِ‬
‫ـح والخطــأ»‪،‬‬
‫ـت النِّ ْقـ ُ‬
‫«الصـ ِّ‬
‫ب َّ‬
‫ْ‬
‫ـإن التَّع ُّلــم والقــراء َة ســاهما ‪-‬الح ًقــا‪ -‬فــي إحـ ِ‬
‫المحـ ِ‬
‫ـار واختــرا ِع ِ‬
‫واكتشـ ِ‬
‫ـاف النّـ ِ‬
‫ـراث‪ ،‬فـ َّ‬
‫ـداث‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وأضح ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫َق َف ٍ‬
‫البش ِ‬
‫أســلحة َ‬
‫ــق‬
‫ــم‬
‫ــت‬
‫هائلــة فــي‬
‫ــزات‬
‫ــر وأو َث َ‬
‫ُ‬
‫مســيرة المدن ّيــة‪َ ْ ،‬‬
‫المعلومــات أع َظ َ‬
‫َ‬
‫دعائ ـ ِم بِنـ ِ‬
‫ـاء المســتق َب ِل‪.‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫لجامعــة كاليفورنيــا بيركلــي َّ‬
‫ــهيرة ‪ُ UC Berkeley‬قــدِّ َر ْت فيهــا‬
‫الش‬
‫ــت دراســ ٌة‬
‫رج ْ‬
‫ق ْب َــل ُمــدَّ ة َخ َ‬
‫بخمســة «إيكســابايت»‪ ،‬وهــو مــا ي ِ‬
‫ِ‬
‫علومــات المنتَج ِ‬
‫ِ‬
‫عــاد ُل ســبع ًة‬
‫ــة عــا َم ‪2002‬‬
‫الم‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ُ َ‬
‫ــم َ‬
‫َح ْج ُ‬
‫ِ‬
‫الكونغــرس األميركي ِ‬
‫ِ‬
‫ُســخة إلكتروني ٍ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ــة‪ .‬وق ْب َ‬
‫ــل ْ‬
‫َســتصغ َر‬
‫أن ت‬
‫مكتبــة‬
‫ــة ِمــ ْن‬
‫ــف ن‬
‫وثالثيــ َن أ ْل َ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الر ْقــم ال بــدَّ ِم ـن اإلشـ ِ‬
‫أن عــدَ َد الكُتـ ِ‬
‫ـارة إلــى َّ‬
‫ـب فــي تلـ َ‬
‫ـك المكتبـ ِـة يزيــدُ علــى ســبع َة عشـ َـر‬
‫َ‬
‫َّ َ ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـون كتـ ٍ‬
‫َّواصـ ِ‬
‫كان ق ْبـ َـل َثــورة وسـ ِ‬
‫الحج ـ ِم الكبيـ ِـر م ـ َن المعلومــات َ‬
‫ِمليـ َ‬
‫ـل‬
‫ـاب‪ ،‬ك ُُّل هــذا‬
‫ـائل الت ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ـت شــرك ُة هيولــت باكيــرد‬
‫ـم قا َمـ ْ‬
‫ـي كـــ «فيســبوك» و«تويتــر» و«يوتيــوب» وأمثالهــا‪ُ .‬ثـ َّ‬
‫االجتماعـ ِّ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫أي ب ْعــدَ أرب ـ ِع‬
‫إنتاجهــا عــا َم ‪ْ ،2020‬‬
‫المتو َّق ـ ِع ُ‬
‫‪ HP‬بدراســة ُقــدِّ َر ْت فيهــا ْ‬
‫ـم المعلومــات ُ‬
‫حجـ ُ‬
‫ســنوات‪ ،‬ب ُقراب ِ‬
‫ٍ‬
‫ُ‬
‫ــف «إيكســابايت»‪،‬‬
‫ــة خمســي َن «زيتابايتــس»‪،‬‬
‫الزيتابايتــس ُيســاوي أ ْل َ‬
‫حيــث ّ‬
‫َ‬
‫حاسـ ٍ‬
‫ـك بآلـ ٍـة ِ‬
‫أن ت ِ‬
‫بم ْقـ ِ‬
‫ـدور َك هنــا ْ‬
‫ُمسـ َ‬
‫ـم الهائـ َـل!‬
‫ف هــذا‬
‫ـبة لتَعـ ِـر َ‬
‫ْ‬
‫الحجـ َ‬
‫َ‬
‫*) جريدة البيان‪ 29 ،‬ديسمبر ‪.2015‬‬
‫‪188‬‬
‫يأّرلا ُصوصن ‪ -‬الا قَملا‬
‫ـاطة‪ :‬ح ّتــى نَتي َّق ـن أ َّن ـه ال بــدَّ لنــا ِم ـن التَّحــر ِك بسـ ٍ‬
‫ـذه األُمــور؟ ببسـ ٍ‬
‫لمــاذا أذ ُكــر هـ ِ‬
‫ـرعة عاليـ ٍـة‬
‫َ‬
‫َ ُ ُ‬
‫َ َ‬
‫ُّ ُ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫و« ُمتسـ ِ‬
‫إن َأر ْدنــا ْ‬
‫ـع ُمتغ ِّيــرات العا َلـ ِم مـ ْن علــو ٍم وت ْقن ّيــات ونَزعــات‪ْ ،‬‬
‫أن نَبقــى‬
‫ـارعة» للتَّوا ُفـ ِـق مـ ْ‬
‫دومــا فــي السـ ِ‬
‫ـباق ِض ْمـ َن ُد َو ِل الن ُّْخبـ ِـة‪ ،‬كمــا تؤ ِّكــدُ ذلـ َ‬
‫ـم‬
‫الرشــيدةُ‪ ،‬و َأ َحــدُ َأ َهـ ِّ‬
‫ـك دو ًمــا قيادتُنــا َّ‬
‫ِّ‬
‫ً‬
‫طارئــة‪ٍ.‬‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫كص ْرعــة ِ‬
‫الســرعة تلـ َ‬
‫ـك «القــراءةُ» كعــا َدة ثابتــة ال َ‬
‫ُمحـ ِّـركات ُّ‬
‫ـاءة ال ُقــدُ ِ‬
‫ـط الدَّ ولـ ِـة كثيــرا لعــدَ ِم كفـ ِ‬
‫ِ‬
‫فم ـن ِ‬
‫دون َش ـ ْع ٍ‬
‫ب ن َِه ـ ٍم للتَّع ُّل ـ ِم الدّ ائ ـ ِم س ـتُعاني ُخ َطـ ُ‬
‫رات‬
‫ً َ‬
‫ْ‬
‫البشــري ِة للوفـ ِ‬
‫ـداف المرسـ ِ‬
‫وكبـ ِـر األهـ ِ‬
‫وع َظـ ِم ال ُّطمـ ِ ِ‬
‫ـاء بحجـ ِم التَّحــدي ِ‬
‫ـومة‪ ،‬وهــا نحـ ُن فــي‬
‫ـوح َ‬
‫ْ‬
‫َ ّ‬
‫ـات الدَّ ِ‬
‫ـرة للحكومـ ِـة ومؤسسـ ِ‬
‫رات الكثيـ ِ‬
‫ـراءة‪ ،‬ور ْغــم المبــاد ِ‬
‫ـس ِمـن عــا ِم القـ ِ‬
‫الشـ ِ‬
‫َّ‬
‫ولة‪،‬‬
‫َ َ ُ َ‬
‫ـهر الخامـ ِ ْ‬
‫َّ‬
‫ـوح‪ ،‬ال َّلــوم هنــا علــى النّـ ِ ِ‬
‫ـج ح ّتــى َ‬
‫ـظ َّ‬
‫الحـ َ‬
‫ّإل َّ‬
‫اآلن َأ َقـ ُّـل ِم ـ َن ال ُّطمـ ِ‬
‫ـهم‬
‫أن النّاتـ َ‬
‫الم َ‬
‫ـاس أن ُفسـ ْ‬
‫ْ ُ‬
‫أن ُ‬
‫ـاج إليـ ِـه هـ َـو المبــا َدر ُة ّ‬
‫ـس‬
‫ـي نتحـ َّـر َك‪ ،‬وليـ َ‬
‫الذات ّي ـ ُة‪ ،‬وليـ َ‬
‫فمــا نحتـ ُ‬
‫دائمــا ل َكـ ْ‬
‫ـار «الــدّ ّز» ً‬
‫ـس انتظـ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫بِدْ ًعــا ِم ـ َن ال َقـ ِ‬
‫الموا َطنَ ـ َة الح َّق ـ َة تَسـ ِ‬
‫ـول َّ‬
‫ـاس‬
‫َّوجــه واإلحسـ َ‬
‫ـاح هــذا الت ُّ‬
‫ـتلز ُم منّــا جمي ًعــا إنجـ َ‬
‫أن ُ‬
‫ـل ترجمـ ِـة رؤيـ ِـة القيـ ِ‬
‫ـادة فــي هــذا الجانـ ِ‬
‫ـب إلــى واقـ ٍع ُمعـ ٍ‬
‫بـ«ح ْر َقـ ٍـة» فِعل ّيـ ٍـة ِمـ ْن َأ ْجـ ِ‬
‫ـاش‪.‬‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـك ا ّلتــي تُحـ ِ‬
‫َّ‬
‫تحضـ ِـر‪ ،‬وتلـ َ‬
‫ـاو ُل‬
‫الم ِّ‬
‫إن القــراء َة ركيــز ُة الع ْل ـ ِم‪ ،‬وعليهــا تُراه ـ ُن شـ ُ‬
‫ـعوب العا َل ـ ِم ُ‬
‫ــة ‪ IPA‬قــدَّ ر ِ‬
‫ّاشــرين الدَّ ولي ِ‬
‫مــة الن ِ‬
‫ــة لمن َّظ ِ‬
‫ٍ‬
‫ــة‪ ،‬ففــي ِ‬
‫الوصــول إلــى عا َلــ ِم الن ُّْخب ِ‬
‫آخ ِ‬
‫َ‬
‫ت‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ــر إحصائ ّي ُ‬
‫اإلنفــاق الســنَوي علــى ِش ِ‬
‫ِ‬
‫ُتــب بمبلــ ِغ ٍ‬
‫ــراء الك ِ‬
‫ليــار يــورو تُم ِّث ُ‬
‫الســ َّت َة‬
‫مئــة وأربعــ َة‬
‫َّ‬
‫ــل ِّ‬
‫عشــر م َ‬
‫َ‬
‫َ َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫اليابــان‪ ،‬فرنســا‪ ،‬بريطانيــا) نِســ َب ًة ‪ِ %60‬مــ ْن‬
‫الصيــ َن‪ ،‬ألمانيــا‪،‬‬
‫المتَّحــدةَ‪َّ ،‬‬
‫بــار (الواليــات ُ‬
‫الك َ‬
‫ـات المتَّحـ ِ‬
‫ـب فــي الواليـ ِ‬
‫ـك اإلنفـ ِ‬
‫ـغ صافــي العوائـ ِـد ل َبيـ ِع الكُتـ ِ‬
‫ـاق‪ ،‬وب َلـ َ‬
‫ذلـ َ‬
‫ـدة عــا َم ‪ 2013‬أكثـ َـر‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـار يــورو‪ ،‬وبقيمـ ٍـة ســوق ّي ٍة تُقـ ِ‬
‫ـارا‪.‬‬
‫ـار ُب ســبع ًة وعشــري َن مليـ ً‬
‫م ـ ْن تســع َة عشـ َـر مليـ َ‬
‫ـاو ُز ثالثمئـ ٍـة وأربعـ َة ِ‬
‫ِ‬
‫آالف ُعنـ ٍ‬
‫ـوان فــي السـ ِ‬
‫ـب الجديــد ُة تُجـ ِ‬
‫ـوق‬
‫وفــي عــا ِم ‪ 2014‬كانــت الكُتـ ُ‬
‫ّ‬
‫ـرة ِ‬
‫تصـ ْـل إلــى َعشـ ِ‬
‫ـط‪ ،‬بينمــا أعلــى دولـ ٍـة عربيـ ٍـة وهــي ِمصــر َلــم ِ‬
‫آالف كتـ ٍ‬
‫األميرك ّيـ ِـة ف َقـ ْ‬
‫ـاب فــي‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫َ ْ ُ ْ‬
‫ِ‬
‫آخـ ِـر إحصائ ّيـ ٍـة لهــا!‬
‫ال بــأس هنــا إِ ْن َلــم َن ُكـن نُنتِــج حجمــا مســاويا ِمـن المعرفـ ِـة فنحـن فــي مرحلـ ِـة بِنـ ِ‬
‫ـاء ال ُقــدُ ِ‬
‫رات‪،‬‬
‫َ ُ‬
‫ُ‬
‫ً َ‬
‫ْ ُ‬
‫ً‬
‫ْ‬
‫ـات مختصـ ٌة بترجمــةِ‬
‫ِ‬
‫ـي للغا َيــة‪ ،‬بـ ِ‬
‫أن تَكـ َ‬
‫ـم حال ًّيــا ْ‬
‫وذلـ َ‬
‫ـون لدينــا‬
‫مؤسسـ ٌ‬
‫ـك ْ‬
‫َّ‬
‫وضـ ٌ‬
‫ّ‬
‫المهـ ُّ‬
‫ـل ُ‬
‫ـع طبيعـ ٌّ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫المعـ ِ ِ‬
‫ـم‪.‬‬
‫ـارف العالم ّيــة الحديثــة َلر ْفــد البلــد بآخـ ِـر مــا َّ‬
‫توصـ َـل إليــه الع ْلـ ُ‬
‫ـات ال تُسـ ِ‬
‫ف والعلــوم وليــس ترجم ـ َة روايـ ٍ‬
‫ـول المعـ ِ‬
‫ـم ُن وال تُغنــي ِم ـ ْن جــو ٍع أو ك ُتـ ٍ‬
‫َأقـ ُ‬
‫ـب‬
‫ـار َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫‪189‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ِ‬
‫ذات موضوعـ ٍ‬
‫ِ‬
‫ف لمــاذا ت ِ‬
‫اإلدارة َّ‬
‫أن ‪%90‬‬
‫ـت أصـ ًـا‪ ،‬وقــدْ تع َّل ْمنــا فــي‬
‫ـات ضباب ّيـ ٍـة ال تَعـ ِـر ُ‬
‫ُرج َمـ ْ‬
‫ـج‪ ،‬وعليـ ِـه ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫فمـ ْن َأ ْجـ ِ‬
‫أن نكـ َ‬
‫ـل ْ‬
‫المن َتـ ِ‬
‫ِمـ ْن نجـ ِ‬
‫ـون أهـ ًـا‬
‫أي مشــرو ٍع تجـ ٍّ‬
‫ـاح ِّ‬
‫ـاري َيعتمــدُ علــى َجــودة ُ‬
‫ـن المســتقب ِل وأكْفيــاء لتحدّ يـ ِ‬
‫ل ُطموحـ ِ‬
‫ـات و َطـ ِ‬
‫ـات ال َغـ ِـد وتق ُّلباتِـ ِـه ال ُبــدَّ ْ‬
‫أن َي ِصـ َـل الفــر ُد منّــا إلــى‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫درجـ ٍـة ال تَقـ ُّـل ْ‬
‫ـي‬
‫ـي أو األلمانـ ِّ‬
‫ـي أو اليابانـ ِّ‬
‫ـم َتـ ِـز ْد علــى ُقــدرات ومعــارف نظيـ ِـره األميركـ ِّ‬
‫إن َلـ ْ‬
‫ٍ‬
‫لتضييــق الهــو ِة المعرفي ِ‬
‫جديــد َّ‬
‫َقــع علــى‬
‫ــة ‪ ،Knowledge Gap‬هنــا ُأعيــدُ ِمــ ْن‬
‫أن المســؤول ّي َة ت ُ‬
‫ّ‬
‫ِ ُ َّ‬
‫الفــر ِد ن ْف ِسـ ِـه فــي المقــا ِم األو ِل وهــو م ـن ي ِجــب عليـ ِـه ْ ِ‬
‫ـادر بالتَّع ُّل ـ ِم الم ِ‬
‫ـل كواجـ ٍ‬
‫تواصـ ِ‬
‫ـب‬
‫َ َ ْ َ ُ‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫أن ُيبـ َ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫أن يكـ َ‬
‫ـي ق ْبـ َـل ْ‬
‫ـون تطويـ ًـرا للـ ّـذات‪.‬‬
‫وطنـ ٍّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫كــم أتمنّــى ْ‬
‫كبــار المســؤولي َن واألكاديم ّييــ َن واإلعالم ّييــ َن‬
‫المجتمــ ِع ِمــ ْن‬
‫ــدوات‬
‫أن أرى ُق‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫مون فِعـ ًـا فــي بِنـ ِ‬
‫كة فــي الفعاليــاتِ‬
‫ـادات‪ ،‬ال بالمشــار ِ‬
‫ـذه العـ ِ‬
‫ـاء هـ ِ‬
‫والرياض ّييـ َن والفنّانيـ َن‪ُ ،‬يسـ ِـه َ‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ـاب بص َفــة دائمــة وتص ُّفحــه فــي أماكـ ِ‬
‫ـل كتـ ٍ‬
‫والخ َطـ ِ‬
‫بحمـ ِ‬
‫ُ‬
‫ـوس العا ّمــة‪َ .‬دعونــي‬
‫ـن الجلـ ُ‬
‫ـب ولكـ ْن ْ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ـل كتـ ٍ‬
‫حمـ ِ‬
‫ف لذلـ َ‬
‫ـض‬
‫ـاب‪ ،‬وال َأعـ ِـر ُ‬
‫ـك ســب ًبا‪ ،‬والب ْعـ ُ‬
‫أقو ُلهــا بصراحــة‪ :‬الكثيـ ُـر « َي َ‬
‫خجـ ُـل» م ـ ْن ْ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫بتســم وهــو ي ِ‬
‫ي ِ‬
‫ـك بِنَ ْظـ َـر ٍة‪ْ ،‬‬
‫«يعمـ ُـر ِم َ‬
‫دواخ ـ ُه» وير ُم ُقـ َ‬
‫مسـ ُ‬
‫ـت كتا ًبــا‪،‬‬
‫حم ْلـ َ‬
‫َ ُ‬
‫َ‬
‫إن َ‬
‫ـك ب َطـ َـرف شيشــة أو ِّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الصــدْ ِع ال َغ ِ‬
‫كبيــر فــي َر ْأ ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫و«تجميــل»‬
‫َرســيخ‬
‫ريــب بت‬
‫لذلــك‬
‫ب هــذا َّ‬
‫ور ٌ‬
‫ســيكون لل ُقــدوات َد ٌ‬
‫ـادة القـ ِ‬
‫عـ ِ‬
‫ـراءة فــي األماكـ ِ‬
‫ـن العا ّمـ ِـة‪.‬‬
‫ِِ‬
‫ـي للكتـ ِ‬
‫حملي ـ َن بأكيـ ٍ‬
‫ـاس‬
‫ـاب‪ ،‬وســيعو ُد غالب ّي ـ ُة ُر ّواده ُم َّ‬
‫س ـ ُيخ َتت َُم غــدً ا معـ ِـر ُض أبوظبــي الدَّ ولـ ُّ‬
‫ـب والم ِ‬
‫ـب إلــى المنـ ِ ِ‬
‫ـاب الكُتـ ِ‬
‫مليئـ ٍـة بالكُتـ ِ‬
‫ـي تكـ َ‬
‫راجـعِ‪ ،‬ك ُُّل مــا نتمنّــا ُه ّأل يكـ َ‬
‫ـون‬
‫ـون ذهـ ُ‬
‫ـازل لكـ ْ‬
‫َ‬
‫قطع ـ َة ديكـ ٍ‬
‫ـور ال أكثـ َـر‪ ،‬ومــا نرجــو ُه أكثـ َـر ّأل نَنســى القــراء َة بمجـ َّـر ِد نهايـ ِـة هــذا العــا ِم‪ .‬نح ـ ُن‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ِِ‬
‫ِ‬
‫َترسـ ُ‬
‫ـس أمـ ًـرا‬
‫ـح ُجــز ًءا م ـ ْن حيــاة اإلنســان اليوم ّيــة‪ ،‬وليـ َ‬
‫ـخ لتُصبِـ َ‬
‫نَناشــدُ بِنــا َء عــادات جديــدة ت َّ‬
‫رة ُثــم تنتهــي بنهايتِهــا‪ ،‬فم َطــر لمــر ٍة واحـ ٍ‬
‫رة المبــاد ِ‬
‫عار ًضــا َتــم لمســاي ِ‬
‫ِ‬
‫ـدة ال ُيخـ ِـر ُج حصــا ًدا كمــا‬
‫َ‬
‫َّ ُ َ‬
‫ٌ َّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫الحمـ ِـر‪ ،‬وليســت كيف َّي ـ ُة بدايتِنــا للسـ ِ‬
‫ـغ األهم ّيـ ِـة بـ ِ‬
‫تقـ ُ‬
‫ـباق أمـ ًـرا بالِـ َ‬
‫ـم‬
‫المهـ ُّ‬
‫ـل ُ‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫ـول حكم ـ ُة الهنــود ُ ْ‬
‫السـ َ‬
‫ـباق‪.‬‬
‫ك َُّل األهم ّيـ ِـة هـ َـو كيـ َ‬
‫ـف نُنهــي هــذا ِّ‬
‫‪190‬‬
‫يأّرلا ُصوصن ‪ -‬الا قَملا‬
‫‪1‬‬
‫مل َّ‬
‫ف‬
‫ثق ُ‬
‫احللّاقُ ا ُ‬
‫ياسر حارب‬
‫ِ‬
‫قبـ َـل سـ ٍ‬
‫عمـ ٍ‬
‫ـادف ذلـ َ‬
‫ـك‬
‫ـل إلــى مكتبـ ِـة ســنغافور َة الوطن ّيـ ِـة‪ ،‬وصـ َ‬
‫ـنوات عــدَّ ٍة ذه ْبـ ُ‬
‫ْ‬
‫ـت فــي زيــارة َ‬
‫ـال سلســلةِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـت بِنــا ُمراف َقتُنــا إلــى َأ َحــد َمحـ ِّ‬
‫مناســب ٌة جميلـ ٌة اسـ ُـمها « ســنغافور ُة تقــر ُأ»‪َ .‬ذ َه َبـ ْ‬
‫اليــو َم َ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫فوجدْ نــا مجموعـ ًة مـ ْن كبـ ِ‬
‫ـم شــهيرة‪َ .‬‬
‫ـم‬
‫دخ ْلنــا َ‬
‫السـ ِّن متح ِّلقيـ َن حـ ْـو َل طاولــة‪ ،‬وأما َمهـ ْ‬
‫ـار ِّ‬
‫مطاعـ َ‬
‫الحــوار فاتَّجهنــا إلــى مطعـ ٍم آخــر ِمـن السلسـ ِ‬
‫ـون عنـه‪ .‬انتهــى ِ‬
‫ـلة ن ْف ِســها‪،‬‬
‫َ ْ‬
‫ـاب كانــوا يتحدَّ ثـ َ ُ‬
‫كتـ ٌ‬
‫َ َ ّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫هم فــي الخـ ِ‬
‫ـارج‪،‬‬
‫وجدْ نــا أكثـ َـر م ـ ْن عشــري َن سـ َ‬
‫وكانــت المفاجــأةُ؛ َ‬
‫ـائق أجــرة َأو َقفــوا س ـ ّيارات ْ‬
‫ـاعة ي ِ‬
‫ٍ‬
‫ناقشـ َ‬
‫ـون كتا ًبــا!‬
‫وج َلســوا لسـ ُ‬
‫ِ‬
‫وفــي ك ُِّل عــا ٍم ت ِ‬
‫للقــراءة‪ ،‬وتُحــدِّ ُد مجموعــ ًة ِمــ َن الك ِ‬
‫ُتــب ا ّلتــي‬
‫ُعلــ ُن المكتبــ ُة الوطن ّيــ ُة يو ًمــا‬
‫بتوفيرهــا ب ُل ِ‬
‫ب األربــعِ‪ُ .‬ثــم ت ِ‬
‫ِ‬
‫الشــ ْع ِ‬
‫غــات َّ‬
‫ــق المكتبــ ُة‬
‫ّــاس بقراءتِهــا‪ ،‬وتقــو ُم‬
‫ُطل ُ‬
‫ــح الن َ‬
‫َنص ُ‬
‫ت َ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ـع أند َيـ ِـة الكُتـ ِ‬
‫ـب فــي المدينـ ِـة ووسـ ِ‬
‫والمطاع ـ ِم‬
‫ـائل اإلعــا ِم‬
‫َحمــات تَرويج ّي ـ ًة‪ ،‬بالتَّعــاون مـ ْ‬
‫ـب‪ ،‬والمشـ ِ‬
‫ـاس علــى قـ ِ‬
‫ـك الكُتـ ِ‬
‫والمراكـ ِـز التِّجار ّيـ ِـة‪ ،‬لتَشــجي ِع النّـ ِ‬
‫والمحـ ِّ‬
‫ـراءة تلـ َ‬
‫ـاركة فــي‬
‫ـال َ‬
‫ِ‬
‫ـم فــي ذلـ َ‬
‫ـك اليــو ِم‪.‬‬
‫مناقشــتها مـ َ‬
‫ـع ُزمالئهـ ْ‬
‫ِ‬
‫ـات المتَّحـ ِ‬
‫وفــي كثيـ ٍـر ِمـن الواليـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـدة وبعـ ِ‬
‫مناســب ٌة ســنو ّي ٌة اسـ ُـمها‬
‫المــدُ ن األســترال ّية َ‬
‫َ‬
‫توجــدُ َ‬
‫ـض ُ‬
‫ـاب واحــدٌ »‪ ،‬حيـ ُ‬
‫ـار المكتب ـ ُة العا ّم ـ ُة فــي ك ُِّل مدينـ ٍـة كتا ًبــا واحــدً ا‪،‬‬
‫«مدين ـ ٌة واحــدةٌ‪ ،‬كتـ ٌ‬
‫ـث تَختـ ُ‬
‫ـركات الخاصـ ِـة والجمعيـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـب والمؤسسـ ِ‬
‫ـع َأند َيـ ِـة الكُتـ ِ‬
‫ـات َّ‬
‫ـات‪،‬‬
‫والشـ‬
‫ّ‬
‫َّ‬
‫وتُحــدِّ ُد يو ًمــا لتقــو َم جميـ ُ‬
‫َّ‬
‫ِِ‬
‫بتَشــجي ِع مو َّظفيهــا وأعضائهــا علــى قـ ِ‬
‫ـك الكتـ ِ‬
‫ـراءة ذلـ َ‬
‫المحــدَّ ِد‪ .‬وقــدْ‬
‫ـاب ومنا َقشــته فــي اليــو ِم ُ‬
‫ـأل سـ ٌ‬
‫َيسـ ُ‬
‫ـاب واحــدٌ ف َقـ ْ‬
‫ـدف ِم ـ ْن ذلـ َ‬
‫ـك هـ َـو خ ْلـ ُـق هالـ ٍـة ِم ـ َن االهتمــا ِم‬
‫الهـ ُ‬
‫ـط؟ َ‬
‫ـائل‪ :‬ولمــاذا كتـ ٌ‬
‫ـع بال ُفضـ ِ‬
‫ـك الكتـ ِ‬
‫ـول إلــى حــدِّ ِه األقصــى‪ ،‬ف َيتسـ ُ‬
‫ـاس ع ـ ْن ذلـ َ‬
‫اختار ْت ـ ُه‬
‫ـاب‪ ،‬ولمــاذا‬
‫ـاءل النّـ ُ‬
‫تَد َفـ ُ‬
‫َ‬
‫اقتنائــه وقراء ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫وغيــر َ ِ‬
‫المكتبــ ُة‪ ،‬ومــاذا ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫حيــث‬
‫تــه‪.‬‬
‫هم علــى‬
‫فيــه‪،‬‬
‫ذلــك مــ ْن تســاؤالت ت ِّ‬
‫َ‬
‫ُشــج ُع ْ‬
‫ـاس ِم ـ ْن قائمـ ِـة كُتـ ٍ‬
‫ـار كتـ ٍ‬
‫ـط أكثـ ُـر إثــار ًة للنّـ ِ‬
‫ـاب واحـ ٍـد ف َقـ ْ‬
‫َو َجــدوا َّ‬
‫ـب‪.‬‬
‫أن اختيـ َ‬
‫آل مكتــو ٍم مــع ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫راشــد ِ‬
‫الش ُ‬
‫ــمو َّ‬
‫مئــة شــخص ّي ٍة‬
‫محمــدُ ابــ ُن‬
‫ــع‬
‫ْ‬
‫الس ِّ‬
‫ُ‬
‫اليــو َم َيجتم ُ‬
‫ــيخ َّ‬
‫صاحــب ُّ‬
‫ـل المبــاد ِ‬
‫«خ ْلــو ِة المئـ ِـة» ليف ِّكــر معهــم بصـ ٍ‬
‫ٍ‬
‫ـوت عـ ٍ‬
‫رات واألفـ ِ‬
‫ـال ع ـ ْن أفضـ ِ‬
‫ـكار‬
‫َ‬
‫إمارات ّيــة فــي َ َ‬
‫ْ‬
‫ُ َ‬
‫ـان العــا ِم ‪ 2016‬عــام القـ ِ‬
‫ـراءة‪ ،‬بمناسـ ِ‬
‫أن تُشــجع النّــاس علــى القـ ِ‬
‫ـبة إعـ ِ‬
‫ا ّلتــي ِمـ ْن شــأنِها ْ‬
‫ـراءة‪.‬‬
‫َ‬
‫ِّ َ‬
‫َ‬
‫‪191‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫رســالتي لــرو ِ‬
‫ـي َّ‬
‫اد َ‬
‫أن مجـ َّـر َد التَّفكيـ ِـر فــي تَشــجي ِع‬
‫الخ ْلـ َـو ِة‪ ،‬وللحكومـ ِـة‪ ،‬ولـك ُِّل‬
‫ُ ّ‬
‫المهتميـ َن‪ ،‬هـ َ‬
‫ّ‬
‫ـدف المطلــوب نحتــاج إلــى االحتفــاءِ‬
‫ِ‬
‫النّـ ِ‬
‫عمـ ٌـل نبيـ ٌـل؛ ولكــي نُح ِّقـ َـق الهـ َ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ـاس علــى القــراءة هـ َـو َ‬
‫أكثــر الــدُّ و ِل العربي ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ــم َّ‬
‫توفيــر‬
‫ــة ِح ْر ًصــا علــى‬
‫اإلمــارات ِمــ ْن‬
‫أن‬
‫بالكتــاب‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫ور ْغ َ‬
‫والكاتــب‪َ .‬‬
‫ِمنَصـ ٍ‬
‫ـات لل ُك ّتـ ِ‬
‫اآلن هـ َـو ْ‬
‫ـوب َ‬
‫ـاب والمث َّقفي ـ َن‪ّ ،‬إل ّ‬
‫ـف‬
‫ـع الحكوم ـ ُة ثِ َق َلهــا خ ْلـ َ‬
‫أن َ‬
‫تضـ َ‬
‫أن المطلـ َ‬
‫ّ‬
‫ـرة القـ ِ‬
‫فِكـ ِ‬
‫ـك‪ ،‬ولنبــد ْأ بكتـ ٍ‬
‫ـراءة‪ ،‬فتُحــدِّ َد يو ًمــا ســنو ًّيا لدَ ْف ـ ِع المجتم ـ ِع إلــى ذلـ َ‬
‫ـاب واحـ ٍـد ل ـك ُِّل‬
‫والمكتبــات والمث َّقفيــن واألُد ِ‬
‫بــاء‪ ،‬ال لي ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫فنشــج َع أنديــ َة الك ِ‬
‫عقــدوا مهرجانًــا أو‬
‫ُتــب‬
‫إمــارة؛‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫ـك ‪ -‬بـ ْـل ليحتَفــوا بيــو ِم القـ ِ‬
‫ٍ‬
‫ـراءة فــي األسـ ِ‬
‫ـم أهم ّيـ ِـة ذلـ َ‬
‫ـواق‬
‫َ‬
‫مؤتمـ ًـرا فــي مــكان ُمغ َلـ ٍـق ‪َ -‬ر ْغـ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـاج إلــى ْ‬
‫ـاب إلــى‬
‫والمطــارات‬
‫أن َيتحـ َّـو َل الكتـ ُ‬
‫والمرافـ ِـق العا ّمــة‪ .‬نحتـ ُ‬
‫والمؤسســات ُ‬
‫الحكوم ّيــة َ‬
‫ّ‬
‫ـث المجتم ـ ِع واإلعــا ِم‪ ،‬ويقــدَّ م الكاتِــب المتميـ ُـز فــي المناسـ ِ‬
‫حديـ ِ‬
‫ـبات العا ّمـ ِـة تما ًمــا ِم ْث َلمــا‬
‫ُ ُ ّ‬
‫َ‬
‫ُ َ‬
‫ُ‬
‫ُيقــدَّ ُم رجـ ُ‬
‫السياسـ ِـة واإلعــا ِم‪.‬‬
‫ـال ّ‬
‫بالمناس ِ‬
‫ِ‬
‫ــبة‪ ،‬يوجــدُ فــي ســنغافور َة نــادي ِك ٍ‬
‫ّ‬
‫ســبب‬
‫ُهم عــ ْن‬
‫تــاب‬
‫للحلقيــ َن‪ ،‬وعندمــا ســأ ْلت ْ‬
‫َ‬
‫الحلقي ـن علــى القـ ِ‬
‫ـع النّـ ِ‬
‫إن الحـ ّـا َق ِم ـ ْن أكثـ ِـر النّـ ِ‬
‫ـراءة قيـ َـل لــي َّ‬
‫تشــجي ِع ّ‬
‫ـاس‪،‬‬
‫ـاس حدي ًثــا مـ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫تكــون ثقافتُــ ُه عاليــ ًة‪ُ ،‬ي ِ‬
‫ُ‬
‫بثقافــة المجتَمــعِ‪.‬‬
‫االرتقــاء‬
‫ســه ُم فــي‬
‫وعندمــا‬
‫‪192‬‬
‫يأّرلا ُصوصن ‪ -‬الا قَملا‬
‫‪2‬‬
‫ملاذا ن ُ ِّ‬
‫سنا؟‬
‫ف ُ‬
‫ثق ُ‬
‫أنف َ‬
‫سالمة موسى‬
‫ِ‬
‫ـل المث َّقـ ِ‬
‫الر ُجـ ِ‬
‫ـاس علــى ْ‬
‫ـف ْ‬
‫أن َيتَما َلـ َ‬
‫أن‬
‫ـباب ا ّلتــي تَحمـ ُـل النّـ َ‬
‫ـك ن ْف َسـ ُه وهـ َـو يشـ َـر ُح األسـ َ‬
‫عسـ ُـر علــى َّ‬
‫َي ُ‬
‫ِ‬
‫ـش ِ‬
‫ـن ال َقـ َـذ ِر ِ‬
‫ـم عـ ِ‬
‫أو الت ََّو ُّحـ ِ‬
‫يكونــوا مث َّقفي ـ َن؛ أل َّن ـ ُه فــي هــذا َّ‬
‫أو ال َبهيم ّيـ ِـة‪،‬‬
‫بمثا َبــة َم ـ ْن َي ْز ُج ُرهـ ْ‬
‫الشـ ْـر ِح َ‬
‫أو اإلنســان ّي ِة ِ‬
‫ـم قيم ـ َة النَّظافـ ِـة ِ‬
‫أن نقـ َ‬
‫أو التَّمــدُّ ِن‪ .‬فنَح ـ ُن هنــا فــي حاجـ ٍـة إلــى ْ‬
‫ـول ّ‬
‫ـاب‬
‫ِّ‬
‫للشـ ِّ‬
‫ويوضـ ُ‬
‫ـح َلهـ ْ‬
‫والشـ ِ‬
‫أن نقـ َ‬
‫ـب ْ‬
‫ـب عليـ ِـه ْ‬
‫الم َ‬
‫تخـ ِم بال َفــرا ِغ َّ‬
‫ـول ل َغيـ ِـر ِه‬
‫أن ُيث ِّقـ َ‬
‫فســدَ ‪ ،‬و َي ِجـ ُ‬
‫ـباب إ َّنـ ُه َي ِجـ ُ‬
‫ـف َن ْف َسـ ُه ح ّتــى ال َي ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـاك مـ َن النّـ ِ‬
‫وإن هنـ َ‬
‫هم ُبقـ ً‬
‫ـح ْ‬
‫ـاج إلــى ثقافــة‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫ـول َ‬
‫بشــر ّي ًة؛‬
‫ـاس َمـ ْن َيصـ ُّ‬
‫إن الحيــا َة النّاضجـ َة تحتـ ُ‬
‫أن نُسـ ّـم َي ْ‬
‫ـمات الحيـ ِ‬
‫إ ْذ ليــس لهــم ِمـن ِسـ ِ‬
‫ـم ُف ْجـ ٌـل أو َجرجيـ ٌـر‪ ،‬وسـ َيب َق َ‬
‫ـاة ِســوى النُّمـ ِّـو َ‬
‫ون ن ْفسـ ًّيا‬
‫الخ َلـ ِّ‬
‫ْ ْ‬
‫َ‬
‫ـوي‪ ،‬كأنَّهـ ْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫وإنســان ًّيا فــي عــداد ال ُبقـ ِ‬
‫وأن الحيــا َة الخاويـ َة تُحــد ُ‬
‫ـهم‪َّ ،‬‬
‫ـول إلــى ْ‬
‫ـص‬
‫ث َسـ َـأ ًما ال نتخ َّلـ ُ‬
‫أن ُيث ِّقفــوا أن ُف َسـ ْ‬
‫ـات ِّ ِ‬
‫ـث علــى االهتمامـ ِ‬
‫ـط اآلفـ َ‬
‫َبسـ ُ‬
‫منـ ُه ّإل بال َّثقافـ ِـة ا ّلتــي تَب َعـ ُ‬
‫ـاق‪.‬‬
‫الذهن ّيــة وت ُ‬
‫فحيــا ُة ال َفـ ْـر ِد قصيــر ٌة محــدو َدةٌ‪ ،‬ق َّلمــا تزيــدُ علــى ســبعي َن أو ثمانيـ َن َسـنَ ًة‪ .‬ولكـ َّن حيــا َة النَّو ِع َ‬
‫ـري‬
‫البشـ ِّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـدر ُس الت َ‬
‫ّاريخ‬
‫طويلـ ٌة‪ .‬ونحـ ُن حيـ َن َنــدْ ُر ُس إنّمــا نَن ُقـ ُـل حيــا َة النّــو ِع إلــى حيــاة ال َفـ ْـرد؛ ْ‬
‫أي إنَّنــا عندَ مــا َنـ ُ‬
‫ِ‬
‫ـات الم ِ‬
‫البشــري‪ ،‬وال َّثقافـ َة القائمـ َة فــي عص ِرنــا ِمـن ال َّثقافـ ِ‬
‫تعاق َبـ ِـة فــي ال ُعصـ ِ‬
‫المغزى‬
‫ـور الماضيــة ن َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ َّ‬
‫ـم َ‬
‫َفهـ ُ‬
‫ُ‬
‫ـات ال َّثقافـ ِـة هــي ْ ِ‬
‫ـاة أكثــر ممــا نَفهمـه ِمـن حياتِنــا الخاصـ ِـة‪ .‬وإحــدى غايـ ِ‬
‫ِمـن الحيـ ِ‬
‫ـب الحيــا َة‬
‫أن ُنكْسـ َ‬
‫َّ‬
‫َ ُ ُ ْ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َ ّ‬
‫ـف عـن حيـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـاة الحيـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـوان‪،‬‬
‫َ‬
‫ـس أنّنــا ال نحيــا الحيــا َة ال َبيولوج َّيـ َة ا ّلتــي ال تَختلـ ُ ْ‬
‫أي إنّنــا نُحـ ُّ‬
‫َداللـ ًة و َمغـ ًـزى‪ْ .‬‬
‫الروح ّي ـ َة ا ّلتــي ُنـ ِ‬
‫ـس لنــا ِم ـ ْن معـ ِ‬
‫ف ِســوى مــا َيكْفــي للك َْسـ ِ‬
‫ـادي‪ ،‬بـ ْـل نعيـ ُ‬
‫ـدر ُك‬
‫ـار َ‬
‫ـب المـ ِّ‬
‫ليـ َ‬
‫ـش الحيــا َة ّ‬
‫لسـ ٍ‬
‫منهــا أنّنــا ح ْل َقـ ٌة فــي ِس ِ‬
‫ـلة طويلـ ٍـة ِمـ َن َ‬
‫أغراضهــا وأهدا ُفهــا‪ ،‬وبهــذا نَرتَقــي‬
‫البشــر ّي ِة ا ّلتــي تَتم َّثـ ُـل فينــا‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫أن ِ‬
‫ـتوى عـ ٍ‬
‫ـب ْ‬
‫ـال لــه َل ّذا ُتـ ُه األنيقـ ُة‪ ،‬كمــا َّ‬
‫نواج َههــا‪.‬‬
‫ـاره الكبيــر َة ا ّلتــي َي ِجـ ُ‬
‫إلــى ُمسـ ً‬
‫أن لـ ُه أخطـ َ‬
‫ـارس ِحر َفـ ًة‪ .‬وفــي حـ ِ‬
‫ـم َّ‬
‫ـدود هــذا ال َفـ ِّن‬
‫تخصصيـ َن‪ ،‬نَعـ ِـر ُ‬
‫ُ‬
‫ف فنًّــا ونُمـ ِ ُ‬
‫إن نظــا َم التَّعليـ ِم ُيحي ُلنــا إلــى ُم ِّ‬
‫ُثـ َّ‬
‫ـذه ِ‬
‫وهـ ِ‬
‫الح ْر َفـ ِـة نعيـ ُ‬
‫َ‬
‫َوس ـعٍ‪ ،‬و ُت َك ِّبـ ُـر‬
‫ـش‬
‫المعيش ـ َة المحــدو َدةَ‪ .‬فال َّثقاف ـ ُة هنــا تُحيـ ُـل هــذا التَّضييـ َـق إلــى ت ُّ‬
‫ِ‬
‫َّعصـ ِ‬
‫ـب‪ .‬فن َِجــدُ عندَ ئـ ٍـذ التَّســا ُم َح َ‬
‫ـي‪ ،‬والنَّ َظـ َـر‬
‫ـري بــدَ ًل م ـ َن الت ُّ‬
‫البشـ َّ‬
‫ـب الق ْلـ َ‬
‫ال َع ْقـ َـل‪ ،‬وت َُر ِّحـ ُ‬
‫ـب ال َقومـ ِّ‬
‫ِ‬
‫الض ِّي ِ‬
‫العالــي بــدَ ًل ِمــ َن النَّ َظ ِ‬
‫َّخص ِ‬
‫ــر َس عقيــد ًة فاســد ًة بيــ َن‬
‫ــق‪.‬‬
‫ــر َّ‬
‫وانتشــار الت ُّ‬
‫ــص فــي أ ّيامنــا قــدْ َغ َ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫أن المعـ ِ‬
‫الجمهـ ِ‬
‫ف ‪-‬علو ًمــا وفنو ًنــا وآدا ًبــا‪ -‬ال ُيمك ـ ُن ْ‬
‫ـي َّ‬
‫المتخصصي ـ َن‪،‬‬
‫در َســها غيـ ُـر‬
‫ـار َ‬
‫ِّ‬
‫أن َي ُ‬
‫ـور‪ ،‬هـ َ‬
‫ـس علــى األديـ ِ‬
‫ـس علــى ال َّطبيـ ِ‬
‫ـب ْ‬
‫ف التّاريـ َ‬
‫ـب‬
‫أن َيعـ ِـر َ‬
‫ـخ‪ ،‬وليـ َ‬
‫ـار‪ ،‬وأ َّن ـ ُه ليـ َ‬
‫ك ٌُّل فــي ال َفـ ْـر ِع ا ّلــذي َيختـ ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـس علــى المهنـ ِـد ِ‬
‫ـب ْ‬
‫س ْ‬
‫ْ‬
‫ف ال َفلـ َ‬
‫أن‬
‫أن َيعـ ِـر َ‬
‫ـاع‪ .‬وهــذه عقيــد ٌة ُمخطئ ـ ٌة‪َ ،‬ي ِجـ ُ‬
‫ـدر َس االجتمـ َ‬
‫ـك‪ ،‬وليـ َ‬
‫أن َيـ ُ‬
‫‪193‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ـح ح ّتــى تُمحــى‪.‬‬
‫تُكا َفـ َ‬
‫ِ‬
‫َّخصـ ِ‬
‫ـس هنـ َ‬
‫ـاك شـ ٌ‬
‫والســدو َد‪،‬‬
‫الر ُجـ َـل المث َّقـ َ‬
‫ـف َير ُفـ ُ‬
‫ـض ُ‬
‫ـك فــي ضــرورة الت ُّ‬
‫ليـ َ‬
‫الحــدو َد ُّ‬
‫ـص‪ ،‬ولك ـ َّن َّ‬
‫ـارف؛ أل َّنـه ي ِحــس أ َّنـه محتــاج إليهــا‪ ،‬وأ َّنـه ينمــو باالغتـ ِ‬
‫ويســتبيح لن ْف ِسـ ِـه جميــع المعـ ِ‬
‫ـذاء بِهــا‪ .‬بـ ْـل هـ َـو‬
‫َُ‬
‫ٌ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ُ ُ ُّ ُ ُ‬
‫َ َ‬
‫يتطــور بِهــا‪ ،‬والتَّطــور حـ ٌّـق‪ ،‬بـ ْـل واجــب علــى ك ُِّل إنســان‪ٍ.‬‬
‫ٌ‬
‫ُّ ُ َ‬
‫َّ ُ‬
‫ـوت فــي ِس ـ ِّن‬
‫فنح ـ ُن نث ِّقـ ُ‬
‫ـي َنتَطـ َّـو َر‪ ،‬فــا نَمـ َ‬
‫ـي أذهانَنــا‪ ،‬وكـ ْ‬
‫ـي ُن َك ِّبـ َـر َشــخص َّيتَنا‪ ،‬و ُنن َّمـ َ‬
‫ـف أن ُف َســنا كـ ْ‬
‫الســبعي َن ونح ـ ُن علــى حـ ٍ‬
‫المدرسـ ِـة فــي ِس ـ ِّن العشــري َن ِ‬
‫ـال َثقاف ّيـ ٍـة قـ ِـد اكتســبناها ِم ـ َن الجامعـ ِـة ِ‬
‫أو‬
‫أو َ‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫راســة‪ ،‬ال َت ْفتـ ُـأ تُغ ِّي ُرنــا التَّغ ُّيـ َـر ِّ‬
‫ـي؛‬
‫ـي والنَّ ْفسـ َّ‬
‫الذ ْهنـ َّ‬
‫الخامســة والعشــري َن‪ .‬بـ ْـل َن َظـ ُّـل ُع ُم َرنــا ونَحـ ُن فــي د َ‬
‫ِ‬
‫ـع ِ‬
‫أو ال َفـ ْـر ُد‪ .‬بـ ْـل َّ‬
‫الســعاد َة َّ‬
‫ـاج إلــى‬
‫الشــخص َّي َة تَحتـ ُ‬
‫المجتمـ ُ‬
‫إن َّ‬
‫أل َّن ـ ُه م ـ ْن دون هــذا التَّغييـ ِـر ال َيتطـ َّـو ُر ُ‬
‫ــو والت ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ــم أنــوا ِع‬
‫وأســاس ك ُِّل‬
‫َّطــو ِر‪.‬‬
‫ذلــك َ‬
‫ُ‬
‫َّغييــر والت ُّ‬
‫اإلحســاس بالن ُُّم ِّ‬
‫ــم ا ّلــذي ُي َعــدُّ أع َظ َ‬
‫هــو ال َف ْه ُ‬
‫السـ ِ‬
‫ـعادة‪.‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫عص ُرنــا قــدْ َج َعـ َـل َخ َطـ َـر الحـ ِ‬
‫َّ‬
‫ـتغالل كبيـ ًـرا ِجدًّ ا‪،‬‬
‫ـروب‪ ،‬بـ ْـل َخ َطـ َـر االسـ‬
‫ـي ا ّلــذي َيشـ َـهدُ ُه ْ‬
‫إن التَّقــدُّ َم اآللـ َّ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫الم ِ‬
‫فــا ُيمكـ ُن ْ‬
‫عرفـ ِـة‬
‫َنيرا‪ُ ،‬يم ِّيـ ُـز بيـ َن َ‬
‫أن َنتَّق َي ُهمــا ّإل إذا َجع ْلنــا ك َُّل فـ ْـرد فــي أنحــاء العا َلـ ِم ُمث َّق ًفــا ُمسـت ً‬
‫ـذه االعتِبـ ِ‬
‫رشــدَ ِة والدِّ عايـ ِـة المض ِّللـ ِـة‪ .‬فــإذا أ ْلممنــا بجمي ـ ِع هـ ِ‬
‫الم ِ‬
‫ـارات أمكنَنــا فــي حـ ٍّـق وصـ ٍ‬
‫ـدق ْ‬
‫أن‬
‫َ‬
‫َ ْ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫الذاتــي هــو واجــب دينــي علــى ك ُِّل إنسـ ِ‬
‫ـان لل َع ْيـ ِ‬
‫نقـ َ‬
‫الضمـ ُ‬
‫ـول َّ‬
‫الصالـ ِ‬
‫ـح علــى‬
‫إن التَّثقيـ َ‬
‫ـان؛ أل َّنـ ُه َّ‬
‫ـش ّ‬
‫ٌ‬
‫ـف ّ َّ َ‬
‫ٌّ‬
‫هــذا الكَوكـ ِ‬
‫ـب‪.‬‬
‫‪194‬‬
‫يأّرلا ُصوصن ‪ -‬الا قَملا‬
‫دار اإلنسا ُّ‬
‫ِ‬
‫ِناؤه‬
‫ين َوب‬
‫ُ‬
‫االقت ُ‬
‫*‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫المحــاور الكُبــرى لِ ِع ْلــ ِم النَّ ْف ِ‬
‫ويتكــو ُن‬
‫اإليجابــي‪،‬‬
‫ــس‬
‫االقتــدار‬
‫يشــك ُِّل َمفهــو ُم‬
‫اإلنســاني َأ َحــدَ‬
‫َّ‬
‫ِّ‬
‫ِّ‬
‫ـان وسـ ِ‬
‫ـات علــى مختَلـ ِ‬
‫ـدد ِم ـن المقومـ ِ‬
‫االقتــدار اإلنســاني ِم ـن َعـ ٍ‬
‫ـص اإلنسـ ِ‬
‫ـف ُص ُعـ ِـد َخصائـ ِ‬
‫ـلوك ِه‪،‬‬
‫َ ُ ِّ‬
‫ُّ ْ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ـراب وال ُقصـ ِ‬
‫ـض لحــاالت االض ِّطـ ِ‬
‫ـور وال َع ْجـ ِـز ا ّلتــي‬
‫الوج ـ َه النَّقيـ َ‬
‫وإدارتــه لوجــوده‪ .‬كمــا أ َّن ـ ُه ُيم ِّثـ ُـل َ‬
‫ـدار إحــدى الغايـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـي‪ .‬ويش ـك ُِّل بنــا ُء االقتـ ِ‬
‫ـات ال ُك ْبــرى لِ ِع ْل ـ ِم النَّ ْفـ ِ‬
‫ـم النَّ ْفـ ِ‬
‫ـس‬
‫الم َرضـ ِّ‬
‫ـس َ‬
‫ـم بهــا ع ْلـ ُ‬
‫اهتـ َّ‬
‫اإليجابــي‪.‬‬
‫ِّ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـخص ِ‬
‫ِ‬
‫أو َّ‬
‫الصفـ َة َأ ِو الحالـ َة ِمـ ْن َكـ ْـو ِن َّ‬
‫ـيء قو ًّيــا‪،‬‬
‫الشـ‬
‫المفــرد ُة اإلنجليز َّيـ ُة ‪ِّ :Human Strengths‬‬
‫تعنــي ُ‬
‫ِ‬
‫بمعنــى ال ُقـ ِ‬
‫ـدرة علــى التَّأثيـ ِـر ِ‬
‫َّحمـ ِ‬
‫ـب‬
‫ـل‪ .‬كمــا تعنــي َدرج ـ َة ُقـ َّـوة التَّأثيـ ِـر َأ ِو التَّركيـ ِـز‪ .‬و ُك ُّلهــا ت َُصـ ُّ‬
‫أو الت ُّ‬
‫الالت ا ّلتــي نَسـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـي‪ .‬أ ّمــا َعرب ًّيــا ف َيـ ِـر ُد فــي قامـ ِ‬
‫ـتخد ُمها فــي ِع ْل ـ ِم النَّ ْفـ ِ‬
‫ـوس ( ُمحيـ ُ‬
‫ـط‬
‫فــي الــدَّ‬
‫ـس اإليجابـ ِّ‬
‫ـل اقتــدر بمعنــى جمعـه واســتوعبه و َأمسـ َ ِ‬
‫المحيـ ِ‬
‫أن (اقتــدار) ِمـ َن الفعـ ِ‬
‫ـط) َّ‬
‫ـي القـ َّـو ُة‬
‫َُ‬
‫َ َ َ ُ‬
‫ـك بــه‪ .‬والقــدر ُة هـ َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫علــى َّ‬
‫ـوي عليــه وتم َّكـ َن منـ ُه‪ .‬وهــذا المعنــى الدَّ قيـ ُـق‬
‫ـدر عليــه َأ ْي َقـ َ‬
‫الشــيء والتَّم ُّكـ ُن منـ ُه‪ ،‬ومنهــا اقتـ َ‬
‫ِ‬
‫المقــا ِم‪.‬‬
‫ا ّلــذي نَســتخد ُم ُه فــي هــذا َ‬
‫ف إلــى الحديـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـرد بـ ً ِ‬
‫ـاد صيغـ ِـة المفـ ِ‬
‫ولقــدْ ِم ْلنــا إلــى اعتمـ ِ‬
‫ـث ع ـ ْن‬
‫الج ْم ـعِ؛ ألنَّنــا نهـ ِـد ُ‬
‫َ‬
‫ـدل م ـ ْن صيغــة َ‬
‫ُ‬
‫عمليـ ِـة بنـ ِ‬
‫ـاء حالـ ٍـة كَيانيـ ٍـة لــدى اإلنسـ ِ‬
‫ـودي» فــي ُمقابِ ِل‬
‫ـان ُيمكـ ُن‬
‫تلخيصهــا فــي تَعبيـ ِـر «التَّمكيـ ُن الوجـ ُّ‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫َ َّ‬
‫ـن ُف ِرضــا علــى اإلنسـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـن ال َّل َذ ْيـ ِ‬
‫الم ْز ِمنَ ْيـ ِ‬
‫الم َر َض ْيـ ِ‬
‫والهــدْ ِر ال َّل َذ ْيـ ِ‬
‫ـان وأرغمــا ُه علــى‬
‫القهـ ِـر َ‬
‫ْ‬
‫ـن ُ‬
‫ـن يش ـكِّالن َ‬
‫االنكفـ ِ‬
‫ـاء إلــى حالـ ِـة ال َع ْجـ ِـز واالستســا ِم‪.‬‬
‫ـدار ال ُك ِّلــي لإلنسـ ِ‬
‫ـان قضي ـ ًة م ِلح ـ ًة‪ ،‬إذا ُكنّــا نطمــح إلــى أخـ ِـذ مكانـ ٍـة ِ‬
‫لقــدْ أمســى بنــا ُء االقتـ ِ‬
‫وصناعـ ِـة‬
‫ُ‬
‫َّ ُ َّ‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫ــد السياســي ِة واالقتِصادي ِ‬
‫قانــون ال ُقــو ِة علــى جميــ ِع الصع ِ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ُ‬
‫ــة‬
‫حكمــ ُه‬
‫مصيــر‪ ،‬فــي عالــ ٍم‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫ُّ ُ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫ّ‬
‫راهــن َي ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫نبــع ك ُِّل ال ُقــوى األخــرى‬
‫القــو ُة المعرف َّيــ ُة ا ّلتــي تُشــك ُِّل َم َ‬
‫وال َعســكر َّية والتِّقن َّيــة‪ ،‬و ُي ِّتو ُجهــا جمي ًعــا َّ‬
‫َفرض ـه ِم ـن حـ ِ‬
‫ـدودة‪ ،‬وتحوالتِهــا المتسـ ِ ِ‬
‫ِ‬
‫رتكزهــا؛ فال َعو َلم ـ ُة بتَنا ُفس ـ َّيتِها ّ‬
‫ـاالت‬
‫اللمحـ‬
‫و ُم َ‬
‫ـارعة‪ ،‬ومــا ت ُ ُ ْ‬
‫ُّ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫ـث المســتقب ُل يحمـ ُـل ِمـن المفاجـ ِ‬
‫ٍ‬
‫ـث ُّ‬
‫عــد ِم تأ ُّكـ ٍـد‪ ،‬حيـ ُ‬
‫ـآت أكثـ َـر ِم ّمــا‬
‫َ َ‬
‫َ ُ‬
‫كل شــيء َيتحـ َّـو ُل بِســر َعة‪ ،‬وحيـ ُ ُ‬
‫ِ ٍ‬
‫ِ ِ‬
‫قرار واالســتِ ِ‬
‫ـن االســتِ ِ‬
‫َيحمـ ُـل ِم ـ ْن يقيـ ِ‬
‫مرار‪ ،‬ومــا ُيس ـ ِّي ُر َّ‬
‫ـم َي ُعــدْ فيهــا‬
‫كل َعمل ّياتهــا م ـ ْن قانــون ُقـ َّـوة َلـ ْ‬
‫ِ‬
‫ـباب تَحديــدً ا ُّ‬
‫مـ ٌ‬
‫والمســتكيني َن‪َّ .‬‬
‫وكل شـ ِ‬
‫ـرائح مجتمعاتِنــا ‪ُ -‬عمو ًمــا‪ -‬بِحاجـ ٍـة إلــى‬
‫ـكان ُّ‬
‫الشـ ُ‬
‫للضعفــاء ُ‬
‫لط ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫نوير لِ ِّ‬
‫*) ِم ْن ِ‬
‫قراءات في ِع ْلمِ ال َّن ِ‬
‫ُ‬
‫باعة وال َّنش ِر‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫اإليجابي)‪ ،‬مصطفى‬
‫فس‬
‫الحياة‪:‬‬
‫طاقات‬
‫(إطالق‬
‫كتاب‬
‫ٌ‬
‫ّ‬
‫حجازي‪ ،2012 ،‬ال َّت ُ‬
‫ِّ‬
‫‪195‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫وإطالقهــا وبنـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـترداد نشـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـاء االقتـ ِ‬
‫ـي‪.‬‬
‫ـاط طاقاتِهــا الح َّيـ ِـة‬
‫اسـ‬
‫ـدار ال ُك ّلـ ِّ‬
‫للشــخصي ِة َعــدد ِمـن المقومـ ِ‬
‫ـات يأتــي فــي َّأولهــا ال ّلياقـ ُة ِ‬
‫ولالقتـ ِ‬
‫ـي َّ‬
‫الجســم َّي ُة‪ ،‬تَليهــا الكَفــا َء ُة‬
‫ِّ‬
‫ٌ َ‬
‫َّ‬
‫ـدار ال ُك ّلـ ِّ‬
‫ـف محـ ِ‬
‫المتم ِّثل ـ ُة فــي االقتـ ِ‬
‫ـول هــذا العمـ ِ‬
‫ـخصي ا ّلــذي تَعـ ِـر ُض فصـ ُ‬
‫ـدار َّ‬
‫ـاور ِه‪،‬‬
‫الشـ‬
‫ـل مخ َت َلـ َ‬
‫ِّ‬
‫النَّفس ـ َّي ُة ُ‬
‫المتان ـ َة النَّفس ـ َّي َة وال ُقــدر َة‬
‫الصح ـ ُة النَّفس ـ َّي ُة النَّمائ َّي ـ ُة و ُم ِّ‬
‫مضا ًفــا إليهــا ِّ‬
‫المعروف ـ ُة ا ّلتــي تُو ِّفـ ُـر َ‬
‫قوماتُهــا َ‬
‫ِ‬
‫ـات العو َلمـ ِـة المتزايـ ِ‬
‫ـل مــع تَحديـ ِ‬
‫علــى ِ‬
‫االنفتـ ِ‬
‫للحصانة‬
‫ـدة‪ ،‬ســوا ٌء‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫ـاح علــى العا َلـ ِم‪ ،‬وال َّظ َفـ َـر فــي التَّعا ُمـ ِ َ ْ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وأزماتِهــا‪َ ،‬أم المتـ ِ‬
‫ـوض ِغمـ ِ‬
‫ـدرات خـ ِ‬
‫َحوالتِهــا و ُف َر ِصهــا َغيـ ِـر‬
‫ـاك ُقـ‬
‫ضــدَّ آفاتِهــا وضغوطاتِهــا َ‬
‫ـار ت ُّ‬
‫ْ‬
‫الخــروج ِم ـن الحالـ ِـة ال ُّط َفيليـ ِـة والتَّبعيـ ِـة‪ ،‬وإبـ ِ‬
‫ـداء ال ُقـ ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ـدرة األكبـ ِـر ِم ـ َن ال ّلياقـ ِـة‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫ـب ُ َ َ‬
‫المســبو َقة م ّمــا َيتَط َّلـ ُ‬
‫َ‬
‫التَّكيفيــة‪ِ.‬‬
‫ُّ َّ‬
‫ـل السـ ِ‬
‫ِ‬
‫الضمـ َ‬
‫ابت‬
‫ـان ال ّث َ‬
‫ـاحة فــي َعصـ ِـر ال َعولمـ ِـة‪ ،‬كمــا أ َّن ُه يشـك ُِّل َّ‬
‫ـي َمكانـ َة َبطـ ِ ّ‬
‫المعرفـ ُّ‬
‫ـدار َ‬
‫و َيحتـ ُّـل االقتـ ُ‬
‫ِ‬
‫ـار المنا َفسـ ِـة؛ فقــدْ حـ َّـل االقتــدار المعرفــي محـ َّـل قـ َّـو ِة المـ ِ‬
‫ـوض ِغمـ ِ‬
‫األكيــدَ لخـ ِ‬
‫األول َّيـ ِـة‬
‫ـال والمــوارد َّ‬
‫ُّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وغيرهــا ِمـن ال ُقــوى؛ إ ْذ إ َّنـه هــو ا َّلــذي يشـك ُِّل العنصــر الموجـه لهــا‪ ،‬وصانِــع ِ‬
‫ِ‬
‫جميعهــا‪ .‬إ َّنـ ُه‬
‫فاعل َّيتِهــا‬
‫َ‬
‫ِّ َ‬
‫ُ َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫َّراجـ ِع ِ‬
‫ـوب ِ‬
‫ـل للنُّضـ ِ‬
‫ِ‬
‫المتنامــي وغيـ ُـر القابـ ِ‬
‫حصـ ُـل‬
‫أو االنتِـ‬
‫ـي ُي َّ‬
‫أو الت ُ‬
‫المعرفـ ُّ‬
‫ـدار َ‬
‫ـكاس‪ .‬واالقتـ ُ‬
‫ـدر ُ‬
‫المصـ ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الذات َّي ْيـ ِ‬
‫والجهــد ّ‬
‫ـن‪.‬‬
‫الســماء‪ ،‬وال ُهـ َـو َ‬
‫الجــدارة ُ‬
‫ـب‪ ،‬بـ ْـل َيقــو ُم علــى َ‬
‫يوهـ ُ‬
‫و ُي َصنَّـ ُ‬
‫ـع‪ ،‬فــا هـ َـو َينـ ِـز ُل م ـ َن َّ‬
‫ـال كمــا فــي التِّقنيـ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـاة الم ِ‬
‫ـال واألعمـ ِ‬
‫عاصــر ِة‪ ،‬فــي المـ ِ‬
‫َّ‬
‫ـات‪،‬‬
‫ّ‬
‫السـ ْب ِق فــي ُمخ َت َلــف َمناحــي َ‬
‫إن َق َصـ َ‬
‫َ‬
‫الحيـ ُ‬
‫ـب َّ‬
‫ـدود والقيـ ِ‬
‫يقــوم علــى ُقــو ِة المعرفـ ِـة‪ ،‬أو مــا أســميناه االقتــدار المعرفــي ا َّلــذي يكمـن فــي كَسـ ِـر الحـ ِ‬
‫ـود‬
‫ُ‬
‫َ ُ ُ‬
‫َْ ُ‬
‫ْ‬
‫َّ‬
‫َ َ‬
‫َّ َ‬
‫َ ُ‬
‫ـج والممارسـ ِـة وامتِـ ِ‬
‫ِ‬
‫أمــام انطـ ِ‬
‫ـاق األفـ ِ‬
‫والم َنهـ ِ‬
‫ـاك‬
‫ـاو ِز التَّقليـ ِّ‬
‫ـكار وتَجـ ُ‬
‫ُ َ‬
‫والمألــوف‪ ،‬وفــي النَّ َظـ ِـر َ‬
‫ـدي َ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ـاؤل واألمـ َـل الف ّعـ َ‬
‫ـي والتَّفـ َ‬
‫التِّقن ّيــات‪ .‬وبال َّطبـ ِع فـ َّ‬
‫مكونــات قاعد َّيـ ًة‬
‫ـال تُشـك ُِّل م ًعــا ِّ‬
‫ـإن التَّفكيـ َـر اإليجابـ َّ‬
‫فــي ُممارسـ ِـة االقتِـ ِ‬
‫ـي‪.‬‬
‫المعرفـ ِّ‬
‫ـدار َ‬
‫للشــخصي ِة الجــدار ُة ِ‬
‫ـواز ال ُع ِ‬
‫ـبق علــى االقتِـ ِ‬
‫ـي َّ‬
‫بور‬
‫ـاف إلــى مــا سـ َ‬
‫ويضـ ُ‬
‫المهن َّيـ ُة ا ّلتــي تُشـك ُِّل َجـ َ‬
‫َّ َ‬
‫ـدار ال ُك ّلـ ِّ‬
‫ـال الجـ ِ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـودة والنَّوع َّيـ ِـة والتَّنا ُفـ ِ‬
‫ـس‪.‬‬
‫والمضمــون إلــى ال ُعضو َّيــة االجتماع َّيــة الكاملــة م ـ ْن خـ ِ َ‬
‫األكيــد َ‬
‫ـال بنـ ِ‬
‫ـاء اقتِـ ِ ِ ِ‬
‫ـباب أمــام تَحــدٍّ فِعلــي إلثبـ ِ‬
‫ـات َجدارتـ ِـه ِم ـ ْن خـ ِ‬
‫الشـ ِ‬
‫ُ‬
‫ـيكون جيـ ُـل َّ‬
‫ـي‪ .‬إنَّنــا‬
‫وسـ‬
‫ـداره المهنـ ِّ‬
‫َ‬
‫ٍّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ـدد بنـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـاء الجـ ِ‬
‫بصـ ِ‬
‫والهـ ِ‬
‫ـدر‪َ ،‬أ ْو حال ـ ُة ِرضاعـ ِـة المغانِـ ِم‬
‫ـدارة‪َ ،‬أ ِي الحال ـ ُة النَّقيـ ُ‬
‫ـض تَما ًمــا لحالــة ال َع ْجـ ِـز َ‬
‫َ‬
‫ـال التَّبعيـ ِـة للعصبيـ ِـة والعشـ ِ‬
‫ِم ـ ْن ِخـ ِ‬
‫ـيرة‪.‬‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫الكفــاءة الكلي ِ‬
‫ِ‬
‫ــة‬
‫الخامــس ِمــ َن‬
‫االجتماعــي أو الكفــاء ُة االجتماع َّيــ ُة الركــ َن‬
‫االقتــدار‬
‫ويشــك ُِّل‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫ُّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫َتضمنُ ـ ُه ِم ـ ْن‬
‫ـي‪ ،‬وا َّلتــي‬
‫أصبحـ ْ‬
‫َ‬
‫ـت‪ -‬بمــا ت َّ‬
‫للشــخص َّية ا َّلتــي ُيط َلـ ُـق عليهــا ‪-‬أحيا ًنــا‪ -‬الـ ُّـذكا ُء االجتماعـ ُّ‬
‫‪196‬‬
‫يأّرلا ُصوصن ‪ -‬الا قَملا‬
‫ـارات‪ِ -‬م ـن المؤهـ ِ‬
‫مهـ ٍ‬
‫ـاح فيـ ِـه‪ ،‬فــي َعصـ ِـر األسـ ِ‬
‫ـات األساس ـ َّي ِة لِدخـ ِ‬
‫ـول عا َل ـ ِم العمـ ِ‬
‫ـل والنَّجـ ِ‬
‫ـواق‬
‫َ ُ ِّ‬
‫إن مهـ ِ‬
‫ـارات التَّفا ُعـ ِ‬
‫المفتوحـ ِـة وتَبــا ُد ِل التَّفا ُعـ ِ‬
‫ـل‪َّ .‬‬
‫ـت ِم ـ ْن‬
‫ـي‪ ،‬ك ُّلهــا‬
‫أصبحـ ْ‬
‫َ‬
‫ـل فــي َعصـ ِـر التَّنـ ُّـو ِع ال َّثقافـ ِّ‬
‫َ‬
‫ـدار فــي عصـ ِـر العولمـ ِـة‪ ،‬عالميــا ومحليــا علــى حــدٍّ سـ ٍ‬
‫ـواء؛ فقـ ِـد انتهــى َعصــر الع ْزلــةِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫متط َّلبــات االقتـ‬
‫َ‬
‫ُ ُ‬
‫ًّ‬
‫ًّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫والمجتمعــات َّ ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫غلقــة علــى ذاتِهــا‪َّ ،‬‬
‫العولمــة‬
‫َّعريــف ابــ ُن‬
‫حيــث الت‬
‫هــو ِمــ ْن‬
‫الم‬
‫ُ‬
‫ــباب َ‬
‫والش ُ‬
‫الض ِّيقــة ُ‬
‫ِ‬
‫والل ِعــب األســاس فيهــا‪ ،‬ولــذا فــا بــدَّ ِم ـن تَنميـ ِـة اقتِـ ِ ِ‬
‫ّ‬
‫ـي‪.‬‬
‫ْ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ـداره االجتماعـ ِّ‬
‫للشــخصي ِة بِرســوخِ الهويـ ِـة واالنتِمـ ِ‬
‫ـاء؛ َف ـك ُُّل اقتـ ٍ‬
‫ـات االقتِـ ِ‬
‫ـي َّ‬
‫ـدار وفاعل َّيـ ٍـة‬
‫قومـ ُ‬
‫ُ َّ‬
‫َّ‬
‫َكم ُل ُم ِّ‬
‫ـدار الك ِّلـ ِّ‬
‫وتُس ـت َ‬
‫ِ ِ‬
‫ـار ِ‬
‫ِ‬
‫يندَ رجـ ِ‬
‫ِ ِ‬
‫المشـ ِ‬
‫والهو َّيـ ِـة ال َّل َذ ْيـ ِ‬
‫ـن يتح َّقـ ُـق ُرسـ ُ‬
‫كة فــي‬
‫ـان بِ َّ‬
‫الضــرورة ضمـ َن االنتمــاء ُ‬
‫َ‬
‫ـوخهما بالموا َطنَــة ُ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـي مــا نَصنَ ُعـ ُه بِحياتنــا و َم ِ‬
‫َحمـ ِ‬
‫صيرنــا‪ ،‬ومــا نُقدِّ ُمـ ُه مـ ْن إنجــازات‪،‬‬
‫الوطن َّيــة‪ُ ،‬‬
‫المســؤول َّية َ‬
‫فالهو َّيـ ُة هـ َ‬
‫ـل َ‬
‫ت ُّ‬
‫ـاد األجـ ِ‬
‫وليــس مجــرد التَّغنــي بأمجـ ِ‬
‫ـداد؛ فاألمــم الن ِ‬
‫ّاه َض ـ ُة والرائــد ُة تُحــدِّ ُد ُهو َّيتهــا بمــا ت ِ‬
‫ُنجـ ُـز ِم ـ ْن‬
‫َ ُ َّ َ‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫ـائله‪ِ.‬‬
‫ـباب التَّقــدُّ ِم ووسـ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫إبداعـ ٍ‬
‫ـات‪ ،‬ومــا تقدِّ ُم ـ ُه لإلنســان َّية م ـ ْن أسـ ِ‬
‫أوجـ ِـه اقتـ ِ‬
‫الحصان ـ ُة ُ‬
‫ـدار َّ‬
‫ـت ُم ِل َّح ـ ًة أكثـ َـر ِم ـ ْن‬
‫الشــخص َّي ِة‪ ،‬ولقــدْ‬
‫أصبحـ ْ‬
‫الخ ُلق َّي ـ ُة َأ َحــدَ َ‬
‫َ‬
‫ـم ُ‬
‫وتُش ـك ُِّل َ‬
‫أهـ ِّ‬
‫ـت مضــى مــع مــا حم َل ْتـه العولمـ ُة ِمـن آفـ ٍ‬
‫أي وقـ ٍ‬
‫وأوجـ ٍـه ُمظلمـ ٍـة‪ ،‬فالمناعـ ُة ُ‬
‫الخ ُلق َّيـ ُة ‪َ -‬وحدَ هــا‪-‬‬
‫ـات‬
‫ُ‬
‫ْ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫َ ْ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫أيضــا ال تقــو ُم َحصانــ ٌة ُخ ُلق َّيــ ٌة ّإل‬
‫وهنــا ً‬
‫الحقيق َّيــ َة مــ ْن هــذه اآلفــات‪ُ .‬‬
‫هــي ا َّلتــي تُشــك ُِّل الحمايــ َة َ‬
‫َ‬
‫ـات واإلنجـ ِ‬
‫رات واإلمكانـ ِ‬
‫ـزاز بال ُقــدُ ِ‬
‫ـدار واالعتِـ ِ‬
‫علــى أوجـ ِـه االقتِـ ِ‬
‫ات َمعناهــا‬
‫ـازات ا ّلتــي تُعطــي الـ ّـذ َ‬
‫ِ‬
‫والح ْج ِ‬
‫الح ْظ ِ‬
‫والمنْــ ِع والتَّأثيــ ِم ا ّلتــي تُق ُّيــدُ‬
‫ــر َ‬
‫وقيمتَهــا ومكانَتهــا‪ .‬وال تَقــو ُم علــى اإلفــراط فــي َ‬
‫ــر َ‬
‫َ‬
‫واجــر والــر ِ‬
‫ِ‬
‫والز ِ‬
‫ـح َمعرو ًفــا َّ‬
‫واد َع ال تُشـك ُِّل َحصانـ ًة ُخ ُلق َّيـ ًة؛‬
‫أن التَّخويـ َ‬
‫ـف َّ‬
‫الح َّيـ َة‪ ،‬ف َلقــدْ أص َبـ َ‬
‫ال ّطاقــات َ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫الذاتــي احتِــرام الـ ّـذ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫إ ْذ إنَّهــا ُسـ َ‬
‫ات‬
‫َ‬
‫ـرعان مــا تَتهــاوى أمــا َم تَحد ّيــات اإلغــراءات‪َ ،‬بينَمــا ُيو ِّفـ ُـر التَّمكيـ ُن ّ ُّ‬
‫ِ‬
‫الحصا َنـ ِـة‪.‬‬
‫قومــات َ‬
‫ـم ُم ِّ‬
‫َقديرهــا‪ ،‬وهــذا أهـ ُّ‬
‫وت َ‬
‫ـدار تَزايـ ِـد ُضغـ ِ‬
‫إلحاحــا بمقـ ِ‬
‫ـح بنــا ُء االقتـ ِ‬
‫ـوط ال َعو َلمـ ِـة وتَحدّ ياتِهــا ا َّلتــي تُهدِّ ُدنــا‬
‫ـدار أكثـ َـر‬
‫ً‬
‫لقــدْ أص َبـ َ‬
‫إن ك َُّل مقومـ ِ‬
‫ـات االقتـ ِ‬
‫َأ ْن ندخـ َـل فــي التَّبع َّيـ ِـة‪َّ .‬‬
‫ـدرات تبنــى ِمـ ْن مشــاري ِع صناعـ ِـة‬
‫ـي قـ‬
‫ٌ‬
‫ِّ‬
‫ـاني هـ َ‬
‫ـدار اإلنسـ ِّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الكيـ ِ‬
‫وتعظيمنــا ل ُف َر ِصنــا‪.‬‬
‫جهودنــا‬
‫ـف علــى‬
‫ـان‪ ،‬وبالتّالــي فإنَّهــا تتو َّقـ ُ‬
‫‪197‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ِ‬
‫أي ال ّن ِ‬
‫عادة؟‬
‫الس‬
‫اس‬
‫أسع ُد؟ و َك َ‬
‫حص ُ‬
‫ُّ‬
‫ل على َّ‬
‫َ‬
‫يف َت ُ‬
‫*‬
‫ـح أسـ َعدَ حـ ً‬
‫ـت فيـ ِـه؟ أو لــو أ َّنـ َ‬
‫ـال‪َ ،‬لــو أ َّنـ َ‬
‫ـت ُمض َطـ ًّـرا إلــى‬
‫ـك َلسـ َ‬
‫ـع َذكا ًء ممــا أنـ َ‬
‫ـك كُنـ َ‬
‫ألمـ َ‬
‫هـ ْـل تُصبِـ ُ‬
‫ـت َ‬
‫ف أي ّطبقـ ِ‬
‫ـات النّـ ِ‬
‫الجهــدَ ا ّلــذي ت ُ‬
‫ْ‬
‫أن تَبـ ُـذ َل فــي َع َم ِلـ َ‬
‫ـاس أوفـ َـر َســعاد ًة ِمــن ِســواها؟‬
‫َبذ ُل ـ ُه؟ أتَعـ ِـر ُ ّ‬
‫ـك ُ‬
‫ـات بإجـ ِ‬
‫ومــن العلمـ ِ‬
‫ل َقــدْ عنِيــت نُخب ـ ٌة مــن علمـ ِ‬
‫ـات الجامعـ ِ‬
‫ـاء فــي كُبريـ ِ‬
‫ـس واالجتِمــاعِ‪ِ ،‬‬
‫ـاء النَّفـ ِ‬
‫ـراء‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ُ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ـاث فــي السـ ِ‬
‫أبحـ ٍ‬
‫والمت َعـ ِـة‬
‫ـعادة ِمــن َزوايــا ش ـتّى‪ ،‬فانتَبِهــوا إلــى آراء وأحــكام َج َم َعـ ْ‬
‫ـت بي ـ َن الفائــدَ ة ُ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ـدوك إلــى الســعاد ِة ِمــن َطريـ ٍـق محــدَّ ِد المعالِـ ِم‪ِ ،‬‬
‫َطيعون أن ُيرشـ َ‬
‫َ‬
‫واضـ ِ‬
‫ـح‬
‫ـع أن َُّهــم ال َيسـت‬
‫ّ َ‬
‫وال ّطرا َفــة‪ .‬و َمـ َ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ـك علــى االهتِـ ِ‬
‫َطيعون أن ُيـ َـز ِّو َ‬
‫َ‬
‫ـداء إلــى تِلـ َ‬
‫ـور ٍة‪ ،‬تُعينُـ َ‬
‫ـك‬
‫المســالِ ِك‪َ ،‬غيـ َـر أن َُّهــم َيسـت‬
‫دوك بِنصائـ َ‬
‫ـح و َمشـ َ‬
‫ّ ِ‬
‫األز ِل‪.‬‬
‫المنشــو َد ِة ُمنـ ُـذ َقدي ـ ِم َ‬
‫الضا َلــة َ‬
‫الســعا َد ُة فــي ال َع َمـ ِ‬
‫َفهـ ِ‬
‫ـون أسـ َعدَ حـ ً‬
‫احـ ِـة؟ َهــل تَكـ ُ‬
‫ـال‪َ ،‬لــو أ َّنـ َ‬
‫ـك َلــم تَكـ ْن ُمضطـ ًّـرا إلــى‬
‫الر َ‬
‫ـل أو فــي ّ‬
‫ـل َّ‬
‫أن تَبـ ُـذ َل فــي َع ِ‬
‫ـون أســعدَ حـ ً‬
‫ـك َلــن تَكـ َ‬
‫الجهــدَ ا ّلــذي ت ُ‬
‫ْ‬
‫ـح‪ ،‬أ َّنـ َ‬
‫ملـ َ‬
‫ـت ِمــن‬
‫َبذ ُل ـ ُه؟‬
‫ـال‪َ ،‬فقــد َث َبـ َ‬
‫األرجـ ُ‬
‫َ‬
‫ـك ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الدِّ راسـ ِ‬
‫ـاس أ ْدنــى إلــى ْ‬
‫ـي «جاتســون الدنديــس» َّ‬
‫أن‬
‫ـات ا ّلتــي ْ‬
‫أن النّـ َ‬
‫اض َط َلـ َ‬
‫ـم االجتماعـ ُّ‬
‫ـع بِهــا العالـ ُ‬
‫ـل‪ ،‬وانكبابــا عليـ ِـه‪ِ .‬كمــا د ّلـ ِ‬
‫أشــدَّ ِ‬
‫انهمــاكًا فــي ال َع َمـ ِ‬
‫َيكونــوا أهنَـ َـأ بـ ً‬
‫ـال ِعندَ مــا َيكونـ َ‬
‫ـون َ‬
‫ـتقصاءات‬
‫ـت اسـ‬
‫ٌ‬
‫ً‬
‫عــون إلــى اليــو ِم ا ّلــذي يتــاح َلهــم ِ‬
‫أن َيعت َِزلــوا ال َع َ‬
‫فيــه ْ‬
‫أولئــك ا ّلذيــ َن َيتَط َّل َ‬
‫ُأخــرى َعلــى َّ‬
‫َ‬
‫مــل‪ ،‬ال‬
‫أن‬
‫ُ ُ‬
‫ـل ِعندَ مــا َتتَح َّقـ ُـق َلهــم هـ ِ‬
‫ـون أن ُي ِح ّســوا بِ َخي َبـ ِـة األ َمـ ِ‬
‫أيضــا علــى َّ‬
‫يل َبثـ َ‬
‫ـم‬
‫ـذه األُمنِ َي ـ ُة‪ .‬و َد َّلــت ً‬
‫أن ُمع َظـ َ‬
‫ضاي ُقهــم اإلخــاد إلــى الر ِ‬
‫ِ‬
‫الن ِ‬
‫أكثــر ِم ّمــا ُيســعدُ ُهم‪ .‬و َقــد قا َمــت‬
‫ّ َ‬
‫ُ‬
‫احــة‪َ ،‬‬
‫ــم ال َفــرا ُغ‪ ،‬و ُي ِ ُ ُ‬
‫ّــاس ُيضج ُر ُه ُ‬
‫ِ‬
‫ـان ومـ ٍ‬
‫كل َزمـ ٍ‬
‫أن أســعدَ النّـ ِ‬
‫ـاس فــي ِّ‬
‫األد َّل ـ ُة علــى َّ‬
‫ـكان ُهــم أق ُّل ُهــم َفرا ًغــا‪.‬‬
‫َ‬
‫ـف الســعاد ُة باختـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـس؟ ُّ ِ‬
‫ـاف ِ‬
‫نسـ ِ‬
‫الجنـ ِ‬
‫الرجـ ُ‬
‫ـال أ ِم النِّســا ُء ؟ َقــد تَبــدو‬
‫ـين أســعدُ ‪ِّ :‬‬
‫أي الج َ‬
‫وهــل تَختلـ ُ َّ‬
‫ـب النّفســانِي المعـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـروف «دافيــد‪ .‬هـــ‪ .‬فينــك» م ِ‬
‫ـات ال َّطبيـ ِ‬
‫فاجئ ـ ًة‬
‫ـج ا ّلتــي أس ـ َف َرت َعنهــا ِدراسـ ُ‬
‫النَّتائـ ُ‬
‫ُ‬
‫ّ َ‬
‫ِ‬
‫أن النِّســاء أقــدَ ر ِم ـ َن الرجـ ِ‬
‫َّعاسـ ِـة ِكلت ِ‬
‫ِ‬
‫ـك؛ ف َقــد َد َّلــت علــى َّ‬
‫لـ َ‬
‫َيهمــا‪.‬‬
‫ـال َعلــى اسـ‬
‫الســعا َدة والت َ‬
‫ـتيعاب َّ‬
‫ِّ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ناســب ِمــن مقو ِ‬
‫ــظ م ِ‬
‫حــوث َعلــى َّ‬
‫ٌ‬
‫ــت ُب‬
‫َــت أســ َعدَ‬
‫مــات َحياتِهــا كان ْ‬
‫و َد ّل ْ‬
‫ُ ِّ‬
‫ٌ‬
‫أن المــرأ َة إذا تَوا َف َــر َلهــا َح ٌّ ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـؤس والحـ ِ‬
‫َّعاسـ ِـة وال ُبـ ِ‬
‫الر ُجـ ِ‬
‫ـزن‬
‫ُ‬
‫ـاس‪ ،‬وأنَّهــا إذا أد َبـ َـرت َعنهــا الدُّ نيــا ت َ‬
‫ـل بِمــا ال ُيقـ ُ‬
‫َج ّشـ َـم َت مــن الت َ‬
‫م ـ َن َّ‬
‫أن لِلمـ ِ‬
‫ـذه البحـ ِ‬
‫َجشــمه الرجـ ُـل‪ .‬وقــد أيــدَ ْت نتائــج هـ ِ‬
‫ـت َّ‬
‫ـرأة‬
‫أضعـ َ‬
‫ـات ُأخــرى أث َب َتـ ْ‬
‫ـوث ِدراسـ ٌ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫ـاف مــا َيت َّ ُ ُ َّ ُ‬
‫ـياق وراء العواطِـ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫االنسـ ِ‬
‫الر ُجـ ِ‬
‫ـف‪.‬‬
‫ـل‪ ،‬وأنَّهــا أم َيـ ُـل إلــى‬
‫َ َ‬
‫َمشــاع َر َأر ُّق مــن َمشــاع ِر َّ‬
‫*) مجلة «ساينس دايجست»‬
‫‪198‬‬
‫يأّرلا ُصوصن ‪ -‬الا قَملا‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫كان ُمســتوى َذكائـ ِـه ُمرت َِف ًعــا َيكـ ُ‬
‫أن َمـ ْن َ‬
‫ـح َّ‬
‫َولنَن ُظـ ِـر َ‬
‫ـون‬
‫بالســعا َدة؛ َفهــل َصحيـ ٌ‬
‫اآلن إلــى َعال َقــة الـ َّـذكاء َّ‬
‫يــره؟ اإلجابــ ُة هــي ال؛ ف َقــد أســ َفر ِ‬
‫أســعدَ ِمــن َغ ِ‬
‫حــوث علــى َّ‬
‫ُ‬
‫حيــح‪،‬‬
‫الص‬
‫ت ال ُب‬
‫ُ‬
‫كــس ُهــو َّ‬
‫أن ال َع َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ـات ا ّلتــي أشــر َفت َع َليهــا ِ‬
‫َ‬
‫ـوع‬
‫جام َع ـ ُة «أوهايــو َوســيليان»‬
‫َفالدِّ راسـ ُ‬
‫وكان َطل َبتُهــا أن ُف ُســهم ُهــم َموضـ ُ‬
‫َ‬
‫ـات َذ ٍ‬
‫كاء أعلــى ِم ـن المتَوسـ ِ‬
‫أن ال َّط َلب ـ َة الحائزي ـن َعلــى درجـ ِ‬
‫ـذه الدِّ راسـ ِ‬
‫هـ ِ‬
‫ـات‪َ ،‬د َّلــت َعلــى َّ‬
‫ـط أقـ َّـل‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َ ُ ِّ‬
‫ٍ‬
‫ـك َذهــب ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َوسـ َط ٍة‪ .‬وفــي تَعليـ ِ‬
‫الباحثـ َ‬
‫ـون‬
‫ـل ذلـ َ َ َ‬
‫ـم الحاصليـ َن علــى َد َرجــات َذكاء ُمت ِّ‬
‫ســعا َد ًة مــن ُزمالئ ِهـ ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫صــات‪ ،‬وأد ُّق تَقديــرا فــي و ِ‬
‫إلــى َّ‬
‫زن‬
‫المنَ ِّغ‬
‫ــف‬
‫إحساســا بِمــا َيكتَنِ ُ‬
‫أره ُ‬
‫أن األذكيــا َء َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ــف َ‬
‫ً‬
‫الحيــا َة مــ َن ُ‬
‫ً‬
‫ـت بِهــا كُلي ـ ُة ال ِّطــب بِ ِ‬
‫ـور‪ ،‬وتَدبـ ِـر الع ِ‬
‫واقـ ِ‬
‫جام َعـ ِـة كاليفورنيــا‬
‫ـات ُأخــرى قا َمـ ْ‬
‫ـفت ِدراسـ ٌ‬
‫ـب‪ .‬وك ََشـ ْ‬
‫ِّ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫األمـ ِ َ ُّ‬
‫أن َذوي الـ َّـذ ِ‬
‫والخيبـ ِ‬
‫ـف مــع المضايقـ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـوق المتَوسـ ِ‬
‫كاء َفـ ِ‬
‫ـط َيكونـ َ‬
‫َعــن َّ‬
‫ـات َ‬
‫ـات‬
‫ـون أقـ َّـل اســتعدا ًدا لل َّت َك ُّيـ َ َ ُ َ‬
‫ُ ِّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الشـ ِ‬
‫وشـتّى ألـ ِ‬
‫ـوان َّ‬
‫َ‬
‫ـح ِمــن‬
‫ـدائد ّ‬
‫والضائقــات ا ّلتــي َيل َقونَهــا فــي ُمجريــات َحيات ِهــم ال َيوم َّيــة‪َ .‬وقــد اتَّضـ َ‬
‫أن األذكيــاء أقـ ُّـل ِر ًضــى و َقنا َع ـ ًة بِحظوظِ ِهــم فــي الحيـ ِ‬
‫ـذه الدِّ راسـ ِ‬
‫هـ ِ‬
‫ـات َّ‬
‫ـاة ِمــن أولئـ َ‬
‫ـك ا ّلذي ـ َن ُهــم‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ذلــك‪ -‬إذا ُأصيبــوا باضطِ‬
‫ِ‬
‫حســب‪َ ،‬ب ْ‬
‫َ‬
‫رابــات‬
‫ــل ُهــم ‪-‬إضا َفــ ًة إلــى‬
‫يــس هــذا َف‬
‫ُ‬
‫أ ْدنــى م ُنهــم َذكا ًء‪ .‬و َل َ‬
‫عاطفيــة أو بدنيــة كانــوا أب َطـ َـأ ِمــن هـ ِ‬
‫ـؤالء ِشــفا ًء‪.‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ـاك أمــور ال حصــر َلهــا ي ِ‬
‫ـاس اإلنسـ ِ‬
‫الســعا َد ِة وت ِ‬
‫َأثيرهــا فــي إحسـ ِ‬
‫هنـ َ‬
‫بحـ َ‬
‫مكـ ُن ْ‬
‫ـان‬
‫أن ُي َ‬
‫ُ‬
‫ـث فــي َعال َقتهــا بِ َّ‬
‫ٌ َ َ‬
‫ياض ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫األمــر ِمــن‬
‫َّفــاؤ ِل و َغ ِيرهــا‪ .‬ولكــ ْن إذا َن َظرنــا إلــى‬
‫ــة‪ ،‬والت ُ‬
‫الر َ‬
‫بالرضــا‪َ ،‬‬
‫مار َســة ِّ‬
‫كالجمــال‪ ،‬و ُم َ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫يــر َوســي َلة لل َّظ َف ِ‬
‫ــم الدِّ راســات فــي هــذا‬
‫َم‬
‫الســعا َدة؟ َفــإِ َّن ُمع َظ َ‬
‫ــر بِ َّ‬
‫نظــوره الواســعِ‪ ،‬وتَســا َءلنا مــا َخ ُ‬
‫ـعادة إذا التَمس ـتَها بِالبحـ ِ‬
‫ـبيل إلــى ال َّظ َفـ ِـر بِالسـ ِ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـول‪ :‬إ َّن ـ ُه ال َسـ َ‬
‫ـأن تَقـ ُ‬
‫َّ‬
‫ـث َعنهــا‪َ ،‬وإنَّمــا َســبي ُلك إلــى‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫ن ِ‬
‫ـل فــي ِجــدٍّ و َد ْأ ٍ‬
‫ـك؛ بِــأن تُثابِـ َـر َعلــى ال َع َمـ ِ‬
‫َيلهــا ُهــو ْ‬
‫َلحـ ُـق بِـ َ‬
‫ب‪َ ،‬وال تَدَّ ِخــر ُوس ـ ًعا فــي‬
‫أن تَج َع َلهــا ت َ‬
‫ِ‬
‫ـن مــا فــي مسـت ِ‬
‫أداء ِ‬
‫أحسـ ِ‬
‫َطاع َك‪ْ ،‬‬
‫ـك‪ْ ،‬‬
‫وأن تَعيـ َ‬
‫وأن تَرضــى بِمــا ُهــو فــي َيديـ َ‬
‫ـش َحيا َتـ َ‬
‫واجبـ َ‬
‫ـك‪،‬‬
‫ُ‬
‫ـك َعلــى َ‬
‫وأن ُتـ ِ‬
‫ـك‪ْ ،‬‬
‫ـدر َك إدراكًا َعمي ًقــا أ َّنـ َ‬
‫ـف َعلــى مــا فا َتـ َ‬
‫الســعا َد ِة لِ َغيـ ِـر َك‪ ،‬مــا‬
‫َأسـ َ‬
‫ـك ال تَسـت ُ‬
‫َطيع تَحقيـ َـق َّ‬
‫وال ت َ‬
‫ـوت الهـ ِ‬
‫ـك الصـ ِ‬
‫أن تُصغــي إلــى مشـ ِ‬
‫الســعا َد ِة َعلــى َو ِ‬
‫الضئيـ ِ‬
‫َلــم َت َتـ َ‬
‫ـك‪َ ،‬و ْ‬
‫جهـ َ‬
‫ـل‬
‫ـاد ِئ َّ‬
‫ـورة ذلـ َ َّ‬
‫َ َ‬
‫َ‬
‫ـألْ إشــرا َق ُة َّ‬
‫ِِ‬
‫ِ‬
‫ـل‪ ،‬المنب ِعـ ِ‬
‫الضميـ َـر‪ِ ،‬‬
‫أو ِ‬
‫ـي‪َ ،‬‬
‫الوجـ َ‬
‫أعماقـ َ‬
‫ـدان‪ ،‬أو ُّ‬
‫وأل‬
‫ـث ِمــن‬
‫ـك ا ّلــذي ُيسـ ّـمى َّ‬
‫الجميـ ِ ُ َ‬
‫َ‬
‫ـعور الباطنـ َّ‬
‫الشـ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـك إلــى األمـ ِ‬
‫الروح َّيــة ا َّلتــي ِهــي أدا ُتـ َ‬
‫روتـ َ‬
‫ـور الماد َّيــة‪َ ،‬فتُلهيـ َ‬
‫ف ك َُّل َه ِّمـ َ‬
‫ـك‬
‫تَصـ ِـر َ‬
‫ـك َعــن تَنم َيــة َث َ‬
‫ـك ُّ‬
‫لتَحقيـ ِـق ُطمأنينَـ ِـة ِ‬
‫الفكـ ِـر‪ ،‬وسـ ِ‬
‫وراحـ ِـة البـ ِ‬
‫ـكون النَّفـ ِ‬
‫ـال‪.‬‬
‫ـس‪،‬‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫‪199‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫املعنى السياسي يف العيد‬
‫مصطفى صادق الرافعي‬
‫مت ترشيح هذا النص من قبل الطالبة فاطمة عبدال ّله احمد عبدال ّله اليماحي‬
‫ّ‬
‫مدرسة املاسة للتعليم الثانوي للبنات يف الفجرية‪.‬‬
‫فهمــا جديــدً ا‪ ،‬نتلقاهــا بــه ونأخذهــا مــن‬
‫مــا أشــد حاجتنــا نحــن ‪-‬المســلمين‪ -‬إلــى أن نفهــم أعيادنــا ً‬
‫ناحيتــه‪ ،‬فتجــيء أيا ًمــا ســعيدة عاملــة‪ ،‬تنبــه فينــا أوصافهــا القويــة‪ ،‬وتجــدد نفوســنا بمعانيهــا‪ ،‬ال كمــا‬
‫تجــيء اآلن كالحــة عاطلــة ممســوحة مــن المعنــى‪ ،‬أكبــر عملهــا تجديــد الثيــاب‪ ،‬وتحديــد الفــراغ‪،‬‬
‫وزيــادة ابتســامة علــى النفــاق‪.‬‬
‫فالعيــد إنمــا هــو المعنــى الــذي يكــون فــي اليــوم ال اليــوم نفســه‪ ،‬وكمــا يفهــم النــاس هــذا المعنــى‬
‫يتلقــون هــذا اليــوم؛ وكان العيــد فــي اإلســام هــو عيــد الفكــرة العابــدة‪ ،‬فأصبــح عيــد الفكــرة العابثة؛‬
‫وكانــت عبــادة الفكــرة جمعهــا األمــة فــي إرادة واحــدة علــى حقيقــة عمليــة‪ ،‬فأصبــح عبــث الفكــرة‬
‫جمعهــا األمــة علــى تقليــد بغيــر حقيقــة؛ لــه مظهــر المنفعــة وليــس لــه معناهــا‪.‬‬
‫ليــس العيــد إال إشــعار هــذه األمــة بــأن فيهــا قــوة تغييــر األيــام‪ ،‬ال إشــعارها بــأن األيــام تتغيــر؛ وليــس‬
‫العيــد لألمــة إال يو ًمــا تعــرض فيــه جمــال نظامهــا االجتماعــي‪ ،‬فيكــون يــوم الشــعور الواحــد فــي‬
‫نفــوس الجميــع‪ ،‬والكلمــة الواحــدة فــي ألســنة الجميــع؛ يــوم الشــعور بالقــدرة علــى تغييــر األيــام‪،‬‬
‫ال القــدرة علــى تغييــر الثيــاب‪.‬‬
‫وليــس العيــد إال تعليــم األمــة كيــف تتســع روح الجــوار وتمتــد‪ ،‬حتــى يرجــع البلــد العظيــم وكأنــه‬
‫ألهلــه دار واحــدة يتحقــق فيهــا اإلخــاء بمعنــاه العملــي‪ ،‬وتظهــر فضيلــة اإلخــاص مســتعلنة‬
‫للجميــع‪ ،‬و ُيهــدي النــاس بعضهــم إلــى بعــض هدايــا القلــوب المخلصــة المحبــة؛ وكأنمــا العيــد هــو‬
‫إطــاق روح األســرة الواحــدة فــي األمــة كلهــا‪.‬‬
‫وليــس العيــد إال إبــراز الكتلــة االجتماعيــة لألمــة متميــزة بطابعهــا الشــعبي‪ ،‬مفصولــة مــن األجانــب‪،‬‬
‫البســة مــن عمــل أيديهــا‪ ،‬معلنــة بعيدهــا اســتقاللين فــي وجودهــا وصناعتهــا‪ ،‬ظاهــرة بقوتيــن فــي إيمانها‬
‫وطبيعتهــا‪ ،‬مبتهجــة بفرحيــن فــي دورهــا وأســواقها؛ فــكأن العيــد يــوم يفــرح الشــعب كلــه بخصائصــه‪.‬‬
‫‪200‬‬
‫يأّرلا ُصوصن ‪ -‬الا قَملا‬
‫وليــس العيــد إال التقــاء الكبــار والصغــار فــي معنــى الفــرح بالحيــاة الناجحــة المتقدمــة فــي طريقهــا‪،‬‬
‫وتــرك الصغــار يلقــون درســهم الطبيعــي فــي حماســة الفــرح والبهجــة‪ ،‬ويع ِّلمــون كبارهــم كيــف‬
‫بصرونهــم كيــف ينبغــي أن‬
‫توضــع المعانــي فــي بعــض األلفــاظ التــي َف َر َغـ ْ‬
‫ـت عندهــم مــن معانيهــا‪ ،‬و ُي ّ‬
‫تعمــل الصفــات اإلنســانية فــي الجمــوع عمــل الحليــف لحليفــه‪ ،‬ال عمــل المنابــذ لمنابــذه؛ فالعيــد‬
‫يــوم تســلط العنصــر الحــي علــى نفســية الشــعب‪.‬‬
‫وليــس العيــد إال تعليــم األمــة كيــف توجــه بقوتهــا حركــة الزمــن إلــى معنــى واحــد كلمــا شــاءت؛‬
‫فقــد وضــع لهــا الديــن هــذه القاعــدة لتُخـ ِّـرج عليهــا األمثلــة‪ ،‬فتجعــل للوطــن عيــدً ا مال ًّيــا اقتصاد ًّيــا‬
‫تبتســم فيــه الدراهــم بعضهــا إلــى بعــض‪ ،‬وتختــرع للصناعــة عيدهــا‪ ،‬وتوجــد للعلــم عيــده‪ ،‬وتبتــدع‬
‫للفــن مجا َلــي زينتــه‪.‬‬
‫هــذه المعانــي السياســية القويــة هــي التــي مــن أجلهــا ُفــرض العيــد ميرا ًثــا دهر ًّيــا فــي اإلســام‪،‬‬
‫ليســتخرج أهــل كل زمــن مــن معانــي زمنهــم فيضيفــوا إلــى المثــال أمثلــة ممــا يبدعــه نشــاط األمــة‪،‬‬
‫ويحققــه خيالهــا‪ ،‬وتقتضيــه مصالحهــا‪.‬‬
‫‪201‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫‪202‬‬
‫حفي ُة‬
‫الص‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫األعمدة ّ‬
‫‪203‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫‪204‬‬
‫يأّرلا ُصوصن ‪ -‬ةّيفحّصلا ُةدمعألا‬
‫حفي‬
‫الص‬
‫الع‬
‫ُّ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫مود ّ‬
‫ـارا‪ ،‬ومقروئيــة؛ وذلــك ألنــه يجمــع‬
‫يعــدّ العمــود ّ‬
‫ـي مــن أكثــر أشــكال الكتابــة الصحفيــة انتشـ ً‬
‫الصحفـ ّ‬
‫بيــن قصــر المســاحة وواقعيــة القضايــا ا ّلتــي يتحــدث عنهــا‪ ،‬ومالصقتهــا لمشــكالت المجتمــع‪،‬‬
‫وقضايــا النــاس‪.‬‬
‫حفــي مــن أهــم المصــادر ا ّلتــي تمنــح القــارئ فكــرة واســعة عــن طبيعــة‬
‫الص‬
‫ولذلــك فالعمــود ّ‬
‫ّ‬
‫المجتمــع‪ ،‬وأهــم قضايــاه الحيو ّيــة‪ ،‬فهــو يشــبه المــرآة فــي أنــه يعكــس مــا تمــور بــه الحيــاة فــي‬
‫مجتمــع مــن المجتمعــات فــي فتــرة زمنيــة معينــة‪.‬‬
‫الــرأي‪ ،‬ينشــر بانتظــام فــي‬
‫حفــي بأنــه نــوع خــاص مــن‬
‫الص‬
‫ُ‬
‫ويمكــن تعريــف العمــود ّ‬
‫نصــوص ّ‬
‫ّ‬
‫صحيفــة أو مجلــة فــي مــكان ثابــت‪ ،‬وتحــت مســمى ثابــت‪ ،‬وبمســاحة ثابتــة ال تتغيــر‪ ،‬ويع ّبــر عــن‬
‫فكــر كاتبــه‪ ،‬وشــخصيته‪ ،‬وتوجهاتــه‪ ،‬ويكــون الهــدف منــه ‪-‬فــي الغالــب‪ -‬توعيــة القــراء‪ ،‬أو مناقشــة‬
‫فكــرة أو قضيــة يراهــا الكاتــب مهمــة‪.‬‬
‫ـي أنــه ملتصــق بكاتبــه‪ُ ،‬ي َسـ ّـمى باســمه فــي الغالــب‪ ،‬ولذلــك‬
‫ولعـ ّـل أكثــر مــا يتم ّيــز بــه العمــود ّ‬
‫الصحفـ ّ‬
‫تكتســب األعمــدة الصحفيــة مكانتهــا مــن مكانــة كاتبهــا‪ ،‬ومــا اشــتهر بــه مــن فكــر َن ِّيـ ٍـر‪ ،‬وموضوعيــة‬
‫فــي عــرض القضايــا ومناقشــتها‪ ،‬وامتــاك لناصيــة اللغــة وأســرارها‪ .‬ولذلــك صــار مــن المتعــارف‬
‫عليــه فــي عالــم الصحافــة والنشــر ّ‬
‫ـي يع ّبــر عــن رأي كاتبــه‪ ،‬وليــس شــر ًطا أن يع ّبــر‬
‫أن العمــود ّ‬
‫الصحفـ ّ‬
‫عــن موقــف الصحيفــة‪.‬‬
‫ولذلــك يعـ ّـرف بعضهــم العمــود الصحفــي بأنــه «حــوار شــخصي بيــن كاتـ ٍ‬
‫ـب َو ُق ّرائــه‪ ،‬يعبــر الكاتــب‬
‫وصريحــا‬
‫مــن خــال هــذا الحــوار عــن اتجاهاتــه النفســية‪ ،‬ومكنوناتــه الداخليــة‪ ،‬ويبــدو واقع ًّيــا‬
‫ً‬
‫وذات ًّيــا‪ ،‬ويــروي ذكرياتــه وخبراتــه وتجاربــه‪ ،‬ويقــدم نصائحــه» ‪.‬‬
‫حفــي بكاتبــه‪ ،‬وانتظامــه فــي الظهــور فــي الصحيفــة أو المجلــة كل‬
‫الص‬
‫وبســبب ارتبــاط العمــود ّ‬
‫ّ‬
‫يــوم أو كل أســبوع فـ ّ‬
‫ـإن نو ًعــا مــن عالقــة المــو ّدة والتقديــر تنشــأ بيــن الكاتــب وقرائــه‪ ،‬خاصــة حيــن‬
‫يحــرص الكاتــب علــى المصداقيــة فــي الطــرح‪ ،‬والموضوعيــة فــي المعالجــة‪ ،‬وأن يكــون عـ ً‬
‫ـادل‬
‫وحريصــا علــى أن ينقــل للقــراء خالصــة تجربتــه أو فكــره مــن دون تح ّيــز أو ميــل‪.‬‬
‫وصاد ًقــا‪ ،‬وأمينًــا‬
‫ً‬
‫‪205‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫وأهــم ســمات العمــود الصحفــي أنــه يع ّبــر عــن فكــرة واحــدة مركــزة‪ ،‬وأنــه ينقــل للقــارئ خالصــة‬
‫تجربــة الكاتــب‪ ،‬ومواقــف مـ ّـر بهــا انطال ًقــا إلــى الفكــرة التــي يــود الكاتــب أن يعبــر عنهــا ويقنــع‬
‫القــارئ بهــا‪ .‬وغال ًبــا مــا يســتعين الكاتــب فيــه باألقــوال والحكــم واألمثــال واالقتباســات‪.‬‬
‫ويمكن تقسيم األعمدة الصفحية إلى نوعين كبيرين‪ ،‬هما‪:‬‬
‫‪1.1‬األعمــدة المتخصصــة‪ :‬وهــي التــي يقتصــر اهتمامهــا علــى مجــال واحــد فقــط‪ ،‬كالمجــال‬
‫السياســي‪ ،‬أو االقتصــادي‪ ،‬أو االجتماعــي‪ ،‬أو الثقافــي‪ ،‬أو الرياضــي‪ ،‬أو الفنــي‪.‬‬
‫‪2.2‬األعمــدة العامــة‪ :‬وهــي التــي يكتــب صاحبهــا فــي معظــم القضايــا‪ ،‬وينـ ّـوع فــي الموضوعــات‬
‫التــي يتناولهــا‪.‬‬
‫أمــا مــن حيــث اللغة وأســلوب التنــاول فـ ّ‬
‫ـإن األعمدة تتنـ ّـوع بتنـ ّـوع كتّابهــا‪ ،‬فبعضهم يعتمد األســلوب‬
‫الجــاد الرصيــن‪ ،‬وبعضهــم يميــل إلــى األســلوب الســاخر‪ ،‬وبعضهــم يميــل إلــى االفتتــاح باألســئلة‪،‬‬
‫وبعضهــم يحبــذ البــدء باقتبــاس أو ذكــر موقــف شــخصي‪ .‬وعلــى الرغــم مــن ّ‬
‫أن بــاب االختــاف‬
‫يفضــل أن تكــون لغــة الكتابــة لغــة بســيطة‪ ،‬تعتمــد‬
‫والتنـ ّـوع مفتــوح علــى مصراعيــه للك ّتــاب إال أ ّنــه ّ‬
‫موجهــة ‪-‬فــي الغالــب‪ -‬لــكل شــرائح‬
‫علــى الجمــل القصيــرة‪ ،‬وتبتعــد عــن التعقيــد والتق ّعــر؛ ألنهــا‬
‫ّ‬
‫المجتمــع‪ .‬ومــع ذلــك فـ ّ‬
‫ـإن التمســك بأصــول الكتابــة‪ ،‬والحــرص علــى التدقيــق والصحــة اللغويــة‬
‫يعــدّ أمـ ًـرا يم ّيــز كاتبــا عــن كاتــب‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن قــراءة األعمــدة الصحفيــة ومتابعتهــا عــن كثــب تزيــد مــن وعــي القــارئ‪ ،‬وتكشــف لــه الكثيــر ممــا‬
‫يحــدث فــي مجتمعــه‪ ،‬وتجعلــه علــى علــم بمجريــات األمــور‪ ،‬وتضعــه أمــام تنويعــات مــن وجهــات‬
‫النظــر واألفــكار والتجارب‪.‬‬
‫‪206‬‬
‫يأّرلا ُصوصن ‪ -‬ةّيفحّصلا ُةدمعألا‬
‫َصديقي الها ِتف!‬
‫*‬
‫عائشة سلطان‬
‫ِ‬
‫طاعـ ِم الفاخـ ِ‬
‫ـون حو َل طاولـ ٍـة بأحـ ِـد الم ِ‬
‫ُأ ِ‬
‫ـت إلــى مجموعـ ٍـة ِمـ َن الرجـ ِ‬
‫بالمدينة‪،‬‬
‫ـرة‬
‫نصـ ُ‬
‫َ‬
‫ـال َيتح َّلقـ َ ْ‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫ـال‪ ،‬ي ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫بتسـ َ‬
‫ـمون جمي ًعــا ّ‬
‫هم‪،‬‬
‫للشاشــات وليـ َ‬
‫ـم عينَيــه فــي هاتفــه النَّ ّقـ ِ َ‬
‫ـس لبعض ْ‬
‫ُير ِّكـ ُـز ك ُُّل واحــد منهـ ْ‬
‫ِ‬
‫ـم ف َين ُظـ ُـر إليـ ِـه اآلخـ َ‬
‫ضحـ ُ‬
‫ويواصـ ُـل َض ِحـكًا طويـ ًـا‬
‫ـم اهتما ًمــا‪،‬‬
‫ـك َ‬
‫َي َ‬
‫عيرهـ ُ‬
‫ـرون فجــأةً‪ ،‬ال ُي ُ‬
‫أحدُ هـ ْ‬
‫ـول َأحدُ هــم ِلر ِ‬
‫ٍ‬
‫فاقـ ِـه «يــا‬
‫ـف َيعـ ِـر ُ‬
‫ف َس ـ َب َب ُه‪َ ،‬وحــدَ ُه الهاتِـ ُ‬
‫ال َأ َحــدَ َيعـ ِـر ُ‬
‫ف‪ ،‬بي ـ َن وقــت وآخـ َـر يقـ ُ َ‬
‫ْ‬
‫(الموبايــات) دعونــا نتحــدَّ ث»‪َ ،‬يســتقبِ ُل ِرفا ُقــ ُه العبــار َة بِــا تأ ُّث ٍ‬
‫ــر‬
‫جماعــة َم َلــل‪ ،‬اتركــوا ُ‬
‫وي ِ‬
‫ـع (الموبايـ ِ‬
‫كملـ َ‬
‫ـل)!!‬
‫ـون مـ َ‬
‫ُ‬
‫ـات ا ّت َف ْقـن فيمــا بينَهـن‪ -‬علــى مــا يظهــر‪ -‬علــى قضـ ِ‬
‫ـاء وقـ ٍ‬
‫َأسـت َِمع إلــى مجموعـ ٍـة ِمـن ال َفتيـ ِ‬
‫ـت‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫َ ُ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ّ ِ‬
‫بعضهــن فــي أح ِ‬
‫لطيــف بص ِ‬
‫ٍ‬
‫حبــة ِ‬
‫جــات‪َ ،‬‬
‫جميــات‪،‬‬
‫ــر ٍح‪،‬‬
‫المث َّل‬
‫ــد‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫بم َ‬
‫دخ ْلــ َن َ‬
‫محــات ب ْيــ ِع ُ‬
‫ـات‪ ،‬وتَفـ ِ‬
‫أنيقـ ٍ‬
‫الرفاه ّيـ ِـة‪ ،‬ج َل ْس ـ َن فــي ُر ْكـ ٍ‬
‫ـت أيديه ـ َّن‬
‫اندسـ ْ‬
‫ُ‬
‫ـي‪ ،‬ســري ًعا َّ‬
‫ـن َقصـ ٍّ‬
‫ـوح منه ـ َّن رائح ـ ُة َّ‬
‫ت الحكايـ ُة ن ْفســها‪ ،‬فــي عا َلـ ِم الهاتـ ِ‬
‫ـف‪ ،‬وبــد َأ ِ‬
‫فــي حقائبِ ِهـن ِ‬
‫ـف لك ُِّل‬
‫الباذ َخـ ِـة‬
‫وأخر ْجـ َن الهواتـ َ‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫الحميمـ ُة‪،‬‬
‫منهـ َّن حكايتُهــا‪ ،‬رفا ُقهــا‪ ،‬صديقاتُهــا‪( ،‬جرو ّباتُهــا)‪ ،‬و َعوال ُمهــا االفتراض ّيـ ُة َ‬
‫واحــدة ُ‬
‫ـاء لِقضـ ِ‬
‫فلمــاذا يتَّفـ ُـق األصدقــاء علــى ال ِّلقـ ِ‬
‫ـاء وقـ ٍ‬
‫مات ِ‬
‫ـك واحــد ٌة ِمـن مسـ َّل ِ‬
‫واقعنــا‪ ،‬وإ َذ ْن ِ‬
‫تلـ َ‬
‫ـت‬
‫ُ‬
‫ْ ُ‬
‫ـتحو ُذ علــى الوقـ ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ ِ‬
‫ـم َيسـ ِ‬
‫ـم طا َلمــا هنـ َ‬
‫ـت ُك ِّلـ ِـه؟‬
‫ـاك صديـ ٌـق َ‬
‫لطيــف ُ‬
‫أهـ ُّ‬
‫بصحبــة بعضهـ ْ‬
‫ـت مجــرد حكايـ ٍـة عابـ ٍ‬
‫ِ ِ‬
‫ـت تَربِـ ُ‬
‫ـرة‪،‬‬
‫ِحكاي ـ ُة ال َعالقـ ِـة الغري َبـ ِـة ا ّلتــي‬
‫أصبحـ ْ‬
‫ليسـ ْ ُ َّ َ‬
‫َ‬
‫عظمنــا بهاتفــه َ‬
‫ـط ُم َ‬
‫ـار الهاتـ ِ‬
‫ـت بســيط ًة أو تافهـ ًة كمــا ِ‬
‫نعتقــدُ ‪ .‬إنَّهــا حكايـ ٌة جــا َّد ٌة وقــدْ ت َِصـ ُـل إلى اعتبـ ِ‬
‫ـف صدي ًقا‬
‫ليسـ ْ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َضحكــوا! فحيـ َن ســأ ْل ُت َمجموعـ ًة ِمـ َن‬
‫ريحــا‪ ،‬ال ت َ‬
‫ميمــا و ُم ً‬
‫تفه ًمــا َ‬
‫َحقيق ًّيــا بديـ ًـا‪ ،‬صدي ًقــا ُم ِّ‬
‫وح ً‬
‫أو َّ ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ب وال ّطالبـ ِ‬
‫ـخص ِ‬
‫دورة تَدريب ّيـ ٍـة َعـ ِ‬
‫ِ‬
‫ال ُّطـ ّـا ِ‬
‫ـن َّ‬
‫ـم الحيــا ُة‬
‫الشـ‬
‫ـات فــي‬
‫الشــيء ا ّلــذي ال ُيمكنُهـ ُ‬
‫دونَــ ُه ِ‬
‫َ‬
‫ْــت أتمنّــى ْ‬
‫الجــواب‪ :‬عائلتــي‪ ،‬أصدقائــي‪ُ ،‬أ ّمــي‪،‬‬
‫يكــون‬
‫أن‬
‫أو االســتغنا ُء عنــ ُه‪ ،‬كن ُ‬
‫ُ‬
‫ـت َ‬
‫ـواب هـ ُـو‪( :‬الموبايــل)!! لكـ ْن لمــاذا (الموبايــل)؟‬
‫جيرانــي‪ ...،‬لكنَّنــي كمــا تو َّق ْعـ ُ‬
‫كان الجـ ُ‬
‫ـخص آخــر‪ ،‬يعطينــي ك َُّل مــا أريــدُ وبسـ ٍ‬
‫ِ‬
‫قـ َ‬
‫ـهولة‪ ،‬ال‬
‫أي شـ‬
‫ٍ َ ُ‬
‫فهمنــي أكثـ َـر م ـ ْن ِّ‬
‫ـم‪ :‬أل َّنــه َي ُ‬
‫ـال َأ َحدُ هـ ْ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫البيان‪ 02 ،‬فبراير ‪2016‬‬
‫صحيفة‬
‫*)‬
‫‪207‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ٍ‬
‫ُي ِ‬
‫ـح و ُمفيــدٌ وغيـ ُـر ُمتط ِّلـ ٍ‬
‫ـب والعائل ـ ُة‬
‫الصديـ ُـق ُمتط ِّلـ ٌ‬
‫ـب‪َّ ،‬‬
‫ـأي شــيء‪ ،‬إ َّن ـ ُه صديـ ٌـق ُمريـ ٌ‬
‫لز ُمنــي بـ ِّ‬
‫ـران ِعــبء!! بينَمــا (الموبايــل) ال يجع ُلنــي أحتــاج ألي شـ ٍ‬
‫ـيء عندَ مــا يكـ ُ‬
‫ـون‬
‫ُ ِّ‬
‫َ‬
‫مســؤول ّي ٌة‪ ،‬والجيـ ُ ْ ٌ‬
‫معــي!‬
‫ـك عالقـ ٌة بالعمـ ِـر‪ ،‬فهـ ِ‬
‫تســا َء ْل ُت ب ْعــدَ ْ‬
‫ـار‬
‫ـؤالء ‪ -‬أ ًّيــا ت ُكـ ْن‬
‫ـم‪ :‬هـ ْـل لذلـ َ َ‬
‫ـم‪ -‬صغـ ٌ‬
‫أعمارهـ ْ‬
‫ُ‬
‫ُُ‬
‫أن تر ْكتُهـ ْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫بِــا ت ِ ٍ‬
‫هــم َلهــا؟ أ ْم َّ‬
‫زهــو َ‬
‫ــبب يعــو ُد إلــى انعــدا ِم‬
‫الس َ‬
‫َجربــة و َم ّ‬
‫أن َّ‬
‫ون بِالحيــاة وبطريقــة َن ْظ َرت ْ‬
‫ِ‬
‫ـوار وال ُّلغـ ِـة المشـ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الحـ ِ‬
‫هم‪ ،‬وبيـ َن ال ُّطـ ِ‬
‫ـم‪،‬‬
‫ـتركة َ‬
‫ـاب و ُمع ِّلميهـ ْ‬
‫المراهقيـ َن و ُأ َسـ ِـر ْ‬
‫والحميمــة بيـ َن ُ‬
‫ُ َ‬
‫وبيـن البنـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـات و ُأ َّمهاتهـ َّن وبيـ َن ُمع َظـ ِم النّـ ِ‬
‫الركـ َ‬
‫بعضــا؟ ّ‬
‫ـون إلــى‬
‫ـم ً‬
‫َ‬
‫إن ُّ‬
‫جتمـ ِع بعضهـ ْ‬
‫الم َ‬
‫ـاس فــي ُ‬
‫حايـ ٍ‬
‫ٍ‬
‫ـت بصحبـ ِـة الهاتـ ِ‬
‫الصمـ ِ‬
‫القات غيـ ِـر ُم ِ‬
‫ٍ‬
‫ـخاص‬
‫ـدة و َمنقوصـ ٍـة ّأو ًل‪ ،‬وإلى أشـ‬
‫ـف يقو ُدنــا إلــى َع‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫ـت فــي مواكَبـ ِـة ثـ ِ‬
‫ـورة التِّقن َّيـ ِـة‪ ،‬ولكنَّهــا‬
‫ليسـ ْ‬
‫متوحديـ َن ُيمكـ ُن اإليقـ ُ‬
‫ِّ‬
‫ُ‬
‫ـم ثان ًيــا!! القض َّيـ ُة هنــا َ‬
‫ـاع ِبهـ ْ‬
‫فــي تَحــو ِل مفاهيــم َعميقـ ٍـة فــي العالقـ ِ‬
‫ـات االجتماع ّيـ ِـة!!‬
‫َ‬
‫ُّ‬
‫َ‬
‫‪208‬‬
‫يأّرلا ُصوصن ‪ -‬ةّيفحّصلا ُةدمعألا‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫اإلمارات‬
‫راء‬
‫باب ُ‬
‫الش ُ‬
‫س َف ُ‬
‫*‬
‫ميساء غدير‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫أن النِّســب َة األكبــر ِمــن س ِ‬
‫الش ِ‬
‫ــم َّ‬
‫اإلمــارات هــم ِمــ َن ّ‬
‫وهــؤالء‬
‫ــباب‪،‬‬
‫دولــة‬
‫ــكان‬
‫ُ‬
‫َ َ‬
‫جمي ُعنــا نَع َل ُ‬
‫المســتق َب ِل ا ّلذيـ َن ُيعـ َّـو ُل ِ‬
‫َّ‬
‫عليهــم فــي التَّنم َيـ ِـة والتَّطويـ ِـر‪ ،‬وهـ َـو مــا َيســتدعي‬
‫الشـ ُ‬
‫ـباب هــم قــا َد ُة ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ثمار األم َثــل ِ‬
‫َحمـ ِ‬
‫ـل المســؤول َّي ِة‬
‫احتوا َء ُهــم‬
‫َ‬
‫فيهــم‪ ،‬ل َيكونــوا قادريـ َن علــى ت ُّ‬
‫وتوجيه ُهــم واالســت َ‬
‫تِجــا َه أن ُف ِسـ ِـهم َو ُمجت ََم ِع ِهــم َو َو َطنِ ِهــم‪.‬‬
‫ـيخ محمــدُ بـ ُن زايـ ٍـد ِ‬
‫ُمنـ ُـذ يو َميـ ِ‬
‫آل نهيـ َ‬
‫ـمو َّ‬
‫ـان‪ ،‬مجمو َع ًة‬
‫السـ ِّ‬
‫ـن اسـتَق َب َل الفريـ ُـق ّأو ُل صاحـ ُ‬
‫الشـ ُ ُ َّ‬
‫ـب ُ‬
‫والشــاب ِ‬
‫الص ِ‬
‫الش ِ‬
‫ِمــ َن َّ‬
‫يــن وكوريــا‬
‫ات اإلمارات ّييــ َن ا ّلذيــ َن َأ َنهــوا‬
‫زيــار ًة قامــوا بِهــا إلــى ّ‬
‫ــباب ّ ّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫«ســفرا ُء شـ ِ‬
‫الجنوب َّيـ ِـة ِضم ـ َن َبرن َامـ ِ‬
‫ـي عهـ ِـد‬
‫َ‬
‫ـم برعا َيــة ديــوان ولـ ِّ‬
‫ـباب اإلمــارات» ا ّلــذي ُين َّظـ ُ‬
‫ـج ُ‬
‫ـات والمهـ ِ‬
‫ف إلــى تَطويـ ِـر اإلمكانـ ِ‬
‫ـارات العلم ّيـ ِـة وال ّثقاف ّيـ ِـة والقياد َّيـ ِـة لل َّط َل َبـ ِـة‬
‫أبوظبــي‪َ ،‬ويهـ ِـد ُ‬
‫َ‬
‫الجامع ّيي ـ َن‪.‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـال هــذا االسـ ِ‬
‫ـال ا ّلتــي قامــوا بِهــا خـ َ‬
‫ـج واألعمـ َ‬
‫ـباب ِخـ َ‬
‫عـ َـر َض َّ‬
‫ـال‬
‫ـتقبال األنشـ َط َة وال َبرامـ َ‬
‫الشـ ُ‬
‫تنفيذهــا فــي أثنـ ِ‬
‫ِ ِ‬
‫يارتيـ ِ‬
‫ـم ُ‬
‫ـاء‬
‫ّ‬
‫والمشـ َ‬
‫ـاريع ا ّلتــي َتـ َّ‬
‫المعالـ ِم والجهــات ا ّلتــي زاروهــا‪َ ،‬‬
‫ـم َ‬
‫ـن‪ ،‬و َأهـ َّ‬
‫الز َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫رحلتِهـ ِ‬
‫ـج ا ّلتــي َخرجــوا بِهــا‪ ،‬ونا َق َشـ ُـهم ُسـ ُـم ُّو ُه فــي ِّ‬
‫كل مــا قدّ مــو ُه‪َ ،‬وأ ّكــدَ‬
‫ـم العلم ّيــة والنّتائـ َ‬
‫ُ‬
‫ـارات» ا ّلــذي انطلـ َـق بتَوجيهـ ِ‬
‫ـباب اإلمـ ِ‬
‫ـات صاحـ ِ‬
‫ـج «ســفرا ُء شـ ِ‬
‫َلهــم َّ‬
‫السـ ُـم ِّو َّ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـيخ‬
‫أن َبرنا َمـ َ‬
‫ـب ُّ‬
‫يوضــع ّإل لِدَ ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ـن زايـ ٍـد ِ‬
‫خليفـ َة بـ ِ‬
‫ـان رئيـ ِ‬
‫آل نهيـ َ‬
‫عم ِهــم َوتَمكينِ ِهــم‪.‬‬
‫ـم َ ْ‬
‫ـس الدَّ و َلــة‪ ،‬حف َظـ ُه ال ّلـ ُه‪َ ،‬لـ ْ‬
‫ِ‬
‫ــباب‪ ،‬مدعــا ًة لل َف ِ ِ‬
‫ِ‬
‫اعتبــار ال َّطلب ِ‬
‫تحم ِ‬
‫اإلمــارات ُســفرا َء ّ‬
‫ــل‬
‫أبنــاء‬
‫ــة الجامع ّييــ َن مــن‬
‫َ‬
‫خــر ول ُّ‬
‫للش ِ َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ُخ ِّط ُ‬
‫الجامعــي عندمــا يجــدُ َّ‬
‫ــم وت َ‬
‫ــم لــه‬
‫ــب‬
‫المســؤول َّية م ًعــا‪ ،‬فال ّطال ُ‬
‫ــط و ُتنَ ِّظ ُ‬
‫أن دو َلتَــ ُه ت َُص ِّم ُ‬
‫ُّ‬
‫َ‬
‫ـعوب وثقافـ ٍ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫رامــج ِ‬
‫ِ‬
‫ـع ُشـ ٍ‬
‫هادفـ ًة ُي َم ِّثـ ُـل فيهــا َوطنَـ ُه فــي الخـ ِ‬
‫ـات‬
‫يتواصـ ُـل مــن خاللهــا مـ َ‬
‫ـارج‪َ ،‬و َ‬
‫َب َ‬
‫ِ‬
‫ـدر ُك أ َّن ـ ُه أو َلو َّي ـ ٌة‪َ ،‬ويـ ِ‬
‫ُأخــرى‪ُ ،‬يـ ِ‬
‫المن َت َظـ َـر ِة ِمن ـ ُه ُمسـ ً‬
‫ـتقبل‪،‬‬
‫ـم المســؤول ّيات الكُبــرى ُ‬
‫ـدر ُك حجـ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ــه ومهاراتِ ِ‬
‫عر َفتِ ِ‬
‫وا ّلتــي تَســت ِ‬
‫َطويــر َم ِ‬
‫االنضبــاط‪َ ،‬‬
‫دون‬
‫المزيــد ِمــ َن‬
‫َحقيــق‬
‫ــه وت‬
‫ب ِمنــ ُه ت‬
‫َ‬
‫َوج ُ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫البرامــج الدِّ راســ َّي ِة َوحدَ هــا‪.‬‬
‫االعتمــاد علــى‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫البيان‪ 11 ،‬سبتمبر ‪2013‬‬
‫صحيفة‬
‫*)‬
‫‪209‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫زايــد مــع س ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ــيخ محم ِ‬
‫ِ‬
‫ــد ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫ــم ِّو ّ‬
‫الش ِ‬
‫اإلمــارات ِمــ َن‬
‫ــفراء‬
‫بــن‬
‫الفريــق ّأو ِل‬
‫حديــث‬
‫َ ُ‬
‫َّ‬
‫الس ُ‬
‫صاحــب ُّ‬
‫َجاو َز ُهــم إلــى ِ‬
‫الشـ ِ‬
‫َّ‬
‫المن َْض ّميـ َن لِهــذا ال َبرنا َمـ ِ‬
‫غير ِهــم‬
‫ـب‪َ ،‬بـ ْـل ت َ‬
‫ـج َف َحسـ ْ‬
‫ـم َيتـ ُـر ْك أثـ ًـرا فــي ُ‬
‫ـباب‪ ،‬لـ ْ‬
‫ـون مســؤولي ٍ‬
‫ِ ِ‬
‫ِم ـ َن ال ُّطـ ّـا ِ‬
‫ات ِدبلوماس ـ َّي ًة بِ ِص َفـ ٍـة‬
‫ّ‬
‫ب وال ّطالبــات ا ّلذي ـ َن َو َجــدوا َأن ُف َسـ ُـهم َيت ََح َّملـ َ َ‬
‫ٍ‬
‫ـل دولـ ِـة اإلمـ ِ‬
‫ـارات ِم ـ ْن ِخـ ِ‬
‫غيـ ِـر َرســم ّي ٍة‪ ،‬لِتَمثيـ ِ‬
‫ـلوكات‪ ،‬ومــا َي ْكت َِســبو َن ُه‬
‫ـال مــا ُيبدو َن ـ ُه ِم ـ ْن ُسـ‬
‫ف البــدَّ ِمـن البِنـ ِ‬
‫ـازات والنّجاحـ ِ‬
‫ـاء َعليهــا لِمواص َلـ ِـة مســير ِة اإلنجـ ِ‬
‫ـات‪َ ،‬و ِمــن ِخـ ِ‬
‫ِمــن َمعـ ِ‬
‫ـال‬
‫ـار َ‬
‫ُ َ‬
‫َ‬
‫َ َ‬
‫ـات األحـ ِ‬
‫لواق ـ ِع ومجريـ ِ‬
‫قراءتِ ِهــم لِ ِ‬
‫ـداث فيـ ِـه‪.‬‬
‫َ ُ َ‬
‫َ‬
‫ـباب أدوار ال ي ِ‬
‫ـرات ا ّلتــي يشــهدُ ها العا َلــم العربــي ّإل شـ ِ‬
‫للشـ ِ‬
‫ّ‬
‫ـاهدٌ‬
‫مك ـ ُن إغفا ُلهــا‪َ ،‬ومــا التَّغييـ ُ‬
‫َ َ‬
‫ٌ ُ‬
‫َ ُّ‬
‫ِ‬
‫علــى فِ ِ‬
‫الشـ ُ‬
‫ـمو َّ‬
‫ـيخ ُم َح َّمــدُ بـ ُن زايـ ٍـد‬
‫كر ِهــم َوإرا َدت ِهــم‪ُ ،‬‬
‫السـ ِّ‬
‫وهــو مــا دعــا ال َفريـ ُـق َّأو ُل صاحـ ُ‬
‫ـب ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـباب اإلمـ ِ‬
‫ـارات» للتّم ُّعـ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫«ســفرا ُء شـ ِ‬
‫والمخاطِـ ِـر فيـ ِـه‪،‬‬
‫ـن فيــه‪ ،‬مــن خــال اســتقراء واقـ ِع المنْ َط َقــة َ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ِ ِ‬
‫ـك ُك ِّلـ ِـه االســتفاد ُة ِمـن التَّحدّ يـ ِ‬
‫واالعتـ ِ‬
‫ـم مــن ذلِـ َ‬
‫ـات‬
‫َ َ‬
‫ـامي‪ ،‬واألهـ ُّ‬
‫ـي واإلسـ ِّ‬
‫ـزاز باالنتمــاء ال َعربـ ِّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫فــي ِ‬
‫ــل َعــن ِ‬
‫دون َأ ْن نَغ َف َ‬
‫واق ِعنــا‪َ ،‬‬
‫ــدو ًة َح َســن ًة‬
‫واجبِنــا َجمي ًعــا فــي اإلبقــاء علــى اإلمــارات ُق َ‬
‫لِآلخري ـ َن‪.‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫نَتمنّــى بِ ِ‬
‫الف ِ‬
‫َ‬
‫عــل ْ‬
‫دناهــم‬
‫يكــون‬
‫أن‬
‫شــباب اإلمــارات ُســفرا َء لو َطن ِهــم‪َ ،‬وأن َيب َقــوا كَمــا َع ِه ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫فالو َطـ ُن ُي َعـ ِّـو ُل ِ‬
‫المسـتَق َب ِل‪،‬‬
‫َحمليـ َن للمســؤول َّية‪َ ،‬‬
‫ـم الكَثيـ َـر‪ ،‬لن َُّهــم عمــا ُد ُ‬
‫عليهــم َو َينتَظـ ُـر م ُنهـ ُ‬
‫ُمت ِّ‬
‫ِ‬
‫والحاضـ ُـر َيســعى لِتَمكينِ ِهــم‪.‬‬
‫‪210‬‬
‫يأّرلا ُصوصن ‪ -‬ةّيفحّصلا ُةدمعألا‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‬
‫صف‬
‫يوج ُعني ِن ُ‬
‫*‬
‫صالِ َحة ُعبيد‬
‫صــف الــدِّ ِ‬
‫ِ‬
‫فء ونِ‬
‫يوجعنــي نِ‬
‫ِ‬
‫«أيوج ُع َ‬
‫دائمــا هــذا‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ــك ال َبــر ُد؟ ‪َ ..‬أنــا ِ ُ‬
‫َّــر ً‬
‫الموقــف أك َثــر» ‪ ..‬أت ََذك ُ‬
‫صــف َ‬
‫ـاف األشـ ِ‬
‫ـث علــى ِذكـ ِـر أنصـ ِ‬
‫العراقــي (مظ َّفــر النَّــواب) ُك َّلمــا أتــى أي حديـ ٍ‬
‫ـاع ِر ِ‬
‫للشـ ِ‬
‫ـت ّ‬
‫ـياء ‪ ..‬تَما ًمــا‬
‫ال َبيـ َ‬
‫ُّ‬
‫ّ‬
‫ّ ُ‬
‫ـاق‪ ،‬وال تُصـ ِ‬
‫ـاف ال ُع ّشـ ِّ‬
‫ـادق‬
‫ـب «ال تَجالِــس أنصـ َ‬
‫(جبــران َخليــل ُجبــران) يــو َم ك َتـ َ‬
‫ـي ُ‬
‫كَمــا أت ََذ َّكـ ُـر ال ُّلبنانـ َّ‬
‫ِ ِ‬
‫ـف مـ ٍ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫الموهوبيـ َن‪ ،‬ال تَعـ ْ‬
‫ـوت‪،‬‬
‫ـش نِصـ َ‬
‫أنصـ َ‬
‫ـف حيــاة‪ ،‬وال ت َُمــت نصـ َ َ‬
‫ـاف األصدقــاء‪ ،‬ال تَقــر ْأ ألنصــاف َ‬
‫ـف حلـ ٍم‪ ،‬وال َتتَع َّلـ ْـق بِنصـ ِ‬
‫ـف الحقي َقـ ِـة‪ ،‬ال تَح َلـ ِ‬
‫ـف فــي منتَصـ ِ‬
‫ـف‬
‫ـف َحـ ٍّـل‪ ،‬وال ت َِقـ ْ‬
‫ال تَخ َتـ ْـر نِصـ َ‬
‫َ‬
‫ـم نصـ َ ُ‬
‫ْ‬
‫ُ‬
‫أ َمـ ٍ‬
‫ـم ح َّتــى النِّهايـ ِـة»‪.‬‬
‫ـت‪..‬‬
‫ـت َح ّتــى النِّها َيـ ِـة‪ ،‬وإذا تَك َّلمـ َ‬
‫فاصمـ ْ‬
‫ـل‪ ،‬إذا َص َمـ َّ‬
‫ـت ‪َ ..‬فتَك َّلـ ْ‬
‫ُ‬
‫ــن ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ثــون َع ِ‬
‫لــت َ‬
‫أولئــك ا ّلذيــ َن َيتَحدَّ َ‬
‫َ‬
‫القــرا َء ِة‬
‫حــال ك ُِّل‬
‫علــي‬
‫ــح‬
‫مــات بِشــدَّ ٍة ُك َّلمــا تَأ َّم ُ‬
‫هــذه الك َِل ُ‬
‫وتُل ُّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ـك ِ‬
‫دون أن ِ‬
‫باســتِ ٍ‬
‫خرجـ َ‬
‫مرار َ‬
‫ـون بِمــا ُيعـ َّـو ُل َعليـ ِـه فِكر ًّيــا ِمــن تِلـ َ‬
‫أجــدَ أنَّهــم فِع ـ ً‬
‫ـراءات‪ ،‬وأعنــي‬
‫القـ‬
‫ا َي ُ‬
‫ِِ‬
‫الكتـ ِ‬
‫ـك التَّغييــر الواعــي ا َّلــذي يخـ ِـرج ِ‬
‫بِـــ «فِكر ًّيــا» ُهنــا ُهــو ذلِـ َ‬
‫ـح َبشــر ًّيا ِمــن‬
‫ـاب مــن ُجمــوده‪ ،‬ل ُيصبِـ َ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ـري ُهــو القـ ِ‬
‫ِ‬
‫عمـ ِ‬
‫َلح ـ ٍم و َد ٍم‪ ،‬ذلـ َ‬
‫ـتيعاب واالســتِ ِ‬
‫نتاج‪،‬‬
‫ـل االسـ‬
‫ـك ال َبشـ ُّ‬
‫ـار ُئ ا ّلــذي َي ُمـ ُّـر بِمــا َيقــرأ علــى َم َ‬
‫دون َّ ِ‬
‫ِ‬
‫ومــن َثــم محاو َلـ ُة التَّغييـ ِـر ا َّلتــي َتتَعــدّ ى ال َفــرد إلــى مــا حو َلـه ومــن حو َلـه‪ ،‬ومـن ِ‬
‫األو ِل‬
‫الشــرط َّ‬
‫ْ‬
‫َ ُ َ َ ُ‬
‫َ‬
‫َّ ُ‬
‫ال َيحــدُ ُ‬
‫ث ال ّثانــي‪.‬‬
‫طمئــ ٌّن ُمســتَكي ٌن ِلنَّــ ُه َي ِ‬
‫َ‬
‫ــق‬
‫َثيــرا؟ أم ُهــو‬
‫َمــن ُهــو‬
‫ذلــك ال َق ِل ُ‬
‫عــر ُ‬
‫ُ‬
‫القــارئ؟ َهــل ُهــو َش ٌ‬
‫فك ً‬
‫ــخص ُم َ‬
‫عر َف ِ‬
‫الم ِ‬
‫ــة ال َّث ِ‬
‫ــرا َء ِح ِ‬
‫قيــل؟‬
‫مــل َ‬
‫‏المهمــو ُم َج ّ‬
‫َ‬
‫ـف ِ‬
‫إن أم َكنَنــا حصــره بِتعريـ ٍ‬
‫واحـ ٍـد بي ـ َن حالتَيـ ِ‬
‫ـن ‪ ..‬لكنَّنــي َقــد أقـ ُ‬
‫ـول َّ‬
‫ـم تَحديــدً ا ْ‬
‫ـارئ‪،‬‬
‫إن القـ َ‬
‫َ ُُ‬
‫ال أع َلـ ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ُهــو ا ّلــذي َيقــر ُأ ل ُيريــدَ أن َيف َعـ َـل َشــي ًئا‪ ،‬ليقـ َ‬
‫ـس نِص ًفــا‪ ،‬وذلــك بمــا‬
‫ـج َشــي ًئا كامـ ًـا‪ ،‬وليـ َ‬
‫ـول َشــي ًئا‪ ،‬ول ُينتـ َ‬
‫قلـ ِـه‪ِ ،‬مــن أسـ ٍ‬
‫وأوراق وأحـ ٍ‬
‫يتَوا َفـ ُـق مــع مــا تَرا َكــم فــي َقلبِـ ِـه و َع ِ‬
‫ٍ‬
‫ـداث وتَواريـ َ‬
‫وجغرافيــا‪َ .‬و ُهــو‬
‫ـماء‬
‫ـخ ُ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ف َّ‬
‫أيضــا ذلـ َ‬
‫ـي أك َبـ ُـر مــن عا َل َمــي‬
‫ـك ا ّلــذي َيعـ ِـر ُ‬
‫ً‬
‫أن المسـ َ‬
‫ـم بِ ُك ّل َّيتــه‪ ،‬هـ َ‬
‫الرماد َّيـ َة ا ّلتــي تُغ ّطــي العا َلـ َ‬
‫ـاح َة َّ‬
‫والخ ِ‬
‫ران الحيــا َة حو َلـه نَحــو المـ ِ‬
‫ـن يصــو ِ‬
‫الم ِ‬
‫رائـ ِ‬
‫ـوت َ‬
‫ـب‪ .‬وإذا َلــم َت ُقــد ُه تِلـ َ‬
‫َّ‬
‫عر َفـ ُة‬
‫َ‬
‫الشـ ِّـر والخيـ ِـر ال َّلذيـ ِ ُ ِّ‬
‫ـك َ‬
‫َ ُ َ َ‬
‫ِ‬
‫ِِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َّعصـ ِ‬
‫والمعنَو َّيـ ِـة‪ ،‬فإ َّن ـ ُه ‪-‬علــى مــا أظ ـ ُّن‪-‬‬
‫المــوت والتَّدميـ ِـر والت ُّ‬
‫ـب بِ ـك ُِّل أشــكاله الماد َّيــة َ‬
‫إلــى نَبــذ َ‬
‫ـارئ‪ ،‬نِصـ ِ‬
‫ليــس أكثــر ِمــن نِصـ ِ‬
‫ـف إنسـ ٍ‬
‫ـف قـ ٍ‬
‫ـان‪.‬‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ـاك قـ ٌ ِ‬
‫ِ‬
‫ـري وآخــر ال؟ لِمــاذا ت ِ‬
‫ـح قار ًئــا؟ َهــل ُهنـ َ‬
‫َهــل ُهنـ َ‬
‫َجــدُ كَثيـ ًـرا ِم ـ َن‬
‫ـارئ فطـ ٌّ‬
‫ـاك بِدا َي ـ ٌة ُمع َّينَ ـ ٌة لتُصبِـ َ‬
‫ُ‬
‫‪211‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫بار ِهــم ُقــراء مشــروعين اختيــار قوائــم ليبــدَ ؤوا بقراءتِهــا؟ وهــل هـ ِ‬
‫ـون اآلخريـ َن باعتِ ِ‬
‫ا ّلذيــن ُيطالِبـ َ‬
‫ـذه‬
‫َ‬
‫َ َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ّ ً َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َبس َ‬
‫ــز فِ ً‬
‫ــط‬
‫ُح ِّف ُ‬
‫ــم ت َ‬
‫عــا؟‪ ..‬هــذه األســئ َل ُة و َغ ُيرهــا جــا َءت اإلنجليز ّيــ ُة «فيرجينينــا وولــف» لت ُ‬
‫ال َقوائ ُ‬
‫ـراءة والكتابـ ِـة‪ ،‬أقتَطِـ ِ‬
‫ـول القـ ِ‬
‫ِعقدَ هــا لــي‪ ،‬فــي مقـ ٍ‬
‫ـال َطويـ ٍ‬
‫ـل َحـ َ‬
‫َطيع‬
‫الوحيــدَ َة ا ّلتــي َيسـت ُ‬
‫َّصيحـ َة َ‬
‫ـع منـ ُه «الن َ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ـك‪ْ ،‬‬
‫ـخص َ‬
‫حواسـ َ‬
‫أن تَسـتَخد َم‬
‫ـع‬
‫أي‬
‫نصيحــة‪ ،‬أن تتَّبِـ َ‬
‫َ‬
‫آلخـ َـر َحـ ْـو َل القــراءة هــي ّأل يتّبــع َّ‬
‫َأن ُيســد َيها َشـ ٌ‬
‫َّ‬
‫ـك‪ْ ،‬‬
‫َعق َلـ َ‬
‫الخاصـ ِـة» ‪..‬‬
‫َوصـ َـل إلــى اســتِنتاجاتِ َك‬
‫َّ‬
‫وأن َتت َّ‬
‫ـخص فــي الوجـ ِ‬
‫فاألفــكار ك َثيــرا مــا تُشــبِه البصمـ ِ‬
‫ـود َق َل ُقـ ُه َوأســئ َل ُت ُه َو َم ِ‬
‫ٍ‬
‫ـات الجين َّيـ َة‪ .‬لِـ ِّ‬
‫خاو ُفـ ُه‪.‬‬
‫ـكل َشـ‬
‫ُ‬
‫ُ َ َ‬
‫ً‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫إنَّهــا‪ِ ،‬‬
‫ـاع علــى األر ُفــف‪ ،‬وال تُعـ َـر ُض فــي واجهــات َمحـ ِّ‬
‫ـال‬
‫ـكار‪ ،‬ا ّلتــي تَقو ُدنــا للقــرا َءة ال تُبـ ُ‬
‫أي األفـ ُ‬
‫األزيـ ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ـكان مــا َعميـ ٍـق بِ ِ‬
‫ـاء‪ ،‬إنَّهــا تَنبــع ِمــن مـ ٍ‬
‫الم ِ‬
‫ـك َحيـ ُ‬
‫داخ ِلـ َ‬
‫خمـ ٍـة‪ ،‬أو‬
‫ُ ُ‬
‫عر َفـ ُة َك َعال َمــة اســتفها ٍم َض َ‬
‫ـث تَبـ ُـر ُز َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ـب النُّصـ ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ـتمرار َك بِ َط َلـ ِ‬
‫ـرارا‪َ ،‬‬
‫أوارق تَنتَظِـ ُـر ِمنـ َ‬
‫َ‬
‫دون‬
‫ـج َر ٍة بِــا‬
‫كشـ َ‬
‫ـح مـ َن اآلخريـ َن مـ ً‬
‫ـك ِر ًّيــا ُمسـتَم ًّرا‪ ،‬واسـ ُ‬
‫ْ‬
‫الروح َّيـ ِـة األولــى‪َ ،‬يعنــي َعــد َم جدّ َّيتِـ َ‬
‫المس ـت َِق َّل نَحـ َـو َمك َت َبتِـ َ‬
‫أن تَس ـ ُل َك َطري َقـ َ‬
‫ـك ُمنـ ُـذ البِدا َيـ ِـة‪،‬‬
‫ـك ّ‬
‫ـك ُ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫عرفـ ِ‬
‫ـح َيج َع ُلـ َ‬
‫أي‬
‫َصيحــة‪َ ،‬و ُمتَحـ ِّـر ًرا مــن ّ‬
‫أي ن َ‬
‫ـك تَبــدَ ُأ بِال َبحــث َبعيــدً ا َعــن ّ‬
‫ـي ُملـ ٍّ‬
‫ـم َم ِ ٍّ‬
‫َو َعــدَ ُم ُوجــود َهـ ٍّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫مارســها َ ِ‬
‫ٍ‬
‫ٍ ِ‬
‫ـك‪ُ ،‬محــدِّ ًدا َلـ َ‬
‫جاهـ َ‬
‫رح َلتِ َك‬
‫اآلخـ ُـر ت َ‬
‫ـك مــا ُيناسـ ُب َك َومــا ال ُيناسـ ُب َك فــي َم َ‬
‫ِوصا َيــة فكر َّيــة َقــد ُي ِ ُ‬
‫هـ ِ‬
‫ـذه‪.‬‬
‫ِ‬
‫ـاك قـ ِ‬
‫َهــل ُهنـ َ‬
‫ـب َعنـ ُه ُسـ ٌ‬
‫ـتثنائي؟ ‪ُ ..‬سـ ٌ‬
‫ـؤال َ‬
‫ـب أن‬
‫ـؤال أكبـ ُـر منـ ُه ‪َ ..‬هــل َي ِجـ ُ‬
‫آخـ ُـر َقــدْ َيأتــي ل ُيجيـ َ‬
‫ـار ٌئ اسـ ٌّ‬
‫يتبــع أي َشـ ٍ‬
‫ِ‬
‫القـ ِ‬
‫ـيء ِص َف ـ َة ِ‬
‫المتَفـ ِّـر ِد والقـ ِ‬
‫ـراءة َوحدَ هــا؟ ‪ ..‬كالقـ ِ‬
‫ثنائي والقـ ِ‬
‫ـار ِئ الن َِّه ـ ِم‬
‫َ َ َ ُّ‬
‫ـارئ ُ‬
‫ـار ِئ االســت ِّ‬
‫ـذات القـ ِ ِ‬
‫ـط بـ ِ‬
‫باآلخـ ِـر وال تَرتَبـ ُ‬
‫ـات تَرتَبِـ ُ‬
‫َ‬
‫ف‬
‫ـط‬
‫وهــو مــا َقــد ُي َحـ ِّـو ُل َش ـ َغ َ‬
‫و َغ ِيرهــا‪ .‬إنَّهــا ِصفـ ٌ‬
‫ـارئ فعـ ًـا‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫أن ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ ٍ‬
‫ِ ِ‬
‫ظهـ َـرةَ‪ ،‬فــي حيـ ِ‬
‫ـن َّ‬
‫القــرا َء َة هــي‬
‫الم َ‬
‫القــرا َءة األثيـ ِـر إلــى واج َهــة ُأخــرى م ـ َن األشــياء ا ّلتــي تَحتَمـ ُـل َ‬
‫فِعـ ٌـل ذاتــي ِجــدًّ ا فــي أولِـ ِـه‪ ،‬تَمامــا كَكونِـ ِـه َطبيعيــا وم ِ‬
‫ـف اإلنسـ ِ‬
‫ـان الت ِّائـ ِـه‬
‫باشـ ًـرا‪ ،‬لِكــي َيكت َِمـ َـل نِصـ ُ‬
‫َّ‬
‫ًّ ُ‬
‫ً‬
‫ٌّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫والجاهـ ِ‬
‫والمرتَبِــك والخائــف‪.‬‬
‫ـل ُ‬
‫‪212‬‬
‫يأّرلا ُصوصن ‪ -‬ةّيفحّصلا ُةدمعألا‬
‫ملجتمع َّي ُة‬
‫املسؤول َّي ُة ا ُ‬
‫َ‬
‫*‬
‫سامي قرقاش‬
‫ـركات منـ ُـذ عــدَّ ِة سـ ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫المجتمع َّيـ ِـة أو االجتِماع َّيـ ِـة َّ‬
‫ـنوات‪ ،‬وبــد َأ بالتَّطـ ُّـو ِر‬
‫للشـ‬
‫َظهـ َـر ُمصطلـ ُ‬
‫ُ‬
‫ـح المســؤول َّية ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫تَدريجيــا إلــى أن أصبـ ِ‬
‫المعـ ِ‬
‫ـار ُض‬
‫َ‬
‫ًّ‬
‫قائمــا بذاتــه ُيــدَ َّر ُس فــي ال ُك ّليــات والمعاهــد‪ ،‬وتُقــا ُم َلــه َ‬
‫ـح ع ْل ًمــا ً‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـع األ ّيــا ِم‪ .‬وا َّط َلعنــا علــى اآلالف مــن ق َصـ ِ‬
‫ـص النَّجـ ِ‬
‫ـاح‬
‫ـرات والنَّـ‬
‫ُ‬
‫والمؤتَمـ ُ‬
‫ـدوات و َيك ُبـ ُـر َشــي ًئا فشــي ًئا مـ َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫المختَل َفــة أو مــن خــال الكتـ ِ‬
‫المحافـ ِ‬
‫والم َؤ َّلفــات‪.‬‬
‫ـب ُ‬
‫ـل ُ‬
‫فــي هــذا ال َفـ ِّن َســوا ًء فــي َ‬
‫ســة حكومي ٍ‬
‫شــركة أو مؤس ٍ‬
‫ٍ‬
‫ف المســؤولي ُة المجتمعيــ ُة علــى أنَّهــا مــا يقدِّ مــه أي ك ٍ‬
‫ــة أو‬
‫َيــان‪:‬‬
‫َّ‬
‫ُ ُ ُ ُّ‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫َّ ُ‬
‫ــر ُ َ‬
‫و ُت َع َّ‬
‫ـال‪ ،‬كدَ ع ـ ِم رو ِ‬
‫ٍ ِ‬
‫اد األعمـ ِ‬
‫أي مجـ ٍ‬
‫ـال‪ ،‬أو َدمـ ِ‬
‫ـج َذوي اإلعا َقـ ِـة‪ ،‬أو االســتِدا َم ِة‪،‬‬
‫ُ ّ‬
‫خاصــة‪ ،‬للمجت ََم ـ ِع فــي ِّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫أيضــا تَرشــيدَ ال ّط ِ‬
‫أو تَنمي ِ‬
‫ِ‬
‫الش ِ‬
‫ــة َّ‬
‫عــم‬
‫اقــة وإعــا َد َة ت‬
‫َشــم ُل ً‬
‫َ‬
‫َدويــر النُّفايــات واســتخدا َمها‪ ،‬و َد َ‬
‫ــباب‪ ،‬وت َ‬
‫ـذه ال ُفــرو ِع أبدَ َعـ ِ‬
‫ـت ك ُِّل َفــر ٍع ِمــن هـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـت َّ‬
‫كات فــي تَطويـ ِـر‬
‫الشـ ِـر ُ‬
‫األنشـ َط ِة ال َّثقاف َّيـ ِـة وال َفنّ َيـ ِـة و َغ ِيرهــا‪ ،‬وتَحـ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ُخرجهــا ِمــن بِدايتِهــا المت ِ‬
‫َواض َعـ ِـة إلــى آفـ ٍ‬
‫وتَطبيـ ِـق أفـ ٍ‬
‫ـاق‬
‫َ‬
‫المجتمع َّيـ َة لت ِ َ‬
‫ُ‬
‫المســؤول َّي َة ُ‬
‫ـكار ُمبت َكـ َـرة تَخــد ُم َ‬
‫َرح َبـ ٍـة ال ُمتَناه َيـ ٍـة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ِ ِ ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫المســؤولي ُة المجتَمعي ـ ُة مجـ ٌ ِ‬
‫وسـ ُـأ َع ِّر ُج ُهنــا‬
‫ـب و ُمن َفتـ ٌ‬
‫ـع وخ ْصـ ٌ‬
‫ـال واسـ ٌ‬
‫ـح َعلــى أ َّيــة فكـ َـرة إبداع َّيــة‪َ ،‬‬
‫َّ ُ َ َّ َ‬
‫َ‬
‫ـت َعليهــا‪ .‬النّمــو َذج األو ُل ي ُخــص إحــدى َشــركاتِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫المجتَمع َّيــة َو َقفـ ُ‬
‫ُ َّ َ ُّ‬
‫علــى نَمـ َ‬
‫ـاذج ثال َثــة للمســؤول َّية ُ‬
‫ٍ‬
‫ـت بال َّت َبـ ُّـر ِع بِـ ٍ‬
‫ـخص فقيـ ٍـر ال َيجــدُ مــا َينت َِع ُل ـ ُه فــي إحــدى‬
‫ـزوج ِم ـ َن األحذ َيـ ِـة لشـ‬
‫األحذ َيـ ِـة ا ّلتــي التَز َمـ ْ‬
‫ِ‬
‫بيعهــا أي ٍ ِ‬
‫ـك عنــدَ ِ‬
‫الــدُّ َو ِل ال َفقيـ َـر ِة‪ ،‬وذلـ َ‬
‫ـص َشـ ِـر َك ًة لِ َبيـ ِع‬
‫زوج مــن أحذ َيتهــا‪ .‬أ ّمــا النّمــو َذ ُج ال ّثانــي َف َي ُخـ ُّ‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫المالبِـ ِ‬
‫أي من َتـ ٍ‬
‫ـج ِمــن ُمنَتجاتِهــا ح ّتــى‬
‫ـس‪ ،‬و َقــد التَز َمــت مــن جانبِهــا بِزراعــة َعشـ ِـر َشــجرات عنــدَ بيـ ِع ِّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـجار ا ّلتــي قامــت بزرا َعتهــا أكثــر مــن سـتّة مالييـ َن َشــجرة (ح ّتــى كتابــة هــذا المقـ ِ‬
‫ـغ َعــدَ ُد األشـ ِ‬
‫َبلـ َ‬
‫ـال)‪،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ ٍ‬
‫الزيــا َد َة فــي َعــدَ ِد األشـ ِ‬
‫ـي ت ِ‬
‫ـجار بِزيــا َد ِة‬
‫ُظهـ ُـر ّ‬
‫وقــد قامــت بوض ـ ِع حاس ـ َبة علــى َموقعهــا اإللكترونـ ِّ‬
‫ف العا َلمي ِ‬
‫صــار ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َجهيــز إحــدى‬
‫َمويــل ت‬
‫ــة بِت‬
‫الم‬
‫ّمــوذج‬
‫بيعــات‪ .‬وأ ّمــا الن‬
‫الم‬
‫َّ‬
‫هــو قيــا ُم َ‬
‫األخيــر َف َ‬
‫ُ‬
‫أحــد َ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ـات متحـ ِ‬
‫قاعـ ِ‬
‫ـف ماليزيــا لل ُفنـ ِ‬
‫ـض ِمــن َفيـ ٍ‬
‫ـض‪.‬‬
‫ـون اإلســام َّي ِة‪ ،‬وهــذا َغيـ ٌ‬
‫ُ َ‬
‫َيــن‪ ،‬األولــى فــي ِمن َط َقتِنــا العربي ِ‬
‫ــة ي ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫وهر َّيت ِ‬
‫الح َظت ِ‬
‫الح ُ‬
‫ــة‬
‫َيــن َج َ‬
‫َ َّ‬
‫ــظ ُم َ‬
‫المجت ََمع َّي ُ‬
‫والمتأ ِّم ُــل للمســؤول َّية ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫المجت ََمع َّيـ ِـة فــي‬
‫المســؤول َّية ُ‬
‫ـي َعــدَ ُم تَطـ ُّـو ِر َمفهــو ِم َ‬
‫ـي‪ ،‬أ ّمــا األولــى‪َ :‬فهـ َ‬
‫المسـتَوى العا َلمـ ِّ‬
‫وال ّثانيـ َة علــى ُ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ـغ درج ـ َة ِ‬
‫ِ ِ‬
‫الكفا َيـ ِـة‪ ،‬كذلـ َ‬
‫المتَقــدِّ ِم‪ ،‬فمــا‬
‫من َط َقتنــا ل َيب ُلـ َ َ‬
‫ـك َعــدَ ُم موا َك َبتــه لمــا ُهــو َعليــه اآلن فــي العا َل ـ ِم ُ‬
‫*)بتصرف من لجنة التأليف‪ ،‬جريدة البيان ‪ 14‬أكتوبر ‪.2015‬‬
‫‪213‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ـرون مســؤوليتَهم المجتَمعيـ َة فــي ِ‬
‫زال بعــض رؤسـ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ـركات ُ‬
‫ـاء َّ‬
‫أداء‬
‫وخ‬
‫الشـ‬
‫َّ‬
‫ً‬
‫َّ ُ ُ ُ‬
‫صوصــا العائل َّيـ َة منهــا‪َ ،‬يحصـ َ َ‬
‫ُ ُ‬
‫ِ‬
‫الـ َّـز ِ‬
‫ِ‬
‫ـك إلــى ِق ّلـ ِـة الوعــي َل ِ‬
‫الواج َبـ ِـة َع َل ِيهــم َف َقــط‪ ،‬ويرجــع ذلـ َ‬
‫وبالرغـ ِم‬
‫كاة‬
‫ديهــم أو در ًءا للمســؤول َّية‪ّ .‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫مــن ِع َظ ـ ِم َشـ ِ‬
‫ِ‬
‫وأهم َّيتِهــا ك َُركـ ٍ‬
‫المجت ََم ـعِ‪ّ ،‬إل‬
‫أركان اإلســا ِم‪،‬‬
‫ـن ِمــن‬
‫ـأن الـ َّـزكاة َ‬
‫ـم فــي ُ‬
‫الم ِهـ ِّ‬
‫ودورهــا ُ‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫المجتَمع َّيـ ِـة فيهــا ُي َعــدُّ خطـ ًـأ شــديدَ ُ‬
‫ـور ِة‪ ،‬لِمــا فيـ ِـه ِمــن تَحجي ـ ٍم وتَضيـ ٍـق‬
‫الخطـ َ‬
‫المســؤول َّية ُ‬
‫أن َحصـ َـر َ‬
‫ِ ِ‬
‫لِمســؤول َّي ِة َّ‬
‫المجتَم ـعِ‪.‬‬
‫الشـ ِـركات تجــا َه ُ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ـي مــا نــرا ُه ِمــن بعـ ِ‬
‫ـض َّ‬
‫المســؤول َّي ِة‬
‫الشــركات العا َلم َّيــة‪ ،‬م َن اســتخدامها مبــدَ َأ َ‬
‫المالحظـ ُة ال ّثان َيـ ُة َفهـ َ‬
‫أ ّمــا ُ‬
‫ــذر الر ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫المجتَمعي ِ‬
‫مــاد فــي الع ِ‬
‫رشــاة لِ َم ِ‬
‫يــون‪ ،‬أو أنّهــا َج َع َلتــ ُه‬
‫ــة َك ُف‬
‫ُ‬
‫ســح أخطائهــا وت ُ‬
‫ُ َ َّ‬
‫َجاوزاتهــا‪ ،‬أو ل َ ِّ َّ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـركات تعمـ ُـل فــي مجـ ٍ‬
‫ـي ُمتهالــك َخـ ِـر ٍ‬
‫ـال النِّفــط‪ ،‬أ َّدت‬
‫ب‪ .‬هنــاك مثـ ًـا شـ ٌ‬
‫َ‬
‫واج َهـ ًة َجميلـ ًة لواقـ ٍع داخلـ ٍّ‬
‫ث بيئيـ ٍـة معروفـ ٍـة ومسـ ٍ‬
‫أعما ُلهــا إلــى َكـ ِ‬
‫المقابِـ ِ‬
‫ـي تَحمـ ُـل لــوا َء ِحما َيـ ِـة البي َئـ ِـة‬
‫ُ َّ‬
‫ـل َفهـ َ‬
‫ـج َلة عالم ًّيــا‪ ،‬وبِ ُ‬
‫ـوار َ َّ َ‬
‫ـال تَوفيـ ِـر ال ّطا َقـ ِـة فــي مبانيهــا علــى سـ ِ ِ ِ‬
‫والمحا َف َظـ ِـة َع َليهــا ِمــن ِخـ ِ‬
‫أهم َيتِـ ِـه‬
‫ـبيل المثــال‪ ،‬وهـ َـو أمـ ٌـر علــى ّ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ـركات مــن أضـ ٍ‬
‫يبقــى ضئيـ ًـا جــدًّ ا مقابِـ َـل مــا أحد َثتـ ُه هــذه ّ‬
‫ـت‪.‬‬
‫الشـ‬
‫ـرار ومــا زالـ ْ‬
‫ُ‬
‫الجيــل الجديــدَ مــن رو ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ورغــم ّ‬
‫َفائــا ّ‬
‫لــت ُمت ً‬
‫األعمــال والقيادييــ َن‬
‫اد‬
‫بــأن‬
‫كل مــا‬
‫َ‬
‫ســبق‪ ،‬فأنــا ال ِز ُ‬
‫ُ ّ‬
‫َ‬
‫ـركات العائليـ ِـة قــد نشـ َـأ فــي عصـ ٍـر بــر َز فيـ ِـه مفهــوم المســؤولي ِة المجتمعيــةِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـباب مــن َو َر َثــة َّ‬
‫َّ‬
‫الشـ‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫َّ ُ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫أفضـ َـل‪ِ ،‬‬
‫ِ‬
‫وم ّمــا ســاعَدَ علــى ذلِـ َ‬
‫ـك‬
‫ـح أكثـ َـر‬
‫ـور ٍة َ‬
‫ً‬
‫وأص َبـ َ‬
‫وضوحــا‪ ،‬كمــا تشـ ّـر َب هــذا الجيـ ُـل مبادئَهــا بِصـ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫إطـ ُ‬
‫المنا َفسـ ِـة‪،‬‬
‫ـص بتحقيـ ِـق المســؤول ّية المجتمع ّيــة‪ ،‬وتُذكــي َ‬
‫ـاق جوائـ َـز مح ّل َّيــة وعا َلم َّيــة تَخ َتـ ُّ‬
‫روح ُ‬
‫ـي بالمســؤولي ِة المجتَمعيـ ِـة بِصـ ٍ‬
‫ؤسس ـ َّي ٍة ُم َم َنه َجـ ٍـة‪ .‬و َلنــا فــي صاحـ ِ‬
‫ـب‬
‫َّ‬
‫وتُسـ ِـه ُم فــي نَشـ ِـر َ‬
‫ـورة ُم َّ‬
‫َ‬
‫َّ ُ‬
‫الوعـ ِ َ‬
‫آل مكتــو ٍم ‪-‬حف َظـه ال ّلـه‪ -‬قــدو ٌة حسـنَ ٌة‪ ،‬إذ بــد َأ ســموه منـ ُـذ سـ ٍ‬
‫ٍ ِ‬
‫حمـ ِـد بـ ِ‬
‫ـمو ّ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـنوات‬
‫َ‬
‫َ ُ ُ‬
‫السـ ِّ‬
‫ُ ُّ ُ ُ َ‬
‫ـن راشــد َ‬
‫ـيخ ُم َّ‬
‫ُّ‬
‫ـان وعشــرين مبــادر ًة تَخـ ِـدم َش ـتّى المجـ ِ‬
‫ٍ‬
‫ـاق مبــاد ٍ‬
‫ـغ عَدَ دهــا ثمـ ٍ‬
‫رات ُمجتَمع َّيـ ٍـة َ‬
‫ـاالت‬
‫َ‬
‫وخير َّيــة َب َلـ َ ُ‬
‫بإطـ ِ ُ َ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ََ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َعم ُ‬
‫مديــرون و ُمو َّظ َ‬
‫َ‬
‫أهــداف‬
‫تحقيــق‬
‫ــل علــى‬
‫إدارة َو‬
‫ــس‬
‫ؤسســات َلهــا َمجال ُ‬
‫فــون‪ ،‬وت َ‬
‫فــي صــورة ُم َّ‬
‫رامــج َزمنيـ ٍـة محــدّ ٍ‬
‫ـل وب ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ٍ ِ ٍ‬
‫دة‪.‬‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫وغايــات واض َحــة َو ْفـ َـق خ َطــط عمـ ٍ َ‬
‫ٍ‬
‫ـف بِمــا ح َّقق ْتـه هـ ِ‬
‫أن ســموه لــم يكتـ ِ‬
‫ص على اســتِدا َمتِها‬
‫ـذه‬
‫المؤسسـ ُ‬
‫ـات مــن إنجــازات‪ ،‬بل َحـ َـر َ‬
‫ُ‬
‫و َنــرى ّ ُ ُ َّ ُ‬
‫ّ‬
‫ـال إطـ ِ‬
‫ـن راشـ ٍـد ِ‬
‫َطويرهــا ِمــن ِخـ ِ‬
‫وت ِ‬
‫محمـ ِـد بـ ِ‬
‫إدار ٍة برئاسـ ِـة‬
‫ـاق (مبـ‬
‫آل مكتــو ٍم) تحـ َ‬
‫ُ‬
‫ـت مجلــس َ‬
‫ـادرات ّ‬
‫ـمو ِه َو ُعضو َّيـ ِـة أنجالِـ ِـه الكــرا ِم؛ لتكـ َ‬
‫َنضــوي تَحتَهــا‬
‫مؤسسـ ٍـة إنســان َّي ٍة مجتَمع َّيـ ٍـة قابِ َضـ ٍـة ت َ‬
‫ُسـ ِّ‬
‫ـون َّأو َل َّ‬
‫ـات متَخصصـ ٍـة‪ ،‬ال تَخـ ِـدم إمــار َة دبــي أو دو َلـ َة اإلمـ ِ‬
‫ٍ‬
‫ـض َخ ُيرهــا‬
‫ـارات فقــط؛ بــل َيفيـ ُ‬
‫مؤسسـ ُ ِّ َ‬
‫ُ َ ُ ّ‬
‫مجموعـ ُة َّ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫دون الن ِ‬
‫َّظــر إلــى ٍ‬
‫ِ‬
‫عــرق أو ِج ٍ‬
‫األرض َ‬
‫حــدود‬
‫نــس أو‬
‫لــون أو‬
‫ديــن أو‬
‫وجهو ُدهــا علــى َشــتّى بقــا ِع‬
‫ُ‬
‫‪214‬‬
‫يأّرلا ُصوصن ‪ -‬ةّيفحّصلا ُةدمعألا‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ـك َ ِ ٍ‬
‫ـمو ُه فــي ذلـ َ‬
‫ـي علــى‬
‫ُجغراف َّيــة‪ ،‬وإنّمــا تُر ِّكـ ُـز علــى اإلنســان كإنســان‪ُ ،‬م َقدِّ ًمــا سـ ُّ‬
‫أرو َع مثــال َعملـ ٍّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َّ ِ‬
‫ـس أمـ ًـرا ِ‬
‫ـم‬
‫عار ًضــا أو َعشــوائ ًّيا‪ ،‬إنّمــا هـ َـو َهـ ٌ‬
‫المجتمعــات وأبنائهــا ليـ َ‬
‫ـدف ســا ٍم َيتـ ُّ‬
‫أن خد َم ـ َة وتَنم َي ـ َة ُ‬
‫تَحقي ُق ـ ُه ِمــن خـ ِ‬
‫ـوح َو َد ٍ‬
‫ـال َعمـ ٍ‬
‫أن يكـ َ‬
‫ورجاؤنــا ْ‬
‫ـي َطمـ ٍ‬
‫ـاس علــى‬
‫ـون (النّـ ُ‬
‫ؤوب و ُمســتدا ٍم‪َ .‬‬
‫ؤسسـ ٍّ‬
‫ـل ُم َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ديـ ِ‬
‫المجتَمع َّي ـ َة‪.‬‬
‫تحمل ِهــم مســؤول َّيت َُه ُم ُ‬
‫ـن ُملوك ِهــم) فــي ُّ‬
‫‪215‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫قــل (ال) واس َت ِ‬
‫متع‬
‫ْ‬
‫َشهد العبدويل‬
‫ِ‬
‫ـب الكلمـ ِ‬
‫ـات ا ّلتــي قــد ت ِ‬
‫ـع أنَّهــا ال تَتكـ َّـو ُن ِســوى ِمــن َحر َفيـ ِ‬
‫مــن أصعـ ِ‬
‫َلمـ ٌة‬
‫ُواج ُهنــا فــي حياتنــا مـ َ‬
‫ـن‪ ،‬ك َ‬
‫ـوت غيـ ِـر مســمو ٍع فــي ِ‬
‫نَقو ُلهــا بأعلــى صـ ٍ‬
‫ـاف ِمــن َقولِهــا َعالنِ َيـ ًة‪ ،‬لِمــاذا َ‬
‫ـوف‬
‫الخـ ُ‬
‫دواخلنــا‪ ،‬ولكنَّنــا نخـ ُ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫مــن قـ ِ‬
‫ـراف ورا َء َعواطفنــا لمجا َم َلــة اآلخريــن‪ ،‬رافضيـ َن مــن الدّ اخـ ِ‬
‫ـل‪ ،‬ولسـ ُ‬
‫ـان‬
‫ـول ك َِل َمـ ِـة (ال) واالنجـ ُ‬
‫حالِنــا َيقـ ُ‬
‫ـول نَعــم؟‬
‫دون خسـ ِ‬
‫ـف نَقـ ُ‬
‫ـول (ال) ولك ـ ْن َ‬
‫ـب‪ ،‬فلنَس ـتَمتِع ونَح ـ ُن نُح ِّقـ ُـق ر َغباتِنــا َل‬
‫ـم م ًعــا كيـ َ‬
‫ـارة مــن نحـ ًّ‬
‫َ‬
‫لن َت َع َّلـ َ‬
‫ـف إلــى عاتِقـ ِ‬
‫ر َغبـ ِ‬
‫ـات ِ‬
‫ـت فــي ِغنًــى عن ـ ُه‪ِ .‬عندمــا تَقــو ُم‬
‫غيرنــا‪ ،‬فكثــر ُة (نعــم) تُضيـ ُ‬
‫ـك ِحمـ ًـا كًبيـ ًـرا أنـ َ‬
‫َفســك بِشـ ٍ‬
‫ـن نظيــر المجاملــة وحفا ًظــا علــى العالقـ ِ‬
‫ـط ن ِ‬
‫بربـ ِ‬
‫ـيء ُمع َّيـ ٍ‬
‫ـت بِذلـ َ‬
‫ـح‬
‫ـات وكَســبِها‪ ،‬فأنـ َ‬
‫ـك تف َتـ ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ـون (نَعــم) ا َّلتــي قلتَهــا َقــد ح َّلــت َمـ َ‬
‫ـم‪ ،‬و َقــد تَكـ ُ‬
‫وري‬
‫ـم َ‬
‫وضـ ِـر ٍّ‬
‫علــى نَف َســك أبـ َ‬
‫ـكان أمـ ٍـر ُم ِهـ ٍّ‬
‫ـواب جهنَّـ َ‬
‫ـك الـــ (نعــم) قــدْ ال يسـ ِ‬
‫ـل غيـ ِـر ًمسـ ًـمى‪ ،‬فــي حيـ ِ‬
‫أجـ ٍ‬
‫ـن تَنفيـ ِـذ َك لِتلـ َ‬
‫ـم ُن وال ُيغنــي مــن‬
‫ُ‬
‫َفت َُؤ ِّج َل ـ ُه إلــى َ‬
‫جــوعٍ‪.‬‬
‫قــول ك ِ‬
‫ِ‬
‫الخــاص َبعيــدً ا ِ‬
‫ــك َطري َق َ‬
‫َشــق َل َ‬
‫تفتــح َ‬
‫ّ‬
‫عــن‬
‫ــك‬
‫َلمــة (ال)‬
‫الشــجاع ُة فــي‬
‫كثيــر ًة وت ُّ‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫لــك آفا ًقــا َ‬
‫ـذه الحيـ ِ‬
‫ـيير َك فــي هـ ِ‬
‫ـون قـ ِ‬
‫التِّكـ ِ‬
‫ـن وبعيــدً ا عــن تَسـ ِ‬
‫والروتيـ ِ‬
‫ـول كلمـ ِـة (ال) ْ‬
‫ـم فنـ َ‬
‫ـاة‪َ .‬ع َلينــا ْ‬
‫وأن‬
‫َ‬
‫أن نتَع َّلـ َ‬
‫ـرار ّ‬
‫أساس ـي ِ‬
‫ُوضــح ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ات َقـ ِ‬
‫ـول‬
‫ّ‬
‫بالصــورة اإليجابِ َّيــة وال َبنّــا َءة‪َ .‬دعونــا فــي بِدا َيــة األمـ ِـر ن ِّ ُ‬
‫ُنك َِّر َســها فــي َحياتنــا ّ‬
‫ـذه النِّقـ ِ‬
‫ـذه الكلمـ ِـة فــي هـ ِ‬
‫هـ ِ‬
‫الخمـ ِ‬
‫ـاط َ‬
‫ـس‪:‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـال أســبو ٍع وإذا كُنـ َ ِ‬
‫ـك لِك َِل َمـ ِـة (نَعــم) ِخـ َ‬
‫‪َ 1‬د ّون َقو َلـ َ‬‫َثرتِهــا‪ ،‬إ َذن‬
‫ـت مــن ُمدمنيهــا سـ َ‬
‫ـتتفاج ُأ مــن ك َ‬
‫ـك بِت ِ‬
‫َغييرهــا حـ ً‬
‫َع َليـ َ‬
‫ـال‪.‬‬
‫ـك‪َ ،‬فــا ُتعـ ِ‬
‫ـم بالطرائــق واألســالِ ِ‬
‫ـوز ُع فيهــا طا َق َتـ َ‬
‫ـت َغ ُير‬
‫ـط ُجـ َّـل ُجهـ ِـد َك لـــ (نعــم) أنـ َ‬
‫يب ا ّلتــي ُتـ ِّ‬
‫ْ‬
‫‪ 2‬اه َتـ َّ‬‫ِ‬
‫ٍ‬
‫َخسـ ُـر أه َلـ َ‬
‫ـك لِكمـ ِـة (ال) َلــن تَج َع َلـ َ‬
‫راض َعنهــا‪ ،‬فقو ُلـ َ‬
‫وأصدقــا َء َك و َمــن ُيح ّبون ََك‪.‬‬
‫ـك‬
‫ـك ت َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫المطلوب‪.‬‬
‫اإلنجاز‬
‫الم ِه ِّم‪ ،‬فاأل َق ِّل أهم َّي ًة ؛لِتُح ِّق َق‬
‫َ‬
‫‪ 3‬رتِّب أولو ّيات َك وابدَ أ دائ ًما بِ َ‬‫َ‬
‫األه ِّم‪ُ ،‬ث َّم ُ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـراج فــي َقـ ِ‬
‫ـول‬
‫‪ 4‬اعـ ِـر ْ‬‫ـب اإلحـ َ‬
‫ف حــدو َد َك ج ّيــدً ا وابــدَ أ فــي َوضعهــا وتَحديدهــا م ـ َن اآلن ل َتتَجنَّـ َ‬
‫(نَعــم)‪.‬‬
‫‪216‬‬
‫يأّرلا ُصوصن ‪ -‬ةّيفحّصلا ُةدمعألا‬
‫ِ‬
‫أي و َليــس ات ِ‬
‫ِ‬
‫‪َ 5‬أ ِ‬‫ِّخــاذ ال َق ِ‬
‫األو ُل‬
‫عــط اآلخريــ َن َب َ‬
‫أي َّ‬
‫فالــر ُ‬
‫الــر ِ َ َ‬
‫عــض َّ‬
‫ــرار‪َّ ،‬‬
‫الصالح ّيــات فــي إبــداء َّ‬
‫أنــت ال لِ ِ‬
‫واألخيــر يعــو ُد َل َ‬
‫غيــر َك‪.‬‬
‫ــك َ‬
‫ُ‬
‫ـف ك َِلم ـ َة (ال) بِ ِكذ َبـ ٍـة عابـ َـر ٍة أو ُت َب ِّطنَهــا بأعـ ٍ‬
‫ـذار ال وجــو َد لهــا‪ ،‬فذلِـ َ‬
‫ـك لِ َوحـ ِـد ِه‬
‫واحـ َـذ ْر مــن أن ُت َغ ِّلـ َ‬
‫ِ‬
‫سيشـ ِ‬
‫ـاو َل ِ‬
‫ـيس هــي ا ّلتــي نُحـ ِ‬
‫ـب وتَأنيـ ِ‬
‫الذنـ ِ‬
‫ـع ُر َك بِ َ‬
‫جاهدَ يـ َن االبتعــا َد َعنهــا‪.‬‬
‫ـب َّ‬
‫الضميـ ِـر‪ ،‬وهــذه األحاسـ ُ‬
‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫ـك ُفرص ـ ًة لِتغييـ ِـر حيثيـ ِ‬
‫ـط لن ِ‬
‫أعـ ِ‬
‫ـات األمـ ِ‬
‫الجوانِـ ِ‬
‫َفسـ َ‬
‫ـب‪َ ،‬فل َعـ َّـل «ال» هـ ِـذ ِه‬
‫ـور والنَّظـ ِـر إليهــا مــن كا َّف ـ ًة َ‬
‫َ ّ‬
‫َ‬
‫ِ ِ‬
‫ـب األحيـ ِ‬
‫ـكل األمـ ِ‬
‫ـون فــي أغ َلـ ِ‬
‫ـك بِـ ِّ‬
‫ـطارةً‪ ،‬ولكنَّهــا َقــد تَكـ ُ‬
‫ـاح َسـ َعا َدتِ َك‪َ .‬فقبو ُلـ َ‬
‫ـان‬
‫ـور ليـ َ‬
‫هــي مفتـ ُ‬
‫ـس َشـ َ‬
‫ـك فــي كَثيـ ٍـر ِم ـن األزمـ ِ‬
‫لعنَـ ًة ِ‬
‫توق ُعـ َ‬
‫ـات‪.‬‬
‫َ‬
‫‪217‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫‪218‬‬
‫صوص‬
‫ال ّن‬
‫ُ‬
‫املعلوماتي ُة‬
‫ّ‬
‫‪219‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫‪220‬‬
‫ةّيتامولعملا ُصوصّنلا‬
‫املعلوماتي ُة‬
‫صوص‬
‫ال ّن‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫ُت َعــدُّ معرفــة نــوع النــص المقــروء مــن أهــم اإلســتراتيجيات ا ّلتــي تســاعد القــارئ علــى فهــم‬
‫النصــوص‪ ،‬والتن ّبــه إلــى النقــاط الجوهريــة فيهــا‪ ،‬والتعمــق فــي أفكارهــا ومضامينهــا؛ فقــراءة قصيــدة‬
‫مــن ِّ‬
‫الشــعر تختلــف عــن قــراءة قصــة‪ ،‬وهــذه تختلــف عــن قــراءة نــص معلوماتــي‪ ،‬فلــكل نــوع مــن‬
‫ِ‬
‫ـب‪ ،‬وبســببها يقرؤهــا القراء‪.‬‬
‫النصــوص الطريقــة ا ّلتــي تناســبه‪ ،‬وتناســب الغايــات ا ّلتــي مــن أجلهــا كُتـ َ‬
‫وتنو ًعــا فــي عصرنــا الحاضــر‪ ،‬ومعظــم‬
‫ويعــد النــص المعلوماتــي مــن أكثــر النصــوص‬
‫انتشــارا ّ‬
‫ً‬
‫النــاس يعتمــدون عليــه فــي حياتهــم اليوميــة فــي أبســط األمــور وأكثرهــا تعقيــدً ا؛ فعلــى ســبيل المثــال‬
‫ال الحصــر‪ ،‬كلنــا نحتــاج أن نعــرف حالــة الطقــس‪ ،‬أو مواعيــد الصــاة‪ ،‬أو مواعيــد الرحــات فــي‬
‫المطــارات للمســافرين‪ ،‬أو موقــع مؤسســة مــا نــود أن نزورهــا‪ ،‬فمثــل هــذه الجــداول والخرائــط‬
‫نصوصــا معلوماتيــة‪ ،‬فمــا النــص المعلوماتــي؟ ومــا الفــرق بينــه وبيــن ســائر النصــوص؟‬
‫تســمى‬
‫ً‬
‫ـص هدفــه أن ُيقــدّ م معلومــات للقــارئ بطريقــة مباشــرة وواضحــة‪،‬‬
‫النــص المعلوماتــي‪ :‬هــو أي نـ ٍّ‬
‫تتصــف بالدقــة‪ ،‬وتعتمــد علــى األدلــة العلميــة والحقائــق‪ .‬وألن هــدف النــص المعلوماتي هــو تقديم‬
‫المعلومــات فإنــك ســتجده فــي مجــاالت العلــوم والفنــون ك ّلهــا‪ ،‬كالفيزيــاء‪ ،‬والكيميــاء‪ ،‬والطــب‪،‬‬
‫والرياضــة‪ ،‬والصحــة‪ ،‬والبيئــة‪ ،‬والجغرافيــا‪ ،‬والتاريــخ‪ ،‬واللغــة‪ ،‬والرســم‪ ،‬وتطويــر الــذات‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫وهــذا ال يعنــي ّ‬
‫أن النــص المعلوماتــي هــو النــوع الوحيــد الــذي يقــدم معلومــات للقــارئ‪ ،‬ولك ـ ّن‬
‫النــص المعلوماتــي ليــس لــه أي هــدف إال تقديــم المعلومــات‪ ،‬بخــاف النصــوص األخــرى‪.‬‬
‫ولكــي تتضــح الفــروق بيــن النــص المعلوماتــي وغيــره مــن النصــوص يحســن أن نتحــدث عــن‬
‫التصنيــف العــام للنصــوص‪ ،‬حيــث تنقســم إلــى نصــوص خيال ّيــة (‪ )Fiction‬ونصــوص غيــر خيال ّيــة‬
‫(‪)Non-Fiction‬‬
‫‪1.1‬النص الخيالي‪:‬‬
‫هــذا المصطلــح هــو ترجمــة لكلمــة (‪ ،)Fiction‬وهــي مشــتقة مــن كلمــة التينيــة تعنــي « ُي َشــكَّل»‬
‫أو « ُي َصنَّــع» ويشــير إلــى تأليــف أدبــي متخ ّيــل ومبتــدَ ع‪ .‬وهــو مصطلــح يع ّبــر عــن الفــن القصصــي‬
‫أن هنــاك مــن يــرى ّ‬
‫بأشــكاله المختلفــة‪ :‬الروايــة‪ ،‬والروايــة القصيــرة‪ ،‬والقصــة القصيــرة‪ ،‬مــع ّ‬
‫أن‬
‫‪221‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫مصطلــح (‪ )Fictional‬يشــمل كل مــا هــو أدبــي‪ ،‬أو كل األجنــاس األدبيــة مثــل الشــعر والدرامــا‬
‫وألــوان الســرد إلــى جانــب الروايــة والقصــة‪.‬‬
‫فهــذا العمــل هــو مــن خيــال الكاتــب‪ ،‬حتــى لــو اعتمــد علــى وقائــع مــن الحيــاة‪ ،‬أو مــن التاريــخ‪.‬‬
‫وهدفــه فــي الغالــب اإلمتــاع والمشــاركة‪.‬‬
‫‪2.2‬النص غير الخيالي‪:‬‬
‫هــو ترجمــة لمصطلــح (‪ )Non-Fiction‬باإلنجليزيــة‪ ،‬بمعنــى أنــه خــال مــن الخيــال‪ ،‬ويشــير إلــى كل‬
‫النصــوص التــي تعتمــد علــى الحقائــق والوقائــع واألدلــة‪ .‬وليــس للخيــال دور فيهــا‪ ،‬وهدفهــا فــي‬
‫الغالــب تقديــم معلومــات للقــارئ حــول موضــوع مــا‪ .‬وتحــت النصــوص غيــر الخيال ّيــة تنــدرج‬
‫أيضــا نصــوص ِ‬
‫الســ ّير‪ ،‬الذات ّيــة والغيريــة‪،‬‬
‫النصــوص المعلوماتيــة بأشــكالها كا ّفــة‪ ،‬كمــا تنــدرج ً‬
‫والكتابــات الفلســفية والتاريخيــة والجغرافيــة‪ ،‬وغيرهــا كثيــر‪.‬‬
‫ويمكن توضيح هذا التقسيم في الشكل التالي‪:‬‬
‫ولكــي نوضــح الفــرق بيــن النــص المعلوماتــي والنصــوص األخــرى التــي تنــدرج تحــت مســمى‬
‫الســيرة‬
‫«نــص غيــر خيالــي» يمكــن أن نعقــد هــذه المقارنــة البســيطة بيــن النــص المعلوماتــي ونصوص ّ‬
‫األدبيــة مثـ ًـا‪ ،‬فعلــى الرغــم مــن ّ‬
‫أن كليهمــا يندرجــان تحت قســم النصوص غيــر الخيال ّيــة إال أن معظم‬
‫الســيرة األدبيــة تبنــى بنــاء يشــبه بنــاء القصــة والروايــة‪ ،‬فتعتمــد علــى الشــخصيات‪ ،‬ووجــود‬
‫نصــوص ّ‬
‫إطــار زمانــي ومكانــي‪ ،‬وأحــداث‪ ،‬وتشــويق وغيرهــا‪ .‬وتكتــب بأســلوب ســردي فــي الغالــب يشــبه‬
‫أســلوب كتابــة القصــص‪ .‬أمــا النصــوص المعلوماتيــة فتقتصــر فقــط علــى تقديــم المعلومات؛ فلــو أننا‬
‫نصــا معلومات ًّيــا عــن الشــيخ زايــد بــن ســلطان ‪-‬رحمــه ال ّلــه‪ ،‬فإننــا ســنقتصر علــى ذكــر‬
‫أردنــا أن نكتــب ًّ‬
‫‪222‬‬
‫ةّيتامولعملا ُصوصّنلا‬
‫الحقائــق فقــط‪ ،‬تاريــخ ومــكان ميــاده‪ ،‬فتــرة حكمــه‪ ،‬أخالقــه‪ ،‬إنجازاتــه‪ ،‬ســنة وفاتــه‪ ،‬وهكــذا‪ .‬ولكــن‬
‫إذا أردنــا أن نكتــب عنــه ســيرة أدبيــة فإننــا ســنعنى بتقديــم صــورة دقيقــة عــن شــخصيته‪ ،‬واهتماماتــه‪،‬‬
‫وأفــكاره‪ ،‬وكيــف كان يــرى العالــم‪ ،‬وبعــض المواقــف المؤثــرة فــي حياتــه‪ ،‬وبعــض الحكايــات التــي‬
‫تعكــس حكمتــه‪ ،‬وقربــه مــن شــعبه‪ ،‬وحرصــه علــى توحيــد الكلمــة‪ ..‬وهكــذا‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن النــص المعلوماتــي غيــر معنــي مــن قريــب أو بعيــد بالتأثيــر فــي القــارئ تأثيـ ًـرا عاطف ًّيــا‪ ،‬بــل هــو‬
‫يصــب كل تركيــزه علــى المعلومــة‪ ،‬والتحقــق مــن صحتهــا‪ ،‬والحــرص علــى أن تصــل إلــى القــارئ‬
‫مــن مصــادر موثوقــة‪ ،‬وأن تقــدم لــه فــي شــكل واضــح وبســيط‪ ،‬يســاعده علــى تم ّثلهــا وتنظيمهــا‬
‫وتذكرهــا‪.‬‬
‫وأكثــر مــا تجــد النصــوص المعلوماتيــة فــي المعاجــم‪ ،‬والموســوعات‪ ،‬واألطالــس‪ ،‬وكتــب التعليــم‪،‬‬
‫والكتــب المدرســية علــى اختالفهــا‪ ،‬والخرائــط‪ ،‬والمقــاالت العلميــة ا ّلتــي تنشــر فــي المجــات‪،‬‬
‫كمــا نــرى فــي مجلــة (ناشــيونال جيوغرافيــك) علــى ســبيل المثــال‪.‬‬
‫وأهــم مــا يم ّيــز النصــوص المعلوماتيــة اعتمادهــا علــى الحقائــق واألرقــام‪ ،‬ونتائــج الدراســات‬
‫العلميــة‪ ،‬ولذلــك يعتمــد تقييــم النــص المعلوماتــي علــى الصحــة والدقــة فــي نقــل المعلومــات‪،‬‬
‫والتوثيــق العلمــي ا ّلــذي يحيــل إلــى المصــادر‪ ،‬وعلــى ِ‬
‫الجــدّ ة والتحديــث‪ ،‬فــا ينقــل النــص نتائــج‬
‫دراســات قديمــة‪ ،‬ويتــرك الحديثــة منهــا‪.‬‬
‫ولكتابــة النصــوص المعلوماتيــة أصــول وطــرق معتمــدة‪ ،‬فــا يجــوز للكاتــب أن يتصــدى لكتابــة‬
‫نــص معلوماتــي مــن دون أن يلتــزم بهــذه األصــول التزا ًمــا تا ًّمــا‪ .‬وقــد تطـ ّـورت طــرق كتابــة النصوص‬
‫المعلوماتيــة فــي العصــر الحديــث‪ ،‬وصــار المؤلفــون يعتمــدون علــى وســائل كثيــرة تســاعد القــارئ‬
‫علــى فهــم المعلومــات‪ ،‬وتنظيمهــا‪ ،‬وحفظهــا‪ ،‬وتذكرهــا‪ ،‬كالجــداول‪ ،‬والقوائــم‪ ،‬واألشــكال‬
‫والرســومات التوضيحيــة‪ ،‬والصــور‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن قــراءة النصــوص المعلوماتيــة تتطلــب مــن القــارئ االنتبــاه‪ ،‬والتدقيــق‪ ،‬وإعــادة تنظيــم المعلومات‬
‫بمــا يناســب أغراضــه الخاصــة‪ ،‬وهــي مــن أكثــر المهــارات أهميــة للطــاب‪ ،‬خاصــة فــي المرحلــة‬
‫الجامعيــة‪.‬‬
‫‪223‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫لغات العالَ ِم مرايا ال ّن ِ‬
‫اس‬
‫ُ‬
‫*‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الضغـ ُ‬
‫لالندمـ ِ‬
‫يوجــدُ ِمنهــا فــي‬
‫ـاج واالسـ‬
‫ـوط العالم َّيـ ُة‬
‫تُؤ ِّثـ ُـر ّ‬
‫ـتيعاب تَأثيـ ًـرا حاسـ ًـما علــى ال ُّلغــات ا ّلتــي َ‬
‫ـف ُل َغـ ٍـة‪ ،‬تُعبــر ك ٌَّل ِمنهــا َعــن نَظــر ٍة َفريــدَ ٍة ِمــن ن ِ‬
‫اآلن ِمــن َخمسـ ِـة ٍ‬
‫العا َلـ ِم َ‬
‫َوعهــا‬
‫آالف إلــى ِعشــري َن َألـ َ‬
‫َ‬
‫ِّ ُ‬
‫َ‬
‫اآلن معــر ٌض لِ َخطـ ِـر ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ ِ‬
‫ِ‬
‫االنقـ ِ‬
‫ـراض فــي‬
‫للعا َلـ ِم َون ََمــط مــن َأنمــاط التَّفكيـ ِـر وال َّثقا َفــة؛ فكثيـ ٌـر مــن ال ّلغــات َ ُ َّ‬
‫المنظـ ِ‬
‫ـور‪.‬‬
‫المســتق َب ِل َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ـون بِ ُل َغـ ٍـة مــا أو َل م ِّ ِ‬
‫ـص عــدَ ِد األطفـ ِ‬
‫ـي علــى َّ‬
‫ـال ا ّلذيـ َن َيت َك َّلمـ َ‬
‫ـير‬
‫ُي َعــدُّ تَنا ُقـ ُ‬
‫أن هــذه ال ُّل َغـ َة تَسـ ُ‬
‫ؤشـ ٍـر علمـ ٍّ‬
‫َّ ُ‬
‫(بالهجـ ِ‬
‫ؤشــر ال ّثانــي َفهــو مــا ي ِ‬
‫ســيرا حثي ًثــا نَحــو ِ‬
‫أن نُسـ ّـم َي ُه ِ‬
‫ِ‬
‫ـراض أو التَّهميـ ِ‬
‫مكـ ُن ْ‬
‫ـرة‬
‫االنقـ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫َ ً َ‬
‫الم ِّ ُ‬
‫ـش‪ ،‬أ ّمــا ُ‬
‫ـت لِن ِ‬
‫ـات ال ُّل َغويـ ِـة) ونَعنــي بِهــا اتِّخــا َذ ال ُّلغـ ِ‬
‫داخـ َـل المجتَمعـ ِ‬
‫الص ِام َتـ ِـة ِ‬
‫َفســها‬
‫ـات العالم َّيـ ِـة ا ّلتــي ح َّققـ ْ‬
‫َّ َ‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ب تَفــو ِق َأ ِ‬
‫هلهــا ِعلم ًّيــا واقتِصاد ًّيــا‪َ ،‬بديـ ًـا عــن ال ّل َغـ ِـة األ ِّم فــي ُل َغـ ِـة‬
‫ُوجــو ًدا شاس ـ ًعا فــي العا َل ـ ِم بِس ـ َب ِ ُّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َّواصـ ِ‬
‫التَّعا ُمـ ِ‬
‫المجت ََم ـعِ‪.‬‬
‫ـل َ‬
‫ـي‪َ ،‬و ُل َغــة التَّعلي ـ ِم‪َ ،‬و َغ ِيرهــا مــن ســياقات الت ُ‬
‫الحيو َّيــة فــي َحيــاة ُ‬
‫ـل ال َيومـ ِّ‬
‫ٍ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـل الحيـ ِ‬
‫لمـ ِ‬
‫ـس ال َقــدْ ِر ِمـ َن انقـ ِ‬
‫ـوار ِد علــى نَفـ ِ‬
‫ـوان‬
‫ـراض فصيلــة مــن َفصائـ ِ َ َ‬
‫الوضـ ُ‬
‫َوهــذا َ‬
‫ـع ُيم ِّثـ ُـل اســتنزا ًفا ل َ‬
‫أو النَّبـ ِ‬
‫ـكل ُلغـ ٍـة ُين َطـ ُـق بِهــا فــي العا َلـ ِم تُع ِّبـ ُـر َعــن َطري َقـ ٍـة َفريــدَ ٍة لِلنّ َظـ ِـر إلــى الت ِ‬
‫َّجر َبـ ِـة ِ‬
‫ـات؛ فـ ُّ‬
‫اإلنســان َّي ِة‬
‫ـاك فِعـ ٌـل حركــي يعبــر َعــن ك ُِّل َخ ْلجـ ٍـة لِلعضـ ِ‬
‫وإلــى العا َلـ ِم ن ِ‬
‫َفسـ ِـه؛ َففــي ال ُّلغـ ِـة اليابان َّيـ ِـة َم َثـ ًـا هنـ َ‬
‫ـات‪،‬‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َ ٌّ ُ ِّ ُ‬
‫وك ُِّل حــدَ ٍ‬
‫وكل فِعـ ٍ‬
‫ـاني‪ ،‬وفــي ال َعرب َّيـ ِـة َمثـ ًـا ُهنـ َ‬
‫ث فــي ال َّطبي َعـ ِـة‪ِّ ،‬‬
‫ـاك مــا يزيــدُ علــى َخمســي َن‬
‫ـل إنسـ ٍّ‬
‫ــح واألزر ِق ِ‬
‫يــن لِ‬
‫عــض ال ُّل ِ‬
‫ِ‬
‫ــر‪ ،‬ون ِ‬
‫الغام ِ‬
‫لم َط ِ‬
‫ين ُمخت َِل َف ِ‬
‫اســم ِ‬
‫ِ‬
‫ــأزر ِق الفاتِ ِ‬
‫ــق‪،‬‬
‫غــات‬
‫َجــدُ فــي َب‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫اســما ل َ‬
‫ً‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫المفهــو ِم بِ‬
‫ـرون َعــن ِمثـ ِ‬
‫ـف‪ ،‬ويع ّبـ َ‬
‫ـات ِمثـ ُـل‪ :‬أمــا َم َ‬
‫كلمات‬
‫وخلـ َ‬
‫ـس فيهــا كلمـ ٌ‬
‫َوبعـ ُ‬
‫ـض ال ُّلغــات َليـ َ‬
‫ـل هــذا َ‬
‫ـات‪ ،‬هــو تنــوع فــي ال ّثقافـ ِ‬
‫إن هــذا التَّنــوع فــي ال ُّلغـ ِ‬
‫ـل َشـ ٍ‬
‫ـرب َو َشـ ٍ‬
‫ـمال َو َجنـ ٍ‬
‫ـرق َوغـ ٍ‬
‫ِمثـ ِ‬
‫ـوب َفقــط‪ّ .‬‬
‫ـات‬
‫ُ‬
‫ُّ ٌ‬
‫ُّ َ‬
‫ـوت لغـ ٍـة مـن ال ُّلغـ ِ‬
‫ّجربـ َة اإلنســاني َة ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـات‬
‫بالغنــى والتَّنـ ُّـوعِ‪ .‬ولِــذا ُيشــبِه َمـ ُ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫وطرائـ ِـق التَّفكيـ ِـر‪ ،‬إ َّنـ ُه ُيمــدُّ الت ِ َ‬
‫ـون والحيـ ِ‬
‫ـال علــى الكـ ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫الجمـ َ‬
‫ُ‬
‫ـاة‪ .‬ولكـ َّن كثيـ ًـرا ِمــن‬
‫أو‬
‫تهميشــها اختفــا َء لــون مـ َن األلــوان ا ّلتــي تُضفــي َ‬
‫ِ ٍ‬
‫ِ‬
‫ال ّلغـ ِ‬
‫ـات اختَفــى َعلــى َمـ ِّـر التّاريـ ِ‬
‫ـي‬
‫ـخ ال َب َشـ ِّ‬
‫المحا َف َظـ ُة علــى أ َّيــة ُل َغــة بِ َمرســو ٍم ُحكومـ ٍّ‬
‫ـري‪َ ،‬وال ُيمكـ ُن ُ‬
‫أو بِاالهتِمامـ ِ‬
‫ـرار واختيـ ِ‬
‫ـك فقــط بِقـ ِ‬
‫ـات ال ُفلكُلور ّيـ ِـة‪ ،‬وإنَّمــا يتح َّقـ ُـق ذلـ َ‬
‫ـار المتك ِّلميـ َن بِهــا‪.‬‬
‫وات لالتِّصـ ِ‬
‫أن لِـك ُِّل ُل َغـ ٍـة اإلمكان َّيـ ُة لِتَكـ َ‬
‫ـال‪ ،‬كمــا َّ‬
‫ـات ك ُّلهــا ُمتســاو َي ٌة ِمــن َحيـ ُ‬
‫ـون ُل َغـ ًة‬
‫ـث إنَّهــا أ َد ٌ‬
‫وال ُّلغـ ُ‬
‫ـف تَحقيـ ُـق هــذا األمـ ِـر علــى ال ُفـ َـر ِ‬
‫ـاح َلهــا‪ .‬و َقــد ســا َد اعتِقــا ٌد فــي الماضــي‬
‫عا َلم َّيـ ًة‪ ،‬ويتو َّقـ ُ‬
‫ص ا ّلتــي تُتـ ُ‬
‫*) مــن كتـ ِ‬
‫العالميـ ِـة للثّقافـ ِـة وال ّتنميـ ِـة ّ‬
‫العربيـ ُة) إشـ ُ‬
‫ـس األعلــى‬
‫(الطبعـ ُة‬
‫ـري الخـ ّـا ِق‪ ،‬تقريـ ُـر ال ّلجنـ ِـة‬
‫ـاب ال ّتنــو ِع البشـ ِّ‬
‫ـراف وتقديـ ُـم‪ :‬جابــر عصفــور‪ ،‬المجلـ ُ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫للثّقافــة‪ ،1997 ،‬مصــر (بتصــرف وإضافــات) ‪.‬‬
‫‪224‬‬
‫ةّيتامولعملا ُصوصّنلا‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫بِـ َّ‬
‫ـوت‪ ،‬ولكـ َّن هــذا التَّصـ ُّـو َر‬
‫ـي تو َلــدُ وتَنمــو‪ ،‬وت َْض َم ِحـ ُّـل وتَمـ ُ‬
‫ـأن ال ُّلغــات تُشــبِ ُه الكائنــات َ‬
‫الح َّيـ َة؛ فهـ َ‬
‫ـات ا ّلتــي تَس ـت ِ‬
‫وات ونَواتِــج للمجتَمعـ ِ‬
‫ِ‬
‫بالكامـ ِ‬
‫غيـ ُـر َصحيـ ٍ‬
‫َخد ُمها أو َتت ُْركُهــا‪،‬‬
‫ـات‬
‫ـح؛ فال ُّلغـ ُ‬
‫ـي أ َد ٌ َ‬
‫ُ ُ َ‬
‫ـل هـ َ‬
‫ـش فيهــا‪ ،‬و َعلــى عالمـ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ومصيــر ك ُِّل ال ُّلغـ ِ‬
‫والسياسـ َّي ِة ا ّلتــي تَعيـ ُ‬
‫ـات‬
‫ـات َوقـ ٌ‬
‫َ‬
‫ـف علــى البي َئــة االجتماع َّيــة ّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـم بهــا‪.‬‬
‫المجت ََمـ ُ‬
‫والســيا َدة ا ّلتــي َيتَم َّتـ ُ‬
‫ـع ا ّلــذي َيت َك َّلـ ُ‬
‫ـع بهــا ُ‬
‫ال ُقـ َّـوة ّ‬
‫ٍ‬
‫إن أهـ ِ ٍ‬
‫والمكتو َب ـ ُة‪ ،‬ولِذلِـ َ‬
‫ـوي‬
‫ـك ُيعــدُّ التَّنـ ُّـو ُع ال ُّل َغـ ُّ‬
‫ـم سـ َـمة َثقاف َّيــة ِّ‬
‫ـي ُل َغ ُت ـ ُه المنطو َق ـ ُة َ‬
‫ألي ُمجتَم ـ ٍع هـ َ‬
‫َّ َ َّ‬
‫ِ ِ‬
‫ـاد ِر البشــري ِة‪ .‬واختِفــاء أيـ ِـة ُل َغـ ٍـة يعــدُّ إفقـ ِ‬
‫مصــدَ را َثمينًــا ِمــن مصـ ِ‬
‫ِ‬
‫الم ِ‬
‫عر َفـ ِـة‬
‫َُ‬
‫ُ ّ‬
‫َ َّ‬
‫ـارا ل َمخــزون اإلنســان َّية مــن َ‬
‫ً‬
‫َ‬
‫ً‬
‫َ‬
‫ـات ال ِّطبيـ ِـة غيــر معرو َفــةٍ‬
‫َجــدُ الكَثيــر ِمــن النَّباتـ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َوأدوات االتِّصــال داخـ َـل ال َّثقافــات وبينَهــا؛ َف َمثـ ًـا ن‬
‫ّ َّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ـات هـ ِ‬
‫كل منهــا اســما محــدَّ دا فــي ُلغـ ِ‬
‫ِ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـم التَّقليد َّيـ ِـة‪ ،‬حيــث ُيعطــى ٌّ‬
‫ّإل عنــدَ ُّ‬
‫ـذه‬
‫ً‬
‫ً‬
‫ـعوب فــي ثقافاتهـ ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الم ِ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـع ضيــا ِع ثقافاتِ ِهــم َو ُلغاتِ ِهــم َفـ َّ‬
‫ُّ‬
‫ـع‬
‫واصهــا العالج َّيــة تَضيـ ُ‬
‫عرفـ َة بهــذه النَّباتــات َو َخ ِّ‬
‫ـعوب‪ ،‬و َمـ َ‬
‫ـإن َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫كَذلِ َ‬
‫صــف‬
‫أســمائها َو َو‬
‫َســجيل‬
‫المهت َّميــ َن ِمــن ت‬
‫ــك‪ّ ،‬إل إذا تَمكَّــ َن َأ َحــدُ ال ُّل َغو ّييــ َن َأ ِو‬
‫األشــخاص ُ‬
‫ـون فــي جنـ ِ‬
‫ّان األصل ّيـ َ‬
‫السـك ُ‬
‫ـوب أمريــكا َ‬
‫ـواص ال ِّطب َّيـ َة‬
‫واصهــا َقبـ َـل َضيــا ِع ال ُّل َغـ ِـة‪َ .‬و َقــدْ َعـ َـر َ‬
‫الخـ َّ‬
‫َخ ِّ‬
‫ف ُّ‬
‫ـات الكينــا َقبـ َـل اتِّصالِهــم بِاألوربيي ـن بِوقـ ٍ‬
‫لِنبـ ِ‬
‫ـل‪َ .‬وفــي َشـ ِ‬
‫ـت طويـ ٍ‬
‫ـراض‬
‫ـمال أس ـتُراليا عولِ َجـ ْ‬
‫ـت أمـ ٌ‬
‫ّ َ‬
‫َجب لِلعقاقيـ ِـر ال ِّطبيـ ِـة بِخلـ ِ‬
‫ِ‬
‫الجلـ ِـد الحــا َّد ِة وا ّلتــي َلــم تَس ـت ِ‬
‫رحـ ِـة ِ‬
‫ـط بعـ ِ‬
‫ـض َسـ َ‬
‫ـوائل ُمس ـتَخ َل َص ٍة‬
‫ّ َّ‬
‫مثـ ُـل ُق َ‬
‫ّان األصلييـن‪ ،‬و َقــد َفتــح نَجــاح هــذا ِ‬
‫ـات أســماها أفــراد جماعـ ِ‬
‫ِمــن نباتـ ٍ‬
‫ـات السـك ِ‬
‫العـ ِ‬
‫ـاج وغيـ ِـره ِمـ َن‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ّ َ َ‬
‫ُ‬
‫ُّ‬
‫ـن النّباتـ ِ‬
‫ـات التَّقليديـ ِـة المشــابِه ِة البــاب أمــام بحـ ٍ‬
‫العالجـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـات ال ِّطبيـ ِـة بِمســاعدَ ِة الس ـك ِ‬
‫ـث واس ـ ٍع َعـ ِ‬
‫ّان‬
‫ّ َّ‬
‫َ َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫ُّ‬
‫ُ‬
‫َعملونَها فــي ُل َغتِهــم ا ّلتــي هــي معر َض ـ ٌة ِ‬
‫ـات ا ّلتــي يس ـت ِ‬
‫ـل الكَلمـ ِ‬
‫ِ‬
‫األصل ّيي ـ َن‪َ ،‬وبِفضـ ِ‬
‫ـراض‪.‬‬
‫لالنقـ‬
‫َ‬
‫َ ُ َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ـي ال ُّل َغ ـ ُة ا ّلتــي ال َيتَع ّل ُمهــا األَطفـ ُ‬
‫ـم‬
‫المجت ََم ـ ِع ا ّلــذي َي َت َك َّلـ ُ‬
‫ـال فــي ُ‬
‫المهــدَّ َد ُة عنــدَ ال ُّل َغو ّيي ـ َن هـ َ‬
‫وال ُّل َغ ـ ُة َ‬
‫ـذه ال ُّلغـ َة‪ .‬وي ِ‬
‫هـ ِ‬
‫ـح ال ُّل َغـ ُة ُمهــدَّ َد ًة ألسـ ٍ‬
‫يضــا‪ ،‬مثـ ِ‬
‫مكـ ُن ْ‬
‫ـل تقســي ِم الجما َعـ ِـة ال ُّلغو َّيـ ِـة‬
‫ـباب ُأخــرى َأ ً‬
‫أن تُصبِـ َ‬
‫ََ‬
‫ـات ُأخــرى‪ِ .‬‬
‫َخدم ُل َغـ ًة أو لغـ ٍ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ومـ َن األسـ ِ‬
‫ـباب القو َّيـ ِـة‬
‫الواحــدة قسـ ًـرا‪ ،‬أو وضعهــا فــي مجتَمعــات تَسـت ُ‬
‫ـاس تَشــجيع اآلبـ ِ‬
‫ـاء أبناءهم علــى اســتخدا ِم ُل ِ‬
‫ا ّلتــي َقــد تُهــدِّ د وجــود ال ُّل َغـ ِـة وحضورهــا فــي حيـ ِ‬
‫ـاة النّـ ِ‬
‫غة‬
‫َُ‬
‫ُ‬
‫َ ُ‬
‫َ‬
‫ُ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ـم اآلبــا ُء‬
‫ـورا‪ُ ،‬م ِّ‬
‫فضليـ َن إ ّياهــا علــى ُل َغت ِهــم‪َ ،‬بـ ْـل و َقــد َيتك َّلـ ُ‬
‫جما َعــة َثقاف ّيــة ُأخــرى َأقــوى وأكثـ َـر حضـ ً‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ـرعان مــا َيتَخ ّلــى الجيـ ُـل ّ‬
‫َتيج ـ ًة‬
‫فض َلـ ِـة‪َ ،‬و ُسـ‬
‫الم َّ‬
‫ـاب َعــن ُل َغتــه ن َ‬
‫الشـ ُ‬
‫نفسـ ُـهم َمـ َ‬
‫ـع األبنــاء بِهــذه ال ُّل َغــة ُ‬
‫َأ ُ‬
‫ِ‬
‫ـس‬
‫ـب واألبعــدُ ‪ .‬وليـ َ‬
‫ـي األصعـ ُ‬
‫لذلــك؛ َفتَصيـ ُـر ُلغـ ُة اآلخـ ِـر هــي األسـ َـه ُل واألقـ ُ‬
‫ـرب‪ ،‬وتصيـ ُـر ُلغتُهــم هـ َ‬
‫ـن المجتَمعـ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫لألمـ ِـر عالق ـ ٌة بال ُّلغـ ِـة وال بِ‬
‫خصائصهــا‪ ،‬وإنَّمــا األمـ ُـر مرتَبِـ ٌ‬
‫ـات‪،‬‬
‫ـط بِتَفـ ُّـوق األُ َم ـ ِم‪ ،‬وتم ُّكـ ِ ُ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫والســي َط َر َة االقتِصاد َّيـ َة وال َّثقاف َّيـ َة‪.‬‬
‫السـ َ‬
‫ـي َّ‬
‫ـبق والتَّقــدُّ َم العلمـ َّ‬
‫وتَحقيقهــا َّ‬
‫‪225‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫للح ِ‬
‫ات ِ‬
‫ــوات‪ ،‬واعتمــاد إســتراتيجي ٍ‬
‫ــة اتِّخــا َذ ُخ ُط ٍ‬
‫المجتمعــات ال ُّلغوي ِ‬
‫ِ‬
‫لقــد ب ِ‬
‫فــاظ‬
‫الكثيــر ِمــ َن‬
‫ــدأت‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ـات األُخــرى األَقــوى واألَكثـ ِـر انتشــارا‪ .‬ويعــدُّ اســتِخدام ال ُّل َغــةِ‬
‫ـوط ال ُّلغـ ِ‬
‫علــى ُل َغتِ ِهــم‪ ،‬ومواجهـ ِـة ُضغـ ِ‬
‫ً َُ‬
‫َ َ َ‬
‫ُ‬
‫ـات صــارت تَسـت ِ‬
‫ـض المجتَمعـ ِ‬
‫ـوات وأك َث ِرهــا ِ‬
‫الخطـ ِ‬
‫األم َأحــدَ َأهــم هـ ِ‬
‫فاعل َّيـ ًة؛ بــل َّ‬
‫ـذه ُ‬
‫َخد ُم ِص َفـ َة‬
‫إن بعـ َ‬
‫ُ َ‬
‫ِّ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـي واحتــرا ِم الـ ّـذات كمــا لوحـ َ‬
‫ـع لغــات الباســك‬
‫ـظ َمـ َ‬
‫ُصعو َبــة ُل َغتهــا وتَعقيدهــا ل َرف ـ ِع الكبريــاء القومـ ِّ‬
‫مكـن لِسياسـ ٍـة ُلغويـ ٍـة مسـتَنير ٍة إبطــاء اختِفـ ِ‬
‫ـاز‪ .‬وي ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـاء ال ُّل َغـ ِـة أو إيقا َفـ ُه‬
‫ُ‬
‫الفنلند َّيــة والتُّرك َّيــة َو ُلغــات ال َقوقـ ِ َ ُ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َّ ُ‬
‫َ‬
‫الحفـ ِ‬
‫العلمــي‪ ،‬وتوســي ِع مفهــو ِم ِ‬
‫ـب ِ‬
‫تَمامــا‪ ،‬وال بــدَّ فــي هـ ِ‬
‫ـذه الحا َلـ ِـة ِمـ َن التَّأكيـ ِـد علــى الجانِـ ِ‬
‫ـاظ علــى‬
‫ِّ َ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫المعاج ـ ِم والنُّصـ ِ‬
‫القديمــة‪ ،‬واســتحضارها‪َ ،‬وتَع ُّلمهــا َوحفظهــا‪.‬‬
‫ـوص‬
‫َ‬
‫ال ُّلغــة ل َيشـ َـم َل التّركيـ َـز علــى َ‬
‫كمــا يشــم ُل تَربيـ َة النَّـ ِ‬
‫ِ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـشء علــى االعتِـ ِ‬
‫ـعور بِالنّقـ ِ‬
‫صاحـ ِ‬
‫ـزاز بِهــا و َعــد ِم ُّ‬
‫ـب ال ُّل َغـ ِـة‬
‫ـص تِجــا َه اآلخـ ِـر‬
‫َ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫المت ََسـ ِّي ِد‪.‬‬
‫المتَفـ ِّـوق ُ‬
‫المســاوي‪ ،‬ال ُ‬
‫األقــوى‪َ ،‬بـ ْـل ُمعا َم َلتــه معاملـ َة النَّظيـ ِـر ُ‬
‫إن ال ُّلغــ َة هــي المكَــو ُن الجوهــري فــي ال َثقا َف ِ‬
‫َّ‬
‫رنســي (جــان بــول‬
‫يلســوف ال َف‬
‫ــف ال َف‬
‫ُ‬
‫ــة‪َ ،‬وقــدْ َو َص َ‬
‫َ َ ُّ‬
‫َ ُ ِّ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫َســم ُع بهــا وال َعيــ ُن ا ّلتــي نَــرى بِهــا‪.‬‬
‫ســارتر) ال ُّلغــات بأنَّهــا األُ ُذ ُن ا ّلتــي ن َ‬
‫‪226‬‬
‫ةّيتامولعملا ُصوصّنلا‬
‫ِ‬
‫ضن َّ‬
‫بيعة‬
‫الط‬
‫ُح ُ‬
‫*‬
‫ـيارة فــي ربــو ِع الصحـ ِ‬
‫نطل ًقــا بالسـ ِ‬
‫ـون م ِ‬
‫الر ُجـ ِ‬
‫ـإن (ديفيــد ســتراير) هـ َـو ِمثـ ُ‬
‫ـراء‪ ،‬فـ َّ‬
‫ـل ا ّلــذي‬
‫َّ‬
‫ـال َّ‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫عندمــا تكـ ُ ُ‬
‫أن يتولــى قيــاد َة السـ ِ‬
‫ـيارة؛ ذلـ َ‬
‫ـك أ َّن ـ ُه َيتحاشــى تما ًمــا إجــرا َء ُمكالمـ ٍـة هاتف ّيـ ٍـة‪ْ ،‬أو كتاب ـ َة‬
‫ب فــي ْ َ َّ‬
‫س ـتَر َغ ُ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ـائل قصيـ ٍ‬
‫ـرة علــى هاتفـ ِـه النَّ ّقـ ِ‬
‫ـم النَّ ْفـ ِ‬
‫رسـ َ‬
‫ـص فــي ِع ْل ـ ِم‬
‫تخصـ ٌ‬
‫ـس هــذا ُم ِّ‬
‫ـال‪ْ ،‬أو تنـ ُ‬
‫ـاو َل ال َّطعــا ِم‪ .‬وعالـ ُ‬
‫االنتبـ ِ‬
‫ُنجـ ُـز عــدَّ َة مهـــام فــي ٍ‬
‫ـاه‪ ،‬وهـ َـو َيعلــم أنَّنــا عندمــا ن ِ‬
‫ـإن أ ْد ِم َغتَنــا تميـ ُـل إلــى ارتـ ِ‬
‫آن واحـ ٍـد فـ َّ‬
‫ـكاب‬
‫َ ٍّ‬
‫ُ‬
‫األخطـ ِ‬
‫ـتعمال الهاتـ ِ‬
‫ـون فــي حالـ ٍـة ِمـن مقاومـ ِـة التَّشـت ِ‬
‫أن اسـ َ‬
‫ُّت‪ ،‬وقــدْ أظهـ َـر ْت ِدراسـ ُت ُه َّ‬
‫ـاء؛ ألنَّهــا تكـ ُ‬
‫ـف‬
‫ْ ُ َ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ـروبات الكحول ّيـ ِـة‪.‬‬
‫ـاو ُل المشـ‬
‫الســائقي َن ب َقــدْ ِر مــا يفع ُل ـ ُه تنـ ُ‬
‫النَّ ّقــال يوه ـ ُن أدا َء ُجـ ِّـل ّ‬
‫ِ‬
‫آالت ِ‬
‫ــت ٍ‬
‫يقــول (ســتراير)‪ِ َّ :‬‬
‫حاســب ًة ال ت ِ‬
‫ــل‪ْ ،‬‬
‫ف ال َك َل َ‬
‫ُ‬
‫لإلصابــة‬
‫عرضــ ٌة‬
‫َعــر ُ‬
‫ليس ْ‬
‫بــل إنَّهــا ُم َّ‬
‫إن أ ْدم َغتَنــا َ‬
‫ـهولة‪ ،‬لكنَّنــا عندَ مــا نَتمهـ ُـل‪ ،‬وننتهــي عمــا يش ـ َغ ُلنا‪ ،‬ونغمــر أن ُفســنا فــي أجـ ِ‬
‫باإلعيـ ِ‬
‫ـاء بسـ ٍ‬
‫ـواء ال َّطبيعـ ِـة‬
‫ّ َ‬
‫َّ‬
‫ُ ُ َ‬
‫ِ‬
‫ـب‪ ،‬بـ ْـل نكـ ُ‬
‫الجميلـ ِـة ا ّلتــي تُحيـ ُ‬
‫ـون قــدْ‬
‫فحسـ ُ‬
‫ـط بنــا‪ ،‬فإنَّنــا ال نَشـ ُع ُر بأنَّنــا قــد اســت َعدْ نا عافيتَنــا ونشــا َطنا ْ‬
‫حس ـنّا أدا َءنــا ِّ‬
‫ـي كذلـ َ‬
‫ـك‪.‬‬
‫الذهنـ َّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ٍ ِ‬
‫المخ ِّيميــ َن‪ :‬إ ْذ َّ‬
‫تحســ َن‬
‫وهــذا‬
‫َ‬
‫ماعرضــ ُه (ســتراير) عمل ًّيــا َ‬
‫هــم َّ‬
‫إن أدا َء ْ‬
‫مــع مجموعــة مــ َن ال َّطلبــة ُ‬
‫ـك ِ‬
‫ـدار ‪ %50‬فــي مهــام متع ِّل ِقـ ٍـة بحـ ِّـل المشـ ِ‬
‫الت بطرائـ َـق إبداع َّيـ ٍـة ب ْعــدَ ثالثـ ِـة أ ّيــا ٍم ِم ـ َن التِّرحـ ِ‬
‫بمقـ ِ‬
‫ـال‪،‬‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫َ َّ ُ‬
‫ِ‬
‫لــون أمتِعتَهــم علــى ُظ ِ ِ‬
‫ــم‪.‬‬
‫ُ‬
‫هوره ْ‬
‫ــم َيحم َ َ ْ‬
‫وه ْ‬
‫ُّت وصــر ِ‬
‫عوامــل التَّشــت ِ‬
‫ــة إرادي ٍ‬
‫بص َف ٍ‬
‫ِ‬
‫االنتبــاه ِ‬
‫ف النَّ َظ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫وتجاه ِ‬
‫َّ‬
‫ــر مســأل ٌة‬
‫ــل‬
‫ــة‪،‬‬
‫تركيــز‬
‫إن ال ُقــدر َة علــى‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫َ ْ‬
‫ـذه ال ُقـ ِ‬
‫الت‪ ،‬وإتمــا ِم المهــام‪ ،‬لكـن الحيــا َة العصريـ َة تتط َّلــب أحيا ًنــا ِمـن هـ ِ‬
‫ـك ِ‬
‫حاســم ٌة لحـ ِّـل المشـ ِ‬
‫ـدرة‬
‫ْ‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫َ ِّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ف ح ّتــى يــؤ ّد َي المجهــو ُد المطـ َّـو ُل والمر َّكـ ُـز إلــى إرهـ ِ‬
‫الذ ْهـ ِ‬
‫ـاق ِّ‬
‫ـك‪ ،‬ومــا ْ‬
‫ممــا نمتلـ ُ‬
‫ـن‪،‬‬
‫إن تُسـت ََنز ُ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫أكثـ َـر ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫زاجنــا‪ ،‬و َت ْقضــي‬
‫ُح ِّسـ ُن م َ‬
‫ـع معنو ّياتنــا‪ ،‬وت َ‬
‫ـم إنَّهــا تَر َفـ ُ‬
‫و ُفقــدان الفعال ّيــة واإلجهــاد‪ .‬ال َّطبيعـ ُة َّ‬
‫تتعهدُ نــا‪ُ ،‬ثـ َّ‬
‫ـان ال َّطبيعـ ِـة يريحنــا ِمـن التَّو ُّتـ ِـر واإلجهـ ِ‬
‫ـض الوقـ ِ‬
‫نظريـ ُة اســتعاد ِة االنتبـ ِ‬
‫ـت فــي أحضـ ِ‬
‫ـأن قضــا َء ب ْعـ ِ‬
‫ـاه بـ َّ‬
‫ـاد‬
‫َ‬
‫ُ ُ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ـاه الموجـ ِـه» ا ّلــذي يتط َّلبـه العمـ ُـل وحيــا ُة المـ ِ‬
‫ـي النّاتِ َج ْيـ ِ‬
‫ِّ‬
‫ـدن‪.‬‬
‫ُ ُ‬
‫ـن عــن «االنتبـ ُ َّ‬
‫ُ‬
‫الذهنـ ِّ‬
‫ــر ال َّطبيعي ِ‬
‫ِ‬
‫ــة العظيــم (فريدريــك لــو أومســتد) ِمــ ْن ِ‬
‫المناظِ ِ‬
‫فــوق‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫ــر ُمهنــد ُس َ‬
‫وفــي عــا ِم ‪َ ،1865‬ن َظ َ‬
‫ٍ‬
‫ـرورة وجـ ِ‬
‫وكان علــى قناعـ ٍـة بضـ ِ‬
‫َ‬
‫ـأن ُيحا َفـ َ‬
‫«وادي يوســيميتي» َفـ َـرأى مكا ًنــا جديـ ًـرا بـ ْ‬
‫طبيعة‬
‫ـود‬
‫ـظ عليـ ِـه‪،‬‬
‫ٍ‬
‫سخة العربي ُة‪،‬ص ‪ ،47 - 30‬بتصر ٍ‬
‫*) َمج َّل ُة (ناشيونال جيوغرافيك)‪ ،‬عدَ ُد يناير ‪ ،2016‬ال ُّن ُ‬
‫بسيط‪.‬‬
‫ف‬
‫َّ‬
‫ُّ‬
‫‪227‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ـك يقـ ُ‬
‫ـول‪« :‬إنّهــا َلحقيق ـ ٌة علم ّي ـ ٌة َّ‬
‫ـب فــي ذلـ َ‬
‫أن تأ ُّمـ َـل‬
‫ـاس‪ ،‬ف َك َتـ َ‬
‫ـي َيســتمت َع بهــا النّـ ُ‬
‫خضــرا َء جميلــة كـ ْ‬
‫ِ‬
‫صحـ ِـة الرجـ ِ‬
‫الخلبـ ِـة بي ـ َن حيـ ٍ‬
‫المناظـ ِـر ال ّطبيع ّيـ ِـة ّ‬
‫وبخاصـ ٍـة‬
‫ـال ونشــاطِ ِه ْم‪،‬‬
‫ـن وآخـ َـر‪ُ ...‬م‬
‫َّ‬
‫ستحس ـ ٌن ل َّ‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َحسـ ِ‬
‫ـن وظيفتِهــا»‪.‬‬
‫ل َّ‬
‫ـم وت ُّ‬
‫صحــة أذهان ِهـ ْ‬
‫رتكـ ًـزا علــى ِ‬
‫ـغ حينَهــا‪ ،‬فمــا َز َعم ـه لــم ي ُك ـن م ِ‬
‫الع ْل ـ ِم‪ ،‬ب َقــدْ ِر مــا َ‬
‫َ‬
‫كان (أومســتد) ُيبالِـ ُ‬
‫كان ُمســتنِدً ا إلــى‬
‫َ ُ ْ َ ْ ُ‬
‫ـخصي‪ ،‬لك ـ َّن َحدْ َس ـ ُه َ‬
‫ذاك َ‬
‫كان ل ـ ُه تاريـ ٌ‬
‫َحدْ ِسـ ِـه َّ‬
‫اح‬
‫الشـ‬
‫ـخ طويـ ٌـل؛ فقــدْ ع َّبـ َـر (باراسيلســوس) الجـ ّـر ُ‬
‫ِّ‬
‫ـك الحــدْ ِ ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ـب‪َّ :‬‬
‫«إن ف ـ َّن‬
‫س ن ْفســه عندمــا َك َتـ َ‬
‫ـادس عشـ َـر ع ـ ْن ذلـ َ َ‬
‫السـ َ‬
‫السويسـ ُّ‬
‫ـي فــي القـ ْـرن ّ‬
‫ـري األلمانـ ُّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫هــو مــ َن ال َّطبيعــة‪ ،‬ال ال ّط ِ‬
‫ــب ّ‬
‫ِّ‬
‫اإلنجليــزي (ويليــام‬
‫ــاعر‬
‫ُّ‬
‫تعج َ‬
‫بيــب»‪ ،‬وفــي عــام ‪َّ 1798‬‬
‫الشــفاء َ‬
‫الش ُ‬
‫يجلــس علــى ِضفـ ِ‬
‫وردســميث)‪ ،‬وهــو ِ‬
‫ـف َّ‬
‫أن «ال َع ْي ـ َن ا ّلتــي ت ُِقـ ُّـر بتأثيـ ِـر االنســجا ِم‬
‫ـاف نهـ ِـر (واي) كيـ َ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـاب آخـ َ‬
‫ـاص ِمـ ْن ُح ّمــى العا َلـ ِم»‪ ،‬كمــا َو ِر َ‬
‫ـرون وجهـ َة النَّظـ ِـر‬
‫ث ُك ّتـ ٌ‬
‫الموجــود فــي ال َّطبيعــة تو ِّفـ ُـر الخـ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫تل ـكَ‪ ،‬وجن ًبــا إلــى َجنْـ ِ‬
‫ـب (أومســتد) « ُمهنـ ِـد ِ‬
‫ـاس‬
‫المناظـ ِـر ال َّطبيع َّيــة»‪ ،‬ف َقــدْ أوجــدَ هــؤالء األسـ َ‬
‫س َ‬
‫ِ‬
‫هــات الوطني ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ــة األولــى فــي العا َلــ ِم‪ ،‬زاعميــ َن َّ‬
‫أن‬
‫تنز‬
‫وحانــي‬
‫الر‬
‫الم َّ‬
‫ّ‬
‫للمطا َلبــة بإنشــاء ُ‬
‫والعاطفــي ُ‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫لل َّطبيعــة ُقـ ًـوى شــافي ًة‪.‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـم ت ُكـ ْن هنـ َ‬
‫المستشــر َي ِة‬
‫فمشــاك ُل ِّ‬
‫الص َّحــة العا َّمة ُ‬
‫ـاك أد َّلـ ٌة دامغـ ٌة حينَهــا‪ ،‬أ ّمــا اليــو ُم فاألد َّلـ ُة موجــودةٌ‪َ ،‬‬
‫لـ ْ‬
‫ـاب‪ ،‬وظاهـ ِ‬
‫ـرة ِق َصـ ِـر النَّ َظـ ِـر واســع ُة االنتشـ ِ‬
‫ـل ال َبدانـ ِـة‪ ،‬واالكتئـ ِ‬
‫ِم ْثـ ِ‬
‫ـار‪ ،‬جمي ُعهــا ُمرتبِـ ٌ‬
‫واضحــا‬
‫ـط ارتبا ًطــا‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫ـاس فــي األماكـ ِ‬
‫المغل َقـ ِـة‪.‬‬
‫باألوقــات ا ّلتــي ُيمضيهــا النّـ ُ‬
‫ـن ُ‬
‫ِ‬
‫العلمــاء علــى البح ِ‬
‫َ‬
‫ــث باهتمــا ٍم ُمتجــدِّ ٍد فــي‬
‫وغيــر ُه ِمــ َن‬
‫ــز ْت (ســتراير)‬
‫تلــك‬
‫األمــراض قــدْ ح َّف َ‬
‫ُ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ـض التَّطــو ِ‬
‫موضــو ِع تأثيـ ِـر ال َّطبيعـ ِـة فــي أد ِم َغتِنــا وأجسـ ِ‬
‫وتأسيســا علــى بعـ ِ‬
‫رات فــي مجا َلـ ِ‬
‫ـي العلو ِم‬
‫ـامنا‪،‬‬
‫ُّ‬
‫ْ‬
‫ً‬
‫وغامضــا‪ ،‬وهـ ِ‬
‫العصبيـ ِـة ِ‬
‫ـس‪ ،‬ف َقــدْ َبــدؤوا بقيـ ِ‬
‫وع ْلـ ِم النَّ ْفـ ِ‬
‫ـاس مــا َ‬
‫ـات‪-‬ا ّلتي‬
‫كان ســاب ًقا ُمقدَّ ًســا‬
‫ـذه القياسـ ُ‬
‫ً‬
‫َ ّ‬
‫ٍ‬
‫ـواج الدِّ ماغيــة‪ِ،‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫بمعــدَّ ِل َن ْبـ ِ‬
‫ـض القلـ ِ‬
‫ـب‪ ،‬فاألمـ ِ‬
‫ّ‬
‫ـرورا ُ‬
‫تَشـ َـم ُل ك َُّل شــيء ابتــدا ًء مـ ْن هرمونــات اإلجهــاد مـ ً‬
‫ـض الوقـ ِ‬
‫وانتهــاء بعالمـ ِ‬
‫ـات البروتيـ ِ‬
‫ـت فــي ال َّطبيعـ ِـة فـ َّ‬
‫ـإن َ‬
‫«شــي ًئا‬
‫ـير إلــى أنَّنــا عندمــا نُمضــي بعـ َ‬
‫ـن‪ -‬تُشـ ُ‬
‫ً‬
‫ـج عـ ْن ذلـ َ‬
‫ـك» علــى حــدِّ َقـ ْـو ِل (ســتراير)‪.‬‬
‫عظيمــا َين ُتـ ُ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫وقــدْ ح َّلـ َـل باحثـ َ ِ‬
‫ـب فــي جامعـ ِـة (إكســتر) بانجلتــرا َّ‬
‫الص َّحـ ِـة النَّ ْفسـ ّي ِة‬
‫مؤخـ ًـرا بيانــات ِّ‬
‫ـون مـ ْن كُل َّيــة ال ِّطـ ِّ‬
‫ٍ ِ‬
‫ـرة ِ‬
‫لِع َشـ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َعملوا خرائـ َ‬
‫ـط شــديد َة الدِّ َّقـ ِـة لِ َت َت ُّب ـ ِع المناطـ ِـق ا ّلتــي‬
‫آالف شـ‬
‫َ‬
‫المــدن‪ ،‬واس ـت َ‬
‫ـخص م ـ ْن ُس ـكّان ُ‬
‫ِ‬
‫توصلــوا إلــى َّ‬
‫ـي ْ‬
‫أن‬
‫عشــر َة َســن ًة‪ ،‬وقــدْ َّ‬
‫ْهم الدِّ راس ـ ُة علــى مــدى ثمانـ َ‬
‫ســكنَها هــؤالء ا ّلذيــن شــم َلت ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـخاص ا ّلذيــن يعيشـ َ‬
‫ـم‪،‬‬
‫ـون فــي َمناطـ َـق أقـ َ‬
‫األشـ َ‬
‫ـرب للمســاحات الخضــراء كانــوا أقـ َّـل شــكوى مـ َن ال َغـ ِّ‬
‫‪228‬‬
‫ةّيتامولعملا ُصوصّنلا‬
‫ِ‬
‫ـج ليأخــذوا فــي االعتبـ ِ‬
‫ـتويات الدَّ ْخـ ِ‬
‫ـك بعــدَ تعديـ ِ‬
‫وذلـ َ‬
‫ـل النَّتائـ ِ‬
‫ـل وال َّثقافـ ِـة والوظيفـ ِـة (وك ٌُّل منهــا‬
‫ـار مسـ‬
‫الص َّحـ ِـة)‪.‬‬
‫عامـ ٌـل مؤ ِّثـ ٌـر فــي ِّ‬
‫فريــق ِمــن الباحثيــن الهولندييــن معــدَّ ٍ‬
‫ِ‬
‫الت أ َق َّ‬
‫عشــر‬
‫لظهــور خمســ َة‬
‫ــل‬
‫ٌ‬
‫وفــي عــا ِم ‪َ 2009‬وجــدَ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ّ َ ُ‬
‫ـرض القلـ ِ‬
‫ـي ‪ -‬لــدى‬
‫ـاب والقلـ َـق ومـ َ‬
‫ً‬
‫والصـ َ‬
‫والربـ َـو ُّ‬
‫والس ـك َّ‬
‫مرضــا‪ -‬تَشـ َـم ُل االكتئـ َ‬
‫ـداع النِّصفـ َّ‬
‫َّري َّ‬
‫ـب ُّ‬
‫ـاحات الخضـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـن ِ‬
‫ـم أكثـ َـر ِم ـ ْن كيلومتـ ٍـر واحـ ٍـد عـ ِ‬
‫النّـ ِ‬
‫ـراء‪.‬‬
‫المسـ‬
‫ـاس ا ّلذي ـ َن ال تَب ُعــدُ مناز ُلهـ ْ‬
‫ـات الــوارد َة فــي اســتِبان ٍَة صحيـ ٍـة َشـ ِ‬
‫ـث دولــي اإلجابـ ِ‬
‫وفــي عــا ِم ‪ 2015‬جمــع فريـ ُـق بحـ ٍ‬
‫ـم َل ْت واحــدً ا‬
‫َّ‬
‫ْ‬
‫َ َ‬
‫ٍّ‬
‫ـات مــع خريطــةِ‬
‫ـك اإلجابـ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ـخص م ـ ْن ُس ـكّان مدينــة تورنتــو الكند ّيــة‪ ،‬فربطــوا تلـ َ‬
‫ـف شـ‬
‫وثالثي ـ َن ألـ َ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫أن َمـ ْن يعيشـ َ‬
‫وو َجــدوا َّ‬
‫ـم عــد ًدا‬
‫َني‪َ -‬‬
‫ـون فــي ُمر َّبعــات َسـكَن ّية ت َُضـ ُّ‬
‫بمر َّبـ ٍع َسـك ٍّ‬
‫المدينة‪ُ -‬مر َّب ًعــا َسـكَن ًّيا ُ‬
‫ــة ت ِ‬
‫ــة واأليضي ِ‬
‫ــرون ارتفا ًعــا فــي مســتوى صحتِهــم القلبي ِ‬
‫ِ‬
‫األشــجار كانــوا ُي ِ‬
‫ظه َ‬
‫ُعــاد ُل مــا‬
‫أكبــر ِمــ َن‬
‫ْ ّ‬
‫ّ‬
‫َّ ُ‬
‫َ‬
‫يشــهدُ ه المــرء عندمــا يحصـ ُـل علــى زيـ ِ‬
‫ٍ‬
‫ـادة َد ْخـ ٍ‬
‫دوالر‪ ،‬كمــا ُو ِجــدَ ْت عالق ـ ٌة‬
‫ـف‬
‫ـل بواق ـ ِع عشــري َن ألـ َ‬
‫َ ُ‬
‫َ َ ُ‬
‫ُ‬
‫المســاحاتِ‬
‫ـب ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ـش إلــى َجنْـ ِ‬
‫بيـ َن ُمعــدَّ الت أدنــى للوف ّيــات‪ ،‬وهرمونــات إجهــاد أ َقـ َّـل فــي الــدَّ ِم‪ ،‬وال َعيـ ِ‬
‫الخضـ ِ‬
‫ـراء‪.‬‬
‫ِ‬
‫ـذه الدِّ راسـ ِ‬
‫ـتخلص ِم ـن هـ ِ‬
‫أن يسـ ِ‬
‫ـاس َيش ـ ُع َ‬
‫ـات َّ‬
‫رون‬
‫الشــي َء ا ّلــذي َيج َعـ ُـل النّـ َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ـب علــى المــرء ْ َ‬
‫و َيص ُعـ ُ‬
‫ِ‬
‫ٍ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـي؟ َأ ْم َّ‬
‫المتش ـ ِّع ِبة تُح ِّفـ ُـز علــى‬
‫أن ب ْعـ َ‬
‫ـض األلــوان واألشــكال ُ‬
‫الســعادة‪َ :‬أ ُتــرا ُه الهــوا ُء النَّقـ ُّ‬
‫بمزيــد م ـ َن َّ‬
‫أن الموضــوع ببسـ ٍ‬
‫القشـ ِ‬
‫دة فــي ِ‬
‫ُّل مــواد كيميائيـ ٍـة عصبيـ ٍـة محــدَّ ٍ‬
‫ـرة ال َب َصر ّيـ ِـة أل ْد ِم َغتِنــا؟ َأ ْم َّ‬
‫ـاطة هـ َـو‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫تَشـك ِ َ َّ‬
‫ّ ُ‬
‫ـون فــي أحيـ ٍ‬
‫ِ‬
‫ـاء أكثــر ُخضــر ًة يسـ ِ‬
‫ـتعم َ‬
‫ـاس ا ّلذيـ َن يعيشـ َ‬
‫َّ‬
‫الرياضـ ِـة‬
‫َ َ‬
‫أن النّـ َ‬
‫مارســة ّ‬
‫لم َ‬
‫لون الحدائـ َـق العا َّمـ َة ُ‬
‫َ‬
‫عتقــدُ ه (ريتشــارد ميشــيل) وهــو اختصاصــي وبائيـ ٍ‬
‫وكان هــذا مــا ي ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ـات‬
‫ـم؟‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ُّ‬
‫غيرهـ ْ‬
‫ممــا َيســتعم ُلها ُ‬
‫أكثـ َـر ّ‬
‫لــدى جامعـ ِـة (جالســكو) فــي اس ـكُتلندا‪ّ ،‬أو َل األمـ ِـر‪.‬‬
‫ـك بوجـ ِ‬
‫ـود أسـ ٍ‬
‫يقـ ُ‬
‫ـباب ُأخــرى» ولكنَّـ ُه َأجــرى ب ْعــدَ ذلـ َ‬
‫أشـ ُّ‬
‫ـت ُ‬
‫ـك دراسـ ًة كبيــر ًة أظهـ َـر ْت‬
‫ـول‪« :‬لقــدْ كنـ ُ‬
‫الت أقـ َّـل للوفيـ ِ‬
‫معــدَّ ٍ‬
‫ـات واألمـ ِ‬
‫ـراض لــدى النّـ ِ‬
‫ـاس ا ّلذيـ َن يعيشـ َ‬
‫قربـ ٍـة ِمـ َن الحدائـ ِـق العا ّمـ ِـة‬
‫ّ‬
‫ـون علــى َم ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ويضيــف ميتشــيل‪« :‬ت ِ‬
‫والمســاحات الخضــراء األُخــرى‪ ،‬حتّــى ْ‬
‫ُظه ُــر‬
‫ــم يكونــوا َيســتعملونها‪،‬‬
‫ُ‬
‫إن َل ْ‬
‫أكان هـ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫فضـ ًـا ع ـن ِدراسـ ِ‬
‫ـات ِ‬
‫للص َّحـ ِـة ســوا ٌء َ‬
‫ـؤالء‬
‫ِدراس ـتُنا ْ‬
‫المجــدِّ دة ِّ‬
‫ْ‬
‫غيرنــا وجــو َد هــذه التّأثيــرات ُ‬
‫ســون المشــي فــي ال َّط ِ‬
‫بيعــة َأ ْم ال ُي ِ‬
‫ّــاس ُي ِ‬
‫ذلــك‪ ،‬ف َقــدْ بــدا َّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫أكبــر‬
‫مارســو َن ُه»‪ ،‬عــاو ًة علــى‬
‫مار‬
‫الن ُ‬
‫أن َ‬
‫َ‬
‫أن وجــود المـ ِ‬
‫ـاس األدنــى د ْخـ ًـا؛ ِ‬
‫ـرء إلــى َجنْـ ِ‬
‫ـت لــدى النّـ ِ‬
‫ـف ميتشــيل َّ‬
‫ـب ال َّطبيعـ ِـة‬
‫إذ اكتَشـ َ‬
‫المنافـ ِع كانـ ْ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ـي‪.‬‬
‫الس ـ َّل ِم االجتماعـ ِّ‬
‫المــدن َيرف ُع ـ ُه درجــات فــي ُّ‬
‫فــي ُ‬
‫‪229‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ِ‬
‫بخ ْفـ ِ‬
‫ـرون هـ َـو َّ‬
‫ـون آخـ َ‬
‫مــا َيظنُّـ ُه ميتشــل وباحثـ َ‬
‫أن الطبيع ـ َة َتؤ ِّثـ ُـر فينــا بالدَّ رجـ ِـة األولــى َ‬
‫ـتويات‬
‫ـض مسـ‬
‫ـجر والع ْشـ ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َ‬
‫ـتطيعون رؤيـ َة َّ‬
‫قار َنـ ًة‬
‫ـاس ا ّلذيــن يسـ‬
‫الشـ ِ ُ‬
‫اإلجهــاد لدَ ينــا‪ .‬وقــدْ أظهـ َـر النّـ ُ‬
‫ـم ‪ُ -‬م َ‬
‫ـب مـ ْن نوافذهـ ْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫أفضــل‬
‫المستشــفيات وأدا ًء‬
‫ــم فــي‬
‫بمــ ْن َل‬
‫أكبــر فــي اســتعادة عافيت ِه ْ‬
‫ديهــم َمشــاهدُ رديئــ ٌة‪ُ -‬ســرع ًة َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫َنســجم هــذهِ‬
‫ـف‪ ،‬وت ِ‬
‫ِ‬
‫فــي المـ‬
‫وســلوكًا أ َقـ َّـل ُعدوان ّي ـ ًة فــي األحيــاء ا ّلتــي َيك ُثـ ُـر فيهــا ال ُعنْـ ُ‬
‫ُ‬
‫ـدارس‪ ،‬بـ ْـل ُ‬
‫ـات الدِّ راسـ ِ‬
‫النّتائــج مــع محصـ ِ‬
‫ـات التَّجريب ّيـ ِـة للجهـ ِ‬
‫ـات ك ٍُّل ِم ْن‬
‫ـير قياسـ ُ‬
‫المركـ ِّ‬
‫ُ ْ ُ ِّ‬
‫ـزي؛ إ ْذ تشـ ُ‬
‫ـي َ‬
‫ـاز ال َعصبـ ِّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫هرمونـ ِ‬
‫ـس ون ْبـ ِ‬
‫ـض القلـ ِ‬
‫ـات اإلجهــاد والتَّن ُّفـ ِ‬
‫ـب والتَّعـ ُّـر ِق إلــى َّ‬
‫أن ُجرعــات قليل ـ ًة م ـ َن ال َّطبيعــة‪ -‬بـ ْـل‬
‫ـين ِ‬
‫ـاس وتَحسـ ِ‬
‫ـوس النّـ ِ‬
‫وح ّتــى ُصـ َـو ٍر ِم ـ َن عا َل ـ ِم ال َّطبيعـ ِـة ‪ -‬لدَ يهــا ال ُقــدر ُة علــى تهدئـ ِـة نفـ ِ‬
‫ـم‪.‬‬
‫أدائهـ ْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـت‬
‫السـ َـو ْي ِد‪ ،‬بدراسـ ِـة مجموعـ ٍـة ِمـ َن األشـ‬
‫ـخاص كا َنـ ْ‬
‫وقــدْ قا َمــت ال َّطبيبـ ُة (ماتيــا فــان دن بــوش) فــي ُّ‬
‫جهـ ٍ‬
‫قــدْ ك َّلفتْهــم بحـ ِّـل مسـ ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـألة رياض ّيـ ٍـة ُم ِ‬
‫ـدة‪ ،‬فاكتش ـ َف ْت َّ‬
‫ـم (ا ّلــذي‬
‫أن تفـ ُ‬
‫ْ َ‬
‫ـاو َت ُمعــدَّ ل خ َفقــان قلوبِهـ ُ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـص عــاد ًة عنــدَ اإلجهــاد) َ‬
‫ـس ْ‬
‫عشــر َة‬
‫بســرعة‪ ،‬عندمــا كا َنـ ْ‬
‫ـهم خمـ َ‬
‫َين ُقـ ُ‬
‫ـت تُجل ُسـ ْ‬
‫كان يعــو ُد إلــى طبيعتــه ُ‬
‫دقيقـ ًة فــي ُغرفـ ِـة للواقـ ِع االفتراضــي‪ ،‬تَعـ ِـر ُض فيهــا صــورا ثالثيـ َة األبعـ ِ‬
‫ـاد لِمشــاهدَ طبيع ّيـ ٍـة مصحوبـ ٍـة‬
‫ّ‬
‫ُ ًَ‬
‫ِّ‬
‫ـوس فــي ُغرفـ ٍـة عاديــة‪ٍ.‬‬
‫بتغريـ ِـد ال ُّطيـ ِ‬
‫ـدل ِمـ َن الجلـ ِ‬
‫ـور بـ ً‬
‫ّ‬
‫عشــر َة دقيقـ ًة فــي الغابـ ِـة ينتِــج تَغيـ ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـخاص تكـ ُ‬
‫ـت َّ‬
‫ـس ْ‬
‫ـون قابل ًة‬
‫ـرات َلــدى األشـ‬
‫وث َبـ َ‬
‫ُ ُ ّ‬
‫ـي لمــدَّ ة خمـ َ‬
‫أن المشـ َ‬
‫للقيـ ِ‬
‫ـون يابان ّيـ َ‬
‫ـاس ِمـ َن النّاحيـ ِـة الفســيولوج ّي ِة‪ ،‬فل َقــدْ قــا َم باحثـ َ‬
‫برئاسـ ِـة (يوشــيفومي ميازاكــي) فــي‬
‫ـون‬
‫َ‬
‫ـال أربعـ ٍـة وثمانيـن شــخصا متطو ًعــا إلــى ســب ِع غابـ ٍ‬
‫ِ‬
‫جامعـ ِـة (تشــيبا) بإرسـ ِ‬
‫مختلفـ ٍـة ل َي ّ‬
‫تمشــوا فيهــا‪،‬‬
‫ـات‬
‫ً ُ ِّ‬
‫َ‬
‫ِ ِ‬
‫ـون فــي مراكـ ِـز المـ ِ‬
‫علــى حيـ ِ‬
‫ـدن‪ ،‬وقــدْ َ‬
‫تمشـ َ‬
‫تطوعي ـ َن َي َّ‬
‫ـب‬
‫كسـ ُ‬
‫الم ِّ‬
‫كان َم َ‬
‫ُ‬
‫ـن جعلــوا عــد ًدا ُمماثـ ًـا م ـ َن ُ‬
‫ـم هبـ ٌ‬
‫ـي فــي الغا َبـ ِـة هائـ ًـا؛ إ ْذ حــدَ َ‬
‫ا ّلذي ـ َن اس ـت َ‬
‫المشـ ِ‬
‫ـي فــي ُمســتوى‬
‫ـوط إجمالـ ٌّ‬
‫ث عندَ هـ ْ‬
‫َرخوا نتيج ـ َة َ‬
‫ـوط بواقـ ِع ‪ %2‬فــي ض ْغـ ِ‬
‫ـون اإلجهـ ِ‬
‫ـط الــدَّ ِم‪ ،‬وهبـ ٌ‬
‫ـاد (الكورتيســول) بواقــع ‪ ،%16‬وهبـ ٌ‬
‫ِهرمـ ُ‬
‫ـوط بواقـ ِع‬
‫أن أجســامنا تَســترخي فــي األجـ ِ‬
‫‪ %4‬فــي ن ْبـ ِ‬
‫ـض القلـ ِ‬
‫ـب‪ ،‬و َيعتِقــدُ ميازاكــي َّ‬
‫ـواء ال َّطبيع َّيـ ِـة ال َّلطيفـ ِـة؛ ألنَّنــا‬
‫َ‬
‫ـات ِ‬
‫ـير المعلومـ ِ‬
‫نشـ ْـأنا فيهــا فــي األصـ ِ‬
‫بشـ ًـرا؛ ولــذا فـ َّ‬
‫ـل بص َفتِنــا َ‬
‫ُكنّــا قــدْ َ‬
‫ذات‬
‫ـإن‬
‫حواســنا مه ّيــأ ٌة لتَفسـ ِ َ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫السـ ِ‬
‫ـحاب علــى حــدِّ قولِـ ِـه‪.‬‬
‫ِّ‬
‫الصلــة بالنّباتــات والجــداول المائ ّيــة‪ ،‬ال الحركــة المرور ّيــة وناطحــات َّ‬
‫ــات ال َّطبيعي ِ‬
‫أي خــاص بالمحمي ِ‬
‫ِ‬
‫للــر ِ‬
‫ــرا َّ‬
‫جــري َّ‬
‫أن نســب َة المراهقيــ َن‬
‫ــة ُأ‬
‫وقــدْ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫َ ّ‬
‫ٌّ‬
‫أظهــر اســت ٌ‬
‫مؤخ ً‬
‫طالع َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫األمريك ّييـ َن ا ّلذيـ َن ُيمضـ َ‬
‫ـاوز ‪ %10‬تقري ًبــا‪ ،‬كمــا‬
‫ـم فــي الهــواء ال َّط ْلـ ِـق ك َُّل يــو ٍم ال تَتجـ ُ‬
‫ـون ب ْعـ َ‬
‫ـض وقتهـ ْ‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫ممــا ُيمضو َن ـ ُه داخـ َـل‬
‫أن األمريك ّيي ـ َن البالغي ـ َن ُيمضــون وق ًتــا أقـ َّـل خـ َ‬
‫ـم والمبانــي عمو ًمــا ّ‬
‫ـارج بيوتهـ ْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـاس ال ُيقــدِّ َ‬
‫ـم‪َّ .‬‬
‫ـم فــي الخـ ِ‬
‫ـارج‬
‫إن النّـ َ‬
‫هم ْ‬
‫رون مــدى تأثيـ ِـر وجودهـ ْ‬
‫أي أقـ َّـل م ـ ْن ‪ %5‬م ـ ْن يومهـ ْ‬
‫س ـ ّيارات ْ‬
‫‪230‬‬
‫ةّيتامولعملا ُصوصّنلا‬
‫ِ‬
‫الســعاد َة َتتَأ ّتــى ِمـ ْن أشــيا َء ُأخــرى ِم ْثـ ِ‬
‫هم‪ ،‬فنحـ ُن إجمـ ً‬
‫ـال نُف ِّكـ ُـر َّ‬
‫ـل التَّسـ ُّـو ِق أو‬
‫أن َّ‬
‫فــي مســتوى ســعادت ْ‬
‫مشـ ِ‬
‫ـاهدة التِّلفـ ِ‬
‫ـاز‪.‬‬
‫ُ‬
‫ول‪ ،‬تُشــجع الجهــات الحكومي ـ ُة علــى االرتمـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـاء فــي أحضـ ِ‬
‫ـض الــدُّ ِ‬
‫وفــي بعـ ِ‬
‫بوصفهــا‬
‫ـان ال َّطبيعـ ِـة‪،‬‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫ِّ ُ‬
‫الت ِ‬
‫سياسـ ًة للصحـ ِـة العامـ ِـة‪ ،‬ففــي فنلنــدا مثـ ًـا‪ -‬وهــي بــاد تعانــي معــدَّ ٍ‬
‫مرتفعـ ًة لالكتِئـ ِ‬
‫ـب‬
‫ـاب‪ -‬ط َلـ َ‬
‫ٌ‬
‫ِّ َّ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـون تُمولهــم الحكوم ـ ُة إلــى ِ‬
‫ـم مشـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـم‬
‫آالف األشـ‬
‫هم ومســتويات اإلجهــاد لدَ يهـ ْ‬
‫ـاعر ْ‬
‫ـخاص تقييـ َ‬
‫باحثـ َ ِّ ُ‬
‫الزيـ ِ‬
‫بعــدَ زيـ ِ‬
‫ـارة‪ ،‬فـ َّ‬
‫ـج تلـ َ‬
‫حضر ّيـ ٍـة‪ ،‬وبنــا ًء علــى نتائـ ِ‬
‫عهـ ِـد‬
‫ـك ّ‬
‫ـارة مناطـ َـق طبيع ّيـ ٍـة و ُأخــرى َ‬
‫ـإن فريـ َـق َم َ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫وقــت فــي ال َّط ِ‬
‫ٍ‬
‫صــاد ِر ال َّطبيعي ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫بيعــة ال ِيق ُّ‬
‫ســاعات فــي‬
‫خمــس‬
‫ــل عــن‬
‫بقضــاء‬
‫ــة يوصــي‬
‫للم‬
‫ّ‬
‫فن َلنــدا َ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـور ِع ْلـ ِم النَّ ْفـ ِ‬
‫ـس (كاليفــي كوربيــا) َّ‬
‫َّ‬
‫ـراوح بيـ َن أربعيـ َن‬
‫ـي مــدَّ ًة تَتـ ُ‬
‫أن المشـ َ‬
‫ـهر‪ ،‬كمــا َيــرى بروفيسـ ُ‬
‫ـرات فــي ِ‬
‫ـرات ن ْفس ـي ٍة و تغييـ ٍ‬
‫ـداث تغييـ ٍ‬
‫وخمســين دقيق ـ ًة يبــدو كافيــا إلحـ ِ‬
‫األرجـ ِ‬
‫المـ ِ‬
‫ـح‬
‫ـزاج‪ ،‬وعلــى‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫َ‬
‫روب لل َّطبيعــةِ‬
‫ِ‬
‫تغييـ ٍ‬
‫نحـ ِـو س ـتّة ُد ٍ‬
‫ـرات فــي التَّركيـ ِـز ً‬
‫ـور فــي تَصمي ـ ِم ْ‬
‫أيضــا‪ ،‬وقــدْ ســاعدَ هــذا البروفيسـ ُ‬
‫ـاه وال َّت َف ُّكـ ِـر‪ ،‬وتوجــدُ علــى هـ ِ‬
‫ـي واالنتبـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـذه الــدُّ ِ‬
‫المشـ ِ‬
‫روب‬
‫ُيسـ ّـميها‬
‫َ‬
‫«دروب التَّقويــة» تُشـ ِّ‬
‫َ‬
‫ـج ُع علــى َ‬
‫ـات ت ِ‬
‫ـائل ِمثـ َـل «اجلـ ِ‬
‫َحمـ ُـل رسـ َ‬
‫ـس نبا ًتــا»‪.‬‬
‫الفتـ ٌ‬
‫ـس ال ُقر ُفصــا َء والمـ ْ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫منهــم‬
‫فكثيــر‬
‫الجنوب ّييــ َن‪،‬‬
‫أكثــر شــ َغ ًفا بالت‬
‫ور ّبمــا ال يوجــدُ َأ َحــدٌ‬
‫َّطبيــب بال َّطبيعــة مــ َن الكور ّييــ َن َ‬
‫ْ‬
‫ٌ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫األجهــزة الر ْقمي ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫غوطــات الدِّ راســ ّي َة ّ‬
‫ــق‬
‫والض‬
‫وإدمــان‬
‫العمــل‪،‬‬
‫ُيعانــي إجهــا َد‬
‫وو ْف َ‬
‫ــة‪ُّ ،‬‬
‫الشــديدةَ‪َ ،‬‬
‫َّ َّ‬
‫ـإن أكثــر ِمـن ‪ِ %70‬مـن هـ ِ‬
‫ـون َّ‬
‫ـؤالء يقولـ َ‬
‫ـم‬
‫ْ‬
‫أجر ْتـ ُه َشــرك ُة (سامســونج) فـ َّ َ ْ‬
‫ـم تُصي ُبهـ ْ‬
‫إن َوظائ َفهـ ْ‬
‫اســتطال ٍع َ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫باالكتئــاب؛ إ ْذ ت ِ‬
‫ِ‬
‫ســاعات طويلــ ًة ِمــ َن ال َع ِ‬
‫مــل‪.‬‬
‫ــب‬
‫َشــته ُر بكَونهــا تتط َّل ُ‬
‫وإلــى غابـ ِـة ســانيوم لالستشـ ِ‬
‫ـفاء ِ‬
‫الح َضر ّيـ َ‬
‫الزائـ َ‬
‫الواقعـ ِـة َشـ َ‬
‫ـون ا ّلذيـ َن‬
‫ـرق العاصمـ ِـة ســيؤول َي ِفــدُ ّ‬
‫ـرون َ‬
‫ـك الهــواء الم ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ ٍ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫نعـ ُ‬
‫ـش‪،‬‬
‫المكتســي ُة بــرداء زاه م ـ َن األوراق ُمتغ ِّيــرة األلــوان‪ ،‬وكذلـ َ َ ُ ُ‬
‫ـجار ُ‬
‫ـم األشـ ُ‬
‫اجتذ َبتْهـ ُ‬
‫ـات َخشــبي ٍة فــي ُفسـ ٍ‬
‫ـوق ِمنَصـ ٍ‬
‫ـراج‪ .‬كمــا ن ِ‬
‫وسـ َ‬
‫ـط األحـ ِ‬
‫َجــدُ َمجموع ـ ًة ِم ـ َن‬
‫ـراص ُ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫ـم فـ َ ّ‬
‫و َيتـ ُّ‬
‫ـحة ْ‬
‫بعضهـ ْ‬
‫ِ‬
‫الرجـ ِ‬
‫ـم ُي ِ‬
‫ده َ‬
‫مارسـ َ‬
‫ـال ُيمضـ َ‬
‫المشـ ِ‬
‫هم‬
‫ـي االسـ‬
‫ـون (اليوغــا)‪ ،‬و َي َ‬
‫الصبـ َ‬
‫ـون َّ‬
‫نون ســواعدَ ْ‬
‫ـتجمامي‪ ،‬ثـ َّ‬
‫ِّ‬
‫ـاح فــي َ‬
‫ِّ‬
‫ـار الجا َّفــة‪ِ.‬‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ـون لوحــات م ـ َن األزهـ ِ‬
‫الخزامــى‪ ،‬و َيصنَعـ َ‬
‫و ُيدَ ِّلكونهــا بزيــت ُ‬
‫ـات مخصصـ ٍـة رســميا لالستشـ ِ‬
‫ـاث غابـ ٍ‬
‫و ُتعــدُّ غابـ ُة ســانيوم واحــد ًة ِمـن ثـ ِ‬
‫ـفاء فــي كوريــا الجنوب ّيـ ِـة‪،‬‬
‫ًّ‬
‫َّ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـص أرب ـ ٍع وثالثي ـ َن غاب ـ ًة ُأخــرى لل َغـ َـر ِ‬
‫ممــا‬
‫المز َم ـ ِع تخصيـ ُ‬
‫ض ن ْفســه فــي أفـ ِـق عــام ‪ّ ،2017‬‬
‫وم ـ َن ُ‬
‫ســتكون علــى مقر ٍ‬
‫ــل الم ِ‬
‫ُ‬
‫يعنــي َّ‬
‫بــة ِمــ ْن إحداهــا‪ .‬وتُقــدِّ ُم جامعــ ُة (تشــونغبوك)‬
‫ــدن الكبــرى‬
‫َ ُ‬
‫أن ُج َّ ُ‬
‫ـات» إ ْذ تتو َّقــع دائــر ُة الغابـ ِ‬
‫ـاج بالغابـ ِ‬
‫َبرنا َم ًجــا دراس ـ ًّيا َينـ ُ‬
‫ـات الكور ّيـ ِـة ْ‬
‫ـال فيـ ِـه ال َّطلب ـ ُة شــهاد َة «عـ ٍ‬
‫أن‬
‫ُ‬
‫‪231‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ـف َخمسـ ِ‬
‫ٍ ِ‬
‫المقبلتَيـ ِ‬
‫الســنت ِ‬
‫ـمئة حـ ِ‬
‫ـن‪.‬‬
‫تُو ِّظـ َ‬
‫َين ُ‬
‫ـي فــي َّ‬
‫ـارس غابــة ص ّحـ ٍّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الغابــات الكوري ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫فيمــا مضــى َ‬
‫هــم ِمــ َن‬
‫ــة) ُي‬
‫(دائــرة‬
‫كان ُعلمــا ُء‬
‫ّ‬
‫جــرون ُبحو ًثــا علــى َمحصــول غابات ْ‬
‫يــوت ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الخ ِ‬
‫أيضــا ُي َق ِّط َ‬
‫َ‬
‫درســونَها‬
‫بعــض‬
‫الع ْطر ّيــ َة ِمــ ْن‬
‫الز َ‬
‫ــرون ُّ‬
‫ــم ً‬
‫شــب؛ أ ّمــا اليــو َم ُ‬
‫أشــجارها و َي ُ‬
‫فه ْ‬
‫ـراض الربـ ِـو‪ .‬وب َف ْض ِل السياسـ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ليكتِشــفوا ُقدرتَهــا علــى َخ ْفـ ِ‬
‫ـات‬
‫ـض ُمعــدَّ الت هرمونــات اإلجهاد‪ ،‬وأعـ ِ َّ ْ‬
‫ّ‬
‫ـدة ف َقــدْ ازداد َعــدَ د ُزو ِار غابـ ِ‬
‫الجديـ ِ‬
‫ـون زائـ ٍـر عــام ‪ 2010‬إلــى ‪ 12.8‬مليـ ِ‬
‫ـات كوريــا ِمـن ‪ 9.4‬مليـ ِ‬
‫ـون‬
‫ْ‬
‫ُ ّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫زائـ ٍـر عــا َم ‪.2013‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫أي آثـ ٍ‬
‫َّ‬
‫وظائفـ َ‬
‫ـك اإلدراك ّيـ ِـة‬
‫ـار جانب ّيـ ٍـة‪ ،‬و ُيمكنُـ ُه تحســي ُن‬
‫ـاج ال َيحمـ ُـل َّ‬
‫ـع ال َّطبيعــة هـ َـو عـ ٌ‬
‫إن التَّفا ُعـ َـل مـ َ‬
‫بيعــة ال َّ ِ‬
‫لــة إنّنــا نَخــرج إلــى ال َّط ِ‬
‫اإلطــاق‪ ،‬وفــي المحص ِ‬
‫تكاليــف مادي ٍ‬
‫ِ‬
‫ــم‬
‫ــة علــى‬
‫أي‬
‫َ‬
‫ُ ُ‬
‫ُ ِّ‬
‫ّ‬
‫بِــا ِّ‬
‫ألن الع ْل َ‬
‫ِ‬
‫ـأن لهــا تأثيـ ًـرا ُمع َّينًــا فينــا‪ ،‬بـ ْـل بسـ ِ‬
‫ُيخبِ ُرنــا بـ َّ‬
‫ـاعر‪.‬‬
‫ـبب مــا تُثيــر ُه فينــا م ـ ْن أحاسـ َ‬
‫ـيس ومشـ َ‬
‫‪232‬‬
‫ةّيتامولعملا ُصوصّنلا‬
‫بالستيك؟‬
‫كيف نحيا بِال‬
‫َ‬
‫َ‬
‫*‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫أتــاح‬
‫البالســتيك فــي عــا ِم ‪1907‬‬
‫ــر‬
‫ــم جديــدٌ فــي حياتِنــا؛ ف َقــدْ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫أشــر َق ْ‬
‫انفتــح عا َل ٌ‬
‫عص ُ‬
‫عندمــا َ‬
‫قاومـ ِـة للكَسـ ِـر إلــى ِق َطـ ِع اآلليـ ِ‬
‫ـتيك صنْــع أشــياء كثيـ ٍ‬
‫ِ‬
‫ـرة‪ِ ،‬مـ ْن أكـ ِ‬
‫ـات الحرب ّيـ ِـة‪.‬‬
‫ّ‬
‫البالسـ ُ ُ َ‬
‫ْ‬
‫الم ِ َ‬
‫ـواب األطفــال ُ‬
‫َ‬
‫ِ ِ‬
‫ِِ‬
‫ِ‬
‫ـتيك بِ َشـ ٍ ِ‬
‫فأقبـ َـل العا َلــم علــى البالسـ ِ‬
‫ـان ال َّلتـ ِ‬
‫وهمــا الص َفتـ ِ‬
‫ـان َأدخ َلتانــا‬
‫ـراهة لتَعــدُّ د اســتعماالته و َمتانَتــه‪ُ ،‬‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫األزمــة ا ّلتــي نُعانــي منهــا حال ًّيــا‪َ .‬‬
‫هنــاك‬
‫ــت‬
‫فــي‬
‫فليس ْ‬
‫حســناته إنَّــ ُه «يــدو ُم إلــى األ َبــد» َ‬
‫قيــل فــي َ‬
‫ـذه المــواد االصطناعيـ ِـة المع َّقـ ِ‬
‫هضـ ِم هـ ِ‬
‫ـدة ا ّلتــي تُشـ ِّك ُلها سالسـ ُـل طويلـ ٌة‬
‫كائنـ ٌ‬
‫ـات ح َّيـ ٌة قــادر ٌة علــى ْ‬
‫ِّ‬
‫ّ ُ‬
‫أيضــا مشـ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـكل ٌة كُبــرى؛‬
‫م ـ ْن َح َلقــات الكربــون ال تسـ ُ‬
‫ـي ً ُ‬
‫ـتطيع ال َّطبيع ـ ُة تفكيكَهــا‪ ،‬لك ـ َّن هــذه الميــز َة هـ َ‬
‫ــر أو فــي ال َّط ِ‬
‫آالف الســنين ِمــن ِ‬
‫البالســتيك فــي َم ْط َم ٍ‬
‫دون ْ‬
‫«الو ْح ُ‬
‫ُ‬
‫ــش»‬
‫بيعــة‬
‫ف َقــدْ َيبقــى‬
‫أن َيتح َّل َــل‪َ .‬‬
‫َ ِّ َ ْ‬
‫ـب قاتـ ٍم‪ ،‬ومــا ِز ْلنــا نسـ ِ‬
‫ـتخدمها علــى نطـ ٍ‬
‫ذات جانـ ٍ‬
‫ـاق واسـ ٍع‬
‫ماثِـ ٌـل بينَنــا‪ .‬لدينــا مــا ّد ٌة عجائب ّيـ ٌة‪ ،‬لكنّهــا ُ‬
‫ُ‬
‫دائمــا‪.‬‬
‫ُمغ ِّيري ـ َن ال َبـ َّـر‬
‫ْ‬
‫والبحـ َـر تغييـ ًـرا ً‬
‫ظلــم ِم ـن هـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـت معروف ـ ًة علــى نِطـ ٍ‬
‫ـاق واس ـ ٍع َ‬
‫ـذه‬
‫ولعـ َّـل حقائـ َـق كثيــر ًة‬
‫أصبحـ ْ‬
‫الم َ ْ‬
‫اآلن تُؤ ِّكــدُ الجانـ َ‬
‫َ‬
‫ـب ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ورا كبيـ ًـرا فــي الحـ ِ‬
‫الر ْغ ـ ِم ِم ـ ْن َّ‬
‫أن البالسـ َ‬
‫ـرب العالم ّيـ ِـة ال ّثانيـ ِـة؛‬
‫ـتيك أ ّدى َد ً‬
‫المــا َّدة العجائب ّيــة؛ ف َعلــى َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ ِ‬
‫المــوا ِّد ِ‬
‫ادارات‪ّ ،‬إل َّ‬
‫أن‬
‫العازلـ ِـة للـ ّـر‬
‫الم ْركَبــات العســكر ّية إلــى َ‬
‫ـم اســتعما ُل ُه فــي ك ُِّل شــيء م ـ َن َ‬
‫إ ْذ َتـ َّ‬
‫ـك الفتـ ِ‬
‫ِ‬
‫كات البِتـ ِ‬
‫ـف ب ْعــدَ ْ‬
‫وزارهــا؛ ففــي تلـ َ‬
‫ـع‬
‫األ ْمـ َـر اخ َت َلـ َ‬
‫ـت شـ ِـر ُ‬
‫ـرة َبنَـ ْ‬
‫ـرول َمصانـ َ‬
‫أن َو َض َعــت الحـ ْـر ُب َأ َ‬
‫ب‪ ،‬ولكـن‪ ،‬بعــدَ انتهـ ِ‬
‫ـتيك) اســتجاب ًة لِمتط َّلبـ ِ‬
‫ـط الخــا ِم إلــى (بالسـ ٍ‬
‫ـل النِّ ْفـ ِ‬
‫ـاء الحـ ْـر ِ‬
‫ـات الحـ ْـر ِ‬
‫لتحويـ ِ‬
‫ب‪،‬‬
‫ْ ْ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َجاوزهــا بابتـ ِ‬
‫ـتعماالت‬
‫ـكار أنــوا ٍع ال تُحصــى ِم ـ َن االسـ‬
‫واجهـ ْ‬
‫ـم ت ُ‬
‫َ‬
‫ـت صناع ـ ُة البالســتيك ُمشــكل ًة َتـ َّ‬
‫ـدة لهـ ِ‬
‫الجديـ ِ‬
‫ـذه المــا َّد ِة‪.‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫وأن حوا َلــي ثالثِمئـ ِـة ِمليـ ِ‬
‫ِ‬
‫كمــا َّ‬
‫نحـ َـو ‪ِ %8‬مـ ْن إنتـ ِ‬
‫ـون‬
‫ـي‪َ َّ ،‬‬
‫ـاج البالســتيك َيســتهل ُك ْ‬
‫أن إنتـ َ‬
‫ْ‬
‫ـاج النِّ ْفــط العا َلمـ ِّ‬
‫ـون ُط ـن ِمنهــا تقريبــا فــي المحيطـ ِ‬
‫ُط ـن ِم ـن البالسـ ِ‬
‫ـتيك تُصنَّــع ســنويا ينتهــي ثماني ـ ُة ِمليـ ِ‬
‫ـات حيـ ُ‬
‫ـث‬
‫ً‬
‫ٍّ‬
‫ًّ‬
‫ُ‬
‫ٍّ َ‬
‫ُ‬
‫ـاق المحيطـ ِ‬
‫ِ‬
‫آلالف الســنين‪ ،‬وهــو موجــود فــي ك ُِّل مـ ٍ‬
‫ـكان ِم ـ ْن أعمـ ِ‬
‫ـع ْ‬
‫ـات إلــى جليـ ِـد‬
‫أن َيبقــى‬
‫ٌ‬
‫َ‬
‫ِّ َ‬
‫ُيتو َّقـ ُ‬
‫ُ‬
‫طامــر ي ِ‬
‫ِ‬
‫ال ُق ْطـ ِ‬
‫مكـ ُن ْ‬
‫ـك فـ َّ‬
‫ـإن البالسـ َ‬
‫ـمالي‪ .‬باإلضافـ ِـة إلــى ذلـ َ‬
‫ـب َّ‬
‫ـح‬
‫أن ت َْر َشـ َ‬
‫ـتيك ا ّلــذي ُيد َفـ ُن فــي َم َ ُ‬
‫الشـ ِّ‬
‫ِ‬
‫الجوف ّيـ ِـة‪.‬‬
‫ـار ٌة تَتسـ َّـر ُب إلــى الميــاه َ‬
‫من ـ ُه َمــوا ُّد كيميائ ّي ـ ٌة ضـ َّ‬
‫مئة َنــو ٍع ِمـن األحيـ ِ‬
‫ـاء البحريـ ِـة ابتَلعـ ْ ِ‬
‫ـات عـن أكثــر ِمـن سـب ِع ِ‬
‫ـع‬
‫و َث َّمـ َة بيانـ ٌ‬
‫ـت ق َط ًعــا بالســتيك ّي ًة‪ ،‬و َيتو َّقـ ُ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫ْ َ ْ ْ‬
‫البيئة وال َّت ِ‬
‫ِ‬
‫نمية‪ ،‬مارس‪-‬إبريل ‪( 2016‬بِ َت َصر ٍ‬
‫ف)‬
‫*) مج َّل ُة‬
‫ُّ‬
‫‪233‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫لــول س ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫البالســتيك فــي أجســا ِم ‪ِ %99‬مــ َن ال ُّط ِ‬
‫العلمــا ُء ْ‬
‫ــنة ‪.2050‬‬
‫أن ُيع َث َــر علــى‬
‫يــور البحر ّيــة بِ ُح ُ َ‬
‫ِ‬
‫نقــل ألنــوا ٍع غازي ٍ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫َ‬
‫يــدان‬
‫ــة ِمــ َن‬
‫وســائل‬
‫ُّفايــات البالســتيك ّي ُة العائمــ ُة‬
‫وتُشــك ُِّل الن‬
‫األســماك والدّ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ب القـ ِ‬
‫ـب ممــا يتس ـبب فــي فوضــى بيئيـ ٍـة؛ ف َقــدْ ُعثِــر فــي جزيـ ٍ‬
‫ـرة غـ ْـر ِ‬
‫الجنوب ّيـ ِـة‬
‫ـارة ال ُقطب ّيــة َ‬
‫ّ‬
‫وال َّطحالـ ِ ّ َ َّ ُ‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫الل َفقاري ِ‬
‫علــى َع َش ِ‬
‫خيلــة م ِ‬
‫ــرة أنــوا ٍع ِمــ َن ّ‬
‫الجليــد‪.‬‬
‫ُفايــات بالســتيك ّي ٍة علــى‬
‫لتصقــ ًة بن‬
‫ــات الدَّ‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫خمسـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـم ِئة بليـ ٍ‬
‫ـون ِمـ َن األكيـ ِ‬
‫ـات َّ‬
‫ـتعم ُل ك َُّل سـن ٍَة حـ ْـو َل‬
‫نحـ َـو‬
‫وتُقــدِّ ُر اإلحصائ ّيـ ُ‬
‫أن ْ‬
‫ـاس البالســتيك ّية تُسـ َ‬
‫ـدة‪ .‬وأ َّنـه َتــم تصنيــع كميـ ٍـة ِمـن البالسـ ِ‬
‫ـس فــي الدَّ قيقـ ِـة الواحـ ِ‬
‫العا َلـ ِم‪ ،‬أي أكثــر ِمـن مليـ ِ‬
‫ـون كيـ ٍ‬
‫ـتيك فــي‬
‫َ‬
‫ُ ّ‬
‫َ ْ‬
‫ْ‬
‫ُ َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـت ِصناع ُتـ ُه فــي ك ُِّل القـ ْـر ِن الماضــي‪َّ .‬‬
‫وأن‬
‫تمـ ْ‬
‫الســنوات ال َعشـ ِـر األولــى مـ ْن هــذا القـ ْـرن تَزيــدُ علــى مــا َّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـتعم ُل مـ َّـر ًة واحــد ًة ف َقـ ْ‬
‫ـم ُيرمــى ل ُيش ـك َِّل عب ًئــا علــى‬
‫ـط‪ُ ،‬ثـ َّ‬
‫ـم إنتاج ـ ُه ُيسـ َ‬
‫‪ %50‬م ـ َن البالســتيك ا ّلــذي َيتـ ُّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الســني َن‪.‬‬
‫األرض ال يمكـ ُن التَّخ ُّلـ ُ‬
‫ـص منـ ُه آلالف ِّ‬
‫دون بالسـ ٍ‬
‫أن تَصــور حياتِنــا ِم ـن ِ‬
‫ـتيك يبــدو أمـ ًـرا ُمسـ ً‬
‫ـم َّ‬
‫ـتحيل ّإل أ ّنــه َيبقــى َهد ًفــا نبيـ ًـا َيســعى‬
‫ْ‬
‫ُّ َ‬
‫ور ْغـ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـاس حـ ْـو َل العا َلـ ِم؛ ف ُي ِ‬
‫إليــه الكثيـ ُـر مـ َن النّـ ِ‬
‫حاولـ َ‬
‫ـون اســتخدا َم بدائـ َـل صديقــة للبيئــة‪ ،‬أو َ‬
‫ـررا‬
‫أخـ َّ‬
‫ـف ضـ ً‬
‫طامــر‪ .‬وهـ ِ‬
‫أ الم ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـض األفـ ِ‬
‫ـكار‬
‫ـذه بعـ ُ‬
‫َ‬
‫م ـ َن البالســتيك‪ ،‬ل ُيخ ِّففــوا م ـ َن النُّفايــات البالســتيك ّية ا ّلتــي تَم ـ ُ َ‬
‫آالف النُّبـ ِ‬
‫َنضــم إلــى ِ‬
‫ِ‬
‫ـاء حـ ْـو َل العا َلـ ِم ِم َّمـ ْن ُي ِ‬
‫ـون باسـ ٍ‬
‫حاولـ َ‬
‫بتطبيقهــا ْ‬
‫ـتمرار حمايـ َة‬
‫ـتطيع‬
‫َ‬
‫ا ّلتــي تَسـ ُ‬
‫أن ت َّ َ‬
‫بالحيــاة إلــى صورتِهــا ال َّطبيعي ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ــة بعيــدً ا ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الســا َّم ِة للتَّصنيــ ِع‬
‫عــن‬
‫األرض‪ ،‬والعــود َة‬
‫كوكــب‬
‫ّ‬
‫اآلثــار ّ‬
‫واســتخدا ِم المــوا ِّد َغيـ ِـر ال َّطبيع ّيـ ِـة‪:‬‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫تَجنَّـ ِ‬
‫ـتيكي فسـتَرى‬
‫تفح ْصـ َ‬
‫ـت الجانـ َ‬
‫السـ ِّيئ َة مـ َن البالســتيك‪ :‬إذا َّ‬
‫ـب األنـ َ‬
‫ـفلي لوعــاء بالسـ ٍّ‬
‫السـ َّ‬
‫ـب ُّ‬
‫ـواع َّ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ـي‪:‬‬
‫ر ْق ًمــا مـ ْن ‪ 1‬إلــى ‪ 7‬داخـ َـل ُمث َّلــث؛ وأســو ُأ أنــوا ِع البالســتيك هـ َ‬
‫ِ‬
‫ـتيك ســام ِجــدًّ ا‪ ،‬يحتــوي علــى إضافـ ٍ‬
‫الرصـ ِ‬
‫ـات ِم ْثـ ِ‬
‫الر ْق ُم ‪:3‬هـ َـو بالسـ ٌ‬
‫ـتعم ُل‬
‫ـاص والفثــاالت‪ ،‬و ُيسـ َ‬
‫ـل َّ‬
‫ٌّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الرقيقــة وبعـ ِ‬
‫ـوداني و ُل َعـ ِ‬
‫ـب‬
‫السـ‬
‫ِّ‬
‫ـض القواريـ ِـر و َأوعيــة ُزبــدة الفــول ّ‬
‫فــي األغلفــة البالســتيك ّية َّ‬
‫ِ‬
‫األطفال ‪.‬‬
‫العصبــي‪ .‬ويوجــدُ فــي األ ْطبـ ِ‬
‫ـي مــا َّد ٌة ســا َّم ٌة للدِّ مــا ِغ والجهـ ِ‬
‫السـ ِ‬
‫ـاق‬
‫َّ‬
‫ـاز َ ِّ‬
‫ـترين وهـ َ‬
‫الر ْق ُم‪:6‬يحتــوي علــى ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫وأدوات ال َّطعــا ِم البالســتيك ّية ا ّلتــي تُرمــى ب ْعــدَ االســتعمال‪ ،‬و َأوعيــة ال َّطعــا ِم الجاهـ ِـز‪.‬‬
‫ِ‬
‫ـول ويوجــدُ فــي مع َظـ ِم بِطانـ ِ‬
‫الر ْقم‪:7‬يحتــوي علــى ُثنائــي الفينـ ِ‬
‫ـات ُع َلـ ِ‬
‫المعدن ّيـ ِـة وقواريـ ِـر‬
‫ـب ال َّطعــا ِم‬
‫َّ ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الرياض ّيــة‪ ،‬و َأوعيــة العصائـ ِـر والكاتشـ ِ‬
‫ـاب‪.‬‬
‫المشــروبات ّ‬
‫‪234‬‬
‫ةّيتامولعملا ُصوصّنلا‬
‫ِ‬
‫استعم ِل األَوعي َة َغ َير البالستيك ّي ِة‪.‬‬
‫ِ‬
‫اسـ ِ‬
‫ـتخد ْم كو ًبــا بالســتيك ًّيا أو ُزجاج ًّيــا‪ ،‬وحـ ِ‬
‫ـواب البالســتيك ّي َة ا ّلتــي تُرمــى ب ْعــدَ‬
‫ـاو ْل ّأل تَســتعم َل األكـ َ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ـي‪ُ .‬‬
‫وخـ ْـذ معـ َ‬
‫ـع وجب ـ َة غذائـ َ‬
‫أكياســا ُيعــا ُد اســتخدا ُمها إلــى‬
‫ـك‬
‫االسـ‬
‫ـتعمال‪َ ،‬ضـ ْ‬
‫ً‬
‫ـك فــي وعــاء ُزجاجـ ٍّ‬
‫الب ّقالـ ِـة أو سـ ِ‬
‫الخضـ ِ‬
‫ـوق ُ‬
‫ـار‪.‬‬
‫احمـ ْـل قــارور َة ميـ ٍ‬
‫ال تشــرب مياهــا معبــأةً‪ِ :‬‬
‫ـاه ُزجاج ّي ـ ًة يمك ـ ُن إعــاد ُة تعبئتِهــا‪ ،‬بــدَ ًل ِم ـ َن القواريـ ِـر‬
‫ً ُ َّ‬
‫َ ْ‬
‫ـأة ا ّلتــي تُسـ ِـفر ع ـن نُفايـ ٍ‬
‫ـزة المعبـ ِ‬
‫الجاهـ ِ‬
‫ـات بالســتيك ّي ٍة ال ُيعــا ُد تدويـ ُـر ّإل القليـ َـل منهــا‪.‬‬
‫ُ ْ‬
‫ُ َّ‬
‫كبيــرة ِمــن ِس ٍ‬
‫ٍ‬
‫ــة أكبــر‪ :‬شــراء كمي ٍ‬
‫تســو ْق بكمي ٍ‬
‫أكبــر ِمــ َن‬
‫ــلعة أو مــا َّد ٍة‬
‫ــة‬
‫ُ‬
‫ْ‬
‫ُ ّ‬
‫ّ‬
‫َّ‬
‫ــر كميــ ًة َ‬
‫تحتــاج إليهــا يو ِّف ُ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫الم ِ‬
‫الوقــو َد ا ّلــذي ت ِ‬
‫َحر ُقــ ُه ســ ّيارت َ‬
‫تجــر‪.‬‬
‫ــر َ‬
‫ُك فــي رحــات إضاف ّيــة إلــى َ‬
‫التَّغليــف‪ ،‬كمــا يو ِّف ُ‬
‫ف عن ِش ِ‬
‫بات المعب ِ‬
‫العصائر والمر ِّط ِ‬
‫ِ‬
‫قوارير بالستيك ّي ٍة‪.‬‬
‫أة في‬
‫راء‬
‫َّ‬
‫تو َّق ْ ْ‬
‫َ‬
‫ــة‪ِ .‬‬
‫ــة فــي قواريــر ُزجاجي ٍ‬
‫مشــروبات غازي ٍ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫األفضــل ْ‬
‫َشــر َب‬
‫ومــ َن‬
‫يمكــ ُن ِشــرا ُء‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫أن تــأك َُل فواكــ َه وت َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ـروبات الغازيـ ِـة المليئـ ِـة بالس ـك َِّر اإلضافــي ِ‬
‫ـتغني عـ ِ‬
‫بالص َّحـ ِـة‪.‬‬
‫ـن المشـ‬
‫عصائـ َـر َ‬
‫المضـ ِّـر ِّ‬
‫ّ‬
‫ِّ ُ‬
‫ُّ‬
‫طازج ـ ًة‪ ،‬وتَسـ َ‬
‫ِ‬
‫ـغ ِ‬
‫مض ـ ِغ ِ‬
‫فمنـ ُـذ الحـ ْـر ِ‬
‫مضـ ُ‬
‫ب العالم ّيـ ِـة‬
‫تو َّقـ ْ‬
‫العلكـ ِـة هـ َـو بمثابـ ِـة ْ‬
‫العلكـ ِـة‪ْ :‬‬
‫ـف ع ـ ْن ْ‬
‫مض ـ ِغ البالســتيك؛ ُ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ـف اسـ ُ‬
‫المطـ ُ‬
‫ـي ا ّلــذي‬
‫ال ّثانيـ ِـة تو َّقـ َ‬
‫ـاط ِّ‬
‫الصناعـ ُّ‬
‫ـي فــي ُصنـ ِع العلكــة واسـتُبد َل بــه َّ‬
‫ـتعمال الم ّطــاط ال َّطبيعـ ِّ‬
‫ـرذان المختبـ ِـر‪ ،‬لكـن َلـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـارب أنَّهــا تُسـبب نُمــوا ورميــا لــدى جـ ِ‬
‫ـم‬
‫ُ َ‬
‫ُ‬
‫ًّ َ َ ًّ‬
‫ِّ ُ‬
‫يحتــوي علــى مــوا َّد ب َّينــت التَّجـ ِ ُ‬
‫ـم َيتـ َّ‬
‫ْ ْ‬
‫العلك ـ ُة بعــدَ ْ ِ‬
‫أيضــا أي ـن ســتنتهي ِ‬
‫ٍ ِ‬
‫ـي غيـ ُـر‬
‫الصناعـ ِـة‪ ،‬و َف ِّكـ ْـر ً‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ح ْظ ُرهــا نتيج ـ َة ض ْغــط م ـ َن ِّ‬
‫مضغهــا‪ ،‬فهـ َ‬
‫قابلـ ٍـة للتَّح ُّلـ ِ‬
‫ـي‪.‬‬
‫ـل ال َبيولوجـ ِّ‬
‫ـواب والمالعـ ِـق البالســتيكي ِة عنـ ِـد ِشـ ِ‬
‫تنــاو ِل (اآليــس كريــم) فــي مخـ ٍ‬
‫ـتعمال األكـ ِ‬
‫ـروط‪ :‬تجنَّـ ِ‬
‫ـب اسـ َ‬
‫ـراء‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫اآليــس كريــم‪ ،‬واخ َتـ ْـر‪ -‬بــدَ ًل مـ ْن ذلـ َ‬
‫ـك‪ -‬تعبئتَهــا فــي مخــروط مـ َن البســكويت‪.‬‬
‫ِ‬
‫أجـ ِ‬
‫ـل ْ‬
‫ـإن مــا يمك ـ ُن ل ـك ُِّل واحـ ٍـد منّــا ْ‬
‫وب ْعــدُ ‪ ،‬فـ َّ‬
‫ـهم جمي ًعــا فــي حمايـ ِـة أن ُف ِســنا‬
‫أن يفع َل ـ ُه م ـ ْن ْ‬
‫أن نُسـ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـم مــا يمكـ ُن ْ‬
‫وكوكبنِــا قــدْ يكـ ُ‬
‫الو ْعـ ِ‬
‫ـي بيـ َن‬
‫ـون أكثـ َـر بكثيـ ٍـر مـ ْن ك ُِّل هــذا‪ .‬ول َعـ َّـل َ‬
‫أن نقــو َم بــه‪ ،‬ن َْشـ ُـر َ‬
‫أهـ َّ‬
‫َّخـ َـذ خطــو ًة واحــد ًة أو خطـ ٍ‬
‫وأن َنت ِ‬
‫وز ِ‬
‫ِ‬
‫ف ِمـن أفـ ِ‬
‫مالئنــا‪ْ ،‬‬
‫ـوات صغيــر ًة‬
‫ـراد ُأسـ َـرتِنا‬
‫وأصدقائنــا ُ‬
‫َمـ ْن نَعـ ِـر ُ ْ‬
‫ـن اســتخدا ِم هـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـل ِمـ ِ‬
‫نحـ َـو التَّقليـ ِ‬
‫ـذه المــا َّد ِة ال َعجائب ّيـ ِـة ا ّلتــي «تــدو ُم إلــى األ َبـ ِـد»‪.‬‬
‫بســيط ًة لتغييـ ِـر حياتنــا ْ‬
‫‪235‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ِ‬
‫الصح َّي ِة‬
‫املشي ‪ ..‬آثا ٌر إيجاب َّيةٌ على‬
‫احلالة ِّ‬
‫ُ‬
‫*‬
‫الدكتور أكمل عبد احلكيم‬
‫ُّ‬
‫ـس البشــري حاليــا لوبـ ٍ‬
‫ِ‬
‫يتعـ َّـر ُض أفــرا ُد الجنـ ِ‬
‫المعديـ ِـة‪ ،‬يعتبـ ُـر مسـ ً‬
‫ـؤول ع ـ ْن‬
‫ـاء م ـ َن‬
‫ًّ‬
‫ِّ‬
‫األمــراض غيـ ِـر ُ‬
‫ـون وفـ ٍ‬
‫ـن سـ ٍ‬
‫ـات بيـن البشـ ِـر‪ِ ،‬‬
‫ـف الوفيـ ِ‬
‫أكثــر مـن نِصـ ِ‬
‫فمـ ْن بيـ ِ‬
‫ـبعة وخمســي َن مليـ َ‬
‫ـاة بشــر ّي ٍة ســنو ًّيا‪ ،‬يعــو ُد‬
‫َ َ‬
‫َ ّ‬
‫َ ْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـون منهــا إلــى مـ ٍ‬
‫ـت وثالثي ـ َن مليـ َ‬
‫المعديــة‪ ،‬وهـ َـو‬
‫ـرض ْأو آخـ َـر م ـ َن األمـ‬
‫ـبب فــي سـ ٍّ‬
‫السـ ُ‬
‫ـراض غيـ ِـر ُ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـل الوف ّيــات‪ ،‬ومـ ْن بيـ ِ‬
‫ٍ‬
‫جمـ ِ‬
‫مايعـ ُ‬
‫ـن هــذه الوف ّيــات يكـ ُ‬
‫ـخاص‬
‫ـف تقري ًبــا بيـ َن أشـ‬
‫ـون النِّصـ ُ‬
‫ـادل ‪ %63‬مــن ُم َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫توسـ ُ‬
‫ممــا َيجعـ ُـل هــذا‬
‫ـط ال ُع ُمـ ِـر المتو َّق ـ ِع حال ًّيــا لإلنســان‪ّ ،‬‬
‫الســبعي َن‪ ،‬وهـ َـو ُم ِّ‬
‫ـم يب ُلغــوا بعــدُ س ـ َّن َّ‬
‫لـ ْ‬
‫ـف بكونـ ِـه وفيـ ٍ‬
‫ـف م ـن الوفيـ ِ‬
‫ـات م َب ِّكــرةً‪.‬‬
‫ـات يت َِّصـ ُ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫النِّصـ َ َ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫عوامــل ُمعديــ ٌة‪ِ ،‬م ُ‬
‫ُ‬
‫ثــل‬
‫ب فيهــا‬
‫هــي‪:‬‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫األمــراض ا ّلتــي ال تَتســ َّب ُ‬
‫المعديــة ببســاطة‪َ ،‬‬
‫غيــر ُ‬
‫واألمــراض ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الجراثيــ ِم‪ ،‬والبكتيريــا‪ ،‬والفيروســات‪ ،‬والف ْطر ّيــات‪ ،‬أو ِ‬
‫غيرهــا مــ َن الكائنــات الح ّيــة‪ ،‬كمــا أنّهــا‬
‫ـخص إلــى آخــر‪ ،‬وتتضم ـن هـ ِ‬
‫أن ت ِ‬
‫ال ي ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ـراض‪ -‬علــى سـ ِ‬
‫مك ـ ُن ْ‬
‫ـبيل‬
‫ـذه ال ّطائف ـ ُة م ـ َن األمـ‬
‫َنتقـ َـل م ـ ْن شـ‬
‫َّ ُ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫المثـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـراض ال َق ْلـ ِ‬
‫المناعــة ّ‬
‫ـب َّ‬
‫والس ـكْت َة الدِّ ماغ ّي ـ َة‪،‬‬
‫والشـ‬
‫ـرايين‪ ،‬وأمـ َ‬
‫الح ْصـ ِـر‪ -‬أمـ َ‬
‫ـال ال َ‬
‫الذات ّيــة‪َّ ،‬‬
‫ـراض َ‬
‫ِ‬
‫ــرطان ّي ِة‪ ،‬واألزمــ َة ُّ‬
‫وأمــراض الكُلــى‬
‫َّري‪،‬‬
‫والعديــدَ ِمــ ْن أنــوا ِع‬
‫َ‬
‫الســك ِّ‬
‫الشــ َعب ّي َة‪ ،‬ودا َء ُّ‬
‫الس َ‬
‫األمــراض َّ‬
‫والزهايمــر‪ ،‬و َقتامــ َة عَدَ ِ‬
‫الم ِ‬
‫ســة ال َع ِ‬
‫وغيرهــا‪.‬‬
‫زمنَــ َة‪ ،‬وهشاشــ َة العظــا ِم‪ّ ،‬‬
‫يــن‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ـراض الم ِ‬
‫أن هـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـم َّ‬
‫زمنَـ ِـة‪ّ ،‬إل‬
‫ـب األمـ‬
‫ـذه ال ّطائفـ َة مـ َن األمـ‬
‫ـراض ُيط َلـ ُـق عليهــا أحيا ًنــا ‪-‬خطـ ًـأ‪َ -‬لقـ ُ‬
‫ِ ُ‬
‫ورغـ َ‬
‫ِ‬
‫أن طـ َ‬
‫َّ‬
‫ـض‬
‫الصفـ َة المحــدِّ َد َة لهــا‪ ،‬وإنّمــا كَونُهــا ناتجـ ًة عـ ْن عوامـ َـل غيـ ِـر ُمعديـ ٍـة‪ ،‬فبعـ ُ‬
‫ـس ّ‬
‫ـول فترتهــا ليـ َ‬
‫ٍ‬
‫المناعــة المكتس ِ‬
‫ِ‬
‫زمن ِ‬
‫األمــراض الم ِ‬
‫ــبة ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫مثــل َن ْق ِ‬
‫َــة‪ُ ،‬‬
‫ســنوات‬
‫ســتغر ُق أحيانًــا‬
‫اإليــدز‪ ،‬وا ّلــذي َي‬
‫أو‬
‫ــص‬
‫ُ َ‬
‫ِ ُ‬
‫وسـ ٍ‬
‫ـرض ُم ْعـ ٍـد‪.‬‬
‫ـنوات ح ّتــى تظهـ َـر‬
‫أعراض ـ ُه وعالما ُت ـ ُه‪ ،‬هـ َـو مـ ٌ‬
‫ُ‬
‫أن األســباب واالضطرابـ ِ‬
‫ـات الفســيولوج ّي َة‪ ،‬تتنـ ّـو ُع وتتعــدّ ُد بيـ َن األنــوا ِع المختلفـ ِـة لألمـ ِ‬
‫ـم َّ‬
‫ـراض‬
‫َ‬
‫ورغـ َ‬
‫ـاع ٍ‬
‫ـرة‪ ،‬مؤه َلـ ٍـة أو مسـ ِ‬
‫ِ ٍ‬
‫ِ‬
‫المعديـ ِـة‪ ،‬فإنّهــا تش ـت ُ‬
‫دة علــى اإلصابـ ِـة‪،‬‬
‫َرك غال ًبــا فــي وجــود عوامـ َـل خطـ ُ ِّ‬
‫ُ‬
‫غيـ ِـر ُ‬
‫ِ‬
‫والجنــس‪ِ ،‬‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ّعــر َض‬
‫ــر‪،‬‬
‫الخطــر‬
‫عوامــل‬
‫هــذه قــدْ‬
‫أو الن َ‬
‫َ‬
‫َّــوع‪ ،‬والتَّركيبــ َة الوراث ّيــ َة‪ ،‬والت ُّ‬
‫تشــمل ال ُع ُم َ‬
‫والغـ ِ‬
‫ـن ِ‬
‫ِ‬
‫للملوثـ ِ‬
‫ـل التَّدخيـ ِ‬
‫ـات البيئ ّيـ ِـة‪ ،‬باإلضافـ ِـة إلــى بعـ ِ‬
‫الصح ّيـ ِـة‪ِ ،‬م ْثـ ِ‬
‫ـذاء غيـ ِـر‬
‫الســلوكات غيـ ِـر ِّ‬
‫ِّ‬
‫ـض ُّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـي ِ‬
‫ـي‪.‬‬
‫أو َ‬
‫ِّ‬
‫الح َركـ ِّ‬
‫ـي‪ ،‬وق َّلــة النَّشــاط البدَ نـ ِّ‬
‫الص ّحـ ِّ‬
‫*) جريد ُة االت ِ‬
‫عدد ‪ 17‬أكتوبر‪.2013‬‬
‫ّحاد‬
‫اإلماراتي ِة‪ُ ،‬‬
‫َّ‬
‫‪236‬‬
‫ةّيتامولعملا ُصوصّنلا‬
‫ِ‬
‫أن العديــدَ مـ ْن عوامـ ِ‬
‫وفــي ظِـ ِّـل حقيقـ ِـة َّ‬
‫الخ َطـ ِـر‪ُ ،‬‬
‫ـل َ‬
‫الصح َّيـ ِـة‪،‬‬
‫وخ‬
‫بالســلوكات غيـ ِـر ِّ‬
‫ً‬
‫المتع ِّلقـ َة ُّ‬
‫صوصــا ُ‬
‫ِم ـن الم ِ‬
‫مكـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـن َد ْر ُء َخ َط ِرهــا‪ْ ،‬أو علــى األقـ ِّـل التَّقليـ ُـل م ـ ْن َو ْق ِعهــا‪َ ،‬ين ُظـ ُـر كثيـ َ‬
‫ـراض‬
‫ـرون لِغالب ّيـ ِـة األمـ‬
‫َ ُ‬
‫ـراض يمك ـن الوقاي ـ ُة ِمنهــا‪ ،‬وللوفيـ ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ـات‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫ـج عنْهــا م ـ ْن وف ّيــات‪ ،‬علــى أنّهــا أمـ ٌ ُ‬
‫المعديــة‪ ،‬ومــا َين ُتـ ُ‬
‫غيـ ِـر ُ‬
‫ِ‬
‫الممكـ ِ‬
‫ـف َّ‬
‫ـات َ‬
‫أن تحقيـ َـق‬
‫ـن تجنُّ ُبهــا إلــى حــدٍّ كبيـ ٍـر‪،‬‬
‫والمؤسـ ُ‬
‫النّاتجـ ِـة َعنهــا علــى أنّهــا وف ّيـ ٌ‬
‫كان م ـ َن ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـاليب‬
‫ـاج إلــى تَطبيـ ِـق أسـ َ‬
‫ـب اســتثمارات ضخمـ ًة فــي األجهــزة الحديثــة‪ ،‬واليحتـ ُ‬
‫هــذه الوقايــة ال يتط َّلـ ُ‬
‫ِ‬
‫الجذعي ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫طبي ٍ‬
‫ِ‬
‫ــة مع َّقــدَ ٍة‪ِ ،‬م ْث ِ‬
‫ــة‪ْ ،‬‬
‫اإلجــراءات‬
‫بعــض‬
‫بــل إلــى‬
‫ــل الهندســة الوراث ّيــة أو زراعــة الخاليــا ِ ّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ـيطة‪ ،‬وزهيـ ِ‬
‫ـهلة‪ ،‬والبسـ ِ‬
‫والتَّدابيـ ِـر السـ ِ‬
‫ِ‬
‫ِّضاحــا جل ًّيــا م ـ ْن خـ ِ‬
‫ـدة ال َّثمـ ِ‬
‫ـال‬
‫ـح هــذه الحقيق ـ ُة ات ً‬
‫ـن‪ ،‬و َتتَّضـ ُ‬
‫َّ‬
‫إجـ ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ـراء بسـ ٍ‬
‫ـل بشـ ٍ‬
‫مارسـ ًة ُمنت َظ َمـ ًة علــى التّقليـ ِ‬
‫ـهل‪ ،‬وغيـ ِـر ُمك ِْلــف‪ ،‬م ْثـ ِ‬
‫ـيط‪ ،‬وسـ ٍ‬
‫الم ْشـ ِ‬
‫ـكل‬
‫ـي ُم َ‬
‫مارســة َ‬
‫ـل ُم َ‬
‫ـراض ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ملحـ ٍ‬
‫ٍ‬
‫وع َلـ ٍ‬
‫ـوظ م ـ ْن عامـ ِ‬
‫ـل َ‬
‫ـل‪،‬‬
‫ـج عن ـ ُه م ـ ْن أمـ‬
‫ـي‪ ،‬ومــا ينتـ ُ‬
‫الخ َطـ ِـر المرتبــط بق ّلــة النّشــاط البدنـ ِّ‬
‫ـن بريطان ّي َت ْيـ ِ‬
‫ـن خير ّي َت ْيـ ِ‬
‫ـدر حدي ًثــا ع ـ ْن جمع ّي َت ْيـ ِ‬
‫تعمـ ُـل فــي‬
‫ـن‪ ،‬األولــى َ‬
‫وهـ َـو مــا عــا َد ليؤ ِّكــدَ ُه تقريـ ٌـر صـ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫المشـ ِ‬
‫ـرطان‪.‬‬
‫السـ‬
‫والمســانَد َة لمرضــى ّ‬
‫ـم ُ‬
‫ـي‪ ،‬وال ّثاني ـ ُة تو ِّفـ ُـر الدَّ ْعـ َ‬
‫مارســة َ‬
‫جتم ـ ِع علــى ُم َ‬
‫الم َ‬
‫تشــجي ِع ُ‬
‫ـرض» (‪ )Walking Works‬أظهـ َـر َّ‬
‫هــذا التّقريـ ُـر ا ّلــذي يحمـ ُـل عنـ َ‬
‫أن ممارس ـ َة‬
‫ـي يــؤ ّدي الغـ َ‬
‫ـوان «المشـ ُ‬
‫ِ‬
‫اآلالف مـ َن البريطان ّييـ َن‪ِ ،‬‬
‫أو المالييـ ِ‬
‫ـي يمكنُـ ُه ْ‬
‫رياضـ ِـة المشـ ِ‬
‫ـن َحـ ْـو َل العا َلـ ِم‪ ،‬و ُي ْمكنُـ ُه‬
‫أن ينقـ َـذ حيــا َة‬
‫ث تغييــرا جذريــا وجوهريــا فــي حيـ ِ‬
‫ـاة الكثيـ ِـر م ـ َن النّـ ِ‬
‫أن ُي ْحـ ِـد َ‬
‫ْ‬
‫ـاس‪.‬‬
‫ًّ‬
‫ًّ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ـراض‬
‫ـي‪ ،‬ال يقــي فقــط مـ ْن أمـ‬
‫ـي‪ ،‬ومــا َين ُتـ ُ‬
‫ـي اليومـ ِّ‬
‫ـج عنـ ُه مـ ْن زيــادة فــي حجـ ِم النّشــاط البدنـ ِّ‬
‫فالمشـ ُ‬
‫ِ‬
‫ـرايين‪ِ َّ ،‬‬
‫والشـ ِ‬
‫القلـ ِ‬
‫والســكت َِة الدِّ ماغ َّيـ ِـة‪ ،‬بـ ْـل ُي ْمكنُ ـ ُه ْ‬
‫ـب َّ‬
‫أن ُيح ِّقـ َـق فار ًقــا ملحو ًظــا‬
‫كالذ ْبحــة َّ‬
‫الصدر َّيــة‪َّ ،‬‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫َّري‪ ،‬و َع َتـ ِـه َّ‬
‫األمراض‬
‫وكثير مـ َن‬
‫الزهايمـ ِـر‪،‬‬
‫الشـ‬
‫ـيخوخة مـ ْن نــو ِع َّ‬
‫السـك ِّ‬
‫فــي الوقايــة مـ َن اإلصابــة بــداء ُّ‬
‫الســرطان ّي ِة‪.‬‬
‫ّ‬
‫هـ ِ‬
‫ـذه الفائــد ُة األخيــر ُة ِ‬
‫ِ‬
‫ـت قــدْ أ َّكدَ تْهــا َّ‬
‫مؤخـ ًـرا دراس ـ ٌة‬
‫أو الوقاي ـ ُة م ـ َن األمـ‬‫الســرطان ّي ِة‪ -‬كانـ ْ‬
‫ـراض ّ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫نتائجهــا َّ‬
‫ســاعة‬
‫المشــي لمــدّ ِة‬
‫أن‬
‫ــرت‬
‫أظه ْ‬
‫ُ‬
‫للســرطان‪ ،‬حيــ َن َ‬
‫َ‬
‫أجراهــا علمــا ُء الجمع ّيــة األمريك ّيــة ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫أن ُيح ِّقـ َـق قــدْ ًرا ملحو ًظــا مـ َن ِ‬
‫ـرطان ال َّثـ ِ‬
‫يوم ًّيــا‪ُ ،‬يمكنُـ ُه ْ‬
‫ـاو ْز َن‬
‫الوقايـ ِـة ِضــدَّ َسـ‬
‫ـدي للنِّســاء ال َّلواتــي تجـ َ‬
‫ـف امـ ٍ‬
‫ـح َشــم َل أكثــر مـن ثـ ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـرأة‪ ،‬تَب ّيـ َن َّ‬
‫أن‬
‫ـاث وســبعي َن ألـ َ‬
‫َ ْ‬
‫مسـ ٍ َ‬
‫الخمســي َن مـ ْن أعمارهـ َّن‪ ،‬فمـ ْن خــال ْ‬
‫يمارسـن المشــي لمــدّ ِة ســب ِع سـ ٍ‬
‫ِ‬
‫ـرطان ال َّثـ ِ‬
‫ـدي‬
‫الت اإلصابـ ِـة بسـ‬
‫ـت معــدّ ُ‬
‫ـاعات أســبوع ًّيا‪ ،‬كانـ ْ‬
‫مـ ْن ُكـ َّن ِ ْ َ‬
‫َ ُ‬
‫بنســبة ‪ ،%14‬مقارنــ ًة بالن ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫بينهــ َّن َّ‬
‫ّســاء ّ‬
‫ثــاث‬
‫ســاعتين ْأو‬
‫المشــي لمــدّ ِة‬
‫يمارســ َن‬
‫اللتــي كــ َّن‬
‫أقــل‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫سـ ٍ‬
‫ـاعات أســبوع ًّيا فقــط‪.‬‬
‫‪237‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ِ‬
‫ـوال ِ‬
‫وعلــى ِ‬
‫المنـ ِ‬
‫ـي‪ ،‬تعـ ُ‬
‫همـ ٌة و ُمثيــرةٌ‪َّ ،‬‬
‫المشـ ِ‬
‫ـادل‬
‫نفسـ ِـه‪ ،‬أظهـ ْ‬
‫أن ممارسـ َة رياضــة َ‬
‫ـرت دراسـ ٌة ُأخــرى ُم ّ‬
‫مة للوقايـ ِـة ِمـن الوفيـ ِ‬
‫ـاءة والفعاليـ ِـة‪ ،‬فعاليـ َة األدويـ ِـة والعقاقيـ ِـر ال ِّطبيـ ِـة المســتخدَ ِ‬
‫فــي الكفـ ِ‬
‫ـات النّاتجـ ِـة‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫َّ ُ‬
‫أيضــا تزيــدُ فــي فعاليتِهــا وكفاءتِهاع ـن فعاليـ ِـة وكفـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـراض ال َقلـ ِ‬
‫ـاءة األدويـ ِـة وال َعقاقيـ ِـر‬
‫ع ـ ْن أمـ‬
‫ـب‪ ،‬بـ ْـل ً‬
‫ّ‬
‫ْ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫مة فــي الوقايـ ِـة م ـن الســكت َِة الدِّ ماغيـ ِـة‪ ،‬وبِخـ ِ‬
‫المســتخدَ ِ‬
‫ـاف الفـ ِ‬
‫ـع‬
‫ـارق فــي الفعال ّيــة والكفــاءة‪ ،‬تتم ّتـ ُ‬
‫ّ‬
‫َ َّ‬
‫ُ‬
‫والعقاقيــر ال ِّطبيــةِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الم ِ‬
‫واألعــراض الجانب ّيــة‪ ،‬مقارنــ ًة باألدويــة‬
‫شــي بانعــدا ِم المضا َعفــات‬
‫ّ‬
‫رياضــ ُة َ‬
‫ا ّلتــي التخلــو م ـن مضا َعفـ ٍ‬
‫ٍ‬
‫ـراض جانب ّيـ ٍـة‪ ،‬هــذا باإلضافـ ِـة إلــى َّ‬
‫أن تلـ َ‬
‫ـك األدوي ـ َة والعقاقيـ َـر‬
‫ـات وأعـ‬
‫ْ‬
‫ـاول عـ ٍ‬
‫أن الوقايـ َة مـن عـ ٍ‬
‫ـدد مـ َن األمـ ِ‬
‫ـب تنـ َ‬
‫مرضــا أو آخـ َـر‪ ،‬بمعنــى َّ‬
‫ـدد‬
‫تَسـ‬
‫ُ‬
‫ـتهدف غال ًبــا ً‬
‫ـراض‪ ،‬قــد َيتط ّلـ ُ‬
‫ْ‬
‫ـاالت المضا َعفـ ِ‬
‫مـن العقاقيـ ِـر‪ ،‬وهــو مايزيــدُ مـن احتمـ ِ‬
‫ـات‪ ،‬و ُيرهـ ُـق ميزان ّيـ َة المريـ ِ‬
‫الرعايـ ِـة‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ـض‪ ،‬ونظــا َم ِّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـي‪ ،‬وا َّلــذي دائمــا ماتكـ ُ ِ‬
‫بالمشـ ِ‬
‫مجان ّيـ ًة‪.‬‬
‫ـون تَكلف ُتـ ُه صفر ّيـ ًة ّ‬
‫ِّ‬
‫ً‬
‫الصح َّيــة ُبر َّمتــه‪ ،‬مقارنـ ًة َ‬
‫َّمشــي أثــرا إيجابيــا علــى الحالـ ِـة النَّفسـي ِة ِّ ِ‬
‫ـي‪ِ ،‬‬
‫أو الت ّ‬
‫ألي مـ َن‬
‫والذهن َّيــة‪ ،‬اليمكـ ُن ٍّ‬
‫َّ‬
‫ًّ‬
‫ً‬
‫المشـ ُ‬
‫وأخيـ ًـرا‪َ ،‬يتـ ُـر ُك َ‬
‫ـل ُسـ ُب ِل الوقايـ ِـة مـ َن األمـ ِ‬
‫ـي ِضمـ َن أفضـ ِ‬
‫العقاقيـ ِـر ْ‬
‫المعديـ ِـة‪.‬‬
‫ـراض غيـ ِـر ُ‬
‫المشـ َ‬
‫ممــا يجعـ ُـل َ‬
‫أن َت ْب ُل َغـ ُه‪ّ ،‬‬
‫‪238‬‬
‫ةّيتامولعملا ُصوصّنلا‬
‫أتريدون حتسني مزاجكم؟ البستنة قد تكون احلل األنسب واألوفر‬
‫باميال كسرواين‬
‫فــي عالــم متســارع الوتيــرة وكثيــر الضغــوط‪ ،‬غال ًبــا مــا نبحــث عــن طــرق جديــدة لالســترخاء‬
‫والهــرب حتــى لــو لبضــع دقائــق مــن ضجيــج الخــارج‪ .‬كثيــرة هــي الوســائل التــي باتــت متوفــرة لنــا‪،‬‬
‫كالعالجــات البديلــة والتأمــل و(اليوغــا) وغيرهــا‪ ...‬ولكــن‪ ،‬هــل فكرتــم يو ًمــا بــأن مجــرد االهتمــام‬
‫بنباتاتكــم المنزليــة أو العنايــة بالحديقــة‪ ،‬أو االنخــراط بمجموعــة «البســتنة» لــه فوائــد علــى صحتكم‬
‫العقليــة والنفســية والجســدية؟‬
‫تحــول إلــى‬
‫بالفعــل مــا بــات ُيعــرف بـ«عــاج البســتنة» أو (‪ )Horticulture therapy‬باللغــة اإلنجليزيــة ّ‬
‫نزعــة «عالجيــة» إذا صــح التعبيــر فــي مختلــف أنحــاء العالــم‪ .‬وعلــى الرغــم مــن وجــود متخصصين‬
‫فــي هــذا العــاج‪ ،‬وجمعيــات ومؤسســات تقــدّ م هــذه الخدمــات‪ ،‬فقــد تكــون «البســتنة» فــي متنــاول‬
‫الجميــع‪ .‬بضــع نباتــات ومرشــة ورفــش وأســمدة طبيعيــة و«يــد خضــراء» لتنمــو وت ُّزهــر وتتألــق‬
‫حديقتــك‪ ...‬ونفســيتك!‬
‫ما هو «عالج البستنة»؟‬
‫أثبتــت الســنوات أن عــاج البســتنة ف ّعــال علــى صحــة اإلنســان العقليــة والنفســية‪ ،‬وال ســيما ّ‬
‫أن هــذه‬
‫المنافــع تــم توثيقهــا منــذ العصــور القديمــة‪ .‬ففــي القــرن التاســع عشــر‪ ،‬كان (د‪ .‬بنجاميــن راش)‪،‬‬
‫المعــروف بـ«أبــي الطــب النفســي األمريكــي»‪ ،‬أول مــن تحــدث عــن تأثيــر االهتمــام بالحديقــة‬
‫علــى األفــراد الذيــن يعانــون مــن أمــراض نفســية‪ .‬وفــي األربعينيــات والخمســينيات‪ ،‬القــت هــذه‬
‫الممارســة قبـ ً‬
‫ـول كبيـ ًـرا فــي الرعايــة التأهيليــة لقدامــى الحــرب فــي المستشــفيات‪ .‬واكتســب عــاج‬
‫البســتنة المزيــد مــن المصداقيــة‪ ،‬ودمــج الح ًقــا فــي مجموعة أوســع مــن التشــخيصات والعالجات‪.‬‬
‫أقوال جاهزة‪:‬‬
‫بضــع نباتــات ومرشــة ورفــش وأســمدة طبيعيــة و«يــد خضــراء» لتنمــو وتُزهــر وتتألــق حديقتــك‪...‬‬
‫ونفســيتك!‬
‫‪239‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫ـم اللجــوء إلــى هــذا العــاج إلــى جانــب عالجــات أخــرى لمســاعدة الخاضعيــن لــه فــي‬
‫اليــوم‪ ،‬يتـ ّ‬
‫تعلــم مهــارات جديــدة أو اســتعادة مهــارات فقدوهــا‪.‬‬
‫وقامــت مؤسســات خاصــة عديــدة بهــذه الممارســات‪ ،‬مثــل «مؤسســة عــاج البســتنة األمريكيــة»‪،‬‬
‫فــي تحديــد أنــواع مختلفــة مــن هــذه العالجــات‪ ،‬التــي تضــم جميعهــا مشــاركة «مريــض» فــي‬
‫متــدرب‪.‬‬
‫نشــاطات البســتنة‪ ،‬التــي يو ّفرهــا معالــج‬
‫ّ‬
‫وهنــاك «البســتنة االجتماعيــة» التــي تش ـكّل نشــا ًطا ترفيه ًّيــا متعل ًقــا بالنباتــات والبســتنة‪ ،‬مــن دون‬
‫تحديــد أهــداف عالجيــة‪ ،‬بــل التركيــز علــى التفاعــل االجتماعــي‪.‬‬
‫أمــا «البســتنة المهنيــة»‪ ،‬فهــي عنصــر أساســي مــن برنامــج «البســتنة العالجيــة»‪ ،‬إذ تر ّكــز علــى توفيــر‬
‫التدريــب الــذي يســمح لألفــراد بالعمــل فــي هــذا المجــال‪ ،‬بشــكل فــردي أو ضمــن مؤسســة معينــة‪.‬‬
‫ونجــد أنوا ًعــا مختلفــة مــن الحدائــق التــي تشـكّل ســاحة مالئمــة لعالجــات البســتنة‪ .‬ويقــدّ م ّ‬
‫كل منها‬
‫منافــع محــددة‪ .‬وتغــص «حدائــق الشــفاء» (‪ )Healing gardens‬بالنباتــات الخضــراء واألزهــار والمــاء‬
‫وأشــكال طبيعيــة أخــرى‪ ،‬تكــون ‪ -‬غال ًبــا ‪ -‬فــي المستشــفيات أو مراكــز الرعايــة الصحيــة األخــرى‪،‬‬
‫لتتحــول إلــى مـ ٍ‬
‫ـكان للخلــوة والراحــة‪ .‬وتأتــي «حدائــق الشــفاء» بثالثــة أنــواع‪ ،‬الحدائــق العالجيــة‪،‬‬
‫ّ‬
‫وحدائــق عــاج البســتنة‪ ،‬والحدائــق اإلصالحيــة‪ ،‬التــي تتداخــل جميعهــا بعضهــا ببعــض‪.‬‬
‫التأثيرات اإليجابية‪...‬‬
‫يــرى عالــم النفــس المتخصــص فــي علــم األعصــاب‪( ،‬د‪ .‬ألبيــر مخيبــر)‪ ،‬أن «عــاج البســتنة» شــبيه‬
‫بأ ّيــة هوايــة تســاعدنا علــى «االنفصــال» عــن واقعنــا اليومــي‪ ،‬وال تحمــل معهــا ضغــوط «األداء»‬
‫الجيــد‪ .‬وبالتالــي‪ ،‬تمنــح منافــع إيجابيــة‪ .‬ويقــول‪« :‬عــدا ابتعــاد أو انقطــاع عــن الواقــع‪ ،‬يوفــر عــاج‬
‫البســتنة فرصــة الحركــة والتماريــن التــي قــد تُحفــز األفــراد الذيــن ال يملكــون الدوافــع لممارســة‬
‫الرياضــة مثـ ًـا‪ ،‬أو معظــم األفــراد الذيــن يمضــون ســاعات طويلــة جالســين إلــى مقاعــد مكاتبهــم»‪.‬‬
‫أيضــا فــي تحســين الذاكــرة والقــدرات اإلدراكيــة ومهــارات اللغــة‪ ،‬والتفاعــل‬
‫يســاعد عــاج البســتنة ً‬
‫مــع اآلخريــن‪ ،‬إضافــة إلــى تقويــة العضــات وتحســين التنســيق والتــوازن‪ ،‬والقــدرة علــى التحمــل‪.‬‬
‫‪240‬‬
‫ةّيتامولعملا ُصوصّنلا‬
‫وبمــا أن البســتنة تحملكــم علــى التعامــل مــع النباتــات التــي تنمــو وتنضــج ثمارهــا وتتســاقط‬
‫أوراقهــا وتذبــل‪ ،‬فهــي قــد تســاعد كل مــن يعانــي مــن صدمــة خســارة شــخص عزيــز علــى التعامــل‬
‫خصوصــا‬
‫مــع الوضــع‪ ،‬وتق ّبــل مجــرى الحيــاة‪ .‬إضافــة إلــى أن رعايــة النباتــات‪ ،‬تســاعد األفــراد ‪-‬‬
‫ً‬
‫ـس المســؤولية‪.‬‬
‫األطفــال ‪ -‬فــي تع ّلــم أهميــة رعايــة اآلخريــن‪ ،‬واالهتمــام بالتفاصيــل وحـ ّ‬
‫كمــا أنهــا تح ّفــز الحــواس الخمــس‪ ،‬خال ًفــا لمعظــم النشــاطات الترفيهيــة األخــرى‪ .‬فقــد أثبتــت‬
‫الدراســات أنهــا ترفــع معــدالت «هرمونــات الســعادة»‪ .‬كيــف ذلــك؟ التعــرض لمســاحات خضــراء‬
‫يســاعد فــي تقليــص معــدالت (الكورتيــزول)‪ ،‬أي هورمــون الضغــوط‪ ،‬الــذي يتحكّــم بالمــزاج‬
‫والذاكــرة والمناعــة‪.‬‬
‫العودة إلى الطبيعة‬
‫«الطبيعــة هــي أفضــل إطــار لعــاج الصدمــات»‪ ،‬أو المشــاكل النفســية وضغــوط الحيــاة اليوميــة‬
‫خصوصــا أن معظمنــا يمضــي ســاعات طويلــة محتجـ ًـزا داخــل جــدران المكتــب‪ ،‬ومــن‬
‫المتســارعة‪،‬‬
‫ً‬
‫دون أي حركــة تُذكــر‪.‬‬
‫ظهــر «العــاج البيئــي» (‪ )Ecotherapy‬الــذي ُيعرفــه (د‪ .‬مخيبــر) بأنــه «مجموعــة واســعة مــن البرامــج‬
‫العالجيــة التــي تهــدف إلــى تحســين الرفاهيــة العقليــة والجســدية مــن خــال ممارســة النشــاطات‬
‫الخارجيــة فــي الطبيعــة»‪.‬‬
‫وال يقتصــر العــاج البيئــي علــى عــاج البســتنة‪ ،‬بــل يتضمــن باقــة واســعة مــن الممارســات‪،‬‬
‫كالعــاج بمســاعدة الحيوانــات أو النشــاطات فــي البريــة‪ ،‬أو العمــل علــى التوعيــة حــول أهميــة‬
‫الطبيعــة‪ ،‬أو حتــى كيفيــة التعامــل مــع «أســفنا وقلقنــا» حيــال مــا قــام بــه اإلنســان لكوكبنــا‪ ،‬وكل‬
‫التأثيــرات علــى البيئــة والمنــاخ‪.‬‬
‫إال أن «عــاج البســتنة» قــد ال يكــون الحــل األنســب لــكل المشــاكل‪ .‬يقــول (د‪ .‬مخيبــر)‪« :‬ال يســعنا‬
‫أن نضــع كل العالجــات البديلــة فــي ســلة واحــدة‪ ،‬وال بــد أن نتجنــب الحكــم علــى فعاليــة وســيلة‬
‫محــددة علــى مجموعــة واســعة مــن المشــاكل النفســية‪ .‬فهــي قــد تســاعد فــي بعــض الحــاالت‬
‫‪241‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫وتفشــل فــي حــاالت أخــرى»‪ .‬ويعطــي مثـ ً‬
‫ـال علــى االضطرابــات الجســدية‪ ،‬ويوضــح‪« :‬مضــادات‬
‫(الهيســتامين) تســاعد الذيــن يعانــون مــن الحساســية لكنهــا لــن تفيــد إذا كنــت تعانــي مــن كســر فــي‬
‫القــدم‪ ،‬األمــر نفســه ينطبــق علــى علــم النفــس‪ .‬فالبســتنة قــد تســاعد فــي تخفيــف القلــق‪ ،‬ولكنهــا قــد‬
‫تكــون غيــر فعالــة فــي اضطرابــات أخــرى»‪.‬‬
‫ويضيــف‪« :‬بشــكل عــام‪ ،‬هــذه األنــواع مــن الممارســات‪ ،‬إال فــي حــال كانــت مجــرد هوايــة‬
‫لالســترخاء‪ ،‬ال بــد أن تُســتكمل بالعالجــات‪ .‬فهــذا النــوع مــن الممارســات الــذي يركّــز علــى‬
‫االهتمــام سيســاعد علــى تخفيــف أعــراض القلــق أو االكتئــاب‪ ،‬لكــن هنــاك حاجــة إلــى العــاج‬
‫النفســي لتغييــر األنمــاط المعرفيــة والســلوكية التــي قــد تكــون الســبب وراء االضطرابــات الظاهرة»‪.‬‬
‫‪242‬‬
‫ةّيتامولعملا ُصوصّنلا‬
‫الروبوتات‪ ..‬هل جتعل احلياة أسهل‬
‫مدى خالد‬
‫مت ترشيح هذا النص من الطالبتني عائشة راشد أحمد الظنحاين من مدرسة مربح للتعليم الثانوي‪،‬‬
‫ّ‬
‫وحفصة راشد أحمد الظنحاين من مدرسة االبتهاج للتعليم األساسي‬
‫قــد يصبــح اإلنســان اآللــي الــذي يشــبه البشــر فــي مظهــره وســلوكه مشــهدً ا معتــا ًدا فــي المســتقبل‬
‫القريــب‪ ،‬مــا يثيــر تســاؤالت مهمــة حــول وضــع تلــك اآلالت وحقوقهــا ودورهــا فــي المجتمــع‪.‬‬
‫حتــى نفهــم األمــور فــي ســياقها الطبيعــي‪ ،‬ســأبدأ بالحديــث عــن زمــن أجدادنــا‪ ،‬هــم كانــوا فــي‬
‫عالــم ليــس فيــه حواســيب وال هواتــف وال كهربــاء وال ســيارات‪ ،‬أي باختصــار‪ ،‬ليســت فيــه أي مــن‬
‫قصصــا حــول وصــول أول‬
‫وســائل الراحــة التــي نعدّ هــا اليــوم مــن المســلمات‪ .‬ولطالمــا ســمعنا‬
‫ً‬
‫مصباحــا كهربائ ًيــا فــي غرفــة‬
‫ســيارة إلــى المدينــة‪ ،‬وكيــف أن واحــدً ا فــي المنطقــة أصبــح يمتلــك‬
‫ً‬
‫المعيشــة‪ ،‬وكان األطفــال الذيــن يســكنون فــي المنطقــة يتجمعــون عنــده لمشــاهدة هــذه األعجوبــة‬
‫الحديثــة‪.‬‬
‫ال يســتطيع شــباب الجيــل المعاصــر تخ ّيــل هــذا النــوع مــن المعيشــة‪ ،‬لكــن الحقيقــة أن هــذا كان‬
‫واقــع الحيــاة فــي البلــدان اإلســكندنافية قبــل بضعــة أجيــال فقــط‪ ،‬وال أســتطيع أن أتخ ّيــل كيــف‬
‫ـي اآلن هــو تصــور حيــاة أحفــادي‪ ،‬أي‬
‫كانــت جدتــي ســتتصور حياتــي اآلن‪ .‬ومــا يبــدو عص ًّيــا علـ ّ‬
‫بعــد جيليــن فقــط فــي المســتقبل‪ .‬لكــن بنــا ًء علــى مــا أعرفــه اليــوم‪ ،‬فإننــي علــى يقيــن مــن شــيء‬
‫واحــد‪ ،‬وهــو أنهــم سيعيشــون مــع (الروبوتــات) أو البشــر اآللييــن‪.‬‬
‫نحــن نقتــرب كل يــوم مــن «عصــر اإلنســان اآللــي»‪ ،‬وهــو واقــع اجتماعــي ســتلعب فيــه أنــواع‬
‫مختلفــة مــن (الروبوتــات)‪ ،‬وخاصــة اإلنســان اآللــي الشــبيه بالبشــر فــي المظهــر والتصرفــات‪،‬‬
‫مهمــا فــي ســلوكنا وتفاعلنــا مــع اآلخريــن ومــع التقنيــات المحيطــة بنــا‪ ،‬وهنــاك العديــد مــن‬
‫دورا ً‬
‫ً‬
‫األســباب لهــذا األمــر‪.‬‬
‫فــي األيــام األولــى (للروبوتــات)‪ ،‬كان النــاس جميعهــم إليهــا كأدوات تُســتخدم بصــورة أساســية في‬
‫خطــوط اإلنتــاج ومســتودعات التخزيــن‪ ،‬لكــن تلــك النظــرة تغيــرت فــي الســنوات األخيــرة‪ .‬فأصبح‬
‫‪243‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫مــن الســهل اآلن أن نعتبــر (الروبوتــات( «وســائط»‪ ،‬ويتوقــع العديــد مــن العلمــاء والمفكريــن أن‬
‫تصــل اإلمكانيــات المحتملــة لتقنيــات (الروبوتــات) إلــى كل نواحــي الحيــاة البشــرية‪ .‬فــي «عصــر‬
‫اإلنســان اآللــي الشــبيه بالبشــر» ســتبقى بعــض (الروبوتــات) مجــرد أدوات‪ ،‬فيمــا ســيصبح بعضهــا‬
‫اآلخــر شــركاء وربمــا أصدقــاء‪.‬‬
‫مــاذا عــن الرجــل اآللــي فــي السياســة والمجتمــع؟ هــل نتوقــع بحلــول عــام ‪ 2045‬أن نــرى ً‬
‫دول‬
‫تحكمهــا وتديــر مؤسســاتها (الروبوتــات)‪..‬؟‬
‫توقــع تقريــر متخصــص أن تتحــول نبــوءات «الخيــال العلمــي» عــن عالــم يحــل فيــه اإلنســان اآللــي‬
‫للسياســة وصناعــة القــرار محــل اإلنســان العــادي بحلــول عــام ‪.2045‬‬
‫هــل يبــدو ذلــك قصــة مــن الخيــال العلمــي؟ ربمــا‪ ،‬لكــن الحقيقــة أننــا نملــك اليــوم تقري ًبــا التقنيــات‬
‫الالزمــة جميعهــا لتحويــل هــذه الســيناريوهات إلــى واقــع‪ ،‬ومــا علينــا إال جمعهــا م ًعــا‪.‬‬
‫البــد أن نعــرف‪ ،‬أنــه تــم ابتــكار (روبوتــات) تســتطيع تتبــع تضاريــس األرض‪ ،‬واختيــار طــرق بديلــة؛‬
‫بــل إن منهــا مــا يســتطيع حمــل اإلمــدادات مــن األســلحة والذخيــرة وتطهيــر األرض مــن األلغــام‪،‬‬
‫واالضطــاع بأعمــال الحراســة؛ ومــا زال العمــل جار ًيــا علــى تطويرهــا‪ ،‬لتصبــح قــادرة علــى اللمس‬
‫مهماتهــا‪.‬‬
‫يحســن أداءهــا‪ ،‬ويزيدهــا ســرعة ومقــدرة فــي إنجــاز ّ‬
‫والشــم والســمع والتــذوق‪ ،‬وكل مــا ّ‬
‫كمــا تطمــح الواليــات المتحــدة األميركيــة إلــى تطويــر (روبــوت) يحــارب فــي الخطــوط األماميــة‪،‬‬
‫ويســتطيع تســلق الحواجــز‪ ،‬ويســبح تحــت المــاء‪ ،‬ويراقــب (الروبوتــات) العســكرية األخــرى‪.‬‬
‫كمــا جنــدت (روبوتًــا) كــروي الشــكل يتدحــرج علــى األرض‪ ،‬ويســتقر علــى ثــاث قوائــم‬
‫ـدو‪،‬‬
‫(تليســكوبية)‪ ،‬ويخــرج رأســه مــن فتحــة فيــه‪ ،‬مســتطل ًعا المــكان المحيــط الكتشــاف قــوات العـ ّ‬
‫فتبــادر مستشــعرات الحــرارة والحركــة المــزود بهــا إلــى تجهيــز أســلحة فــي داخلــه‪ ،‬وتصويبهــا مــن‬
‫خــال فتحــة أخــرى نحــو األعــداء‪.‬‬
‫وكذلــك ُطــورت (روبوتــات) لتالئــم الطبيعــة‪ ،‬وتغــوص فــي المحيطــات‪ ،‬لتدميــر األلغــام البحريــة‪.‬‬
‫كمــا أن بعــض العلمــاء يحــاول تطويــر جنــدي علــى هيئــة (روبــوت) صغيــر جــدًّ ا‪ ،‬يســتطيع الزحــف‬
‫والوثــب والطيــران فــوق حقــول األلغــام وفــي الصحــراء وعلــى الشــواطئ‪ ،‬ليتجســس علــى العــدو‪،‬‬
‫‪244‬‬
‫ةّيتامولعملا ُصوصّنلا‬
‫ويزيــل األلغــام‪ ،‬ويكتشــف األســلحة الكيماويــة‪.‬‬
‫وقــد ُأنتــج (روبــوت) ميكروهوائــي بحجــم ذبابــة‪ ،‬خصــص (البنتاغــون) لتطويــره مبلــغ ‪ 60‬مليــون‬
‫دوالر‪ .‬وتســتطيع هــذه الذبابــة حمــل مصـ ِّـورات لمراقبــة جنــود األعــداء أو اصطيادهــم وقتلهــم‪،‬‬
‫بواســطة دس الســم فــي أعناقهــم‪.‬‬
‫دورا فــي مجــال الحركــة والقيــادة‪ ،‬وهــو‬
‫يمكــن (للروبــوت) التحــدث بعــدة لغــات‪ ،‬وأن يــؤدي ً‬
‫ال يحتــاج إلــى توصيــل مباشــر بمصــدر تغذيــة خارجــي‪ ،‬وإنمــا يعمــل ببطاريــة قابلــة للشــحن‪،‬‬
‫ويكتشــف ذات ًيــا ضعفهــا فيطلــب إعــادة شــحنها‪ ،‬أو يتجــه (الروبــوت) نفســه إلــى أقــرب مقبــس‬
‫كهربائــي‪ ،‬حيــث يتولــى شــحنها بنفســه‪ .‬كمــا أمكــن إنتــاج روبــوت مــزود بخاليــا كهروضوئيــة‬
‫تتغــذى بالطاقــة الكهربائيــة المســتمدة مــن الشــمس‪.‬‬
‫رغــم كل هــذا االهتمــام والتوجهــات العالميــة المتزايــدة بتكنولوجيــا (الروبــوت)‪ ،‬إال أننــا ال نجــد‬
‫لهــا صــدى فــي عالمنــا العربــي‪ ،‬فمــا زالــت تكنولوجيــا (الروبــوت) وتطوراتهــا وآفاقهــا الواعــدة‬
‫غيــر مألوفــة فــي عالمنــا العربــي‪ ،‬ومــا زلنــا نعانــي مــن القصــور الشــديد فــي األخــذ بمقومــات تطبيــق‬
‫تكنولوجيــا (الروبــوت)‪ ،‬كمــا أن الثقافــة (الروبوتيــة) فــي عالمنــا العربــي تــكاد تكــون معدومــة‪،‬‬
‫ورغــم أن (الروبوتــات) لــم تعــد تدخــل ضمــن بــاب الخيــال العلمــي‪ ،‬إال أن أفــكار بعضنــا فــي‬
‫عالمنــا العربــي عنهــا ال تــزال أقــرب ألفــام وتصــورات الخيــال العلمــي‪.‬‬
‫قبــل أن تغــزو الروبوتــات منازلنــا‪ ،‬هنــاك ضــرورة عاجلــة إلعــداد أبنائنــا للثــورة (الروبوتيــة)‬
‫الواعــدة‪ ،‬مــن خــال التوســع فــي نشــر ثقافــة (الروبــوت) مــن خــال إدخــال علــوم (الروبــوت)‬
‫والــذكاء الصناعــي فــي مدارســنا وجامعاتنــا‪ ،‬وكذلــك التوســع فــي نشــر المراكــز والنــوادي العلمية‪،‬‬
‫وذلــك لتأهيــل أبنائنــا للتعامــل مــع الروبوتــات ومتابعــة التطــورات الســريعة المتقدمــة فــي هــذا‬
‫المجــال‪.‬‬
‫ولكــن ربمــا فــي العصــر الــذي ســيعيش فيــه أطفالنــا وأحفادنــا ســيكون البشــر اآلليــون أكثــر مــن‬
‫مجــرد آالت‪ .‬وســنتعلم كيفيــة إدماجهــم فــي حياتنــا اليوميــة بالســهولة ذاتهــا التــي أصبحــت فيهــا‬
‫الهواتــف الذكيــة والحواســيب جــز ًءا مــن حياتنــا العاديــة اليــوم‪.‬‬
‫‪245‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫صناعة املستقبل‬
‫حازم الببالوي‬
‫مت ترشيح هذا النص من الطالبتني عائشة راشد أحمد الظنحاين من مدرسة مربح للتعليم الثانوي‪،‬‬
‫ّ‬
‫وحفصة راشد أحمد الظنحاين من مدرسة االبتهاج للتعليم األساسي‬
‫اختالف النظرة للمستقبل‪:‬‬
‫كان موقــف اإلنســان مــن المســتقبل دائمــا بالــغ الغمــوض والحيــرة إذ تــراوح بيــن التفاؤل والتشــاؤم‬
‫مــن ناحيــة وبيــن العجــز والقــدرة مــن ناحيــة أخــرى ومــع ذلــك فإنــه يبــدو أن أحــد مكتســبات العصر‬
‫الحديــث هــو ثقــة اإلنســان فــي نفســه وفــي مســتقبله وأنــه بــدأ يعمــل مــن أجــل المســتقبل ويخطــط‬
‫ـدرا محتو ًمــا أو كتا ًبــا مغل ًقــا بقــدر مــا هــو نتيجــة لإلعــداد والترتيب‪.‬‬
‫لــه وهكــذا فالمســتقبل لــم يعــد قـ ً‬
‫سبب اهتمام اإلنسان بالمستقبل‪:‬‬
‫و اهتمــام اإلنســان بالمســتقبل راجــع فــي جــزء منــه إلــى زيــادة قــدرات اإلنســان وبالتالــي تأثيــره على‬
‫بيئتــه ففــي الماضــي البعيــد وقــف اإلنســان عاجـ ًـزا أمــام قــوى الطبيعــة التــي شــكلت حياتــه وظروفــه‬
‫ومــن هنــا فقــد كان التغييــر محــدو ًدا فهــو يخضــع لنامــوس طبيعــي قــل أن يتغيــر وبالتالــي فقــد تغيــر‬
‫نمــط حياتــه علــى الظــروف الجويــة واختــاف الفصــول وطبيعــة البيئــة المحيطــة بــه والتــي قــل أن‬
‫تتغيــر ّأل عندمــا تقــع الكــوارث الطبيعيــة مــن فيضانــات أو زالزل أو أعاصيــر أو امــراض وهكــذا‪.‬‬
‫النظرة القديمة للمستقبل‪:‬‬
‫فقــد كانــت نظــرة اإلنســان إلــى المســتقبل هــي نظــرة الخــوف والترقــب مــن أهــوال ومصائــب‬
‫الطبيعــة أمــا مــا عــدا ذلــك فــإن العــادة والتقاليــد كفيلــة بترتيــب أمــور الحيــاة مــن الرعــي أو الصيــد‬
‫أو فــي الزراعــة فمــع ركــود المجتمعــات وبــطء التغييــر لــم تقــم الحاجــة إلــى اإلعــداد للمســتقبل‬
‫الــذي لــم يخــرج عــن اســتمرار وتكــرار للحاضــر والماضــي فالوقــت يمضــي والزمــن ال يتغيــر‪.‬‬
‫الثورة الصناعية تغير النظرة للمستقبل‪:‬‬
‫و مــع زيــادة قــدرة اإلنســان علــى التأثيــر فــي البيئــة خاصــة مــع الثــورة الصناعيــة لــم يعــد المســتقبل‬
‫مجــرد تكــرار للماضــي فتعــدد وتنــوع وســائل اإلنتــاج واكتشــاف الجديــد مــن المناجــم أو المعــادن‬
‫‪246‬‬
‫ةّيتامولعملا ُصوصّنلا‬
‫والتعــرف علــى بــاد جديــدة واتســاع قاعــدة التجــارة والمواصــات كل ذلــك فتــح بــاب التغييــر‬
‫فاختلــف اليــوم عــن األمــس ولــم يعــد الغــد مجــرد صــورة لليــوم‪.‬‬
‫ضرورة االهتمام بالمستقبل والتخطيط له‪:‬‬
‫و االهتمــام بالمســتقبل هــو تعبيــر عــن إدراك قــوى التغييــر والتجديــد فمــا حاجتنــا إلــى اإلعــداد‬
‫للمســتقبل إذا لــم تكــن هنــاك احتمــاالت للتغييــر وهكــذا بــدا النظــر إلــى المســتقبل نظــرة جديــدة‬
‫مــع التغييــر المســتمر فــي ظــروف الحيــاة وقواعــد اإلنتــاج وحاجــات األفــراد والجماعــات‪.‬‬
‫التغيير سر االهتمام بالمستقبل‪:‬‬
‫فالوعــي بالمســتقبل واالهتمــام بــه هــو وليــد التغيــر المســتمر الناشــئ عــن الزيــادة المطــردة فــي‬
‫ســيطرة اإلنســان علــى بيئتــه وهكــذا أدى تحــرر اإلنســان مــن ربقــة وعبوديــة الطبيعــة كمــا ســاعدت‬
‫ســيطرته عليهــا وتســخيرها لــه إلــى فتــح آفــاق متعــددة للمســتقبل ممــا أوجــب االهتمــام بــه واإلعداد‬
‫لــه‪.‬‬
‫الوعــي بالمســتقبل كحقيقــة مســتقلة إنمــا هــو نتيجــة لالعتــراف بإمكانــات التغييــر فبــدون تغييــر ال‬
‫للقصــة نفســها ال فــرق‬
‫معنــى للمســتقبل وال قيمــة للتاريــخ وكل مــا هنــاك هــو صــور متكــررة ومعــادة ّ‬
‫بيــن ماضــي وحاضــر ومســتقبل ســوى مــرور الوقــت‪.‬‬
‫اإلنسان كائن ذو حضارة وتاريخ‪:‬‬
‫و مــن هنــا كان اإلنســان ذا حضــارة وتاريــخ ألنــه اســتخدم الوقــت المتــاح فــي إجــراء الغييــرات‬
‫والتجديــدات فــي ظــروف حياتــه ونشــاطه وللســبب نفســه لــم تعــرف مملكــة النحــل أو النمــل مثـ ًـا‬
‫ً‬
‫تطــو ًرا‬
‫تاريخــا أو حضــارة ألنهــا رغــم تنظيمهــا االجتماعــي المتقــدم فإنهــا لــم تعــرف‬
‫تغيــرا أو ّ‬
‫ً‬
‫ولنفــس الســبب فإنهــا ليســت فــي حاجــة إلــى اإلعــداد للمســتقبل أو صناعــة الحضــارة وهــذا شــأن‬
‫الجماعــات‪.‬‬
‫وتثيــر قضيــة صناعــة المســتقبل مشــكلة التخطيــط واإلعــداد للمســتقبل فــإذا كان مــن الصحيــح‬
‫وهــو صحيــح‪ -‬أننــا نختــار المســتقبل بأفعالنــا فإننــا فــي حاجــة دائمــة ومســتمرة للتخطيــط‬‫واإلعــداد للمســتقبل‪.‬‬
‫‪247‬‬
‫كتاب النصوص للصف احلادي عشر‬
‫‪248‬‬
249
‫ﻋﺮﺑﻲ‬
‫ﻣﺮﻛﺰ اﺗﺼﺎل وزارة اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ‬
‫‪www.moe.gov.ae‬‬
‫اﻗﺘﺮاح ‪ -‬اﺳﺘﻔﺴﺎر ‪ -‬ﺷﻜﻮى‬
‫‪ccc.moe@moe.gov.ae‬‬
‫‪04-2176855‬‬
‫‪80051115‬‬
‫ﻣﺮﻛﺰ اﺗﺼﺎل وزارة اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ‬
‫اﻗﺘﺮاح ‪ -‬اﺳﺘﻔﺴﺎر ‪ -‬ﺷﻜﻮى‬
‫‪ccc.moe@moe.gov.ae‬‬
‫‪80051115‬‬
‫‪www.moe.gov.ae‬‬
‫‪04-2176855‬‬
‫ﻣﺮﻛﺰ اﺗﺼﺎل وزارة اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ‬
‫اﻗﺘﺮاح ‪ -‬اﺳﺘﻔﺴﺎر ‪ -‬ﺷﻜﻮى‬
‫‪www.moe.gov.ae‬‬
‫‪ccc.moe@moe.gov.ae‬‬
‫‪04-2176855‬‬
‫‪80051115‬‬
‫‪English‬‬
‫‪Ministry of Education - Call Centre‬‬
Download