ِ صوص كتاب ال ّن ُ الصف احلادي عشر ّ الطبعة ّ ّ الثانية 1439-1438هـ 2018-2017 /م حقوق الطبع محفوظة لوزارة التربية والتعليم بدولة اإلمارات العربية المتحدة الصفوف العليا إدارة مناهج ّ رسالةٌ إىل الطالب ِ َ «يجب ْ للبحر المت ََج ِّم ِد فينا» فأسا يكون أن ُ ُ الكتاب ً (كافكا) عزيزي الطالب، ِ ـم ليكــون رفي ًقــا لــك وصدي ًقــا؛ ســتجد فيــه النصــوص المقـ َّـررة فــي كتــاب األنشــطة هــذا كتـ ٌ ـاب ُص ِّمـ َ ونصوصــا أخــرى رديفــة ،فــي ك ُِّل فــ ّن مــن فنــون القــول :ال ُقــرآن الكريــم ،والحديــث اللغو ّيــة، ً الشــريف ،والنّصــوص األدب ّيــة ،ونصــوص الـ ّـرأي ،والنّصــوص المعلومات ّيــة .وهــو دعــو ٌة منّــا لتكــون قســا مــن طقــوس حياتــك اليوم ّيــة ،تجــد لهــا متّسـ ًعا مــن الوقــت ،فتخلــو فيــه بكتـ ٍ ـاب تقرؤه القــراء ُة َط ً بحر ّيــة ،وتبحــر فــي عوالمــه بهــدوء وســام. ـدروس المقــررة واالختبـ ِ ـاة المقيـ ِ ـط الحيـ ِ إن التّحــرر مــن نمـ ِ ِ ّ ـارات إلــى الحيــاة المنفتحــة علــى ـدة بالـ ّ ّ ّ أدوات نجــاح ِ ِ الثقافــة والمعرفــة ِّ راســخ ًة وممتــدّ ة ســيمنحك بــكل أشــكالِها وألوانِهــا هــو ا ّلــذي ُ ـف ودرس. ومتناميـ ًة وهــو ا ّلــذي ســينير بصير َتــك لتــرى الحيــا َة أك َبـ َـر بكثيــر مــن مجـ ّـرد مدرســة وصـ ٍّ إنّنــا نح ّثــك علــى أن تجعــل للقــراءة فــي هــذا الكتــاب وكتـ ٍ ـب أخــرى وق ًتــا تقتطعــه مــن يومــك ،ولــو ـجعك علــى ْ أن تجعـ َـل لقراءاتــك فــي هــذا الكتــاب والكتــب األخــرى صــدى فــي كان قصيـ ًـرا ،ونشـ ّ ِ ِ ـخصية فــي ـب عنهــا علــى صفحاتــك الشـ حياتــك ،فتتحــدّ ث عنهــا مــع أصدقائــك وعائلتــك ،وتكتـ ُ ـكل هــذا سيســهم إســهاما ملموســا فــي بنـ ِ ِ ـي؛ فـ ُّ ـاء شــخص ّيتك ،وتعزيــز ُ ً ً ُ مواقــع التواصــل االجتماعـ ّ ثقتِــك ِ بنفســك ،وتزويــدك بمفاتيــح النجــاح الدائــم المســتمر. 7 كتاب النصوص للصف احلادي عشر عزيزي الطالب، َ ّ فهمــا إن القــراءة ،وقــراءة األدب علــى وجــه الخصــوص ،تســاعد المــرء علــى أن يكــون أكثــر ً للحيــاة والنــاس ،وأوســع أف ًقــاّ ، وإن هــذا النــوع مــن القــراءة هــو ا ّلــذي يجعــل اإلنســان أكثــر تواض ًعــا إن ّ ـامحا وذكا ًءّ . كل قصــة أو روايــة تقرؤهــا هــي بمثابــة بوابــة تُفتــح لــك ل ُت ْب ِص َر الحيــاة بتفاصيلها وتسـ ً الصغيــرة ،تلــك ا ّلتــي قــد ال ننتبــه لهــا ونحــن نمــارس واجباتنــا اليوم ّيــة ،ونغــدو ونــروح مــع الغاديــن والرائحيــنّ . ـتقر فــي قلــوب الكثيريــن مــن النــاس ،أولئــك إن هــذه ّ البوابــة هــي ا ّلتــي تجعلــك تسـ ّ ـات ،فتعــرف مــا لــم تكــن تعــرف ،وتــدرك ـص ،وتحكــي حكاياتِهــم الروايـ ُ ـب عنهــم القصـ ُ الذيــن تُكتـ ُ مــا لــم يكــن خطــر لــك علــى بــال. عزيزي الطالب، ّ وجوهــا ال نهايــة لهــا للحيــاة، إن قــراءة األدب تشــبه الدخــول فــي مــرآة ســحر ّية كبيــرة ،تكشــف لــك ً وقوتــه ،فــي صدقــه وكذبــه ،فــي عـ ّـزه وذ ّلــه ،فــي لفعــل الزمــان فــي اإلنســان ،ولإلنســان فــي ضعفــه ّ ـاب بيــن أنان ّيتــه وظلمــه ،فــي ر ّقتــه وقســوته فــي أحزانــه وأفراحــه ،وآالمــه وأحالمــه .وكلمــا انفتــح كتـ ٌ ـكان مــا ،فــي زمـ ٍ ـارئ فــي مـ ٍ ـدي قـ ٍ ـان مــا ،اســتطالت مــرآ ٌة ســحري ٌة أمامــه ليــرى مــا لــم يكــن يـ ُـرى، يـ ْ ـف مــا كان ســيبقى محجوبــا لألبــد لــوال لحظــة تبصـ ٍـر قادتــه إلــى أن ي ِ ِ مســك بيــن يديــه قصــة ويكشـ َ ُ ُّ ً الص ْفحــة األخيــرة فيهــا يــزداد يقينًــا ّ أن الخلــود ال يكــون إال للخيــر ـب ّ أو روايـ ًة ســتجع ُله بعــد أن يقلـ َ والحــق والجمــال. ِ اللغة العربية. نرجو لك رحل ًة ممتع ًة ومفيد ًة مع 8 الفهرس ُ *ال ُق ُ والحديث ّ الش ُ ريف الكريم رآن ُ » »ال ُق ُ الكريم رآن ُ 13 15 ُ أحاديث شريف ٌة »» 17 ّصوص األدب ّي ُة *الن ُ 19 » » ِّ الجاهلي عر ُّ الش ُ 23 ِّعر الش ُ 21 العبدي ◊قال المثقب ّ ◊قال امرؤ القيس هير ب ُن أبي ُسلمى ◊قال ُز ُ الم َه ْلهل يرثي أخاه ُك َل ْي ًبا ◊قال ُ 29 30 31 32 ِ صدر اإلسال ِم وال َع ِ ِ » » ِّ األموي صر عصر عر في ِّ الش ُ 33 ِ » » ِّ العصر الع ّباسي الشعر في 41 الر ِ ◊قال ُ َّميمي يب الت ُّ مالك ب ُن َّ ◊قال عبدال ّله بن الدُ م ْينة عزة ◊قال ُك َث ّير ّ صي الدَّ ْم ِع َ -أبو فِ ٍ ◊ َأ َ داني الح ْم ُّ راس َ راك َع َّ ◊قال المتن ّبي ◊قال صالح بن عبدال ُقدّ وس مالحظة: الرمادي. النّصوص المعالجة في كتاب (التطبيقات ال ّلغو ّية) تجد عناوينها مظ ّللة بال ّلون ّ 9 38 39 40 45 46 47 كتاب النصوص للصف احلادي عشر »» ّ ُ الحديث العربي عر ُّ الش ُ 51 ◊ال ّطي ُن -إيليا أبو ماض ي ◊ ِ صيبي سامحيني َهديل -غازي ال ُق ِّ َ رسائل إلى ُأ ّمي -نزار ق ّباني خمس ◊ ُ ◊ج َبل -عمر أبي ريشة ◊فك ّْر بغ ْي ِر َك -محمود درويش ِ ِ ِ » »الحرك ُة ِّ المتّحدة الشعر ّي ُة في دولة اإلمارات العرب ّية ُ ٍ راشد ِ الش ُ الس ُم ِّو َّ آل َمكتو ٍم محمدُ ب ُن ◊إلى ُأ ّمتي - ُ يخ َّ صاحب ُّ ◊سيرة وطن -شيخة المطيري ِ عالمي عر ٌّ » »ش ٌ ِالق َّص ُة القصير ُة 55 56 57 61 62 63 67 69 70 73 »» ِ الق َّص ُة القصير ُة ◊حادث ٌة -نجيب محفو ظ ٍ ٍ الساعدي باكستاني لسائق ◊ن ّظار ٌة طب ّي ٌة عجوز -مريم ّ ٍّ ◊حتّى ِ الزعابي آخ ِر َر َم ٍق -عائشة ّ ◊ ِغطاء ِ ِ الف ِ اإلنجليزي /جورج بِ ْرنارد شو للكاتب راش - ِّ ُ ِ ِ ِ الم ّ عل ◊ ُص َو ٌر خار َج اإلطار -ابتسا ُم ُ ◊ورقة من الرملة -غسان كنفاني ◊لؤلؤ في الطريق -غسان كنفاني يذهب إلى المخ ّيم -غسان كنفاني الصغير ◊ ُ ُ ◊الزوار -يوسف إدريس ◊الحرب والجوع َّ - الشيخ عبدال ّله العاليلي ◊نامي ليستيقظ الدمع ويحكي -عبد العزيز الفارسي الروسي (ليو تولستوي) ◊الناسك الحكيم -للكاتب ّ الروسي (أنطوان تشيخوف) ◊المغفلة -للكاتب ّ 10 75 79 86 92 99 105 109 113 119 126 131 132 137 142 ◊ضيوف في الليل ( -توماس هاردي) ِ والر حالت ُالس ِير ّ أدب ّ السير ُة األدب ّي ُة »» ّ الذ ِ ◊يوم ِ اتُ ،س ُ العيد َ -سر ُد ّ القاسمي محم ٍد ُّ لطان ْب ُن ّ ُ ِ اني دارنا الدِّ َمشق َّي ُة -نزار َق ّب ّ ◊ ُ ◊قلم زينب -أمير تاج السر ◊ألسنة النار تتكلم -محمد عبيد غباش غات العا َل ِم نُجو ٌم َتت ََل َلُ ( -رسول حمزاتوف) ◊ ُل ُ ◊ ُأ ّمي ( -مـارك تويـن) ◊الدراسة في الجامعة ( -هيلين كيلر) الرأي * ُ نصوص ّ 145 149 151 154 156 159 164 167 170 172 179 قاالت الم ُ َ - 181 » »المقال ُة ِ هتار ُب ُ الس َأ ِم -سالمة موسى رهان َّ ◊االست ُ رمكي ُّ عوض ب ُن حاسو ٍم الدَّ ◊نريدُ ها عاد ًة ال صرع ًة ُ - ◊ ّ ف -ياسر حارب المث َّق ُ الحل ُق ُ ف أن ُف َسنا؟ -سالمة موسى ◊لماذا نُث ِّق ُ ِ اإلنساني َوبِناؤ ُه دار ُّ ◊االقت ُ َيف تَحص ُل على الس ِ أي الن ِ عادة؟ ّاس أس َعدُ ؟ وك َ ُ ◊ ُّ َّ ◊المعنى السياسي في العيد -مصطفى صادق الرافعي الصحف ّي ُة األعمد ُة ّحفي الص ُّ » »ال َعمو ُد ّ ◊ َصديقي الهاتِف! -عائشة سلطا ن ِ ◊ ّ اإلمارات -ميساء غدير باب ُس َفرا ُء الش ُ 11 183 186 188 191 193 195 198 200 203 205 207 209 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ِ ◊ ِ اإلنسان -صالِ َحة ُعبي د صف يوج ُعني نِ ُ المجتمع َّي ُة -سامي قرقاش المسؤول َّي ُة ُ ◊ َ ◊ ْ قــل (ال) واستَمتِع َ -شهد العبدولي ّصوص المعلومات ّي ُة *الن ُ 211 213 216 219 ّصوص المعلومات ّي ُة » »الن ُ لغات العا َل ِم مرايا الن ِ ّاس ◊ ُ بيعة ◊ ُحض ُن ال َّط ِ َ بالستيك؟ كيف نحيا بِال ◊ َ ِ الصح َّي ِة -الدُّ كتور أكمل عبد الحكيم ◊ آثار إيجاب َّي ٌة على الحالة ِّ المشي ٌ .. ُ ي ◊ أتريدون تحسين مزاجكم؟ البستنة قد تكون الحل األنسب واألوفر -باميال كسروان ◊الروبوتات ..هل تجعل الحياة أسهل -مدى خالد ◊صناعة المستقبل -حازم الببالوي 12 221 224 227 233 236 239 243 246 الكرمي رآن ُ الق ُ ُ واحلديث ّ ريف ُ الش ُ 13 كتاب النصوص للصف احلادي عشر 14 يرّشلا ثيدحلاو ُميركلا ُنآرُقلا ُ الكرمي رآن ُ الق ُ ُ َ قال ال ّل ُه تعالى: ﴿ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ﴾ (سورة النور) ﴿ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ ﰔﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ﴾ (سورة النور) 15 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ﴿ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾ (سورة البقرة) ﴿ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ﴾ (سورة إبراهيم) 16 يرّشلا ثيدحلاو ُميركلا ُنآرُقلا ُ ُ أحاديث شريفةٌ ثل أَربَ ِ ِ عة نَ َفرٍ" ل األم ِة َم ُ "م َث ُ هذه َّ حديث َ ُ َ رسول ال ّل ِه^: قال ـذه األمـ ِـة مثـ ُـل َأربعـ ِـة َن َفـ ٍـر :رجـ ٌـل آتــاه ال ّلـه مـ ً ِ *«م َثـ ُـل هـ ِ عمـ ُـل بِـ ِـه فــي مالِـ ِـه ُي ِنف ُقـ ُه لمــاُ ، ُ ُ َ فهـ َـو َي َ ـال وع ً َ َّ َ َ ـت فيــهِ ِ ِ ِ ِ ـم ُيؤتــه مـ ً ـال فهـ َـو يقـ ُ ـول :لــو َ كان لــي مثـ ُـل هــذا َعملـ ُ لمــا ولـ ْ ور ُجـ ٌـل آتــا ُه ال ّلـ ُه ع ً فــي َح ِّقــهَ ، ِ ِ ِ ِ فهمــا فــي األجـ ِـر ســوا ٌء ،ورجـ ٌـل آتــا ُه ال ّل ـ ُه مـ ً عمـ ُـل ،قـ َ لمــا، ـالُ :d ـم ُيؤتــه ع ً ـال ولـ ْ مثـ َـل ا َّلــذي َي َ ِ ِ ِ ورجـ ٌـل لــم ُيؤتِـ ِـه ال ّلـ ُه مـ ً لمــا ،فهـ َـو يقـ ُ ـول :لــو َ فهـ َـو َيخبِـ ُ كان ـال وال ع ً ـط فيــه؛ ُينف ُقـ ُه فــي َغيـ ِـر َح ِّقــهَ ، ِ لــي ِمثـ ُـل مـ ِ ـال :dفهمــا فــي الـ ِـو ِ عمـ ُـل ،قـ َ زر ســوا ٌء». ـال هــذا َع ِملـ ُ ـت فيــه مثـ َـل ا َّلــذي َي َ (الترمذي وابن ماجه) ـلك ال ّل ـ ُه بـ ِـه طري ًقــا إلــى الجنّـ ِـةَّ ، علمــاَ ،سـ َ *« َم ـ ْن َسـ َ ـع وإن المالئك ـ َة َلتضـ ُ ـلك طري ًقــا يبتغــي فيــه ً ِ ِ ـب ِ ِ أجنحتَهــا رضــا ًء لطالـ ِ العلـ ِمَّ ، األرض ـماوات ،و َمـ ْن فــي السـ ـتغفر لـ ُه َمـ ْن فــي ّ ـم َل َيسـ ُ وإن العالـ َ ـان فــي المـ ِ ـل القمـ ِـر علــى سـ ِ ـائر الكواكـ ِ ـاء ،وفضـ ُـل العالِـ ِم علــى العابـ ِـد ،كفضـ ِ ح ّتــى الحيتـ ُ ـب، إن العلمــاء ورثـ ُة األنبيـ ِ ـاءَّ ، َّ فمـ ْن ـارا ،وال ـمَ ، ورثــوا العلـ َ درهمــا ،إنّمــا ّ ً يورثــوا دينـ ً إن األنبيــا َء لــم ّ َ أخـ َـذ بـ ِـه فقــدْ أخـ َـذ بحـ ٍّ ـظ وافـ ٍـر». (صحيح الترمذي) ِ هم ا ْن َفعني بما ع ّل ْمتَني ،و َع ِّل ْمني ما ين َف ُعنيِ ، رب العا َلمي َن». وزدني علما ،والحمدُ ل ّله ِّ *«ال ّل ّ 17 كتاب النصوص للصف احلادي عشر 18 األدبي ُة صوص ال ّن ّ ُ 19 كتاب النصوص للصف احلادي عشر 20 ِّ عر الش ُ 21 كتاب النصوص للصف احلادي عشر 22 ةّيبدألا ُصوصّنلا -رعِّشلا ِّ اجلاهلي عر ُّ الش ُ الشــعر الجاهلــي هــو ِّ ِّ الشــعر العربــي الــذى قيــل قبــل اإلســام ،وقــد تميــز العــرب عــن ســواهم مــن األمــم األخــرى بصفــاء القريحــة ومالءمتهــم بيــن بيئتهــم وخيالهــم وتأملهــم ،فكانــوا أشــعر األمــم. الشــعر الجاهلــي ،ولذلــك كان ِّ فالباديــة بيئــة ِّ الشــعر مــرآة لهــذه الحيــاة البدويــة القاســية الخشــنة، يصــف األطــال والديــار واالنتجــاع والظعــن والفــاة والحيــوان والمعــارك وآبــار الميــاه. الشــعر ديــوان ِح َك ـ ِم العــرب وعلومهــمَ ،و ِسـ ّ لقــد كان ِّ ـجل وقائعهــم وســيرهم ،ومــادة حوارهــم، يرتجلونــه؛ ليع ّبــروا عمــا يختلــج فــي صدورهــم مــن عواطــف وهمــومِّ . والشــعر الجاهلــي شــعر غنائــي ذاتــي يصــور نفســية ّ الشــاعر وأحاسيســه ،ســواء أكان يتغــزل أم يفخــر أم يمــدح أم يهجــو أم يرثــي أم يعاتــب أم يعتــذر أم يصــف .لقــد كان ِّ الشــعر ُينشــد إنشــا ًدا أو ُي َغنّــى غنــا ًء ،فالغنــاء كان أســاس تعلــم الشــعر ومــن أســاليب التّعبيــر عنــه .يقــول الشــاعر حســان بــن ثابــت: كنت قائله تـ َغـ َّن بالشعر إ ّمــا َ إن الغناء لهذا الشعر مضمار وتظهــر موســيقى الغنــاء فــي وزن القصيــدة وحــرف رو ّيهــا (قافيتهــا) الموحــد؛ فــإن كان حــرف الــروي فــي الــروي (القافيــة) فــي القصيــدة (البــاء) تســمى القصيــدة (بائيــة) ،وإن كان حــرف ّ ّ ّ القصيــدة (الــدّ ال) تسـ ّـمى القصيــدة (داليــة) ،وإن كان حــرف الـ ّـروي فــي القصيــدة (نو ًنــا) تسـ ّـمى القصيــدة (نونيــة) ،كمــا تظهــر الموســيقا فــي التصريــع فــي مطلــع القصيــدة ،والتصريــع هــو اتفــاق آخــر جــزء مــن صــدر البيــت وآخــر جــزء مــن عجــزه فــي الــوزن والتقفيــة ،كقــول علقمــة بــن عبــدة التميمــي: طروب قلب في الحسان ُ طحا بك ٌ الش ِ ُبعيدَ ّ باب َع ْص َر حان مشيب أيضــا فــي التقطيــع الصوتــي لألبيــات ،كقــول امــرئ القيــس فــي معلقتــه يصــف وتظهــر الموســيقا ً فرســه: ِمك ٍَّرِ ،م َف ٍّرُ ،مقبِ ٍلُ ،مــدْ بِـ ٍـر ،م ًعا 23 ِ الس ْي ُل ِم ْن َع ِل ك ُ َج ْلمود َص ْخ ٍر َح َّطه َّ كتاب النصوص للصف احلادي عشر وقــد تبــوأ ّ الشــاعر الجاهلــي مكانــة مرموقــة فــي عصــره فــكان لســان قبيلتــه ،كمــا لعبــت األســواق مهمــا فــي التعريــف بالشــعراء ونقــل أشــعارهم بيــن القبائــل األخــرى. دورا ً الموســمية الكبــرى ً أيضــا -للخطابــة ِّوالشــعر ،ومــن أهــم فاألســواق لــم تكــن للبيــع والشــراء فحســب ،بــل كانــت ً هــذه األســواق :ســوق عــكاظ ،وهــي ســوق فــي صحــراء بيــن نخلــة والطائــف شــرق مكــة ،وكانــت الرســول^ ،وســوق ذي تســتمر عشــرين يو ًمــا ،وســوق ذي المجــاز قــرب َينْ ُبـعٍ ،و َينْ ُبـ ُ ـع َث ْغـ ُـر مدينــة ّ المجنــة قــرب مكــة. المؤرخــون إلــى أن النّابغــة ُّ الم َحكِّميــن ،تقــام لــه فــي هــذه األســوق ُق ّبـ ٌة، ويذهــب الذبيانــي كان مــن ُ ّ ِ يذهــب إليهــا ّ الركبــان. الشــعراء؛ ليعرضــوا شــعرهم عليــه ،فمــن أشــاد بــه ذاع صي ُتـ ُه وتناقلــت شــعره ُّ ِّ ـدون إال فــي أوائــل القــرن الثانــي للهجــرة ،وهــذا مــا يفســر ـروي ،لــم ُيـ ّ والشــعر الجاهلــي شــعر مـ ّ ضيــاع أغلبــه .فالكثيــر مــن رواتــه ذهبــت بهــم حــروب الفتــح ،وأوفــر هــذه القصائــد ح ًّظــا مــن المع ّلقــات مــن أفضــل مــا وصلنــا مــن العصــر الحفــظ هــي المع ّلقــات أو ّ المذهبــات ،وقــدُ عــدّ ت ُ ـم الجاهلــي .ويزعــم أغلــب المؤرخيــن أنهــا ســبع قصائــد اختارتهــا العــرب فكتبتهــا بمــاء الذهــبُ ،ثـ َّ ـم :امــرؤ القيــس ،وزهيــر بــن أبــي ُســلمى ،وطرفــة ع ّلقتهــا علــى الكعبــة إعجا ًبــا بهــا ،وأصحابهــا ُهـ ْ بــن العبــد ،ولبيــد بــن ربيعــة ،وعنتــرة بــن شــداد ،وعمــرو بــن كلثــوم ،والحــارث بــن حلــزة. وتتنــاول القصيــدة الجاهليــة مجموعــة مــن الموضوعــات والعواطــف المختلفــة فــي بنـ ٍ ـاء ينقســم ّ إلــى ثالثــة أقســام ،إذ يســتهل ّ الشــاعر القســم األول بالبــكاء علــى الديــار القديمــة (الوقــوف علــى األطــال) ا ّلتــي رحــل عنهــا ،وتــرك فيهــا ذكرياتــه ،وهــو بــكاء ُيـ َـر ُّد إلــى شــاعر ســبق امــرئ القيــس هــو ابــن خــذام ،كان أول مــن بكــى علــى األطــال ،كمــا جــاء فــي ديــوان امــرئ القيــس: المحيل َل َع َّلنا عوجا على ال ّطلل ُ نبكي الديار كما بكى اب ُن ِخذا ِم وهــو ينقســم إلــى قســمين :غــزل عفيــف ،يــدور حــول ّ بــث ّغــزل بالمحبوبــة ،أي الت ّْشــبيب، والت ّ َ حســي ،يصــف جمــال المــرأة :شــعرها وعنقهــا وجبينهــا وعينهــا وأســنانها الشــوق واللوعــة ،وغــزل ّ وطولهــا ..كمــا يصــف ثيابهــا وزينتهــا وع ّفتهــا ،ومــن الغــزل العفيــف يمكــن أن نستشــهد بمــا قالــه عنتــرة بــن شــداد فــي ابنــة عمــه عبلــة: ُ سأ ْض ِم ُر َوجــدي في فـ َـؤادي وأ ْكت ُُم ُ نـــو ُم ــــهــــر لــيــلــي و َأ ْس والــــعــــواذل َّ ُ 24 ةّيبدألا ُصوصّنلا -رعِّشلا مــع مــن َدهــري بمــا ال أنالــ ُه وأ ْط ُ ـك يــا ابنــة مالـ ٍ وأرجــو التدانــي منـ ِ ـك ِ ِ خيالــك واســألي بطيــف مــن فمنــي إن َلــج قومـ ِ ـك فــي َدمــي وال ت ْ َج َزعــي ْ َّ ْ ُ نوح الحمائـ ٍم في الدجى ألــم تســمعي َ ولــم ي ْبـ َـق لــي يــا عبـ َـل شـ ْ ف ص م َعـ َّـر ٌ ـخ ٌ َ لــع وتلــك ِعظــا ٌم ٌ باليــات و َأ ْض ٌ ـت م ـ ْن َبعــد الفـ ِ ْ وإن ْ ـراق فمــا أنــا عشـ ُ وإن نــا َم جفنــي َ ْ كان نومــي عاللــ ًة ِ َ المنــازل ك ّلمــا تلــك َأ ِحــ ُّن إلــى بكيــت مــن الب ْي ِ ــت وإننــي الم ِش ِّ ُ ــن ُ وألــز ُم منــه َّ يرحــم ليــس ذل مــن َ ْ ــر ٍ َ ــر ُم ب ت َُض َّ نــار َح ْ ودون التَّدانــي ُ ــم كيــف إذا عــا َد عنــي َ َ بــات المت َّي ُ ِ حــم وال َد ُم فمــا لــي ب ْعــدَ الهجــر َل ٌ فمـ ْن بعــض أشــجاني ونوحــي تع ّلموا ٍ ســقم تــذوب َفأ ــرى ُ ُ ســوى كبــد َح َّ ِ علــى ِ جلدهــا ج ْيـ ُ ـم ـش ُّ الصــدود مخ ِّيـ ُ ــر ُم كمــا أ َّدعــي أنــي بعبلــة َ ُم ْغ َ َّ ُ لعــل ال َّطيــف يأتــي يســ ّل ُم أقــول َّــم غــدَ ا يترن ُ طائــر فــي أيكَــة ٍ َ ٌ صبــور علــى طعــن القنــا لــو علمتُــم ٌ ـم ينتقــل ّ الشــاعر إلــى وصــف ُظعنِهــا ،أي ترحالهــا مــع قبيلتهــا إلــى مــكان آخــر بح ًثــا عــن المــاء ُثـ َّ والــكأل ،كقــول المث ّقــب العبــدي فــي قصيدتــه: أفـــاطـــم! قــبـ َـل بــيــنـ ِ ـك متِّعينى ُ كــاذ ٍ ِ َــعــدي م ـ ِ َفــا ت ِ بــات ـواع ــدَ َ لـــو تــخــالــفــنــي شمالي فــإنِّــى ْ ـت :بِيني إذ ًا َل َق َطعتُها ول ـ ُقــلـ ُ لِ َمن ُظـ ُعـ ٌن َت َط َّل َع ِمــن ُض َب ٍ يب بخت السفي َن وهــ َّن ُ ُيش ِّب ْه َن َّ وهـــن على الــرجــائـ ِـز ِ ـات واكــنـ ٌ ُ َّ َّ ِ ٍ بـــذات ضـ ٍ ـال كــغــزالن خــذل ـ َن 25 ِ ِ سألتك ْ أن تبينى ومنعك مــا ِ الصيف دونــي ريـــاح تمر بها ُ ِ وصلت بها يميني خالفك ما ُ كــذلـ َ ـك أجــتــوى مــ ْن يجتويني َفما َخ َر َجت ِم َن الــوادي لِ ِ حين ـاهـ ِـر والـ ُّـشـ ِ ـات األبـ ِ ـؤون ُعــراضـ ُ ـع ُم ْس ِ ــل ك ِّ َقــواتِ ُ تكين ـجـ َ ُــل َأشـ َ ِ ِ ُ الغصون انيات مـ َن تنوش الدَّ كتاب النصوص للصف احلادي عشر والقســم الثانــي هــو الرحلــة ،يصــف فيــه ّ الشــاعر رحلتــه ووســيلة تنقلــه ،وكل مــا تقــع عليــه عينــاه فــي الصحــراء مــن حيــوان وزواحــف وطيــر ،والمصاعــب ا ّلتــي تعترضــه ،والفــاة ا ّلتــي يقطعهــا ليب ّيــن شــجاعته وبأســه .يقــول طرفــة بــن العبــد واص ًفــا ناقتــه وســرعتها: ِ ِ احتِ َض ِ ار ِه اله َّم عنْدَ ْ َوإِنِّي ألُ ْمضي َ اإلر ِ َأم ٍ ــون َكـ َـأ ْلـ َـو ِ ان ن ََص ْأت َُها اح ِ َ ُ َاجي ٍ ِ ُت َب ِ ات و َأ ْت َب َع ْت اري عتَا َق ًا ن ِ َ َلها َف ِ خ َذ ِ ان ُأك ِْم َل الن َّْح ُض فِ ْي ِه َما َ ـحـ ٍ َالحنِ ِّي ُخ ُلو ُف ُه ـال ك َ ـي َمـ َ و َطـ ُّ ِ َاس ْي َضــا َلـ ٍـة َيكْنِ َفانِ َها َك ـ َـأ َّن كن َ ــان َأ ْفــ َت ـ ِ َلــهــا ِمــر َفــ َق ِ ـان َكـ َـأ َّنـ َـهــا َ ْ ِ ِ ـم َر ُّب َها ـسـ َ ـي َأ ْقـ َ َك َقنْ َطرة الـ ُّـرومـ ِّ بِ َع ْو َجاء ِمر َق ٍ وح و َت ْغت َِدي ال َتـ ُـر ُ َ ْ َع َلى ِ الحـ ٍ ـب َكـ َـأ َّنـ ُه َظ ْه ُر ُب ْر ُج ِد َوظِ ْي َف ًا َوظِ ْي َف ًا َفـ ْـو َق َمـ ْـو ٍر ُم ْع َّب ِد ِ ٍ ــم َّــر ِد َكـ َـأ َّنـ ُـهـ َـمــا َبــا َبــا ُمــن ـ ْيــف ُم َ ـــز ْت بِــــدَ ْأ ٍي ُمن ََّض ِد و َأ ْج ـ ِـر َنــ ٌة ُل َّ ِِ َح َت ُص ْل ٍ ب ُم َؤ َّي ِد َو َأ ْطـ َـر قس ٍّي ت ْ ـي َدالِ ٍ ــــج ُم ـ َتـ َـشــدِّ ِد ـسـ ْلـ َـمـ ْ َتـ ُـمـ ُّـر بِـ َ َل ُت ْكتَنِ َف ْن َحتَى ُتـ َـشــا َد بِ َق ْر َم ِد والقســم الثالــث هــو الغــرض الرئيــس فــي القصيــدة ،وهــو إِ ّمــا فخــر أو مــدح أو رثــاء أو هجــاء أو عتــاب أو اعتــذار أو حكمــة. الشــاعر بالن َّسـ ِ قومــات الحيــاة القبل ّيــة ،يفخــر فيــه ّ ـب فالفخــر فخــر بالقبيلــة وبالنفــس ،وهــو مــن ُم ّ والشــجاعة والكــرم واإلســراع إِلــى معونــة اآلخريــن ،كقــول عنتــرة بــن شــداد: ال ت َْضحكي مني ُعبيل ُة وا ْع َجبي ِ ِ القلوب محك ًّما ورأيت رمحي في عوابس صدور الخيل وهي ألقى ٌ َ إنــي أنــا َلــيـ ُ ـث العرين و َمـــ ْن له ينظر صورتي إني ألعجب َ ُ كيف ُ ُ جيوش علي ِمـنّــي إذا الت َّف ْت ّ ض الدِّ ِ ِ وعليه ِم ْن َف ْي ِ ُ نقوش ماء وأنــا َض ٌ نحوها و َب ُش ُ وش حوك ْ ِ الجبان ُمح َّي ٌر مدْ هوش ب ق ْل ُ ـارز ويــعــيـ ُ ـش يـــوم الــقــتــال م ــب ـ ٌ والمــدح هــو ثنــاء علــى الممــدوح وفضائلــه ومآثــره ،ويغلــب علــى أهــل الباديــة كمــا نــرى ذلــك للتكســب يغلــب علــى أهــل الحضــر كمــا نــرى عنــد امــرئ القيــس وزهيــر بــن أبــي ســلمى ،ومــدح ّ 26 ةّيبدألا ُصوصّنلا -رعِّشلا لمــا أجــاروه: عنــد النابغــة الذبيانــي واألعشــى .يقــول امــرؤ القيــس ً مادحــا بنــي تميــم ّ الم َع ّلى َكـ َـأ ّنــي إِ ْذ َنـ َـزلـ ُ ـت َعلى ُ ِ ِ ِ الم َع ّلى َفما َمل ُك العراق َعلى ُ بن ُح ٍ َأ َق َّر َحشا اِ ِ يس ِ مر ِئ ال َق ِ جر لت َعلى الـبـ ِ ـواذخِ ِم ْن َشما ِم ن ََز ُ َ بِــمــقــت ِ َــد ٍر وال م ِ ــل ُ ــك َ الــشــآ ِم َ َ ُ ـح الــ َظــا ِم َبــنــو تَــيــ ٍم َمــصــابــيـ ُ والرثــاء هــو مديــح الميــت ،يصــف فيــه ّ الشــاعر الجاهلــي المرثــي بجميــع الصفــات ا ّلتــي يصــف بهــا الممــدوح ،ومثــال ذلــك رثــاء الخنســاء ألخيهــا صخــر: ـاو َدهــا َقذاها َبك ْ َت َع ْيني ،وعـ َ كص ْخ ٍر وأي فتًى َ على َص ْخ ٍرّ ، َفــتــى الـ ِـف ـ ْتــيـ ِ ـان مــا َبـ َلــغــوا َم ــدا ُه ٍ ٍ معيالت صهب بــرب حلفت ُ ِّ ِ عليه ـت بنو عــمـ ٍـرو لئ ْن جــزعـ ْ وكـــف كــــف يـــشـــدُّ بــهــا لــــ ُه ٌّ ٌّ الج ِ ت ََرى ُّ حاج َح من ُس َل ْي ٍم الش ّم َ ٍ رجل كري ِم الخي ِم أضحى على بــــعــــو ٍار فــمــا تــقــضــي كــراهــا َّ َـــرأ ْم طِالها إذا مــا ال ـنّـ ُ ـاب لــم ت ْ وال َي ـ ْكــدَ ى إذا بل َغ ْت كُداها ِ البيت الــمــحـ َّـر ِم منتهاها إلــى رزئـــت بنو عــمـ ٍـرو فتاها لــقــدْ ْ ب ما ِ ف ثـ َـرى نَداها يج ّ َــح َّل ُ ت َ ــل نَــــدَ ى مـ ِ َيــ ُب ّ ـدامــعــهــا لِحاها َ ِ ٍ صخب صداها ببطن حفيرة ٍ والجبن والبخل. والهجاء عكس المدح يوصف فيه المهجو وقبيلته بِضعة النّسب ُ ّ يقول النابغة الذبياني هاج ًيا عامر بن الطفيل: فــإن يــك عــامـ ٌـر قــد قــال جهال ٍ بـــراء فــكــن كــأبــيــك أو كــأبــي وال تذهب ِ طاميات بح ْل ِم َك ٌ وإنــك ســوف تَح ُلم أو تناهي 27 ِ ـاب ـســبـ ُ ف ــإن َمــط ـ َّي ـ َة الــجــهــل الـ ِّ الصواب تصادفك الحكومة و ُ مــن الـ ُ ـاب ـخــيــاء ليس لــهـ ّن بـ ُ الغراب إذا ما شبت أو شــاب ُ كتاب النصوص للصف احلادي عشر ـلما بــه ،ويع ّبــر عــن ُخالصــة تجــارب والحكمــة ،فهــي قــول موجــز مشــهور ،يتضمــن معنًــى مسـ ً صاحبهــا فــي الحيــاة .يقــول شــاعر الحكمــة زهيــر بــن أبــي ســلمى: ِ ـع فــي ُأ ٍ َثير ٍة َو َمـــ ْن ال ُيــصــانـ ْ مـــور ك َ بخل بِ َف ِ ـك ذا َف ٍ ضل َف َي َ َو َمــن َيـ ُ ضل ِه عروف ِمن ِ دون ِع ِ رض ِه الم َ َو َمن َيج َع ِل َ ـاب ويــو َطـ ْـأ بِم ِ نس ِم ُيـ َ ـضـ َّـر ْس بِـ َـأنــيـ ٍ َ َ َعلى َقـ ِ ـومـ ِـه ُيستَغ َن َعــنـ ُه َو ُيــذ َم ـ ِم َيـ ِـفــر ُه َو َم ــن ال َي ـ َّتـ ِـق َ تم ُيش َت ِم الش َ 28 ةّيبدألا ُصوصّنلا -رعِّشلا العبدي قال املثقب ّ الَ تَــ ُقــولــ َّن إِذا مــا لــم ت ِ ُــــر ْد ـم ِمــ ْن َب ـ ْعـ ِـد ال ـس ـ ٌن َق ْ ـــو ُل َن ـ َعـ ْ َحـ َ إِ َّن الَ بـــعـــدَ نَـــعـــم فـ ِ ـاحـ َـش ـ ٌة َ ْ َ ْ ــم فــاصــبـ ْـر َلها فـــإِذا ُقــ ْل َ ــت نَــ َع ْ ان َّ ـم َّ ـص لل َفتى الـــذ َّم َنـ ْقـ ٌ وا ْعــلـ َ 29 َأن تُتِم الــوعــدَ في َش ٍ ــيءَ :ن َع ْم َّ َ ْ ـم و َق ــبــيــح ْ ٌ قــــو ُل الَ َبــعــدَ َن ـ َعـ ْ َفـــ«بِــا» فا ْبدَ أ إِذا ِخ ْف َت النَّدَ ْم َجاح ال َق ِ ول؛ إِ َّن ُ بِن ِ ف َذ ّْم الخ ْل َ و َمــتــى الَ َيـــت ِ الـــــذ َّم ُي َ َّ ــــذ ّْم َّـــق كتاب النصوص للصف احلادي عشر قال امرؤ القيس ِ ـمً ، بعض هــذا التد ُّل ِل مهلَ ، أفــاطـ ُ أن حــب ـ ِ ِ ـك قاتلي، أغـــــرك مــنــي ّ ُ َّ َّ ٍ البح ِر أرخى ُسدو َله كمو ِج وليل ْ ْ ـص ـ ْلــبِـ ِـه ف ـ ُقــلـ ُ ـت لــه لـ ّـمــا تـ َـم ـ ّطــى بـ ُ ُ ُ الطويل أال انْجلي الليل أال أ ُّيها فــيــا َلـــك مــن لــيـ ٍ ّ كــــأن نــجــو َمــه ـل َّ ـت فــي َمصامها كــأن الـ ُثــر ّيــا ُعـ ّلـ َقـ ْ وقد أغتَدي ،والط ْي ُر في ُوكُناتِها ــل ُمـــدبِ ٍ ِمــ َك ـ ٍّـر ِمــ َف ـ ٍّـر ُمــ ْقــبِ ٍ ـــر م ًعا ِ ْ ِ صرمي َفأ ْج ِملي وإن كنت قد ْأز َم ْعت ْ وأ ّنـ ِ القلب يف َع ِل ؟ ـك مهما تأ ُمري َ الــهــمــوم ل َيبتَلي ـي بـــأنـــوا ِع ُ عــلـ ّ أعــجــازا ونـــا َء ب َك ْلكَل ف وأر َد َ ً باح منك بأم َث ِل بص ْب ٍح ،وما اإلص ُ ْ ُ بـ ُكـ ّـل ُمــغـ ِ ِ الفتل ُشـــدَّ ت ب َي ْذ ُب ِل ـار بأمراس كَـــــــتّان إلى ُص ِّم َجندَ ِل ــر ٍد ق ـيــد األوابِ ِ ــنــج ِ ــــــد هيكل ْ بــم َ ُ كَج ِ صخ ٍر ح ّط ُه الس ْي ُل من ِ لمود ْ عل َ 30 ةّيبدألا ُصوصّنلا -رعِّشلا سلمى هري ُ بن أبي ُ قال ُز ُ ِ نفوسكم فال َت ْكت َُم َّن الـ ّلـ َه ما في ٍ ُيـ َّ كتاب َف ُيدَّ َخ ْر فيوضع في ـؤخـ ْـر ْ علمت ُْم وذ ْقت ُُم وما ُ الحرب إالّ ما ْ مــتــى تــبــعــثــوهــا تــبــعــثــوهــا ذمــيــمـ ًة وأعــلـ ِ ـم الــيــو ِم واألم ـ ِ ـس قب َل ُه ـم عـ ْلـ َ ُ ِ ب ُ رأيت المنايا خ ْب َط عشوا َء َم ْن تُص ْ ٍ صانع فــي أم ـ ٍ كثيرة ـور َو َمـــ ْن لــم ُي ْ المعروف من ِ ِ دون ِع ْر ِض ِه يجعل َو َم ْن َ ِ ٍ ْ َو َمــ ْن يـ ُ بفضله فيبخل فضل ـك ذا ومن ِ يوف ال ُي ْذ َم ْم ،ومن ُي ْهدَ قل ُب ُه َ َ ْ ـاب المنايا َينَ ْلنَ ُه ـاب أســبـ َ َو َمــ ْن هـ َ غير ِ المعروف في ِ ِ أهله يجعل َو َم ْن َ ِ ِ بسالح ِه حوضه َو َم ـ ْن لم ّيـ ُـذ ْد عن عدوا صدي َقه يغترب َو َم ْن يحسب ًّ ْ ْ ٍ ومهما تك ْن عندَ ا ْمـ ٍ خليقة ـرئ ِم ْن ٍ ِ ٍ صامت َ معجب لك وكائ ْن ترى ِم ْن لِ ُ ونصف فــؤا ُده نصف سان الفتى ٌ ٌ َّ وإن ســفــا َه ّ الش ِ ـم َبــعــدَ ُه يخ ال ُحـ ْلـ َ 31 لِ َي ْخفى ،ومهما ُي ْك َت ِم ال ّل ُه َي ْع َل ِم ِ عج ْل َف ُينْ َق ِم لِــيــو ِم الحساب أو ُي َّ ِ ومــا هو عنها بِ المرج ِم الحديث َّ تضر ِم ــر إذا ضـ َّـر ْيـ ُتــمــوهــا َف َ َوت ْ َــض َ ولكنّني عن عل ِم ما في ٍ غد عمي ْ ت ِ ُـم ْت ُه و َمــ ْن تُخطِ ْئ ُي َع َّمر فيهرم ــر ْس بــأنــيـ ٍ ـاب و ُيــوطـ ْـأ بمنس ِم ُي َ ــض َّ ِ ـم ُي ْشتم ــر ُه ومــن ال يـ َّتـ ِـق الـ َّـشـ ْتـ َ َيــف ْ ِ ـسـ َتـ ْغـ َن عنه و ُيـ ْـذم ـ ِم على قــومــه ُيـ ْ ِ مطمئ ِّن الــبِ ِّــر ال َيت َْجمج ِم إلــى وإن ي ــر َق أســبــاب الس ِ ماء بِ ُس َّل ِم َ ّ ْ َ ْ ـــمـــدُ ُه ذ ًّمـــا عــلــيـ ِـه ويــنــد ِم يــك ـ ْن َح ْ الناس ُيظل ِم ُيــهــدَّ ْم وم ـ ْن ال يظل ِم َ ُــر ِم ـســه ال يــك َّ َـــرم نــفـ َ ومـــن ال ُيـــك ِّ ِ ْ الناس ُت ْعل ِم وإن خا َلها تخفى على ـصــه فــي ال ـ ّتــك ـ ّل ـ ِم زيـــادتُـــه أو نــقـ ُ يبق إالّ صــور ُة ال ّلح ِم والــدّ ِم فلم َ ِ َّ السفاهة يحل ِم وإن ال َفتى بــعــدَ كتاب النصوص للصف احلادي عشر مل َه ْلهل يرثي أخاه ُك َل ْي ًبا قال ا ُ أهــــاج قــــذا َء الــع ـ ْيـ ِ كــــار َ ـن اال ّد ُ وصـــار الــلــيـ ُـل مشت َِمال علينا َ ِ ــــب ال ــج ـ ْـوزا َء حتى وبِ ُّ ـــت أراق ُ ـــب ُمـ ْقـ َلــتــي فــي إِ ْث ِ ــــر قــو ٍم ُأ َقـــ ِّل ُ ب ،فلم ت ِ د َع ْوت َ ُجبني ُك ،يا ُك َل ْي ُ ـب ،خــاك ذ ٌّم َأ ِجــبــنــي ،يــا ُكـ َلـ ْيـ ُ كنت تح ُلم عن رجـ ٍ ـال وإنــك َ ُ لقى فــا َت ـ ْب ـ َعــدْ فــكـ ٌّـل ســوف َي َ يــعــيـ ُ ـش الــمــر ُء عــنــدَ بــنــي أبيه كــأ ّنــي إ ْذ نعى الــنــاعــي كُلي ًبا انحدار ـوع لها هـــدو ًءا ،فــالــدّ مـ ُ ُ َ ّ ـار الــلــيــل كــــأن َ لــيــس لـــ ُه نــهـ ُ ِ ِ ِ ـدار تــقــار َب مــن أوائــلــهــا انــحـ ُ َ تــبــاي ـنَـ ِ ـت الــبــا ُد بــهــم فــغــاروا َ ِ فار؟ َ وكيف ُيجي ُبني الب َلدُ الق ُ ِ ـت بــفـ ِ ِ لقد ُفـ ِ ـــزار ـج ـ َعـ ْ ـارســهــا ن ُ ِ ـدار ـم ولـــك اق ــت ـ ُ وتــعــفــو عــنـ ُـهـ ُ َشــعــو ًبــا يــســتــديـ ُـر بــهــا الــمــدار ِ ُ بحيث صاروا يصير ويوش ُك أن َ ــي َّ الــشــرار تــطــا َي َــر بــيــن جــنْــ َب َّ 32 ةّيبدألا ُصوصّنلا -رعِّشلا ِّ ِ والعصرِ األموي اإلسالم عر يف عصرِ صد ِر ِّ الش ُ َ 1 َظـ ّـل ِّ المخضرميــن ا ّلتــي عاشــت الرســول ^ جاهل ًيــا فــي شــكله ،فشــعر طبقــة ُ الشــعر فــي عهــد ّ فــي الجاهليــة ،وأدركــت اإلســام ككعــب بــن زهيــر ،والحطيئــة ،ومعــن بــن أوس ،والنابغــة ـتمرار للمذهــب الجاهلــي ،ولــم يتأثــر شــعرها باإلســام إال فــي بعــض موضوعاتــه. الجعــدي اسـ ٌ وبعــد أن دانــت قريــش وســائر العــرب للدّ يــن الجديــد َقـ َّـل الهجــاء المقــذع والمــدح المبالــغ فيــه الرســول^ نهــى عــن ِّ الشــعر ا ّلــذي يثيــر األحقــاد والغــزل الصريــح والفخــر بالخمــر وبالثــأر؛ ألن ّ يشــج ُع علــى ارتــكاب الفاحشــة. والعصبيــات ،أو ّ وقــد انتهــج ُ الرســول^؛ فقــد روي أن الخليفــة عمــر بــن الخطــاب الراشــدون نهــج ّ الخلفــاء ّ رضــي ال ّلــه عنــه -حبــس ّللزبرقــان بــن بــدر ،ولمــا طلــب الشــاعر الحطيئــة حيــن أقــذع فــي هجائــه ّ منــه الحطيئــة العفــو؛ ألن َح ْب َســه حــال دون االهتمــام بــأوالده ،عفــا عنــهَ ،و َخ ّلــى ســبيل ُه علــى ّأل يهجــو أحــدً ا مــن المســلمين .يقــول الحطيئــة: مــا َذا تقول ِ أل ْفـــراخٍ بــذي َمـ َـرخٍ َ َغيب َت ك ِ َاس َب ُه ْم في َق ْع ِر ُم ْظ ِل َم ٍة َّ ْ األمين الذي ِمن بع ِد ص ِ أنت ِ اح ِبه َ ْ َْ َ ُ ُز ْغ ِ ِ شجر الحواصل ال ما ٌء وال ب ُ فا ْغ ِف ْر َع َل ْي َك سال ُم ال ّله يا ُع َم ُر أ ْل َق ْت إل ْي َك َم َقالِيدَ الن َُّهى ال َب َش ُر وكثــر الرثــاء للشــهداء ،والتمــدح باإلســام ،فظهــر فــن شــعري جديــد ،يسـ ّـمى البديعيــات ،وهــي رواد هــذا الفــن ّ حســان بــن ثابــت الرســول الكريــم^ .ومــن ّ الشــاعر ّ قصائــد نظمــت فــي مديــح ّ الرســول^ ،كان يمدحــه ،ويــر ّد عنــه هجــاء المشــركين ،مــن أمثــال :عبــد ال ّلــه بــن الملقــب بشــاعر ّ ِ الز َب ْعــري ،وأبــي ســفيان بــن الحــارث بــن عبــد الم ّطلــب ،وقــد كثــرت فــي شــعره التعابيــر اإلســامية واالقتبــاس مــن ال ُقــرآن الكريــم ،يقــول حســان بــن ثابــت فــي إحــدى بديعياتــه: ِ ِ ِ ـم ـــــرَ ،عــ َلــ ْي ــه ل ــلــنُّــ ُب ـ َّـوة َخ ــا َت ـ ٌ أ َغ ُّ ِ ِ ـوح ،و ُي ْش َهدُ م ـ َن ال َّله َم ْش ُهو ٌد َي ـ ُلـ ُ - )1راجــع عمــر فــروخ ،تاريــخ األدب العربــي :األدب القديــم مــن مطلــع الجاهليــة إلــى ســقوط الدولــة األمويــة ،ط ( ،4بيــروت :دار العلــم للمالييــن)1981 ، -راجع أحمد حسن الزيات ،تاريخ األدب العربي ،ط ( 8بيروت :دار المعرفة)2004 ، 33 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ِ اسمه النبي إلــى ـم ّ ـم اإلل ـ ُه اسـ َ وضـ َّ ِ ــــــق لــــ ُه ِ اســـمـــه لــيــجـ ّلـ ُه مــــن َو َش َّ ٍ ْـــر ٍة َــبــي أتَـــانَـــا َبــ ْع ــدَ َي ــــأس َو َفـــت َ ن ٌّ َفأمسى ِســراجــا مستَنيرا وهـ ِ ـاد ًيــا َ ً ُ ْ ً َ َ ْ َ وبـــشـــر جــن ـ ًة نـــــــارا، وأنــــذرنــــا َ ً الخ ْم ِ إذا َق َال في َ المؤ ِّذ ُن َأ ْش َهدُ س ُ ِ فذو العرش محمو ٌد ،وهذا ُم َح َّمدُ ِ ِ ُ واألوثان في الر ْس ِل، األرض تعبدُ م َن ُّ ِ الم َهنَّدُ الح ّ ـوح كما َ َي ـ ُلـ ُ الصق ُيل ُ وع ّلمنا اإلســــا َم ،فــال ـ َّل ـ َه نحمدُ كمــا اشــتهر كعــب بــن زهيــر بالميتــه «بانــت ســعاد» ا ّلتــي أعلــن فيهــا إســامه ،وطلــب فيهــا رضــا ـت فــي ِ أهلـ ِـه ح ّتــى اشــتراها الرســول^ وأهــدا ُه برد َت ـ ُه ،فمــا زا َلـ ْ الرســول^ وعفــوه ،فعفــا عنــه ّ ّ ِ ـع الخالفــة إلــى َبنــي ُعثمـ َ ـان. ُمعاويـ ُة منهــم ،وتوار َثهــا الخلفــاء ُاألمو ّيــون فالع ّباسـ ّيون ح ّتــى آ َلـ ْ ـت مـ َ يقــول كعــب بــن زهيــر: ُــل َخ ٍ قـــال ك ُّ َو َ ـت آ ُمـ ُلـ ُه ليل ُك ـنْـ ُ َف ُق ْل ُت َخ ّلوا َسبِ ِيلي َل َأ َبا َلك ُُم ك ُُّل ا ْب ِن ُأ ْن َثى َوإِ ْن َطا َل ْت َس َل َم ُت ُه ُأنْبِ ْئ ُت َأ َّن َر ُسـ َ ـول ال َل ِه َأ ْوعَدَ نِي اك ا َّل ِذي َأ ْع َط َ َم ْه ًل َهدَ َ اك نَافِ َل َة ا ْلـ َل ت ََأ ُخ َذنّي بِ َأ ْق َو ِ ال ا ْل ُو َش ِاة َو َل ْم ال ُأ ِ نك َم ْش ُغ ُ له َين ََّك إِ ّنــي َع َ ول الر ْح َم ُن َم ْف ُع ُ ول َفك ُُّل َما َقــدَّ َر َ َي ْو ًما َع َلى آ َلـ ٍـة َحدْ َبا َء َم ْح ُم ُ ول َوال َع ُف ُو ِعنْدَ رس ِ ول ال َل ِه َم ْأ ُم ُ ول َ ُ آن فِيها مو ِ ُق ــر ِ اع ٌ يظ َو َت ْف ِص ُيل َ ََ ْ ِ وإن َك ُث َر ْت فِ ّي ْالَ َق ِ ـب ْ او ُيل ُأ ْذنـ ْ الش ِ ِ ُ أغــراض ِّ ســول^ الر بعــض عــادت األمــوي فقــد أ ّمــا فــي العصــر ْ ُ ّ ــعر ا ّلتــي نهــى عنهــا ّ ٍ ِ فينقــض معانيهــا عليــه، قصيــدة لخصــ ٍم لــه شــاعر علــى وهــي قصيــد ٌة «يــر ُّد بهــا كالنقائــض-ُ ٌ َ خصمـ ِـه هجــاء ،وينســب الفخــر الصحيــح إلــى ِ ِ نفسـ ِـه هـ َـو .وتكـ ُ ـون النقيضـ ُة عــاد ًة مـ ْن ـب َف ْخـ َـر َ َ ّ ُ يقلـ ُ ً ِ ـت هـ ِ بحـ ِـر قصيـ ِ السياس ـ ّي ِة بي ـ َن ـدة الخص ـ ِم ،وعلــى َرو ّيهــا» ،وقــد ارتبطـ ْ ـذه النقائـ ُ ـض ّ َ ْ بالصراعــات ّ ـان هـ ِ ـت وقــود العصبيـ ِ ِ األحـ ِ ـات ،ولسـ َ األحزاب، ـذه المتنازعـ ِـة علــى الخالفـ ِـة و ُمناصريهــا ،فكانـ ْ ّ َ ـزاب ُ ـجاعة والوفـ ِ ِ ِ ـاء بالعهـ ِـد ،واالنتصـ ِ وبفضائلهــم ،كالكــر ِم ّ يفتخـ ُـر ّ ـار والشـ ـاعر فيهــا بنفسـ ِـه وبقومـ ِـه الشـ ُ ـن ِ ـروب ا ّلتــي خاضوهــا ،والدّ فــا ِع عـ ِ العـ ْـر ِ ـب ع ـ ْن مثالـ ِ فــي الحـ ِ ـب خصمـ ِـه وقومـ ِـه م ـ ْن ـم ين ّقـ ُ ضُ ،ثـ َّ ـهر شـ ِ ـي و ُطغيـ ٍ ـان ،ومـ ْن أشـ ِ وج ْبـ ٍ ُب ْخـ ٍ ـعراء هــذا الفـ ِّن جريـ ٌـر ،واألخطـ ُـل ،والفـ ُ ـن وفسـ ٍـق و َب ْغـ ٍ ـرزدق، ـل ُ 34 ةّيبدألا ُصوصّنلا -رعِّشلا وقــد وقــف كل مــن األخطــل والفــرزدق وغيرهــم ضــد جريــر لكــن جريــر تمكــن مــن التصــدي لهــم وإكمــام أفــواه بعضهــم. ٍ جرير وفي والده عطية البائس الهاجع في حظائر األغنام ،كما يصفه: يقول الفرزدق في الز ُر ِ وب ل َق ْو ِم ِه: قال اب ُن َصانِ َع ِة ُّ ووجدْ َت َقوم َك َف َّق ُأوا من ِ لؤم ِه ْم َ َ ْ َ ِ الؤه ُمَ ،فما مألوا َبها َص ُغ َر ْت د ُ َو َح ِس ْب َت َب َح َر بني ُك َل ٍ يب ُم ْص ِد ًرا في َح ْو َم ٍة َغ َم َر ْت َ ورها أباك ُب ْح ُ إنــي َو َجـــدْ ُت أبــي َبنى لي َب ْي َت ُه ِ ب وأبي اب ُن َص ْع َص َع َة بن َل ْيلى غال ٌ تـــرى َعــطِ ـ ّيـ َة َض ِ ــار ًبــا بِ ِفن َِائ ِه َو َ ِ ِ ــــي األ ْع ــا ِم أستَط ُ يع َر َواس َ ال ْ َع ْينَ ْي َكِ ،عنْدَ َم ـ َكـ ِ ـار ِم األ َق ـ َـوا ِم َح ْو ًضا ،وال َش ِهدوا ِع َر َ اك ِز َحا ِم ف َغ ِر ْق َت ِحي َن و َق ْع َت في ال َق ْمقا ِم في الج ِ اهل ّي ِة ك َ واإلســا ِم َــان، َ ْ ِ ِ الحكّا ِم ؤســاء َو ُ في َد ْو َحـــة الـ ّـر َ الم ُل َ وكَ ،و َر ْه ُط ُه أ ْعمامي َغ َل َ ب ُ ـن بــيـن ح ـ َظـ ِ ـائـ ِـر األ ْغ ـنَــا ِم ِر ْب ـ َقــيـ ِ َ َ َ ناقضا قصيدة الفرزدق بأخرى: فير ّد جرير ً ٍ ُ مالك الفرزدق ســوء ًة في خلق َ َم ْه ًل َف ـ َـر ْز َد ُق! ّ فيهم إن َق ْو َم َك ُ ُ كـ َ َ محر ًما أبيك العنان على ـان ّ ان مج ِ ِ اش ًعا َع ْمدً ا ُأ َعـ ِّـر ُ اله َو ُ َ ف بِ َ ما ِز ْل َت تَسعى في َخبالِ َك ِ ساد ًرا ْ َ ِ ولخلف ضـ ّبـ َة كــان شـ َّـر غــا ِم ِ القلوب وخـ ّفـ ُة األحــا ِم ـور خـ ُ ِ َ غير حــرا ِم والكير كــان عليه َ ُ َّ ـي غــيـ ُـر كـــرا ِم إن الــلــئــا َم عــلـ َّ َحتى ال َت َب ْس َت بِ ُع ّرتي َو ُع َرامي ِ ِ ِ ِ ِ ُ أن ُه ِّ األمــوي بعــدَ ْ صــدر عصــر ــذ َب فــي العصــر الغــزل فــي ازدهــر ّقائــض، باإلضافــة إلــى الن ِّ َ كان تشــبي ًبا بالدّ يــار ،و ُبــكاء علــى األطـ ِ أن َ األو ِل ،وبعــدَ ْ ـح فنًّــا مســتق ً ال بذاتـ ِـه، ـال ،أصبـ َ اإلســا ِم ّ ً الشـ ِ ـع الجديــدُ فــي نفـ ِ ـعراء .فبعــدَ ْ ـوس ّ أن تحضـ ّـر ْت ـب ا ّلتــي ســك َبها المجتمـ ُ الحـ ِّ ـاعر ُ ُيصـ ّـو ُر مشـ َ ـرف نتيجـ ِـة ال ُفتوحـ ِ وغر َقتــا فــي البـ ْـذخِ وال ّتـ ِ َم ّكـ ُة والمدينـ ُةِ ، ـات اإلســام ّي ِة ،وجلـ ِ األجنبي، الرقيـ ِـق َ ِّ ـب ّ وتعليمـ ِـه الغنــا َء والموســيقى ،رقيــت األذواقَ ،فـ َ ور َّق. ـان ال َغـ َـز ُلَ ، 35 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ـح .وال َغـ َـز ُل العــذري نِســب ًة ِإِلــى رائـ ِ ـل بـ ِ ـده جميـ ِ ـذري ،و َغـ َـز ٍل صريـ ٍ ـن ُ ـم ال َغـ َـز ُل إلــىَ :غـ َـز ٍل ُعـ ٍّ ُّ ْ وانقسـ َ ِ رواده :قيــس بــن الملــوح نقــي ،مــن عفيــف وهــو َغ َــز ٌل َمعمــر ال ُعــذري (مجنــون بثينــة)، ٌ َ طاهــر ٌّ ٌ عــزة) ،وذو الرمــة (مجنــون ليلــى) ،وقيــس بــن ذريــح (مجنــون لبنــى) ،و ُك َث ّيــر عــزة (مجنــون ّ (مجنــون م ّيــة) ،وعــروة بــن حــزام (مجنــون عفــراء) ،وتوبــة بــن الحم ّيــر (مجنــون ليلــى األخيليــة). فالشــاعر العــذري يقصــر حبــه وشــعره علــى معشــوقة واحــدة ،يــرى فيهــا ســعادته وشــقاءه ،ال ينــي وح ّبـ ُه ا ّلــذي ال يتغيــر مــع مــرور الزمــن .يقــول تضر ًعــا يصـ ّـو ُر فيهــا َك َل َفـ ُه و َعذابـ ُه ُ يتغنــى بهــا ُمتذ ّلـ ًـا ُم ّ جميــل فــي بثينــة: ال تحسبي أنــي هــجــر ُتـ ِ ـك طائ ًعا ْ ـح ـات، ولتبكينّي الــبــاكــيـ ُ وإن َأ ُب ـ ْ ِ عشت -الفؤا ُد ،فإن أ ُم ْت يهواك -ما ُ ِ ِ لناظر وعــــدت، إلــيــك ،بما إنــي ٌ ِ َحــدَ ٌ ـع َأ ْن تُهجري ثَ ،ل َع ْم ُرك ،رائـ ٌ بــســر ِك ُمــعــلـنًــا ،لــم ُأ َ عـــذر يــو ًمــا، ِّ ِ صـــداك بين األقــبـ ِـر صـــداي يتبع َ ْ ِ ِ المكثر ـي نــظـ َـر الفقير إلــى الــغــنـ ِّ ويقول قيس بن ذريح في لبنى: وإنّي ألهوى الن َّْو َم في َغ ْي ِر ِحينِ ِه ُــم ت َ ُحدِّ ُثني األحـــا ُم أ ِّنــي أراك ُ َّ هوى وأن فــؤادي ال يلين إلــى ً َل ـ َعـ َّـل لِ ـ َقــا ًء فــي الـ َـم ـنَــا ِم َيـ ُكـ ُ ـون أحـــ َ ا َم الـ َـمـنَــا ِم َي ِقي ُن فيا َلـ ْيـ َ ـت ْ ِ ســواكْ ، وإن قالوا َبلى سيلي ُن ومــن رواد الغـ ِ الصريـ ِ ـي ،وال ـزل ّ ـي) عمــر بــن أبــي ربيعــة ،واألحــوص ،والعرجـ ّ ـي الحسـ ِّ ـح (اإلباحـ ِّ يلتــزم فيــه ّ الشــاعر بحــب امــرأة واحــدة ،بــل يتّبــع الجمــال أينمــا كان ،فيتغــزل بأكثــر مــن امــرأة، ويصــف مفاتنهــا ومغامراتــه معهــا ،وقــد يصــف مجموعــة مــن النســاء .وقــد ُر ِوي أن عمــر بــن ربيعــة للحــواج ،فيشــبب بالحرائــر الجميــات ،ويصفهــن طائفــات محرمــات ،فزهــدت كان يتعــرض ّ (دهلــك) األســر فــي أداء الفريضــة خشــية منــه ،ممــا جعــل الخليفــة عمــر بــن عبــد العزيــز ينفيــه إلــى ْ إحــدى جــزر البحــر األحمــر بيــن بــاد اليمــن والحبشــة ،ولــم يعــد إال بعــد أن أقســم أن يتــوب. يقــول فــي إحــدى قصائــده: 36 ةّيبدألا ُصوصّنلا -رعِّشلا يقصدُ النّاس لل ّط ِ واف احتسا ًبا ُ وذنوبي مجموع ٌة في ال ّط ِ واف وفي قصيدة اشتُهرت له يصور انشغال ثالث أخوات به ،فيقول: بصرنَني َأ َ َبينَما َيــذ ُكــر َنــنــي قــا َلـ ِ ـت الكُبرى َأ َتــعـ ِـرفـ َن ال َفتى ِ الصغرى َو َقد تَـــــــ َّيمتُها قا َلت ُ َ ِ الم ِ يل َيعدو بي األَ َغر دون َقيد َ ِ الوسطى َن َعم َهــذا ُع َمر قا َلت ُ َقد َع َرفنا ُهَ ،و َهــل َيخفى ال َق َمر قصصا يبتكرها ،فتغلب لغة الحوار القصصي على قصائده. فهو ُيجري على لسان محبوباته ً 37 كتاب النصوص للصف احلادي عشر الر ِ ميمي يب ال َّت قال ُ ُّ بن َّ مالك ُ ـت ِش ـ ْعــري َه ْ ــل َأب ـ ْي ـ َت ـ َّن َل ْي َل ًة َأال َل ـ ْيـ َ ْب َع ْر َض ُه الرك ُ َف َل ْي َت ال َغضى َل ْم َي ْق َط ِع َّ َل َقدْ َ في َأ ْه ِل ال َغضى َل ْو َدنا ال َغضى كان ْ الهدى ـم َتـ َـرنــي بِـ ْعـ ُ ـت َّ الضال َل َة بِ ُ َأ َل ـ ْ ُ راسان ها َمتي َل َع ْمري َل ِئ ْن غا َل ْت ُخ َ ـج ِمـ ْن با َبي ُخ راسان ال َأ ُعــدْ َفــإِ ْن َأ ْنـ ُ َتـ َـذ َّكـ ْـر ُت َم ـ ْن َي ْبكي َع َل َّي َف َل ْم َأ ِجــدْ ِ ــــر ٍو َمن َّيتي ــمــا تَـــــرا َء ْت عــنْــدَ َم ْ َو َل ّ َأ ُق ُ ِ ـي ْار َف ـ ُعـ ْـونــي َفإِنَّني ـــول لَ ْصــحــابـ ْ ِ وت فان ِْزال الم ُ َفيا صاح َب ْي َر ْحلي َدنا َ ـض َلي َل ٍة ـي ال ـ َيــو َم َأ ْو َب ـ ْعـ َ َأق ْيما َع ـ َلـ َّ اس ـ ُتـ َّـل ُروح ــي َف َه ِّيئا َوقــومــا إِذا مــا ْ و ُخـ ّطــا بِـ َـأ ْطـ ِ ـراف األَ ِس ـنَّـ ِـة َم ْض َجعي َ بـــار َك ال ـ ّل ـ ُه فيكُما َوال َتـ ْ ـســدانــي َ ـحـ ُ ــردي إِ َل ْيكُما ُخــذانــي َفـ ُ ـجـ ّـرانــي بِــ ُب ْ ِ َيـ ُقــو ُلـ َ ـم َيدْ فِن ُْونَني ـون ال ُت ْبعدْ َو ُه ـ ْ ِ ـــت َفـ َبـ ِّلـ َغـ ْن ـــر ْض َ َفــيــا راكــ ًبــا إِ ّمـــا َع َ َو َب ِّل ْغ َأخــي ِع ْم َ ران ُبـ ْـردي َو ِم ْئ َزري ـم َعلى َش ْي َخ َّي ِمنّي ِك َل ِيهما َو َس ـ ِّلـ ْ َو َعـ ِّطـ ْـل َق ُلوصي في الـ ِّـركـ ِ ـاب َفإِنَّها ِ بِ َجن ِ الص النَّواجيا ْب ال َغضى ُأ ْزجي الق َ كاب َلياليا الر َ َو َل ْي َت ال َغضى ماشى ِّ ِ ـس دانيا ــــزار َو َلــكــ َّن الـ َغــضــى َلــيـ َ َم ٌ في َج ْي ِ ش ا ْب ِن َع ّف َ ان غازيا َو َأ ْص َب ْح ُت ْ َل َقدْ ُكن ُْت َع ـ ْن با َبي ُخــراسـ َ ـان نائيا إِ َل ـ ْيــهــاَ ،وإِ ْن َمنَّيت ُُموني األَمــانــيــا ِ ِ يني باكيا الر َد ِّ والر ْم ِح ُّ السيف ُّ سوى َّ ِ َو َح َّ ـت َوفاتيا مي َوحــا َنـ ْ ــل بِها ج ْس ْ ِ ــهــ ْي ٌــل َبـــدا ليا ــر بِـ َع ـ ْيــنــي َأ ْن ُس َ َيــق ُّ بِــــرابــــي ٍ ـــقـــيـــم َلــيــالــيــا ــــة إِنّــــــي ُم َ ٌ َوال ُت ـ ْعـ ِ ـجــانــي َقـــدْ تَــ َبــ َّيــ َن مابيا ـي الـ َقـ ْبـ َـر واألَ ْك ــف ـ َ ــم ا ْبكيا ليا ـان ُث َّ لـ َ ــض َ ــل ِردائــيــا ـي َف ْ َو ُر ّدا َعــلــى َعــي ـنَـ َّ ض َأ ْن ت ِ ض ِ ذات ال َع ْر ِ ِم َن األَ ْر ِ ُوسعا ليا َف َقدْ ُكن ُْت َق ْب َل الـ َيــو ِم َص ْع ًبا قياديا ُ ــكــان ال ـ ُب ـ ْعـ ِـد إِ ّل َمكانيا َو َأ ْيـــــ َن َم بني مــالِـ ٍ والــر ِ يــبَ :أ ْن ال تَالقيا ـك َ َّ َو َبــ ِّل ْ ـوز ال ـ َيــو ِم َأ ْن ال تَدانيا ـجـ َ ــغ َعـ ُ َو َبــ ِّل ْ ــغ َكــثــيـ ًـرا وا ْبـــ َن َعـ ّـمــي َوخاليا َس ـ ُت ـ ْفـ ِـلـ ُـق َأكْـــبـــا ًدا َو ُت ـ ْبــكــي َبــواكــيــا 38 ةّيبدألا ُصوصّنلا -رعِّشلا مينة الد ْ قال عبدال ّله بن ُ أالياصبانجدمتىهجتمننجد؟ لقد زادني مسراك وجدا على وجد بكيت كما يبكي الوليد ولم َأ َز ْل جليدً ا،وأبديتالذيلمتكنتبدي ّ بكل تداوينا ،فلم يشف ما بنا على ّ أن قرب الدار خير من البعد َأإِ ْن هتفت ورقاء في رونق الضحى ّ وقد زعموا ّ دنايمل، المحب إذا أن ّ على ّ أن قرب الــدار ليس بنافع 39 غض النبات من الرند على فنن ّ ّ وأن الــنــأي يشفي مــن الوجد إذا كان من تهواه ليس بذي و ّد كتاب النصوص للصف احلادي عشر قال ُك َث ّير ع ّزة ُنت أدري َ عز َة ما ال ُبكا وما ك ُ قبل ّ القلب حتى تو َّل ِ وال ِ ِ ت عات موج ُ َ ـت وح َّل ِ ِ ٍ ت ـأو َفـ ْ نــذرا فـ ْ كــنــاذ َرة ً إذا و ِّطن َْت -يوما -لها النفس َذ َّل ِ ت ُ ُ ً منالصملوتمشيبهاالعصمز َّل ِ ت ُ ْ ُ ُّ ِّ فضن ِ إلـــي ،وأمـــا بــالــنـ ِ َّت ـوال َ ّ ّ لــديــنــا ،وال مــقـ ِـلـيـ ٌة إن ت َق َّل ِ ت َ ّ نعل عـ ّـز َة ز َّل ِ شام ٍ وال ِ ت إن ُ ت بــعــز َة بعدما وإنّـــي و َتــهــيــامــي ّ ِ الغمامة ،ك َّلما َالمرتَجي ظِ َّل َلك ُ ـت مــمــا بيننا وتخ ّل ِ تـ َ ت ـخ ـ َّل ـ ْيـ ُ ّ اضمح َّل ِ ت تــبـ ّـو َأ منها للمقيل ْ َ َ ف ُق ْل :نفس حر س ّلي ْت فتس َّل ِ ت ُ ُ ٍّ ُ َ َ الحب بيني وب ْينَها وكانت ل َق ْط ِع ِّ لت لها :يا َعـ ُّـزُ ،كـ ُّـل ُمصي َب ٍة ف ُق ُ أعرض ْت صخر ًة حين كَأنِّي ُأنادي َ َ فما أن َْص َف ْت ،أ َّما النسا ُء ف َب َّغ َض ْت أح ِسني ،ال ملوم ٌة أسيئي بنا أو ْ لعز َة بالجوى فما أنا بالدّ اعي ّ ِ الواشون ّ َ أن َصبابتي يحسب فال ِ ـم ال ـ ّلـ ِـه مــا حـ ّـل قب َلها فــوالـ ّلــه ثـ ّ فإن َ َ ْ هجرتَها؟ سأل فيم ْ الواشونَ : بــعــز َة كــانــت غــمــر ًة فتج َّل ِ ت ّ َ ْ َ وال بعدَ ها من ُخ ّل ٍة حيث ح َّل ِ ت 40 ةّيبدألا ُصوصّنلا -رعِّشلا ِّ الشعر يف العصرِ العباسي ّ يبــدأ العصــر العباســي بســقوط الدولــة األمويــة فــي الشــام ســنة 132هـــ 749/م ،وقيــام دولــة بنــي العبــاس فــي الكوفــة (العــراق) ،وينتهــي سياسـ ًيا بســقوط بغــداد فــي يــد (هوالكــو) التتــري ســنة 656 هـ 1258/م. 1 ويعــد عصــر الدولــة العباســية عصــر اإلســام الذهبــي ا ّلــذي بلغــت فيــه الدولــة اإلســامية أوج ازدهارهــا الفكــري ،فنُقلــت العلــوم األجنبيــة ،وتنوعــت اآلداب العربيــة وتطــورت .وخال ًفــا للدولــة األمويــة ا ّلتــي كانــت عربيــة خالصــة متعصبــة للعــرب لغـ ًة وأد ًبــا ،قاعدتهــا دمشــق علــى حــدود باديــة العــرب ،اصطبغــت الدولــة العباســية بصبغــة فارســية؛ ألن ال ُفـ ْـر َس ُهــم الذيــن أيدوهــا ،فجعلــت قاعدتهــا بغــداد أقــرب األمصــار إلــى بالدهــم .فتأثــر العــرب بعــادات الفــرس وتقاليدهــم ولغتهــم، وتمازجــوا معهــم بالتــزاوج والتناســل ،وأشــرك الخلفــاء الموالــي (المســلمين مــن غيــر العــرب) س وأتــراك وســريان وروم وبربــر فضعفــت العصبيــة ،وتعــددت ِ فــي سياســة الدولــة مــن ُفـ ْـر ٍ الفـ َـر ُق، وتكاثــر الجــواري والغلمــان ،والتأنــق فــي الطعــام واللبــاس ،والتنافــس فــي البنــاء والتشــييد ،كل هــذا كان لــه أثــر ب ّيــن فــي اللغــة العربيــة وآدابهــا. وكثــر التّعـ ّـرب (التش ـ ّبه بالعــرب) بيــن الموالــي ،وبلــغ مــن إعجابهــم بالعــرب أنهــم كانــوا يلفقــون ألنفســهم أنســا ًبا عربيــة ،فأبــو تمــام الرومــي أصبــح حبيــب بــن أوس بــن الحــارث بــن قيــس... وأصبــح الشــعراء المســلمون مــن الفــرس والتــرك والــروم ينظمــون الشــعر بالعربيــة وفــي المقابــل تطبــع العــرب بطبــاع غيــر عربيــة فانغمســوا فــي التــرف والبــذخ ومســاوئ المدنيــة كال ّلهــو .كمــا كان أيضــا مــن اســتبحار فــي العلــم واتســاع للعمــران وانفتــاح علــى ثقافــات أخــرى. للمدنيــة محاســن ً ونتيجــة اتســاع رقعــة الخالفــة الجغرافيــة واالحتــكاك بثقافــات أخــرى ُع ّربــت الكثيــر مــن الكلمــات األجنبيــة التــي لــم يجــد العــرب لهــا فــي لغتهــم ألفا ًظــا تؤديهــا فأصبحــت «أنــذزاه» الفارســية «هندســة» و «كليمــا» اليونانيــة «إقليــم» وأوجــدت ألفــاظ عربيــة لكلمــات نحــو «أباذميــا» و «اســطقس» و»أســطرونوميا» هــي «الوبــاء ،والعنصــر ،والهيئــة أو الفلــك» .وبقيــت الكثيــر مــن - )1راجع أحمد حسن الزيات ،تاريخ األدب العربي ،ط ( 8بيروت :دار المعرفة)2004 ، راجــع عمــر فــروخ ،تاريــخ األدب العربــي :العصــور العباســية حتــى القــرن الرابــع هجــري ،ط ( 4بيــروت) ،دار العلــم للمالييــن،()1981 41 كتاب النصوص للصف احلادي عشر الكلمــات علــى لفظهــا األجنبــي مثــل «قانــون» و «اســترالب» و «كاغــد» و «جغرافية» و «موســيقى»، وتســمى ألفا ًظــا دخيلــة ألن العجمــة ظلــت ظاهــرة عليهــا. شــعرا ُم َو َّلــدً ا ألن أكثــر الشــعراء مو ّلديــن (مــن َأ َب َو ْيــن أحدهمــا عربــي وســمي الشــعر العباســي ً ّ ـعرا واآلخــر غيــر عربــي) وألن الشــعر لــم يكــن عرب ًيــا ً خالصــا فــي معانيــه وأســلوبه كمــا سـ ّـمي شـ ً ُم ْحدَ ًثــا ألن الشــعراء كانــوا ُجــد ًدا أو متأخريــن. وغرضــا ووزنًــا .فعلــى مســتوى المبنــى، تأثــر الشــعر بالحيــاة الحضريــة الجديــدة مبنًــى ومعنًــى ً ُه ِجــرت الكلمــات الغريبــة فأصبحــت التراكيــب واضحــة ســهلة ،وكثــر اســتخدام البديــع و ُتــرك االبتــداء بذكــر األطــال إلــى وصــف القصــور والريــاض والخمــور والغــزل واإلغــراق فــي المــدح والهجــاء .يقــول البحتــري واص ًفــا قصــر الخليفــة المتــوكل: ّ بجوه وكـــأن حيطان الــزجــاج ّ فت ََرى ال ُع ُي َ ون َي ُجل َن في ذي َر ْون ٍَق لبست من الذهب الصقيل سقو ُف ُه جج يمجن على جنوب سواحل ُل ٌ ِ ُم َت َل ِّه ِ السافِ ِل ب ال َعالي أنــيـ ِـق ّ نورا يضيء على الظالم الحافل ً أ ّمــا علــى مســتوى المعنــى ،فقــد تولــدت المعانــي الحضريــة ،واقتبســت األفــكار الفلســفية؛ إذ أ ْك َثــر الم َو َّلديــن ،وهــذا يع ّلــل وفــرة المعانــي الجديــدة فــي شــعر بشــار بــن بــرد وأبي شــعراء هــذا العصــر مــن ُ نــواس وأبــي العتاهيــة وابــن الرومــي .وكان لنقــل العــرب علــوم اليونــان وغيرهــم تأثيــر فــي شــعر أبــي تمــام والمتنبــي وأبــي العــاء المعــري وغيرهــم بمــا دخلــه مــن آراء علميــة وأفــكار فلســفية وسياســية. أ ّمــا أغــراض ِّ الشــعر فقــد بقيــت ،واســتمرت؛ فالفخــر والمديــح والغــزل والرثــاء والحكمــة ـراض قديم ـ ٌة منــذ العصــر الجاهلــي ،إال أن الفخــر القبلــي القديــم تضــاءل، والوصــف والزهــد أغـ ٌ َو َح َّ ــل محلــه الفخــر بالنفــس. يقول أبو الطيب المتنبي: شرفوا بي شر ُ فت ْبل َ ال بقومي َ وبهم َف ْخ ُر ّ الضا كل َمـ ْن َن َط َق ّ ْ وبنفسي فـ َ ـخـ ْـر ُت ال بجدودي ث ال ّط ِ َد َو َع ْو ُذ الجاني َو َغ ْو ُ ريد 42 ةّيبدألا ُصوصّنلا -رعِّشلا جب َع ٍ ْ جيب عج ًبا ف ُع ُ إن أ ُك ْن ُم َ أنَا تِـ ْـر ُب النّدَ ى َو َر ُّب ال َق َوافي ٍ َــهــا ال ّلــ ُه َــدارك َ أنَـــا فــي ُأ ّمــــة ت َ ــوق َن ْف ِس ِه من م ِ ـم َيجدْ َف َ زيد َ لـ ْ يظ الح ِ ِ ِ سود َوس َما ُم العدَ ى و َغ ُ َ ــح فــي َثــمـ ِ كــصــالِ ٍ ـود ـب َ َغ ــري ـ ٌ كمــا انتشــرت فــي المديــح معانــي الشــجاعة والكــرم وشــرف األصــل ،وأضيفــت إليــه المقــدرة فــي لعــب الشــطرنج مثـ ًـا ،كمــا نــرى ذلــك عنــد ابــن الرومــي عندمــا يخاطــب صاحبــه أبــا القاســم ـوزي الشــطرنجي الــذي نبــغ فــي لعــب الشــطرنج: التـ ّ َو َأ َرى َأ َّن ُر ْق ـ َع ـ َة ْالَ َد ِم ْالَحـْـ ِ ب بِ ِّ الشطـْـ َّاس َل ْس َت َت ْل َع َ َغل َط الن ُ جديها َو َغــ ْي ُــر َك َم ـ ْن َيلـْـ ـت َأ ْن ـ َ َ َل َك َمك ٌْر َي ِد ُّب فِي ا ْل َق ْو ِم َأ ْخ َفى َأ ْو َدبِ ِ يب ا ْل َ مل ِل فِي ُم ْست ََه ِاميــ ـــدم ِ ِ َم ِ ـــاء ـــر َأ ْر ٌض َع ـ َل ـ ْلــتـ َـهــا بِ َ ـس ال ُّلعب ِ ـج َلـ ِ ـك ـ ْن َبـ َـأ ْن ـ َفـ ِ ــ َـر ْنـ ِ اء ََ ـال َغـيــر النِّس ِ اء َعـ ُ ـب إِ َّن الـ ِّـر َجـ َ ْ َ َ يب ا ْل ِغ َذ ِاء فِي ْالَعض ِ ِم ْن َدبِ ِ اء ْ َ ــة ِمـــن ا ْل ـب ـ ْغــضـ ِ َن إِ َلـــى َغــاي ٍ ـاء َ َ َ َ ّ ورق االعتــذار ،واتّســع فيــه العتــاب الرقيــق الــذي نــراه عنــد البحتــرى فــي عتابــه للوزيــر الفتــح بــن خاقــان: َفــدَ يــنـ َ ِ أي َخ ـ ْطـ ٍ ـب َع َــرا ـاك مــن ّ ْ ـــك َقــد َح َ وإن ك َ ْ َــان َرأ ُي َ في ــال ّ بــأن قــدْ س ِ َــــذ ُب َظ ـنّــي ْ ُأك ّ خ ْطـ َ ِ ـم أ ُكـ ْن َو َل ْ ــو لم ت ُك ْن ساخ ًطا لـ ْ َــائــب ٍ ِ َـــت ْ أن َتـنُــو َبــا ــة ْأو َشـــك ْ َون َ ــش ِ َفـ َلـ ّقــيـ َتــنــي َبــعــدَ بِ ْ ــر ُقـ ُطــوبــا أعهدُ َظنّي ك َُذوبا َتَ ،و َما ُ كنت َ أ ُذ ُّم الـ ّـزمـ َ ـان ،وأشكُو ُ الخ ُطوبا وكثــر الزهــد والحكمــة ،وأصبحــا فنّيــن يعالجهمــا مجموعــة مــن ّ الشــعراء فــي قصائــد أو ُم َق ّطعــات. يقــول أبــو العتاهيــة: ـي ا َّلــذي ُهـ َـو َم ِّي ٌت يا َأ ُّيــهــا الـ َ ـحـ ُّ 43 المنى َأفن ُ مر َك بِال َت َع ُّل ِل َو ُ َيت ُع َ كتاب النصوص للصف احلادي عشر شيب َف َقد ك َ داؤ ُه َساك ِر ُ الم ُ َأ ّمــا َ ــواك إِذا َد َ ف َه َ عــاك لِ َري َب ٍة خالِ ْ َع َلم المحج ِة بين لِم ِ ريد ِه َو َأرى ُ َ َ َّ َ ِّ ٌ ُ بت لِهالِ ٍك َونجا ُت ُه َو َلـ َقــد َع ِج ُ َواِبت ََّز َعن َك َّف َ الصبا ـواب ِّ يك َأثـ َ ِ الهوى َف َل ُر َّب َخ ٍير في ُمخا َل َفة َ الم َح َّج ِة في َعمى ال ُق َ لوب َع ِن َ بت لِ َمن نَجا َموجو َد ٌة َو َل َقد َع ِج ُ وأصبــح ال َّطـ ْـر ُد (وصــف الصيــد) با ًبــا مسـ ً ـتقل بذاتــه ،ولــم يقتصــر علــى الصيــد فقــط ،بــل تنــاول كل مــا يتعلــق بالحيــوان ،ح ّتــى وصــف «قتــال ِ الد َيكــة» ،يقــول أبــو نــواس واص ًفــا كلــب صيــد لــه اســمه (سرياح): رق في ذي عـ ِ ـار ٍ ما ال َب ُ ض َل ّم ِ اح َوال اِنــبِ ــتــات الــدلــو بالمتّاح ُ ـــة ِ حــيـن دن ــا ِمــن راح ِ الم ِ شاح َ َ َ ـــل ِ ِ ـــم ِ الـــم ِ ـــراح َيـــكـــا ُد ع ــن ــدَ َث َ إِذا َســمــا الــخـ ِ ـايـ ُـل لِ ـ َ أشــبـ ِ ـاح ضاض الكَوك ِ ِ تضاح الم َوال اِ ِنق ُ َب ُ الحو َأ ِ الم ِ نداح وال انسياب َ ُ ب ُ ـســر َعـ ِـة ِمــن ِس ِ رياح َأ َجـــدُّ في الـ ُ ـج ـ ِّـو بِـــا ِجــنـ ِ ـاح َيــطــيـ ُـر فــي ال ـ َ ـل َشــبــا ِ َيــف ـ َتـ ُّـر َعــن ِمــثـ ِ الــر ِ مــاح وأ ّمــا علــى مســتوى الــوزن ،فقــد ابتدعــت أوزان أخــرى ،كالمســتطيل والممتــد ،وهمــا عكــس ّ المق ّطعــات (أبيــات الطويــل والمديــد، والموشــح ّ والزجــل ،والدوبيــت والمواليــا ،ونُظمــت ُ معــدودة فــي أغــراض محــدودة). ولمــا انفــرط عقــد الخالفــة ،وكثــرت الدويــات العربيــة وغيــر العربيــة ،باســتقالل الــوالة فــي فــارس والشــام ومصــر والمغــرب ،وجــد ِّ ـارا، ـكارا وانتشـ ً الشــعر فــي غيــر بغــداد تشــجي ًعا ،فــازداد ابتـ ً فاألمــراء مثــل الخلفــاء ُي َق ِّربــون ّ الشــعراء ،ويعضدونهــم. ومــا إن انتهــى القــرن الخامــس للهجــرة حتّــى ذهــب جمــال الشــعر ،وفقــد تأثيــره فــي النفــوس لذهــاب المعضديــن لــه مــن البويهييــن والســاجقة وكثــرة الفتــن والصراعــات ،فغــاب التوليــد واإلبــداع ،وكثــر تقليــد معانــي األقدميــن واســتخدام المحســنات البديعيــة والمبالغــة فــي المــدح واســتدرارا لألكــف حتــى قيــل« :أعــذب الشــعر أكذبــه». للتكســب ً 44 ةّيبدألا ُصوصّنلا -رعِّشلا الد ْم ِع أَ َ راك َع َّ صي َّ احل ْمدا ُّ ين أَبو ِف ٍ راس َ أراك هنا؟ )1ما معنى َ هي ُرؤيةُ ال َعين؟ِ ْ هل َ أ ْم ُرؤيةُ القل ِ ْب بمعنى أَظ ُّن َك؟ َ1 َأ الص ْب ُر شيمت َُك َّ صي الدَّ ْم ِع َ راك َع َّ ِ َبلى ،أنا ُم ٌ ـدي َلو َع ٌة شتاقَ ،وع ـنْـ َ الهوى إذا ال َّل ُيل َأ ْضواني َب َس ْط ُت َيدَ َ تَكا ُد تُضي ُء الن ُّار بي َن َجوانِحي المشتق ع )3ما نو ُ ِّ كيف " ُمعلِّلتي"؟ و َ ُيؤث ُِّر هذا على المعنى؟ والم ْو ُت دو َن ُه،4 ُم َع ِّل َلتيَ 3 بالو ْص ِلَ ، ح ِف ْظ ُت و َضيع ِ ت الـ َـمـ َـو َّد َة َبينَنا َ َّ ْ َ وم ــا ه ـ ِ حائف ـذه األ ّيــــا ُم إِ ّل َص ٌ َ ِ الح ِّي غا َد ٌة بِنَ ْفسي م َن الغادي َن في َ ض الو ِ فاء َم َذ َّل ٌة َو َفـ ْيـ ُ ـتَ ،وفــي َب ْع ِ َ ت ِ ليم ٌة، ُسائ ُلنيَ « :م ْن َأن َ ْت؟»َ ،و ْه َي َع َ الهوى: َف ُق ْل ُت،كماشا َء ْتَ ،وشا َء لها َ َف ُق ْل ُت لهاَ « :لو ِش ْئ ِ ت َل ْم َت َت َعنَّتي، ْ َفقا َل ْتَ « :ل َقدْ َأ ْزرى بِ َك الدَّ ْه ُر َب ْعدَ نا» 45 ِ َ عليك َوال َأ ْمـ ُـر؟ لهوى ن َْه ٌي َأما ل َ ِ ِ ــر! َولــك ـ َّن مـ ْثــلــي ال ُي ُ ــــذاع لــ ُه س ُّ و َأ ْذ َل ْل ُت دمعا ِمن َخ ِ ِ 2 الئق ُه الك ْب ُر ًَْ ْ َ ِ ُوالفك ُْر الصبا َبة هي أ ْذ َكتْها َّ إذا َ َــز َل ال َق ْط ُر! إذا ِمـ ُّ ـت َظ ْمآنًا َفــا ن َ ِ الوفاء ِ َو َأ ْح َس ُنِ ،م ْن َب ْع ِ لك ،ال ُع ْذ ُر ض ـف كاتِبِها بِ ْش ُر ِلَ ْحـ ُـرفِــهــاِ ،م ـ ْن َكـ ِّ ْــبَ ،و َب ْه َجتُها ُعـ ْـذ ُر ـواي لها َذن ٌ َهـ َ ِ ِ ٍ شيمتُها 5ال َغدْ ُر الح ِّي لن َسة في َ َ َو َه ْل بِ َفتًى ِم ْثلي َعلى حالِ ِه ُنك ُْر؟ ِ ُثر» « َقتي ُلك»! قا َل ْتَ « :أ ُّي ُه ْم؟ َف ُه ُم ك ُ َو َل ْم ت َْسألي َعنّي َو ِعنْدَ ِك بي ُخ ْب ُر» َف ُق ْل ُت« :معا َذ ال ّل ِه! ب ْل َأن ِ ْت ال الدَّ ْه ُر» َ َ اعر ف ّ )2بِ َم َو َص َ الش ُ َد ْم َع ُه؟ الصفَةُ ُجملةً ؟ هلْ َت َق ُع ِّ الهاء في "دونَ ُه" تعو ُد ُ )4 على ماذا؟ ف اآلنسةَ ؟ )5بِ َم َو َص َ ما نوع الص ِ فة؟ ُ ِّ كتاب النصوص للصف احلادي عشر املتنبي قال ّ بك دا ًء ْ كفى َ المو َت شافِ َيا أن َترى ْ لما ت ََمنّ ْي َت ْ أن َتـ َـرى ت ََمنّ ْيت ََها ّ َعيش ِ كنت ت َْر َضى ْ أن ت َ بذ ّل ٍة إذا َ ِ ـار ٍة الــر َ مــاح ل ـ َغـ َ َوال تَستَطي َل ّن ّ الحيا ُء من ال َّط َوى فما َين َف ُع األُ ْسدَ َ المنَا َيا ْ أن ي ُك ّن أمانِ َيا ـسـ ُ ـب َ َو َحـ ْ َصدي ًقا فأ ْع َيا ْأو َع ــدُ ًوا م ِ داج َيا ُ الحسا َم ال َي َمانِ َيا َفــا ت َْست َِعدّ ّن ُ تاق الم ِ وال تَستَجيدَ ّن ِ الع َ ذاك َيا َ َ تكون َضـ َـو ِار َيــا َوال ُت ّت َقى حتى ـم ّ َ شكيك َب ْعدَ ُه أن ال َبي َن ُي َوأ ْع ـ َلـ ُ ـــوع ال َع ِ ّ ين ُغـــدْ ٌر بِ َر ّب َها فــإن ُد ُم َ َوقد َ أنت َوافِ َيا كان َغــدّ ًارا ف ُك ْن َ إن رأيت َُك َش ِ اك َيا ف َل ْس َت ُفــؤادي ْ َ ْ إذا كُــن إ ْثــر ال ـ َغـ ِ ـاد ِريــن َجـ َـو ِار َيــا ّ َ َوللنّ ْف ِ أخ ٌ س ْ الق تَدُ ّل على ال َفتى ِ ِأق َّ ب ُر ّب َما ــل اشتيا ًقا أ ّيـ َـهــا ال َق ْل ُ الص َبى ُخ ِل ْق ُت أ ُلو ًفا َل ْو َر ُ جعت إلى ّ ليس صاف َيا الو ّد من َ َرأ ْيت َُك ت ُْصفي ُ القلب ِ ِ باك َيا وج َع فار ُ قت َشيبي ُم َ َل َ َح َب ْبت َُكَ ،ق ْلبيَ ،ق َبل ُح ّب َك من نأى الصامناأل َذى الجو ُدلم ُي ْر َز ْق َخ ً إذا ُ المال ِ الحمدُ مكسو ًبا َوال ُ باق َيا َفال َ أكــان سخاء ما أ َتــى أم تَس ِ اخ َيا ْ َ َ َ ً 46 ةّيبدألا ُصوصّنلا -رعِّشلا عبدالق ّدوس قال صالح بن ُ الــشــبــاب فــمــا لــه مـــ ْن عــودة ذهــــب ُ َ هرب وأتَـــى الم ُ ُ المشيب فــأي ـ َن مــنـ ُه َ واذكــــــر مــنــاقــش ـ َة ال ــح ــس ـ ِ ـاب فــإنــه ْ لــم ينسـه الــمـ َلــكــــ ِ ـان حيـ َن نسيتَـ ُه َ ُ ـب ال َبـــــدَّ ُيــحــصــي مــا جــنــيـ َ ـت و َيــك ـ ُتـ ُ وأنـــــــت ٍ تلعـب اله بـــــل أثــبــتـــــا ُه َ ُ َ دنــيـــــاك الــتــي تــســعــى لها وغـــــرور ُ ـب ـاع يــذهــــ ُ دار حــقــيــق ـ ُتــهـــــا م ــت ـــ ـ ٌ ٌ ـان في زمـ ِ عنك ما قد كـ َ َد ْع َ الصبا ـن ِّ وح فــيـ َ ـك وديــعـــ ـ ٌة أودع ـ َتــهـــــا والــــــر ُ ُّ ـار كالهمـا والــلــيـ ُـل فاعلـم والــنــهــــ ُ ْ وجــمــيــع مـــــا خ ـ َّلــف ـ َتـــ ـ ُه وجــمــعـ َتــــ ُه ُ ٍ نعيمهـا لـــــــدار ال يـــــــدو ُم َتــ َّبـــً ــا ُ ـت نصيح ًة أوال َكــهــا ـع ُهــديــــ َ فــاســمـ ْ ِ ــب ال ـ َّـزم ـ َ ستبصرا ـان وأهــ َلــه ُم َصــح َ ً ال تـــأ َم ِ َ الـــخـــؤون فــإنــــ ُه هـــــر ـــن الــدَّ َ ِ ـصــاتِــهـــــا ــــب األيــــــا ِم ف ــي َغـ َّ وعــــواق ُ فعليك تــقــوى الــ ّل ِ َ تفـز ــه فالز ْمهـا ْ ِ ِ ْ الرضـا واعــمــل بــطــاعــتــه تــنـ ْـل منـ ُه ِّ واقــنــع فــفــي بــعـ ِ ـض الــقــنــاعـ ِـة راحـــ ٌة ْ فـــإذا َطـ ِ ثـــوب مــذ َّلـ ٍـة ـت ـت ُكــســيـ َ ـمــعـ َ َ ـدو َك بالتح ّي ِـة ول َتكُـ ْن وابـــــد ْأ َع ـــ ـ َّ ـســم ــًــا واحـــــــــذر ُه إن القــي ـ َتـــ ـ ُه ُم ـ َت ـ َبـ ِّ 47 واذكُــــر ذنــو َب َ ذنـب ــك وابِــكــهــا يـا ُم ُ ســتَــر ُّدهــا بــالــرغ ـ ِم مــنـ َ ـب ـك و ُتــسـ َلــــ ُ ـب ـاســنـــــا فيهـا ُتــعـــــدُّ و ُتــحــســــ ُ أنــفـ ُ ح ـ ًقــا َيــقــي ـنًــا بــعـــــدَ مــوتِ َ نهـب ـــــك ُي ُ عــمــا قــلــيــــ ٍ ـرب ـل َيـــــخــــ ُ و َمــشــيــدُ هــا ّ ــجـــــر ُب ـوح ل ــأن ـــ ــا ِم ُم ـــــــر َن ــص ـــ ـ ٌ ِّ َب ٌّ ـب األمــــور بما ورأى تـــؤوب و َتــعـ ُقـ ُ ُ َ زال ِقــدْ م ــًــا لــلــرجــــ ِ مـــــا َ ـال ُيـــــؤ ِّد ُب ِّ ـض ُي َ ـب ـــــذ ُّل لــ ُه ُّ ـضـ ٌ َمـ َ ـجــــ ْ األعـــز األ ْنـ َ ّ ـب ـي األه ـ َيــــ ُ ـي هــــ َـو الـ َبــهــــ ُّ إن الـ َّتــقــــ َّ ِ ــقـــــر ُب لــديـــــه ُم ـع لـــــ ُه إن الــمــطــيــــ َ َّ لـب والــيــأس مـ ّـمــا َ الم ْط ُ ُ فـــات فــهـ َـو َ فلقدْ ُكــســي ثـــوب الــمــذ َّل ِ أشعب ــة ُ َ َ َ مــنـــ ـ ُه زم ــا َن ـــ ـ َ ـب ـك خــائــف ــًــا تــتـــــر َّقــــ ُ فــالــلــيـ ُ ـب ـث يــبــدو نــا ُبـــ ـ ُه إ ْذ ي ْغ َ ـض ُ كتاب النصوص للصف احلادي عشر الـــعـــدو ْ َّ وإن تــــقــــا َد َم عــهـــــدُ ُه إن ُّ ٍ ـصـ ِ يب فالحقدُ ــدور ُم َّغ ُ بـــاق فــي ال ـ ُّ َ َ واثـــــق بـــــك ـف أنـــــه ٌ يــلــقــاك يــحــلـ ُ عطيك مــن َطـــر ِ ف ال ـ ِّلــسـ ِ َ ـان حــاو ًة ُي َ ٍ َو ِص ِ َ ــــل الــكــرا َم ْ بجفوة رمـــوك وإن ـوارى عــنـ َ ـك فــهـ َـو الــعــقـ َـر ُب وإذا ت ـــ ـ َ ــديـــــق لــقــي ـ َتـــ ـ ُه ُمتم ِّلقـا الــص وإذا ٌ َّ ٍ امـــــــريء ُمتم ِّل ٍـق ال خــيـ َـر فــي و ِّد واخــتــر قــري ـنَـ َ تفاخرا ـك واصــطــنــعـ ُه ً ْ َّـب فــهــــ َـو الــعـــــدو وحـــ ـ ُّقـــ ـ ُه ُيتجـن ُ ُّ ِ ـب يتله ُ ُحــلــــ ِـو الــلــســـــان وقــلــبـــ ـ ُه َّ و َيــــرو ُغ مــنـ َ علـب ـك كمـا يـــــرو ُغ ال ّث ُ عنهم بــالـ َّتــجـ ِ ـاوز أصــــ َـو ُب فالصفح ُ ْ ِ َّ نسب الــمــقــارن ُي ُ إن الــقــريــــ َن إل ــى ُ جناح َك لــأقـ ِ هـم ـض واخــفـ ْ َ ـارب ُك ِّل ْ بــتــذ ُّلــــ ٍ ـم إن أذنــبــوا ـل واســمــــ ْ ـح لــهــــ ْ ـــر فــاكــتــم ـ ُه وال تــن ـ ُطــــ ْـق بــــ ِـه والـــس ُّ ِّ ِ َ الــمــرء ْ ـم ُيــطــوه ســـر إن لــــ ْ وكــــذاك ُّ ٍ ِ ال ِ الرزق رص َ تحر َص ْنفالح ُ ليسبزائدفي ِّ َّ ـب إن الــزجــاجــ َة كــسـ ُـرهــا ال ُيــش ـ َعـ ُ نــشــر ْتـــ ـ ُه ألــســنـــ ـ ٌة تــزيـــــدُ وتــكــــ ِـذ ُب ـذوب فال ي ُك ْن لـ َ ـك صاح ًبا ود ِع ال ـ َكـ َ ِ نطقـت وال تكـ ْن وزن الــكــا َم إذا َ واحــفـ ْ ـظ لــســا َنـ َ ـرز مــن لفظِ ِه ـك واحــتـ ْ ُّ ويـــظـــل مــلــهــوف ــًــا يـــــــرو ُم تــحـ ّيــــ ًـا ٍ ِ الــنــاس يــأتــي رز ُقـــ ُه عــاجــز فــي كــم فاجتنب وارع األم ــانــ َة والــخــيــان ـ َة ْ َ وإذا أص ــاب ـ َ ـك نــكــب ـ ٌة فــاصــبــــ ْـر لهـا ِ الـــزمـــان بــريــبــــ ٍـة مـــيـــت م ــن وإذا ُر َ فــــاضــــرع لـــر ّبـــك إنــــه أدنـــــى لــم ـ ْن ْ ِ بمعز ٍل استطعت عــن األنـــا ِم كُــ ْن مــا َ واحــــــذر ُمــصــاحــبــ َة الــلــئــيــم فــإنّــ ُه ْ َّ صحب ـذوب يشيـ ُن ُحــــ ًـرا َي ُ إن الــكـ َ ٍ ِّ ـب ثــرثـــــار ًة فـــــي كـــــل نـــــاد تخ ُط ُ ِ ـب ـم بــالــلــســان و ُيــعـ َطـ ُ فــالــمــر ُء َيــسـ َلــــ ُ ويــتــعــب الـــحـــريـــص بــــل يــشــقــى ُ ُ ٍ والـــــــر ُ ب ـس بحيلة ُيستج َل ُ زق لــيـ َ ِّ ـب ر َغ ـــ ــدً ا و ُي ـس و ُيــخـ َّيــــ ُ ــحـــــر ُم َك ـ ِّيــــ ٌ َ ِ طب لـ َ مكسب ـك واعـــد ْل ُ والتظلم َي ْ ْ ـب مـــــن ذا رأي ـــ ـ َ ـت مــسـ َّلـ ًـمــا ال ُيـنْــكـ ُ أو نــالـ َ ـب األمـــــر ـك ُّ األشــــق األصــعـ ُ ُ ِ يــدعــو ُه مــن حــبـ ِ وأقـــرب الـــوريـــد ـل ُ َّ صحب الــــو َرى ال ُي الكثير مــن إن ُ َ َ ـرب ُيعدي كما ُيعدي الصحيح األجـ ُ َ 48 ةّيبدألا ُصوصّنلا -رعِّشلا هما صائ ًبا واحـــذر مــن المظلو ِم َس ً ْ ــــز بــبــلــــ ٍ الــــــر َ ـدة رأيـــــت وإذا َ زق َع َّ ِّ فـــأرض ال ـ ّلـ ِـه واســع ـ َة ال َف َضا فــارحـ ْـل ُ فلقدْ نصحت َُك ْ قبلت نصيحتي إن َ 49 ـم بــــ َّ ـب حج ُ ـأن دعـــــــا َء ُه ال ُي َ واعــلــــ ْ المذهب يضيق ـت فيها أن َ وخــشــيـ َ ُ ً ــرضــا شر ُقهـا والــمــغـ ِـر ُب طـــول و َع ً ـب ــبــاع و ُيـ َ ـوهــــ ُ ـح أغــلــى مــا ُي ُ فــالـنُّــصـ ُ كتاب النصوص للصف احلادي عشر 50 ةّيبدألا ُصوصّنلا -رعِّشلا ّ احلديث العربي عر ُ ُّ الش ُ األدب العربــي الحديــث 1هــو األدب ا ّلــذي ظهــر تاريخ ًّيــا فيمــا ُي ْط َلـ ُـق عليــه العصــر الحديــث ،هــذا العصــر ا ّلــذي يصعــب تحديــده حســب الحقــب أو الحــوادث التاريخيــة ،فالعصــر العثمانــي انتهــى فــي بعــض األقطــار العربيــة بعــد الحــرب العالميــة األولــى عــام 1918م ،ولــم يكــن لــه وجــود فــي أقطــار عربيــة قبــل ذلــك بقــرون .وقــد َأ ْولــى بعــض الدارســين أهميــة للحملة الفرنســية عــام -1798 1801علــى مصــر وبــاد الشــام ،وهــي حملــة اســتعمارية جلبــت معهــا بعــض العناصــر الثقافيــة مــن مثــل المطبعــة والصحيفــة والمرصــد والمكتبــة والمســرح والعلمــاء ،وهــو مــا ن ّبــه النــاس فــي مصــر إلــى تخلــف الواقــع وضــرورة االنفتــاح علــى العصــر ،وبنــاء جيــش قــوي ،شــرع فــي تأسيســه محمــد علــي ،بعــد أن ســيطر علــى الحكــم بعــد جــاء الحملــة الفرنســية. ومــن أجــل بنــاء جيــش قــوي أرســل محمــد علــي البعثــات إلــى إيطاليــا وفرنســا ،وكان رفاعــة الطهطــاوي مرشــدً ا دين ًيــا لطــاب البعثــة الرابعــة إلــى فرنســا ،أفــاد مــن هــذه الرحلــة فــي ترجمــة المعــارف المختلفــة ،وتعــرف الفــرق بيــن واقــع المصرييــن وواقــع الغربييــن .وقــد اهتــم الخديــوي إســماعيل بالحركــة العلميــة ،فأنشــأ مــدارس للعلــوم والهندســة والطــب والحــرب ،واســتأنف إرســال البعثــات إلــى أوروبــا ،وأســس نظــارة المــدارس ،وعهــد إليهــا أمــر التعليــم ،وأنشــأ المكتبــة الخديويــة ،وبنــى مدرســة المعلميــن ،وبســط يــد المؤلفيــن ،فنــزح إليهــا األجانــب مــن أدبــاء وعلمــاء ،فــكان اختــاط هــؤالء بالمصرييــن ســب ًبا فــي نهــوض اللغــة واألدب. ومهمــا يكــن مــن أمــر فــإن الحيــاة الثقافيــة واألدب ّيــة أفــادت علــى نحــو غيــر مباشــر مــن هــذه الحركــة العلميــة ا ّلتــي صاحبــت إنشــاء المــدارس المختلفــة العامــة والمتخصصــة لخدمــة الجيــش ،فــكان أن ظهــرت تيــارات فكريــة وثقافيــة مختلفــة كان أهمهــا تيــار إحيــاء التــراث لمواجهــة النمــاذج األدب ّيــة واضحــا فــي الشــعر؛ إذ مــال ّ الشــعراء إلــى إحيــاء النمــاذج التراثيــة فــي والفكريــة الغربيــة ،وبــدا ذلــك ً العصريــن األمــوي والعباســي ،وبــرز مــن ّ الشــعراء اإلحيائييــن نخبــة فــي أقطــار الوطــن العربــي علــى رأســهم محمــود ســامي البــارودي ،وضمــت هــذه النخبــة أحمــد شــوقي ،وحافــظ إبراهيــم ،وخليــل مطــران ،وإبراهيــم اليازجــي ،والزهــاوي ،والرصافــي فــي العــراق ،واألميــر عبــد القــادر الجزائــري، )1أحمد حسن الزيات ،تاريخ األدب العربي ،ط ( 8بيروت :دار المعرفة)2004 ، 51 كتاب النصوص للصف احلادي عشر وأبــو مســلم البهالنــي فــي ُعمــان. وتــا ذلــك جيــل ظـ َّـل متعل ًقــا بأهــداب الكالســيكية ،ممــن ســموا بالكالســيكيين الجــدد ،مــن مثــل الجواهــري ،وعمــر أبــو ريشــة ،وعزيــز أباظــة ،وإبراهيــم طوقــان ،ومصطفــى وهبــي التــل ،وبــدوي الجبــل ،إلــى جانــب شــعراء العصبــة األندلســية ،وهــم شــعراء المهجــر الجنوبــي. وقــد بــدت مالمــح الحركــة الرومانتيكيــة فــي شــعر خليــل مطــران الــذي بــدأ يضيــق بالتقليــد مــع أن كثيـ ًـرا مــن شــعره ال يفــارق بنــاء القصيــدة اإلحيائيــة ،فقــد ظهــرت هــذه المالمــح الرومانتيكيــة فــي قصيدتــه «المســاء» التــي يربــط فيهــا بيــن حالتــه النفســية وهــو مريــض وغــروب الشــمس إذ يقــول: مــتــفــر ٌد م ــت ــف ــر ٌد بــصــبــابــتــي، ّ ٍ شاكإلىالبحراضطرابخواطري بــكــآبــتــي ،مـــتـــفـــر ٌد بــعــنــائــي فيجيبني بــريــاحــه الــهــوجـ ِ ـاء ينتابها مــوج كــمــوج مكارهي ويفتها كالسقم فــي أعضائي ثـ ٍ ـم وليت لي ـاو على صخر أصـ ّ تغشى الــبــريــة كــــدر ٌة وكأنها واألفــــق معتكر قــريــح جفنه قلبا كهذي الصخرة الصم ِ اء ً ّ عيني من أحشائي صعدت إلى ّ يغضي على الغمرات واألقـ ِ ـذاء أيضا: ويقول فيها ً ﻳﺎ ﻟﻠﻐﺮوب وﻣﺎ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻋﺒﺮة ﻧﺰﻋا ﻟﻠﻨﻬﺎر وﺻﺮﻋﺔ أو ﻟﻴﺲ ً ﻃﻤﺴا ﻟﻠﻴﻘﻴﻦ ومبع ًثا أو ﻟﻴﺲ ً ﻣﺤﻮا ﻟﻠﻮﺟﻮد إﻟﻰ َمدً ى أو ﻟﻴﺲ ً ﻟﻠﻤﺴﺘﻬﺎم! وﻋﺒﺮة ﻟﻠﺮاﺋﻲ!! ِ األضـــواء؟ ﻟﻠﺸﻤﺲ ﺑﻴﻦ ﻣﺂﺗﻢ ِ الظلماء؟ ﻟﻠﺸﻚ ﺑﻴﻦ ﻏﻼﺋﻞ ِ اﻷﺷﻴﺎء؟ ﻟﻤﻌﺎﻟﻢ وإﺑﺎد ًة وقــد نزعــت جماعــة الديــوان المؤلفــة مــن عبــاس محمــود العقــاد ،وإبراهيــم عبــد القــادر المازنــي، وعبــد الرحمــن شــكري منز ًعــا (رومنطيق ًيــا) وأعجبــت باللــون الغنائــي الذاتــي واللغــة العصريــة البســيطة ،وقــد دعــت فــي «الديــوان» ا ّلــذي صــدر منــه جــزءان ،شــارك فيهمــا الع ّقــاد والمازنــي ســنة 1921إلــى الصــدق فــي اإلحســاس ،والصــدق فــي التعبيــر ،ونقــدوا المدرســة الكالســيكية 52 ةّيبدألا ُصوصّنلا -رعِّشلا الجديــدة ،وخاصــة أحمــد شــوقي ،وحافــظ ابراهيــم نقــدً ا الذ ًعــا .يقــول عبــاس محمــود العقــاد فــي تقديمــه لديــوان عبــد القــادر المازنــي« :فمــن كان يعيــش بفكــره ونفســه فــي غيــر هــذا العصــر، فمــا هــو مــن أبنائــه ،وليســت خواطــر نفســه مــن خواطــره ».يقــول ابراهيــم عبــد القــادر المازنــي فــي احــدى قصائــده واص ًفــا نمــوذج الرجــل العصــري: يــتــلــقــاك بــالــطــاقــة والــبــشــر وفــــي قــلــبــه ق ــط ــوب ال ــع ــداء عاجز الرأي والمروءة والنفـــــــــ ــــــس ،ضئيل اآلمال واألهواء كالسراب الرقراق يحسبه الظمآ ألــــف الـــــذل فــاســتــنــام إلــيــه ن مـــــاء ومـــــا بــــه مــــن مـــاء وتــبــاهــى بـــه عــلــى الــشــرفــاء وقــد التقــت جماعــة الديــوان مــع الرابطــة القلميــة فــي مبادئهــا وفــي مفهومهــا للشــعر ،وبــدا واضحــا فــي خصائــص ِّ الشــعر لديهــا ،علــى نحــو مــا ظهــر فــي العالقــة بيــن الجانــب الرومانتيكــي ً العقــاد وميخائيــل نعيمــة .ومــن أعــام الرابطــة القلميــة :جبــران خليــل جبــران ،وميخائيــل نعيمــة، تأسســت الرابطــة القلميــة ســنة 1920 ونســيب عريضــة ،وإيليــا أبــو ماضــي ،وأميــن الريحانــي ،وقــد ّ ـورا واتّخــذت مــن نيويــورك مقـ ًّـرا لهــا ،فثــارت علــى الصــور الشــعرية القديمــة ،واســتخدمت صـ ً رومنطيقيــة جديــدة ،ومضاميــن حديثــة ،وتأثــرت بالطبيعــة والحر ّيــة .يقــول جبــران خليــل جبــران ـب الطبيعــة والعــودة إلــى الغــاب: فــي قصيدتــه «المواكــب» داع ًيــا إلــى حـ ّ القبور ليس في الغابات موت ،ال وال فيها َ ْ طي الصدور وهم ينثني ّ إن هول الموت ٌ فإذا نيسان و ّلى لم يمت معه السرور فالذي عاش ربي ًعا كالذي عاش الدهور هيمنــت (الرومانتيكيــة) علــى الســاحة األدب ّيــة فــي األقطــار العربيــة خــال الثالثينــات واألربعينــات، أسســها وقــد ظهــرت مالمــح الحركــة (الرومانتيكيــة) بوضــوح شــديد فــي «جماعــة أبولــو» ا ّلتــي ّ أحمــد زكــي أبــو شــادي ،وانضــم إليهــا أعــام (الرومانتيكيــة) فــي الوطــن العربــي مــن مثــل: علــي محمــود طــه ،وإبراهيــم ناجــي ،وأبــو القاســم الشــابي ،وأنــور العطــار .وكانــت مجلــة أبولــو( )1934-1932قــد أحدثــت نهضــة شــعرية علــى مســتوى الشــكل والمضمــون ،وظهــرت فيهــا مالمــح التحــول فــي تعــدد القوافــي ،وفــي التجديــد فــي المعجــم والصــورة واإليقــاع .علــى 53 كتاب النصوص للصف احلادي عشر نحــو مــا نــرى فــي قصيــدة علــي محمــود طــه «الجنــدول» :علــى نحــو مــا نــرى فــي قصيــدة علــي محمــود طــه «الجنــدول»: عبر ْه آه لو كنت معي نختال َ نبر ْه حيث يروي الموج في أرخم َ إثــــر ْه بــشــراع تــســبــح األنــجــم َ حلم ليل مــن ليالي كليوبتره َ يفجــر ّ الشــعراء الشــباب عواطفهــم (الرومانتيكيــة) فــي شــكل جديــد هــو وكان مــن الطبيعــي أن ّ شــكل ِّ الشــعر الجديــد ،أو قصيــدة التفعيلــة؛ ألســباب فنيــة واجتماعيــة واقتصاديــة وسياســية ونفســية بعــد الحــرب العالميــة الثانيــة متأثريــن بمنجــزات (الرومانتيكيــة) والرمزيــة اللتيــن شــاعتا فــي مهــد الطريــق لحركــة ِّ الشــعر الجديــد أو شــعر التفعيلــة مرحلــة مــا بيــن الحربيــن العالميتيــن ،ممــا ّ ــم اتجــه وجهــة واقعيــة ،قبــل أن ا ّلــذي بــدأ شــكل ًيا فــي اختيــار التفعيلــة بــدل البيــت الشــعريُ ،ث َّ رواد هــذه المدرســة :نــازك المالئكــة ،وبــدر شــاكر السـ ّياب ،وعبــد تتعــدد أشــكاله وصــوره .ومــن ّ الوهــاب البياتــي ،ونــزار قبانــي ،وصــاح عبــد الصبــور ،وقــد غلــب علــى ِّ الشــعر الحديــث قصيــدة التفعيلــة ا ّلتــي أصبــح لهــا أعالمهــا الكبــار فــي وقتنــا الراهــن. 54 ةّيبدألا ُصوصّنلا -رعِّشلا ني ّ الط ُ إيليا أبو ماضي طي ـي ا ْل ـ ّط ـ ْي ـ ُن ســا َع ـ ًة َأنَّـــ ُه ْ َنــسـ َ وكَسى ا ْلـ َ ـخـ ُّـز ِج ْس َم ُه َفتَباهى يا َأخــي! ال ت َِم ْل بِ َو ْج ِه َك َعنّي ْت َلم ت َْصنَ ِع ا ْل َحر ْي َر ا َّلذي ت َْل َأن َ بين )3ما ال َعالقةُ َ ( َت ْشقى) و( َت ْس َع ُد) وبين (ال ّن ِ هار) َ و(الظّالمِ)؟ ُّضار إِذا ُج ْع َأن َ ْــت ال َتـ ْـأ ُكـ ُـل ا ْلن َ ـت في ا ْلـ ُبـ ْـر َد ِة ا ْل ُم َو ّش ِاة ِم ْثلي َأ ْنـ َ َو َحـــوى ا ْلــمـ َ ـال ك ْي ُس ُه َفـ َتـ َـمـ َّـر ْد ْــت َف ْر َقدْ ما َأنــا َف ْح َم ٌة وال َأن َ ــؤ ا َّلـــذي َتـ َتـ َقـ َّلــدْ ــؤ ُل َ ـــس وا ْلــ ُّل ْ بِ ُ 2 َت وال ت َْش َر ُب ا ْل ُج َ مان ا ْل ُمن ََّض ّْد في ِكسائي ا ْل َّرد ْي ِم ت َْشقى وت َْس َعدْ 3 ـك فــي عــا َل ـ ِم ا ْل ـنَّــهـ ِ َل ـ َ ـي ـار َأمــانـ ْ ولِـ َق ـ ْلــبــي َكــمــا لِـ َق ـ ْلــبِـ َ ـك َأ ْحــا َو ُر ًؤى وا ْل ـ َّظــا ُم َفـ ْـو َقـ َ ـك ُم ْمت َّْد ٌ ٌم ِح ــســان َف ــإِ َّنــ ُه َغــ ْي ُــر َجـ ْلـ َـمــدْ َأ ُّيها ا ْل ُم ْز َدهي! إِذا َم َّس َك ا ْل ُّس ْق ْت ِم ْثلي َي َب ُّش َو ْج ُه َك لِ ْلنُّ ْعمى َأن َ ُم َأال ت َْشتَكي؟ َأال َت َتن ََّهدْ ؟ 5 وفــي حــا َلـ ِـة ا ْل ُمص ْي َب ِة َيك َْمدْ َخفى ِ حـ ْيـ َن ت ْ وع ـنْــدَ مــا َتـ َتـ َـو َّقــدْ ٍ ُــــراب مــــانــــي كُــ ُّلــهــا ِمــــ ْن ت َأ َأ َّ مـــــانـــــي ُكــ ُّل ــه ــا لِــ ْلــتَّــاشــي و َأ َّ الَ ،فهذي وتِ ْل َك ت َْأتي وت َْمضي اعر )4استخد َم ّ الش ُ الجملَ االستفهام ّيةَ ِ ِ الفكرة: لتأكيد أيضا ً ِ األبيات اقرأ المتضمنةَ َ ّ جمل استفهام ّيةً ، ً وسج ِل ال ّتفاصيلَ الَّتي ّ ِ لتأكيد اعر ساقَها ّ الش ُ فكرتِ ِه. َ قيرَ 1فــصـ َ ـال ت ْي ًها و َعـ ْـر َبــدْ ٌن َح ٌ ـج ـ ْـو ُم ا َّلــتــي تَــراهــا َأراهـــا ا ْلــنُّ ـ ُ ـت َأ ْدن ــى َعلى ِغــنـ َ ـاك إِ َل ْيها ـسـ َ َلـ ْ ْـــت ِم ْثلي ِمــ َن ال ـ َّثــرى َوإِ َل ـ ْيـ ِـه َأن َ 55 )1ما الَّذي يرمي إل ْي ِه يقول: حين ُ ّ اعر َ الش ُ طين؟ ه ن أ ّين ط ال سي َّ ُ ُ ٌ نَ َ عجمي الم )2المعنى ُ ُّ في) للكلمتينِ: َ (الح ْر ُّ ف َْح َمةٌ َ ،وفرق ٌَد، يختلف ِ عن المعنى ُ الم ِ ِ سياق راد في ُ ِ األبيات ،ما المعنى ِ سياق المرا ُد في ِ القصيدة؟ و َأمــان ـ ْيـ َ ـك ُك ُّلها ِمــ ْن َع ْس َجدْ ؟ ـك لِـ ْلـ ُ و َأمــانـ ْيـ َ ـخـ ُلـ ْـو ِد ا ْلـ ُـمـ َـؤ َّكــدْ ؟ َكـ َـذويــهــا ،و َأي َش ٍ ــؤ َّبــدْ ــــيء ُي َ ُّ ْ 4 صاصتي َل ْس ُت َأ ْب َعدْ و َأنا َمع َخ َ ِ صاحبي ال َّت ْي ُه وا ْل َّصدْ ؟ َف ِلماذا يا 6 بين ( َي َب ُّش) )5ما ال َعالقَةُ َ و(يكْم ُد) وبين ِ (غ ًنى) َ َ َ صاص ٍة)؟ و(أ ْدنى) و( َخ َ و(أ ْب َعد)؟ ِ األو ِل ْ )6 بين البيت ّ قارن َ ِ أن تع ّب َر ْ واألخير، وحاول ْ ِ القصيدة بأسلوبِ َك. عن ِفك َِر ْ كتاب النصوص للصف احلادي عشر ِ سامحيني َهديل صيبي الق غازي ُ ِّ أغالب الليل الحزين الطويل أغــالــب الـــداء المقيم الوبيل أغ ــال ــب اآلالم مــهــمــا طغت بحسبي الــ ّلــه ونــعــم الوكيل وحــســبــي الـــ ّلـــه إذا رضــنّــي بصدره المشؤوم همي الثقيل فحسبي ال ـ ّلــه قبيل الــشــروق وحــســبــي الـــ ّلـــه إذا أســبــلــت يــا رب أنــت المرتجي سيدي قضيت عــمــري تائه ًا ،هــا أنا الـــ ّلـــه يـــــدري أنـــنـــي مــؤمــن مهما طغى القبح يظل الهدى أنـــا الــشــريــد الــيــوم يــا سيدي ذرفـــــت أمــــس دمــعــتــي تــوبــة يــا ليتني مــا زلــت طــفـ ً ا وفي أرتــــــل الــــقــــرآن يــــا لــيــتــنــي على جبين الحب في مخدعي هديل بنتي مثل نــور الضحى تـــقـــول يــــا بـــابـــا تـــريـــث فــا وحــســبــي ال ـ ّلــه ُبــعــيــد األصــيــل دمــوعــهــا عين الفقير العليل أنـــر لخطوتي ســـواء السبيل أعـــود إذ لــم يــبــق إال القليل فــي عمق قلبي رهبة للجليل كــالــطــود يختال بــوجــه جميل فــأغــفــر أيـــا رب لــعــبــد ذلــيــل ولــم تــزل على خــدودي تسيل عيني مــا زال جــمــال النخيل ما زلت طف ً ال ..في اإلهاب النحيل يؤزني في الليل صوت الخليل أسمع فيها هــدهــدات العويل أقــول إال سامحيني ..هديل 56 ةّيبدألا ُصوصّنلا -رعِّشلا رسائل إىل أُ ّمي خمس َ ُ قباين نزار ّ باح َ الخ ِير ..يا ُح ْل َو ْه.. َص ُ ِ باح َ الح ْل َو ْه يستي ُ َص ُ الخ ِير ..يا قدّ َ ِ عامان يا ُأ ِّمي، َمضى ِ ذي َأ ْب َح ْر َعلى ا ْل َو َلد ا َّل ْ و َخب َأ في ح ِ قائبِ ِه.. َ َ َّ ِ ِ باح بِالده األَ ْخ َض ْر َص َ و َأنْجمها ،و َأنْهرها ،وك َُّل َش ِ قيقها األَ ْح َم ْر. َ َُ ُ َ و َخب َأ في مالبِ ِسهِ َ َّ َ والز ْعت َْر.. َطرابينًا ِم َن النَّ ْعنا ِع َّ َولي َل َك ًة ِد َم ْش ِق َّي ْه.. َأنا َو ْحدي.. َو ِمنّي ِم ْق َعدي َي ْض ُج ْر صافيرُ ،ت َفتِ ُش َب ْعدُ َع ْن َبيدَ ْر َو َأ ْحزاني َع ٌ ورو ّبا.. َع َر ْف ُت ُأ ُ اإلسمن ِ والخ َش ِ ْت َ ب َع َر ْف ُت َعواطِ َ ف ِْ َ ضار َة ال َّت َع ِ ب َع َر ْف ُت َح َ َو ُط ْف ُت ِ السنْدَ ، الهنْدَ ُ ،ط ْف ُت ِّ ُط ْف ُت ال َعا َل َم األَ ْص َف ْر ()1 ()2 َو َل ْم َأ ْع َث ْر َعلى ا ْم َر ٍأة ت َُم ِّش ُط َش ْع ِر َي األَ ْش َق ْر ِ ِ وت ِ ِ السك َّْر َ ْ َحم ُل في َحقي َبتها إ َل َّي َعرائ َس ُّ َو َتكْسونِي إِذا َأ ْعرى 57 كتاب النصوص للصف احلادي عشر َو َتن ُْش ُلنِي إذا َأ ْع َث ْر الو َلدُ ا َّل ِذي َأ ْب َح ْر َأيا ُأ ِّميَ ..أنا َ َوال زا َل ْت بِخاطِ ِر ِه ت ُ السك َّْر وس ُة ُّ َعيش َع ُر َ كيف ..يا ُأ ِّمي َيف َ ..ف َ َفك َ وت أ ًباَ ..و َل ْم َأ ْك َب ْر؟ َغدَ ُ باح َ الخ ِير ِم ْن َمدْ ِريدْ .. َص ُ بارها ال ُف َّل ْه؟ ما َأ ْخ ُ بِها ُأو ِص ِ يك يا ُأ َّما ُه ْ تِ ْل َك ال ِّط ْف َل ُة ال ِّط ْف َل ْه ب َحبِي َب ٍة ِلَبي َف َقدْ كان ْ َت َأ َح َّ ُيدَ ِّل ُلها كَطِ ْف َلتِ ِه.. ويدْ ُعوها إلى فِن ِ ْجان َق ْه َوتِ ِه.. ََ َو َي ْس ِق ْيهاَ ،و ُي ْط ِع ُمها َو َي ْغ ُم ُرها بِ َر ْح َمتِه.. مات َأبي.. َو َ َوال زا َل ْت ت َِع ُ يش بِ ُح ْل ِم َع ْو َدتِه و َتبح ُث عنْه فِي َأر ِ جاء ُغ ْر َفتِه.. َ ْ َ َ ُ ْ ْ َوت َْس َأ ُل َع ْن َعبا َءتِ ِه.. َوت َْس َأ ُل َع ْن َجريدتِ ِه.. ِ ِ يف َع ْن َف ْي ُر ِ وز َع ْين َِيه الص ُ َوت َْس َأ ُل ح ْي َن َي ْأتي َّ لِ َتنْ ُث َر َف ْو َق َك َف ْي ِه الذ َه ِ َدنانِ ْي ًرا ِم َن َّ ب المات المات َس َس ٌ ٌ ()3 ()4 58 ةّيبدألا ُصوصّنلا -رعِّشلا ٍ والر ْح َم ْه الح َّ إِلى َب ْيت َسقانا ُ ب َّ هار ِك البي ِ ضاء.. إلى ْأز ِ َ ْ (ساح ِة الن َّْج َم ْة) َف ْر َح ِة َ إلى ت ْ َختِ ْي ،إلى ُكتُبِ ْي ِ حارتِنا.. إلى َأ ْطفال َ و ِحي ٍ طان َم َلناها بِ َفوضى ِم ْن ِكتا َبتِنا َ ْ ط كَسو ٍ إلى ِق َط ٍ الت ُ ْ تَنا ُم َعلى َم ِ شار ِقنا.. ِ ٍ ٍ جارتِنا.. َو َل ْي َلكَة ُم َع ِّر َشة َعلى ُش ّباك َ ِ عامان ..يا ُأ ّمي َمضى َو َو ْج ُه ِد َم ْش َق ور ُي َخ ْربِ ُش فِي َجوانِ ِحنا.. ُع ْص ُف ٌ يع ُّض َعلى س ِ تائ ِرنا.. ََ َ ِ و َينْق ُرنا.. بِ ِر ْف ٍقِ ،م ْن َأصابِ ِعنا.. ِ عامان يا ُأ ِّمي َمضى َو َل ُيل ِد َم ْش َقُ ..ف ُّل ِد َم ْش َق ُد ْو ُر ِد َم ْش َق.. ت َْس ُك ُن فِ ْي َخواطِ ِرنا.. مآذنُها ..ت ُِضيء َعلى م ِ ِ راكبِنا َ ُ مآذ َن األُم ِوي َقدْ ُز ِر َع ْت بِ ِ كأ َّن ِ َ داخ ِلنا َ ِّ كأ َّن مشاتِ َل التُّفاح َتعبِ ُق فِي َض ِ مائ ِرنا ْ ْ َ َ َ جار كأ َّن َّ الض ْو َء واألَ ْح َ جا َء ْت ُك ُّلها َم َعنا.. َأتى َأ ْي ُل ْو ُل يا ُأ َّما ُه ()5 59 كتاب النصوص للصف احلادي عشر الح ْز ُن َي ْح ِم ُل لِي َهدايا ُه َوجا َء ُ َو َيت ُْر ُك ِعنْدَ نافِ َذتِي م ِ دام َع ُه َو َشكْوا ُه َ ِ َأتى َأ ْي ُل ْو ُل َأ ْي َن د َم ْش ُق؟ َأ ْي َن َأبِي َو َع ْينا ُه؟ َو َأ ْي َن َح ِر ُير َن ْظ َرتِ ِهَ ،و َأ ْي َن َعبِ ْي ُر َق ْه َوتِ ِه؟ الر ْح َّم ُن َم ْثوا ُه.. َسقى َّ حاب َمن ِْزلِنا الك ِ َبيرَ ..و َأ ْي َن ُن ْعما ُه؟ َو َأ ْي َن ِر ُ َو َأ ْي َن َم ِ دار ُج َّ الش ْم ِش ِير ..ت َْض َح ُك فِ ْي َزوايا ُه؟ َو َأ ْي َن ُط ُفو َلتِي فِ ْي ِه ُأ َج ْر ِج ُر َذ َيل ِق َّطتِ ِه وآك ُُل ِم ْن َع َ ريشتِ ِه ف ِم ْن ( َبنَ ْفشا ُه) َو َأ ْق ُط ُ ِد َم ْش ُقِ ..د َم ْش ُق يا ِش ْع ًرا َعلى حدَ ِ قات َأ ْع ُينِنا َك َت ْبنا ُه َ َويا طِ ْف ًل َجم ْي ًل ِمن َض ِ فائ ِر ِه َص َل ْبنا ُه ْ َج َث ْونا ِعنْدَ ُر ْك َبتِ ِه َو ُذ ْبنا فِ ْي َم َح َّبتِ ِه إِلى َأ ْن فِ ْي َم َح َّبتِنا َق َت ْلنا ُه. 60 ةّيبدألا ُصوصّنلا -رعِّشلا جبل َ عمر أبي ريشة ِ كنت حاقدً ا معا َذ خالل الكبر ما ُ فكم ٍ جبل ي ْغفو على النَّج ِم خدُّ ُه ألف عندَ ها ن َظ ْر ُت إلى الدُّ نيا فلم َ الع ِّز ِ ف ِ هان لي في مو ِق ِ وما َ ف موق ٌ ْ ِ األحرار ما َ السرى فيا ُغ ْر َب َة أطول ُّ 61 ِ عائب مسراي عاب ُ َ وال غاض ًبا إن َ ِ مالعب للسائمات وأ ْذيـــا ُلـــ ُه ُ ِ ب كبيرا ُأداري أو صغيرا أعات ُ ً ً ب ِّ ِ الن لي في جانِ ِ وال َ ب الحق جان ُ ِ ِ ِ ب غيابات ومل ُء الدروب غياه ُ كتاب النصوص للصف احلادي عشر بغيرِ َك ّ فك ْر ْ حممود درويش وأنــــت ُت ـ ِ ّــر بــ َغــ ْي ِ ــر َك ـع ــدُّ َ فـــطـــور َك ،فــك ْ َ ـــوت الحما ْم ـس ُق َ ال تــنـ َ َ بغيرك وأنت ت َُسدّ ُد فاتورة الكهرباء ،فك ّْر َ ِ َ بغيرك البيت ،بيتِك ،فك ّْر وأنت تعود إلى َ ـرضــعــون الــغــمــا ْم مــن يـ َ َ بغيرك ـوض حــرو َبــك ،ف ـ ّكـ ْـر َ وأنـــت تــخـ ُ َ بغيرك الكواكب ،فك ّْر وأنت تنا ُم وتُحصي َ َ نفسك باالستعارات ،فك ّْر بغ ْي َ رك َ تحر ُر َ وأنت ّ باآلخرين البعيدين ،فكّر بن ِ وأنت ُت َفك ُّر َ َفسك َ ْ 62 َ يطلبون السال ْم تنس من ال َ ـب الخيا ْم تنس ش ـ ْعـ َ ال َ َث ّم َة َمن لم َي ِجدْ ح ّي ًزا للمنا ْم َمن فقدوا ح َّقهم في الكال ْم ْ شم َع ٌة في الظال ْم قل :ل ْيتَني ْ ةّيبدألا ُصوصّنلا -رعِّشلا احلركة ِّ ِ ِ مل ّتحدة اإلمارات دولة عري ُة يف العربي ِة ا ُ ُ ّ الش ّ ِ ِ ِ ِ ِ للش ِ إذا أردنــا ْ نــؤر َخ ِّ ّحــدة ،فإنّنــا نجــدُ صعوبــ ًة المت ــعر الحديــث فــي دولــة اإلمــارات العرب ّيــة ُ أن ِّ ـعر الحديـ ِ الشـ ِ ـك ّ فــي تحديـ ِـد بواكيـ ِـر ِه ،أو بداياتِـ ِـه؛ ذلـ َ أن مــا َوص َلنــا مــن ِّ ـث -ح ّتــى اآلن -ال يــكا ُد ـاوز مرحلـ َة العشــريني ِ ـك فــا نــكا ُد نعثـ ُـر علــى نصـ ٍ ات ،ومــا بعدَ هــا ،أ ّمــا مــا قبـ َـل ذلـ َ ـوص شــعر ّي ٍة يتجـ ُ ّ ـإن الدِّ راسـ ِ ـعر الحديـ ِ الشـ ِ ـك فـ ّ أن نت َ ـتطيع ْ ـث فــي هـ ِـذ ِه المنطقـ ِـة ،ولذلـ َ ـخ ِّ ّخذهــا ُمن َط َل ًقــا لتأريـ ِ ـات نسـ ُ ـث فــي اإلمـ ِ ـعر الحديـ ِ الشـ ِ الشـ ِ ـارات تنطلـ ُـق -عــادةً -مــن ّ روا َد ِّ ـاعر «ســالم بــن علــي ا ّلتــي تناو َلـ ْ ـت ّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ونهايــة ال َق ِ العويــس» ا ّلــذي َ ــرن عشــر، ــع الممتــدّ ة مــا بيــ َن نهايــة ال َقــرن التّاس َ َ عــاش فــي الفتــرة ُ وبوصف ِ ِ ِ ِ ِ الش ِ اإلحيائــي ا ّلــذي َ ــه ّ األو َل لهــذا ِّ كان ــاعر الحديــث، ــعر الرائــدَ ّ َّ الش َ العشــري َن بوصفــه ّ غر َقـ ًة فــي المحسـ ِ ـزة تنــأى عــن مجـ ِ يكتــب بطريقـ ٍـة متميـ ٍ ـت ُم ِ ـاراة األسـ ِ ـنات البديع ّيـ ِـة، ـاليب ا ّلتــي كا َنـ ْ ُ ّ ُ ُ َ ِّ ُ ِ ِ والمناســبات ،واأللغـ ِ ـاز. والتــي كانــت تركــز علــى اإلخوان ّيــاتُ ، ـعراء واألُدبـ ِ الشـ ِ ـاعر «ســالم بــن علــي العويــس» ،مــن أمثـ ِ الشـ ِ ُّ ـاء ا ّلذيـ َن ُيذ َكـ َ ـع ّ وكل ُّ ـال :محمـ ِـد ـرون مـ َ ـح ،ومبـ ِ ـلطان بـ ِ ـن حمـ ِـد العقيلــي ،وأحمــدَ بـ ِ ـارك بـ ِ ـان بـ ِ ـن ثانــي بـ ِ بـ ِ ـن سـ َ ـن قطامــي ،وخلفـ َ ـن ـن مصبـ ٍ َ ُ ِ ِ ِ ٍ وعلــي ِ وســعيد الهاملــي ،وأحمــدَ ِ بــارك ِ قمبــر، بــن بــن خصيفــ َة، ســيف النّاخــي، بــن ســلي ٍمَ ،و ُم ِّ ون مــن معاصريـ ِـه ،أو ممــن عاشــوا فــي فتـ ٍ ُي َعــدّ َ ـرة قريبـ ٍـة مــن عصـ ِـر ِه... ْ ّ ُ الشــعراء ا ّلذيـن عاشــوا قبـ َـل هـ ِ أ ّمــا ّ نصوصــا شــعر ّي ًة ـؤالء فإنّنــا ال نعـ ُ ـرف عنهــم شــي ًئا ،وإذا لــم نجــدْ ً َ ُ ِ أساســا إلــى غيـ ِ ـاب وسـ ِ ـتمرار ،فـ ّ ـإن ذلـ َ ـم تؤ ِّكــدُ هــذا التّواصـ َـل واالسـ ـك يرجـ ُ ـائل ال ِّطباعــة ا ّلتــي لـ ْ ـع ً َ تأخـ ٍ ـج ّإل فــي فتـ ٍ ـرة ُم ّ تدخـ ْـل إلــى منطقـ ِـة الخليـ ِ ـرة.1 ف أوائـ ُـل ُشـ ِ ـرة» نســب ًة إلــى منطقـ ِـة «الحيـ ِ ـارات باسـ ِم «جماعـ ِـة الحيـ ِ ـعراء اإلمـ ِ ـرة» فــي مدينـ ِـة وقــد ُعـ ِـر َ الشـ ِ ـي العويـ ِ ـلطان القاســمي ،وخلفـ ُ ـارقة ،وهــم :صقـ ُـر ب ـ ُن سـ َ ّ ـس، ـالم ب ـ ُن علـ ّ ـان ب ـ ُن مص ّبــح ،وسـ ُ ـي العويـ ِ وأخــو ُه ُسـ ُ ـس. ـلطان ب ـ ُن علـ ّ ِ ِ ِ بالش ِ ِ ُ الكامــل فــي االلتــزا ِم ّ لهــؤالء ُّ وكانَــت القصائــدُ ِّ ــكل بانحيازهــا تحتفــظ ــعراء الش الشــعر ّي ُة ِ ِ بمســتوى ُمتقــدِّ ٍم مــن الوعــي ّجديــد فــي المعنــى ،كمــا تشــهدُ لهــم محاولــة الت مــع ً العمــوديَ ، ِّ الرشيد بوشعي :ر ،أدب الخليج العربي الحديث والمعاصر ،منشورات دار العالم العربي ،دبي ،ط142 ،1هـ2011/م. )1أ .دّ . 63 كتاب النصوص للصف احلادي عشر وال ُقـ ِ ـدرة علــى اإلبــداعِ ،وتعــدُّ ِد محـ ِ ـاور الخطـ ِ ـاب ِّ ـعري واتّجاهاتِــه وجوانبِــه وجدان ًّيــا ،ووطن ًّيــا، الشـ ِّ وقوم ًّيــا. الشـ ِ ـارات اعتمــدَ علــى تثقيـ ِ ـل فــي اإلمـ ِ ـعراء األوائـ ِ ـف ذاتِـ ِـه بوسـ َ ـائل ُمختلفـ ٍـة ،وذلـ َ وجيـ ُـل ُّ ـك مــن ـف والمجـ ّـا ِ ـال متابعـ ِـة الصحـ ِ خـ ِ ت ا ّلتــي كا َنــت تصـ ُـل إلــى المنطقـ ِـة بطريقـ ٍـة غيـ ِـر ُمنت َظ َمـ ٍـة ،ومــن ُّ ُ ِ ـب فــي المكتبـ ِ ـال اإلذاعـ ِ ـاتْ ،أو مــن خـ ِ خـ ِ ـال الكتـ ِ والمث ّقفيـ َن مــن ـات ّ الخاصــة لــدى الميســوري َن ُ أبنـ ِ ـاء المنطقـ ِـة. ـول الصحافـ ِـة وال ِّطباعـ ِـة فــي مرحلـ ِـة الســتيني ِ ات ّ ّ ـي ،ودخـ ِ ّ ومـ َ ـع تطـ ّـو ِر التّعليـ ِم فــي المجتمـ ِع اإلماراتـ ِّ مــن ال َقـ ِ الت فــي مجـ ِ الشـ ِ ـرز ْت قصيــد ُة التّفعيلـ ِـة كشـ ٍ ـال ِّ ـكل جديـ ٍـد ـت تحـ ّـو ٌ ـرن الماضــي حد َثـ ْ ـعر ،وبـ َ ـور «أحمــد أميــن المدنــي» -رحمـه ال ّلـه -باإلضافـ ِـة إلــى كتابـ ِـة القصيـ ِ ـاعر الدّ كتـ ِ الشـ ِ فــي تجـ ِ ـارب ّ ـدة َ ُ ُ ِ للشـ ِ الشـ ِ ـاعر «المدنــي» رؤي ـ ًة جديــد ًة ِّ ـت تجرب ـ ُة ّ واألدوات التّعبير ّيـ ِـة ـعر والعا َل ـ ِم العمود ّيـ ِـة ،وحم َلـ ْ والفن ّيـ ِـة. ِ مرحلــة الســبعيني ِ ِ ظهــر ْت كوكبــ ٌة جديــد ٌة مــن ُّ والم َجدّ ديــ َن ا ّلذيــن ات وفــي ّ المحافظيــ َن ُ الشــعراء ُ َ ّ ـدة :العمــودي والتّفعيلـ ِـة ،مثـ َـل :مان ـ ِع سـ ِ كتبــوا فــي نموذجــي القصيـ ِ ـعيد العتيبـ ِـة ،وشــهاب غانــم، ّ الشـ ِ المحافظـ ِـة فــي تجـ ِ وحبيـ ِ ـارب ُّ ـعراء :ســلطان خليفــة الحبتــور، ـب ّ الصاي ـغِ ،كمــا امتــدَّ ُعنصـ ُـر ُ وحمــد بوشــهاب ،وعــارف ّ الشــيخ... ، ـات ظهــر ْت فــي اإلمـ ِ وفــي مطل ـ ِع ال ّثمانينيـ ِ ـوات شــعر ّي ٌة كثيــرةٌ ،تنتمــي إلــى كال ال ّت ّي َار ْيـ ِ ـن، ـارات أصـ ٌ ّ َ وحصــة عبدال ّلــه ،وكلثــم عبدال ّلــه، ومنهــم :عــارف الخاجــة ،وأحمــد راشــد ثانــي ،وميســون صقــر، ّ وكريــم معتــوق ،وإبراهيــم محمــد إبراهيــم ،وإبراهيــم الهاشــمي... ، الشــعري فــي اإلمـ ِ وبعــدَ هـ ِـذ ِه الفتـ ِ ـرة اتّس ـ َع ْت دائــر ُة اإلبــدا ِع ِّ بالمالحظـ ِـة ـارات، وأصبحـ ْ َ ِّ ـت جديــر ًة ُ ِ الشــعر ّي ِة فــي الوطـ ِ راسـ ِـة ،ح ّتــى غــدَ ْت كأنّهــا صــور ٌة ُمص ّغــر ٌة عــن الحركـ ِـة ِّ ـن والرصــد والتّوثيـ ِـق والدّ َ َّ ممــا يعنــي ّ أن الحرك ـ َة ّ نتجــا شــعر ًّيا الشــعر ّي َة اإلمارات ّي ـ َة أفـ َ ـي ،بـ ْـل وفــي العا َل ـ ِم ً ـرز ْت ُم ً أيضــاّ ، العربـ ّ ـب المختلفـ ِـة لحداثـ ِـة القصيـ ِ أســهم فــي بلـ ِ ـع الجوانـ ِ ـورة ٍ ـي ُمتم ّيـ ٍـز َو ُمتفاعـ ٍ ـدة فكر ًّيــا ـل مـ َ أدب عربـ ٍّ َ ِ ِ ِ ِ ممــا جع َل ـ ُه ُيش ـك ُِّل رافــدً ا قو ًّيــا مــن روافــد األصالــة ال ّثقاف ّيــة ألُ ّمتنــا. وفن ًّيــاّ ، ِ ِ الذهبي ِ ِ ِ ــة مــن ُع ْم ِ الشــعرا ُء اإلمارات ّي َ واكــب ُّ دولــة ّحــاد ــر ات وقــد ــون نهضــ َة دولتهــم فــي الفتــرة ّ ّ َ 64 ةّيبدألا ُصوصّنلا -رعِّشلا ـارات العربيـ ِـة المتّحـ ِ اإلمـ ِ الشــعر ّي ِة اإلمارات ّيـ ِـة يجــدُ ّ ـدةّ ، ـع للحركـ ِـة ّ أن القصيــد َة تطـ ّـو َرت، المتَت ِّبـ َ ّ وإن ُ ـذب األلفـ ِ ـاعر بأعـ ِ ـح الوطـ ُن لوحـ ًة يرسـ ُـمها ّ األدوات ّ ـاظ، كمــا تطـ ّـو َر ْت ُ الشــعر ّي ُة ذاتُهــا ،وأصبـ َ الشـ ُ ِ ِ ِ ٍ الصـ ِ ِّ ـص ّ ـور ّ ـعري الشـ َّ والرمز ّيــة ا ّلتــي تزيــدُ النّـ َّ ويلونُهــا بألــوان َشـتّى مــن ُّ وأرق الكلمــاتّ ، الشــعر ّية ّ جمـ ً ـأن يكـ َ ـعر يكتفــي بـ ْ ـال والتزا ًمــا ،ولــم َي ُعـ ِـد ِّ ـون وز ًنــا وقافي ـ ًة وصــور ًة خيال ّي ـ ًة. الشـ ُ ـكل العمــودي للقصيـ ِ الشـ ِ الشـ ِ ـدة قـ ُ ـول ّ ـت علــى ّ ـاعر « ُمبــارك ابــن ومــن نمــاذج القصائـ ِـد ا ّلتــي حاف َظـ ْ ّ ِ ـدة مهـ ٍ ٍ ِ صديقـ ِـه ّ الشـ ِ ـيخ «عبدال ّلــه بــن صالــح المطـ ّـوع»:1 ـداة إلــى ســيف النّاخــي» فــي قصيـ ُ ـك شـ ِ َ َعـ ِـهــد ُتـ َ اقتدار ولــك ـاعـ ًـرا ُ َو َش ْهما مـ ِ ـاجــدً ا ،ولـ َ افتكار ـك ُ ً ِ ـــحـــا ًثـــا َوفـــ ًّيـــا ولــــــــآداب َب ّ َ رعــــاك الــ ّلــ ُه ِمـــ ْن ِخ ٍّ ـــل ُهــمــا ٍم ِ مـــدار أنــــت َلــــ ُه ّــاريــخ ولــلــت َ ُ ٍ َلــــ ُه فــي ك ِّ ـار ُــــل َحــ ْلــ َبــة ابــتــكـ ُ «أبـــا قــاســ ٍم» يــا نــذيـ َـر ال ـ َبـ َـشـ ْـر ِ ِ ّ ينتص ْر ـــمـــ ْن بــــأن الــحــيــا َة ل َ ِِ وكذلك ِ الش ِ َ قول ّ (تفرق قومي):2 اعر «سلطان خليفة الحبتور» في قصيدته ّ كــان ُّ َ وصــو ُتـ َ موح ـك يبث ال ّط َ ويـــزرع فــي حــالِــكـ ِ ـات الدُّ جى ُ ويمحو من الن ِ الح َذ ْر ّفس معنى َ ـارا ُي ــض ــي ُء حــيــا َة ال ـ ّبـ َـشـ ْـر ن ــه ـ ً ّخذ ْت من الت ِ ِ الش ِ شكل جديدً اُ ، ّفعيلة ً القصائد ا ّلتي ات َ قول ّ اعر «شهاب غانم»:3 ومن إنّها الموج ُة تلهو تلعب إنّها الموج ُة ْ تذهب سوف تأتيُ ،ث ّم َ ْ تذهب ُث ّم تأتيُ ،ث ّم ْ فإذا األ ّيا ُم تقسو )1مبارك الخاطر« ،رجل ...ومولدُ َقرن» ،منشورات دائرة الثّقافة واإلعالم ،الشّ ارقة1997/م. وأ ِ )2قصائد من اإلمارات ،منشورات اتّحاد ُك ّتاب ُ دباء اإلمارات ،ط1986/1م. )3المصدر السابق. 65 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ربما في ِ الغد تأسو ُّ تبسم هر ّ وإذا الدّ ُ يتجهم ال َي ُغرن َْك ...غدً ا قد ّ فلماذا تتأ ّلم؟ ولإلســتزادة عــن التجربــة الشــعرية للدكتــور شــهاب غانــم ،يمكــن االطــاع علــى كتــاب (طائــر الشــعر الجميــل) ،لمؤلفــه الدكتــور أكــرم جميل قنبس ،منشورات وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع -أبوظبي /ط.2015/1 66 ةّيبدألا ُصوصّنلا -رعِّشلا إىل أُ ّمتي الس ُم ِّو َّ آل َمكتومٍ بن راشدٍ ِ يخ الش ُ صاحب ُّ َّ حمم ُد ُ ُ َم ِن المقصو ُد في ال َبي َت ِ ين األول ِ َين؟ َّ ِ الشائعةُ في ما العاطفةُ ّ ِ ِ األبيات م ْن 6 - 3؟ كيف هي ِجل َُّق؟ و َ َم ْن َ ت؟ أصبح كيف و ؟ كانت َ َ ْ ْ عبير "أنّى بِ َم يوحي ال َّت ُ ثمةَ غيلَةً ت َّ الْ َت َف َّ فإن َّ كبةٌ ِ و َد ٌم و َن َْ قاق"؟ وش ُ ما نوع الت ِ شبيه في قولِ ِه: ُ َّ فيف ريف َح ُ الص ُ "فإذا َّ أَ ْج ِن َح ِة ال ُعال"؟ َكـ ْفـ ِ الم ُ ـف ُدمــو َعـ َ شتاق ـكـ ْ ـك َأ ُّيــهــا ُ ـون بِـ ِ ْـــــت َم ـ ْفــتـ ٌ ـعـ ْـشـ ِـقـ َ ـك ُأ َّمـــ ًة َو َلَن َ َأ ّوا ُه مــا هـــذا ا ّلــــذي فــي ُأ ّمــتــي نــا َد ْيـ ُ ِ ـــي في َأ ْسمالِها ـت جـ َّلـ َـق َو ْه َ ِ َوبِ َ ــــأ ْر ِ ـــو ٍد ـحـ ٍـر َأ ْس َ ض بــابِـ َـل َأ ُّي سـ ْ ـت َفـــــإِ َّن َث ـ َّـمــ َة غــيـ َلـ ًة َأنّــــى ا ْلــ َّتــ َف ـ َّ ِ ِ الردى في ُم ْه َج ٍة م ْن َب ْعد َأ ْن َي ْقضي َّ مــا َهــ َك ــذا كــانــا َمــــا َذ ُعــرو َبــتــي ِ ــو ٌق ـــري َف َ ــض َّ ــج ُمــ َط َّ َأ ْط ـ َل ـ ْع ـ ُتــهــا س ّ ِ ِ ـب بِــدْ َعـ ٍـة َو َطـــ ٌن َيــرانــي فيه صــاحـ َ ــة بـــدَ وي ٍ ـــت فــي َخــي ٍ ـــة َـــر َّبـــ َع ْ ــم َ َّ ْ َ َوت َ ــهــوى ال ـ َقــريـ ِ َمــ ْب ـض َأب ـ َّي ـ ٌة ــهــور ٌة بِ َ َ في فا ْنتَشى نور َح ْر َ َو َأ َخـ ْـذ ُت َأ ْج َم ُع َ فيف َأ ْجنِ َح ِة ال ُعال ريف َح ُ الص ُ فإِذا َّ ـــت ُأ َّمــتَــنــا ال ـ َعــظــيـ َـم ـ َة َأ َّنــنــا نـــا َد ْي ُ ـدار ِة َم ْو ِض ًعا ال ن َْرتَضي َغ ْي َر الـ َّ ـصـ َ زار َم ْوطِنَنا َوعــا َي ـ َن ُصنْ َعنا َمــ ْن َ ــــــة عــربــي ٍ َعــــــرب ســــا َلــــ ُة ُأم ٍ ــة َّ َّ َ ٌ ُ ِم ـ ْن َأ ِر ِضــنــا َو ِمــ َن َ الخ ِ ليج َو َأ ْهـ ِـلـ ِـه 67 َفـ ِـل ـ ُكـ ِّـل وج ٍ ـت َم ـ ُ ـذاق ـــد َل ـ ْـو َعـ ِـلـ ْـمـ َ َ ْ َخ َضع ْت لِـ ِ ـعـ َّـز ِة َم ْج ِدها األَ ْعــنـ ُ ـاق َ ـــل حـ ّتــى اســـــود ِ َقـــدْ َح َّ ُ اآلفـــاق ت ْ َ َّ ِ ـب َو َمــحـ ُ ـاق ـي َخــرائـ ُ َونَــ َظ ْــر ُت َو ْه ـ َ َأدمـــى َف ـ َلــم ي ـعـ ِـد ِ ــراق ِع ـ ُ الــع ُ ـراق ْ ْ َ ُ ُ ُ ـــقـــاق ـــــراق َونَـــكْـــ َبـــ ٌة َو ِش َو َد ٌم ُي ُق ْ ـع َبـ ْعــدَ هــا ال ـ ِّتـ ْـريـ ُ ـاق؟ ــل لــي َأ َي ـنْ ـ َفـ ُ ـب ُي ُ ك ّ طاق َــا َوال الـ َـو ْضــع ُ الـ َّـرهــيـ ُ ـت َلــه الــمــهــج ِ ــزاز ت ُ ُساق الــع ُ كــا َنـ ْ ُ ُ َ ُ فــي حــب ِ ُ شـــاق ــف ُأ ــه َو َي ـــغـــار كَــ ْي َ ُ ِّ ُ ــس لــهــا َبــ ْيــ َن الــنُّــجــو ِم ِر ُ فـــاق نَــ ْف ٌ ِ ـــم ُ ـــاق ــــربــــ َّيــــ ٌة إِنْـــســـانُـــهـــا ع ْ َع َ ــس األَ ْو ُ راق ـــم َلــــ ُه تَــتَــنــا ُف ُ َقـــ َل ٌ وإذا الــصــحـ ِ ـف ُكـ ُّلــهــا إِ ْش ُ ــــراق ـائـ ُ َّ ِ ـب َعـ ْـز َمــنــا ٍ َمـــ ٌ اإل ْخ ــف ـ ُ ـاق أ ُيــجــانـ ُ َو َلـــنـــا عــلــى مـــا نَـــدَّ عـــي مــيــثـ ُ ـاق َص ـ ّلــى َو َ الــخ ّ َـــبـــار َك َ ــا ُق قـــــال :ت َ ـاب واألَ ْع ُ ـــراق َشـ ُـر َفـ ْ ـت بِها األَ ْنــسـ ُ ـج َو ِو ُ َحــيـ ُ ثــــاق ـث ال ـ ُبــطــو َل ـ ُة َم ـنْـ َـهـ ٌ ت كلمةُ لماذا ُم ِن َع ْ ِ "خرائب" م َن الص ِ رف؟ َّ ما ال َغ َر ُض ِم َن االستفها ِم في الب ِ يت َ السابعِ؟ ّ ما َداللةُ ال ُّنجو ِم في ِ البيت؟ هذا كتاب النصوص للصف احلادي عشر ـاع ِم ـ ْن َأ ْق ِ َلــوال َ طارنا ليج َلــضـ َ الخ ُ ا ْذك ُِر اآليةَ الكريمةَ الّتي اس َتش َه َد بها اعر هنا. ّ الش ُ ـــمـــا َدعـــانـــا َشــ ْعــ ُبــ ُه كُـــنّـــا َلـــــ ُه َل ّ َلـــوال بــطــو َلــ ُة ج ـيـ ِ ـشــنــا َو َشــبــابِــنــا َ ْ ُ ليج هــي الــمــا ُذ ِلُم ٍ ُد َو ُل َ الخ ِ ـــة َ َ َّ َو ِمـــ َن َ الخ ِ ـــو ُة ُأ َّمــتــي ليج َتــعــو ُد ُق َّ َولِ ـ َـمــ ْن َيــ ُظــنّـ َ ـون الــحــيــا َة َبسي َط ًة ِ الرجا ـار بِها ُيفيدُ َوال َّ ال اال ْنــتــظـ ُ قـــال ُق ِ والــ ّلــ ُه َ ـــل ا ْعـ َـمــلــوا بِ ِكتابِ ِه قيق َونــا َلــ ُه ِ اإل ْح ُ الـ َيـ َـمـ ُن َّ ـــراق الش ُ د ْعــــوى ال ـ َغــريـ ِـق َكــتـ ِ ـائ ـ ًبــا َتـنْــسـ ُ ـاق َ ِ ِ َ ــر ُاق َلـ َقــضــى َو الــس ّ عــــاث بِ َــر ْبــعــه ُّ َغــــــراء َلـــيـــس لِ ِ ُ ـــــاق ـــزهـــا إِ ْم ـــع ِّ ّ َ ْ َ ْـــب الــفـ ِ ـــرك ِ ـائــزي ـ َن َلــحـ ُ ـاق َو َلــهــا بِ َ ـــت ِســبـ ُ ـاق إِ َّن الــحــيــا َة إذا َو َعـــ ْي َ ب ْ ِ ُ ــــــاق ــــارهــــا َد ّف َ ــــمــــ ٌة تَــــ ّي ُ ـــــل ه َّ ِ ِ األر ُ زاق َوبِ ْ ـحـ َّ ــاالجــتــهــاد ُتـ َ ـصـ ُـل ْ 68 اعر أُ َّم َت ُه؟ ف ّ بِ َم َو َص َ الش ُ ةّيبدألا ُصوصّنلا -رعِّشلا سرية وطن شيخة املطريي ِ أدر الــمــعــانــي إنــهــ ّن غنائيا الش ِ َ عيون ّ عر من أحداقيا ُب واسك ْ ُ بالصهيل وداخلي تطر ُب ّ الخيل َ ِ ِ وأمـ ْ تاريخها القو ِل عن ـط لثا َم ْ ـوحــدً ا وتساميا سبع َص َهلن َتـ ُّ ٌ ِ واسأل األيامِ :حس ُب ِك ماهيا ف ِق ْ كتبوا على موج الخليج قصيدة الفض قلب الشعر يصدح تاليا ّ هي ُ الم َعتَّق نخلة أول الـ ّـرمــل ُ تهم وعرو َقهم صو َ والطي ُن خ ّبأ ْ هم هكذا بــدؤوا ونحن نعيدُ ها أدر المعاني والمغاني والهوى * من ديوان « ماأكثري وأق ّلي» ،ص 38 69 هــا شممت برملها أجــداديــا أمـــــرر ف ــوق ــه أحــامــيــا وأنـــــا ّ يــا ســيــرة أولـــى ومــجــدً ا باقيا اإلمارات اقرؤوا أمجاديا وطني ُ كتاب النصوص للصف احلادي عشر عاملي ِشع ٌر ٌّ تنويع عن الغصون (آنا أخماتوفا) ُ الريـح ترحـل حينما ُ مـن سـيهز الغصـون..؟ حينما يذبل الغصـ ُن سـيلم النـدى.. مـن ّ في الصباح..؟ سعادة حجر (إيميلي ديكينسون) كم بالغة سعادة الحجر يتسكع وحده في الطرق بال ضجر فال يهمه العمل وال بالمتطلبات يضيق األمل وثوبه البني ألبسه إياه الدهر الذي من فوقه عبر وهو كالشمس بكل حرية يلمع وحده أو مع البقية محق ًقا وجوده بكل بساطة وعفوية. 70 ةّيبدألا ُصوصّنلا -رعِّشلا خريف (ألفونس دي ال مارتين) المكسو ُة باألخضر المستديم! الغابات ـات ،أيتها ُ تح ّي ٌ ّ ِ المص َف ّـر ِة على العشب المتنـاثر! األوراق ُ ـات ،أيتها األيام األخيرة الرائعة ! ِحدا ُد الطبيعة تح ّي ٌ عينـي. ِّـع ـثيـر ألمي و ُي َمت ُ َّ ُي ُ ٍ بخطوات حالمة في طريق مهجـور، أسير وآلخـر ٍ ِ مرة، وأريد أن أرى ثانية، الشمس المتضائـل َة ّ والشاحـب َة والتي ال ينفـذ هذه َ نورها الواه ُن إلى ظالم الغابات عند قدمي إالّ بجهد! ُ أجمل البحار (ناظم حكمت) ُ أجمل البحار نذهب إليه بعد البحر الذي لم هو ْ ُ ُ وأجمل األطفال هم الذي َن لم يكبروا بعد ُ وأجمل األيام هي َ تلك التي في انتظارنا ُ وأجمل القصائد هي تلك التي لم أكتبها لك بعد يا صغيري... يا صغيرتي... 71 كتاب النصوص للصف احلادي عشر تعلم الصمت (كارين بويه) كل ليلة على األرض الطافحة باأللم. أيها الفؤاد تعلم كيف تصمت. النفوس القوية ،كالدروع القوية، تعكس الضوء من موطن النجوم. من شأن عويلك أن يجعلك أضعف. أيها الفؤاد تعلم كيف تصمت. يقوي، فالصمت وحده يشفي ،الصمت ّ وهو طاهر على نحو غير ممسوس ،ومخلص ببراءة. (فرناندو بيسوا) نظمت كل آللئ هذا العقد ألهديه إليك. الآللئ قلبي والخيط؟ حزني. 72 ِ القصرية ص ُة ُ الق َّ 73 كتاب النصوص للصف احلادي عشر 74 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ ِ القصرية ص ُة ُ الق َّ ِ ـص فـ ٌ ـان أثـ َـر فــان :أي ـص» ،ا ّلــذي يأتــي بمعنــى التَّت ّبــع ،يقــال :قـ َّ «الق ّصة»مشــتقة مــن الفعــل « َقـ َّ تت ّبعــه .ومنــه قولــه تعالــى( :ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) .ويأتــي أيضــا بمعنــى اإلخبــار والروايــة ،يقــالَ :قــص عليــه الخبــر :أي حدّ ثــه ،و َقــص ِ الق ّصــة :أي حكاهــا. ً ّ ّ ِ فالق ّصــة :هــي الحكايــة ا ّلتــي تُحكــى. أمــا ِ «الق ّصــة» فــي االصطــاح فلهــا تعريفــات كثيــرة ،لك ـ ّن معظــم هــذه التعريفــات يؤكــد علــى ّ أن ّ ِ الق ّصــة ســرد متخ ّيــل قصيــر نســب ًّيا ،يهــدف إلــى إحــداث تأثيــر معيــن ،وفــي أغلــب األحــوال تركــز ِ الق ّصــة القصيــرة علــى شــخصية واحــدة فــي موقــف واحــد ،فــي لحظــة واحــدة ،فــي مــكان بعينــه. ِ ـري يتنــاول بالســرد حد ًثــا وقــعْ ،أو يمكــن ـي نثـ ٌّ وقــد اختصــر بعضهــم تعريــف الق ّصــة بقولــه « َفـ ٌّن أدبـ ٌّ أن يقــع». وأهــم مــا يمكــن أن يقــال عــن ِ الق ّصــة (والروايــة كذلــك) إنّهــا فـ ٌّن غايتــه اإلمتــاع فــي المقــام األول، فليــس مــن أهــداف ِ الق ّصــة (أو الروايــة) أن تقــدم معلومــات للقــارئ بصــورة مباشــرة ،وليــس مــن إن ِ أن تُع ّلــم أو تعــظّ . أهدافهــا ْ الق ّصــة فــن ،والفــن ال يتخــذ مــن الخطــاب المباشــر وســيلة أو طريقــة للتعبيــر والوصــول إلــى وجــدان القــارئ. إن ِ ّ الق ّصــة تســتحث القــارئ علــى التفكيــر والتأمــل ،وعلــى أن ينظــر إلــى الحيــاة مــن زوايــا مختلفــة، ومــن خــال تفاصيــل صغيــرة جــدًّ ا قــد ال ينتبــه إليهــا ،لكنهــا تشــكل حيــاة النــاس وتؤثــر فيهــم، لذلــك نقــول :إن ِ الق ّصــة الناجحــة هــي ا ّلتــي تجعــل القــراء يفكــرون ،ويشــعرون. وهنــاك عناصــر أساســية تقــوم عليهــا ِ الق ّصــة (أو الروايــة) ،والكاتــب الناجــح هــو ا ّلــذي يشــكل مــن متجانســا متماس ـكًا ،يؤثــر فــي القــارئ ،ويوصــل إليــه فكــرة مــا بشــكل غيــر هــذه العناصــر بنــاء فن ًّيــا ً مباشــر ،ومــن أهــم عناصــر ِ الق ّصــة: القصــة القصيــرة علــى حــدث مفــرد؛ ِ ِ فالق ّصــة تجــري فــي زمــان محــدد، .1الحــدث :عــادة مــا تقــوم ّ ومــكان محــدد ،وتتنــاول موق ًفــا محــد ًدا ،أو شــريحة مــن الحيــاة بغيــة تســليط الضــوء عليهــا. 75 كتاب النصوص للصف احلادي عشر .2الشــخصيات :عنصــر الشــخصية يعــد دعامــة أساســية مــن دعامــات ِ الق ّصــة ،فــا يمكــن ْ أن تُبنــى قصــة مــن دون وجــود شــخصية تحــرك األحــداث وتتأثــر بهــا ،والشــخصية قــد تكــون إنســانًا أو حيوا ًنــا أو كائنًــا متخيـ ّـاً. .3اإلطــار الزمانــي والمكانــي :يحــدد هــذا العنصــر زمــن وقــوع األحــداث ومكانهــا ،والكاتــب المتمكــن يوظــف عنصــر الزمــان والمــكان توظي ًفــا يناســب جــو ِ الق ّصــة ،والفكــرة. ّ .4الــراوي ووجهــة النظــر :الــراوي هــو ا ّلــذي يــروي ِ الق ّصــة ،وهــو ليــس الكاتــب ،بــل الكاتــب يختــار وجهــة نظــر معينــة تُــروى مــن خاللهــا ِ الق ّصــة ،ويرويهــا ٍ راو قــد يكــون شــخصية مــن شــخصيات ِ الق ّصــة ،وقــد يكــون راو ًيــا خارج ًّيــا .ووجهــة النظــر ا ّلتــي ينطلــق منهــا الــراوي تتقاطــع مــع فكــرة الروايــة ،ألنهــا تع ّبــر عنهــا. قصتــه أو روايتــه ليصنــع منهــا عمـ ًـا فن ًّيــا، .5الحبكــة :الطريقــة ا ّلتــي يجمــع بهــا الكاتــب أحــداث ّ ـص مــن بدايتــه ح ّتــى نهايتــه ،وقــد يظهــر خــط بســيط يجــذب القــارئ ،ويشــدّ ه فــي اتجــاه النّـ ّ للحبكــة فــي بعــض القصــص ،فعلــى الرغــم مــن قصــر ِ الق ّصــة ،وضيــق المســاحة المتاحــة للكاتــب ليتحــرك فيهــا ،إال ّ أن بعــض القصــص يظهــر فيهــا تصاعــد لألحــداث ،ووصولهــا إلــى ـم انحــدار نحــو النهايــة. نقطــة توتــر عليــاُ ،ثـ َّ .6التشــويق :هــو العنصــر ا ّلــذي يشــدّ القــارئ نحــو ِ الق ّصــة وعالمهــا ،وغال ًبــا مــا يكــون مرتب ًطــا بشــيء تريــده الشــخصية الرئيســة ،أو مشــكلة تواجههــا .بعــض القصــص قــد تتحــرر مــن البنيــة التقليديــة ا ّلتــي تعتمــد علــى التشــويق وتــأزم الموقــف ،خاصــة تلــك ا ّلتــي تركــز علــى مشــهد وحيــد مضغــوط ،أو ا ّلتــي تُبقــي القــارئ داخــل دائــرة تفكيــر الشــخصية وتأمالتهــا وأســئلتها، ولذلــك يصنــف بعضهــم القصــص إلــى «قصــة شــخصية» و«قصــة حبكــة أو حــدث» .أ ّمــا الثانيــة، فــي الغالــب ،هــي ا ّلتــي قــد تحــوي عنصــر التشــويق القائــم علــى توتــر األحــداث ووصولهــا إلــى ـأزم ُعليــا. نقطــة تـ ّ .7الفكــرة أو الموضــوع :وهــي الرســالة المبطنــة فــي ِ الق ّصــة ،والتــي يريــد الكاتــب مــن القــارئ أن يصــل إليهــا. 76 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ .8اللغــة :اللغــة ترتبــط بحجــم ِ الق ّصــة ،ويجــب أن تكــون مكثفــة تعتمــد التلميــح بــدل التصريــح؛ فــا مجــال للوصــف المســهب فيهــا ،وغال ًبــا مــا يتــراوح عــدد كلماتهــا بيــن خمســمئة إلــى عشــرة آالف كلمــة ،وقــد تســتخدم الحــوار ا ّلــذي يجــب أن يناســب الشــخصية ،ممــا يفتــح البــاب للعبــارات العاميــة والشــعبية. ويمكننــا أن نجمــل القــول فــي القصــة فنقــولّ : إن القصــة ال تتنــاول -خال ًفــا للروايــة -شــخصية كاملــة بــكل مــا يحيــط بهــا مــن حــوادث وظــروف ومالبســات ،وإنمــا تكتفــي بتصويــر جانــب واحــد مــن جوانــب حيــاة الفــرد .وال تتعــدد الشــخصيات فــي القصــة القصيــرة .ومــن الضــروري أن تتوافــر والزمــان والمــكان؛ فيجــب أن يكــون المــكان محــدو ًدا ،وأن يكــون الزمــان قصيـ ًـرا. وحــدة الفعــل ّ ـي -حد ًثــا مــن الحيــاة اليوميــة ،ويحــاول أن يجعــل منــه موق ًفــا وأن ينتقــي القـ ّ الروائـ ّ ـاص -عكــس ّ فنّ ًّيــا ،يوضــح بــه حقيقــة مــن الحقائــق. ولــم تعــد بنيــة القصــة القصيــرة وعناصرهــا كمــا كانــت وقــت ظهورهــا ،فقــد اختفــت بعــض الشــروط واختفــت بعــض العناصــر ،حتــى تــكاد كل قصــة قصيــرة لهــا شــكلها الخاص.ولقــد تعــددت موضوعاتهــا وأغراضهــا ومجاالتهــا وتباينــت فــي مــدى ارتباطهــا بالواقــع أو ابتعادهــا عنــه. ّ إن اإللحــاح الســابق علــى ملحــظ التركيــز فــي القصــة القصيــرة ،ســواء أكان فــي البنيــة الفنيــة أم فــي اللغــة ،يســوقنا إلــى الحديــث عــن أهــم خصائــص القصــة القصيــرة ،التــي يمكــن حصرهــا ،بشــكل عــام ،فــي ثــاث خصائــص: .1الوحــدة :وقــد أكّــد عليهــا كبــار الكتــاب والتزمــوا بهــا ،والمقصــود بالوحــدة هنــا :الوحــدة العضويــة التــي تــؤدي إلــى وحــدة االنطبــاع ،والتأكيــد علــى أن تحمــل القصــة فكــرة واحــدة، محكمــا يولــد فــي القــارئ انطبا ًعــا وتركــز علــى شــخصية واحــدة فــي الغالــب ،وأن تبنــى بنــاء ً واحــدً ا. .2التكثيــف :وهــو مطلــب جوهــري لنجــاح القصــة فن ًّيــا ،ولذلــك قــال عنهــا يوســف إدريــس: «القصــة القصيــرة رصاصــة» انظــر كيــف تصيــب الرصاصــة الهــدف ،فهــي ليســت حجـ ًـرا وال كــرة ،بــل رصاصــة تنطلــق لتصيــب الهــدف بســرعة ودقــة تامتيــن .ولذلــك فــإن كل كلمــة محســوبة فــي القصــة ،وكل جملــة لهــا دورهــا ،وليــس هنــاك مــكان لالسترســال فــي الــكالم 77 كتاب النصوص للصف احلادي عشر لمجــرد أنــه كالم جميــل أعجــب الكاتــب .والتكثيــف يختلــف باختــاف القصــة ،وطولهــا، وبنيتهــا الفنيــة. .3الدراميــة :ويقصــد بهــا التوتــر الــذي يجعــل القــارئ يتابــع القــراءة ،ويرغــب فــي الوصــول إلــى النهايــة ،حتــى لــو خلــت القصــة مــن الصــراع ،واعتمــدت علــى أفــكار الشــخصية الداخليــة فـ ّ ـإن الكاتــب الناجــح يســتطيع أن يشــدّ خيــط القصــة ،ويجــذب القــارئ إلــى عالمهــا .وهنــاك تقنيــات كثيــرة تســاعد الكتــاب علــى تصعيــد درجــة التوتــر فــي القصــة ،كالبدايــة المثيــرة للتســاؤل، أو الشــخصية المح ّيــرة أو المحتــارة ،أو الحــوار الداخلــي ،أو حركــة الزمــان أو المفارقــات، وغيرهــا كثيــر. إن القصــة تأخــذ مــن المســرح درام ّيتــه ،ومــن الشــعر تو ّتــرهّ . وكمــا قــال الن ّقــاد ّ إن القصــة القصيــرة تفتــح نافــذة صغيــرة للقــارئ ليطــل منهــا علــى مشــهد مــن مشــاهد الحيــاة لــم يكــن قــد َفطِــن إليــه مــن قبــل ،وكلمــا زادت النوافــذ أتيــح لهــذا القــارئ أن تتوســع نظرتــه للحيــاة ،وتــزداد عم ًقــا ومعرفــةّ . إن قــارئ األدب هــو إنســان أكثــر تســامحا وتقبــا للحيــاة بــكل تناقضاتهــا. 78 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ حادثةٌ جنيب حمفوظ ٍ ِ ِ َ ـم ـم فــي تلفــون الــدّ كان بصــوت مرتف ـعٍ؛ ليسـ َ ـمع صو ُت ـ ُه رغـ َ كان يتك َّلـ ُ ضوضـ ِ ِ ـاء شــار ِع الجيـ ِ بنصفـ ِـه األعلــى داخـ َـل الصاخبـ ِـة ،وجعـ َـل يميـ ُـل ـش ّ ِ ِ كان؛ ِ الــدُّ ِ ليبتعــدَ مــا أمكــ َن ِ بقولــه: َــم حدي َثــ ُه عــن َّ ثــم خت َ الضوضــاءَّ ، ِ ِ ـع (انتظرنــي ،سـ الســماع َة إلــى مكانهــا ،ونقــدَ البائـ َ ـورا) ،وأعــا َد َّ ـأحضر فـ ً ُ ْ ِ ـوق ال ُّطـ ِ ـتدار فـ َ َّجهــا نحـ َـو ال َّطريـ ِـق. ـوار مت ً كالمــة ،واسـ َ الم َ ثم ـ َن ُ َ ِ الســتي َن أو ِ َ الجبهـ ِـة ـروي َ نحوهــا ...طويـ ُـل القا َمــة نحي ُلهــاُ ،كـ ُّ كان فــي ِّ ِ الذ ْقـ ِ والعينيـ ِ ـم يبـ َـق فـ َ ـنُ ،م َكـ َّـو ُر َّ ـذور ـوق مرآتهــا ّإل جـ ُ ـن ،وأ ّمــا َص ْل َع ُتـ ُه فلـ ْ ـت شـ ِ ِ ِ ـض مثـ ُـل منابـ ِ ـح مظهــر ُه عــن إهمـ ٍ شـ ٍ ـال ـعر أبيـ َ أفصـ َ ـعر ذقنــه ،وقــدْ َ ُ ـيان الـ ّـذ ِ ـح نتيجـ ًة للسـن أو ال َّطبـ ِع أو نسـ ِ ـك َ ات ،علــى ذلـ َ صريـ ٍ ـع كان يتم َّتـ ُ ِّ ِّ ٍ مرح ٍ ٍ ٍ ينظــر إلــى وابتهــاج ..وبــدا أنَّــ ُه بنشــاط وتلتمــع عينــا ُه ــة، ُ بحيو َّيــة ِ َ ُ ـف م ـن ال ُّلوريـ ِ ِ 1 الدّ اخـ ِ ـم مـ َ ـات ّ ـال ُي ْمن ـ ًة بمحــاذاة صـ ٍّ َ ـل ال إلــى ال َّطريـ ِـق ،ثـ َّ ِ لصـ َـق ال ُّطـ ِ ـوار ح ّتــى وجــدَ منفـ ًـذا إلــى ّ الشــارعَِ ..مـ َـر َق مـ َن المن َف ِذ؛ الواق َفــة ْ الشــارع إلــى ِض َّفتِ ِ ِ يجــاو ُز ُمقدِّ مــ َة ال ّلــوري ــه األُخــرى ،ومــا كا َد ــر ّ َ لي ْع ُب َ ارة (فــورد) نحــوه بسـ ٍ األخيـ ِـر ح ّتــى شــعر باندفــا ِع س ـي ِ ـرعة فائقـ ٍـة.2 َُ ّ َ أن يتراجــع بسـ ٍ الشـ ِ وقـ َ كان عل ْيـ ِـه ْ ـهود فيمــا بعــدُ إ َّنـ ُه َ ـال أحــدُ ُّ ـرعة ،وإ َّنـ ُه َ َ ســرعة الســي ِ ِ ٍ لــو َ َ لســبب مــا -لع َّلــ ُه ارة ،ولكنَّــ ُه رغــم ذلــك لنَجــا فعــل َّ ّ ْ َ ـاتر يــا ـب إلــى األمــا ِم ،وهـ َـو يهتـ ُ المفاجــأ ُة أو ســو ُء التَّقديـ ِـر -وثـ َ ـف( ،يــا سـ ُ ـل صرخـ ٌة كالعـ ِ رب) وجـ ِ ـوادث متالحقـ ًة ،نــدّ ْت عـ ِ الرجـ ِ ـرت الحـ ُ ـواء، ُ ُّ ـن َّ ذات الوقـ ِ وفــي ِ ـار ِة الواقفي ـ َن علــى صرخـ ُ ـت انطلقـ ْ ـات الفــز ِع م ـ َن المـ َّ ـت َ ـوق إفريـ ِـز مح َّطـ ِـة ال َّتــرا ِم .صــدر عـن (فرم َلـ ِـة الفـ ِ ال ُّطـ ِ ـوار ،وفـ َ ـوت ـورد) صـ ٌ َ ْ 79 أن مكن ْ )1ماذا ُي ُ تستنتج من العبارةِ َ َ الّتي تحتها ٌّ خط؟ أي ٍ رج ُح سبب ُت ّ ُّ )2 ِ الر ِ جل إلهمال ّ مظهر ُه؟ لماذا؟ فات الّتي ّ مالص ُ لديك ِ نت َ عن تكو ْ ّ ِ ِ خالل من جل الر ْ ّ ِ الراوي ل ُه؟ وصف ّ كتاب النصوص للصف احلادي عشر األرض بعجـ ٍ ِ ْ ـات متو ِّقفـ ٍـة ـف علــى تزحـ ُ ـي َ محشـ َـر ٌج متشـن ٌِّج ممـ َّـز ٌق ،وهـ َ ٍ الضحيـ ِـة فــي ثـ ٍ ـرات كأسـ ِ ـراب ـرات وعشـ ٌ ـوان عشـ ٌ جامــدةُ ، وهـ ِـر َع نحـ َـو َّ َّ ِ غليــظ منيــع ،وانتشــر فــي ِ ٌ نطقــة الم ســور ــم ٌ تكــو َن ُ الحمــا ِم ،حتّــى ّ َ َ ٌ منه ْ الهـ َـر ُج. َ بم يوحي تشبي ُه َ )3 بالشيء؟ِ ِ الرجل ّ ّ وكان ِ ـل بحركـ ٍـة واحـ ٍ منكف ًئــا علــى ِ الر ُجـ ِ َ وجه ِه، ـدة، ـم ينبـ ْ ـم َّ ـض جسـ ُ ولـ ْ ــه ،وإحــدى رجلي ِ لمس ِ يجــرؤ أحــدٌ علــى ِ ــه ممــدو َد ٌة إلــى ِ آخرهــا، وال ُ ْ ـاق نحي َلـ ٍـة غزيـ ِ واألُخــرى منثنيـ ٌة منْح ِســر ُة (البنطلـ ِ ـون) عـ ْن سـ ٍ الشـ ِ ـرة َّ ـعر، َ ُ َ َ كل شـ ٍ ـت بخـ ِ ـاف ِّ َّ ّ وكأن ـيء حو َل ـ ُه، ـدت حذا َءهــا، صمـ ٌ وقــدْ فقـ ْ وتغشــا ُه ْ ِ ِ ِ ـم يهــوي الرجـ ُـل وهـ َـو يرتفـ ُ ـارا ،ثـ َّ ـع فــي الفضــاء أمتـ ً األمـ َـر ال يعنيــه ألب َّتـ َةَّ ، ٍ ـورد ظهــره بالسـي ِ ـائق الفـ ِ ِ ارة مـ ْن بـ ِ فـ َ ـاب ـوق وألصـ َـق سـ ُ َ ُ َّ ّ األرض كشــيءَ ،3 ِ ِ ِ ـت بـ ِـه علــى سـ ِ ـبيل أحدَ قـ ْ الحفــاة ْ ـب مجموع ـ ًة م ـ َن ُ وراح يخاطـ ُ الحي َطــةَ ، المرا َقبـ ِـة: ُ * ال ذنــب لــي ،اندفــع هــو مـن أمــا ِم ال ّلــوري فجــأةً ،وبسـ ٍ َ ودون ـرعة، َ َ ْ َ ِِ ْ وج ًهــا ُم ْســتجي ًبا ،عــا َد ينظــر إلــى أن لــم يجــدْ ْ يســاره كمــا َي ِج ُ ــب ،وإذا ْ َ ليقـ َ ـول بلهجـ ٍـة خطاب َّيـ ٍـة: ِ باإلمكان ْ الصدْ م َة. * لم يك ْن َّب َّ أن أتجن َ كالزفيـ ِـر المكتــو ِم ،وتحــر َك حركـ ًة شـ ِ ونــدَّ عـ ِ المصـ ِ ـام َل ًة ـاب صـ ٌ ـوت َّ َّ َ ـن ُ اللمبـ ِ ِ ـرق فــي ّ ـم غـ َ ـاالة. ُمباغتـ ًة ،ثان َيـ ًة واحــدةً ،ثـ َّ حي. لم ْيمت! ٌّ لع ّلها إصاب ٌة بسيط ٌة.ِ الهواء والعيا ُذ بال ّل ِه! طار في لكنَّ ُه َكبير... ولو ،ع ْف ُو ر ِّبنا ٌ -ال يوجدُ َد ٌم؟ 80 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ عندَ ِفم ِه ،ان ُظ ْر... ٍ ٌُّ حادث من هذا النَّوعِ. ساعة كل ِ السـ ِ اآلدمي، ـور ـح لـ ُه وقـ ُ ـرطي مســر ًعا ،وفتـ َ ِّ ـع قدميــه ثغر ًة فــي ّ وجــا َء شـ ٌّ ٍ ٍ يصيــح بالن ِ ّــاس ْ َ خطــوات فقــط، خطــوات، أن يبتعــدوا وهــو نفــذ منْهــا ُ َ ِ تتحــو ُل ِ الر ِ وإشــفاقها، جــل ،وال تُخفــي ِحــدَّ َة تط ُّل ِعهــا وعين ُُهــم ال َّ عــن َّ وقـ َ ـال إنسـ ٌ ـان:4 يموت ،ونح ُن ال ُ نفعل شي ًئا؟! َسيبقى هكذا حتّىَ بلهجة ِ ٍ فأجا َب ُه ُّ راد َع ٍة: رطي الش ُّ أقـ ُّـل لمسـ ٍـة قــدْ تق ُت ُلـه ،و(بوليــس) النَّجـ ِـعاف فــي ال َّطريـ ِـق ـدة واإلسـ ُ ُ ُ إليـ ِـه.. ِ جانــب ال َّط ِ ُ الســ ّيار ُة إلــى ريــق؛ الحــادث واعتــرض َ َ فاضطــرت َّ َّ ِ البشــري ُم ِ الس ِ َ فضــاق ممشــا ُه، ــور ِّ االلتفــاف َح ْ شــار َك ًة التَّــرا َم فــي ْ ــو َل ّ بهــا حتّــى تحركــت فــي ب ٍ ٍ ٍ صفــوف ممتــدَّ ٍة عــت فــي شــديد، ــطء وتجم ْ َّ ْ ُ َّ ٍ تداخ َل ٍ وم ِ عــت تصــر ُخ وتعــوي بــا وهــي ــة، فائــدة ،ومــن ُركّابِهــا تط َّل ْ ُ َ ُ الضحيـ ِـة فــي اهتمــا ٍم ،وأعيـن تجنَّبـ ِ ـت النَّظـ َـر فــي َجـ َـزعٍ ،وجــا َء ٌ أعيـ ٌن إلــى َّ َّ ِ ـدة وراء ص ّفارتِـ ِـه الح َلزونيـ ِـة فاتَّسـ ِ (بوليــس) النَّجـ ِ ـادرت ـعت الح ْلقـ ُة ،وغـ َّ َ ُ َ الر ُج ِ الض ُ َ حاســما وحاز ًمــا، ابــط الملقــى، وكان ّ َّ ً ــل ُ الســ ّيار َة إلــى َّ القــو ُة َّ ٍ ٍ ِ الر ُج َ شــاملة، بنظــرة ــل المتجمعيــ َن، بتفريــق أمــرا وتفح َ َّ ــص َّ ِّ فأصــدر ً َ َ وســأل ُّ طي: ــر َّ الش َ اإلسعاف؟ تحض ِر ُ ألم ُ ْ - وإ ْذ لــم تكــ ْن ثمــ َة ضــرور ٌة إلــى الس ِ ــؤال ،فإنَّــ ُه لــم ُي ْل ِ ــق ً بــال إلــى ُّ َّ ْ ِ َ مــر ًة أخــرى: الجــواب، وتســاءل َّ هل من ُش ٍ هود؟ ْ ْ - 81 الداللةُ الّتي توحي )4ما ّ ٍ بها كلمةُ "إنسان"؟ "رجل"؟ يقل ٌ لماذا ْلم ْ كتاب النصوص للصف احلادي عشر )5بِ َم توحي تسميةُ جل بالمجهول؟ِ الر ِ ّ ٍ (كبابجــي) َ كان وصبــي وســائق (لــوري) أحذيــة، ماســح فتقــدَّ َم ُ ُ ِّ ُّ الض ِ ٍ ٍ حــدث ُ َ منــذ ابــط مــا ــم ِع ّ عائــدً ا بصين َّيــة فارغــة ،وأعــادوا علــى َم ْس َ ـاءت س ـيار ُة اإلسـ ِ ِ المجهـ ُ َ ـعاف، ـم فــي التّلفــون ،وجـ ْ ّ ـول يتك َّلـ ُ الر ُجـ ُـل َ كان َّ ٍ بالر ُج ِ وح َ َ وهــو ــذ ٍر، ــل، َ ــهم بعنايــة َ رئيس ُ َّ وتفح َصــ ُه ُ وأحــاط رجا ُلهــا َّ ـض متوجهــا إلــى ّ ِ ـادر ُه هــذا قائـ ًـا:5 ـم نهـ َ ِّ ً يجلـ ُ الضابــط ،فبـ َ ـس ال ُق ْر ُفصــا َء ،ثـ َّ ِ اإلسعاف. يجب نق ُل ُه إلى أظ ُّنُ بلهجــة ِ ٍ ِ ذات ٍ يختلــف ِ َ ُ يحــدث األثــر ا َّلــذي عــن أثــر ال اآلخــر فقــال ُ ُ عــاد ًة ع ـ ْن جـ ِ ـرس ســيارتِ ِه: ِ مرداش.. ْبليجب نق ُل ُه إلى ُمستشفى الدِّ ُ ـك ،علــى حيـن اســتطرد رجـ ُـل اإلسـ ِ َ الضابـ ُ ـط مــا يعنيـ ِـه ذلـ َ ـعاف وأدرك ّ َ ُ َ قائـ ًـا: تحت ضع خطًّا َ ْ )6 ِ الجملة الّتي ُتشير ِ ِ وصول تأخر إلى ِ اإلسعاف إلى المستشفى. أعتقدُ َّأن الحال َة خطير ٌة جدًّ ا. رقــدَ الرجـ ُـل بحجـ ِ وعندمــا ُأ ِ ـرة الفحـ ِ ِ ـرداش كانــت ـص بمستشــفى الدِّ مـ َّ ُ ِ ِ ـف كالجبـ ِ ـع ال َّليـ ِ التفت ـم تزحـ ُ َ ـالَ ، ـل َ طالئـ ُ وفح َصـ ُه مديـ ُـر القسـ ِم بنفســه ،ثـ َّ إلــى مسـ ِ ـاعد ِه قائـ ًـا:6 ُ القلب ُمباشرةً.. الر ِئة ال ُيسرى ،تُهدِّ ُد َ إصاب ٌة خطير ٌة في ِّ -عمل َّي ٌة؟ رأس ُه ً قائل: َّ فهز َ حتض ُر.. إ َّن ُه ُي َِ وصد َق ْ ِ راســ ُة ال َّط ِ الر ُج ُ شــامل ًة ــل حركــ ًة بيــب ،فقــدْ تحــر َك َّ َّ ــت ف َ ِ ـم َشـ َـه َق كالر ْع َشـ ِـةْ ، ـدر ُه ،اضطرا ًبــا ُمتالح ًقــا ُم َح ْشـ ِـر ًجا ،ثـ َّ واض َطـ َـر َب صـ ُ َّ وكان ال َّطبيبـ ِ َ ـت المديـ ُـر نحـ َـو َشـ ْـه َق ًة خفيف ـ ًة ،واس ـ َت َك َّن، ـان يراقبانِـ ِـه ،فالتفـ َ 82 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ ِ ُ يقــول: وهــو ســاعد ِه ُم َ -انْتهى.. 7 ِ ـزال راقــدً ا بكامـ ِ الر ُجـ ُـل مــا يـ ُ َ وجــا َء ضابـ ُ مالبسـ ِـه ـل ـط النُّقطـ ِـة، وكان َّ ـردة الحـ ِ ـذاء المفقـ ِ عــدا فـ ِ ـودة. غيير الّذي طرأَ )7ما ال ّت ُ الشخص ّي ِة منذُ على ّ ِ بداية ِ الق ّص ِة حتى هذه اللّحظة؟ِ ِ َ بيب: وقال ال َّط ُ ُِ الحوادث ال تنتهي.. هذه ِ ابط وهو ِ َ الفقيد: يوم ُئ إلى فقال ّ الض ُ َ ِ الش ِ وشهاد ُة ُّصالح ِه! ليست في هود ْ الس ِ رير: وهو ُ ثمَ ، يقترب م َن َّ َّ أن ِ أرجو ْنستد َّل على َشخص َّيتِ ِه. ـرع فــي عملـ ِـه علــى حي ـ َن بسـ َ (الشـ ُ ـط ّ المرافـ ُـق ل ـ ُه ورق ـ ًة وشـ َ ـاويش) ُ ِ ٍ فـ َ ِ ـدوره لتسـ ِ الضابـ ُ ـط يــدَ ُه ـب بـ ودس ّ ـوق من َْضــدَ ةَّ ، ـجيل المحضـ ِـرَّ .. وتأهـ َ ٍ الجاكت ِ ِ بر ْف ٍ ِ نقــود قديمــ ًة فاســتخر َج حافظــ َة اخلــي؛ جيــب ــق فــي َّــة الدّ َ ِّ ِ متوســط َة الحجـ ِم ،ومضــى يفت ُِّشــها َجي ًبــا َجي ًبــا ،و ُيملــي علــى ّ الشـ ـاويش:8 ِّ قرشا من الع ِ َ ملة الورق َّي ِة. خمس ٌةوأربعون ً َ ُ (روشت ٌة) للدُّ َِ سليمان.. كتور فوزي وألقــى نظــر ًة عابــر ًة علــى أسـ ِ ـماء األدويـ ِـة ،ولكنَّـ ُه الحـ َ ـظ وجــو َد كتابـ ٍـة ٍ علــى ِ البيــض إرادة ،فــإذا بهــا: بصــر ُه عليهــا بــا فجــر ُه أيضــا، ُ ظهرهــا ً ُ َّ ِ ــات ممنوعــ ٌة ،ويستَحســن تجنُّــب المنب ِ كالش ِ هــات ّ والقهــوة ــاي والدُّ هن ّي ُ ِّ ُ ُْ ْ َ ُ إن تعليمـ ٍ ِ ـط ابتســام ًة باطن َّي ـ ًة؛ إذ َّ الضابـ ُ ّ ـات مماثل ـ ًة ـم ّ والشــيكوالتَه ،وابتسـ َ الشـ ِ ـدرت إليـ ِـه مــن طبيبِـ ِـه فــي نفـ ِ ـس َّ ـم واصـ َـل إمــا َء ُه ،وأصاب ُعـ ُه صـ ْ ـهر! ثـ َّ ـتخرج م ـ َن الحافظـ ِـة محفوظاتِهــا: تسـ ُ الس ِ ور ال ُقرآن َّي ِة.. مج َّلدٌصغير م َن ُّ ٌ 83 الراوي )8 َ كيف َّ صو َر ّ تعا ُم َل الطَّبيبِ ّ ِ الر ُج ِل والضابط َ مع َّ المجهول؟ِ كتاب النصوص للصف احلادي عشر ِ ٍ الحافظة َ بضيق: قال آخر في لم يجدْ شي ًئا َ ولما ْ ّ ٍ تحقيق شخص َّي ٌة! توجدُ بطاق ُة -ال َ ٍ ِ أن َ َ اخلي ،وما لبِ َث ْ بفتور: قال وانتقل إلى الجيب الدّ ِّ ٍ ونصفُ ،عمل ٌة معدن َّي ٌة. قروش ثالث ُةُ سج ِل استنتاجاتِ َك ّ )9 ِ ِ من عن َّ الشخص ّية ْ ِ ِ كان الج َمل الَّتي َ خالل ُ الض ُ ابط ُي ْمليها على ّ اويش) ،وما ك ِ ِ ب ُت (الش ّ َ الوص َف ِة على ظَ ْه ِر ْ الطِّ ّب َّي ِة؟ الف ْق ِ )10في ِ هذه ِ رة فارقَةٌ ِ صار َخةٌ .ما ُم َ تأثيرها هي؟ وما ُ َ ِ مشاع ِر َك تجاه في الشخص َّي ِة؟ َّ وتوالى الت ُ وتتابع اإلمال ُء: َّفتيش، َ منديل ،سلسل ُة مفاتيح ،ساع ُة ٍ ٌ يد.. َ عليــه صفحــ ٌة مطويــ ٌة مــن كر ٍ ِ َ اســة ،ف َب َســطها، عثــر وكان َّ ّ آخــر مــا َ َ ِ بمظــروف بعــدُ ِ ، ٍ فأم َ ــل ْ ف فيهــا أن ُي ــف صــاد َ لــم ُت ُغ َّل ْ فوجدَ هــا رســال ًة ْ ِ ِ مــا ِ الر ُج ِ يمكــ ُن ْ نظــر نظــر َّأو َل مــا َ ــلَ ، أن ُي ْســتَدَ َّل بــه علــى شــخص َّية َّ إلــى اإلمضـ ِ ِ ـاء ،ولكنَّ ـ ُه لــم يــز ْد ع ـ ْن (أخـ َ رأس ـوك عبدُ ال ّلـ ِـه) ،فعــا َد إلــى ِ موجهـ ًة إلــى (أخــي العزيـ َـز أدا َمـ ُه ال ّلـ ُه) الرســال َة كانـ ْ ـت َّ َّ الصفحــة ،ولكـ َّن ّ ِ ِ ولــم يجــدْ ُبــدًّ ا مــن قرا َءتِهــا. فاســتا َء مــن هــذه المعانَــدَ ةْ ، العزيز أدا َم ُه ال ّل ُه أخي َ ِ أكبر ٍ الحياة. أمل في اليو َم تح َّق َق لي ُ ـخ الرسـ ِ ِ ِ َ وكان تاريـ َ ـخ ـالة، ْ اض ُطـ َّـر إلــى التَّو ُّقــف راف ًعــا عينَ ْيــه إلــى تاريـ ِ ّ الباهـ ِ اليــو ِم ِ ـوق األسـ ُط ِر إلــى الوجـ ِـه ِ نفسـ ِـه 20فبرايــر ،وامتــدَّ بصـ ُـر ُه فـ َ ـت ْ ِ ٍ ٍ الجامـ ِـد كَتِمثـ ٍ المشـ ِ ـال ،ذلـ َ ـك ا َّلــذي الم ْغ َلـ ِـق ك َِسـ ٍّـر، ـوب ُبز ْر َقــة ُمخيفــةُ ، َ ـل فــي الحيـ ِ تح َّقـ َـق َل ـ ُه أكبـ ُـر أمـ ٍ ـاة ،10وتسـ َ ـب: ـاءل ال َّطبيـ ُ ٍ شيء؟ عثرت على َ ِِ فان َتب ـه إلــى ِ ـم ابتســام َة اســتهان ٍَة؛ ليـ َّ أي نفسـ ِـه، ـدل علــى اعتيــاده َّ َ َ وابتسـ َ َ شـ ٍ ـيء ،وقـ َ ـال: ِ ِ ِ أكبر ٍ الرسال ُة! أمل في الحياة ،بذل َك بدأت ّ اليو َم تح َّق َق لي ُ9 84 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ وعــاد إلــى القـ ِ ـي ال َّطبيـ ِ ـراءة متجنِّ ًبــا النَّظـ َـر إلــى عينـ ِ ـت ـب :فقـ ِـد انزاحـ ْ َ انزاحــت جميعــا والحمــدُ ل ّل ِ ــه ،أمينــ ُة ريــرةُ، ْ ً الم َ عــ ْن صــدري األعبــا ُء َ ِ ذكــرت ــف ،وك َّلمــا هــو وبه َّيــ ُة علــي يتو َّظ ُ ُ وزينــب فــي بيوت ِهــ َّن ،وهــا َ ُ ٌّ ِِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ المنّـ َ ـان ،وهــذا هـ َـو الماضــي بمتاعبِــه َو َكدْ حــه وقلقــه وشــقائه ْ أح َمــدُ ال ّلـ َه َ الن َّْصـ ُـر المبي ـ ُن. ـان الر ِ ـترق النَّظــر مــر ًة أخــرى إلــى اإلنسـ ِ احـ ِ واسـ َ ـل ،ا َّلــذي ال يــدْ ري ّ َ َّ ِ ــه ،وانعزالِ ِ هشــ َة بصمتِ ِ ِ يثيــر الدَّ َ العميــق وارتــداد ِه ــه ْ قــر ُه ،ا َّلــذي ُ أحــدٌ َم َّ ِ ِ ُ والقلــق َّ ــر واألمــل والشــقا ُء ــب إلــى ُ المجهــول ،المتاع ُ الكبيــر والن َّْص ُ ُ المبيـ ُن! وبعــدَ تفكيـ ٍـر طويـ ٍ ـات ـل قـ َّـر رأيــي علــى تـ ْـر ِك الخد َمـ ِـة فِ ْعـ ًـا .فهيهـ َ المدينــة ،وحســب ُت ِ ِ ْ الح ْســ َب َة، بقيــت فــي صحتــي طا َلمــا ُ َ ْ َحســ َن َّ أن تت َّ ٍ ِ ِ ِ ُ الفــرق بيــ َن هــي فوجدتنــي أخــد ُم فــي الحكو َمــة بثــاث ُجنيهــاتَ ، الم َر َّتـ ِ المعـ ِ ـب والمعـ ِ رت ْ ـاش ،ولذلِـ َ ـاش، ـك قـ َّـر ُ أن أ ْط ُلـ َ ـب إحا َلتــي علــى َ ُ ِ ِ البلــد ْ مجلــس ــم إلــى إن شــا َء ال ّلــ ُه، وقري ًبــا أعــو ُد إلــى َ وســوف َ أنض ُّ ٍ ريــف عنــدَ ِ ال َّظ ِ ٍ الخ َف ِ عبدالت ِ اآلن ُّ ــر ،أ ّمــا َ شــيخ َ ِ بخيــر، شــيء فــكل َّــواب ِ ممــا َ كان.11 َ خيــر ّ وليــس فــي اإلمــكان ٌ وهو ُ الض ُ يقول: وطوى ّ الرسال َة َ ابط ّ ــه ،ولكــن ليــس بِ ِ ــف كَمــا ي ْفهــم مــن خطابِ ِ ــه مــا ُي ْم ِكــ ُن إنَّــ ُه مو َّظ ٌْ َ ُ َ ُ ْ االســتدالل علــى هويتِ ِ ُ ــه. ُ َّ أكمل وص َف َك )11 ْ ِ من للشخص َّية ْ ِ خالل ما تست ْن ِت ُج ُه عنها في هذهِ ْ ِ الف ْق َر ِة. َ بيب: فقال ال َّط ُ ـراءات المألو َف ـ ُة ،وغالبــا مــا يجيــئ أه ُل ـه فــي الوقـ ِ س ـ ُتت َـت َّخ ُذ اإلجـ ُ ُ ً ُ الم ِ ِ 12 ناسـ ِ ـب ،فيتس ـ َّل َ الج َّث ـ َة م ـ َن ْ المشـ َـر َحة. مون ُ ُ 85 وصف )12بِ َم يوحي ُ الط ِ ِ للر ُجل بأنَّ ُه َّبيب َّ (ج َّثةٌ )؟ ُ كتاب النصوص للصف احلادي عشر لسائق باكستا ٍّ ين عجو ٍز نظارةٌ ٍ طبيةٌ ّ ّ * الساعدي مرمي ّ نديــا ِمــن جيبِ ِ ِ أخــرج ِم ً خلــع ن ّظارتَــ ُه. ــه. الرؤيــ ُة ُمض َّب َبــ ًة. َ ْ َ َ بــدت ُّ جــاج النَّ ّظ ِ قبــل َأ ْن يرفــع ِ الم َ اإلشــار ُة حمــرا ُءَ . ِ ــارة، نديــل إلــى ُز َ ـت الكُرســي ،انحنــى اللتقاطِـ ِـه ،ســق َط ِ س ـ َق َط ِ ت المنديـ ُـل سـ ْـه ًوا تحـ َ ِّ قبــل َأ ْن ي ِ لم َســهاَ ، النَّ ّظــارةَُ ، يبح ُ ــت مســكَها اندف َع ْ ُ نــزل َ ــث عنهــاَ ، ِ المقع ِ تحــت ِ ِ ُ َّحــر ِك ،اإلشــار ُة ــد، إلــى األبــواق ترتَف ُ َ ــع ،تُطال ُبــ ُه بالت ُّ قليــا َع َّلــه ِ ِ الر ُج ُ تمه ُ يلتق ُطهــا ،األ ْب ُ ً ــل ــل ُ َخضــرا ُءَ ،ي َّ ــرَّ ، ــواق ت َُز ْمج ُ ال يــرى بوضـ ٍ ف أبوظبــي َج ِّيــدً ا، ـوح م ـ ْن دونِهــا ،يتحـ َّـر ُك ،هـ َـو يعـ ِـر ُ ـرف شــوار َعهاَ ،يح َف ُظهــا َع ـ ْن َظ ْهـ ِـر ق ْلـ ٍ ـائق ِم ـ ْن ثالثيـ َن ـب ،هـ َـو سـ ٌ يعـ ُ َ تعديــات كثيــر ٌة َ وتحويــات ّ الشــوار ِع اآلن، هنــاك عا ًمــا ،لكــ ْن، ُ ٌ ـرت مجــرى ك ُِّل ال ُّطرقـ ِ ـاتَ ،ح َسـنًا ،ســيقو ُد إلــى األمــا ِم ،فقـ ْ ـط إلــى غ َّيـ ْ ُ األمــا ِم وبت ََم ُّهـ ٍ ـباح أما َمـ ُه ،ال شــي َء يبــدو ُمحــدَّ َد السـ ُ ـيارات أشـ ٌ ـل تــا ٍّمّ . ـح ،ال بــأس سيس ـت َِمر فــي التَّقــدُّ ِم إلــى األمــا ِم ح ّتــى اإلشـ ِ ِ المالمـ ِ ـارة َ َ َ ْ ُّ ِ ِ الحمــراء الت ِ هــذه النَّ ّظــار َة ال َّلعينــ َة. ّاليــة ،ســ َي ِجدُ إحساس )1ما ُ الشخصي ِ نحو ة َّ َ ّ ِ بلدها؟ ـض العينَ ْيـ ِ ـن كمــا يقـ ُ الم َث ُل، هـ َـو سـ ٌ ـائق ماهـ ٌـرُ ،يمكـ ُن َأ ْن يقــو َد ُم ْغ َمـ َ ـول َ أقــوال مأثــور ٌة كثيــر ٌة فــي ب ِ لــد ِه ،يتصــور أنَّهــم ال ي ِ ٌ َ كــون متل لديهــم ْ َ َ َّ ُ ْ ـوال المأثـ ِ ســوى األقـ ِ ـورة ،ويضحـ ُ رأس ـ ُه ـك بينَ ـ ُه وبي ـ َن ن ْف ِسـ ِـه هـ ًّ ـازا َ حــال ب ِ فــي َأس ٍ ٌ لــد ِه .تمنّــى لــو َ أقــوال مأثــور ٌة لديهــم كان ــف علــى ِ َ ْ َ ٍ ٍ إدارة؟» ر ّبمــا هـ َـو إدارة أكثـ ُـر «لكـ ْن هـ ْـل هـ َـو ح ًّقــا ُح ْسـ ُن وح ْسـ ُن َأ َقـ ُّـل ُ ِ ـاع ـي األطمـ ُ ـي األطمـ ُ َن ْقـ ُ ـاع الخارج ّي ـ ُة؟ ُر ّبمــا هـ َ ـص المــال؟ ر ّبمــا هـ َ ِ ُ 1 ُ حمــدُ ال ّلــ َه أنّــ ُه «يتســاءل الدّ اخل ّيــة؟ َ الراديــوَ ،ي َ وهــو َيســتم ُع إلــى ّ اعة األُ ُذ ِن وبالتّالــي ي ِ يســمع جيــدً اَ .لــن يخشــى وقــوع ســم ِ فقــدُ َ َ ْ َ َ َ ُ َ ِّ ّ * أبدو ذكية ( ،)2009دار العالم العربي للنشر والتوزيع ،دبي 86 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ الخمـ ِ ِ ِ ـم عم ـ ٌة ،ك ُُّل الحـ ِّ عم ـ ٌة ،يــا ال ّل ـ ُه! َكـ ْ ـس ن َ ـواس َ ْ السـ ْـم ُع ن َ السـ ْـم َع» َّ َّ ِ هــذا كريــم! َأ ْن ِ الصغيــرةَُ ،مجـ َّـر ُد تَجوي َفيـ ِ نمتلـ َ ـن ـواس َّ ـك هــذه الحـ َّ ٌ س ِمــن األمــا ِمِ ، ومــ َن الجانِ َب ْي ِ األكبــر، العالــم ــن لِنــرى الــر ْأ ِ َ َ َ فــي َّ ِ ِ ـون بسـ ِ ـار ُه ،ونكـ َ ـخاصا ـبب هــذه التَّجاويــف أشـ ً ونَسـ َ ـمع أنغا َمـ ُه وأخبـ َ ِ باآلخــر ا ّلــذي ُيشــبِ ُهنا فــا وأكثــر التِصا ًقــا أكثــر ُق ْر ًبــا ِمــ َن العا َلــ ِم، َ َ بالوحــدَ ِة .فعـ ًـا كمــا قـ َ ـف ِه َبـ ٍـة «الص َّحـ ُة تُســاوي َأ ْلـ َ الم َثـ ُـلِّ : نَشـ ُع ُر َ ـال َ بالضـ ِ الشـ ِ ـالَ ، بالوحــدَ ِة ِم ْثـ ُـل ُّ ُأخــرى»ُّ . أخـ َـذ ُيف ِّكـ ُـر بينَـ ُه ـعور َّ ـعور َ الشـ ُ وبي ـ َن ن ْف ِسـ ِـه. 2 َ َســو ٍقَ ،شــ َع َر بأنَّــ ُه وحيــدٌ ،بأنَّــ ُه مــر ٍة دخــل فيهــا َمرك َ َــز ت ُّ َّــر َّأو َل َّ تذك َ ِ ِ ٌّ األصــوات أصــوات كثيــرةٌَ ،صــدى األصــوات عاليــ ًة، كانــت ضــال، ٌ ُ الواجهـ ِ ِ فــي الواق ـعَِ ،تنْبـ ِ ِ الزجاج َّيـ ِـة، الرخام ّيـ ِـة، ـات ُّ ُ ُ ـع م ـ َن األرض ّيــات ُّ ِ ِ األس ـ ُق ِ اللمعـ ِـة ،ح ّتــى ُمجـ َّـر ُد تن ُّفـ ِ ف ّ ـج صو ًتــا تتــر َّد ُد ـس الواحــد ُينتـ ُ ِ وكان المركـ ُـز مك َت ًّظــا بـك ُِّل أشـ ِ َ ـكال ال َب َشـ ِـر، األركان، ـداؤ ُه فــي ك ُِّل أصـ ُ ُ ـض الوقـ ِ كان قــدْ َأوصـ َـل زبو ًنــا إلــى دبــي ،فف َّكــر فــي التَّو ُّقـ ِ ـف لبعـ ِ َ ـت، َ َ ّ ـاف هـ ِ واكتشـ ِ ـذه األماكـ ِ ـم أرا َد حي ـ َن ـن ا ّلتــي ُيسـ ّـمونَها (المــوالت) ُثـ َّ ِ ِ يعــود إلــى ب ِ مدينــة دبــي، لــد ِه َأ ْن َ ُ يحكــي ألحفــاده مــاذا رأى فــي ّ َ ـال لنَ ْف ِسـ ِـهِ :م ـ ْن غيـ ِـر المعقـ ِ العجائـ ِ ـب ،يعنــي قـ َ ـول َأ ْن أحيــا ثالثي ـ َن دون َأ ْن أرى ســوى إسـ ِ عا ًمــا فــي هــذا البلـ ِـد َ ـفلت َّ الشــوار ِع.3 البدايــة عندَ مــا خطــا خطواتِ ِ ِ ِ ســتوع ِ ــه األولــى المشــهدَ فــي ب ــم َي َ َل ْ المــكان غيــر مفهــو ٍم تَمامــاِ ، ِ ِ ُ المــولَ ، هــات كان داخــل إلــى واج ٌ ً َ ـرون ،رأى تَجمهـ ٍ ـرات كثيــرةً ،لك ـ ْن هنـ َ ـاس كثيـ َ ـاك َ ُ ّبراق ـ ٌة كثيــرةٌ ،ونـ ٌ ِ ِ مختل ًفــا ،يبـ َ ـس مجـ َّـر َد بــدا األمـ ُـر ـخاصا منتميـ َن للمــكان ،ليـ َ ـدون أشـ ً ـول ،وهــو َلــم يسـ ِ مهـ ٍـر ،كأنَّهــم قــدْ ُولِــدوا فــي المـ ِ ـتوع ِ المشـ َـهدَ َ ْ َ َج ُ ت َ ب َ ْ ٍ ِ تجــو َل المــكان، لحظــات ُيلقــي نظــر ًة عا َّمــ ًة علــى ــف ب ْعــدُ .تو َّق َ َّ 87 )2ماذا نُسمي ِ هذه ّ اللَّحظةَ في ِ زمن ِ الق َّص ِة؟ ِ السط ِْر )3م ْن هذا َّ تتصو ُر حيا َة كيف َ َّ ِ السائق؟ هذا ّ كتاب النصوص للصف احلادي عشر ـط بــدَ ِ ِ ت األلـ ُ الرؤي ـ ُة ج ّيــدةً ،لك ـ ْن فقـ ْ ـوان واألضــوا ُء قليـ ًـا ،كانــت ُّ ــون والض ِ ِّســبة لِعينَي ِ كثيــر ًة بالن ِ ــه ال َّل َت ْي ِ ــوء ــم تتعــودا ك َُّل هــذا ال َّل ِ َّ َّ ْ ــن َل ْ ِ ٍ ٍ الوقــت بعــض مــر ًة واحــدةً ،ارتــأى َأ ْن يجلــس َ َ فــي مــكان واحــد َّ فــي َأ َحـ ِـد المقاعـ ِـد القريبـ ِـة «آه ..المـ ُ ـع ذلـ َ ـك ـكان ُم ْب ِهـ ٌـر ،ال أدري مـ ْ ـانَ ،أتُراهــا أرضيـ ٍ ِمـن أيـن يأتــي ك ُُّل هــذا ال َّلمعـ ِ ـات ُم َذ َّهبـ ًة؟» تسـ َ ـاءل ّ ْ َ َ ِ ِ ِ ـي فقـ ْ ـط ِشــدَّ ُة النَّظافـ ِـة أحمـ َـق! حت ًْمــا هـ َ بينَـ ُه وبيـ َن َن ْفســه «يــا لــي مـ ْن َ ِ ـي التَّحـ ُّـر ُك َ اآلن لِرؤيـ ِـة َ المســتخدَ مةَ .ح َسـنًا ر َّبمــا علـ َّ وجــو َد ُة المــوا ِّد ُ ـف هكــذا ك َُّل يــو ٍم ِلرى أكثــر شـ ٍ ـيء ُم ْمكـ ٍ ـن». المزيـ ِـدَ ،ل ـ ْن أتو َّقـ َ َ كان َيش ُع ُر )4 كيف َ َ كان في حين َ َ ِ هو المول؟ و َ كيف َ يكون حين ُ ُ شعور ُه َ بين زمالئِ ِه؟ َ الوقــت؛ ليشــعر باألُ ْل ِ ِ فــة ،ليقــاو َم َ ث ن ْف َســ ُه َط َ كان ُيحــدِّ ُ َ ذاك ــوال َ َُ اجتاح ـ ُه حـ َ ُّ ـت قدمــا ُه ع َت َب ـ َة المركـ ِـز، ـب ا ّلــذي ـال وط َئـ ْ َ ـعور الغريـ َ الشـ َ ٍ َ ذاك ُّ يكر ُه ـي .بأ َّنـ ُه غيـ ُـر موجــودَ . ـعور بأ َّنـ ُه ال ينتمــي .بأ َّنـ ُه غيـ ُـر مرئـ ٍّ الشـ ُ ـعور ،لذلـ َ هــذا ُّ ص دو ًمــا ّأل َيخـ ُـر َج ِم ـ ْن س ـ ّيارتِ ِه ّإل إلــى ـك حـ َـر َ الشـ َ ِ ِ ِ ـم ـم ،هـ َـو بينَهـ ْ ـم ُي ْشــبِهو َن ُه ،و َيش ـ ُع ُر بأ َّن ـ ُه ُم ِهـ ٌّ الســائقي َنُ .هـ ْ رفاقــه م ـ َن ّ ِ مســموع ،ورأ ُيــ ُه لــ ُه ثِ َق ٌ عيــار، قــور ،وكال ُمــ ُه ــل َ ٌ حكيــم َ وو ْز ٌن وم ٌ وو ٌ ٌ ِ ِ ِ ـم يســتط ْع تحديــدَ شـ ِ بالضبــط فــي َ ذاك ـعوره َّ هنــا َيش ـ ُع ُر بأ َّن ـ ُه ..بأ َّن ـ ُه َلـ ْ ِ ِ ِ ـب َأ ْن َيهـ ِـز َم َأ ُّي الوقــت ،أرا َد فقــط التَّغ ُّلـ َ ـاو َز ُه ،ال يجـ ُ ـب عليــه ،4تجـ ُ ِ ٍ رج ً ف الدُّ نيــا ــا عجــوزا َع َــر َ ً مــكان -مهمــا َيكُــ ْن ّبرا ًقــا وصاخ ًبــاُ - ِ المعر َف ـ ُة آم ـ ُن دومــا ،إنّهــا ت َْذ ِكــر ُة دخـ ِ ِ أي ـاس. ـول اإلنســان إلــى ِّ والنّـ َ َ ً َ مـ ٍ ـون ِ «عار ًفــا» يكـ ُ ـكان فــي العا َل ـ ِم ،حي ـ َن تكـ ُ ـون ُم َر َّح ًبــا بـ َ أي ـك فــي ِّ ِ ٍ ٌ جاهل ال وي ـي للتَّصـ ُّـرف ،وكأن ََّك و َلدٌ صغيـ ٌـرْ ،أو َقـ َـر ٌّ مــكان ،فــا داعـ َ دورات الميـ ِ ِ ـف يسـت ِ يعـ ِـر ُ ِ ـاه الحديث َة. َخد ُم أي طريـ ٍـق يتَّجـ ُه ،كيـ َ َ ف مـ ْن ِّ َ ف «الدُّ نيــا» وك ُُّل شـ ٍ ـيء بعدَ ذلـ َ ومقدور ـك تاف ٌه وصغيـ ٌـر رجـ ٌـل َعـ َـر َ هـ َـو ُ ٌ ــد الســالِ ِم المتحر ِ عليــه .قــرر التَّوجــه إلــى َأح ِ ِ كــة أما َمــ ُهَ ،و َص َ ــل َ ُّ َ ُ ِّ َّ َّ َ تجـ َّـو َل قليـ ًـاِ ، ـات ُأخــرى كثيــرةٌ ،محـ ّـا ٌت، واجهـ ٌ لل ّطا َبـ ِـق ال ّثانــيَ ، 88 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ ســاعات ،تســا َء َلَ :ه ْ ــل ــرات، ــس ،أحذ َيــ ٌة، ٌ جوه ٌ حقائــبُ ،م َ ُ َمالبِ ُ ـذه الب ِ ح ًّقــا يحتــاج النّــاس ك َُّل هـ ِ ضائـعِ؟ مــاذا يعنــي َأ ْن يكـ َ ـون لديـ َ ـك َ ُ ُ ـرات كثيــرةٌ؟ ك ُُّل جوهـ ٌ ـب ،وسـ ٌ ـاعات ،و ُم َ ـس ،وأحذ َي ـ ٌة ،وحقائـ ُ َمالبِـ ُ ِ ِ ِ هـ ِ ـذه أشــيا ُء لتزييـ ِ ألجـ ِ ـل الصـ ْـرف وال َعنــاء ْ ـن الجســد ،لمــاذا ك ُُّل هــذا َّ ِ ـي لتزييـ ِ ـم ُيز ِّينـ َ ـن الـ ّـر ِ ـون الجســدَ ل ُيعالِجــوا وح؟ ُهـ ْ الجســد؟ مــاذا بقـ َ ـائق فــي وقـ ٍ ـت سـ ٍ ـون َعـ ِ وح .قـ َ ـابق ،كانــوا َيتحدَّ ثـ َ ـن السـ ُ الـ ّـر َ ـال زمي ُل ـ ُه ّ األثريـ ِ ـم ،فــي الواق ـ ِع كانــوا َيتحدَّ ثـ َ ـف ُي ِنفقـ َ ـون َع ـ ْن ـاء وكيـ َ ـون أموا َلهـ ْ ـل لهــم بتِــر ْت َقدَ م ـه فــي حـ ٍ َ ـف ُيمك ـ ُن َأ ْن ـادث ،ويتشـ ـاورون كيـ َ ُ ُ زميـ ٍ ْ ُ َ ـال ليشــتري َقدَ مــا اصطناعي ـ ًة ُثــم تَطرقــوا لألثريـ ِ جمعــوا ل ـ ُه المـ َ ـاء، ّ َّ َّ َ ً َي َ ِ ِ ـم َيتس ـ َّق َ ـم ـم ال ّطارئ ـ َةُ .هـ ْ ـار ال ُفقــراء ل َي ُف ّكــوا َأ َزماتهـ ُ طون أخبـ َ ولـ ْـو أنَّهـ ْ ِ ـهم أثريــا َءَ .بــدَ ْت ـم أن ُف ُسـ ْ ـم فــي َأ ْن يكونــوا ُهـ ْ ـم َيتحدَّ ثــوا َعـ ْن َرغبت ِهـ ْ َلـ ْ ِ ٍ ِ ِ ـب َأ ْن يقــو َم َأ َحــدٌ ُمجـ َّـر ُد هــذه األُمنيــة غيـ َـر منطق َّيــة .فــي النِّهايــة يجـ ُ ور ِ والسـ ِ بِــدَ ِ العامـ ِ ـائق ،ال يمك ـ ُن لل ـك ُِّل َأ ْن يكونــوا أثريــا َء بِ ُح َّجـ ِـة ـل ّ العدالــة االجتماعي ِ ِ لذلــك َي ِ َ صــون دو ًمــا ْ َ َ ُهــم أن حر ــة؛ ّ تكــون ُأمنيات ْ منطقيـ ًة .ليـ ِ ـم ال َيعتبِـ َ أن تكـ َ السـ ِّي ِئ ْ ـهم َ َّ ـرون أ ْن ُف َسـ ْ ـون ســائ ًقا .هـ ْ ـس مـ َن َّ ـدون مــا يأكلـ َ ـم َي ِجـ َ ـون، ُفقــرا َء .فالفقيـ ُـر هـ َـو مـ ْن ال َي ُجــدُ مــا يأك ُلـ ُهُ . وهـ ْ رون َج ِّيــدً ا بثيـ ٍ و َيس ـتَتِ َ مزقـ ٍـة .ر َّبمــا تَتمـ َّـز ُق األحذي ـ ُة ـاب وافيـ ٍـة غيـ ِـر ُم َّ ٍ ـف تتو َّقـ ِ ـير بـ ِـه ـي ،يعنــي كيـ َ ُ ـع م ـ ْن حــذاء تَسـ ُ أحيا ًنــا ،لك ـ َّن هــذا طبيعـ ٌّ حتف ًظــا بهيئتِ ِ ــل م ِ ختل ٍ أراض م ِ ــه َط َ فــة بِــك ُِّل ثِ َق ِل َ ــوال علــى ــك َأ ْن َي َظ َّ ُ ٍ ُ ِ ِ ِ الم ِ َ هتــر ِئ ،لكــ ْن غال ًبــا ســتطيعون الوقــتُ .عمو ًمــا َي تغييــر الحــذاء ُ َ للر َم ِ ِ فض َ أكثــر حاجــ ٌة ُم ِل َّحــ ٌة ــق ُي ِّ األخيــر ،قــدْ تَأتــي َ لــون َّ ُ ــر َّ الص ْب َ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ـم ل َصـ ْـرف المــال فيهــا .م ْثـ ُـل توفيـ ِـر َم ْبلـ ِغ ال َقــدَ ِم االصطناع َّيــة لزميلهـ ُ ـون تَبِعـ ِ ِ ِ الم ْسـ ِ ـم بأحذيـ ٍـة ُم َم َّز َقـ ٍـةَ ،يعلمـ َ ـات ـير الكثيـ ُـر منْهـ ْ ـكينَ .س َيسـ ُ ِ ِ ــم َ ذاك. قراره ْ 89 كتاب النصوص للصف احلادي عشر إحساس َك تِجا َه )5ما ُ الشخصي ِة في هذهِ َّ َّ اللَّحظ َِة؟ ث لحر ِ كة حد َ )6ماذا َ الز َم ِن هنا؟ َّ ِ ِ ِ ِ ٍ ب ْعــدَ تَجـ ٍ ـوال طويـ ٍ ـم المطاعـ ُ ـل اص َطــدَ َم َأ ْن ُف ـ ُه برائحــة أطعمــة ،كانــت َ ِ ٍ توجــ َه إلــى البائــ ِع تنــو ٍع ألقربِهــا إليــهَّ ، ُمص َط َّفــ ًة فــي ُّ كبيــر ،اتَّجــ َه َ ــة المكس ِ ــه العربي ِ طاولــة مســتطي َل ٍةَ ،ط َلــب بِ ُلغتِ ِ ٍ ِ ــرة ــف الواقــف َخ ْل َ ّ َ ُ َّ ُ ِ الر ُج ُ ً إليــه اإلعــادةَ ،لكنَّــ ُه ــب ســم ْع ُهَ ،ط َل َ ــم َي َ ــل َل ْ (ساندويتشــا)َّ ، ِ ِ ســم ْع ُهَ ، بالص َمــ ِم ،أعــا َد طل َبــ ُه، كان صــدى َّ الضوضــاء ُيشــع ُر ُه َّ ــم َي َ َل ْ ٍ الر ُ (ســاندويش) َيتحــدَّ ُ ــم مــا جــل يســأ ُل ُه َعــ ْن َأ ِّي نــو ِع ــم َي َ فه ْ ثَ ،ل ْ َّ يقـ ُ ـع يبــدو فل ّبين ًّيــا ،ال ُيجيــدُ العرب ّي ـ َة تما ًمــا ،وهـ َـو ال ُيجيــدُ ـول ،البائـ ُ اإلنجليزيـ َة ،حسـنًا ،بــدا البائـ ِ الصبـ ِـرُ ،يكـ ِّـر ُر ُســؤا َل ُه َعـ ْن طلبِـ ِـه، ـع نافــدَ َّ ُ ّ َ َ ِ تجاه َل ـ ُه ـم يت َلـ َّـق ِمن ـ ُه إجاب ـ ًة فور ّي ـ ًة َ بــدَ ْت مالم ُح ـ ُه حــا َّدةً ،وحي ـ َن َلـ ْ لزبـ ٍ ـف مكا َن ـ ُهَ ،ش ـ َع َر باإلحـ ِ ـراج ،دو ًمــا ت ََصـ َّـو َر َأ َّن ُلغ َت ـ ُه ـون آخـ َـر .و َقـ َ ـاس َي ِ حترمو َن ـ ُه فــي ذلـ َ ـك العرب ّي ـ َة ج َّيــدةٌ ،و َأ َّن سـ ْـم َع ُه ج ِّيــدٌ .و َأ َّن النّـ َ ِ الحقائــق ِ ِ للش ِّ المــكان َبــدَ ْت ك ُُّل َ موض ًعــا َّ ــك.5 تلــك ِ ِ ِ ـاندويتش) وعــا َد إلــى س ـ ّيارتِ ِهَ .ش ـ َع َر (السـ ـرر التَّخ ّلــي َع ـ ْن فكـ َـرة ّ قـ َّ ِ الوطـ ِ ـب سـ ّيار َت ُه ـم َيشـ ُع ْر أ َّنـ ُه ُيحـ ُّ كأ َّنـ ُه يعــو ُد إلــى َ ـعور ُهَ ،لـ ْ ـن ،يتذ َّكـ ُـر ُشـ َ (التّاكســي) كمــا أح َّبهــا فــي ذلـ َ ـك اليــو ِم .أح َّبهــا ِم ْثـ َـل َوطنِـ ِـهِ ،م ْثـ َـل ُأ ِّمـ ِـه. ـكار وهــو يقــود بِبـ ٍ ِ ِ ِ 6 ـطء فــي خـ ٍّ ـط ُمســتقي ٍم، ُ ُ ـدور برأســه ك ُُّل هــذه األفـ ِ ُ َ تـ ُ ِ ِ ـيارات ا ّلتــي تُطالِ ُب ـ ُه باإلســرا ِع ّ ـارع السـ فالشـ ُ تحمـ ًـا َز َ مجـ َـر َة أبــواق ّ ُم ِّ ِ ِ ِ ِ ــيارات أما َمــ ُه الس ليــس َ «شــار َع ُه» يســتم ُّر حتّــى َينتبِــ َه لتو ُّقــف ّ ٍ وبجانبِـ ِـهُ ،يـ ِ ـف، حمــدُ ال ّل ـ َه ،يتو َّقـ ُ ـدر ُك أ َّن ـ ُه َو َصـ َـل إلشــارة حمــرا َءَ ،ي َ ٍ ٍ ِ ِ ــن النَّ ّظ ِ يبحــث َع ِ ُ ــم تكُــ ْن ــارة ت َ بســرعةَ ،ل ْ بســرعةُ ، َحــت َمقعــدهُ ، أن َي ِ َّحــر ِك َ قبــل ْ لته َمــ ُه ُســرع ًة كافيــ ًة ،تَفت ُ ــر للت ُّ َــح اإلشــارةُُ ،يض َط ُّ ـت ضغـ ِ ـط علــى البِنزيـ ِ الشــار ِع الغاضـ ِ غـ ُ ـبَ .يضغـ ُ ـول ّ ـط هديـ ِـر ـن تحـ َ األبـ ِ ـوت ارتطــا ٍم م ِ فاجـ ٍ ف مــاذا َحــدَ َ ث ـم َيعـ ِـر ْ ـواق ،صـ ُ ـئ وقـ ٍّ ـوي ،و َلـ ْ ُ 90 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ ب ْعــدَ ذلـ َ ـك. تحــت أســياخِ الس ِ ٍ ــيارةَ ،يشــ ُع ُر ب َب َل ٍ دافــئ ــل محصــورا َي ِجــدُ ن ْف َســ ُه َ ّ ً يحيـ ُ ِ ـوات النّـ ِ المتهـ ِّـو ُر هـ َـو َم ـ ْن السـ ُ ـمع أصـ َ ـط بــه ،يسـ ُ ـائق ُ ـاس «هــذا ّ ٍ ِ ــوال ال َّط ِ يســير ِم ْث َ بالحــادث َط َ ــم فجــأ ًة ريــق ب تَســ َّب َ ــل ُســ َلحفاة ُث َّ ُ ـدوس علــى (البِنزيـ ِ ـمع أصوا ًتــا ُأخــرى َتـ ُـر ُّد عليـ ِـه «قيــاد ُة ـن)» ،يسـ ُ يـ ُ ِ ـائق (تاكســي) بدَ ْهـ ِ ـم باأل ْمـ ِ ـس ب سـ ُ ـس تس ـ َّب َ هــؤالء َر ْعنــا ُء دو ًمــاَ ،ن َعـ ْ طِ ٍ ِ َ َ مهــور»، الج جيــدون الت هم ،ال ُي فلــة، ــع ُ َّعامــل َم َ ُ يجــب اســتبدا ُل ْ ـارة اإلسـ ِ ـوت ص ّفـ ِ ـوت ـعافَ ،يــدٌ تمتــدُّ إليـ ِـه النتشــالِ ِه ،صـ ٌ ـمع صـ َ َ َيسـ ُ كان يســمعه .يســحب يــدَ ه ِمـن تحـ ِ ـت ـب إليـ ِـه َمــدَّ َيـ ِـد ِه ُ َ ُ ْ خارجــا إذا َ َ َ ُ ُ َ ً َيط ُلـ ُ ـل مــا ،المقعــدُ ربمــا ،تصطـ ِـدم بشـ ٍ مسـ ُ ِ ـيء ،ي ِ ثِ َقـ ٍ تحس ُسـ ُه ،إنّهــا ُ َ َ ُ َّ ـك بــهَ ،ي َّ ُ ِ تمسـ ُ ـت قبض َت ـ ُه، يمــدَّ يــدَ ُهَ ،أ ْن ُي ْف ِلـ َ الصـ ُ ـك بهــاَّ ، ـوت ُيناديــه َأ ْن ُ ن ّظار ُت ـ ُهَ ،ي َّ ـس ب ْعــدَ َأ ْن وجدَ هــا. ـس ُمجــدَّ ًدا ،ليـ َ لك ـ ْن ال ،أبــدً ا ،ليـ َ 91 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ح ّتى ِ ق آخرِ َر َم ٍ عائشة ال ّزعابي أخيرا.. َو ً ِ ِ ـخ َزوجــي بعــد طـ ِ ِ ـفَ ..و َهـ ْـل َ َر َضـ َ كان الصيـ َ ـول صــرا ٍع أن َيسـتَدي َن لنُســاف َر هــذا َّ َ يتَو َّقــع ِمنّــي تَحمـ َـل حــرار ِة ص ِيفنــا و ِشـ ِ الل ِهـ ِ ـوائ ِه ّ ـب؟ َ َ ُّ َ َ َ َ َ ُ ــدت َعلــى ِخبرتــي ال َقيم ِ َ داخــل خــذت َن َف ًســا َعمي ًقــا َوأنــا ــة ك َُأنْثــىَ ..أ ُ اعت ََم ُ ِّ َ َ فن ِ معر َكـ ٍـة جديـ ٍ ـول البـ ِ الصبـ ِـر َوطـ ِ ـال ..وزا َد ـدة أعـ ِـر ُ َتائ َجهــا َس ـ َل ًفا ..تَع َّبـ ُ ـأت بِ َّ َ َ َ َجاب لِ َط َلبــي ..كالعــا َد ِة! (الــدَّ ُّق) حتّــى َت َف َّكك ْ َــت َأوصا ُلــ ُه واســت َ ٍ ِ ٍ ِّســو ِة ّ َ بيــر ٍة ــم أكُــن ِمــن أولئــك الن َ اللئــي َي ْي َئســ َن بســر َعةَ ..وبِ َأنَــف امــرأة َخ َ َل ْ ـت م ِ ـت ِ ب ِمــن َمسـ ِ داخـ َـل َزوجــي َو َم ِ كل َمسـ َـر ٍ خار َجـ ُهَ ..و َّ أملـ ُ ـك ـاربِه ِ،كنـ ُ َعرفـ ُ َ ِ فاتيح ـ ُه بيــديُ ..ألـ ِّـو ُح بِهــا متــى أشــا ُء وكي َفمــا أشــا ُء. ســدا َد َت ُه َو َم َ «مرحبــا بِ ُكــم َعلــى ُخطـ ِ ـوط ال ّطيـ ِ الماليزي ِ ُ ـتكون نَحــو ماليزيا.. ..رح َلتُنــا َسـ ـران ِّ َ َ ً ـاعات مــع تَو ُّقـ ٍ َغر ُق ســبع سـ ٍ ـف في باكســتان». الرح َلـ ُة تَسـت ِ َ َ َ ِّ رت بِالر ِ ِ ــر ُة اســت َ احــة يت علــى الك َرخ ُ ُرســيَ ..شــ َع ُ ّ ِّ حيــ َن َح َّل َقــت بِنــا ال ّطائ َ وصديقاتــي ال َعمي َقـ ِـة َبعــدَ َق َلـ ٍـق َعظي ـ ٍم ..كُنـ ُ ـت خائ َف ـ ًة أن تَشـ َـم َت بــي جاراتــي َ ـت مشـ ِ ِ ِ ِ ِ ـاع َر ُه َّن السـ َف ِر مــن َأ ِجندَ تــهَ ..وأنــا ا ّلتــي َأ َ لهبـ ُ َ حيـ َن ُيلغــي َزوجــي فكـ َـر َة َّ الغيــر ِة وال َق ِ بِ هــر... َ مس هذا الص ِ َحت َش ِ يف. علي ّأل َأبقى ت َ َّ قس َم ّ أحمدَ ..أ َ َ -حبيبي َ حتار إلى أي َن ُيسافِ ُر بي!! أحمدُ ..م ٌ ُ -عمري َ ينهما؟ حتار ٌة َب ُ َه ْل سا َف َرت إحدا ُك َّن إلى َبلجيكا أو ماليزيا؟ ُم َبالسـ ِ (صال َل ـ َة) ـت َأعـ ِـر ُ كُنـ ُ ـفر ح ّتــى إلــى َ ف ّأل ُظرو ُف ُه ـ َّن وال ُظروفــي تَسـ َـم ُح َّ 92 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ الذ َهـ ِ ـم َّ جارتــي (عليــا ُء) أشـ َع َل ـب ا ّلــذي َه َر َســتني بــه َ فــي ُعمــانَ ..ولكـ َّن َطقـ َ ـب كَيانــيَ ..ج َع َلنــي أ َت َق ّلــى فــي فِـ ِ ـراش ال َقهـ ِـر والغيـ َـر ِةَ .. كان َيو ًمــا َقلبــيَ ،و َق َلـ َ مناسـ َب ٍة أو دونَهــا إسـ َ ـقاط كَســي ًفا حيـ َن جــا َءت َوهــي َتتَباهــى بِال َّطقـ ِم َو َت َت َع َّمــدُ بِ َ ِ ِ ّ ِ قــم ُمت ََر ِّب ًعــا علــى َص ِ كشــوف أك َث َــر ِمــ َن الم الشــي َلة وال َعبــا َءة ل َي َ درهــا َ ظه َــر ال َّط ُ الذ َه ِ ــب ..لتَشــت َِع َل الن ُ ــدري العــاري ِمــ َن َّ ّ ّيــران ــداي َص َ الــا ِز ِمَ ..ت َل َّم َســت َي َ حقــون بِالغيــر ِة ..وتَحو َلــت َعينــاي إلــى َط َل ٍ ِ قــات الم ــج فــي َص َ َ َ َ َّ َ َأج َ َو َتت َّ ــدري َ ـرات ِ ـت علــى جمـ ِ ناريـ ٍـة ِ الفكـ ِـر أقذ ُفهــا فــي َوجـ ِـه َعليــا َءَ ..لي َلتَهــا َلــم َأنــمَ ..ت َق َّل ْبـ ُ َّ َ َ ِ ِ ـاع صا َعيـ ِ قمــا مث َلهــا َس ـت ُ َقول والتَّخطيــط ..كيـ َ ـن؟ َلــو اش ـت ََر ُ الصـ َ ـف ُأر ُّد ّ يت َط ً ٍ ِ َ عهــود يــر َم غــارت َوق َّلدَ تْنــي؟ ..ال ُبــدَّ أن ت َكــون َضر َبتــي َشــي ًئا ُمختَل ًفــا َو َغ َ َ ِ ِ ِ ِ ِ بِالنِّس ـ َبة لهــؤالء النِّسـ َـوة ال َّثرثــارات. ـت ِعنــدَ ح ِ الصبـ ِ ـت ُأ َر ِّد ُد لقومـ ِـه ..كُنـ ُ المس ـت َِيقظي َنَ ..و َقفـ ُ ـاح ..كُنـ ُ ُ فــي َّ ـت َّأو َل ُ ِعبــار ًة ِ واحــدَ ًة ال َغ َيرهــا: َ ُ -أريدُ أن ُأسافِ َر. قال وهو يع ُّض على َش َفت ِ هاش في و ِ ِ َفر َك َعين َِيه ..ارتَسم ِ االند ُ َيه: جههُ َ َ ُ َ َ .. َ َ َ َ َ ِ سرتي؟ من أي َن َياح َ ال ِراحتِكُ ..أريدُ أن ُأسافِ َر. أعر ْ َح َّس ْر على َ ف ..ت َ ِ ِ ِ الجزيـ َـر ِة)َ . و ُمنـ ُـذ ذلـ َ كان ُهجو ًمــا ال عر َك ـ ٌة َأ َشــدُّ مــن (در ِع َ ـك َ الوقــت َبــدَ َأت َم َ نازيرهاَ ..سـ َق َطت را َي ُت ُه ..وان َب َسـ َطت ت َِقـ ُ المدَ َّرعـ ُ ـات َ الحرب َّيـ ُة وال َج ُ ـف َأما َمـ ُه ال ُ ِ ِ ِ الكاسـ ِ ـار، ـري ـح ا ّلــذي َد َأبـ ُ المني َعـ ُة أمــا َم َهديـ َ ـت َعليــه َليـ َـل نَهـ َ قال ُعـ ُه َو ُحصو ُنـ ُه َ ِ ـاح الباكـ ِـر ح ّتــى آخـ ِـر َن َفـ ٍ ـس ِم ـ َن ال ّليـ ِ ـلَ . الصبـ ِ كان َي ُظ ـ ُّن ُمت ََو ِّه ًمــا ُمنـ ُـذ ســاعات َّ ِ َســلم لِ ِ أنَّنــي سأست ِ لواقعِ...ولكــ َّن ا ّلــذي َح َص َ يــض الر ايــات ال َب َ ــل أنَّــ ُه َر َف َ ــع ّ ُ َ ِ ِ ِ والحمـ َـر َّ وكل األلــوان ،وهــا أنــا فــي َمق َعــدي فــي ال ّطائـ َـرة.. ُ ـت َأح ُلــم بِالسـ َف ِر ال َبعيـ ِـد والتِّجـ ِ ـوال َحـ َ ـول العا َلـ ِم.. أصــدِّ ُق نَفســي!! َكــم كُنـ ُ ال َ ُ َّ 93 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ــض ِ طيــب) وقافِ َلتَهــا فــي ِرحالتِهــا المخت َِل َف ِ ُأ ِ ِ شــاهدُ (دانيــ َة َ أناملــي الخ ــة َفأ َع ُّ ُ تح ّسـ ُـر .لمــاذا ال َتتَح ّقـ ُـق َأحال ُمنــا ـي ال َفقيـ ِـرَ ،و َأ َ َقهـ ًـرا وغي ًظــاَ ،وأن ُظـ ُـر إلــى َزوجـ َ كيف َترى )1 َ ي خص الش /الراو َيةُ ةُ َّ َّ ّ فسها؟ َو َعال َم َي ُد ُّل نَ َ ذلِ َك؟ كيف َترى )2 َ /الراويةُ َّ الشخص َّيةُ ّ دل وجها؟ َعال َم َي ُّ َز َ َ ذلك؟ ـت ـورةٌَ ..ح ُلمـ ُ الكَثيــرةُ؟ ُمنـ ُـذ َو َعيـ ُ ـت َعلــى الدُّ نيــا َوأحالمــي َمســرو َق ٌة أو مبتـ َ ِ ِ المتَكـ ِّـر َر َز َّج بــي راســتي َوأن ُأصبِـ َ ـوبي ُ ـهورةً ،لكـ َّن ُرسـ َ ـح َطبي َبـ ًة َمشـ َ بِإكْمــال د َ ـت َزوج المس ـتَقب ِل َغنيــا س ـي ِ ِ ـي الكئيـ ِ ـب ..ت َ حم ُلني علــى َخ َّيلـ ُ ًّ َ َ َ َ ُ َبي ـ َن ُجــدران َبيتـ َ خادم ـ ٌة فــي بيـ ِ ـوف الراحـ ِـة َفــإذا أنــا ِ كُفـ ِ ـت بِـ ِـه َو َأر ْد ُت ـ ُه ـت أبيـ ِـه الكَبيـ ِـرَ ..1رضيـ ُ َ ّ َ َ َزوجــا يصنَــع ِمــن المتَــ ِع الصغيــر ِة أفراحــا كَبيــر ًة َفــإذا بِ ِ ــه ال َي ِ ف َش َ ــرق عــر ُ ً ً َ َّ َ ُ َ ُ ِ ِ ِ ِ ِ األرض مــن َغربِهــا ..وال ي ِ ِ لــب َط ِّي ٍ ــك ســوى َق ٍ ــب للغا َيــة .و َع ٍ مل ُ قــل َصــد ٍئ َ َ ِ الوحيــدَ ا ّلــذي انت ََزعتُــه ِمــن ــم َ للغا َيــة !!2ك ُُّل أحالمــي َبعيــدَ ةٌّ ..إل هــذا ُ الح ُل َ ِ المســت ِ َحيل. ســماوات ُ ـعار ِه بِأ ّنـ ُه َح َّقـ َـق م ِ ـب فــي إشـ ِ ـت عجـ َـزةًَ ..لويـ ُ ياحبي َبتــي؟ َلــم َأكـ ْن َأر َغـ ُ َســعيدَ ٌة َُ ِشفاهي: ـاس تُســافِ ُر إلــى َبلجيــكا ..إلــى ليســت ّإل ماليزيــا ..النّـ ُ إلــى َأيـ َن َياحسـ َـرتيَ .. أوروبــا ..إلــى ُأسـتُراليا.. ٍ وقـ ُـل ويتَمتِـ ِ َأطبــق بيـ ِـد ِه علــى َفمــي ،وهــو يح ِ ـب َمزاجــي ـم بِعبــارات ،لــم َير َغـ ْ ُ َ ُ َ َ َ َُ ُ ـك ُر ِ الر ِائـ ُـق فــي َفـ ِّ موزهــا كَعا َدتــي َم َع ـ ُه. ّ ـن الن ِ مــا أجمـ َـل الســحب البيضــاء! تَبــدو َكنُ َتـ ِ ـف ال ُقطـ ِ ّاع َمـ ِـةَ ..هــل نَح ـ ُن فِعـ ًـا ُّ ُ َ َ َ ٍ أرض؟! كُنــت كالبلهـ ِ ـون بي ـن سـ ٍ ٍ ـاء ُأ َصـ ِّـو ُر َّ ب.. ـماء َو ُ ـح َ السـ ُ َ كل َشــيءُّ ، ُم َع َّلقـ َ َ َ َ ِ ِ َناولتُهــا فــي ال ّط ِائـ َـر ِةُ ..ر َّبمــا ال ت َُصدِّ ُقنــي الوج َبـ َة ا ّلتــي ت َ كَراســي ال ّطائــرة ..ح ّتــى َ ـون دليـ َـل إثبـ ٍ ـات! الجـ ُ ـارات؛ َفتَكـ َ َ كَم مضى ِمن الو ِقت؟ َسأل ُت ُه ُم َت َل ِّه َف ًة.. َ َ َ ٍ ُ وأكثر.. ساعات ثالث ُ كل َش ٍ جــل إغا َظ ِ هــون ِمــن َأ ِ بــأسُّ ، ُ ــة ( َعليــا َء) ــيء َي يــاهِ ..رح َلــ ٌة َطوي َلــ ٌة .ال َ 94 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ ِ ـارَ ..لــن تُصــدِّ َق أنَّنــي َوتوابِ ِعهــا .ف َّكـ ُ المطـ َ ـي َ ـور ُوصولـ َ ـرت فــي أن أتَّصــل بِهــا َفـ َ ِ فِع ـ ً زاجهــا َويســو َء َيو ُمهــا. ا ســا َف ُ رت ..أريــدُ أن َي َت َع َّكـ َـر م ُ األخـ ِ ِ كا َنــت ِ ـيَ ،تتَباهــى بِ َجمالِهــا ّ ـاذ َوطولِها دائ ًمــا نِــدًّ ا لــي ،فــي المدرســة َ والحـ ِّ َ الفـ ِ ـتَ ،خ َط َفــت َمــن مـ َ ـال َلـ ُه َقلبــي ُمنـ ُـذ ِص َغــريَ ..لــم َيشـ ُعر َزو َجـ ْ ـارعَِ ،وحيـ َن ت َّ بِ ُوجــودي فــي ظِـ ِّـل ( َعليــا َء) كا َنــت ال ُعيـ ُ ـع ّإل ـون ال َتــرى ّإل َجما َلهــا ..وال َت َت َت َّبـ ُ ِ ِ ِ اخـ ِ أخبارهــاِ ،مــن َأخواتِ ِهــم وأمهاتِ ِهــم الدّ ِ ِ ـم الك ِ َبير. ـات والخارجــات مــن َبيت ِهـ ُ ُ َ َّ َ ٍ فتــاة ..أ ّمــا أنــا َف َ ــت َ .. ــكان َزواجــي ــم ك ُِّل َزو َج ْ كان َز ُ َوحيــ َن ت َّ واجهــا ُح ُل َ أي ُشـ ٍ تَقليد ًّيــاَ ..لــم أفـ َـر ْح َو َلــم َأحـ َـز ْن ..ح ّتــى َزوجــي َلــم ُي ِ ـعور بِنَشـ َـو ِة ظهـ ْـر َّ ـاز بــي ِمــن ِ االنتِصـ ِ دون َشـ ِ ـدار ٍة كَمــا ـار ،بِأ َّنـ ُه فـ َ ـباب َ ـي ،وأ َّنـ ُه اسـتَح َّقني بِجـ َ الحـ ِّ وج ( َعليــا َء)َ ،لــو َ كان َف َع َلهــا َلمــا َج َعلتُهــا نِــدًّ ا لــي فــي َعقلــي َو َحياتــي. َفعـ َـل َز ُ رت أن ُأ ِ ِ عام َلهــا ــر ُ دائمــا إلغا َظتــي والنِّكا َيــة بــيَ ..و َق َّ زيارتــي ً كانَــت َت َت َع َّمــدُ َ بِ ِ الم ِ ثــل.3 ِ ِ ِ ِ ِ ِ األحز َمـ ِـة َف ُهنـ َ ـب إلينــا َربـ َ ـات ـط ـاك َم َط ّبـ ٌ ان َت َبهنــا َعلــى َصــوت قائــد ال ّطائـ َـرةَ ..ط َلـ َ ـت فــي َزوجــي: َهوائ َّيـ ٌةَ ..ص َرخـ ُ ِ الش ِ ِ َسير في ّ ات؟ الم َط ّب ُ ارعِ؟ من أي َن جا َءت هذه َ َ -هل نَح ُن ن ُ -اذكُري ال ّل َه ..ل َقد َف َضحتِنا. ٍ ٍ ِ ِ ِ ِ ِ ـت َر َّج ـ ًة َجـ ْ ـم ْارت َّ َلــم َأنتَظـ ِـر الـ َّـر َّدَ ..بــدَ أت ال ّطائـ َـر ُة تَقفـ ُـز كَضفدَ َعــة َف ِز َعــةُ ..ثـ َّ ـات يتَراكَضـن لِت ِ ِ أت أسـ َـم ُع ُص ً َهد َئـ ِـة ورأيـ ُ َعني َفـ ًة ..بــدَ ُ َ المضيفـ َ ـت ُ راخــا َو َل َغ ًطــاَ .. ِ ِ المـ َ ـكان تَو ُّتـ ٌـر َشــديدٌ . األطفــال ا ّلذي ـ َن َشــرعوا فــي ال ُبــكاءَ ..وســا َد َ ِ ِ ِ عــاد صـ ُ ِ ِ ـي َجديــد.. ـوت قائــد ال ّطائـ َـرة َيدعونــا للت ََّم ُّســك َج ِّيــدً اَ ..م َطـ ٌّ َ َ ـب َهوائـ ٌّ ِ ِ ِ ـض صح ِفـ ِـه ..بعـ ُ ـور َة ال َب َقـ َـرة مــن ُم َ الر ُجـ ُـل ا ّلــذي َيجلـ ُ ـس أمامــي َبــدَ َأ َيقـ َـر ُأ سـ َ َّ ِ الشــها َدت ِ الـ ُّـرك ِ ون َو ُي َحوقلـ َ ّاب َبــدَ ؤوا ُي َسـ ّـم َ ـون َ ..و َزوجــي ُيـ َـر ِّد ُد َّ َين َو َيقـ َـر ُأ آي ـ َة ِ الكُرســي ..إ َذن ..األمــر َخطيــر! ..اه َتـ َّـز ِ المـ َّـر ِة ت ال ّط ِائـ َـر ُة اهتـ ً ـزازا أقــوى م ـ َن َ ٌ ُ ِّ 95 كيف َترى )3 َ ي خص الش /الراو َيةُ ةُ َّ َّ ّ لياء؟ َصدي َق َتها َع َ َعال َم َي ُد ُّل ذلِ َك؟ كتاب النصوص للصف احلادي عشر ِ رأي )4لماذا َتغ َّي َر ُ الشخصي ِة/الراو يةِ َّ َّ ّ َ في نَ ِ فسها َو َز ِ وجها ِ لياء؟ َو َصدي َقتها َع َ الرأ َي ِ صد ُق؟ ين أَ َ أي َّ ولِماذا؟ ِ ِ ــس زح ُ الج ُ انح َب َ ــف إلــى َح ْلقــيَ .. فــاف َي َ الم َيــانَ ..بــدَ َأ َ الســابِ َقةَ ..شــ َعرنا بِ َ ّ ٍ ِ ٍ الم َط ُــر َيه ُط ُ الخــار ِجَ ..ونحــ ُن َ َصوتــيَ .. أرض اآلن َبيــ َن ســماء َو ــل فــي كان َ ِ ٍ ِ ٍ ٍ ٍ ٍ ـب َ ـوف الخـ ُ فــي ُعل ّبــة َحديد َّيــةَ ..تتَما َيـ ُـل ك ََســفينَة َو َرق َّيــة فــي بِر َكــة مــاءَ ..ركـ َ ـت َك َفـ ٍ ـت أن ُظـ ُـر إلــى ـور ٍة ..كُنـ ُ َصــدري والت ََصـ َـق بِ ُضلوعــي ..انك ََمشـ ُ ـأرة َمذعـ َ َ َزوجــي بِ َعين ِ َيــن َق َف َزتــا ِمــن ِم ْح َج َر ْي ِهمــا ..مــاذا َلــو؟ مــاذا َلــو َ آخــر كان هــذا ُ ـون الحيـ ِ ِ ـون وجهــي ،و َت َلــو َن بِ ـك ُِّل األلـ ِ ـوان ّإل َلـ َ أت ـاةَ ..قـ َـر ُ َ َّ ـار َلـ ُ َ المطــاف؟ طـ َ َ ِ ـوف ُّ َ مسـ َ ـك َب َيــديَ ،و َبــدَ َأ َيقـ َـر ُأ َو ُيـ َـر ِّد ُد الخـ َ ـي ا ّلــذي َأ َ والذعـ َـر َعلــى َوجــه َزوجـ َ ِ بــي ُّ مس َ ــت النَّــدَ ُم، عــر َو َق َّل َبنــي ك َ َيــف شــا َءَ ..ن َب َ الذ ُ ــك َ اآليــات واألدع َيــ َةَ .أ َ اغفــر لــي ...س ـي ِ ـوب :ال ّلهــم ِ المرعـ ِ غف ُر مــاذا؟ َ َ َوتَجـ َّـذ َرَ ،و َأ ْو َر َق فــي َصـ َ َّ ـدري َ ـلت َعــن صـ ِ ـي َو َ ـاة ال َفجـ ِـر ح ّتــى َكاسـ ُ َ أبش ـ َعها؟ آه َ ..ليتَنــي مات َ مــا أك َثـ َـر ُذنوبـ َ ـت َعلــى َزوجــي ِ المسـ ِ ـكينَ ،و َلــم ُأجبِــر ُه َعلــى َطاولـ ُ َخـ َـر َج َوقتُهــاَ ..ليتَنــي مــا ت َ َ ـن التَصعــدُ إلى سـ ِ ِ المديـ ِ ـون َّ االســتِدان َِةَ ..يقولـ َ ـماء َر ِّبهــاَ ،فدُ يو ُن ُه َ إن َ َ الم ْيــت َ روح َ كان َشــهيدً اِ . ُت َكب ُلـه و َت َقيــدَ ه ح ّتــى َلــو ِ ُ ـي لكنَّـ ُه َسـ ِّ ُ َ ُّ ُ َ ـيكون َشــهيدً ا َ ..ف َل َقــد َص َبـ َـر َعلـ َّ ِ ِ كَثيـ ًـرا ..واحت ََمـ َـل َســا َط َة لســاني َوق َّل ـ َة َعقلــي .ال أذ ُكـ ُـر أ َّن ـ ُه َض َر َبنــي َيو ًمــا أو ِ كان َيتمنّــى إرضائــي ..ليتَــ ُه َف َع َ كــس َ ــل َو َض َر َبنــي.. أهانَنــيَ ..بــل علــى ال َع ث ماحــدَ َ فمــا كان َســيحدُ ُ ثَ ..لي َت ـ ُه أو َق َفنــي ِعنــدَ َحــدّ يَ ،و َف َعـ َـل ِمثـ َـل ما َف َعـ َـل حزام ِ ــك بِ ِ ــهَ ،و َج َلدَ هــا علــى َظ ِ مس َ هرهــا حتّــى أبــي بِ ُأ ّمــي حيــ َن عانَدَ تُــه ،إذ َأ َ جارتَنــا األر َم َلــ َة َّــرت يــو َم ن ََه ُ ــر أخطائــي! ت ََذك ُ ــرت َ اســتَكانَت .آخ ..مــا أك َث َ ِ َو َو َصمتُهــا بأق َبـ ِ ـت ـب ُمســاعَدَ ًة ِمــن َزوجــي ..كنـ ُ الصفــات حيـ َن جــا َءت تَط ُلـ ُ ـح ِّ ـف َزوجــي ..أال َلعنَ ـ ُة ال ّلـ ِـه علــى األفــا ِم والمسلسـ ِ ـط لِ َخطـ ِ ُخ ِّطـ ُ أ ُظنُّهــا ت َ ـات ُ َ َ ِ ِ ٍ ـمارا؟! ا ّلتــي َأسـ َـه ُر َع َليهــا ك َُّل َلي َلــة! َو( َعليــا ُء) لمــاذا َأ َض ُعهــا فــي َرأســي مسـ ً وارهــا.. عر َكـ َة َو َأشـ َع َل ُأ َ الم َ َهــل َف َع َلــت بــي َشــي ًئا ُمحــدّ ًدا؟ «ال» ..أنــا َمــن َبــدَ َأ َ ـامحني يــارب ..سـ ِ سـ ِ ـت صا َدقتُهــا..4 ـامحيني يــا َعليــا ُء ..لــو كُنـ ُ َ ُ ِ ـاي َعلــى َزوجــي ..ال َيـ ُ ـي َجديــدٌ .. ـزال َيقـ َـر ُأ اآليــاتَ ..م َطـ ٌّ َسـ َق َط ْت َعينـ َ ـب َهوائـ ٌّ ــديد ورغب ٍ غــص َش ٍ ٍ ــة فــي ال َّت َق ُّيــؤَ ..ر َّجــ ٌة رت بِ َم اض َط َر َبــت َم ِعدَ تــيَ ..شــ َع ُ ْ ََ َ ٍ والش ِ الح َف ِ رب َو ِع ٍ َســير علــى َد ٍ ــر ُّ ــقوق ..حتّــى ــر َملــيء بِ ُ َجديــدَ ةٌ ..كأنَّنــا ن ُ 96 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ ِ الســماء! سـ َ ِ ـارب ..أشـ َـهدُ ْ ـرت أن ال إلـ َه ّإل ال ّلـ ُه ..تذ ّكـ ُ ـبحان ال ّلــه!! ســامحني يـ ُّ َّ ُ ُ ِ ِ َحدي ًثــا َن َبو ًّيــاَ « ،مـ ْن َ الجنَّ َة» َهل َسـ ُ ـأدخ ُلها؟ كان آخـ ُـر كالمــه ال إلـ َه ّإل ال ّل ُه َد َخـ َـل َ الشــيطاني ُة؟! سـ ِ الج ُم َعـ ِـة َيقـ ُ ـولَّ : َو ُذنوبــي؟! َوأفــكاري ّ حمـ َة ـم ُ ـب ُ عت َخطيـ َ َّ إن َر َ َ ِ ِ ِ ِ الجنَّـ َة .ولكنَّنــي ال ّلــه واسـ َع ٌة ..وأنَّهــا َوسـ َعت َبغ ًّيــا َسـ َق ْت كَل ًبــا المــا َءَ ،فدَ َخ َلــت َ ِ ُّ ِّ 5 ـم والنَّ َكـ ِـد والــذل! َلــم َأسـ ِـق َزوجــي ســوى َ الهـ ِّ ِ َصوحــا ال َأعــو ُد َبعدَ هــا يــارب ..تَو َبــ ًة ن نيــب ســامحنيَ ..س يــارب ً ُّ ــأتوب َو ُأ ُ ُ ُّ ـت وأنــا علــى هـ ِ ـذه الحـ ِ أت أت ََشـ َّـهدُ ..ال أ ْدري َكــم ـالَ ..بــدَ ُ أبــدً ا ..يــا َويلــي َلــو ِمـ ُّ قائـ ِـد ال ّط ِائــر ِة يب ِّشــرنا بِتَجــاو ِز المطبـ ِ ـوت ِ ِ ِ ـات ـاب َصـ ُ ُ َ ّ الوقــت ح ّتــى انسـ َ َمـ َّـر مــن َ َ َُ ُ الهوائ َّيـ ِـة. َ ٍ ِ ِ ِ ـع َخ ْلفــي الس ـ ِّيدَ ُة ا ّلتــي تَق َبـ ُ عــا َدت الدِّ مــا ُء تَجــري فــي َأوصالنــا مــن َجديــدَّ .. َأقســم ْت ّأل تَر َكــب ِ ـعرت بِ ُحنُـ ٍّـو َغريـ ٍ ـب الص َعــدا َءَ ..شـ ُ طائـ َـر ًة أ َبــدً اَ ..تنَ َّفسـ ُ ـت ُّ َ َ َ ِ ِ ِ الحبيـ ِ ـبَ .. ـي َو َظـ َّـل َي ْرقينــي بِآيــات ال ّلــه َو ُي َهــدِّ ُئ ـي َ كان خائ ًفــا َعلـ َّ َعلــى َزوجـ َ والخ ِ لــت أن ُأ ِ ِ عــض ال َق َل ِ َــي ..ال َي ُ ــق َ ــوف حاو ُ ــزال َب ُ غم َ مــن َروعــيَ . ــض َعين َّ َيســري فــي َأوصالــي.. ِ جــراُ ..وصو ُلنــا لِماليزيــا َســ َي ُ الســا َع ِة الســا َع ُة َ كون فــي ّ الرابِ َعــ َة َف ً جــاو َزت ّ ّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ باحــاَ .بــدَ أت ال ّطائـ َـر ُة تَق َتـ ِـر ُب مــن َأجــواء العاص َمــة ..كا َنــت َمدينَـ ًة الساد َســة َص ً ّ ِ ِ ِ الم َب ِّكـ ِـرَ .. كان َمن َظـ ًـرا َخ ّل ًبــا.. ُمسـتَيق َظ ًة تَحـ َ الم َطـ ِـر ُ ـت َرذاذ النَّــدىَ ،و َقطــرات َ ِ البِ ُ يــوت َ الحمــر.. ســاط وهنــاك ..ال ُب ُ َ ــر َيمتــدُّ ُهنــا ُ الخ َشــب َّي ُة بِأســ ُقفها ُ األخض ُ َــة الر ِائع ِ هــذه المدين ِ ِ ُ َّشــاط فــي ــةَ ..د َّب الن صــر بــاب ا ّلــذي َي ُل ُّ َّ ّ َ والض ُ َ ــف َخ َ أت ُأصــور ..هب َطـ ِ ـت ال ّط ِائـ َـر ُة فــي ـت (الكاميــرا) َوبــدَ ُ أوصالِنــا َجمي ًعــاَ ..ح َملـ ُ ِّ ُ َ َ أرض المــدَ ر ِج ِ ِ مطـ ِ الواسـ ِع ح ّتــى العاص َمـ ِـةَ ..أ َخـ َـذت َعجالتُهــا ت ََنزلِـ ُـق َعلــى ـار ِ ُ َّ ِ ِ ِ المدينَـ ِـة الغاف َيـ ِـة اس ـ َت َق َّرت ..كُنـ ُ ـت َأســبِ ُق َزوجــي فــي النُّــزول َو ُمعا َن َقــة َهــواء َ ـاح النَّظيـ ِ فــي ِمثـ ِ الصبـ ِ ـف.. ـل هــذا َّ كان مطــارا ِ ِ ِ الق ِ ِ ِ ِ واســ َط ِة ِ ان َت َقلنــا بِ ِ الم ِ واســ ًعا طــارً َ َ .. طــار للج َهــة ال ّثانيــة مــن َ 97 عور )5 كيف َت ِص ُ َ ف شُ َ الشخصي ِة في هذهِ َّ َّ ال ُّنقط َِة ِمن ِ الق َّص ِة؟ كتاب النصوص للصف احلادي عشر ِ ـكان َشـ ً المـ َ ـمال َو َجنو ًبــا َبح ًثــا َعــن غايتــي.. َونَظي ًفــا ..كا َنــت َعينـ َ ـاي تَجوبــان َ ِ ِ الحـ َ َبحثيــنَ .لــم ُأر ّد. ـظ َزوجــي انشــغالي فــي ال َبحــثَ ..سـ َـأ َلنيَ :عــن مــاذا ت َ َ ِ ِ ِ درت األرقــا َم ا ّلتــي َأح َف ُظهــاَ .. كان ـيَ ..أ ُ ان َط َلقـ ُ ـت نَحـ َـو كَبينَــة الهاتــف ال ُعمومـ ِّ ميــع: الج ُ ســم ُع ُه َ َصوتــي عال ًيــا َي َ ث )6ماذا َح َد َ للشخص َّي ِة ُهنا؟ ما َّ َرأ ُي َك في ذلِ َك؟ نائمــة؟ سـ ِ ِ ِ ـامحينيَ ..لــم َأنتَبِــه لِل َفـ ِ ـاح َ ـرق ..مــا الخ ِير َ َعليــاءَ ..صبـ ُ..هــل أنــت َ ـك كُنـ ِ أجمـ َـل المدينَ ـ َة! َلي َتـ ِ كان ال ّل ـ ُه فــي َعونِ ُكــم وأن ُتــم َت َت َل َّظـ َ ـت َمعــيَ .. ـون َ َ ِ ِ َجـ ُ ِ 6 الحــر ..أنــا َأرت ِ ...و.. ـف م ـ َن ال َبــرد ..كا َنــت ِرح َل ـ ًة ُممت َع ـ ًة َ فــي َ ِّ َف ..ويح ِ أيت َزوجيَ ..ي ِ وق ُل كَعا َدتِ ِه!!! ور ُ ضر ُب َك ًّفا بِك ٍّ َ ُ َ َ 98 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ طاء ِ الف ِ راش ِغ ُ ِ اإلجنليزي /جورج ب ِْرنارد شو للكاتب ِّ ـت ألُ ِ ـم َأ ُز ْر هولنــدا ُمنْـ ُـذ أوائـ ِ حضـ َـر منهــا جدَّ تــي إلــى ـل 1939حيـ َن ذه ْبـ ُ َلـ ْ ـروض وقتَئـ ٍـذ َّ َ أن َجدَّ تــي س ـتُمضي م َعنــا فــي أمريــكا أمريــكا، وكان المفـ ُ أن زيارتَهــا قـ ِـد امتــدَّ ْت ثمانــي سـ ٍ ـبَ ،بيــدَ َّ ـنوات ،ح ّتــى فحسـ ُ َ س ـ َّت َة أشـ ُـه ٍر ْ بــدا أنَّهــا لـ ْن تعــو َد إلــى و َطنِهــا هولنــدا مـ َّـر ًة ُأخــرى. ـم َّ أن َجدَّ تــي قــدْ َر َ ـت تأ َمـ ُـل فــي ـت لأل ْمـ ِـر الواق ـعِّ ،إل أنّهــا ظ َّلـ ْ ضخـ ْ ور ْغـ َ َ ِ ِ ِ ِّــر فــي ــت ت ُْمضــي َشــ ْط ًرا العــودة يو ًمــا مــا ،ود َأ َب ْ كبيــرا مــ ْن وقتهــا تُفك ُ ً منزلِهــا فــي هولنــدا. فــي صيـ ِ ـف س ـن َِة ،1947عندمــا َأوفدَ تْنــي َّ عمـ ُـل بهــا فــي الشـ ِـرك ُة ا ّلتــي َأ َ أن ِ همـ ٍـة إلــى بروكســل ،ناشــدَ تْني ْ الفرص ـ َة و ُأ َعـ ِّـر َج علــى هولنــدا أنتهـ َـز َ ُم َّ ٍ بتقريــر ٍ ٍ شــيء، واف عــ ْن ك ُِّل فــأزور خالــي وزوجتَــ ُه ،وأعــو َد إليهــا َ ــة عــن ِغ ِ َــت ت ُّ ِ ــراش ِمــن الص ِ طــاء فِ وبخاص ٍ كثيــرا! ــوف كان ْ ٍ َ ّ ْ َّ َعتــز بــه ً 1 إليهمــا فــي ُغ ِ ث ِ ــت أتحــدَّ ُ رفــة وعندمــا ُز ْر ُت خالــي وزوجتَــ ُه، وجلس ُ ْ ٍ االســتقبال الهولندي ِ ِ ــة ال ِّط ِ ــرازُ ،خ ِّي َ إلــي َّ شــيء يجــري علــى أن ك َُّل ّ ــل َّ ـول هـ ِ ِ ِ ِ أي تغييـ ٍـر ُمط َل ًقــا طـ َ ـذه األعــوا ِم ا ّلتــي ـم َيطــر ْأ ُّ مألــوف عادتــه ،وأ َّنـ ُه َلـ ْ ِ َ ــبي ْ ــت ســن َة َّ ،1939 أن البيــت وأن َ َت َل ْ قائمــا ك َع ْهــدي بــهَ ، وح ْس َ مــازال ً ـال النّافـ ِ ُألقــي َن ْظــر ًة واحــد ًة ِم ـ ْن خـ ِ ـذة ألرى الفضــا َء المحيـ َ ـط بـ ِـه وقــدْ َ أحا َط ْتـ ُه ظِـ ٌ ـت يو ًمــا ِمـ َن األ ّيــا ِم َميـ َ ـب المدينـ ِـة ـال ،كا َنـ ْ ـدان مولبــورج ،ق ْلـ َ ِ 2 النّابــض. ِ ِ كان خالــي وزوجتُــ ُه قــدْ َظ ّ وإن َ ْ واجتــازا ِمحنَــ َة ــا علــى ق ْيــد الحيــاةْ ، 99 أن مكن ْ َ )1تن َّبأْ بما ُي ُ ِ هل س َيج ُد ث؛ ْ حد َ َي ُ الراوي ِ طاء غ َ ّ ِ الف ِ راش؟ الراوي ِف ْع ًل )2 َ استخد َم ّ أن توقُّعاتِ ِه َي ُد ُّل على َّ ل َْم َتك ُْن في َمحلِّها، ا ْذك ُْر ُه. كتاب النصوص للصف احلادي عشر ِ ِ الح ِ بســا ٍم ،ف َقــدْ َ ــمات َو ْج َه ِيهمــا مــا كان يبــدو علــى َق َس َ ــرب القاســ َية َ ـت ِم ـن َقبـ ُـل ،و َقــدْ حاو ْلـ ُ ِ ُينْبِــى ُء بـ َّ ـرارا، ـم َت ُعــدْ كمــا كا َنـ ْ ْ ْ ـت مـ ً ـور َلـ ْ ـأن األمـ َ خـ َ أمض ْيتُهــا م َع ُهمــاْ ... ـم أن َأعـ ِـر َ ـال األ ّيــا ِم ا ّلتــي َ السـ َ ـبب ،ولكن َُّهمــا َلـ ْ ف َّ ث واألحـ ِ ـواد ِ ب والحـ ِ يسـ ِ ـمعاني شــي ًئا ِمـ ْن ِق َصـ ِ ـص الحـ ْـر ِ ـداث ا ّلتــي مـ َّـر ْت ُ ـت ِ أعتقــدُ أحيا ًنــا أنَّهمــا ين ُْشـ ِ ـدان النِّسـ َ ـيان، ِبهمــا وعانَيــا ِمـ ْن َويالتِهــا ،فكنْـ ُ ُ َ ـح أحيا ًنــا ُأخــرى أن َُّهمــا قــدْ َس ـ َب َق وتحدَّ ثــا عـ ِ ـن الحـ ْـر ِ ب بمــا فيـ ِـه و ُأ َر ِّجـ ُ )3كيف يمكن أن تصف ال ّتغيير الّذي طرأ على ِ الراوي ْ وج َهي خال ّ وزوج ِت ِه؟ َ ِ الذكريـ ِ الكفايـ ُة ح ّتــى سـ ِـئما هـ ِ ـات األليمـ َةْ ،أو َّ ـذه ِّ الســني َن المريــر َة أن هــذه ِّ َ تَحــوي فــي طياتِهــا مــا ال ي ْقويـ ِ ِ ِ 3 ـان علــى ِذ ْكـ ِـر ِه ِ وروايتــه. َ َ ّ ْ ل َقــدْ كنْـ ُ ِ ـرار ِة ن ْفســي َّ لص ْمتِ ِهمــا هــذا، ـي َ ـير الحقيقـ َّ أن ال َّت ْفسـ َ ـت واث ًقــا فــي َقـ َ ـون ِمـن م ِ ور ّبمــا ال َي ْعــدو ْ ممــا ت َ ظاهـ ِـر ليـ َ أن يكـ َ ْ َ َخ َّي ْل ُتــه أو َر َّج ْح ُتــهُ ، ـس شــي ًئا ّ ــة وال َّلبا َق ِ الكياس ِ أن الت ِ لش ِ ــعور ِهما َّ ــر ْت بِنــا َ - ــة ُ ــر معش َ َّجــار َب ا ّلتــي َم َّ َ األمريك ّيي ـ َن -فــي الحـ ْـر ِ ـس إ ًذا ِم ـ َن ـم َت ُك ـ ْن ســهل ًة وال يســيرةً ،ف َليـ َ بَ ،لـ ْ ِ ِ ـون ِمـ ْن ُضـ ِ تشــدَّ قا بمــا َأ ْبــدا ُه الهولند ّيـ َ الســلي ِم ْ ـروب َّ أن َي َ ـجاعة الشـ الـ َّـذوق َّ وال َبـ ْـأ ِ س! الشــجاع َة ألســأ َلهما عـن ِغطـ ِ ـاء ِ الفـ ِ وأخيـ ًـراَ ،و َجــدْ ُت َّ ـراش المصنــو ِع ِمـ َن ْ ُ ِ لهمــا َم ْب َلـ َ ـغ اهتمــا ِم َجدَّ تــي بـ ِـه؛ أل َّنـ ُه ِمـ ْن ُصنْـ ِع يدَ يهــا، الصــوف ،وذ َكـ ْـر ُت ُ ّ َيهما وراحــا يحدِّ ثانــي عـن ِقصـ ِـة ِغطـ ِ ـك ُســؤالي هــذا ُعقــدَ َة لســان ِ و َقــدْ َفـ َّ ـاء ْ َّ ُ َ أن أفهمهمــا بسـ ٍ ِ الفـ ِ ـراش ،ولع َّل ُهمــا اعتقــدا َّ ـهولة و ُأ َقدِّ َر ُهمــا. أن َبو ْســعي ْ َ ُ ُ قا َل ْت زوج ُة خالي: الراوي في هذا َ )4م ِن ّ الج ِ زءِ ، روي الم ن وم ُ ْ َ ُّ ع ل ُه؟ وما موضو ُ ِ الق َّص ِة؟ ـح ْ أن َجدَّ َتـ َ ـت ب بهــا و ُت َقدِّ ُرهــا َحـ َّـق َقدْ ِرهــا .و َم َضـ ْ ـك ً أيضــا سـ ُت ْع َج ُ رجـ ُ ُأ ِّتــروي ِ َ 4 الق َّصـة. أن ُتــدْ ِر َك ّأو ًل أنَّنــا ُكنّــا فــي َمسـ ِ ـك ْ َي ْجــدُ ُر بـ َـيس الحاجـ ِـة إلــى َّ ـح ِم، الشـ ْ 100 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ ـت وال شــي َء ِمـ ْن هــذا ال َقبيـ ِ ـاو ِل ال َيـ ِـد إ ّبـ َ ـل َ ـان فــا ُد ْهـ َن وال َزيـ َ كان فــي ُمتَنـ َ ٍ ِ الحــر ِ كمــ ْن يســتعيدُ وجهــا علــى الــكال ِم َ ــب َز ُ ب ،وع َّق َ بصــوت حالــ ٍم َ ْ ذكريـ ٍ ـات بعيــدةً: بالزبـ ِ ـض ال َّليالــي ب َفطيـ ٍ ـم فــي ب ْعـ ِ ـدة ...أال ل َقــدْ كنْـ ُـرة َمصنوعـ ٍـة ُّ ـت أح ُلـ ُ ـخ ًفا و ْق َتـ َ َي ْبــدو هــذا َســخي ًفا َ ـم َي ُكـ ْن ُسـ ْ ـف علــى ـذاك .ل َقــدْ ُكنّــا نَت َل َّهـ ُ اآلن؟ َلـ ْ ـح ِم والدُّ ْهـ ِ ـب غائـ ٍ ـف العاشـ ُـق علــى حبيـ ٍ َّ ـب! تلهـ ُ ـن كمــا َي َّ الشـ ْ ـت إلــى هــذا التَّعبيـ ِـر، َفأ ْو َمـ َـأ ْت َزوج ـ ُة خالــي بر ْأ ِســها ،وكأنَّهــا قـ ِـد ارتاحـ ْ َ ٍ ِ َطر َد خالــي: وسـ َ ـرح ْت بن َظراتهــا إلــى عا َل ـ ٍم بعيــد بينَمــا اس ـت َ َ ِ ِ ذلــك الو ْق ِ القيمــة؛ َّ َ ّــاس فــي كانــت النُّقــو ُد عديمــ َة ــت فــيألن الن َ حاجـ ٍـة إلــى مــواد ...إلــى أشــياء نافعـ ٍـة مفيـ ٍ ـدة ...أشــيا َء يحتاجـ َ ـون إليهــا. َّ َ ِ ــي ا ّلتــي نملكُهــا علــى التّوالــي... ل َقــدْ تخ َّل ْصنــا ِمــ َن الجواهــر ُ والح ُل ِّ ُثــم تَحررنــا تدريجيــا ِم ـن ك ُِّل مــا لدينــا ِم ـن كماليـ ٍ ـات يمك ـ ُن االســتغنا ُء ّ ْ ْ ًّ َّ َّ ْ ِ ـاش ا ّلــذي يمك ـ ُن َبي ُع ـ ُه ِ الريـ ِ ـح المنـ ُ أو عنهــا ..وأص َبـ َ ـزل عار ًيــا تما ًمــا م ـ َن ّ ــق ِســوى ِغ ِ طــاء ِ ِ الف ــراش.5 ــم َي ْب َ اســتبدا ُل ُه ...و َل ْ إنّــي َأ ْذكــر هــذا ِ َــت ُأ ّمــي ت ِ ص ْ أن تض َعــ ُه الغطــا َء تما ًمــا ...ل َقــدْ كان ْ َحــر ُ ُ ِ الضخــ ِم .ل َقــدْ َ ُمح َّبــكًا تما ًمــا عنــدَ األقــدا ِم َف َ كان ِمــ َن ــوق ســريرها َّ ِ ٍ الصـ ِ ـوف األسـ َـو ِد ...وقــدْ حيـ َ الرســو ِم الهندسـ ّي ِة ّ ـك علــى ن ََمــط بديـ ٍع مـ َن ُّ المســتديرة والبيضاوي ِ ِ ــة. ّ َ اعتذار و َأس ٍ رقيق بدَ ْت ِ وأضا َف ْت زوج ُة خالي في صو ٍ ت ٍ ف: فيه ر َّن ُة َ ْ ٍ َ ــل حياكتِ ِ ِ وح ِّ َ أخشــى ُْنــت أن ــه ...ولكنَّنــي ك ُ ــبب فــي َفكِّــه َ الس َ أكــون َّ جائعـ ًة ...ل َقــدْ ُكنّــا فــي ِمحنَـ ٍـةَ .فــرد خالــي بسـ ٍ ـرعة ك ََمـ ْن َينفــي عـ ْن ن ْف ِسـ ِـه َ َّ ُ الت ُّْهم ـ َة: 101 آخر ماذا هنا ُ )5 ٌ تلميح ُ َتتوق َُّع؟ كتاب النصوص للصف احلادي عشر َأ َج ْلَ ..ل ْم ُأفك ِّْر أنا في َفاستطر َد ْت زوج ُت ُه: ذلك. َ ِ فــر ٍد َج ِ الج ِ ــوار ُب ال ُت َقــدَّ ُر ب َث َم ٍ ــوار ُب. ــم َي ُعــدْ عنــدَ ِّ كانَــت َأي ْ ــن ،و َل ْ الغطـ ِ ـن واحـ ٍـد ِم ـن ِ ولهــذا َع َمــدْ ُت إلــى َحـ ِّـل حيا َكـ ِـة ُر ْكـ ٍ ـاءُ .ر ْك ـ ٌن واحــدٌ َ تينــة ال َّث ِ ب الم ِ ِ ِ وحك ُ ِ ــطِ ، الج ِ ف َق ْ قيلــة وجــا مــ َن َ الصــوف َز ً ْــت مــ َن ّ ــوار ِ َ ِ ــوداء ...ل َقــدْ َ ور ًبــا رائ ًعــا. الس كان َج َ َّ َ فقال خالي ُم ْغتا ًظا: ِ ـار ـته ْي ُت هــذا َ َأ َجـ ْـل ،ل َقــد اشـ َـور َب لنَ ْفســي صراح ـ ًة ...ولك ـ ْن أشـ َ الجـ َ بيـ ِـد ِه فــي حركـ ِـة تســلي ٍم وإذعـ ٍ ـان ِ واض ًعــا يــدَ ُه علــى َم ِعدَ تِـ ِـه: َ ذات ٍ ْ ليلــة إلــى اآلخــر... كنــت جائ ًعــا أنــا ل َقــدْــور َب َ ُ فأخــذ ُت َ الج َ ُ بــدة ال ّط َاز ِ الز ِ عر ُفــه ،وعُــدْ ُت ِ ُم ِ ــا َر ْط َل ِ حام ً جــة. يــن ِمــ َن ُّ ــزار ٍع َأ ِ ُ زوجة خالي وقا َل ْت بِ َله ٍ ِ فة: فلم َع ْت َعينا ْ َ ـان ِ الزبـ ِ كامـ ِ ـدة ...ر ْطـ ِ تَخيـ ْـل ....ر ْطـ ِـان ،ل َقــدْ اح َت َف ْظنــا َبر ْطـ ٍ ـل ـان ِمـ َن ُّ َّ َ َ الر ْطـ َـل اآلخـ َـر بينَنــا وأ َك ْلنــا ُه كمــا هـ َـو علــى ِع ّلتِـ ِـه َ دون ُ منهمــا واقت ََسـ ْـمنا َّ ـي ُمسـ ِ ـت: ـتدر َك ًة وقا َلـ ْ ـم ن َظـ َـر ْت إلـ َّ ُخ ْبـ ٍـز! ُثـ َّ ال ُبدَّ َّسم ِع َك. أن هذا ٌ غريب على َم َ فاعترض ُت ً قائل: ْ كلّ .. ّكل الب َّت َة. َ فقال خالي مؤ ِّكدً ا: ل َقــدْ َكان ذلـ َ ـك اليــو ُم عيــدً ا مشــهو ًدا عندَ نــا ...ووا َف َق ْت ـ ُه زوج ُت ـ ُه ...أ ّمــا اآلخــر ف َقــدْ كفانــا شــهرا ِ كامـ ًـا ..وأخشــى َّ الر ْطـ َـل ِم ـ َن أن هــذا َّ ً الر ْطـ ُـل َ ُ َّ ِ ُّ ِ ـم َن ُعــدْ نَستسـ ُ ـيغ طعا ًمــا بِــا فســدَ َذ ْو َقنــا ،ف َقــدْ َّ تعو ْدنــا عليــه ،و َلـ ْ الزبــدة قــدْ َأ َ ٍ ِ ـم ش ـ َع ْرنا بالحاجـ ِـة إلــى غيـ ِـر ِه. ُزبــدة ،وم ـ ْن ُثـ َّ 102 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ فض ِح َك خالي َ وقال: َ ث ...ل َقــدْ ح َل ْلنــا حياكَــ َة ِغ ِ أن تَتخ َّي َ ــل مــا حــدَ ْ ُــك ْ وهكــذا ُيمكن َطــاء ٍ ِ الفـ ِ ـراش ُر ْكنًــا ُر ْكنًــاُ .كنّــا َن ُفـ ُّ لصنْ ـ ِع َز ٍ وج ِم ـ َن ـك فــي ك ُِّل مـ َّـرة مــا يكفــي ُ المـ ِ الجـ ِ ـوار ِ َ ب، ـزار ُع ط ِّي ًبــا م َعنــا ،وشــري ًفا للغايـ ِـة ،6فقا َط َع ْتـ ُه زوج ُتـ ُه َ وكان ُ ظاهـ ٍ قائل ـ ًة فــي حماسـ ٍـة ِ ـرة: َ يــن ِمــن ُّ ِ ْــس أنَّــ ُه َ ل َقــدْ َكان فــي الزبــدة ،وال َتن َ دائمــا َر ْط َل ِ َ كان ُيعطينــا ً أن ي ُغ َّشــنا ويخدَ َعنــا مسـ ِ مقـ ِ ِ ـتغ ًل فرص ـ َة َخوفِنــا ِم ـن األلمـ ِ ـان ا ّلذي ـ َن َ َ ـدوره ْ َ ُ هــذه المســاو ِ ِ َ فوافــق خالــي ً َ قائــا: مات، أمثــال منعــون بشــدَّ ٍة َي َ ُ َ ـال ل َقــدْ لبــى ِغطاء ِ كان ط ِّي ًبــا .علــى ك ُِّل حـ ٍ الفـ ِ َأ َجـ ْـل ...ل َقــدْ َـراش حاجتَنا ّ ُ ِمـن ُّ ِ ـن كام َل ِ لمــدَّ ِة عا َميـ ِ ـم َ ـب ُك َّلمــا والر ْعـ ُ َ كان ينتا ُبنــا ال َفـ َـز ُع ُّ ين...و َكـ ْ الزبــدة ُ ـاءل ويقــرب ِمـن النِّهايـ ِـة ،بينمــا الحالـ ُة مسـ ِ ـتم َّر ٌة ِمـ ْن ـص و َيتضـ ُ َ ُ ُ َ رأينــا ُه َيتق َّلـ ُ ُ سـ ٍ ـت ـيء إلــى أســو َأ وال يبــدو َلهــا نِها َي ـ ٌة .وأخيـ ًـرا ح َل ْلنــا آخـ َـر ِقطعـ ٍـة كانـ ْ ِّ باقيـ ًة منـ ُه .وهنــا حــدَ َ ث مــا اعت َْبرنــا ُه مأســا ًة أو فجيعـ ًة أو َسـ ِّـمها كارثـ ًة إذا ـوط األخيــر َة ا ّلتــي ف َككْناهــا َلــم َت ْكـ ِ أن الخيـ َ ...ذلك َّ َ ـف ّإل ل َع ِمـ َـل ِش ـ ْئ َت ْ ٍ ِ ٍ الجـ ِ ـورب األخيـ ِـر. َفـ ْـردة واحــدة مـ َن َ ِ ِ الجـ ِ دون ْ ـابيع َ أن نجـ ُـر َؤ علــى َع ْر ِضهــا ـورب سـ َّت َة أسـ َ ول َقــد احت َف ْظنــا ب َفـ ْـردة َ هلـ ٍ ِ ِ سم ِ المـ ِ ـزارعِ ...إلــى ْ ـك ..وأخيـ ًـرا أن جــا َء يــو ٌم ص ْرنــا فيــه فــي يـ ْـأ ٍ ُ علــى ُ أن ُأجــر َب ح َّظنــا ،فإنَّنــا لـ ْن نخســر شــي ًئا علــى ك ُِّل حـ ٍ ـض عز ْمـ ُ ـال إذا َر َفـ َ َ َ َ ـت ْ ِّ الز ِ ِ ــزارع ِشــراء ال َف ِ ِ ــر اليدَ ِ بــدة. يــن ِمــ َن ُّ الم ِ ُ ــردة الواحــدة وأعادنــي ص ْف َ ْ َ ُ ِ ِِ واع َتـ َ ـتطر َد: ـدل خالــي فــي جلســته واسـ َ ِ الم ِ ــزار ِع وأنــا ُأقــدِّ ُم ِر ْج ً ــر وهكــذا ذه ْب ُــا و ُأ َؤ ِّخ ُ ــت إلــى صديقنــا ُ أســتطيع ْ ِر ْج ً ــف َ ُنــت ُمرتَبِــكًا و ُمض َط ِر ًبــا. لــك ــا ..وال َ أن َأ ِص َ كيــف ك ُ ُ 103 صول إلى ِ ُ )6و ً هذه الن ِ صير م ما . قطة ُّ َ ُ ِغ ِ طاء ِ الف ِ راش؟ كتاب النصوص للصف احلادي عشر ـم َي ُك ـ ْن لــي حـ ُّـق االختيـ ِ ْلــم َأ ُك ـ ْن أستَسـ ُ ـار... ـيغ االســتجدا َء ...ولك ـ ْن َلـ ْ ـك ِســوى َفــر ٍ وتشــجع ُت أخيــرا فأخبر ُتـه بصراحـ ٍـة متلعثِمــا أنَّنــي ال ِ أملـ ُ دة َْ ُ َّ ْ ْ ُ ً ً ـن الحديـ ِ واحـ ٍ ـف خالــي عـ ِ ـث و َقـ ِـد ارتسـ َـم ْت علــى َف ِمـ ِـه ابتســام ٌة ـدة .وتو َّقـ َ َف: ـم اس ـتَأن َ عريض ـ ٌةُ ،ثـ َّ الم ِ ع زار ُ )7لماذا ف َِر َح ُ في َ رأيك؟ ِ ث أمــر ِ ــل إلــى َحــدِّ الم ِ يص ُ ــي عجــزات ..ل َقــدْ َ ــم ع َل َّ هج َ ُ وهنــا َحــدَ َ ْ ٌالشــك ِْر ِ ِ والعر ِ الم ِ فــان بِ ِ عبــارات ُّ الجميــل، وهــو ُي ْزجــي ــزار ُع ُيعانِ ُقنــي َ ْ ُ ـذه ال َفــر ِ ـدة نَظيــر هـ ِ الزبـ ِ وهـ ْـر َو َل إلــى ِ ـن َمـ ِ ـن كام َليـ ِ وأحضـ َـر َرط َليـ ِ دة دار َه، ـن ُّ َ َ ْ َ ِ الوحيــدة.7 وهنا شعر ُت بالدَّ ِ هشة فتساء ْل ُت: َْ وكيف؟ ولك ْن لماذا؟َ هو ن ْف ُس الس ِ للم ِ زارعِ. ؤال ا ّلذي َّ هذا َوجه ُت ُه ُ ُّ فأجا َبني ب َقولِ ِه: جاء ِت ال ِّنهايةُ ْ )8 هل َ ت؟ ع ق تو كما َّ ْ َ الج ِ ــوار ِ َح ُّ َ منــك، ب ا ّلتــي َأ ْبتا ُعهــا ل َقــدْ كان ْــل حياكَــ َة َ َــت زوجتــي ت ُ ـذه ال َفــر ِ ـط لهـ ِ ـك ِمـن صوفِهــا ِغطــاء ِ للفـ ِ ـاج ف َقـ ْ دة ـي تَحتـ ُ وتَحيـ ُ ْ ْ ـراش ....وهـ َ ً الزبـ ِ لتُتِـ ِ ـي وحدَ هــا تُســاوي عنــدي َر ْط َليـ ِ ـدة؛ ـن ِمـ َن ُّ ـم الغطــا َء ...ولهــذا فهـ َ َّ الغطـ ِ ألنَّهــا س ـتَجع ُلها ســعيد ًة لحصولِهــا علــى ِ ـاء كامـ ًـا.8 ُ طويل ُث َّم َ ٌ قال خالي: وسا َد َص ْم ٌت ـك َّ ِ ـك ْ أن تُخبِـ َـر َجدَّ َتـ َ وهكــذا ُيمكنُـ َـليم ،ولك ـ َّن الحـ ْـر َب أن غطاءهــا سـ ٌ غ َّيـ َـر ْت ُرســو َم ُه وهندس ـ َت ُه!!... 104 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ ُص َو ٌر خار َِج ا ِإلطا ِر ملع ّلا ابتسام ا ُ ُ واد ِ ض الح ِ ِ ث َأ ْخت َِل ُقها: عنْدَ ما َأ ْف َش ُل في ت َّذك ُِّر َب ْع ِ َ ث س ـيار ٍة ،و َأ َّن رذا َذ ا ْل َخبـ ِـر وص َلنــي َعبــر حديـ ٍ ِ ِ ِ ـث َب ْي ـ َن َأ ْذ ُكـ ُـر َأ َّن فِ َّض ـ َة َر َح َلـ ْ ْ َ َ َ َ َ َ ـت َب ْعــدَ َت َع ُّرضهــا لحــاد َ ّ َ ِ الجام َعـ ِـة. ـت فــي َطريقــي إِلــى ُأ ّمــي وإِ ْحــدى َصديقاتِهــا ،و ُكنْـ ُ ِ ِ ِ ـت فــإِ َّن َحدَّ َثـ ْ ضورهــا َأ ْك َثـ ُـر َص ْم ًتــا م ـ َن النَّـ ْـو ِم ،وإِذا ت َ َأت ََذ َّكـ ُـر َأ َّن ف َّض ـ َة كا َنــت ا ْمـ َـر َأ ًة َطوي َل ـ ًة َسـ ْـمرا َءُ ،ح ُ فيضــا و َعمي ًقــا ،وك ََأ َّنـه ٍ ـب وا ْمـ َـر َأ ًة فــي ُع ْم ِرهــاَ . آت ِمـ ْن َغـ ْـو ِر بِ ْئـ ٍـرَ ،وغالِ ًبــا كان َخ ً ُ َناسـ ُ َلهــا َص ْو ًتــا ،ال َيت َ ِ ـت ِلَ ْثوابِهــا َأ ْلـ ٌ ـي مــا تُرافِ ُق ـ ُه ا ْبتِســا َم ٌة َطوي َل ـ ٌة ُطفول َّي ـ ٌة َخجو َل ـ ٌة ،وكا َنـ ْ ـوان نار َّي ـ ٌة َجمي َل ـ ٌة والفت ـ ٌة ل َع ْينَـ ْ ٍ ِ ٍ بالر ْس ـ ِم ِم ْثلــي. ط ْف َلــة مو َل َعــة َّ ـال َعلــى سـن ِ َحتـ ُ َ صورتَهــا َأت َ َوات ُع ْم ِرهــا و َعلــى َو ْحدَ تِهــا اآلن ِعنْدَ مــا َأ ْسـت َْح ِض ُر َخ َّي ُلهــا ا ْمـ َـر َأةً ،كا َنـ ْ ـت ت ْ َ َ ِ ِ ِ ديمـ ِـة ،و َيت ََو َّعــدُ َأ ْطفـ َ َضاحكـ َ ـون ـي ُك َّلمــا َســم َع ُه ْم َيت َ ـال َ ـع َز ْو ٍج ُيدْ م ـ ُن َسـ َ َمـ َ الحـ ِّ ـماع األُ ْســطوانات ال َق َ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ الجديـ ِـد ،و َتـ َـر َك فِ َّض ـ َة َعلــى قا َمتــه ال َقصيـ َـرةَ .ل َقــدْ َر َحـ َـل َب ْعــدَ بِ ْض َعــة َأ ْعــوا ٍم م ـ َن انْتقالنــا إِلــى َمن ِْزلنــا َ ِ ِ ـي ال َقديـ ِم. َو ْحدَ هــا فــي ال َب ْيــت م ْث َلمــا ت ََرك ُ ْناهمــا فــي َ الحـ ِّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ بارهــا ـم َأ َر ف َّضـ َة َب ْعــدَ انْتقالنــا إِلــى َب ْيتنــا َ زيارتهــاَ ،لكـ َّن َأ ْخ َ ـم ُن َف ِّكـ ْـر َمـ َّـر ًة فــي َ ـم ت َُز ْرنــا ،و َلـ ْ الجديــدَ ،لـ ْ َلـ ْ الحــاد ِ ِ ِ ِ ٍ ٍ كان ْ ِ وهــي ــت َلــ ُه، ــر ث ا َّلــذي َت َع َّر َض ْ َ َــت تَص ُلنــا َعلــى َفتَــرات ُمتَباعــدَ ة إِلــى َأ ْن َســم ْع ُت َخ َب َ ـت تَسـت َِعدُّ للهبـ ِ ِ ٍ الشـ ِ ـوط َغ ّطــى َعلــى ُصــراخِ النّـ ِ ـار َع ،و ُيقـ ُ ـاز ّ ـاس ا َّلذيـ َن َجتـ ُ ُ ت ْ ـال :إِ َّن َصـ ْـو َت طائـ َـرة كا َنـ ْ ْ ِ المـ ْـر َأ ِة. ت َ َج َّمعــوا َحـ ْـو َل ُج َّثــة َ ديم ُة فِ َّض ُة َع ْرجا َء؟. َس َأ ْل ُت ُأ ّميَ :ه ْل كان ْ جارتُنا ال َق َ َت َ الس َ ؤال با َغتَها: ك ََأ َّن ّ ما ا َّلذي َذك ََّر ِك بها َاآلن؟. ِ َت َقدْ َأ ْع َطتْني إ ّياها َم َّرةً. غير ٌة كان ْ ُز َجاج ُة ع ْط ِر َص َ دون صــو ٍ ِ ِ ت: َر َسـ َـم ْت ُأ ّمــي َعلــى َو ْج ِههــا َد ْه َش ـ ًة َأ ْك َبـ َـر م ـ ْن َأ ْن َت ْقــوى َمالم ُحهــا َعلــى ال َّت ْعبيـ ِـر َعنْهــا َ َ ْ 105 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ِ ُخبرينــي َ ـم ت ْ بذلِـ َ ـك ِم ـ ْن َق ْبـ ُـل. ُز َ جاج ـ ُة ع ْطـ ٍـر؟ َمتــى؟ َلـ ْ ِ ِ ديم ِة. ُق ْل ُت لها :إِنَّني ن ُ بم ْحت ََويات خزانَتي ال َق َ َسيت َأ ْم َرها ،و َقدْ َع َث ْر ُت َع َل ْيها ال َي ْو َم ،و َأنا َأ ْع َب َث ُ ـح وج ِههــا الجميـ ِ ِ ِ ـب نِ ْق َمتــي ِم ْثـ َـل ك ُِّل َمـ َّـر ٍة ـت ُأ ّمــي ُت َف ِّكـ ُـر ُب ْر َه ـ ًة ،وت ََم َّعنْـ ُ َص َم َتـ ْ َ ـت فــي َمالمـ ِ َ ْ ـل ،لَ ُصـ َّ ٍ الحـ ِّ ـم، ـيء .قا َلـ ْ َعلــى َ الم ْوضــوعَِ :ن َعـ ْ ـت ،وك ََأنَّهــا ال تُريــدُ إِنْهــا َء َ ـظ ا َّلــذي َج َع َلنــي ال ُأ ْشــبِ ُهها فــي َشـ ْ ـت إِ ْحــدى ِر ْج َل ْيهــا َأ ْق َصـ َـر ِم ـ َن األُ ْخــرى. كا َنـ ْ ِ اسـتَدَ ْر ُت َعنْهــا َب ْعــدَ َذلِـ َ اسـ َت َط ْع ُت َأ ْن َأت ََذ َّكـ َـر ـك ال ُبــدَّ َأنَّهــا تَســا َء َل ْت َب ْينَهــا و َب ْيـ َن َن ْف ِســهاَ :ك ْيـ َ ـف ْ عنْدَ مــا ْ ِ ِ ِ ِ ِ ـم ،و َأنــا المـ ْـر َأة َ َ جاجــة الع ْطـ ِـر َّ وهد َّيـ َة ُز َ عاهـ َة َ الصغيـ َـرة ،و َأنــا ال َأكا ُد َأ ْع ِر ُفهــا ،لَنَّنــا غا َد ْرنــا َح َّينــا ال َقديـ َ ِ ِ المدْ َرسـ َّي َة األُولــى وال حتّى ـم َأتَجـ َ َواتي َ المدْ َر َســة وال َسـن َ ـي األَ َّو َل فــي َ الساد َسـ َة ،ال َأت ََذ َّكـ ُـر َي ْومـ َ ـاو ِز ّ َلـ ْ ِ االس ـتُدْ يو ـور ٍة ،الت ُِق َطـ ْ ـت لــي فــي ْ المدْ َر َســة وال َأ َّو َل صـ َ ُمدَ ِّرســاتي وال َصديقاتــي وال َش ـك َْل َم ْبنــى َ ِ بعدَ سـ ِـة مصــو ٍر مح َتـ ِـر ٍ المن ِْزل َّيـ ِـة األُ ْخــرى ،وفيهــا ف ،و َبــدَ ْت َأ ْك َثـ َـر ُو ضوحــا و َأ َقـ َّـل َع ْفو َّيـ ًة مـ َن ُّ ً َ َ ُ َ ِّ ُ ْ الصـ َـو ِر َ ِ ِ ِ ٍ ِ ٍ ٍ ِ ِ ـس بقا َمـ ٍـة َصغيـ َـرة ُم ْمتَل َئــة و َع ْينَ ْيـ ِ ـري ،ن ْص ُف ـ ُه ا ْبتســا َم ٌة ُم َت َك َّل َفـ ٌة، وو ْجــه دائـ ٍّ ـن َع َســل َّي َت ْي ِن واسـ َع َت ْي ِن َ َأ ْجلـ ُ بشـ ِ بشـع ٍر ِ ـن َم ْعقو َد َت ْيـ ِ صير َت ْيـ ِ ْل َجدي َل َت ْيـ ِ المـ ٍع َعلــى َشـك ِ ُمحـ ٌ ـن فــي نِها َيتِ ِهمــا َ ـرائ َط َب ْيضــا َءَ .أ ْن ُظـ ُـر ـاط َ ْ ـن َق َ ِ ِ ِ إِلــى الصـ ِ ـم َبأنَّنــي ال َأت ََذك َُّرهــا: الم َع َّل َقــة فــي ُغ ْر َفــة ُأ ّمــي ،و ُأ ْقسـ ُ ـورة ُ ّ َ َوات ّ ِ ِ ال َأت ََذكَّرها ،يا ُأمي ،لِماذا ال تُصدِّ قينَني؟ إِنَّني ال َأت ََذكَّر َأي ًضا حتّى السن ِور ِة. اللح َقة ّ َ ُ ْ َ للص َ َّ ّ ُ َخيـ ُـل صوتَهــا ي ْأتــي ِمـن و ِ ـاب كَثيـ ٍ راء َضبـ ٍ ـف ،ل ُي ْم ِعـ َن فــي ت َْذكيــري ،ولكـ ْن َعلــى َطري َقتــي: ْ َ َ َأ ْحيا ًنــا َأت َ َّ َ ْ روجـ ِ ـاط هـ ِـذ ِه الصـ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ـت ِضــدَّ ُخ ِ ـك إِلــى الر ْغـ ِم ِمـ ْن َأنَّنــي ُكنْـ ُ َلكنَّــك َأ ْنــت َمـ ْن َأ َصـ َّـر َعلــى ا ْلتقـ َ ـورة َعلــى َّ ّ َ ـت تهذيـن فــي نومـ ِ ـك مرتفعـ ًة ،وكنـ ِ ـت حرار ُتـ ِ (األُسـتُدْ يو) ،وأنـ ِ ـك فــي الليلـ ِـة التــي ـت محمومـ ٌة .كانـ ْ َ ْ ـك ُكنْــتِ ـك إلــى (األُس ـتُدْ يو)؛ ألَ َّنـ ِ ـدك وأخيـ ِ ـت مصــر ًة علــى مرافقـ ِـة والـ ِ ـك كنـ ِ ســبقتْها ،وم ـ ِع ذلـ َ ْ ّ ِ ِ ِ ِ ِ الم ْم ِكـ ِ ـور ٌة لخالِـ ٍـد َ ـي دون َأ ْن تُزاحميــه َعلــى ك ُْرسـ ِّ ـن َأ ْن ت ُْؤ َخـ َـذ صـ َ ـم َي ُكـ ْن مـ َن ُ ـور ًة جــدًّ اَ .لـ ْ ط ْف َلـ ًة َغيـ َ ـك و َعينَيـ ِ التّصويـ ِـرُ .ا ْن ُظــري إِلــى َأ َثـ ِـر الحمــى َعلــى َخدَّ يـ ِ ـك. ْ ْ ْ ُ ّ ِ ِ ِ ـون الروايـ ُة ه َكــذاَ :ل َقـ ِـد ا ْل َت َقـ َ ِ ِ ِ ـي ا َّلــذي َ كان َقــدْ َأ ْحيا ًنــا تَكـ ُ ِّ َ َ ـط َلــك َهــذه ّ ـور َة َصديـ ُـق والــدك األَجنبـ ُّ الصـ َ كان ي ْط ِلـ ُـق َع َليـ ِ ِ ِ ـك. ْ الجمي َلــة كمــا َ ُ ـح ( ُأ ْسـتُدْ يو) َجديــدً ا ،و َأرا َد ال َّت َبـ ُّـر َك بِت َْصويـ ِـر ال ِّط ْف َلــة َ َف َتـ َ ِ ِ ديــث ُم ِ غاي ًــرا تَما ًمــا ،فت ُ الح ُ و َأ ْحيانًــا َ ــور ِة َ كان َأ َّو َل َأ ّيــا ِم العيــد ،و َقــدْ كان َ ــو َم ّ َقــول ُأ ّمــي :لَ َّن َي ْ الص َ ِ ِ راغبـ ًة فــي َأ ْن ُت ْل َت َقـ َ ِ ِ ِ ِ ِ ِ الجديـ ِـد. ـور ٌة ب ُف ْســتانك األَ ْح َمـ ِـر َ ـس ،و ُكنْــت َ وا َفـ َـق عيــدَ ميــادك الخامـ َ ـط َلــك صـ َ 106 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ ِ كان فــي ِم ْثـ ِ َأ ّمــا خالِــدٌ ا َّلــذي َ ـي ال َّليل َّي ـ َةُ ،فر َّبمــا َيت ََذ َّكـ ُـر ـل ُع ْمــري تَقري ًبــا ،وا َّلــذي ُيزاح ُمنــي َأ ْحالمـ َ ِ ِ ِ ِ يــوم الصـ ِ ـك مرورنــا مــع َأبــي َعلــى المحـ ِّـل الصغيـ ِـر الم ِ الصـ ِـق َّ َ َ ـورة بكَثيـ ٍـر مـ ْن تَفاصيلــه بمــا فــي َذلـ َ ُ َ َ َ ُ َ ْ َ ّ َ ِ ِ ـض الح َلويـ ِ ـات وم َج َّلـ ِـة ِ (ماجـ ٍـد). (لألس ـتُدْ يو) لشــراء َب ْعـ ِ َ ّ َ ْ ِ ِ ِ اإل ْصـ ِ ـك ِ الذهـ ِ ـرار َعلــى َّ َب ْعــدَ ك ُِّل َذلِـ َـار ْت َم ْصــدَ ًرا ـم ُت ْع ِج ْبــك ّ ـور ُة عنْدَ مــا َر َأ ْيتهــا ،وصـ َ الصـ َ ـاب َلـ ْ قاربِـ ِ ل َغ َضبِـ ِ ـك ُك َّلمــا َأ َر ْدنــا َأ ْن نُر َيهــا َأ َحــدَ َأ ِ ـك. -لِماذا ُت َع ِّلقينَها في ُغ ْر َفتِ ِك إِذن؟. ذاكرت ِ ِ َك الن َّّسا َي َة. -ل ُت َق ّوي َ ذاكــر ِة ُطفو َلتــيَ ،ل ِك ـن ك َُّل حديـ ٍ ف الخالي ـ َة فــي ِ ُأريــدُ َأ ْن َأ ْسـ َـم َع َأ ْك َثـ َـرِ ،لَ ْمـ َ َ ـث َع ـ ْن ُطفو َلتــي ـأ ال ُغـ َـر َ َ َّ َ َ كان ي ْؤلِمنــي ،وي َخ ِّلـ ُ ِ ِ ساســا با ْل ُغ ْر َبـ ِـة. ُ ـف عنْــدي إِ ْح ً َأ ْسـ َـم ُع ُه م ـ ْن ُأ ّمــي َ ُ ُ اآلخريـ َن ُمحـ ِ ـف النّافِـ َـذ ِة ،ل َيت ََأ َّمـ َـل َ ـم ِمـ ْن َق ْبـ ُـلَ ،ق ْبـ َـل ـف َخ ْلـ َ ـت ِم ْثـ َـل َمـ ْن َي ِقـ ُ ُكنْـ ُ ـاو ًل َأ ْن َيت ََذ َّكـ َـر َأ ْيـ َن َر ُ آهـ ْ ـمُ ،يشـ ِ والحديـ َ المـ َ والض ِحـ َ ـك ،و َأ َّن َأ ْن َي ْكت َِشـ َ ـث َّ ـي َ ـكان والك ُْرسـ َّ ـارك ُُه ُم َ الم ْوجوديـ َن َب ْين َُهـ ْ ـف َأ َّنـ ُه َأ َحــدُ َ ـف النّافِـ َـذ ِة هــو ّ ِ ِ الم ْفقــو َدةُ. ـف َخ ْلـ َ الواقـ َ ُ َ الذاكـ َـر ُة َ ـن الحماقـ ِ ِ ِ بعدَ هــا بسـن ٍ ـات َوات ِعنْدَ مــا ِض ْقـ ُ الم َف َّض َلــة و َعـ ِ َ َْ ـت َذ ْر ًعــا َبأحاديــث َصديقاتــي َعـ ْن َأ ْلعابِ ِهـ َّن ُ َ ٍ ٍ ِ ٍ ِ ِ ِ ِ ـاب و َعـ ْن َصباحــات حاف َلــة َبأ ْمـ ٍ ـراض ُم ْختَل َفة كي َيك َْسـ ْب َن الصغيـ َـرة ا َّلتــي ْار َت َك ْبنَهــا ،ون ْلـ َن َع َل ْيهــا العقـ َ َّ بحكايـ ِ ـأ ر ْأســي ِ ِ ِ ِ ِ ٍ ـات َم ْيسـ َ ـون ُك َّلمــا المدْ َر َســة ،وعنْدَ مــا ا ْم َتـ َ َ َ ســاعات إِضاف َّيـ ًة مـ َن النَّـ ْـو ِم ،و َيت ََه َّر ْبـ َن مـ َن َ ـب األَ ْطفـ ِ وحصـ ِ ـت تُدْ ِمنُهــا وكُتِـ ِ ـال َخ َل ْونــا َم ًعــا فــي َس ـ ّي َارتِها َع ـ ْن ُطفو َلتِهــا ـص الموســيقا ا َّلتــي كا َنـ ْ َ ا َّلتــي َقر َأتْهــا َقبـ َـل َأ ْن تُشـ ِ ـاهدَ َأ ْفــا َم (ديزنــي).. ْ َ ِ ِ ٍ ِ ٍ َج َع َلنــي ُأ ْم ِسـ ُ ـم َي ُعــدْ ـك َر ْأســي بك ْلتــا َيـ َّ َبــدَ ْأ ُت َأ ْش ـ ُع ُر بغيـ َـرة َحقيق ِّيــة م ـ ْن َشـ ْـأنها َأ ْن ت ْ ـدي ،و َأ ْبكــيَ .لـ ْ ـات و َعـن ح ِ ـن المنْـ ِـز ِل و َعـن َأحاديثــي مــع الصديقـ ِ ِ ِ ِ ـار ِمنْـ ُهَ ،بـ ْـل َ ياة ْ َ َ َ ّ ْ كان َأ ًخــا غائ ًبــا َعـ ِ َ خالــدٌ ُمناف ًســاَ ،أغـ ُ ِ ـك األَحاديـ َ ُأ ّمــي و َأبــيَ . الجديــدَ ِة ُهـ َـو تِ ْلـ َ ـي فيهــا. غيرتــي َ ـم ،ال َأ َثـ َـر ل َقدَ مـ ّ الملي َئـ َة ب َعوالـ َ ـث َ كان َم ْصــدَ ُر َ ِ ِ قــال لــي أســتا ُذ علــ ِم الن ِ َ َ ُ الجامعــة َّ ،يفقــدون ذاكــر َة طفولتهــم للبعض يحــدث إن هــذا ّفــس فــي ـرة مب ّكـ ٍ ـاعر فــي فتـ ٍ ـاالت متكـ ٍ ـرض لحـ ٍ ـباب عديـ ٍ ـررة مـ ْن قمـ ِع المشـ ِ ألسـ ٍ ـدة منهــا َّ ـرة مــن أن ال ِّطفـ َـل تعـ َ عمـ ِ ـره ،أو أل ّن ـ ُه لــم يأخـ ْـذ كَفاي َت ـ ُه م ـ َن اهتمــا ِم أ ّمـ ِـه بسـ ِ ـبب مواليــدَ أخــرى تلت ـ ُه مباشــرةً ،أو أل ّن ـ ُه َ كان 107 كتاب النصوص للصف احلادي عشر أن الحالـ َة تعتبــر نو ًعــا مــن أنــوا ِع فقـ ِ الذاكــر ُة إلغا َءهــا تما ًمــا ،وأ ّكــدَ لــي َّ ـوادث تريــدُ ّ َ ـدان ُعرضـ ًة لحـ ُ الذاكـ ِ الذاكـ ِ ـرة (فقـ ِ ـرة ال ّطفول ّيـ ِـة) ،قـ َ ـدان ّ ّ ـال ذلـ َ ـك ،وانتظـ َـر ر ّد َة فعلــي. أن ِ ـرح السـ ِ الشـ ِ ـت آنـ َ ـت ْ ـؤال بذلـ َ ـك ّ أبعــدَ التّهمـ َة عــن ذاكرتــي. ـكل المباشـ ِـر ،وحاولـ ُ خجلـ ُ ـذاك مــن طـ ِ ّ ِ ِ ِ ِ قلــت َّ الحــوادث بعــض إن ُ ّــر َ األمــر بالنّســبة لــي َ ليــس غيا ًبــا تا ًّمــا ألحــداث ال ّطفولــة فأنــا أتذك ُ َ ِ ِ األشــخاص ا ّلذيــ َن لــم يعــدْ لهــم وجــو ٌد َ القديــم والنّخلــ َة ّــر بيتَنــا وبعــض غيــرة، الص َ ّ َ اآلن ،وأتذك ُ ِ ِ ِ ِ وابتســم ً أغلــب قائــاَ :أنــت إذن تتذكّريــ َن إلــي العمالقــ َة فــي الفنــاء َ َ َ نظــر َّ وبعــض جيراننــا ،وقــدْ َ ـور تقريبــا فــا تكونــي طماع ـ ًة .دعــي فســح ًة لمــا ســيأتي مــن أحـ ٍ األمـ ِ ـداث... ً ّ ذلــك ألنّــه صــدَّ َق ِدفاعــي عــن ِ ُ هــل َ ال َأدري ْ ذاكرتــي أم ألنّــ ُه َ َ حــاول مداواتَها،لكنّنــي كان ُي قــال ْ ُ إن ِ أعصـ َـر ذهنــي؛ لِتسـ َ ـت ْ ـقط من ـ ُه قطــر ُة ذكــرى حقيق ّي ـ ٌة واحــد ٌة ـدت إلــى ُغرفتــي حاولـ ُ عندمــا عـ ُ ِ ِ القديــم ِ الجيــران.. وجــوه تخــص بيتَنــا أو النّخلــ َة العمالقــ َة أو أحــدَ ُّ َ ِ ـي َأ ْحـ ٌ ـت فــي المت ََأ ِّخـ َـر ِةُ .ر َّبمــا كنْـ ُ كا َنـ ْ ـت َأ ْغ َلـ ُ ـداث تَعــو ُد إِلــى ُطفو َلتــي ُ ـب األَ ْحــداث ا َّلتــي َأت ََذك َُّرهــا هـ َ ـت َأ ْكبــر ،وهــي حـ ِ ِ ِ ِ ـواد ُ ث َجمي َلـ ٌة ك َت َع ُّلمــي قيــا َد َة َ َ ور َّبمــا ُكنْـ ُ َ َ العاشـ َـرة َأ ْو الحاد َيـ َة َع ْشـ َـر َة مـ ْن ُع ْمــريُ ، ـاز ِ ِ ذات العجـ ِ الدّ راجـ ِـة ِ ـات الكَبيــر ِة ،وإِ ْدمانــي علــى ِ الجهـ ِ ـي النّاطِـ ِـق ا َّلــذي ْاش ـتَرا ُه لــي َ َ ّ َ اإل ْلكتْرونـ ِّ ْ َ ِ اسـت َْو َق َفتْنا فــي َأ َحـ ِـد َشـ ِ َأبــي ِمـ ْن َم َحـ ِّـل َألعـ ٍ ـابَ ،ذ َه ْبنــا إِ َل ْيـ ِـه فــي َل ْي َلـ ٍـة ُم ْمطِـ َـر ٍة ،وتِ ْلـ َ ـوار ِع المـ ْـر َأة ا َّلتــي ْ ـك َ ـك اليــو ِم ا َّلــذي ُفـ ْـز ُت فيـ ِـه ِ ِ ِ ـس ،لتَقـ َ بم َظ َّلـ ٍـة، ـول إِنَّنــي ُأ ْشــبِ ُه ُم َم ِّث َل ـ ًة َصغيـ َـرةًُ ،يح ُّبهــا ا ْبنُهــا ،و َذلـ َ َ ْ باريـ َ ِ ِ ٍ ٍ ِ ِ ِ َحتــوي َع َل ْيهــا إِ ْحــدى َل ْوحــات (كُلــو َد مونيــه) فــي َمدينَــة َمــاه َبعيــدَ ة ،و ُع ْل َبــة األَ ْلــوان الكَبيـ َـرة ا َّلتــي ت ْ اتِ ، ـرات المــر ِ َعلــى َثمانيـ ٍـة و َأربعيـن َلو ًنــا ،رســم ُت بِهــا وجـه ُأمــي َع َشـ ِ وكتـ ِ (حـ ْـو َل العا َلـ ِم فــي ـاب َ َ َ ّ َ ْ َ ّ َْ َ ْ َ َ ْ ـاث مــر ٍ ات َعلــى التّوالــي. َثمانيـ َن َي ْو ًمــا) ا َّلــذي َق َر ْأ ُتـ ُه ثـ َ َ ّ ِ الواحــدَ ِة بعــدَ منْتَص ِ ِ ِ الســا َع ُة َت ْقت ِ ــف ا َّل ْل ْي ِ َخ ّل ُ ــر ِد َتت َ ــل َــر ُب ِمــ َن ــل ،وا ْن َت َب ْه ُ َْ ُ َ ــت إِلــى َل ْســ َعة ال َب ْ كانَــت ّ الع ْطـ ِـر ِم ـن ِ َخرج ُت ُزجاج ـ َة ِ ِ الخزا َنـ ِـة ،وت ََأ َّم ْلتُهــا َق ْبـ َـل َأ ْن َأ ْفت ََحهــا، َج َســديَ .أ ْغ َل ْقـ ُ َ َ واس ـت ْ َ ْ ـت النّافـ َـذةَْ ، ِ ِ و َتنْت َِشــر ِ ـي َح ًّقــا، رائ َحتُهــا ال َقو َّي ـ ُة فــي َهــواء ال ُغ ْر َفـ ِـةُ ،كنْـ ُ ـي ا َّلتــي َأ ْهدَ تْهــا إِ َلـ َّ ـت َأت ََمنّــى َلـ ْـو َأ َّن ف َّض ـ َة هـ َ َ ـم َي ُك ـ ْن َهــذا ُم َجـ َّـر َد ُح ُل ـ ٍم. و َلـ ْ ـت ـضُ ،كنْـ ُ ـت َأت ََمنّــى َلـ ْـو َأ َّن فِ َّض ـ َة َظ َّلـ ْ ُكنْـ ُ ـم ت َْر َحـ ْـل َعنّــا ،و َأنــا فــي ذلــك ال ُع ُمـ ِـر ال َغـ ِّ جارتَنــا ،و َلـ ْ ـت َ ـظ فِعـ ًـا بصـ ٍ ِ ـت ُأمــي ت ِ ـع َأخــي خالِـ ٍـد ُم َع َّل َق ـ ًة فــي ُغ ْر َفتِهــا، ـورة م ـ ْن ُطفو َلتــي َمـ َ َحتَفـ ُ ْ ْ َ َأت ََمنّــى َلـ ْـو كا َنـ ْ ّ ــو َ كان لــي َأ ٌخ. و ُكن ُ ْــت دو ًمــا َأت ََمنّــى َل ْ 108 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ ورقة من الرملة غسان كنفاين أوقفونــا صفيــن علــى طرفــي الشــارع الــذي يصــل الرملــة بالقــدس ،وطلبــوا منــا أن نرفــع أيدينــا متصالبــة فــي الهــواء ،وعندمــا الحــظ أحــد الجنــود اليهــود أن أمــي تحــرص علــى وضعــي أمامهــا كــي أتقــي بظلهــا شــمس تمــوز ،ســحبني مــن يــدي بعنــف شــديد ،وطلــب منــي أن أقــف علــى ســاق واحــدة ،وأن أصالــب ذراعــي فــوق رأســي فــي منتصــف الشــارع التــرب.. كنــت فــي التاســعة مــن عمــري يومــذاك ،ولقــد شــهدت قبــل أربــع ســاعات فقــط كيــف دخــل اليهــود إلــى الرملــة ،وكنــت أرى وأنــا واقــف هنــاك فــي منتصــف الشــارع الرمــادي كيــف كان اليهــود يفتشــون عــن حلــى العجائــز والصبايــا ،وينتزعونهــا منهــن بعنــف وشراســة ،وكان ثمــة مجنــدات أيضــا كيــف كانــت أمــي ســمراوات يقمــن بنفــس العمليــة ،ولكــن فــي حمــاس أشــد .وكنــت أرى ً تنظــر باتجاهــي وهــي تبكــي بصمــت ،وتمنيــت لحظــة ذاك لــو أســتطيع أن أقــول لهــا أننــي علــى مــا ـي ،بالشــكل الــذي تتصــوره هــي.. يــرام ،وأن الشــمس ال تؤثــر فـ ّ كنــت أنــا مــن تبقــى لهــا ،فأبــي قــد مــات قبــل بــدء الحــوادث بســنة كاملــة ،وأخــي الكبيــر أخــذوه أول مــا دخلــوا الرملــة ،لــم أكــن أعــرف بالضبــط مــاذا كنــت أعنــي بالنســبة ألمــي ،لكننــي اآلن ال أســتطيع أن أتصــور كيــف كانــت األمــور ســتجري لــو أننــي لــم أكــن عندهــا ســاعة وصلــت دمشــق ،ألبيــع لهــا جرائــد الصبــاح وأنــا أنــادي وأرتجــف قــرب مواقــف الباصات.. لقــد بــدأت الشــمس تذيــب صمــود النســاء والشــيوخ ..وارتفعــت مــن هنــا وهنــاك بعــض االحتجاجــات اليائســة البائســة ،كنــت أرى بعــض الوجــوه التــي اعتــدت أن أراهــا فــي شــوارع ـعورا دقي ًقــا مــن األســى ،لكننــي أبــدً ا لــن أســتطيع تفســير ذلــك الرملــة الضيقــة وتبعــث فــي اآلن شـ ً الشــعور العجيــب الــذي تملكنــي ،ســاعة رأيــت مجنــدة يهوديــة تعبــث ضاحكــة بلحيــة عمــي أبــي عثمــان.. وعمــي أبــو عثمــان ليــس عمــي بالضبــط ،ولكــن حــاق الرملــة وطبيبهــا المتواضــع ،ولقــد تعودنــا علــى أن نحبــه منــذ وعينــاه وأن نناديــه بعمــي احترا ًمــا وتقديـ ًـرا ،كان واق ًفــا يضــم إلــى جنبــه ابنتــه األخيــرة ،فاطمــة ،صغيــرة ســمراء تنظــر بعينيهــا الســوداوين الواســعتين إلــى اليهوديــة الســمراء.. 109 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ابنتك؟!وهــز أبــو عثمــان رأســه بقلــق؟ ولكــن عينيــه كانتــا تلتمعــان بِت ََم ُّعـ ٍ ـن قائــم عجيــب ،وببســاطة شــديدة رفعــت اليهوديــة مدفعهــا الصغيــر ،وصوبتــه إلــى رأس فاطمــة ،الصغيــرة الســمراء ذات العيــون دائمــا.. الســوداء المتعجبــة ً فــي تلــك اللحظــة ،وصــل أحــد الحــراس اليهــود فــي تجوالــه أمامــي ،ولفــت نظــرة الموقــف ،فوقف حاج ًبــا عنــي المنظــر ،ولكننــي ســمعت صــوت ثــاث طلقــات متقطعــة دقيقــة ،ثــم تيســر لــي أن أرى وجــه أبــي عثمــان يتمــوج بأســى مريــع ،ونظــرت إلــى فاطمــة ،مدلــى رأســها إلــى األمــام ،ونقــاط مــن الــدم تتالحــق هابطــة خــال شــعرها األســود إلــى األرض البنيــة الســاخنة. وبعــد هنيهــة ،مــر أبــو عثمــان مــن جانبــي ،حامـ ًـا علــى ســاعديه الهرمتيــن جثــة فاطمــة ،الصغيــرة الســمراء :كان صام ًتــا جامــدً ا ينظــر أمامــه بهــدوء بيــن الصفيــن إلــى أول منعطــف ،وعــدت أنظــر إلــى زوجتــه جالســة علــى األرض ورأســها بيــن كفيهــا تبكــي بأنيــن مقطــع حزيــن ،وتوجــه جنــدي يهــودي نحوهــا ،وأشــار لهــا أن تقــف ..ولكــن العجــوز لــم تقــف ،كانــت يائســة إلــى آخــر حــدود اليــأس. هــذه المــرة ،اســتطعت أن أرى بوضــوح كل مــا حــدث ،ورأيــت بعينــي كيــف رفســها الجنــدي بقدمــه ،وكيــف ســقطت العجــوز علــى ظهرهــا ووجههــا ينــزف د ًمــا ،ثــم رأيتــه ،بوضــوح كبيــر، يضــع فوهــة بندقيتــه فــي صدرهــا ،ويطلــق رصاصــة واحــدة. فــي اللحظــة التاليــة ،توجــه الجنــدي ذاتــه نحــوي ،وبهــدوء شــديد طلــب منــي أرفــع ســاقي التــي أنزلتهــا لــأرض دون أن أشــعر وعندمــا رفــس ســاقي صفعنــي مرتيــن ،ومســح مــا علــق علــى ظاهــر يــده مــن دم فمــي ،بقميصــي ،وشــعرت بإعيــاء مدمــر لكننــي نظــرت إلــى أمــي ،هنــاك بيــن النســاء، رافعــة ذراعيهــا فــي الهــواء كانــت تبكــي بصمــت ولكنهــا فــي تلــك اللحظــة ضحكــت مــن خــال بكائهــا ضحكــة صغيــرة دامعــة ،وشــعرت بســاقي تلتــوي تحــت ثقلــي ،وبألــم فظيــع يــكاد يقطــع أيضــا ،وتمنيــت مــرة أخــرى لــو أننــي أســتطيع أن أركــض إلــى أمــي، فخــذي ،لكننــي ضحكــت ً فأقــول لهــا إننــي لــم أتألــم كثيـ ًـرا مــن الصفعتيــن ،وإننــي علــى مــا يــرام ،وأرجوهــا باكـــــــ ًيا أالّ تبكي، وأن تتصــرف كمــا تصــرف أبــو عثمــان قبــل هنيهــة. 110 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ وقطــع أفــكاري مــرور أبــي عثمــان مــن أمامــي عائــدً ا إلــى مكانــه بعــد أن دفــع فاطمــة ،وعندمــا حاذانــي ،غيــر ناظــر إلــي البتــة ،تذكــرت أنهــم قتلــوا زوجتــه ،وأن عليــه أن يواجــه مصا ًبــا جديــدً ا اآلن ،وتابعتــه مشــف ًقا ،خائ ًفــا بعــض الشـ ِ ـيء ،إلــى أن وصــل إلــى مكانــه فوقــف هنيهــة مول ًيــا ظهــره المحــدودب المبلــول بالعــرق ،لكنــي اســتطعت أن أتصــور وجهــه :جامــدً ا صام ًتــا مزرو ًعــا بحبيــات مــن العــرق الالمــع ،وانحنــى أبــو عثمــان ليحمــل علــى ذراعيــه الهرمتيــن جثــة زوجتــه التــي طالمــا رأيتهــا متربعــة أمــام دكانــه تنتظــر انتهــاءه مــن الغــداء كــي تعــود إلــى الــدار باألوانــي الفارغــة ،ومــا لبــث أن مــر بــي ،وللمــرة الثالثــة ،اله ًثــا لها ًثــا رفي ًعــا متواصـ ًـا وحبيبــات العــرق مزروعــة فــي وجهــه المغضــن ،وحاذانــي ،غيــر ناظــر إلــي البتــة ،وعــدت مــرة أخــرى أراقــب ظهــره المنحنــي المبتــل بالعــرق وهــو يســير الهوينــى بيــن الصفيــن. لقــد كــف النــاس عــن البــكاء ،وخيــم ســكون فاجــع علــى النســاء والشــيوخ وبــدا كأنمــا ذكريــات أبي عثمــان تنخــر فــي عظــام النــاس بإصــرار ،هــذه الذكريــات الصغيــرة التــي حكاهــا أبــو عثمــان لــكل رجــال الرملــة وهــم مستســلمون لــه علــى كرســي الحالقــة ..هــذه الذكريــات التــي بنــت لنفســها خاصــا فــي صــدور كل النــاس هنــا ..هــذه الذكريــات بــدت كأنمــا تنخــر فــي عظــام النــاس عالمــا ً ً بإصــرار. لقــد كان أبــو عثمــان ،كل عمــره ،رجـ ًـا مســالما محبوبــا ،كان يؤمــن بــكل شـ ٍ ـيء ،وأكثــر مــا آمــن ً ً بنفســه ،لقــد بنــى حياتــه مــن الالشــيء ،فعندمــا قذفتــه ثــورة جبــل النــار إلــى الرملــة كان قــد فقــد كل شــيء ،وبــدأ مــن جديــد :طبي ًبــا كأي غرســة خضــراء فــي أرض الرملــة الطيبــة ،وكســب حــب النــاس ورضــى النــاس ،وعندمــا بــدأت حــرب فلســطين األخيــرة ،بــاع كل شــيء ،واشــترى أســلحة كان يوزعهــا علــى أقاربــه ليقومــوا بواجبهــم فــي المعركــة ،لقــد انقلبــت دكانــه إلــى مخــزن للمتفجــرات واألســلحة ،ولــم يكــن يريــد لهــذه التضحيــة أي ثمــن ،كل مــا كان يطلــب هــو أن يدفــع فــي مقبــرة الرملــة الجميلــة المزروعــة باألشــجار الكبيــرة ،هــذا كان كل مــا يريــده مــن النــاس ..كل رجــال الرملــة يعرفــون أن أبــا عثمــان ال يريــد أن يدفــن فــي مقبــرة الرملــة عندمــا يمــوت. هــذه األشــياء الصغيــرة هــي التــي أســكتت النــاس ،كانــت وجوهــم المبلولــة بالعــرق تنــوء تحــت ثقــل هــذه الذكــرى ..ونظــرت إلــى أمــي ،واقفــة هنــاك ،رافعــة ذراعيهــا فــي الهــواء ،شــادة قامتهــا كأنهــا وقفــت اآلن ،تتابــع أبــا عثمــان بنظرهــا ..صامتــة كأنهــا كــوم رصــاص ،وعــدت أنظــر إلــى 111 كتاب النصوص للصف احلادي عشر بعيــد ،ورأيــت أبــا عثمــان واق ًفــا أمــام حــارس يهــودي يحادثــه ويشــير إلــى دكانــه ،ومــا لبــث أن ســار وحيــدً ا باتجــاه الــدكان ،وعــاد حامـ ًـا فوطــة بيضــاء لــف بهــا جثــة زوجتــه ..وتابــع طريقــه إلــى المقبــرة. ثــم لمحتــه عائــدً ا مــن بعيــد ،بخطواتــه الثقيلــة وظهــره المنحنــي وســاعديه الســاقطين إلــى جنبيــه بإعيــاء ،واقتــرب منــي بطي ًئــا كمــا كان يســير ،شـ ً ـيخا أكثــر ممــا كان ،معفـ ًـرا مغبـ ًـرا يلهــث لها ًثــا طويـ ًـا رفي ًعــا ،وعلــى صدريتــه نقــاط كثيــرة مــن الــدم الممــزوج بالتــراب.. ـي كأنــه يمــر بــي للمــر األولــى ويرانــي ،واق ًفــا هنــاك ،فــي منتصــف الشــارع ولمــا حاذانــي ،نظــر إلـ ّ ً مبلــول بالعــرق ،بشــفة مجروحــة مــدالة تجمــد معفــرا تحــت ســطح شــمس تمــوز المحرقــة: ً عليهــا الــدم ،وأطــال النظــر وهــو يلهــث ،كانــت فــي عينيــه معــان كثيــرة لــم أســتطع فهمهــا ولكننــي أحسســتها ومــا لبــث أن عــاد إلــى مســيره ،بطي ًئــا مغبـ ًـرا اله ًثــا ،فوقــف ،وأدار وجهــه للشــارع ،ورفــع ذراعيــه وصالبهمــا فــي الهــواء. لــم يتيســر للنــاس أن يدفنــوا أبــا عثمــان كمــا أراد ،ذلــك أنــه عندمــا ذهــب إلــى غرفــة القائــد ليعتــرف ـارا هائـ ًـا هــدم الــدار وضاعــت أشــاء أبــي عثمــان بيــن األنقــاض. بمــا يعــرف ،ســمع النــاس انفجـ ً وقالــوا ألمــي ،وهــي تحملنــي عبــر الجبــال إلــى األردن ،أن أبــا عثمــان عندمــا ذهــب إلــى دكانــه قبــل ن يدفــن زوجــه ،لــم يرجــع بالفوطــة البيضــاء ،فقــط. 112 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ لؤلؤ يف الطريق غسان كنفاين صمــت المذيــاع فجــأة ،وســمعت دقــات ســاعة منهوكــة تأتــي مــن أقصــى المدينــة ،ثــم اندلــق الصــوت دفعــة واحــدة فد َّقــت أغنيــة ماجنــة قطعهــا صــوت يهنــئ بحلــول العــام الجديــد. ولكــن الغرفــة بمــن فيهــا بقيــت صامتــ ًة كمــا كانــت ،كان صمتًــا مــن ذلــك الطــراز الــذي يحتــار ً حافــا بالعــذاب؟ أم ألننــا ســوف اإلنســان فــي تفســيره :أنصمــت ،يــا تــرى ،ألننــا ودعنــا عا ًمــا نســتقبل عا ًمــا آخــر ،ال يبــدو أقــل عذا ًبــا؟ أم لألمريــن م ًعــا؟ كان مــن الضــروري أن يحــرك إنســان مــا الجــو المخنــوق ،وهكــذا اقتــرح حســن أن نخــرج إلــى مخيمــا الشــرفة ،حيــث نتنشــق هــواء العــام الجديــد قبــل أن تبتذلــه أنــوف اآلخريــن ،كان الظــام ً بقســوة ،وكان لهــب أحمــر فــي نهايــة األفــق ،حيــث تحــرق شــركات النفــط الغــاز المتبقــي عــن حاجتهــا ،كان ال ّلهــب يترنــح فــي محاولــة يائســة إلنــارة األفــق كلــه ،وكان يتهــاوى بيــن الفينــة واألخــرى حتــى يغســل األرض بذوبــه ،ثــم ينطلــق مــن جديــد. كثيرا جدًّ ا ،ولكن هنالك من ال يستطيع أن يشم رائحة طعام طهي جيدً ا). كثيراً ، (إننا نربح ًقال حسن ذلك فيما يتكئ على حاجز الشرفة ،بينما اقتعد الباقون حواف النوافذ الواطئة. كنــا قــد عفنــا مثــل هــذا النــوع مــن دروس األخــاق ،كنــا نعرف كل شــيء عــن النــاس الذيــن يذوبون أيضــا ،أدق التفاصيــل عــن بطولــة الذيــن أتــوا فيمــا هــم يفتشــون عــن وســيلة للعيــش ،وكمــا نعــرفً ، مــن بعيــد كــي يعيشــوا ،فماتــوا مــن فــرط مــا تاقــوا إلــى العيــش ..ولــم نكــن فــي حاجــة لــدرس جديــد فــي األخــاق ،يأتــي مــن إنســان حالــم ،يــأكل األفــق بعيــون متجهمــة ،ويتكــئ كالشــعراء علــى حاجــز الشــرفة. ٍ شيء من التحدي: إال أن صوت حسن ما لبث أن وصل من جديد ،محتو ًيا على قصة حدثت قبل عام ،في مطلع العام الماضي .وكنت أنا أحد أبطالها). (أعرف َّوعاد إلى صمته ،وبدا لنا أنه قد كف عن رغبته في التحدث ،ولكنه عاود من جديد: 113 كتاب النصوص للصف احلادي عشر -يجــب أن يمــوت اإلنســان فــي مطلــع عــام ،أو فــي نهايــة عــام ،فذلــك أدعــى لحفــظ تاريــخ موتــه مــن إنســان يمــوت فــي يــوم مــن األيــام ..لقــد مــات صاحبــي ،وبطــل قصتــي ،فــي مطلــع العــام، وهكــذا فإنــه مــن الصعوبــة بمــكان أن ننســى موتــه ،ولذلــك فنحــن مجبــرون علــى أالَّ ننســى قصتــه أيضــا!) ً لقد أصبح من الواجب ،اآلن ،أن يسأل أحدنا ،ولو دون أن يرغب في ذلك: ( وما هي القصة؟)( -القصــة يــا ســيدي غريبــة ح ًّقــا ..وإن كنــت أتعمــد نســيانها أثنــاء العــام ،كــي ال يكذبنــي النــاس، أو أكــذب نفســي ،فإنــه لمــن العبــث أن أنســاها اآلن ..ونحــن فــي مطلــع عــام ..لمــاذا؟ آه ..إننــي ال أدري علــى اإلطــاق ..ولكننــي أشــعر أنــه مــن العبــث أن أنســاها أكثــر ممــا فعلــت ،ولذلــك ،فــا أيضــا).. بــد أن تســمعوها منــي ،وقــد يخفــف هــذا عنــي بعــض الشــيءً ، واســتدار حســن ،فواجهنــا وجــه مظلــل بمأســاة متلبــدة كتقاطيعــه ،كان ال ّلهــب األحمــر قــد ارتفــع فــي نهايــة األفــق حتــى أقصــاه ،ثــم انخفــض إلــى األرض مــن جديــد ،وقــال حســن: (لــم أكــن أدري ّأن ســعد الديــن ســوف يلحــق بــي إلــى هنــا ..صحيــح أننــا عشــنا طفولتنــا ســوية، لكننــي حصلــت مــن الشــهادات ،فيمــا بعــد ،مــا عجــز هــو عــن تحصيلــه ،ولذلــك فــإن إمكانيــة الكســب كانــت متوفــرة فــي حالتــي أكثــر ممــا هــي فــي حالتــه ،ولكنــه رغــم ذلــك أتــى إلــى هنــا، طموحــا شــديدَ ا فــي أن يربــح شــي ًئا مــا ،وكان هــذا الطمــوح ،يورثــه حماســة ال تهــدأ. طامحــا ً ً لقــد رحبــت بــه ضي ًفــا فــي منزلــي ،وكنــت أعتنــي بــه قــدر طاقتــي ،ولكننــي لــم أكــن أســتطيع تقديــم أي شــيء يســهل لــه طريــق وظيفــة مــا ،لــم يكــن الصــراع علــى أبــواب دوائــر الدولــة فــي صالحــه أبــدً ا ،وكانــت شــهادة أي إنســان تعنــي بالنســبة لــه ك ًّفــا مبســوطة توشــك أن تصفعــه بقــوة ال ترحــم، وكنــت علــى اســتعداد لتحمــل ســعد الديــن أطــول مــدة مقــدرة ،ولكننــي لــم أكــن أســتطيع أن أمنــع نفســي مــن أن أشــرح لــه بيــن الفينــة واألخــرى أن الوظيفــة بالنســبة لــه بعيــدة ،وأن عليــه أن يعــود إلــى بلدتــه حيــث يمكــن للمشــكلة أن تحــل بطريقــة أو بأخــرى ،قلــت لــه فــي مــرة إن العجلــة التــي تــدور هنــا شرســة إلــى حــدود أســطورية ،وإنهــا ال تهتــم باإلنســان الفــرد علــى اإلطــاق ،وإن الجــوع منظــرا مســل ًّيا فحســب ،وإن النــاس هنــا يلهثــون بالنســبة للبــذخ الماثــل ال يمكــن أن يكــون إال ً 114 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ راكضيــن وراء القــرش إلــى حــد أنهــم ال يلتفتــون خلفهــم كــي يشــاهدوا الزاحفيــن ..ولكــن ســعد الديــن لــم يكــن يهمــه مــن األمــر شــيء ،ولقــد قــال لــي مــرة إنــه ال يمكــن لــه أن يعــود بــا عمــل، وبــا مــال ،وإنــه ال يســتطيع أن يتحمــل علــى اإلطــاق نظــرة صديــق أو عــدو ،يقــول لــه ،أو يهمــس، أو يشــير ،أو ال يقــول وال يهمــس وال يشــير ،كيــف يعــود مــن وادي الذهــب بــا ذهــب؟ يا سعد الدين...كنت أقول له بين الفينة واألخرى. -يــا ســعد الديــن ،غــدً ا ســوف ينتهــي مــا جلبتــه معــك مــن مــال ،فكيــف تريــد أن تتصــرف؟ هــل تتوقــع مــن أصدقائــك أن يربــوك فــي بيوتهــم كأنــك مدلــل ضائــع؟ إن صحتــك ال تســاعدك علــى العيــش اعتبا ًطــا ،أنــت تشــكو ضع ًفــا مـ ًّـرا فــي قلبــك يســتلزم راحــة مطلقــة ..وغــذاء جيــدً ا ..وهكــذا فــإن جــو العائلــة يناســبك أكثــر مــن انفــراط جــو العــازب ..يجــب أن تعــود إذا وجــدت فــي جيبــك أجــرة العــودة. ولكــن ســعد الديــن لــم يســتمع ،كان يريــد أن يبقــى فــي المدينــة الصاخبــة ،الســائرة رغــم كل شــيء، يفتــش ،ويلــف ،ويــدور ،ويبحــث عــن شــيء مــا. ولكــن ،يــا أصدقائــي ،لــن أطيــل عليكــم ،لقــد أتانــي ذات يــوم فقــال :إن مــا معــه مــن المــال يوشــك أن ينفــد ،وأنــه قــد وقــع فــي الفــخ حيــث ال يســتطيع أن يســتمر أكثــر ،وال أن يتراجــع ،وطلــب منــي المشــورة ..مــاذا كنــت اســتطيع أن أقــدم لــه ســوى ثمــن العــودة؟ ولكنــه رفــض ،وكان يريــد معجــزة مــا شــأن كل مــن يأتــي إلــى هنــا ..معجــزة تمــأ جيوبــه بالذهــب ،وتمســك بيــده تقــوده بلطف شــديد إلــى داره علــى بســط ممــدودة ..ولقــد بذلــت ،يشــهد ال ّلــه ،جهــدً ا هائـ ًـا مــن أجــل أن أجتـ ّ ـث مــن رأســه أيــة فكــرة تدفعــه للتــردد ..ولقــد اقتنــع أخيـ ًـرا ..ثــم ،وخــوف أن يتراجــع كعادتــه ،طلبــت منــه ـورا إلــى أقــرب مكتــب ســفر كــي يرتبــط نهائ ًّيــا بموعــد إقــاع وشــيك. أن يســير معــي فـ ً غائمــا بــار ًدا ،وكان صمــت ســعد الديــن لقــد ســرنا ســوية ،كمــا أذكــر ،تلــك الظهيــرة ،كان الجــو ً حرجــا ال قبــل لــي بــه ،وهكــذا قــررت أن أصمــت أنــا اآلخــر ،ولكــن صــوت ســعد الديــن يورثنــي ً مــا لبــث أن انقــض متله ًفــا ،وأحسســت بك ّفــه تشــد ذراعــي بعنــف ،وحيــن التفــت إليــه كان نــدا ًء مـ ًّـرا يلتمــع فــي عيونــه ،ويختلــج برجــاء أخيــر ،وقــال لــي شــبه متوســل: 115 كتاب النصوص للصف احلادي عشر -اســمع يــا حســن ..أنــا أؤمــن أن خلــف هــذه الزرقــة يوجــد أمـ ٌـل مــا ..ولذلــك فأنــا ال أظــن مطل ًقــا أنــه ســوف يتخلــى عنــي ،لقــد وضحــت أمامــي طريــق جديــدة ..وال بــد لــي مــن ســلوكها. أي طريق؟ -انظر هناك ..أترى ذلك الجالس أمام القفص في وسط الساحة؟ أتعرف ماذا يبيع؟؟ بائســا يجلــس القرفصــاء أمــام قفــص صغيــر ،ولــم يكــن هنــاك ونظــرت عبــر الســاحة ،فرأيــت رجـ ًـا ً أي زبــون ،ثــم إن الطقــس كان بــر ًدا: -ال أعرف! محــارا ..هــذا القفــص ملــيء بالمحــار ..إنــه يجمــع المحــار ويبيــع كل أربــع بروبيــة أنــه يبيــعً واحــدة ..إن ال ّلــه وحــده يعــرف فيمــا إذا كانــت المحــارة حبلــى بلؤلــؤة أم ال ..هــذا أبــدع (يانصيــب) يمكــن للواحــد منــا أن يشــاهده عمــره كلــه. وماذا في ذلك؟ ال بد أن أجرب حظي. أي حظ؟ـارا بــكل مــا معــي ،وال ُبــدّ الحــظ المدفــون تحــت ركام عــذاب عشــرة أعــوام ،ســوف أشــتري محـ ًمــن أن أجــد لؤلــؤة. ـض كل خاليــا جســده ،المجهــود إيــه! لقــد فقــد ســعد الديــن كل توازنــه ،العــذاب الطويــل الــذي أمـ ّ اليائــس الــذي كان يبذلــه فــي ســبيل أن يعيــش ،كل هــذا جعلــه يعتقــد أن النجــاح يكمــن فــي خدعــة مــا ..فــي طريــق مبطــن تحــت مظهــر ســاذج ،موجــود علــى أي حــال هنــا أو هنــاك .ولهــذا كلــه ،كان يصــر علــى أن الثــروة والراحــة وكل مــا طمــح لــه يكمــن فــي بطــن محــارة مجهولــة.. أيضــا ..مــن يــدري؟ ربمــا وجدنــا أتريــدون الحقيقــة؟ لقــد كانــت تجربــة رائعــة بالنســبة لــي ،أنــاً ، لؤلــؤة! وربمــا كانــت لؤلــؤة كبيــرة مــدورة ،مزرقــة بهديــر محيــط مجهــول متباعــد ..أليــس مــن الممكــن أن يجــد ســعد الديــن لؤلــؤة وأن يســتمر فــي النضــال هنــا ،فتــرة أطــول ..أو أن يعــود إلــى 116 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ منزلــه وفــي جيبــه شــيء مــا؟ وهكــذا توجهنــا إلــى الرجــل المقرفــص ..ولكننــي رغــم كل شــيء كنــت أخــاف أن يســحق ســعد الديــن فشـ ٌـل آخــر ،فقمــت بمحاولــة أخيــرة ،ولكنهــا مستســلمة ســل ًفا: -ســعد الديــن! هــل تعــرف أن فرصتــك واحــدة مــن ألــف؟ هــل تعــرف أن بيــن كل ألــف محــارة توجــد محــارة واحــدة حبلــى بلؤلــؤة؟ وقــد يكــون الجنيــن الثميــن صغيـ ًـرا كحبــة عــدس؟ فقال: -هنــاك مالييــن مــن المحــارات فــي قــاع البحــر ،يــا حســن أتســتطيع أن تؤكــد أن صاحبنــا الغــواص لــم يحمــل المحــارات المحظوظــة ،ويتــرك كل المحــارات الفارغــة هنــاك؟ وجلســنا أمــام الرجــل ،ودفــع لــه ســعد الديــن كل مــا فــي جيبــه ،واختــار كو ًمــا صغيـ ًـرا مــن كومــة المحــار ،وبــدا لــي فــي تلــك اللحظــة أن وجــود لؤلــؤة فــي هــذا الكــوم مــن القــاذورات المبتلــة، طمــوح ال مبــرر لــه. وبــدأت ســكين الرجــل تعمــل بالمحــارات ..كان يدخلهــا ببراعــة فائقــة فــي رأس المحــارة ،حيــث ـم يرفعهــا بحركــة دائريــة فتنفتــح المحــارة شــققت الشــمس نافــذة صغيــرة تكفــي لــرأس النصــل ،ثـ ّ عــن كتلــة لزجــة شــبيهة باللحــم الطــري ،كأنهــا أحشــاء حيــوان صغيــر ،وتعمــل الســكين تنقي ًبــا فــي قطعــة اللحــم ،ثــم تُلقــى المحــارة العاقــرة فــي ســلة النفايــات ،وترتســم الخيبــة فــي عينــي ســعد أيضــا. الديــن ،ثــم تمحــى تحــت إصــرار أمــل جديــد ،وتعــود الســكين تعمــل ،مــن جديــدً ، وبــدأ كــوم المحــارات يتصاغــر شــي ًئا فشــي ًئا ،ثمــة غمامــة مجهولــة كانــت تهيمــن علــى الموقــف، كانــت عيــون ســعد الديــن تتشــبت الهثــة بالســكين المعقوفــة وهــي تفتــح المحــارات الفارغــة، وكان الرجــل يقــوم بعملــه بــكل بســاطة ،وكنــت قــد بــدأت أتابــع ســعد الديــن ،وأكاد أشــاهد الغصــة تمتــص صمــوده بألــف خرطــوم هالمــي. أيهــا األصدقــاء ..مــا تــم ،بعــد ،كان غري ًبــا إلــى حــدود مذهلــة ،لقــد تبقــت ،ثمــة ،محــارة واحــدة ال غيــر ،وكان اإلجهــاد قــد وضــح علــى وجــه ســعد الديــن ،فأخــذت أرقبــه وجـ ًـا ،ومغفـ ًـا مراقبــة أنامــل الرجــل وهــي تفــك غمــوض المحــارة ..لقــد بــدا شــكل ســعد الديــن مخي ًفــا ..شــكل إنســان 117 كتاب النصوص للصف احلادي عشر علــى وشــك الســقوط فــي هــوة ،وكان يبــدو أنــه قــد تعلــق نهائ ًيــا بهــذه المحــارة ،وأن كل المســتقبل ال بــد وأن يكــون هنــاك .وفجــأة ،التمــع فــي العينيــن الملهوفتيــن بريــق راعــب ،وخيــل إلــي أن الحياة قــد تمثلــت لمعا ًنــا فــي العينيــن العميقتيــن ،لمعا ًنــا غري ًبــا فحســب ،كان يحــدق فــي المحــارة ،وكنت أحــدق فــي وجهــه ،ثــم ،وقبــل أن أدرك شــي ًئا ،ســقط ســعد الديــن علــى وجهــه فــي الوحــل ،وعندمــا حاولــت رفعــه ،وجدتــه مي ًتــا!) كان الظــام مــا زال يخيــم بقســوة ،وال ّلهــب األحمــر يرتفــع بقــوة نحــو األفــق ثــم يهمــد فجــأة، ومــرت لحظــات مــن الصمــت الميــت ،لــم يكــن أحــد منــا يرغــب فــي التعليــق أو الحديــث ،ولــم واهمــا أو مبال ًغــا أو كاذ ًبــا ،ولكننــا لــم نكــن يكــن يهمنــا ســاعتها أن نناقــش حســن فيمــا إذا كان ً نســتطيع أن نخلــع أنفســنا عــن القصــة .ووصــل صــوت حســن مــرة أخــرى ،راج ًفــا متوتـ ًـرا: -كان المســكين يشــكو ضع ًفــا فــي القلــب ،ولــم يســتطع أن يتحمــل ،ولكــن يتحمــل مــاذا؟ صدقونــي أننــي ال أعــرف أيهــا األخــوة لمــاذا مــات ســعد الديــن؟ هــل كانــت ،ثمــة ،لؤلــؤة داخــل غمــا؟ تلــك المحــارة األخيــرة الملعونــة فمــات ً فرحــا ،أم كانــت فارغــة كأخواتهــا العاقــرات ،فمــات ًّ لقــد مضــى كل شــيء بســرعة ،ودون أن أفطــن لهــذا الموضــوع ،لقــد أنســاني الجســد المطــروح فــي الوحــل كل شــيء عــن المحــار واللؤلــؤ ..وعندمــا انتهينــا مــن نقــل الميــت ،كان صاحــب المحــار قــد اختفــى ،بطبيعــة الحــال. 118 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ اخمليم يذهب إىل الصغري ُ ُ ّ غسان كنفاين مت ترشيح هذا النص من قبل الطالبة فاطمة عبدال ّله احمد عبدال ّله اليماحي ّ مدرسة املاسة للتعليم الثانوي للبنات يف الفجرية. كان ذلــك زمــن الحــرب .الحــرب؟ كال ،االشــتباك ذاتــه ..االلتحــام المتواصــل بالعــدو ألنــه أثنــاء الحــرب قــد تهــب نســمة ســام يلتقــط فيهــا المقاتــل أنفاســه .راحــة .هدنة.إجــازة تقهقــر .أمــا فــي دائمــا تمـ ّـر بأعجوبــة بيــن طلقتيــن ،وهــذا مــا كان ،كمــا دائمــا علــى بعــد طلقــة .أنــت ً االشــتباك فإنــه ً قلــت لــك ،زمــن االشــتباك المســتمر. ـب زوجتــه ربمــا ألنــه كنــت أســكن مــع ســبعة أخــوة كلهــم ذكــور شــديدو المــراس ،وأب ال يحـ ّ أنجبــت لــه زمــن االشــتباك ثمانيــة أطفــال .وكانــت عمتنــا وزوجهــا وأوالدهــا الخمســة يســكنون أيضــا ،وجدّ نــا العجــوز الــذي كان إذا مــا عثــر علــى خمســة قــروش علــى الطاولــة أو فــي جيــب معنــا ً أحــد الســراويل الكثيــرة المع ّلقــة مضــى دون تــردد واشــترى جريــدة ،ولــم يكــن يعــرف ،كمــا تعلــم، دائمــا بمــا اقتــرف كــي يقــرأ أحدنــا علــى مســمعه الثقيليــن القــراءة ،وهكــذا كان مضطـ ًـرا لالعتــراف ً آخــر األخبــار. فــي ذلــك الزمــن -دعنــي ً أول َأ ُقـ ْـل لــك أنــه لــم يكــن زمــن اشــتباك بالمعنــى الــذي يخ ّيــل إليــك ،ك ّ ال لــم تكــن ثمــة حــرب حقيقيــة .لــم تكــن ثمــةأي حــرب علــى اإلطــاق .كل مــا فــي األمــر أننــا كنــا ـخصا فــي بيــت واحــد مــن جميــع األجيــال التــي يمكــن أن تتو ّفــر فــي وقــت واحــد. ثمانيــة عشــر شـ ً لــم يكــن أي واحــد منّــا قــد نجــح بعــد فــي الحصــول علــى عمــل ،وكان الجــوع -الــذي تســمع عنــه -همنــا اليومــي .ذلــك أســميه زمــن االشــتباك .أنــت تعلــم .ال فــرق علــى االطــاق. كنــا نقاتــل مــن أجــل األكل ،ثــم نتقاتــل لنوزعــه فيمــا بيننــا ،ثــم نتقاتــل بعــد ذلــك .ثــم فــي أيــة لحظــة ســكون يخــرج جــدّ ي جريدتــه المطويــة باعتنــاء مــن بيــن مالبســه ناظـ ًـرا إلــى الجميــع بعينيــه الصغيرتيــن المتح ّفزتيــن ،معنــى ذلــك أن خمســة قــروش قــد ســرقت مــن جيــب مــا -إذا كان فيــه متمس ـكًا بالجريــدة ـجارا ســيقع .ويظــل جــدّ ي ّ هنــاك خمســة قــروش -أو مــن مــكان مــا .وأن شـ ً وهــو يتصــدّ ى لألصــوات بســكون الشــيخ الــذي عــاش وق ًتــا كاف ًيــا لالســتماع إلــى كل هــذا الضجيج 119 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ّ والشــجار دون أن يــرى فيهــا مــا يســتحق الجــواب أو االهتمــام ..وحيــن تهــدأ األصــوات يميــل أقــرب الصبيــان إليــه (ذلــك أنــه لــم يكــن يثــق بالبنــات) ويدفــع لــه الصحيفــة وهــو يمســك طرفهــا، كــي ال تخطــف. وكنــت مــع عصــام فــي العاشــرة -كان أضخــم منــي قليـ ًـا كمــا هــو اآلن ..وكان يعتبــر نفســه زعيــم إخوتــه أبنــاء عمتــي -كمــا كنــت أعتبــر نفســي زعيــم إخوتــي ..وبعــد محــاوالت عديــدة اســتطاع عمتــي أن يجــدا لنــا مهنــة يوميــة :نحمــل الســلة الكبيــرة م ًعــا ونســير حوالــي ســاعة والــدي وزوج ّ وربــع ،حتــى نصــل إلــى ســوق الخضــار بعــد العصــر بقليــل .فــي ذلــك الوقــت أنــت ال تعــرف كيــف يكــون ســوق الخضــار :تكــون الدكاكيــن قــد بــدأت بإغــاق أبوابهــا وآخــر الشــاحنات التــي تعبــر بمــا تب ّقــى ،تســتعد لمغــادرة ذلــك الشــارع المزحــوم .وكانــت مهمتنــا -عصــام وأنــا -ه ّينــة وصعبــة فــي آن واحــد .فقــد كان يتع ّيــن علينــا أن نجــد مــا نعبــئ بــه ســلتنا :أمــام الدكاكيــن .وراء الســيارات، ـي فــي قيلولــة أو داخــل حانوتــه. وفــوق المفــارش ً أيضــا إذا كان المعنـ ّ أقــول لــك أنــه كان زمــن االشــتباك :أنــت ال تعــرف كيــف يمـ ّـر المقاتــل بيــن طلقتيــن طــوال نهــاره. ممــزق أو حزمــة بصــل ،وربمــا تفاحــة مــن كان عصــام يندفــع كالســهم ليخطــف رأس ملفــوف ّ تتأهــب للتحـ ّـرك .وكنــت أنــا بــدوري أتصــدّ ى للشــياطين -أي بقيــة بيــن عجــات الشــاحنة وهــي ّ األطفــال -إذا مــا حاولــوا تنــاول برتقالــة شــاهدتها فــي الوحــل قبلهــم .وكنــا نعمــل طــوال العصــر: نتشــاجر عصــام وأنــا مــن جهــة ،مــع بقيــة األطفــال أو أصحــاب الدكاكيــن أو الســائقين أو رجــال الشــرطة أحيا ًنــا ،ثــم أتشــاجر مــع عصــام فيمــا تب ّقــى مــن الوقــت. كان ذلــك زمــن االشــتباك .أقــول هــذا ألنــك ال تعــرف :إن العالــم وقتئــذ يقلــب علــى رأســه ،ال أحــد يطالبــه بالفضيلــة .ســيبدو مضح ـكًا مــن يفعــل ..أن تعيــش كيفمــا كان وبأيــة وســيلة هــو انتصــار أيضــا .أليــس كذلــك؟ إذن دعنــا مرمــوق للفضيلــة .حس ـنًا .حيــن يمــوت المــرء تمــوت الفضيلــة ً نتفــق بأنــه فــي زمــن االشــتباك يكــون مــن مهمتــك أن تحقــق الفضيلــة األولــى ،أي أن تحتفــظ بنفســك ح ًّيــا .وفيمــا عــدا ذلــك يأتــي ثان ًيــا .وألنــك فــي اشــتباك مســتمر فإنــه ال يوجــد ثان ًيــا :أنــت دائمــا ال تنتهــي مــن ً أول. ً وكان يتع ّيــن علينــا أن نحمــل الســ ّلة م ًعــا حيــن تمتلــئ ونمضــي عائديــن إلــى البيــت :ذلــك كان طعامنــا جمي ًعــا لليــوم التالــي ..بالطبــع كنــا أنــا وعصــام متفقيــن علــى أن نــأكل أجــود مــا فــي السـ ّلة 120 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ علــى الطريــق .ذلــك اتفــاق لــم نناقشــه أبــدً ا ،لــم نعلــن عنــه أبــدً ا .ولكنــه كان يحــدث وحــده .ذلــك أننــا كنــا م ًعــا فــي زمــن االشــتباك. وكان الشــتاء شــديد القســوة ذلــك العــام ،وكنّــا نحمــل سـ ّلة ثقيلــة ح ًقــا( ،هــذا شــيء ال أنســاه ،كأنــك ـريرا) وكنــت آكل تفاحــة ،فقــد كنّــا خرجنــا مــن وقعــت أثنــاء المعركــة فــي خنــدق فــإذا بــه يحــوي سـ ً بوابــة الســوق وســرنا فــي الشــارع الرئيســي .قطعنــا مــا يقــرب مــن مســير عشــر دقائــق بيــن النــاس والســيارات والحافــات وواجهــات الدكاكيــن دون أن نتبــادل كلمــة (ألن الســلة كانــت ثقيلــة ح ًقــا وكنــا نحــن اإلثنيــن منصرفيــن تما ًمــا إلــى األكل) وفجــأة.. ال .هــذا شــيء ال يوصــف .ال يمكــن وصفــه :كأنــك علــى نصــل ســكين مــن عــدوك وأنــت دون ســاح وإذا بــك فــي اللحظــة ذاتهــا تجلــس فــي حضــن أمــك.. دعنــي َأ ُقـ ْـل لــك مــا حــدث :كنّــا نحمــل الس ـ ّلة كمــا قلــت لــك ،وكان شــرطي يقــف فــي منتصــف الطريــق ،وكان الشــارع ً مبتــا ،وكنــا تقري ًبــا دون أحذيــة .ربمــا كنــت أنظــر إلــى حــذاء الشــرطي الثقيــل والســميك حيــن شــهدتها فجــأة هنــاك،كان طرفهــا تحــت حذائــه ،أي كنــت بعيــدً ا حوالــي ســتة أمتــار ولكننــي عرفــت ،ربمــا مــن لونهــا أنهــا أكثــر مــن ليــرة واحــدة. نحــن فــي مثــل هــذه الحــاالت ال نف ّكــر .يتحدّ ثــون عــن الغريــزة .ط ّيــب .أنــا ال أعــرف مــا إذا كان لــون األوراق الماليــة شــي ًئا لــه عالقــة بالغريــزة .لــه عالقــة بتلــك القــوة الوحشــية ،المجرمــة ،القــادرة علــى الخنــق فــي لحظــة ،الموجــودة فــي أعمــاق كل منــا .ولكــن مــا أعرفــه هــو أن المــرء فــي زمــن االشــتباك ال ينبغــي لــه أن يف ّكــر حيــن يــرى ورقــة ماليــة تحــت حــذاء الشــرطي وهــو يحمــل ســلة مــن الخضــار الفاســد علــى بعــد ســتة أمتــار .وهــذا مــا فعلتــه :ألقيــت ببقايــا التفاحــة وتركــت الســلة فــي اللحظــة ذاتهــا .وال شــك أن عصا ًمــا تمايــل فجــأة تحــت ثقــل الســلة التــي تركــت فــي يــده ولكــن كان قــد شــاهدها بعــدي بلحظــة واحــدة .إالّ أننــي بالطبــع كنــت قــد اندفعــت تحــت وطــأة تلــك القــوة المجهولــة التــي تجبــر وحيــد القــرون علــى هجــوم أعمــى ،غايتــه آخــر األرض ،ونطحــت ـورا .وكان توازنــي أنــا اآلخــر قــد اختـ ّـل .ولكننــي لــم أقــع ســاقي الشــرطي بكتفــي فتراجــع مذعـ ً علــى األرض وفــي تلــك اللحظــة التــي يحســب فيهــا األغبيــاء أن الشــيء يمكــن لــه أن يحــدث شــاهدتها :كانــت خمــس ليــرات .لــم أشــاهدها فحســب بــل التقطتهــا واســتكملت ســقوطي .إالّ أننــي وقفــت بأســرع ممــا ســقطت وبــدأت أركــض بأســرع ممــا وقفــت. 121 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ومضــى العالــم بأجمعــه يركــض ورائــي :ص ّفــارة الشــرطي ،وصــوت حذائــه يقــرع بــاط الشــارع ورائــي تما ًمــا .صــراخ عصــام ،أجــراس الحافــات .نــداء النــاس ..هــل كانــوا ح ًقــا ورائــي؟ ليــس أيضــا .لقــد عــدوت متأكــدً ا حتــى صميمــي أن ال أحــد فــي كل بوســعك أن تقــول وليــس بوســعي ً الكواكــب الســيارة يســتطيع أن يمســكني ..وبعقــل طفــل العشــر ســنوات ســلكت طري ًقــا آخــر. ربمــا ألننــي حســبت أن عصا ًمــا سـ ّ ـيدل الشــرطي علــى طريقــي .لســت أدري .لــم ألتفــت .كنــت أركــض وال أذكــر أننــي تعبــت ..كنــت جند ًيــا هــرب مــن ميــدان حــرب أجبــر علــى خوضهــا وليــس ـي حذائــه. أمامــه إالّ أن يظــل يعــدو والعالــم وراء كعبـ ّ ووصلــت إلــى البيــت بعــد الغــروب ،وحيــن فتــح لــي البــاب شــهدت مــا كنــت أشــعر فــي أعماقــي أننــي سأشــهده :كان الســبعة عشــر مخلو ًقــا فــي البيــت ينتظروننــي .وقــد درســوني بســرعة ،ولكــن بدقــة ،حيــن وقفــت فــي حلــق البــاب أبادلهــم النظر:كفــي مطبقــة علــى الخمــس ليــرات فــي جيبــي، وقدمــاي ثابتتــان فــي األرض. ـجارا قــد وقــع بيــن العائلتيــن قبــل كان عصــام يقــف بيــن أمــه وأبيــه ،وكان غاض ًبــا .ال شــك أن شـ ً جالســا فــي الركــن ملتح ًفــا بعباءتــه البنيــة النظيفــة ينظــر مقدمــي .واســتنجدت بجــدي الــذي كان ً حكيمــا .رجـ ًـا حقيق ًيــا يعــرف كيــف ينبغــي لــه أن ينظــر إلــى الدنيــا. ـي بإعجــاب :كان رجـ ًـا ً إلـ ّ وكان كل ما يريده من الخمس ليرات :جريدة كبيرة هذه المرة. وانتظــرت الشــجار بفــارغ الصبــر .كان عصــام بالطبــع قــد كــذب :قــال لهــم أنــه هــو الــذي وجــد الخمــس ليــرات وأننــي أخذتهــا منهــا بالقــوة .ليــس ذلــك فقــط ،بــل أجبرتــه علــى حمــل الســلة الثقيلــة وحــده طــوال المســافة المنهكــة :ألــم أقــل لــك أنــه زمــن االشــتباك؟ لــم يكــن أي واحــد مننــا مهتمــا فقــط بــل كان متأكــدً ا مــن أن أحــدً ا لــم يهتــم بالحقيقــة .ليــس ذلــك فقــط بــل إنــه ارتضــى أن ً يـ ّ ـذل نفســه ويعلــن ربمــا للمــرة األولــى أننــي ضربتــه وأننــي أقــوى منــه ..ولكــن مــا قيمــة ذلــك كلــه أمــام المســألة الحقيقيــة األولــى. كان أبــوه يف ّكــر بشـ ٍ ـيء آخــر تما ًمــا :كان مســتعدً ا لقبــول نصــف المبلــغ وكان أبــي يريــد النصــف اآلخــر ألننــي لــو نجحــت فــي االحتفــاظ بالمبلــغ كلــه لصــار مــن حقــي وحــدي ،أمــا إذا تخ ّليــت عــن هــذا الحــق فأفقــد كل شــيء وسيتقاســمون المبلــغ. 122 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ ولكنهــم لــم يكونــوا يعرفــون ح ًقــا معنــى أن يكــون الطفــل ممسـكًا بخمــس ليــرات فــي جيبــه زمــن االشــتباك ..وقــد قلــت لهــم جمي ًعــا بلهجــة حملــت ألول مــرة فــي حياتــي طابــع التهديــد بتــرك البيــت وإلــى األبــد :إن الخمــس ليــرات لــي وحــدي. وأنــت تعــرف ال شــك :جـ ّن جنونهــم ،ضــاع رابــط الــدم فوقفــوا جمي ًعــا ضــدي .لقــد أنذرونــي ً أول. ولكننــي كنــت مســتعدً ا لمــا هــو أكثــر مــن ذلــك ثــم بــدأوا يضربوننــي .وكان بوســعي بالطبــع أن أدافــع عــن نفســي ،ولكــن ألننــي أردت أن أحتفــظ بكفــي داخــل جيبــي مطبقــة علــى الخمــس ليــرات تفــرج جــدّ ي علــى المعركــة فقــد كان مــن العســير ح ًقــا أن أتجنــب الضربــات المحكمــة .وقــد ّ باســتثناء بــادئ األمــر ،ثــم لمــا بــدأت المعركــة تفقــد طرافتهــا قــام فوقــف أمامهــم ،وبذلــك يســر لــي أن ألتصــق بــه .اقتــرح تســوية .قــال إن الكبــار ال حــق لهــم بالمبلــغ .ولكــن مــن واجبــي أن آخــذ كل أطفــال البيــت ذات يــوم صحــو إلــى حيــث نصــرف جمي ًعــا مبلــغ الخمــس ليــرات كمــا نشــاء. عندهــا تقدّ مــت إلــى األمــام معتز ًمــا الرفــض ،إالّ أننــي فــي اللحظــة ذاتهــا شــهدت فــي عينيــه مــا أمســكني .لــم أفهــم بالضبــط آنــذاك مــا كان فــي عينيــه ،ولكننــي شــعرت فقــط أنــه كان يكــذب وأنــه كان يرجونــي أن أصمــت. أنــت تعــرف أن طفــل العشــر ســنوات -زمــن االشــتباك -ال يســتطيع أن يفهــم األمــور (إذا كان ثمــة حاجــة لفهمهــا) كمــا يســتطيع عجــوز مثــل جــدّ ي .ولكــن هــذا هــو مــا حصــل .كان يريــد جريدتــه ربمــا كل يــوم لمــدة أســبوع -وكان يهمــه أن يرضينــي بــأي ثمــن. ـي أن أحمــي الليــرات وهكــذا اتفقنــا ذلــك المســاء .ولكننــي كنــت أعــرف أن مهمتــي لــم تنتــه .فعلـ ّ أيضــا أن أواجــه ـي ً ـي أن أماطــل بقيــة األطفــال .وعلـ ّ الخمــس كل لحظــات الليــل والنهــار .ثــم علـ ّ محــاوالت إقنــاع وتغريــر لــن تكــف عنهــا أمــي .قالــت لــي ذلــك المســاء إن الليــرات الخمــس قميصــا جديــدً ا لــي ،أو دواء حيــن تقتضــي الحاجــة ،أو كتا ًبــا إذا مــا تشــتري رطليــن مــن اللحــم ،أو ً ف ّكــروا بإرســالي إلــى مدرســة مجانيــة فــي الصيــف القــادم ...ولكــن مــا نفــع الــكالم؟ كأنهــا كانــت تطلــب منــي وأنــا أعبــر بيــن طلقتيــن أن أنظــف حذائــي. ولــم أكــن أعــرف بالضبــط مــاذا كنــت أنــوي أن أفعــل .ولكننــي طــوال األســبوع الــذي جاء بعــد ذلك نجحــت فــي مماطلــة األطفــال ،بــآالف مــن الكذبــات التــي كانــوا يعرفــون أنهــا كذلــك ولكنهــم لــم يقولــوا إطال ًقــا أنهــا أكاذيــب .لــم تكــن الفضيلــة هنــا .أنــت تعلــم .كانــت مســألة أخــرى تــدور حــول 123 كتاب النصوص للصف احلادي عشر الفضيلــة الوحيــدة آنذاك:الخمــس ليرات. ولكــن جــدّ ي كان يفهــم األمــور ،وكان يريــد جريدتــه ثمنًــا معـ ً ـادل لــدوره فــي القصــة ،وحيــن مضــى ـوزا مثلــه ال يمكــن األســبوع بــدأ يتملمــل .لقــد شــعر (مــن المؤكــد أنــه شــعر ،ذلــك ألن رجـ ًـا عجـ ً أن تفوتــه تلــك الحقيقــة) أننــي لــن أشــتري لــه الجريــدة ،وأنــه فقــد فرصتــه ،ولكنــه لــم يكــن يمتلــك أيــة وســيلة الســتردادها. وحيــن مـ ّـرت عشــرة أيــام أخــرى اعتقــد الجميــع أننــي صرفــت الليــرات الخمــس ،وأن يــدي فــي جيبــي تقبــض علــى فــراغ .علــى خديعــة .ولكــن جــدّ ي كان يعــرف أن الليــرات الخمــس مــا تــزال فــي جيبــي .وفــي الواقــع قــام ذات ليلــة بمحاولــة لســحبها مــن جيبــي وأنــا مســتغرق فــي النــوم، (كنــت أنــام بمالبســي) إالّ أننــي صحــوت فتراجــع إلــى فراشــه ونــام دونمــا كلمــة. قلــت لــك .إنــه زمــن االشــتباك .كان جــدّ ي حزينًــا ألنــه لــم يحصــل علــى جريــدة ،وليــس ألننــي نكثــت بوعــد لــم يتفــق عليــه .كان يفهــم زمــن االشــتباك ،ولذلــك لــم يلمنــي طــوال الســنتين اللتيــن أيضــا .كان فــي أعماقــه -كطفــل عاشــهما بعــد ذلــك علــى مــا فعلتــه .وقــد نســي عصــام القصــة ً صعــب المــراس -يفهــم تما ًمــا مــا حــدث .واصلنــا رحالتنــا اليوميــة إلــى ســوق الخضــار ،كنــا ـدارا مجهـ ً ـول ارتفــع نتشــاجر أقــل مــن أي وقــت مضــى ونتحــادث قليـ ًـا .يبــدو أن شــي ًئا مــا -جـ ً فجــأة بينــه -هــو الــذي مــا زال فــي االشــتباك -وأنــا الــذي تن ّفســت -ليــس يــدري كــم -هــواء آخــر. خروجــا وأذكــر أننــي احتفظــت بالخمــس ليــرات فــي جيبــي طــوال الخمســة أســابيع :كنــت أعــد ً الئ ًقــا لهــا فــي زمــن االشــتباك .إالّ أن كل شــيء حيــن يقتــرب مــن التنفيــذ كان يبــدو وكأنــه جســر للعــودة إلــى زمــن االشــتباك وليــس للخــروج منــه. كيــف تســتطيع أن تفهــم ذلــك؟ كان بقــاء الليــرات الخمــس معــي شــي ًئا يفــوق اســتعمالها .كانــت تبــدو فــي جيبــي وكأنهــا مفتــاح أمتلكــه فــي راحتــي وأســتطيع فــي أيــة لحظــة أن أفتــح بــاب الخــروج ـم وراء البــاب زمــن اشــتباك آخــر .أبعــد وأمضــي .ولكــن حيــن كنــت أقتــرب مــن القفــل كنــت أشـ ّ مــدى .كأنــه عــودة إلــى بدايــة الطريــق مــن جديــد. مهمــا :ذات يــوم مضيــت مــع عصــام إلــى الســوق وقــد اندفعــت ألخطــف حزمــة مــن ومــا بقــي ليــس ً الســلق كانــت أمــام عجــات شــاحنة تتحـ ّـرك ببــطء .وفــي اللحظــة األخيــرة زلقــت وســقطت تحــت 124 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ الشــاحنة .كان حظــي جيــدً ا فلــم تمــر العجــات فــوق ســاقي ،إنمــا تو ّقفــت بالضبــط بعــد مالمســتها. وعلــى أيــة حــال صحــوت مــن إغمائــي فــي المستشــفى .وكان أول مــا فعلتــه -مــا ال شــك فيــه -أن تف ّقــدت الخمــس ليــرات .إالّ أنهــا لــم تكــن هنــاك. أعتقــد أن عصــام هــو الــذي أخذهــا حيــن حملــوه معــي فــي الســيارة إلــى المستشــفى .ولكنــه لــم يقــل وأنــا لــم أســأل .كنــا نتبــادل النظــر فقــط ونفهــم .ال ،لــم أكــن غاض ًبــا ألنــه كان مله ًيــا وأنــا أنــزف دمــي بأخــذ الليــرات الخمــس .كنــت حزينًــا فقــط ألننــي فقدتهــا. وأنت لن تفهم .ذلك كان في زمن االشتباك. 125 كتاب النصوص للصف احلادي عشر الزوار يوسف إدريس مــاكاد آخرهــم يخــرج ويفــرغ العنبــر محتوياتــه المكتظــة كالقطــار المزدحــم حيــن يصــل إلــى محطــة النهايــة ،حتــى التفتــت «سمســمة» وهــو ليــس اســم دلــع ولكنــه اســمها الحقيقــي إلــى ســكينة التفاتــة حــادة وقالــت بصــوت عــال: (بقى) اسمعي يا...واحتــارت قليـ ًـا هــل تقــول لهــا يا(بــت) ياســكينة أم ســكينة فقــط ...وســكينة كان اســمها ســكينة وهــي ســكينة فعـاً ،وهــو اســم قــد يبــدو ريف ًيــا ،ولكنهــا لــم تكــن ريفيــة النشــأة أو المالمــح! كانــت مــن مدينــة مــا ،واحــدة مــن عشــرات مدننــا أنصــاف الكبيــرة ،مؤدبــة جــدًّ ا ،خجولــة جــدًّ ا ،ورقيقــة أيضــا .وكانــت تحتــل الســرير المجــاور لسمســمة المــرأة الضخمــة ،كبيــرة الصــدر ،التــي يميــل ً ودائمــا ترتــدي قميــص نــوم أبيــض. لونهــا إلــى الســمرة، ً والســريران كانــا فــي عنبــر واحــد مــن العنابــر الكبيــرة التــي تحفــل بهــا مستشــفياتنا العامــة والمركزيــة ـريرا ..عنبــر الحريــم يســمونه ..لــه والجامعيــة والصدريــة ،العنبــر المعهــود ذو االثنيــن والعشــرين سـ ً (تومرجيــة) ســليطة اللســان ،ومنفوخــة الجســد ،مكــورة كالبطــة ،و(تومرجــي) أعمــش مفــروض أال يدخــل العنبــر ،وأن يقتصــر عملــه علــى المطبــخ ودورة الميــاه ،ولكــن أحــدً ا لــم يعلــن يو ًمــا هــذا المفــروض وأحــدً ا لــم ينفــذه. وكانــت ســكينة الضعيفــة الرقيقــة الحنونــة التــي تحــس إذا اطلــت النظــر إليهــا أو عمقتــه أن هنــاك أناســا ضعفــاء محتاجيــن إلــى الشــفقة ،كانــت مريضــة بمــرض مزمــن ولهــا فــي المستشــفى فعـ ًـا ً ثالثــة أشــهر وأمنيتهــا الكبــرى أن تغــادر وتخــرج ..ولكنهــم ال يخرجونهــا وال يصرحــون لهــا بالخــروج ،وال يفعلــون هــذا بعنــف أو بحــزم كمــا قــد يعتقــد البعــض ..إنهــم يفعلــون بأنصــاف االبتســامات أحيانــا وبهــز الــرءوس والطبطبــة أحيا ًنــا أخــرى ..وأحيانــا بمجــرد القــول :حــاال إن شــاء ال ّلــه تخرجيــن ..أمــا ســبب بقائهــا أو إبقائهــا فهــو أن مرضهــا مــن نــوع غريــب يحلــو لألســتاذ أن يحاضــر طلبتــه وأطبــاءه الصغــار عليــه ..وأن يريــه لزمالئــه الكبــار كمــا لــو يريهــم قطعــة نــادرة ضمــن مجموعــة أصــداف أو طوابــع بريــد يقتنيهــا. 126 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ وســكينة لــم تكــن مقطوعــة مــن شــجرة ..كان لهــا إخــوة ،فــي الحقيقــة أخ واحــد غيــر شــقيق وأختــان ..وكان لهــا خــاالت وعمــات وقريبــات كأي إنســان منــا وكل إنســان .ولكــن رغــم هــذا كلــه فلــم يكــن لهــا زوار بالمــرة .طــوال األشــهر الثالثــة التــي مكثتهــا بالمستشــفى لــم يزرهــا أحــد.. مــن يــوم أن أتــى بهــا أخوهــا وأودعهــا العنبــر لــم تــر وجهــه .تلــك حقيقــة تعرفهــا هــي ويعرفهــا الجميــع حتــى التومرجيــة الســليطة اللســان تعرفهــا ..وقــد تكــون مشــكلة الخــروج تلــح علــى ســكينة فــي أحيــان كشــيء ال بــد منــه وال بــد مــن حدوثــه وال بــد أن تكلــم الطبيــب الكبيــر بشــأنه، ولكــن مشــكلتها األكثــر حــدة فــي الواقــع أن يزورهــا أحــد ..أن تغمــض عينيهــا وتفتحهمــا فتجــد يــدً ا توقظهــا مــن النــوم أو الغفــوة وتقــول لهــا :قومــي يــا ســكينة ..جالــك زوار. طــوال أيــام الجمــع واالثنيــن -والحقيقــة طــوال أيــام األســبوع -يفــد العشــرات والمئــات واآلالف علــى المستشــفى ويوزعــون علــى عنابــره ثــم علــى أســرته ،وقــد يخــص كل ســرير زائــر أو خمســة أو عشــرة ..ماعــدا ســريرها هــي لــم يكــن يهـ ّـوب ناحيتــه أحــد ،أو للدقــة كان زوار جارتهــا يتخــذون حرجــا ألحد. ســريرها كأريكــة يجلســون عليهــا ،وهــي مــن خجلهــا ال تعتــرض أو تأتــي بحركــة تســبب ً كانــت تغــادر الفــراش نهائ ًّيــا .وتذهــب تتمشــى فــي الطرقــة أو تخــرج إلــى شــرفة العنبــر القــذرة ..هنــاك تتخــذ مســتود ًعا ألكــوام الزبالــة وقشــر البرتقــال والمــوز واليوســفندي اآلتــي البــد مــع كل زيــارة. وهنــاك ..فــي تمشــيتها هــذه كانــت ســكينة تخــزن وتنقبــض وتحــس أنهــا مظلومــة ،وأن ال بــد ثمــة خطــأ فــي الكــون جعلهــا تبقــى بغيــر زوار ..إن أخاهــا باســتطاعته أن يخطــئ مــرة ويزورهــا ..وكــم زارت هــي إخوتهــا وبنــات خاالتهــا وكان واجبهــم فــي هــذه الحالــة أن يــردوا الزيــارة ..مــاذا حــدث وقســاها؟ مــاذا حــدث حتــى نســيها الجميــع هكــذا ونســوا أنهــا فــي مستشــفى؟ جمــد قلوبهــم ّ حتــى ّ مــاذا حــدث حتــى تنقطــع صلتهــا هكــذا بعائلتهــا وأقربائهــا وحتــى بصديقاتهــا وبالدنيــا كلهــا؟ لــم تكــن تــدري ..حتــى مجــرد إرســال خطــاب ..مــا أرســل لهــا أحــد خطا ًبــا أو بعــث بســام. إحســاس لــم يكــن يشــاركها فيــه أحــد ..كانــت أعمــق أعمــاق قلبهــا هــى التــي تكتئــب وتخــزن دائمــا بابتســامة ال فــرق بينهــا فقــط ..أمــا كل مــا علــى الســطح مــن وجــه ومالمــح فقــد كان يلتــف ً وبيــن مئــزر الصــوف الــذي تتلفــع بــه. وطالــت المــدة ،ثالثــة أشــهر ..وأربعــة وخمســة ،والمرضــى يتغيــر معظمهــم حتــى لــم يبــق مــن القدامــى ســوى جارتهــا سمســمة .والوضــع علــى مــا هــو عليــه ..وضــع عجيــب وغريــب .فهــي 127 كتاب النصوص للصف احلادي عشر صحيــح ضائقــة بالمستشــفى والبقــاء فيــه تريــد بشـ ّـق النفــس أن تخــرج وتغــادره ..ولكنهــا فــي نفــس الوقــت وإذا مــا ســألت نفســها ال تعــرف أبــدً ا لمــن وإلــى أيــن تذهــب ومــاذا بالضبــط ســتفعل.. لقــد كانــت قبــل دخولهــا تحيــا مــع أخيهــا تخدمــه فــي انتظــار أن يتــزوج هــو أو يأتيهــا هــي عريــس، ولكنهــا مرضــت وكانــت تقضــي الليــل كلــه تنهــج وتكــح حتــى ضــاق بهــا األخ وانتهــز أول فرصــة وأدخلهــا المستشــفى ..ربمــا كــي ال تعالــج بقــدر مــا يتخلــص منهــا ومــن حشــرجات أنفاســها .بــل إنهــا ســمعت أنــه بعــد دخولهــا المستشــفى تــزوج وعــزل مــن البيــت .وشــقيقاتها كلهــن متزوجــات، وهــى ليســت جميلــة حتــى يرحــب بهــا زوج أي أخــت ..بــل لقــد ذبلــت وكبــرت حتــى علــى الــزواج فإلــى مــن تذهــب وإلــى أيــن؟ وضــع عجيــب وغريــب فهــي ضائقــة بالمستشــفى ضي ًقــا ال حــد لــه، أيضــا ،كالســجين الــذي ومستســلمة لهــذا الضيــق والحيــاة فــي المستشــفى استســا ًما ال حــدّ لــه ً يتــوق إلــى الخــروج مــن الســجن إلــى الحيــاة والحريــة ،ولكنــه حيــن يــدرك أنــه إذا خــرج فلــن يعــرف مــاذا وال كيــف يفعــل بحريتــه تلــك يستســلم للســجن .ويــكاد يجــن بيــن الضغطيــن. تفكيــرا جد ًّيــا أو تدبــرت مــا ولــم تــأت المســألة فجــأة ..بــل وإلــى اآلن لــم تفكــر فيهــا ســكينة ً فعلــت ،ولكنهــا هكــذا جــاءت ..سمســمة كانــت زوجــة أحــد المعلميــن الكبــار الــذي ال يقــل عــدد أقربائهــم وأنســبائهم وأوالدهــم ونســائهم وبناتهــم عــن المئــات بــأي حــال مــن األحــوال ،ولهــذا كان ال يمــر يــوم دون أن يــزور سمســمة ال أقــل مــن خمســة أو ســتة زوار .ويــوم العطــات واألعيــاد يرتفــع الرقــم حتــى يــكاد يصــل إلــى الخمســين ..وكان يبــدو علــى سمســمة أنهــا فــي الوقــت الــذي تعتــب فيــه علــى فالنــه الفالنيــة ألنهــا لــم تزرهــا ،مــا يــكاد الــزوار يغادرونهــا حتــى تلهــث تع ًبــا وحتــى تغمغــم ببرطمــة ال يفهــم منهــا ســوى الضيــق الشــديد بالزيــارة والــزوار ،والمســألة بــدأت بــأن راحــت ســكينة تســأل سمســمة عــن الــزوار إذا قدمــوا مــن هــم ،ومــا هــي درجــة قربهــم لهــا، ومــاذا يشــتغلون؟ ولــم يكــن األمــر مجــرد ســؤال ..دأبــت ســكينة علــى مالحظتهــم بدقــة ومعرفتهــم باالســم حتــى لتطفــح الســعادة مــن وجههــا حيــن تقــول لسمســمة بعــد خــروج زائــر: (مش ده مصطفى ابن خالتك اللي بيشتغل في السكة الحديد)؟فتبهت سمسمة وتقول: عرفك)؟ -ال ّله( ..وأنتي إيه اللى ّ حينئــذ تحــس ســكينة الناحلــة الهادئــة الســاكنة بســعادة داخليــة ال حــد لهــا ..غيــر معقــول بالمــرة أو 128 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ مقبــول ،فقــد أصبحــت لمجــرد أنهــا عرفــت الزائــر وخمنتــه ،جــاء تخمينهــا بالضبــط مطاب ًقــا للحقيقة. ولكــن هــذه الســعادة -بالتكــرار -لــم تعــد تحــدث ،ووجــدت ســكينة نفســها مدفوعــة إلــى خطــة أخــرى كــي تحــس بنفــس ســعادتها الســابقة .فبــدأت تقــدم مســاعدات ،وتســرع ً مثــا وتحضــر كراســي لــزوار سمســمة -أو إذا أرادت األخيــرة أن تعــزم عليهــم بالقهــوة أو الشــاي أو الغــازوزة- أســرعت ســكينة إلــى البوفيــه تحضــر الطلبــات بنفســها .وكانــت سمســمة تأخــذ األمــر فــي أولــه باعتبــار أنــه نــوع مــن الطيبــة مــن ســكينة ال أكثــر ،ولكنهــا بــدأت تعجــب فعـ ًـا وقــد راحــت ســكينة تقــوم بأعمــال غيــر معقولــة أبــدً ا ..تأخــذ األطفــال مــن األمهــات الزائــرات وتداديهــم أو تذهــب بهــم إلــى دورة الميــاه ..وتلعــب مــع األبنــاء الكبــار وتقــول لهــذا الزائــر ..والنبــي وحياتــك بقــى ســلم علــى فالنــة وفــان وكأنهــم أقرباؤهــا هــي. بــدأت سمســمة تســتعجب ،وسمســمة لــم تكــن ســهلة وال طيبــة وال مســكينة أبــدً ا .إنهــا جهنــم زودتهــا فــي نظرهــا الحمــراء إذا انفتحــت وإذا رأت فــي األمــر مــا يريــب ..وكانــت ســكينة قــد ّ كثيـ ًـرا وبشــكل أصبــح ال تفســير لــه وال تبريــر ،تجلــس مــع األقربــاء واألصهــار طــوال الزيــارة وال تغادرهــم للحظــة وكأنهــا منهــم وعليهــم ،يتحدثــون عــن أدق أدق أمورهــم العائليــة الخاصــة فــا تخجــل وال تبتعــد .بــل أكثــر مــن هــذا تهتــم بهــا وتناقشــها مناقشــة المتحمــس الغيــور ،وتبــدي اآلراء أيضــا ..وتنتظــر سمســمة علــى أحـ ّـر مــن الجمــر أن «تحــس» ســكينة مــرة فتقــوم أو تغــادر الفــراش.. ً أو علــى األقــل تولــي انتباههــا إلــى الناحيــة األخــرى بــا فائــدة ،إذ كانــت ســكينة ال تفعــل شــي ًئا أيضــا تتحــدث وتع ّقــب وتحــاول مــن هــذا أبــدً ا ،بــل تظــل طــوال الجلســة بأكملهــا وبعــد الجلســة ً أن تدخــل سمســمة فــي أخــص الشــؤون وفــي الغويــط ..وسمســمة تكظــم وتكظــم .فصحيــح أن ســكينة تتدخــل ولكنهــا تفعــل هــذا وهــي راقــدة فــي فراشــها نفســه ال تغــادره ،وعلــى العكــس إن زوارهــا هــم الذيــن يجلســون علــى فــراش ســكينة وبهــذا يعطونهــا الفرصــة لالندمــاج والتدخــل. بــل تطــور األمــر إلــى مــا هــو أكثــر ،وبــدأت ســكينة تقتنــص زائــر أو زائــرة مــن الجالســين علــى فراشــها وتنخــرط فــي حديــث ال ينقطــع معــه أو معهــا بحيــث تنتهــي الزيــارة وهــم لــم يتبادلــوا كلمــة واحــدة مــع قريبتهــم سمســمة ،وكأنهــم جــاءوا لزيــارة ســكينة أصـ ًـا. ولقــد تكــرر األمــر مــرة مــرة وسمســمة صابــرة تكظــم ،إلــى أن كان هــذا اليــوم الــذي قــررت أن تنفجــر فيــه .وهكــذا مــا كاد آخــر زائــر فــي يــوم الزيــارة يخــرج ويفــرغ العنبــر محتوياتــه المكتظــة 129 كتاب النصوص للصف احلادي عشر كقطــار وصــل إلــى محطــة النهايــة ،حتــى التفتــت سمســمة إلــى ســكينة التفاتــة حــادة وقالــت بصوت بالــغ العلــو: (بقى) اسمعي يا...واحتــارت قليـ ًـا ..أتقطــع العشــم والعالقــة والعيــش والملــح مــرة واحــدة وتقــول يــا بــت يــا ســكينة، أم تكتفــي بنهرهــا وتقــول يــا ســكينة فقــط؟ فــإذا قالــت لهــا يــا ســكينة فكيــف تســتطيع أن تصــب عليهــا بهــذه البدايــة مــا يتفجــر بــه صدرهــا الضخــم العالــي األســمر مــن غضــب وضيــق؟ احتــارت ســكينة وكأنمــا لتزيــد برؤيتهــا لهــا جرأتهــا وعنــف انفجارهــا ..كانــت قــد قــررت أن توقفهــا عنــد حدهــا وأن تنذرهــا بأنهــا إذا اســتمرت فــي اقتنــاص زائــر أو أكثــر مــن زوارهــا هكــذا فســوف تمرمــط األرض بزوارهــا -زوار ســكينة إذا جــاؤوا -والعيــن بالعيــن والســن بالســن والبــادى أظلــم. صوبــت سمســمة عينهــا إلــى ســكينة لتجدهــا راقــدة فــي ســريرها نصــف مغطــاة الجســد تحملــق أمامهــا كمــن يجتــر ذكــرى لحظــة ســعيدة مرت..وفجــأة اكتشــفت سمســمة الجهنميــة أن تهديدهــا الــذي يــكاد يفلــت مــن فمهــا ال معنــى لــه بالمــرة .أجــل هكــذا ..فــي ومضــة مفاجئــة اكتشــفت سمســمة أن ســكينة ال يأتيهــا زوار وال ينتظــر أن يأتيهــا أحــد ..وهكــذا بعــد أن كانــت قــد اســتدارت واســتدار الســرير الســتدارتها ،وقالــت( :بقــى) اسمعي يا.... وحيــن التفتــت ســكينة بدهشــة ونــوع مــن الذعــر تســأل :نعــم يــا ســت سمســمة؟ لــم تغيــر سمســمة رقدتهــا وال رفعــت عينيهــا عــن وجــه ســكينة ..كل مــا فــي األمــر أن صوتهــا انخفــض فجــأة حتــى كاد ال يســمع. وقالت: (ال ه) ...وال حاجة( ..ده كلمة كده وعدت).قالــت هــذا وهــي ترمــق الفتــاة بعينيــن مشــتتتين فــوق وجههــا يــكاد يطفــر منهمــا الدمــع ..وظلــت مثبتــة عينيهــا فــوق وجــه ســكينة ال ترفعهمــا ،وكأنهــا تراهــا ألول مــرة ..رفيعــة نحيلــة مقطوعــة مــن شــجرة. 130 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ احلرب واجلوع َّ الشيخ عبدال ّله العاليلي الكآبــة! إنهــا ّ كل طفولتــي .وال تعجــب فقــد اتفــق وكنــت أيــام الحــرب العالميــة األولــى ،أشــهد وأبصــر ِمقصلــة الجــوع ،فــا بــدع أن ت َغ َّشـتْني الكآبــة َّ وتفشــت فــي أعماقــي ال كســديل أو ســتار ،بــل ِ كقمــاط يل َت ّفنُــي مــن أنحائــي. رأيــت الهــول المجســم فــي الطرقــات واألز ّقــة ،وأبصــرت بمشــاعري كلهــا ،حتــى انقلبــت -كمــا َح ِســبتُني -ولســت إالّ عينًــا ،جاحظــة ،بــل ليــس القتــل والقتــال شــي ًئا بالنســبة إلــى مــا كنــت أرى، ِ ـع القتــل. فــإرادة القتــل فــي الحــروب تخ ّفــف َو ْقـ َ أ ّمــا حـ َّـز ُة األلــم الحقيقــي فتكمــن فــي المســغبة ،فــي الجــوع الــذي ال يفتــأ يطعنــك ،وأنت ال تســتطيع لــه دف ًعــا ،بــكل نصالــه ،ليعــود فيطعــن ويطعــن ،كمعاصــر هائلــة تــدور أســنانها علــى أشــاء ح ّيــة، ِ ـاح وهكــذا دواليــك. ـدوا ـاح مســا َء لمســاء صبـ َ ورواحــا ،صبـ َ ً وتظـ ّـل ماضيــة ُغـ ًّ مجــازا ،ألن الــذي رأيــت فــي الحقيقــة :كان موم ِ يــات رأيــت أطفــاالً وأ ّمهــات أدعوهــم كذلــك ً َ جــوعٍُ ،تـ ْـزري بــكل مــا أبدعــت ريشــة «رمبرانــت» الهولنــدي ومــا أعطــت ريشــة «هولبيــن» األلمانــي فــي تحفتــه «رقــص المــوت» ،ومــا جــرت بــه ريشــة «روبنــز» (الفلمنكــي) .أقــول هــذه الريشــات مجتمعــة تعجــز عــن نقــل َم ْر ِئ ّي َاتــي ،بـ ِّ الرعــب فــي أخاديدهــا الغائــرة .وأقـ ّـل ـكل ارتســامات تكشــيرة ُّ مــا انحفــر عمي ًقــا فــي ســرائري ،منظــر فتــى اتفقــت لــه ُلقيمــة أســرع إليهــا َف ُمــه وللحظتــه اقتحــم علــى ـم آخــر والتزمــا عليهــا لينفـكَّا ٌّ وكل فــي فمــه َشـ َف ُة اآلخــر يمضغهــا مشــفوعة بدمعــة ،ال أدري فمــه فـ ٌ أدمعــة تـ ٍ ـرح كانــت أم دمعــة فــرح .فالــذي ظـ َّـل فــي غائمــة وعيــي أنّهمــا كانــا يمضغــان ويبكيــان. 131 كتاب النصوص للصف احلادي عشر نامي ليستيقظ الدمع ويحكي عبد العزيز الفارسي رأيت اجتماعهم ُقبيل الظهيرة ،ساقني حدسي إلى الموت. لحظة ُ درس الوجــو ُه الصارمــة ،باللحــى المسترســلة علــى الصــدور تمــأ مســجدنا فــي حادثيــن ال غيــرٌ : ٍ ٍ وشــممت رائحــة صالحــا. رجــل نحســب ُه مــوت عابــر للقــارات ،أو بعــد صــاة العشــاء إلمــا ٍم ُ ُ ً الكافــور ،ودهــن العــود واألكفــان الجديــدة وكلــي يقيـ ٌن أنهــا تنبعـ ُ ـث مــن ذاكرتــي ..وذاكرتــي فقــط. وتر ّكــزت ُخطبــة الجمعــة حــول األلــم ،والحمــى ،واألمــراض واألجــور األخرويــة المترتبــة عليهــا. ـج المــوت وأنــا فــي حدســي أطــوف وأســعى بيــن الكافــور ودهــن العــود وبيــاض األكفــان .أعالـ ُ المباغــت بالكبريــاء. « ســيدي المــوت :إن جئــت علــى غفلـ ٍـة فمرح ًبــا بــك ،وإن اســتأذنت بمــرض ُعضــال فعلــى الرحــب المطلــق». والســعة .ولــن أردك .ال ح ًبــا ،ولكــن رغبـ ًة فــي معرفــة ُ ـألت الــذي عــن شــمالي .كان ُيذيــل ُدبــر صــاة الجمعــة باالســتغفار رغبـ ًة فــي اختبــار الحــدس ،سـ ُ ـت« :أمــات أحــد؟». والتســبيح .همسـ ُ أومــأ باإليجــاب« :شــريفة»َّ .. ـدف ـح علــى يــدي ،وتســاقطت مــن أضلعــي ُنـ ُ فتهشــم الرمــش الذبيـ ُ األســى.. تقبــض األرواح هنــا ،وهنــاكِ .. فلــم قبضــت روح شــريفة فــي أرض « ســيدي :ألســت نفســك ُ الغربــاء؟! ..غربتــان يــا مــوت؛ عــن أرض األهــل وغربتــك .أفتجمعهمــا؟ .ال أنهــرك يــا غريــب.. ال ننهــرك يــا غريـ ِ ـب. وتســاقطت ذكــرى الغيــاب مدائــن ،طــوت الرحيــل بأعيــن متر ّقبــة لــم تكــن ثمــة رائحــة للكافــور ،أو خضــب لحيتــه بالحنــاء: دهــن العــود ،البيــاض رائحــة جثمانهــا الــذي اصطففنــا خلفــه .قــال إمــا ٌم ّ « نصلــي أربــع تكبيــرات علــى الميتــة .بعــد األولــى نقــرأ الفاتحــة .بعــد الثانيــة نقــرأ الصــاة اإلبراهيميــة .بعــد الثالثــة ندعــو للميتــة .بعــد الرابعــة»... 132 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ القلب ما تبقى « :ندعو لما تبقى من أرواحنا ،ثم نُس ِّلم ». وأكمل ُ « ال ّله أكبر ». ـب زوجتــي إذا ســألت عــن عمــر الميــت وأجبتهــا « :أصغــر منــا بكــذا ســنة أو أكبــر منــا بكــذا تغضـ ُ ســنة » .تصــرخ « :قــل ُعمــر الميــت ُمجـ ّـر ًدا مــن أي مقارنـ ٍـة بأعمارنــا » .لكــن إن ســألت عــن عمــر ـبق إصــرار « :أصغــر منـ ِ شــريف َة التــي لــم تكمــل الثالثيــن ..ســأقول بسـ ِ ـك بخمــس ســنين ». « ال ّله أكبر » قالــت شــريف ُة يو ًمــا ـ قبــل أن أهجرهــا لفــرط غبائــي ـ تحدّ ثنــي عــن نكهــة الفقــد « :أكــره المــوت مريضــا قبــل موتــه .أريــدُ فقــد أحبتــي كمــا كانــوا شــامخين ضاحكيــن بهامــات الضعيــف ،ولــم أزر ً ورؤوس تعانــق الشــمس » .لــذا لــم أزر شــريفة فــي مرضهــا ،وأتذكرهــا اآلن فقــط ضاحكـ ًة بشوشــة. « ال ّله أكبر » الدعاء للميتة :ربي ..هذه شريفة.. ربي ..هذه شريفة.. ربي هذه........ « ال ّله أكبر » السالم عليكم ورحمة ال ّله... خضــب اللحيــة :لــم اســتعجلت بالســام ولــم تتــرك لنــا فرصــة الصــاة علــى أنفســنا؟ .يــا يــا ُم ّ ُم َخ ّضــب اللحيــة ..يــا إمــام :أتضمــن وجــود مــن يدعــو لــي بعــد المــوت؟ قيــل عــن جنــازة المؤمــن إنهــا خفيفــة فــي الحمــل ،ســريعة فــي الوصــول إلــى القبــر .والجنــازة ـتلمت الجانــب األمامــي األيمــن للنعــش ألتحســس وزن شــريفة .قالــت: تنطلـ ُـق فــي هرولــة .اسـ ُ ونكســات أحملهــا بيــن « وزنــي خمســ ٌة وأربعــون كيلوغرا ًمــا ..خمســ ٌة لــي ،واألربعــون همــوم ٌ أضلعــي » .وزن شــريفة اآلن خفيــف .ربمــا كان خمســة كيلــو غرامــات .شــريفة :أيــن تركــت الهمــوم والنكســات؟!! 133 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ـي كان القبـ ُـر جاهـ ًـزا .دسسـ ُ ـت نفســي بيــن األكتــاف المتراصــة أللقــي نظــرة علــى الداخــل .قــال صبـ ٌ ـت بالكلمــات لجــده« :يــاااااااه .عميــق» .رد الجــد« :لــو مــا مكرهــن ..مــا غـ ّـرزوا قبرهــن» ..غصصـ ُ ـت للخلــف. فتراجعـ ُ الغبــار يخنـ ُـق وجــه الشــمس ،واتخــذ بعــض الرجــال ظــل الســدر مــا ًذا حتــى وضــع الجثمــان فــي اللحــد واإلغــاق عليــه .فيمــا توافــدت بعــض الســيارات إلــى بــاب المقبــرة ،جــاء بهــا مــن تخ ّلــف عــن الجنــازة ،ومــن قــرر توفيــر الســيارات لــدرب العــودة بعــد الدفــن. ـوت بنــا؟! .ال شــيء .ال شــيء» .كنــا نعالــج الحــر بالبوظــة قالــت شــريفة ذات وهــج« :مــا يفعــل المـ ُ أنفاســا عميقــة .لــم تســمعني اآلن لقلــت« :هــذا مــا يفعــل المــوت» ،وألشــرت المث ّلجــة ونسـ ُ ـحب ً إلــى عــدد مــن كبــار الســن قــد افترشــوا التــراب وجلســوا يســردون أخبارهــم .بعضهــم تنــاول أعــوا ًدا يابســة وصــار يخطــط بهــا فــي وجــه األرض.. «أيهــا المــوت الغريــب ..أيهــا المــوت الغريــب .ذابــت احتماالتنــا كالبوظــة فــي حــر الصيــف. ســالت وتخ ّلصنــا منهــا .تمنينــا لعــق مــا تبقــى مــن البوظــة واالحتمــاالت علــى اليديــن .لكننــا خجلنــا .كابرنــا .ربمــا»... خــرج أبوهــا مــن القبــر .تبعــه ولــداه .أحدهمــا يبكــي واآلخــر يتأمــل الوجــوه .أمــا األب فقــد بــدا صار ًمــا .زارتــه النوبــة القلبيــة قبــل شــهر ودخــل العنايــة يوميــن .قــال لــه الطبيــب :أربعــون فــي المائــة ..هــذا احتمــال وفاتــك خــال شــهر مــن اآلن ..وإن نجــوت فــإن هناك نســبة تقارب العشــرين بالمائــة ..هــي احتمــال وفاتــك خــال ســنة .هــذا مــا تقولــه إحصائيــات األزمــات القلبيــة فــي أنحــاء العالــم .مـ ّـر شــهر وســقطت العشــرون بالمائــة األولــى .قبــل انقضــاء العشــرين بالمائة األخيــرة ماتت ابنتــه التــي يع ّيــر بهــا ولديــه :بشــريفة فقــط أرفــع رأســي ..أمــا أنتمــا فــا فائــدة أرجوهــا منكمــا .هكــذا قــال يــوم تفوقــت. ٍ واحد يهيل ثالثة كفوف ويفسح لغيره كي يأخذ األجر». «أهيلوا التراب .كل تسابقوا إلهالة التراب على اللحد .ارتفعت كومة الغبار عال ًيا. أغضمت عيني وأهلت التراب.. ُ 134 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ «شريفة ..ما أقول للغياب؟ ما أقول للغياب؟!» ٍ خطوة فينا .لك ألف خطيئة .فمتى يا غياب تؤوب؟» ألف «لك ُ نفضوا أياديهم من الغبار ،ولم أنفض يدي. تقدّ موا لتقبيل أبيها وأخويها.. «الصبر ..الصبر يا جماعة» «ع ّظم ال ّله أجركم» ـت إلــى أبيهــا ،احتضنتــه بصمــت ،ثــم تواريــت .ركبــوا ســياراتهم وتركــوا القبــر الرطــب. ويــوم تقدّ مـ ُ ـيت أجرجــر المرثيــة ،وأبحـ ُ ـث عــن كلماتهــا .لــك المطلــق اآلن يا شــريفة .لــك المطلق، وحــدي مشـ ُ ولــي أســاور مــن تمـ ّن ،تز ّيــن االنتظــار الكئيــب. «ســيدي المــوت :إن جئــت علــى غفلـ ٍـة فمرح ًبــا بــك ،وإن اســتأذنت بمـ ٍ ـرض ُعضــال فعلــى الرحــب المطلــق». والســعة .لــن أردك .ال ح ًبــا ،ولكــن رغبـ ًة فــي ُ ذرعــت فنــاء الــدار عشــرين مــر ًة فــي انتظــاري. وصلــت البيــت. كانــت زوجتــي غاضبــة حيــن ْ ُ ـت« :أيــن كنــت؟! .لقــد أخفتنــي .مـ ّـر علــى انقضــاء صــاة الجمعــة ســاعة ولــم تــأت .ومــا صرخـ ْ ـت: ـت إلــى المنــزل .قلـ ُ هــذا التــراب فــي يديــك؟» .دلفـ ُ -كنا ندفن شريفة. ادفـ ِـن مــن تريــد ،ولكــن أخبرنــي أنــك ســتتأخر عــن القــدوم .قتلتنــي مــن االنتظــار .أيــن جهــازك الن ّقــال؟ هنــا فــي البيــت ،ألــم يكــن ممكنًــا أن تتصــل مــن هاتــف زميلــك لتخبرنــي عــن تأخــرك؟ ..ثــم مــنشــريفة هــذه؟ ِ ٍ ألخــذ حمــام أنــاس ال تعرفهــم .هيــا ادخــل تعــودت منــك الجــري خلــف جنائــز تصمــت؟!. ُ وانفــض عنــك هــذا التــراب. 135 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ـحت بهمــا علــى صــدري. ـت يــدي المغبرتيــن .مسـ ُ ـت إلــى مكتبــي وتأملـ ُ لــن أنفضه!!!..دخلـ ُقالــت شــريفة فــي احتيــاج« :أريــد البــكاء علــى كتفــك». ٍ لخوف مألني« :أخشى أن تجرح رموشك كتفي». رافضا ُ قلت ً لم تبك ،اآلن والغبار على هذا الصدر أنادي شريفة« :نامي ..ليستيقظ الدمع ويحكي». 136 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ الناسك احلكيم الروسي (ليو تولستوي) للكاتب ّ خطــر مــرة ألحــد الملــوك خاطــر عابــر مــأ عقلــه ،فشــغله عــن كل امــرأة ..حبــذا لــو عــرف ذلــك الملــك لــكل عمــل ميعــاد عملــه األنســب .ثــم لــكل عمــل فــي ميعــاده رجلــه األنجــب ،إ ًذا لظفــر صعــدا إلــى ذروة المجــد والخلــد فــي كل مــا يــدور بالخلــد مــن أعمــال الملــك بيــن النــاس! وتشــبث الملــك بخاطــره ..فــأذاع األمــر بيــن عســاكره .وذهــب العســكر إلــى دســاكر المملكــة ومدنهــا ينــادون :يــا أصحــاب العلــم وطــاب الحكمــة ،لقــد تعطــف الملــك فوعــد بأثمــن الجوائــز لمــن يجيــب عــن هــذا الســؤال :مــن يكــون أنســب الرجــال ألنســب األعمــال فــي أنســب األوقــات! وتدفــق العلمــاء علــى ســاحة الملــك يتدافعــون ويدافعــون كل عمــا ارتــآه ..ويــا أكثــر مــا ســمع فريــق يقــوم قائـ ًـا :إن أنســب األوقــات إنمــا يمكــن معرفتــه بقائمــة يكتــب اإلنســان فيهــا األيــام والشــهور واألعــوام ..ويظــل متتب ًعــا إياهــا ال تفوتــه مــن أحداثهــا شــاردة ..وال واردة .وهكــذا ال يفتــأ يط ّبــق ً متخــذا مــن حــوادث الزمــن عبرتــه فتصــدى ألصحــاب هــذا الــرأي َمــ ْن حاضــره علــى ماضيــه. يقــول :ومــا لنــا نظــل غارقيــن بأنفســنا فــي اعتبــارات الماضــي ..نســتوحيها ونســتلهمها .وفــي ـارا ،فمــا علــى اإلنســان إال أن يجلــس وينظــر حــوادث الحاضــر ومــا هــو أول عبــرة .وأجــل اعتبـ ً حواليــه فيمــا يــدور مــن أحــداث .ومــن ثــم يســتتبعه ،ويســتوعيه ويســتخرج منــه أنســب األوقــات ألي عمــل مــن األعمــال! فــإذا فريــق ثالــث ينهــض متسـ ً ـائل :وهــل يمكــن لإلنســان أن يتتبــع كل مــا يــدور حولــه مــن حــوادث الزمــان .لعمــر الحــق إن الــرأس ال تعــرف فــي العلــم مــن يــأس .ولكــن إقنــاع اليــأس مــن بلــوغ شــيء والبلــوغ نفســه شــيء آخــر ،فمــا أحــوج المــرء الضعيــف لنفســه ،والقليــل بمحتويــات رأســه، أن يتخــذ لــه مشــيرين وناصحيــن ،يفتونــه ،ويدلونــه علــى أنســب األوقــات ألنســب األعمــال! ودعنــا مــن أنســب األوقــات ،فمــا هــي أنســب األعمــال يــا أحكــم الرجــال؟ هذا شيخ وقور يتقدم إلى ساحة الملك ،ويتكلم في حنكة وحكمة ً قائل: إن أنســب األعمــال هــو التعليــم ..ألن العلــم هــو النــور الــذي يتســع علــى الحــوادث ..فيضــيءأركانهــا ويكشــف مــن جوانبهــا .فــإذا ضابــط عجــوز يضــرب األرض بقدميــه فــي حميــة وحماســة 137 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ويقــول: مــا قيمــة العالــم بــا حــرب ..ومــا قيمــة الحــرب بــا أمــن؟ فعب ًثــا إ ًذا يضيــع النــاس ..أوقاتهــم إنلــم يعرفــوا أســرار الفنــون الحربيــة ومتاهاتهــا. ولكن أال نستمع إلى هذا الالبس المسوح يتقدم في هيبة الكهنوت ويقف ً قائل: لقــد شــغلتم الدنيــا يــا أبنــاء النــاس عــن دينكــم .ومــا أحــوج الــروح الخالــدة فيكــم إلــى التغلــبعلــى أجســادكم الفانيــة ..فليــس أكثــر خيـ ًـرا مــن مزاولــة الطقــوس الدينيــة ..وال أنســب مــن إقامــة شــعائر ال ّلــه. والســؤال الثالــث :مــن هــم أحكــم الرجــال الــذي هــم أجــدى بــأن يقلدهــم الملــك مقاليــد األمــر.. ويســتمع إلــى نصحهــم ..وحكــم قولهــم فــي كل أمــر .أال يكونــون هــم العلمــاء ..أم األطبــاء ..أم أنهــم الكهنــة ..أم أن الملــك بــا جنــد كطائــر بــا جنــاح ..وإذا فهــم الجنــود. اختلفــت األقــوال وتضاربــت اآلراء .فمــا اقتنــع الملــك بقــول ..وال أرضــاه رأي ..وهــو يتلهــف شــو ًقا إلــى إجابــة مــا خطــر لــه مــن ســؤال .ولكــن آه ،مــا أكثــر مــا ينســى الملــك ويســهو أن فــي الغابــة ناسـكًا ..كــم قالــوا إنــه حكيــم وناقــد الفكــر ..وإ ًذا فهــو صاحــب الــرأي وليســأله الملــك. وتنكــر الملــك فــي زي فــاح ســاذج .وخــرج إلــى الغابــة إلــى حيــث يعيــش الناســك الحكيــم فمــا بلغــه هنــاك فــي دغلــة مــن األحــراش .وجــده أمــام كوخــه مك ًبــا علــى األرض يحفــر بفأســه ..فحيــاه الملــك فــرد التحيــة متأد ًبــا ثــم عــاد إلــى عملــه ،ال يــكل وال ينــي.. وكان الناســك نحي ًفــا ضعي ًفــا ..وكل مــرة يرســل فيهــا الفــأس إلــى األرض .ويخــرج مــن صلبهــا متفرســا فــي شــهيق وزفيــر طويليــن .ثــم يعــود فيضــرب فــي األرض بعــض التــراب .يقــف هنيهــة ً فأســه. واقترب الملك منه ً قائل: -إننــي قــد أتيــت إليــك ..أيهــا الناســك الحكيــم لكــي تدلنــي علــى ثــاث مســائل حيرتنــي :فمــا هــو أنســب وقــت لــكل عمــل؟ ومــا هــو أنســب عمــل لــكل وقــت؟ ثــم مــن هــو أنســب الرجــال ليركــن إليــه المــرء فــي تصريــف أمــره؟ 138 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ فأنصــت الناســك إلــى الملــك ..ولكنــه لــم يجــب ..بــل لــم يلبــث أن عــاد للحفــر ال ينــي :فقــال لــه الملــك: -إنــك علــى مــا يبــدو متعــب ..فدعنــي آخــذ الفــأس منــك ..وأعمــل بعــض الوقــت عنــك .فشــكره الناســك وناولــه الفــأس .ثــم اســتلقى علــى األرض يســتريح .ومــا ضــرب الملــك الفــأس ضربتيــن حتــى توقــف .وأعــاد علــى مســمع الناســك أســئلته ..ولكــن الناســك ظــل صام ًتــا .ومــد يــده يريــد الفــأس وهــو يقــول يمكنــك أن تســتريح هنيهــة ودعنــي أعمــل. ولكــن الملــك لــم يعطــه الفــأس وراح يضــرب ،والحفــرة فــي األرض تتســع .ومــرت ســاعة.. ثــم أخــرى ،إلــى أن اكفهــرت الشــمس ..وبــدأت تغــوص خلــف األشــجار .فألقــى الملــك أخيـ ًـرا بالفــأس علــى األرض وقــال: مصممــا أالّ جــواب :فقــل لــي جئــت إليــك أيهــا الرجــل ..لكــن تجيــب عــن أســئلتي .فــإن كنــتً حتــى أعــود! فتلفت الناسك إلى بعيد وقال: راكضا ..فدعنا ن ََر ُه من يكون. ها هو شخص يأتي ًـم كلتــا يديــه علــى أحشــائه ونظـ ًـرا الملــك فــرأى رجـ ًـا ملتح ًيــا ..يجــري إلــى داخــل الغابــة ،وقــد ضـ ّ ودمــاء غزيــرة تســيل منــه ..ولمــا ســقط علــى األرض مغشـ ًيا عليــه ،فأســرع إليــه الملــك ورفــع عنــه رداءه فــإذا بجــرح كبيــر قــد انشــق فــي جســمه .فأمســك الملــك بالجــرح وغســله بالمــاء وطهــره علــى قــدر مــا اســتطاع وربطــه بمنديلــه. ولكــن الدمــاء مــا تفتــأ تســيل وتنفجــر .فمــا زال الملــك يضمــد الجــرح حتــى أخــذ ســيل الدمــاء منــه يهــدأ شــي ًئا فشــي ًئا ..ثــم انقطــع. ـاهما حواليــه .فلمــا رأى الملــك ..طلــب منــه فــي وحينئــذ أفــاق الرجــل مــن غيبوبتــه ..وتلفــت سـ ً ضراعــة شــرا ًبا يبــل بــه جفــاف حلقــه فأســرع الملــك ومــأ كــوب مــاء وســقاه .وكانــت الشــمس إذ ذاك ســقطت فــي وحــدة األفــق ..وترطــب الجــو بنســمة البحــر ..فحمــل الملــك والناســك الرجــل الجريــح وأدخــاه فــي جــوف الكهــف ،ومــدداه علــى الفــراش وأســبال عليــه مــن أرديتهــا مــا يكفــي 139 كتاب النصوص للصف احلادي عشر لبعــث الــدفء فيــه ..فأغلــق الرجــل عينيــه وغفــا. وكان الملــك قــد أرهقــه الســير وأنهكــه العمــل طيلــة هــذا اليــوم العجيــب ،حتــى إنــه اســتلقى علــى األرض ونــام أعمــق نــوم عرفــه فــي حياتــه طــول الليــل حتــى الصبــاح! وفــي الصبــاح اســتيقظ الملــك ويــا لدهشــته ..إذ ألقــى نفســه فــي هــذا المــكان الموحــش المقبــض، ولكنــه عــاد بعــد قليــل ،فتذكــر الناســك وكهفــه .ثــم هــذا الرجــل ذا اللحيــة الــذي رآه الســاعة يحــدق فيــه النظــر بعينيــن براقتيــن .وإذ رأى الرجــل الملــك قــد تنبــه إلــى أنــه يمعــن فيــه النظــر .قــال لــه بصــوت ضعيــف أن اغفــر لــي .فقــال الملــك: أنا ال أعرفك يا صاح ..وليس ثمة ما أغفر لك من أجله.فأجاب الرجل: أنــت ال تعرفنــي ..ولكنــي أنــا أعرفــك ..أنــا عــدوك الــذي أقســم لينتقمــن لنفســه منــك يــا مــنقتلــت أخــاه .وســرقت أموالــه ودمــرت بيتــه شــر تدميــر .وهــا أنــا قــد عرفــت أنــك ذاهــب وحــدك لتعــود الناســك فأصــررت ألقتلــك عنــد عودتــك وتربصــت وانتظــرت .فخرجــت حان ًقــا أهيــم باح ًثــا علــي انقضــاض الوحــوش الكواســر عنــك .حتــى صادفنــي بعــض حرســك فعرفونــي وانقضــوا ّ جرحــا ممي ًتــا ...فجاهــدت حتــى تخلصــت منهــم وهربــت إلــى أحــراش حتــى خلفــوا فــي جســمي ً ـي فضمــدت جراحــي ولــو لــم تفعــل لكنــت أنــا الغــاب ...حيــث وجدتــك ..ولكنــك أســرعت إلـ ّ فــي عــداد األمــوات ..فليشــنقوني .لقــد أردت قتلــك يــا مــوالي الملــك .إن أنــا عشــت .وإن أنــت أردت فســأكون خادمــك المخلــص ..مضح ًيــا بحياتــي ..وأكــون أول المضحيــن مــن أجلــك.. وليكــن أبنائــي عبيــدك يــا مــوالي ..مــا حييــت فاغفــر لــي. فرحــا ..لتصالحــه مــع عــدوه بمثــل هــذه الســهولة ،ومــا فتهلــل وجــه الملــك بشـ ًـرا ..وامتــأت نفســه ً غفــر لــه كيــده فحســب ..بــل لقــد وعــده ليعــوض لــه مــا أصابــه مــن فقــد أخيــه .وليــرد لــه مــا ســلبه مــن أموالــه. شاكرا ..داع ًيا للملك راع ًيا حبه ووالءه. فرحا فخرج ً ً خارجــا فوجــده راك ًعــا وتلفــت الملــك حواليــه فــي الكهــف فلــم يجــد الناســك ..فغــادر المــكان ً 140 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ علــى ركبتيــه جاهــدً ا يعيــد التــراب إلــى الحفــرة التــي حفرهــا باألمــس فاقتــرب منــه وقــال لــه. للمــرة األخيــرة ..أرجــوك أيهــا الرجــل الحكيــم أن تجيــب عــن أســئلتي .فقــال الناســك ومــا زالمنك ًبــا علــى ركبتيــه: ولكنك قد أجبت عن أسئلتك.فدهش الملك وقال: أجبت عن أسئلتي ...بربك ما الذي تعني.فأجاب الناسك: أال تــرى ..إن لــم تكــن قــد أرحــت ضعفــي باألمــس .ولــم تحفــر هــذه الحفــرة لــي .ورجعــتغاض ًبــا لــكان هــذا الرجــل قــد عثــر بــك وقتلــك ...ولكنــك قــد ندمــت علــى أنــك غادرتنــي .فأهــم األوقــات إ ًذا كان عندمــا كنــت ممسـكًا بالفــأس تضــرب األرض بهــا .وكان أهــم عمــل عملتــه ..هــو أن ســاعدتني ،وفعلــت الخيــر لــي .ألنــك لــو لــم تفعلــه ،لــكان قــد أصابــك الشــر الــذي ينتظــرك وقــد كنــت أنــا أهــم األشــخاص بالنســبة لــك ...ألنــك لــم تكــن تعــرف مــن الــذي ســيصادفك مــن النــاس بعــدي .هــذا شــأنك معــي .أمــا حيــن ركــض الرجــل نحونــا فقــد كان أنســب وقــت هــو الــذي ضمــدت فيــه جراحــه ألنــك لــو لــم تفعــل لمــات الرجــل ولــم يصفــح عنــك .وإ ًذا لقــد كان الخيــر الــذي عملتــه معــه هــو أنســب األعمــال وكان الرجــل نفســه أنســب الرجــال .فتذكــر إ ًذا أيهــا الملــك أن هنــاك وق ًتــا واحــدً ا أهــم وأنســب مــن كل األوقــات .وهــذا الوقــت هــو اآلن .فــاآلن هــو الوقــت الــذي تبغــي ..ألنــه الوقــت الوحيــد الــذي نملــك .أن يكــون لنــا فيــه ثمــة قــوة .أمــا أهــم وأنســب األشــخاص فهــو الــذي تكــون معــه لحظتــك هــذه .ألنــك ال تعــرف بعــد هــذه اللحظــة مــع مــن غيــره ســتتعامل. أمــا أهــم وأنســب األعمــال فهــو أن تعمــل لهــذا الشــخص خيـ ًـرا .ألنــه لهــذا الغــرض وحــده وضعــت فــي هــذه األجســاد ..الحيــاة وخلق اإلنســان! 141 كتاب النصوص للصف احلادي عشر املغفلة الروسي (أنطوان تشيخوف) للكاتب ّ منذ أيام دعوت إلى غرفة مكتبي مربية أوالدي « يوليا فاسيلفنا » لكي أدفع لها حسابها. قلت لها: -اجلســي يــا (يوليــا فاســيليفينا) ،هيــا نتحاســب ،أنــت فــي الغالــب بحاجــة إلــى النقــود ،ولكنــك خجولــة إلــى درجــة أنــك لــن تطلبيهــا بنفســك ..حس ـنًا ..لقــد اتفقنــا علــى أن أدفــع لــك ثالثيــن (روبـ ًـا) فــي الشــهر. أربعين. -كال ،ثالثيــن ،هــذا مســجل عنــدي ..إذن تســتحقين ســتين (روبـ ًـا) ..نخصــم منهــا تســعة أيــام آحاد..فأنــت لــم تعلمــي (كوليــا) فــي أيــام اآلحــاد ،بــل كنــت تتنزهيــن معــه فقــط .ثــم ثالثــة أيــام أعيــاد. تضرج وجه (يوليا فاسيليفينا) ،وعبثت أصابعها بأهداب الفستان ولكن ..لم تنبس بكلمة! مريضــا أربعــة أيــام ولــم -نخصــم ثالثــة أعيــاد ،إذن المجمــوع اثنــا عشــر (روبـ ًـا) ..وكان (كوليــا) ً تدرســين (لفاريــا) فقــط ..وثالثــة أيــام كانــت أســنانك تؤلمــك فســمحت لــك تكــن دروس ..كنــت ّ زوجتــي بعــدم التدريــس بعــد الغــداء ..إذن اثنــا عشــر زائــد ســبعة تســاوي تســعة عشــر ..نخصــم، الباقي..هــم ..واحــد وأربعــون (روبـ ًـا) ..مضبــوط؟ احمـ ّـرت عيــن (يوليــا فاســيليفينا) اليســرى وامتــأت بالدمــع ،وارتعــش ذقنهــا .وســعلت بعصبيــة، وتمخطــت ،ولكــن ..لــم تنبــس بكلمــة! قبيــل رأس الســنة كســرت فنجا ًنــا وطب ًقــا .نخصــم (روبليــن) ..الفنجــان أغلــى مــن ذلــك ،فهــومــوروث ،ولكــن فليســامحك ال ّلــه! علينــا العــوض ..نعــم ،وبســبب تقصيــرك تســلق (كوليــا) أيضــا ســرقت الخادمــة مــن (فاريــا) الشــجرة ومـ ّـزق ســترته ..نخصــم عشــرة ..وبســبب تقصيــرك ً أيضــا خمســة.. حــذاء ..ومــن واجبــك أن ترعــي كل شــيء ،فأنــت تتقاضيــن مر ّت ًبــا ..وهكــذا نخصــم ً وفــي ( )10ينايــر أخــذت منــي عشــرة (روبــات) .فهمســت يوليــا فاســيليفينا: 142 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ لم آخذ! ولكن ذلك مسجل عندي! طيب ،ليكن.. من واحد وأربعين نخصم سبعة وعشرين ..الباقي أربعة عشر..امتــأت عيناهــا االثنتــان بالدمــوع ..وطفــرت ح ّبــات العــرق علــى أنفهــا الطويــل الجميل.ياللفتــاة المســكينة! وقالت بصوت متهدج: أخذت مرة واحدة ..أخذت من حرمكم ثالث (روبالت) ..لم آخذ غيرها.. ح ًقــا؟ انظــر ،وأنــا لــم أســجل ذلــك! نخصــم مــن األربعــة عشــر ثالثــة ،الباقــي أحــد عشــر ..هاهــيذي نقــودك ياعزيزتــي! ثالثــة ..ثالثــة ..ثالثــة ..واحــد ،واحــد ..تفضلي! ً (روبل) ..فتناولتها ،ووضعتها في جيبها بأصابع مرتعشة .وهمست: ومددت لها أحد عشر (.)Merciعلي الغضب. فانتفضت واق ًفا وأخذت أروح وأجيء في الغرفة .واستولى ّسألتها: ( )Merciعلى ماذا؟ على النقود.. ياللشيطان ،ولكني نهبتك ،سلبتك! لقد سرقت منك! فعالم تقولي ()Merci؟ في أماكن أخرى لم يعطوني شي ًئا..درســا قاسـ ًيا ..ســأعطيك نقــودك، -لــم يعطــوك؟! ليــس هــذا غري ًبــا! لقــد مزحــت معــك ،لقنتــك ً الثمانيــن (روبـ ًـا) كلهــا! هاهــي ذي فــي المظــروف جهزتهــا لــك! ولكــن هــل يمكــن أن تكونــي 143 كتاب النصوص للصف احلادي عشر عاجــزة إلــى هــذه الدرجــة؟ لمــاذا ال تحتجيــن؟ لمــاذا تســكتين؟ هــل يمكــن فــي هــذه الدنيــا أال تكونــي حــادة األنيــاب؟ هــل يمكــن أن تكونــي مغفلــة إلــى هــذه الدرجــة؟ ابتسمت بعجز فقرأت على وجهها « :يمكن !» . الصفــح عــن هــذا الــدرس القاســي وس ـ ّلمتها ،لدهشــتها البالغــة ،ال ّثمانيــن (روبـ ًـا) ك ّلهــا. ســألتها ّ فشــكرتني بخجــل وخرجــت ..وتط ّلعــت فــي إثرهــا وف ّكــرت :مــا أســهل أن تكــون قو ًّيــا فــي هــذه الدّ نيــا! 144 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ ضيوف يف الليل (توماس هاردي) كانــت األمطــار تهطــل بعــزارة ..وكانــت الريــاح تصفــر فــي ذلــك الليــل البهيــم ..تــكاد تقتلــع أكــواخ القريــة الصغيــرة ..ولكــن كــوخ المــزارع [فليفــل] كان حافـ ًـا تلــك الليلــة ..كان أهــل القريــة يحتفلــون بعيــد ميــاد ابنــة فليفــل ..كانــوا يشــربون ويأكلــون ويرقصــون علــى أنغــام القيثــارة العذبــة التــي كانــت تخنقهــا فــي الخــارج أصــوات العاصفــة الهوجــاء .ولــم يكــن يقطــع عليــه مرحهــم إال تيــار مــن الريــح العاصفــة يندفــع داخــل الكــوخ ،مــن نافــذة نســي المــزارع فليفــل يــوم أمــس أن يســعفها ببعــض المســامير عنــد حــذره أهــل القريــة مــن هبــوب العاصفــة .أماســقف ذلــك الكــوخ المســكين ،فقــد كان يســمح لنقــاط مــن المطــر أن تتســاقط علــى أرض الكــوخ برتابــة وانتظــام، مشــكلة مــا يشــبه اإليقــاع ألنغــام القيثــار الراقصــة! وقامــت الســيدة فليفــل لتنجــد نــار الموقــد التــي كاد يخبــو أوارهــا ،عندهــا ســمعت طرقتيــن متتاليتيــن ..وتوقــف الراقصــون وجمــدت أيــدي القروييــن ..قبــل أن تصــل الكــؤوس إلــى الشــفاه.. ثــم أشــار فليفــل إلــى زوجتــه التــي كانــت قريبــة مــن البــاب ..فرفعــت المــزالج ..ودخــل الكــوخ بعــد أن أحنــى رأســه شــاب طويــل نحيــف ،التصقــت ثيابــه الممزقــة بجســده المرتجــف مــن البــرد، وحــاول الشــاب أن يقــول شــي ًئا ،لكــن فليفــل فهــم كل شــيء ..كان يحتــاج إلــى الــدفء ..إلــى الطعــام ..إلــى الراحــة.. وعــاد الكــوخ إلــى مرحــه بعــد أن اســتقر الشــاب الطويــل علــى مقعــد قــرب الموقــد ،ليجفــف ثيابــه، ويدفــئ جســمه بشــرحة لحــم قدمتهــا لــه ابنــة فليفــل التــي يحتفلــون بعيــد ميالدهــا( :أال تشــاركنا حفلــة ميــادي؟) وحــاول الشــاب الطويــل للمــرة الثانيــة أن يقــول أي شــيء ،لكــن لســانه لــم يســعفه، فابتســمت الفتــاة الصغيــرة وهــي ترمقــه بنظــرة فيهــا مــن الحــذر بقــدر مــا فيهــا مــن البــراءة واإلشــفاق. ويظهــر أن النــار المتأججــة ،والطعــام الســاخن ،والموســيقية الريفيــة الراقصــة ،وطيبــة أهــل القريــة الذيــن يفتحــون قلوبهــم لــكل ضيــف ...يظهــر أن كل ذلــك ســاعد علــى إخــراج الشــاب الطويــل ـي أنــي رأيتــك مــن قبــل .ولكــن أيــن؟ هــذا مــا مــن صمتــه ،عندمــا ســألته الســيدة فليفــل( :يخيــل إلـ ّ يحيرنــي )..فأجــاب الشــاب الطويــل( :لقــد غــادرت هــذه المنطقــة منــذ ســنين ..ولقيــت بعــد ذلــك 145 كتاب النصوص للصف احلادي عشر كثيـ ًـرا مــن المتاعــب وســمعت ثــاث طرقــات قويــة متتاليــة ،وكأن صاحبهــا كان عصبــي المــزاج، فقــد باشــر بالطــرق ثانيــة بينمــا كان أحــد القروييــن ُينــزل بالمــزالج ..وتلفــت الشــاب الطويــل حوله، وكأنــه يبحــث عــن شــيء فــي أركان الكــوخ. وكان الضيــف الثانــي ال يقــل عــن األول طـ ً ـول ،ولكــن تلــك الشــعرات البيضــاء التــي تخطــط شــعره كانــت تــدل بوضــوح أنــه يزيــده عمـ ًـرا ..وكان هنــاك اختــاف آخــر.. كان الضيــف الجديــد يرتــدي معط ًفــا ســميكًا ،ظهــرت تحتــه بذلــة رماديــة عندهــا فــك أزراره ..وقال بلهجــة فيهــا مــن األمــر أكثــر ممــا فيهــا مــن الطلــب :يجــب أن أرتــاح بعــض الوقــت ،وإال فســتغرقني األمطــار قبــل أن أصــل إلــى (كاســل بريــدج) .ولــم يكــن فليفــل أقــل كر ًمــا منــه فــي المــرة األولــى مر ِّح ًبــا( :أهـ ًـا بالضيــوف فــي حفلتنــا المتواضعــة). فقــد قــال َ مجلســا قــرب النــار .وبعــد أن قــام وانحنــى الضيــف الثانــي للشــاب الطويــل وهــو يتخــذ لنفســه ً فليفــل بواجباتــه نحــو الضيــف الجديــد ،ســأله وهــو يلــوك قطعــة مــن اللحــم أرهقــت أســنانه :وهــل تقيــم فــي (كاســل بريــدج)؟ فأجــاب الضيــف الجديــد :كال ..ولكــن يجــب أن أكــون هنــاك فــي الغــد صباحــا فســأله فليفــل( :وهــل تــؤدي هنــاك أيــة وظيفــة؟). قبــل الســاعة الثامنــة ً ولــم يــرد الضيــف الجديــد ،فقــد تظاهــر بأنــه مشــغول بــأكل مــا قــدم إليــه مــن طعــام :فقــال الشــاب الطويــل معق ًبــا( :تســتطيع غال ًبــا أن تعــرف حرفــة اإلنســان إذا نظــرت إليــه). فقــال الضيــف الجديــد( :ولكــن عملــي ال يتــرك آثــاره علــى يــدي ،بــل يتــرك آثــاره علــى زبائنــي). وح ّيــر هــذا الــكالم أولئــك القروييــن الســذج ..فمــا هــو هــذا العمــل ..الــذي ال يتــرك آثــاره علــى صاحبــه ،وإنمــا يتــرك آثــاره علــى الزبائــن؟؟ ..ولــم يســتطع أحــد أن يحــل هــذا اللغــز فحاولــت الســيدة فليفــل أن تغيــر مجــرى الحديــث فقــال( :مــن ســيطربنا اآلن بصوتــه الشــجي؟) وصمــت جميــع الحاضريــن كأنهــم ملــوا الغنــاء ..وملــوا الحديــث ..لكــن الضيــف الجديــد تقــدم إلــى وســط ً جميل.. الكــوخ وهــو يقــول( :ســأبدأ أنــا بالغنــاء ومــا عليكــم إال أن تــرددوا معــي .)..لــم يكــن صوتــه كمــا أنــه لــم يكــن ردي ًئــا ..لكــن الــذي أثــار دهشــة القروييــن كلمــات أغنيتــه ،فقــد كان يغنــي: إنه لمنظر جميل ..أن تراني وأنا أعمل.. أن ترى زبائني الذي أربطهم.. 146 ةّيبدألا ُصوصّنلا - ريصقلا ةَّصِقلا ُ أن تراني وأنا أرفعهم إلى األعلى.. وأرسلهم إلى مكان بعيد ..بعيد... وســرت الهمســات بيــن الحضــور ..ولــم يرافقــه فــي الغنــاء إال الشــاب الطويــل ،فقــد ردد معــه: وأرســلهم إلــى مــكان بعيــد ..بعيــد ..واســتأنف صاحبنــا الغنــاء: إن طريقتي في العمل ..بسيطة كعملي.. حبل متين ..وعمود ليس بالطويل.. وفي أقل من دقيقة ..أتم عملي.. وســرت الهمســات بيــن الحضــور ..حبــل متيــن ..وعمــود ليــس بالطويــل ..إنــه الـــ ..لقد جاء ليشــنق (تيموثــي ســامرز) ..المــزارع الــذي ســرق خرو ًفــا ألســرته الجائعــة ..فحكــم عليــه باإلعــدام ..ألنــه أراد أن يطعــم أوالده ..أوالده الذيــن يموتــون مــن الجــوع ..وبهــت الحضــور وتظاهــر الضيــف الجديــد أنــه لــم يســمع همســاتهم ..ويظهــر أن الشــاب الطويــل هــو الوحيــد الــذي تمتــع بتلــك األغنيــة! وعندمــا حــرك المغنــي شــفتيه ليســتأنف الغنــاءُ ،ســمعت طرقــة خفيفــة متــرددة وفتــح البــاب ..كان شــا ًبا قصيـ ًـرا أشــقر ،قــال عندمــا ُفتــح لــه :هــل أســتطيع أن أعــرف الطريــق إلــى ..وطغــى علــى صوتــه المغنــي الجديــد الــذي اســتأنف غنــاءه: غدً ا سأتم عملي ..إنه عمل بسيط.. خروف مزارع سرق.. وحياة اللص ستسرق في الغد.. فليرحمه ال ّله.. ولــم يرافقــه فــي الغنــاء إال الشــاب الطويــل ،فقــد ردد معــه :فليرحمــه ال ّلــه ..فليرحمــه ال ّلــه ..كل ذلــك ..والضيــف الثالــث واقــف عنــد البــاب ..يســمع وركبتــاه تــكادان ال تحمالنــه ..وأســنانه تصطــك ..بينمــا امتقــع وجهــه ..وابيضــت شــفتاه ..وكان مــن الواضــح أن شــي ًئا مــا أرعــب الشــاب، 147 كتاب النصوص للصف احلادي عشر فقــد اســتدار وأغلــق البــاب وراءه وانصــرف.. وســمع فــي الوقــت نفســه ثــاث طلقــات ،كاد يهتــز لهــا الكــوخ ..ونظــر الحضــور بعضهــم إلــى بعــض متســائلين ..مــاذا يعنــي هــذا؟ وقــال المغنــي الجديــد :إن ســجينًا قــد فــر مــن (كاســل بريــدج) ..قــد يكــون رجلــي ..وقــد يكــون ذلــك الشــاب الــذي كان يرتعــد منــذ حيــن ..إنــي آمركــم باســم القانــون أن تلحقــوه وتقبضــوا عليــه.. إياكــم أن تعــودوا دون أن تقبضــوا عليــه.. ـم ..حــام حولــه رجــل طويــل نحيــف ..ودخــل بعــد أن نظــر وبعــد دقائــق أضحــى الكــوخ خال ًيــا ..ثـ ّ مــن النافــذة.. وكان أول شــيء فعلــه هــذا الشــاب الطويــل أن توجــه إلــى طاولــة الطعــام ،وقطــع شــرحة مــن اللحــم شــرع يأكلهــا بنهــم ..وقبــل أن ينتهــي مــن أكلهــا ..فتــح البــاب ودخــل المغنــي الجديــد الــذي أدهشــه وجــود الشــاب الطويــل فقــال :كنــت أظــن أنــك ذهبــت مــع اآلخريــن.. فأجــاب الشــاب الطويــل :علــى كل حــال ..ســنقبض عليــه قبــل الغــد ..ســيأتي بعــض الجنــود إلــى صباحــا ..هــل هنــا ..أمــا أنــا فذاهــب إلــى (كاســل بريــدج) ..فيجــب أن أكــون هنــاك قبــل الثامنــة ً أنــت ذاهــب فــي طريــق (كاســل بريــدج)؟ فقــال الشــاب الطويــل( :كال ..إن بيتــي هنــاك )..وأشــار إلــى اليميــن ،وكأنــه ال يريــد أن يعيــن مكا ًنــا بالــذات ..وتصافــح الضيفــان ،وذهــب كل منهمــا فــي طريقــه. ولــم يطــل األمــر بالضيــف الثالــث الــذي مــر ..فقــد وجــدوه ،وأحضــروه إلــى الكــوخ ..حيــث كان ينتظــره ضابطــان مــن (كاســل بريــدج) .وعندمــا أدخــل الضيــف الفــار إلــى الكــوخ ،قــال أحــد الضابطيــن :مــن هــذا الــذي أحضرتمــوه؟ إنــه ليــس ســجيننا ..وعقــدت الدهشــة ألســنة الجميــع، لكــن الفــار تولــى إيضــاح األمــر فقــال :إن الســجين الــذي فـ ّـر هــو أخــي ..ولقــد كنــت فــي الطريــق، جالســا قــرب موقــد النــار ،وعلــى مقربــة منــه يغنــي وألرتــاح بعــض الوقــت ،لكننــي وجــدت أخــي ً أغنيــة إعدامــه لذلــك الرجــل المكلــف بإعــدام المحكوميــن ..وكانــت أقــل كلمــة أو إشــارة منــي كافيــة للقضــاء عليــه ..فلــم أجــد أمامــي إال الفــرار ..وكان مــا كان!!.. 148 ِ السريِ حالت والر ُ ّ أدب ّ 149 كتاب النصوص للصف احلادي عشر 150 ةّيبدألا ُصوصّنلا -الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ األدبي ُة رية الس ُ ّ ّ ِ اله ْي َئـ ُة. ـيرةَُ : والسـ َ ـار بهــم سـ ْي َر ًة َح َسـنَ ًةَّ . ـيرةُ :الطريقـ ُة .يقــال :سـ َ والسـ َ السـنَّ ُةِّ ، ـير ُة فــي اللغــة هــي ُّ السـ َ ِّ وفــي التنزيــل العزيــز( :ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ). ـوي ،يتنــاول حيــاة إنســان مــا تنـ ً ـاول يقصــر أو يطــول. والســيرة األدب ّيــة :ف ـ ّن جوهــره التواصــل اللغـ ّ ّ وعرفهــا بعضهــم بأنّهــا «الســرد المتتابــع لــدورة حيــاة شــخص ،وذكــر الوقائــع ا ّلتــي جــرت لــه فــي ّ أثنــاء مراحــل هــذه الحيــاة». السيرة األدب ّية إلى سيرة ذات ّية وسيرة غير ّية. وتنقسم ّ فالسيرة الذات ّية :هي ا ّلتي يكتبها الشخص بنفسه عن نفسه. ّ الســيرة الغير ّيــة :فهــي ا ّلتــي يكتبهــا كاتــب مــا عــن شــخص آخــر ،فهــي ترجمــة حيــاة شــخص ّأمــا ّ عــن طريــق الشــواهد والشــهادات والوثائــق. الســيرة الذات ّيــة أن يكــون موضوع ًيــا فــي نظرتــه لنفســه ،وهــو يذكــر موقفــه مــن ويتحتــم علــى كاتــب ّ أيضــا أن يكــون موضوع ًّيــا ،وأن يقــف موقــف الســيرة الغير ّيــة ً النــاس والحــوادث .وعلــى كاتــب ّ الســيرة األدب ّيــة. الشــاهد ال القاضــي .ولذلــك يعــدّ الصــدق مــن أهــم شــروط كتابــة ّ الســيرة األدب ّيــة فـ ّ الســيرة ـإن المتعــة ال تتحقــق إالّ إذا كانت ّ ولمــا كان الصــدق مــن أهــم شــروط كتابــة ّ عــن شــخصية فـ ّـذة ،عاشــت حيــاة غنيــة باألحــداث والمواقــف ،أو كانــت عــن شــخصية مبدعــة فــي أي مجــال مــن مجــاالت الفنــون والعلــوم. «الســيرة» فــي كتابــه (ســيرة رســول ال ّلــه)^، ويعــدّ محمــد بــن إســحق أول مــن اســتخدم كلمــة ّ ـوراُ ،ث َّم ظهــرت تراجم الســيرة النبويــة أوســع مــا فــي التراجــم اإلســامية ،وأقدمهــا ظهـ ً ولذلــك تعــدّ ّ الم َف ّســرين ،وطبقــات ّ الشــعراء وطبقــات النّحــاة وغيرهــم. أخــرى لطبقــات الصحابــة ،وطبقــات ُ الســيرة الغير ّيــة فــي بدايــة نشــأتها الســيرة الغير ّيــة؛ فقــد ارتبطــت ّ وقــد تعــددت الغايــات مــن كتابــة ّ بالتاريــخ ،فم ّثلــت نو ًعــا مــن الســير عــرف بالســيرة التاريخيــة ،التــي ركــزت علــى ربــط حيــاة األفــراد باألحــداث التاريخيــة والوقائــع والحــروب .وهــذا النــوع مــن الســير قــد يتضمــن إشــارات وعظيــة 151 كتاب النصوص للصف احلادي عشر وحكمــا ،إال ّ أن البعــد التاريخــي يبقــى هــو الغالــب عليهــا ،وتعــد ســيرة (ابــن طولــون) للبلــوي، ً وســيرة (عمــر بــن عبدالعزيــز) البــن عبدالحكــم مــن األمثلــة علــى هــذا النــوع مــن الســير. ولكــن بعــض الســير الغير ّيــة اتخــذت لهــا غايــات أخــرى ،فاتجهــت نحــو الوعــظ والتدبــر فــي أحــوال النــاس كمــا أشــار إلــى ذلــك ابــن الجــوزي حيــن قــال «إن التواريــخ وذكــر الســير راحــة ـت حســن التدبيــر ،وإن للقلــب وجــاء للهــم ،وتنبيــه للعقــل ،فإنــه ..إن ُشــرحت ســيرة حــازم علمـ َ ٍ خوفــت مــن إهمــال الحــزم» .ولذلــك يمكــن أن يطلــق علــى هــذا النــوع مــن ُق ّصــت قصــة ُم َفـ ِّـرط ِّ الســيرة التعليميــة ،التــي لــم تكــن تتجــاوز ذكــر مناقــب الشــخص ،وبعــض أقوالــه ،ومواقفــه؛ الســير ّ ككتــاب «الحســن البصــري وزهــده ومواعظــه» البــن الجــوزي. يضــاف إلــى هاتيــن الغايتيــن غايــة ثالثــة كان لهــا دور كبيــر فــي كتابــة الســير الغير ّيــة ،تمثلــت فــي تلبيــة حاجــة النــاس إلــى الســمر والفكاهــة واإلدهــاش؛ فكثيــر مــن الســير كانــت عبــارة عــن «مجموعــة مــن القصــص والمغامــرات تــدور حــول شــخصية واحــدة ،ويتفــاوت فيهــا الخيــال، ولكنهــا جميعهــا مســلية تصــاغ فــي أســلوب مبســط» .وقــد كان هــذا التوجــه ســب ًبا فــي ظهــور مــا يســمى بالســيرة الخيال ّيــة أو الشــعبية التــي كانــت تنهــل مــن معيــن الخيــال ،وتبتعــد كثيـ ًـرا عــن رصــد الواقــع وااللتــزام بالصــدق والحقيقــة ،ولعــل هــذا الشــكل يتضــح بجــاء فــي ســيرة (عنتــرة بــن شــداد) و(ســيف بــن ذي يــزن). الســيرة األدب ّيــة التــي لهــا مميــزات وشــروط الســير ال ترقــى إلــى مســتوى ّ ولك ـ ّن هــذه األنــواع مــن ِّ الســيرة األدبيــة بنــاء فن ًّيــا متماسـكًا ،وأن يكــون هنــاك تصـ ّـور ترتّب فنيــة خاصــة بهــا؛ إذ البــد أن تبنــى ّ الســيرة تعتمــد علــى عنصــر الصــدق فــي كتابتهــا فإنهــا تعــد األحــداث والمواقــف علــى هديــه .وألن ّ مــن األدب التفســيري ،وليســت مــن األدب المســتمد مــن الخيــال؛ فالكاتــب :يستكشــف األشــياء واألشــخاص مــن جديــد ،ويعيــد بنــاء األحــداث والمواقــف التــي حدثــت بالفعــل ،فكأنــه يعيــد تشــكيل هــذا الواقــع وفــق رؤيــة جديــدة ،وضمــن بنــاء فنــي محكــم. والســير الســير الغير ّيــة ّ ولع ّلــه مــن الجديــر بالذكــر أن نشــير هنــا إلــى فــرق جوهــري واضــح بيــن ّ فالســيرة الذات ّيــة تكــون أقــرب إلــى القــارئ ،وأكثــر تأثيـ ًـرا فيــه ،ألنهــا عــادة تعتمــد علــى الذات ّيــة؛ ّ البــوح ،وعلــى تقديــم خالصــة فكــر الكاتــب ورؤاه ،وتفســير مبرراتــهّ ، إن الكاتــب هنــا يذكــر المواقــف ،ويذكــر المشــاعر معهــا ،ولذلــك هــو يضــرب علــى الوتــر اإلنســاني الــذي يجمــع بينــه 152 ةّيبدألا ُصوصّنلا -الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ وبيــن القــارئ .أمــا الســير ة الغير ّيــة فهــي فــي الغالــب نقــل موضوعــي يعتمد علــى الشــواهد والوثائق ممــا يجعــل كتابتهــا أقــرب إلــى الكتابــة العلميــة الموضوعيــة. 153 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ِ العيد يوم ُ * الذ ِ حممدٍ القاسمي ن س رد ّ ُّ ُ لطان بْ ُ اتُ ، َس ُ ّ 1 ِ المغـ ِ ـال العيـ ِـد ِعنــدَ ُغـ ِ ـروب َشـ ِ ـب ِهـ َ ـمس ذلـ َ ـرب. ـاس ت َْر ُقـ ُ النّـ ُ ـك ال َيــو ِمَ ،بعــدَ َصــاة َ ِ ـوت ِ المد َف ـعِ ،م ِ وفــي َ علنًــا بِـ َّ ـأن َغــدً ا العيــدَ َ .يسـ َـم ُع َبعــدَ ُه َطني ـ َن الهــدوء ال ّتــا ِّم ُيــدَ ّوي َصـ ُ ذاك ُ ُ ِ ِ ِ ِ ِ النّـ ِ ـم األسـ ُ ـواق ،بِ َمــن ت َّ رجـ ِـة ،هــذا َأخـ َـر فــي تَجهيـ ِـز نَفســه ل ْلعيــد ،أو جــا َء لل ُف َ ـم بِ ِهـ ُ ـاس َفتَز َدحـ ُ جــاء لِ ِش ِ العيــد ،و َ ِ ِ ور ُه َلــدى «الِ ْم َح ِّس ِ ــراء مالبِ ِ ــن» ِ - ّ َ ــر الحــا ِق، أي ــس َ واآلخ ُ ــر َد َ ذاك َينتَظ ُ َ جــاء لِ ِشـ ِ للضيـ ِ ـراء مــا يحتاجـه فــي تَقديـ ِم ِ ـف ِمــن َحلــوى َومنفـ ٍ ـوش «الفوا َلـ ِـة» َوهــي مــا ُيقــدَّ ُم َّ ُ ُ َ َ ـرس الس ِ ِ ِ وبشــم ٍك ،يصنَـ ِ مس ـ ِمَ ،و ُيقـ ُ «هــر َدة». ـال َلهــا َ ُ ُ َ َ َخر ُج مــن َهـ ِ ِّ ـع مــن ال َّطحين َّيــة ،ا ّلتــي تُس ـت َ ّان بِ ِ ّان الِمح َّلــوي َتيمــور ،وهــو ا ّلــذي يقــوم بِصنــ ِع الحلــوى وب ِ ِقبا َلــ َة دك ِ يعهــاُ ،ه َ نــاك ُدك ٌ ــه َ ُ ْ َ ََ َ َ ُ ُ ِّ ْ ُ ِ ِ ِ ـف َعـ ِ ـوب ال َعينَيـ ِ ورانُ ،يقـ ُ ـار ـن ،ال َيتَو َّقـ ُ ـن الــدَّ ـار َمعصـ ُ ـال َلـ ُه حمـ ُ ـدور َحو َلهــا حمـ ٌ طاحو َنـ ٌةَ ،يـ ُ ـان :ال تُحمـ ْـل هــذا ِ ِ ـت ِلنسـ ٍ ـوق طا َقتِـ ِـهَ ،يقـ ُ العامـ َـل فـ َ ـار ذلِـ َ ـول ـك َم َثـ ًـا ،فــإذا ُقلـ َ َ َ ِّ الهــر َدةَ ،فصـ َ ِ ـك :ال ت َ َلـ َ الهــر َد ِة! َخـ ْ ـار َ ـف! هــذا حمـ ُ 2 ِ ِ ِ الم َص ّلــى ،وا ّلــذي كان ـاس فــي زينَتهــا ،وات َ ـاح يــو ِم العيــد َخ َر َجــت النّـ ُ َصبـ َ َّجهــوا إلــى ُ ِ الكيلومتــر ،بِ ِ ِ ٍ ــن المدين ِ ِ ٍ ٍ إســمنتي بِ َــة بِ ثــاث ــه ِمن َب ٌــر نصــف واحــد َو كيلومتــر مقــدار ٌّ َيب ُعــدُ َع ِ َ ِ درجـ ٍ ـب َعليـ ِـه ،م ِ ـف َ والج َم ـ ِع الصفـ َ ـات َيقـ ُ ـب األعيــاد ُ تراص ـ َةَ ،وخطيـ ُ الم َّ واج ًهــا ُّ الخطيـ ُ َ ـوف ُ ُ ـال ِ ِ ـن ِمجـ ٍ الجهـ ِ حمـ ِـد بـ ِ ـاد ،صاحـ ِ الرجـ ُ والفتيـ ُ الشـ ُ ُهــو ّ ـان ـيخ سـ ُ الصــوت َ ـب َّ ـورِّ .. ـيف ب ـ ُن ُم َّ ِ ِ ِ ـيخ ُسـ ُ الشـ ُ ـم َّ وإخو ُتـ ُه و َذوو ُه ـمي َ فــي ُّ ـلطان بـ ُن صقـ ٍـر القاسـ ُّ الصفــوف األمام َّيــةَ ،وفــي ُمقدِّ َمت ِهـ ُ الخلفيـ ِـة ،وبِأعـ ٍ ِ ِ َوأعيـ ُ ـداد َقلي َلـ ٍـةَ ،فــإذا مــا َف َرغــوا ِمــن الصفــوف َ َّ َ ـان ال َبلــد ،أ ّمــا النِّســا ُء َف ُكـ َّن فــي ُّ اس ِمـن ِ ِ ِ ِ الحصـ ِ ـن ُقــدو َم النّـ ِ ـاس َوجهــوا إلــى ال َب َلــدَ ،فــإذا مــا شـ َ الحـ ّـر ِ َ ـاهدَ َأحــدُ ُ َصــاة العيــد ،ت َّ المد َفـ ِع قائليـنَ :عيــدَ ِ ـوت ِ ـاق ِ ـضَ ،أمــر بإطـ ِ ت المد َفـعَِ ،ف َي َت َي َّقـ ُن َمــن َي ِص ُل ُهــم َصـ ُ َ َّ ـم ال َبيـ ِ َ َ بِأثوابِ ِهـ ُ ّ الشــار َق ُة. ِ مي ،ص 30 - 26 * َم ُ نشورات القاس ّ 154 ةّيبدألا ُصوصّنلا -الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ 3 يتوا َفــدُ َعلــى ِ ـلطان بـ ِ الحصـ ِ ـيخ سـ َ المهنِّئـ َ ـون َّ للشـ ِ ـمي بِالعيـ ِـدَ .و ِمــن َ ـن َصقـ ٍـر القاسـ ِّ ـن ُ ـيخ لِحراسـ ِـة ال ّط ِائـ ِ َبيـ ِ الحـ َـر ِ ـراتَ ،و ُهــم ِمــن َأصـ ٍ ـن َمــن َي ِفــدُ كذلِـ َ س التّابِ َعـ ُة َّ للشـ ِ ـل ـك َمجمو َعـ ُة َ َ ُعمانــيُ ،أسـ ِ ـران فــي مـ ٍ ـرب ِمــن مح َّطـ ِـة ال َّطيـ ِ ـكنوا بِال ُقـ ِ ـكان َيقـ ُ «المنـ ُ ـاخ» َو َرئيسـ ُـهم ُيسـ ّـمى ـال َلـ ُه َ َ َ ٍّ الزيــدي؛ َفــإذا كانــوا فــي ســاح ِة ِ الحصـ ِ ـونَ ،و ُهــم َير ُقصـ َ أخــذوا ُي َغنّـ َ ـنَ ، ـونَ ،ويبـ ُـر ُز ِمــن َ ناصـ َـر ُّ َ َّ َمثيــل مشــه ِد مبــار َز ٍة ،وفــي ِ ِ ِ آخ ِ ِ َب ِ ــر يقومــان بِت ُــروسَ ،و ــيوف َوت اثنــان فــي ــم أياديهــم ُس ٌ َ ٌ ِ َ َ ُ َ ينه ُ خـ ُـزه بِسـ ِ ِ اآلخــر ،ويقــوم بِ َذ ِ ِ ِ ـيف ِه بحـ ِـهَ ،وي ْبقــى ُم َمــدَّ ًدا علــى المشـ َـهد َيط َعـ ُن َأ َحدُ ُهمــا َ َ َ األرضَ ،ف َي ُ َ ُ َ جل ِ ــض ِ واق ًفــا علــى ِر ِ قــون َح َ ــه ،واألوال ُد ُمتَح ِّل َ شــه ِد ،فــإذا مــا انتَهــىَ ، أخــذوا ينه َ الم َ َف َ ــول َ ـون «العيدي ـ َة» ،وهــي َقليـ ٌـل ِم ـن النُّقـ ِ ـت إلــى بيـ ٍ َك ،و ِمــن بيـ ٍ ـرون فــي الس ـك ِ ـتَ ،يطلبـ َ َيجـ َ ـود َ َّ َ َ ِّ ِ ـأوالد فــي ذلِـ َ ـك ال َيــو ِم. تُعطــى لِـ 4 ـال ِ رة الرو َل ِةِ ِ ، ـك اليــو ِمَ ،فيتَوا َفــدُ علــى َشـ ِ ِ ِ الرجـ ُ والفت َي ُة َ أ ّمــا فــي َمســاء ذلـ َ َ وار َفــة ال ِّظـ ِّـلِّ ، ـج ّ ِ ـان الكَبيــر ِة ِمــن َشـ ِ ـال ،وتُع َّلـ ُـق ِ ـال علــى األغصـ ِ ِ الحبـ ُ ـس وال َفتَيـ ُ الرو َلــةَ ،وتَجلـ ُ َ ـات واألطفـ ُ َ ـج َرة ّ َ ـاة َأصابِــع ِرج َليهــا بِ ِ كل َفتـ ٍ ـن علــى ِ ِ الحبـ ِ الحبـ ِ ـات فــي َص َّفيـ ِ ـالَ ،وتَشــبِ ُك ُّ ـس ال َفتَيـ ُ ـال ا ّلتــي تَجلـ ُ َ َيــات ،أمــا ِ َع َليهــا ال َفتــا ُة ا ّلتــي تُقابِ ُلهــاَ ،ف َتتَكــو ُن المرجيحــ ُة ِمــن َثمانــي َفت ٍ َ الف ُ يقومــون تيــان َف َ َّ ّ ُ ِ ِ ٍ ــط المرج ِ َحــت َّ ــات الح ْل ِو ّي ُ ُبــاع ت َ ــج َرة ُ الش َ يحــةَ ،أ ْي إِبعا ُدهــا إلــى َأعلــى بِــك ُِّل ع َّفــةَ ،وت ُ بِ َش ِّ ُ َ َ ـرات. والمك ََّسـ ُ ُ 5 الشـ ِ ِ ِ ـي الكَبيـ ِـر َو َحو َلــه أقربــاؤ ُه َوأعيـ ُ أمــا َشـ ُ ـيخ ّ ـان ال َب َلـ ِـد، ـار َقةَ ،فيجلـ ُ ـس َعلــى الكُرسـ ِّ ِ ِ قص ـ ُة ال َع ّيا َلـ ِـة. لتَل ّقــي التَّهانــي بِالعيــدَ ،وإلــى جانبِهــم تُقــا ُم َر َ 155 كتاب النصوص للصف احلادي عشر الد َمشق َّي ُة دارنا ِّ ُ ين ِنزار قَ ّبا ّ َهـ ْـل ت ِ ـارور ِة ِعطـ ٍـر؟ َبيتُنــا َ أن َيس ـ ُك َن اإلنسـ ُ ـون َمعنــى ْ َعرفـ َ كان تِلـ َ ـارورةَ. ـك القـ َ ـان فــي قـ َ ِ ِ ٍ ِ إنَّنــي ال ُأحـ ِ ـارور َة ـم قـ َ ـاو ُل ِرشـ َـو َتكُم بِتَشــبيه َبليـغٍَ ،ولكـ ْن ثقــوا أنَّنــي بِهــذا التَّشــبيه ال َأظلـ ُ ِ ِ دارنــا .وا ّلذيـ َن َسـكَنوا ِد َمشـ َـقَ ،و َت َغ ْل َغلــوا فــي حاراتِهــا َو َزواريبِهــا العطـ ِـرَ ،وإنَّمــا أظلــم َ الضي َق ِ ــةَ ،ي ِ الجنَّــ ُة ِذرا َعيهــا ِمــن َح ُ عر َ يــث ال َينتَظِــرون؛ َب ّوا َبــ ٌة فــون ك َ ــم َ َيــف تَفت ُ َّ ِّ َــح َل ُه ُ الخ َش ِ ِ واألحم ِ األخض ِ غيــر ٌة ِمــ َن َ كــي، ــر، ــير َعلــى َ ــب تَن َفت ُ ــر ،وال َّلي َل ِّ َ الس ُ ــحَ .و َيبــد ُأ ّ َص َ ِ والرخــا ِم. َوتَبــدَ ُأ ســيمفون َّي ُة َّ الضــوء وال ِّظـ ّـل ُّ ْــج* تَحت َِضــن ثِمارهــا ،والدّ اليــ ُة ِ ــج َر ُة ا ّل ِ ــف َق َم ٍ حام ٌ نارن ِ ــر ــل، والياســمينَ ُة َو َلــدَ ت َأ ْل َ َش َ َ ُ َ َ ضبــان النَّوافِ ِ ِ َصطــاف ّإل ِعندَ نــا. الســنونو ال ت ــذَ ،و ــض َو َع َّل َق ُتهــم َعلــى ُق ُ َأب َي َ ُ أســراب ُّ ِ ِ أ َف َمهــا بِ الوســطى تَمــ ُ الرخــا ِم َح َ المــاءَ ،وتَن ُف ُخــ ُهَ ،وتَســت َِم ُّر ال ُّلع َبــ ُة ــول البِركَــة ُ ُأســو ُد ُّ المائ َّيــ ُة َل ً شــق َينتَهــي. َهــارا .ال الن ــبَ ،وال مــا ُء ِد َم َ َّوافيــر تَت َع ُ ُ يــا َون ً ميــك ،وال َّلي َلكَــ ُة ت َُم ِّش ُ َ ــعرها َحــت َقدَ ــر َم ْمــدو ٌد ت َ الــور ُد ا ْل َب َل ُّ َ ــدي َس ّ ــط َش َ أحم ُ ــجا ٌد َ ُ ُ َّ ّ والش يحــان، ريــف، يــزةُ، مشــير، ــجي، والر ــاب ال َّظ ُ والخ َّب َ والش ُّ والم ُ ُ َ َفس َّ ال َبن َ نثــورَّ ، ـوف النَّباتـ ِ َ ـات الدِّ َمشــق َّي ِة ا ّلتــي َأت ََذ َّكـ ُـر أ ْلوانَهــا َوال أت ََذ َّكـ ُـر أســما َءها ،ال والضاليــاَ ،و ُألـ ُ ت ُ َــزال َتت ََســ َّل ُق َعلــى أصابِعــي ُك َّلمــا َأ َر ْد ُت ْ ُــب. أن َأكت َ ِ ِ ِ ِ الشـ ِ الق َطـ ُ ـار ًة تَص َعــدُ إلــى َمم َل َكـ ِـة َّ ـط ّ ـمسَ ،وحيـ َن الم َمتَل َئــة ص َّحـ ًة َونَضـ َ الشــام َّي ُة النَّظي َفـ ُة ُ طعمهــا ويك ِ ِ ِ ـع ِمــن ِص ِ ـف ُدمو َعهــا. َفكـ ُ ُ تَعــو ُد َو َم َعهــا َقطيـ ٌ غارهــا َسـتَجدُ َمــن َيسـتَقبِ ُلها َو ُي ُ ِ األدراج الرخاميــ ُة تَصعــدُ ،وتَصعــدُ َعلــى ك ِ ُهاجــر َوت ِ والحمائــم ت ِ ــع َعلــى َيفهــا، َرج ُ َ َ َ َّ ُ ُ ْ ُ ُّ ِ ِ ِ والسـ َـم ُك أحــدَ األحمـ ُـر َيس ـ َب ُح َعلــى كَيفــهَ ،وال َ كَيفهــا ،ال َ َ أحــدَ َيســأ ُلها مــاذا تَف َعـ ُـل؟ َّ َيســأ ُل ُه إلــى َأي ـ َن؟ ـرون َصحي َفـ َة ُفـ ٍّـل فــي َصحـ ِ َو ِعشـ َ ـرو ِة ُأ ّمــي .ك ُُّل ِز ِّر ُفـ ٍّـل ِعندَ ها ُيســاوي ـي ك ُُّل َثـ َ ـن الــدّ ِار هـ َ ِ صبيــا ِمــن َأ ِ والدهــا ،لِـ َ أوالدهــاَ ،ب َكــتَ ،و َشـ َكتْنا ـذاك ُك َّلمــا غا َف ْلناهــا َو َسـ َـر ْقنا َو َلــدً ا ِمــن َ ًّ * الكلمات ا ّلتي تحتها ثالث خطوط ستكون مجال عرض تقديمي في دروس المحادثة. 156 ةّيبدألا ُصوصّنلا -الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ إلــى ال ّلـ ِـه. ِ ـاق هــذا ِ ـوت ،و َن َطقـ ُ ِ ِضمـ َن نِطـ ِ ـي األولــىَ . الحــزا ِم ْ كان األخ َضـ ِـر ُولــدْ ُتَ ،و َح َبـ ُ َ ـت كلماتـ َ ِ الجمـ ِ ـرت َأ َت َع َّثـ ُـر بِ َجنـ ِ طت ـاح َحما َمـ ٍـةَ ،وإذا َسـ َق ُ ـت إذا َت َع َّثـ ُ ـال َقــدَ ًرا َيوم ًّيــا .كنـ ُ اصطدامــي بِ َ ْ َأسـ ُق ُط َعلــى ُح ْضـ ِ ـن َور َد ٍة. ـت الدِّ مشــقي الجميـ ُـل اسـتَحو َذ علــى ك ُِّل مشـ ِ ـاعري َوأ ْف َقدَ نــي َشــه َّي َة ُ الخـ ِ ـروج هــذا ال َبيـ ُ ْ ْ َ ُّ َ َ َ ومــن هنــا ن ََشـ َـأ ِعنــدي هــذا ِ ـاراتِ ، ـان فــي ك ُِّل الحـ ِ الزقـ ِ الصبيـ ُ الح ُّس إلــى ُّ ُ َ ـاق ..كمــا َيف َعـ ُـل ِّ (البيتوتــي) ا ّلــذي را َف َقنــي فــي ك ُِّل م ِ راحـ ِ ـل َحياتــي .إنَّنــي أش ـ ُع ُر ح ّتــى اليــو ِم بِنَــو ٍع ِمــن َ َ ْ ُّ االكتِ ِ ِ ــل التَّســكُّع علــى أر ِص َف ِ الش ِ الذ ِ واصطيــاد ُّ فــاء ّ ــة َّ بــاب فــي ــوارعِ، اتــيَ ،يج َع ُ َ َ ْ الذ ِّ صــف ُأد ِ كان نِ المقاهــي المك َت َّظ ِ ــة بِالر ِ مــا تَر ُف ُضــ ُه َطبي َعتــيَ .وإذا َ جــالَ ،ع ً بــاء العا َلــ ِم ُ َ ِّ ُ َ ـت ِ ِ َقــد ت َ أوم ـ ُن المقاهــيَ ،فإنَّنــي َلــم أ ُك ـ ْن ِمــن ِخ ّريجيهــا .ل َقــد كنـ ُ َخـ َّـر َج فــي أكاديم َّيــة َ راســمه و َطهار ُت ـه ،و َ ِ أن العمـ َـل األَدبــي عمـ ٌـل َل ـه ُطقوس ـه وم ِ الصعـ ِ ـي ْ أن كان م ـ َن َّ َ ُ َ ُُ َ ُ ـب َع َلـ َّ ُ ُ َ َ َّ َ َّ َ َ ـف ي ِ ـلَ ،و َطق َط َقـ ِـة أحجـ ِ مك ـ ُن أن َيخـ ُـر َج األَ َد ُب الجــا ُّد ِمــن نَرابيـ ِ ـش النَّراجيـ ِ ـار ـم كيـ َ ُ َأ َ فهـ َ النَّـ ِ ـرد. «م َظ َّلـ ِـة ال َفــي ِء والرطوبـ ِـة» ا ّلتــي هــي بيتُنــا العتيـ ُـق فــي ِ ـت ِ «م َ ئذ َنـ ِـة ُطفو َلتــي َق َضيتُهــا تَحـ َ َ َ َ ُّ َ ْ ـت هــو نِهاي ـ ُة حـ ِ ـدود العا َل ـ ِم ِعنــديَ ، َّ والواح ـ َة، الصديـ َـق، الشــح ِم» .كان هــذا ال َبيـ ُ َ كان َّ َ ُ أن ُأ ِ اآلن ْ َطيع َ والمص َيـ َ ـامير َأبوابِ ِه ،و َأسـتَعيدَ غمـ َ ـف .أسـت ُ ـي َو َأ ُعــدَّ َمسـ َ ـض َعينَـ َّ والم ْشــتىَ ، َ أن َأ ُعــدَّ بالطاتِـ ِـه ِ ِ ِ ِ ِ ـور َة َعلــى َخ َشـ ِ اآلن ْ َطيع َ واحــد ًة َ ـب قاعاتــهَ ،أس ـت ُ المحفـ َ آيــات ال ُقــرآن َ ِ ِ واحــدَ ةً ،وأسـ َ ِ ِ ِ ِ الرخام َّي ـ َة َد َر َج ـ ًة َد َر َج ـ ًة. َ ـماك بِركَتــه واحــد ًة واحــدةًَ ،و َســال َم ُه ُّ أســتَطيع أن ُأ ِ ِ ــس َأبــي فــي َص ِ حــن غم َ َــيَ ،و َأســتَعيدَ َ ،بعــدَ ثالثيــ َن َســنَ ًةَ ،مجل َ ُ ــض َعين َّ ِ ـان َق ِ ِ ِ ِ الجريــدَ ِة َتتَســا َق ُط هوتــهَ ،ومن َق ُلـ ُهَ ،و َجريدَ ُتـ ُهَ .و َعلــى َص َفحــات َ الــدّ ِارَ ،وأما َمـ ُه فنجـ ُ َ قادم ـ ٌة ِم ـن السـ ِ ِ ك َُّل َخمـ ِ ِ ـماء. ياســمي َن َبيضــا ُء ،كَأنَّهــا ِرســا َل ُة ُحـ ٍّ َ َّ ـب َ ـس َدقائـ َـق َزهـ َـر ُة َ الفارســي ِة الممــدود ِة َعلــى ب ِ ِ َبــت َــرت ُدروســيَ ،و َكت ُ ــاط الــدّ ِار ذاك ُ َ َ الس ّ ــجا َدة ِ َّ َ علــى َّ 157 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ـت َق ِ ـيَ ،و َط َر َفـ َة بـ ِ صائــدَ َع ْمـ ِـرو بـ ِ ـن كُلثــو ٍمَ ،و ُز َهيـ ٍـر ،والنّابِ َغـ ِـة ُّ ـن ُفروضــيَ ،و َح ِفظـ ُ الذ ْبيانـ ِّ ـتِ / الم َظ َّل ـ ُة َتــر َك بصماتِـ ِـه ِ ـت واض َح ـ ًة َعلــى ِشــعري .تَما ًمــا كَمــا ت ََر َكـ ْ ال َعبـ ِـد .هــذا ال َبيـ ُ َ َ َ ِغرنا َط ـ ُة و ُقر ُطب ـ ُة وإشــبيلي ُة بصماتِهــا َعلــى ِّ ِ ـي. َّ َ َ َ َ َ الشــع ِر األنْدَ ُلسـ ِّ إســبانيا/األندَ ُل ِ س كا َنــت ُمغ ّطــا ًة بِ ِقشـ َـر ٍة كَثي َفـ ٍـة ال َقصيــدَ ُة ال َع َرب َّي ـ ُة ِعندَ مــا َو َص َلـ ْ ـت إلــى ْ ِ المــاء وال ُبــرو َد ِة فــي ِج ِ ِمــ َن ال ُغ ِ بــال (ســييرا حــراويَ ،وحيــ َن َد َخ َلــت ِمنْ َط َقــ َة الص ِّ بــار َّ ـون و ُكــرو ِم ِ ِ نيفــادا) َو َشــواطِ ِئ نَهـ ِـر الــوادي الكَبيـ ِـرَ ،و َت َغل َغ َلــت فــي َبسـ ِ العنَـ ِ ـب ـاتين َّ الزيتـ َ ِ ِ فــي سـ ِ االصطِــدا ِم ـهول ُقر ُط َبـ َةَ ،خ َل َعــت َمالبِ َســها َوأل َقـ ْ َفســها فــي المــاءَ ،ومــن هــذا ْ ـت ن َ ُ ـي َبي ـ َن ال َّظ َمــأِ والـ ّـر ِّي ُولِــدَ ِّ الوحيــدُ لِهــذا ـيري َ ـي .هــذا ُهــو تَفسـ َ ـعر األَندَ ُلسـ ُّ الشـ ُ التّاريخـ ِّ ِ ِ ِ االنقـ ِ إســبانيا /األندَ ُلـ ِ ـس فــي الجـ ِّ ـاب َ ـذري فــي ال َقصيــدَ ة ال َع َرب َّيــة حي ـ َن ســا َف َر ْت إلــى ْ ِ ِ ٍ ٍ ِ ــحات والم َو َّش ُ الســابِعِ .إنَّهــا بِــك ُِّل َبســا َطة َد َخ َلــت إلــى قا َعــة ُم َك َّي َفــة َ الهــواءُ ، ال َقــرن ّ صائــدَ م َكي َفـ ِـة الهـ ِ األنْدَ ُلسـي ُة َليســت ِســوى « َق ِ ـواء»َ .وكَمــا َحــدَ َ ث لِل َقصيــدَ ِة ال َع َرب َّيـ ِـة فــي َ ُ َّ َّ َ إســبانيا /األندَ ُلـ ِ ـأ ْت ُطفو َلتــي ُرطو َب ـ ًة ،وا ْم َتـ َ َ ث لــي ،ا ْم َتـ َ َ ـس َحــدَ َ ـأ ْت َدفاتِــري ُرطو َب ـ ًة، ْ ِ الشــامي ُة ا ّلتــي َت َت َغل َغـ ُـل فــي م ِ وا ْم َتـ َ َ فاصـ ِ ـل ك َِلماتــي، ـأ ْت َأ ْب َجد َّيتــي ُرطو َب ـ ًة .هــذه ال ُّل َغ ـ ُة ّ َّ َ ـتِ - َتع َّلمتُهــا فــي البيـ ِ الم َظ َّلـ ِـة ا ّلــذي َحدَّ ث ُت ُكــم َعن ـ ُه. َ َ ِ ِ رت كَثيـ ًـرا َبعــدَ ذلـ َ ـي ـك ،واب َت َعـ ُ َو َل َقــد ســا َف ُ السـ ْلك الدِّ بلوماسـ ِّ ـدت َعــن د َمشـ َـق ُم َو َّظ ًفــا في ِّ ـت ُلغـ ٍ ـات كَثيـ َـر ًة ُأخــرىّ ،إل َّ أن أ ْب َجد َّيتــي الدِّ َمشــق َّي َة َظ َّلــت نَحـ َـو عشــري َن عا ًمــا َوتَع َّلمـ ُ فــل ا ّلــذي َي ْح ِم ُ ــك ال ِّط َ ــت ذلِ َ ــل فــي نج َرتــيَ ،وثيابــيَ .و َظ َل ْل ُ ُمت ََم ِّســ َك ًة بِ َأصابِعــي َو َح َ رد ب َلــدي .إلــى ك ُِّل َفنـ ِ ٍ ِ ِ ِ َحقي َبتِـ ِـه َّ ـاد ِق كل مــا فــي أحـ ـواض د َمشـ َـق ،مــن نَعنــاعٍَ ،و ُفـ ٍّـلَ ،و َو َ ٍّ ـرير ِ ـت َم َعهــا َعلــى َسـ ٍ واحـ ٍـد. ـت َمعــي ِد َمشـ َـقَ ،ونِمـ ُ العا َل ـ ِم ا ّلتــي َد َخلتُهــا َح َملـ ُ 158 ةّيبدألا ُصوصّنلا -الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ قلم زينب * أمري تاج السر اليــوم التالــي فــي العيــادة ،كان غري ًبــا ومرب ـكًا بحــق ،عثــرت بالــكاد علــى ركــن قريــب أضــع فيــه عربتــي ،وكانــت ثمــة ثــاث حافــات مــن ماركــة «روزا» اليابانيــة أمــام بــاب العيــادة مباشــرة، ويتدفــق منهــا العشــرات بيــن رجــال ونســاء وأطفــال ،داخليــن إلــى العيــادة ،أو متجمهريــن علــى بابهــا .توجســت بشــدة ،وأكاد أوقــن تما ًمــا أنهــم معــزون جــاؤوا بهــذه الكثافــة ،والبــد أن أحــد أفــراد صباحــا فــي المستشــفى ،يقــف أمــام أســرة عــز الديــن قــد توفــي فجــأة ،خاصــة أننــي لــم أشــاهده ً كشــك التيجانــي المغــروس فــي وســط الحــوش ،يتنــاول فطــوره المعتــاد المكــون مــن شــطيرتين مــن الفــول. تخبطــت وســط الجمــوع حتــى دخلــت ،وعثــرت علــى ممرضــي العجــوز بعيــدً ا تما ًمــا عــن أي مأســاة رســمتها فــي خيالــي ،كان مبتسـ ًـما بشــدة ،وقــد امتــأت صفحــة كاملــة مــن دفتــره القديــم ذي الغــاف األزرق ،بأســماء المراجعيــن ،ومــازال يعمــل علــى التســجيل بنشــاط غريــب .كان مــا لفــت نظــري فــي أولئــك المرضــى الفجائييــن ،أنهــم جمي ًعــا بمالمــح واحــدة ،كأنهــم أهــل أو أقــارب ،يرطنــون بصخــب ،يرتــدي رجالهــم الصديــري والســروال القصيــر ،وترتــدي نســاؤهم ثيا ًبــا ملونــة رخيصــة ،وأســاور مــن القصديــر تحيــط بالســواعد واألعنــاق ،بينمــا أطفالهــم شــبه عرايــا فــي مالبــس شــفافة .كانــت رائحــة عطــر (الشــاكوين) الــذي يصنــع فــي البيــوت محل ًيــا مــن األعشــاب، تضــج فــي المــكان. ســألت عــن ذلــك الزحــام غيــر المتوقــع ،فأجابنــي الممــرض وهــو ينهــض ،ويتقدمنــي إلــى غرفتــي، بأنــه رزق هبــط علينــا مــن الســماء فجــأة واليعــرف الســبب .كان مخط ًئــا فــي اعتقــاده ،ألنني جلســت علــى طاولتــي أكثــر مــن عشــر دقائــق أنتظــر أن يبــدأ دخــول المرضــى ،طــال انتظــاري إلــى عشــرين ً وصراخــا ،وألفا ًظــا دقيقــة ،ولــم يدخــل أحــد .ســمعت بعــد ذلــك صخ ًبــا هائـ ًـا بالخــارج ،ســبا ًبا غريبــة ،وانفتــح البــاب فجــأة ،ألرى عــز الديــن موســى يدخــل متــورم الوجــه ،يدفعــه نفــر مــن أولئــك ً مندهشــا أســتطلع المرضــى الفجائييــن ،وقــد أمســك أحدهــم بيديــه ،لواهمــا خلــف ظهــره .وقفــت األمــر ،ليتقــدم منــي أحــد أولئــك المرضــى ،كان شـ ً ـيخا فــي نحــو الســبعين ،يرتــدي عمامــة مــن *) قلم زينب ،قصة روائية ،منشورات ضفاف 159 كتاب النصوص للصف احلادي عشر قمــاش الكــرب الشــفاف ،وصنـ ً ـدل مــن جلــد الماعــز ،تطايــر منــه الوبــر ،كان كمــا يبــدو متحد ًثــا ـدرب علــى مخاطبــة األطبــاء مــن قبــل ،ألنــه خاطبنــي رســم ًيا لتلــك الفوضــى الغريبــة وال بــد أنــه تـ ّ قائـ ًـا بــا مقدّ مــات: هل تبيعون اإلنسانية ياطبيب؟ ال أفهم ما تعني.قلــت ولــم أكــن أفهــم بالفعــل ،والكان ممرضــي عــز الديــن فــي لحظــة غضبــه وتــورم وجهــه تلــك، قــادرا علــى إفهامــي أي شــيء .كان قــد تحــرر مــن قبضــة الرجــل الــذي لــوى ســاعديه ،وقــف ً منتص ًبــا فــي مواجهتــي ،لك ـ ّن صــدره كان يعلــو ويهبــط بســرعة ،ويصــب مــن جســده العــرق .وقــد كان ذلــك الممــرض القديــم الــذي ينتمــي لقبيلــة (المحــس) فــي أقصــى شــمال البــاد ،واســتوطنت ـورا عرفــت صبــره شــخص ًّيا أثنــاء أســرته الســاحل منــذ زمــن بعيــد ،قليــل الغضــب فيمــا مضــى ،وصبـ ً مســاعدتي فــي الجراحــة ،ولــم أره بهــذه الصــورة أبــدً ا مــن قبــل. -طالبنــا ممرضــك بأجــرة حتــى ندخــل عليــك .هــل هــذه إنســانية؟ ..هــل تتاجــرون فــي آالم النــاس ياطبيب؟ كانــت فصاحــة لــم أتوقعهــا مــن شــيخ فــي ذلــك العمــر ،وتلــك المتاجــرة بــآالم اآلخريــن بالــذات، جملــة شــديدة اإليحــاء ،لــم أســمعها حتــى مــن ألســنة مرضــى أصغــر سـنًا ،وأقــوى لســانًا.. نظــرت إلــى الرجــل بتمعــن ،شــممت فــي هيئتــه دمــاء المحتــال ( إدريــس علــي ) ووجــدت فــي صوتــه رنــة كأنــي ســمعتها مــن قبــل ،رنــة الصــوت الــذي أهدانــي قلــم زينــب الرخيــص ،وقــدّ م لــي داخــل المستشــفى ،فتــاة تحــب زميـ ًـا وال تنــام ،ولــم أســتطع مســاعدتها .لــم تكــن ثمــة جــدوى ً مفتوحــا ،يرتــوي منــه العطشــان متــى مــا أراد ســبيل ألوضــح لــه ،أن العيــادات المســائية ليســت ً ويـــمضي بــا ثمــن ،ألوضــح أن مولــد الهنــدي (بــرد شــاندرا) ،تــم شــراؤه بــا إنســانية ،ويعمــل فــي إنــارة المــكان بــا إنســانية ،إيجــار المبنــى نفســه ،يؤخــذ منــي آخــر الشــهر بــا إنســانية ،والطريــق الــذي تشــقه العربــة حتــى تصــل ،يذبحهــا يوم ًيــا بــا إنســانية ،ثــم ذلــك الوقــت الــذي يقتطــع مــن حتمــا بــا إنســانية ،لــم يكــن ليفهمنــي ،وقــد جــاء ممتل ًئــا بضغينــة كبيــرة، راحــة الطبيــب ،يقتطــع ً ومــن خلفــه شــعب ربمــا يحمــل المــدى والخناجــر ،وينتظــر نتيجــة تلــك المواجهــة بينــي وبينــه. 160 ةّيبدألا ُصوصّنلا -الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ كان بإمكانــي أن أســتدعي الشــرطة ،إن عثــرت عليهــا فــي ذلــك المــكان ،لكننــي لــم أفعــل ،وبــدأت أحــاور الرجــل: هل أنتم من جماعة ( إدريس علي ) ؟قلما غال ًيا ،وترفض عالج أهله. نعم ..لقد أهداك ً وهل تقيمون هنا في حي النور؟ ال ..قدمنا من (المرغنية).كان حــي (المرغنيــة) الــذي ذكــره ،يقــع فــي الطــرف الجنوبــي مــن المدينــة ،حــي بعيــد وشــبه عشــوائي ،وممتلــىء بالضجيــج والفوضــى ،والبــد أن إدريــس المســكين قــد تعــب فــي الــدوران ـم ذلــك الشــعب ،ينازلنــي بــه ،ولــم أفعــل لــه شــي ًئا ســوى أننــي بيــن أزقتــه وحفــره العميقــة ،حتــى يلـ ّ اســتقبلته فــي عيادتــي ،قبلــت بقلــم زينــب هديــة ،مــن دون أن أعــرف مــن هــي زينــب ،وأســمع ســيرة القلــم تــرد اآلن علــى لســان ذلــك الشــيخ الفصيــح بوصفــه هديــة غاليــة. أمســه قــط منــذ تســلمته ،والكان مغر ًيــا بتجربتــه فــي كان القلــم موضو ًعــا أمامــي علــى الطاولــة ،لــم ّ الكتابــة حتــى ،التقطتــه فــي تلــك اللحظــة بعنــفّ ،لوحــت بــه أمــام وجــه الرجــل ،ثــم كســرته مــن أرضــا ،وفوجئــت بالرجــل يلتقطــه مــرة أخــرى ،يخــرج مــن جيبــه شــري ًطا الص ًقــا الوســط وألقيتــه ً شــفا ًفا ،يلصــق بــه القلــم ،ويعيــده إلــى الطاولــة مــرة أخــرى ،كأنــه كان يعــرف ماســيحدث واســتعدّ لــه ،وشــعرت بالدهشــة .قلــت لعــز الديــن فــي صــوت قاطــع ،إننــا لــن نتاجــر بــآالم أحــد اليــوم، وعليــه أن يدخلهــم واحــدً ا واحــدً ا ،ونراهــم بــا أجــرة ،إنــه يــوم اإلنســانية الكبيــر. كان الممــرض قــد صعــق ،أراد االحتجــاج ،لكننــي أســكتّه بنهــرة قاســية ،وســمعت الرجــل الفصيــح يرطــن بعــد أن فتــح البــاب كامـ ًـا ،وواجــه اآلخريــن الذيــن يتكدســون فــي الصالــة ،والشــارع أمــام بــاب العيــادة. واحدً ا واحدً ا من فضلكم وسنراكم كلكم.قلــت مــرة أخــرى ،وعــدت أجلــس علــى طاولتــي هاد ًئــا ،أضــع ســماعتي الطبيــة حــول رقبتــي ،وال ألتفــت إلــى انحنــاء عــز الديــن ،ومشــيته المترنحــة وهــو يغــادر غرفتــي ،وال إلــى صوتــه المتحشــرج 161 كتاب النصوص للصف احلادي عشر الــذي بــدأ ينــادي بــه علــى المرضــى حتــى يدخلــوا. البــد أنهــا الثانيــة عشــرة ليـ ًـا حيــن فرغنــا مــن معاينــة تلــك المظاهــرة المرضيــة الحاشــدة التــي مريضــا يشــكلون كتا ًبــا مــن كتــب الطــب ،فــي فهرســته أرســلها ( إدريــس علــي ) ،ســبعة وخمســون ً وتنــوع أمراضــه ،عثــرت بينهــم علــى الســل الرئــوي واحتقــان المــرارة ،والعمــى الليلــي ،وتخبــط صمامــات القلــب ،وتــورم الســاقين ،ومضاعفــات مــرض الضغــط والســكر ،والربــو الشــعبي، وتليــف الرئــة ،وأمــراض أخــرى أقــل شــأنا مثــل المالريــا ،والتيفوئيــد ،والحمــى ،وليــن العظــام عنــد األطفــال ،وكانــت ثمــة فتــاة فــي الثالثــة عشــرة مــن عمرهــا ،اســمها نوريــة ،تملــك قل ًبــا فــي الجانــب األيمــن مــن الصــدر ،ولــم تشــخص أبــدً ا مــن قبــل ،وجــاءت تشــكو مــن قمــل الــرأس الــذي يســري فــي الليــل ،ويمنعهــا النــوم ،لكــن هيئتهــا الهزيلــة أغرتنــي بفحصهــا كامـ ًـا ،ومــن ثــم عثــرت علــى ذلــك العيــب الخلقــي النــادر. كنــت مغتب ًطــا مــن ذلــك التنــوع الــذي اليتوافــر بســهولة ،بالرغــم مــن تعبــي الشــديد ،ومحاوالتــي المجهــدة فــك رمــوز الرطانــة القبليــة التــي كانــت تصــدر مــن بعضهــم ،ممــن اليجيــدون العربيــة أو يتصنعــون عــدم إجادتهــا حتــى يظلــوا مربوطيــن بهوياتهــم ،خاصــة النســاء المســنات ،وقــد اســتفدت مترجمــا فور ًيــا فــي تلــك الســاعات، كثيـ ًـرا مــن فصاحــة الشــيخ الــذي واجهنــي فــي البدايــة ،عينتــه ً مريضــا بــأي شــيء. ولــم يكــن ً كان اســمه حامــد رطــل ،اســم شــائع عنــد قبيلتــه ،واليوجــد تقري ًبــا عنــد قبيلــة أخــرى ،وقــد عمــل حمـ ً ـال بالمينــاء ،حتــى تعــب ظهــره مــن حمــل األجولــة والحقائــب ،وازداد فقـ ًـرا مــن طــوال حياتــهّ ، تفاهــة العائــد الــذي كان يجنيــه ،واآلن يعتمــد علــى أبنائــه الذيــن يعملــون فــي وظيفتــه الســابقة، نهــارا علــى مقهــى شــعبي فــي حــي (المرغنيــة) ،يراقــب الطريــق الضــاج ،يــرد التحايــا يجلــس ً ويمــازح المــارة ،ويذهــب فــي المســاء إلــى معالــج روحانــي اســمه الشــيخ الحلمــان ،يســكن فــي أيضــا ،يســاعده فــي إيقــاد بخــوره ،وترتيــب دخــول مرضــاه النفســيين، ذلــك الحــي الفوضــوي ً ويطمــح فــي األيــام القادمــة أن يفتتــح عيادتــه الروحانيــة الخاصــة بعــد أن تعلــم كثيـ ًـرا مــن الحيــل عنــد شــيخه. لمهــم لــم تــأت ســيرة ( إدريــس علــي ) مــرة أخــرى أثنــاء حــواري مــع الرجــل ،وال ســألت عــن كيفيــة ّ هكــذا ،وإرســالهم إلــي ،وهــل حملتهــم تلــك الباصــات مــن منطقتهــم البعيــدة ،بإنســانية أم ال؟... 162 ةّيبدألا ُصوصّنلا -الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ كنــت فــي الحقيقــة قــد أعجبــت بــه ،وفكــرت أنــه ربمــا ينفــع شــخصية فــي روايــة قــد أكتبهــا ذات يــوم. بالطبــع كانــت الحصيلــة الماديــة فــي ذلــك اليــوم ،صفـ ًـرا ،وحتــى أولئــك المرضــى المعتــادون ممــن يتــرددون علينــا بشــكل مســتمر للكشــف أو المقابلــة الروتينيــة ،لــم يجــدوا طريقــة للدخــول إلــى العيــادة بســبب الزحــام ،ومضــوا إلــى طبيــب آخــر ،يملــك عيــادة قديمــة فــي أول الحــي. كانــت الباصــات قــد مضــت تحمــل شــعب إدريــس الفوضــوي إلــى مقــره البعيــد ،ووقــف عــز الديــن أتعودهــا منــه ،أن أدفــع ثمــن تلــك الحقــن التــي كتبتهــا أمامــي ســاخ ًطا ،ويطالبنــي فــي جــرأة لــم ّ للمرضــى ،واســتهلكوها عــن آخرهــا ،وكانــت ملكــه ،اشــتراها بمالــه الخــاص ،ويســتخدمها فــي أيضــا خســر الكثيــر مــن الوقــت ،والمخــدر الموضعــي ،والشــاش جنــي بعــض الربــح اإلضافــيً ، المعقــم ،حيــن أجبرتــه علــى ختــان صبــي صغيــر ،قــدم برفقــة أولئــك المرضــى الفجائييــن. حيــن وصلــت إلــى البيــت ،وجــدت أســرتي كلهــا تقــف فــي الشــارع ،مدهونــة بالقلــق ،لقــد تأخــرت عــن موعــد وصولــي ..تأخــرت كثيـ ًـرا فــي ذلــك اليــوم ،ولــم تكــن ثمــة طريقــة للبحــث عنــي ،وأنــا أقــود العربــة الوحيــدة التــي تملكهــا العائلــة لــم تكــن ثمــة هواتــف تعمــل فــي المدينــة ذلــك الحيــن. 163 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ألسنة النار تتكلم حممد عبيد غباش خــرج أحــد األصدقــاء بمفــرده فــي رحلــة صيــد ســمك .وعندمــا حــاول العــودة اكتشــف أن وقــود قاربــه قــد نفــد .كان قري ًبــا مــن إحــدى الجــزر غيــر المأهولــة .اســتخدم المجــداف للوصــول إليهــا وأمضــى ســاعات طويلــة وحيــدً ا مــع نفســه :ال إنســان يســامره .ال كتا ًبــا أو جهــاز تلفزيــون يشــغل وقتــه .لــم تـــمأل ســاعات انتظــاره إال رمــال الجزيــرة الصغيــرة وهديــر أمــواج البحــر وزعيــق النــوارس. لــم يقلــق ،فقــد تواصــل هاتف ًيــا مــع أصحابــه ليأتــوا لنجدتــه .وكان هنــاك مــا يكفــي مــن الطعــام والمــاء لعــدة أيــام ،وكان يســتطيع أن يصيــد الســمك .األمــر الــذي وجــده غيــر محتمــل ،كمــا روى لــي ،هــو ابتعــاده عــن بيتــه. بــدل ركــوب البحــر ذهبــت مــع أصدقــاء فــي رحلــة بعيــدة بســيارتي دفــع رباعــي إلــى الصحــراء. وحيــن اختفــت مظاهــر الحضــارة بالكامــل تو ّقفنــا عنــد مــكان قريــب مــن جــذوع شــجرة غــاف يابســة ونصبنــا خيمتنــا .لــم ينفــد وقودنــا .لــم نضــع الطريــق .لكــن كنّــا بعيديــن عــن بيوتنــا. أشــعلنا النــار ،وبـ ً ـدل مــن مســامرة التلفزيــون كل ليلــة جلســنا علــى الرمل مباشــرة وأخذنــا كاألطفال نرقــب النــار مســحورين .أدركــت لحظتهــا لمــاذا عبدهــا قدمــاء الفــرس :كانــت فــي خشخشــتها ـف بــه أدخنــة ســوداء قليلــة كانــت تتشــكل تكوينــات ال نهايــة تفشــي األســرار .وســط لهــب أزرق تحـ ّ لهــا مــن األلســنة النحاســية المتدرجــة األلــوان .لــم أفتقــد بيتــي تلــك الليلــة كمــا افتقــد صديقــي بيتــه وهــو الــذي ســاقت لــه األقــدار جزيــرة ُملكــه وحــده .علــى كثيــب الرمــل ســاد الشــعور بيــن أصدقائــي بــأن بيوتنــا التــي تركناهــا وراءنــا صــارت ســجونًا لنــا. عظيمــا لــكل النــاس .قلعــة الرجــل كمــا يقــول المثــل اإلنكليــزي :حصــن يتمترس يمثــل البيــت شــي ًئا ً وراءه عــدة عقــود ليحــارب ألجــل لقمــة العيــش ولينجــب أطفـ ً ـال تتواصــل بهــم الســالة ..لكــن القلعــة االنكليزيــة كثيـ ًـرا مــا تتحــول إلــى ســجن عثمانــي تضيــع فــي أقبيتــه ،و ينســاك فــي غياهبــه مح ّبــوك بعــد أن ييأســوا مــن تحريــرك. والحمــام ـب الكثيــر ممــا بداخــل البيــت ،الثالجــة العامــرة بالمــاء البــارد صي ًفــا مثــل كل النــاس أحـ ّ ّ 164 ةّيبدألا ُصوصّنلا -الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ بمائــه الســاخن شــتاء ،ومعهمــا الغنائــم الصغيــرة الكثيــرة األخــرى .لكــن هــل تســتحق هــذه األشــياء نضحــي بالغنائــم األكبــر التــي يمنحهــا العالــم؟ امتــاك مالييــن النجــوم التــي تلمــع فــي ســماء أن ّ الليــل ،وأحجــار الجمــر الكريمــة التــي تتوهــج علــى الرمــل؟ رواســب البــداوة فــي نفوســنا تنتفــض رغــم االســتقرار فــي مــدن ،ورغــم التعليــم وكل «حيــل المدينــة األخــرى» .البــداوة الباقيــة فينــا تجعلنــا نتملمــل فــي بيوتنــا ،نختنــق وراء جدرانهــا ،ودون وعــي نشــتاق لتموجــات الســراب البعيــد ،لقــوس قــزح مع ّلــق فــوق رؤوســنا ،ألفــق ال تبلغــه أبصارنــا .أجدادنــا وهــم ينقلــون الخيــم وبيــوت ّ الشــعر مــن مــكان آلخــر كانــوا يجــدون ســعادتهم فــي الترحــال .اكتشــفوا أن طــول البقــاء فــي مــكان واحــد يدفــع بالحــواس للتب ّلــد فــإذا بغاللــة تحيــط األشــياء وتظهرهــا شــاحبة .ويمتــد التب ّلــد ليبتــذل مشــاعرنا لمــن نحــب. مــع شــاعرنا أبــي تمــام كانــت ألســنة النــار تســتنهضنا :ارتحــل تتجــدد! ارتحــل عــن وطنــك حتــى تح ّبــه أكثــر ،فعنــد المرتحــل الحقيقــي كل بقعــة علــى األرض هــي وطــن له .ارتحــل مع المســافرين. اختــر مــن تشــاء :مــع مغامريــن يلهثــون وراء الثــروات ،أو علمــاء يكتشــفون .رافــق االختصاصييــن فــي شــؤون البراكيــن وارصــد مــع الباحثيــن عــادات القبائــل البدائيــة... على ذلك الكثيب الرملي كانت عيدان الغاف وهي تحترق ترسل بخورها وتحذر: جذورا في باطن األرض! لست دودة لتغوص في التراب! أنت لست شجرة لتحفرً النسيم البري كان يلهب النار ،وكنت أسمع حفيفه :كن ريشة في مه ّبي! كيــف لــم يســمع صديقــي نــوارس جزيرتــه وهــي تناديــه للرحيــل؟ كيــف لــم يــر األمــواج حولــه ترشــده لوجهــة الســفر إذ هــي تتوالــى الواحــدة تلــو األخــرى فــي طريقهــا الطويــل للجانــب اآلخــر مــن العالــم؟. علــى كثيبنــا الرملــي األعيــن تلمــع علــى ضــوء النــار والقمــر .أصدقــاء يتجاذبــون الحديــث ويتوجســون مــن أن كل شــيء ســينتهي بعــد قليــل .احتــج أحدهــم: تجــول خاطــف ال يتيــح المجــال للغــوص فــي فاتحــا للبصيــرة ،فأكثــره ّ ليــس الترحــال دائمــا ًالمــكان وال رصــد معالمــه. 165 كتاب النصوص للصف احلادي عشر أجابه آخر: لكنــه برغــم ذلــك مائــدة ســخية لــكل الحــواس .شــكل وصــوت ورائحــة كل بلــد فريــدة ال تشــبه غيرهــا ،تما ًمــا مثــل فــرادة بصمــة اإلصبــع. زرعوا في نفوسنا الجبن عن الترحال بالتخويف من الغربة..ً مطــول ..لكــن كيــف يمكــن ذلــك؟ كيــف تســتطيع أن تهــرب مــن هــذه الســجون دون تداولنــا أيضــا مــن الوظيفــة إال أن يكــون أحدهــم قــد أورثــك مــا يكفــي لتضمــن عيشــك؟ ت ًبــا أن تهــرب ً لألحــام التــي ال يمكــن تحقيقهــا! حســبة شــيطانية :الحريــة والجــوع خــارج الحبــس واألمــان المعيشــي بداخلــه. رحلــة العــودة .أطفــال راجعــون لبيوتهــم مــن اللعــب يملؤهــم الحنــق ألن الواجبــات المدرســية ـخصا تنتظرهــم .كنــا نحــن الســبعة فــي الصحــراء ،يســري علينــا قــول قديــم لتشــي غيفــارا 17 ،شـ ً الصلبــة، يســيرون علــى ضــوء القمــر .دا ّبتنــا الميكانيكيــة ،وليســت الخيــول التــي تــدق الصخــور ّ ـدوي كالمطرقــة علــى أصداغنــا. تهــدر فــي الفضــاء .مــا العمــل؟ ســؤال لينيــن يـ ّ تحركــت البــداوة فــي دمائنــا وصرنــا نحلــم بالغنائــم .فــي طريــق العــودة تدفقــت أفكارنــا .نحــن المســاجين أخذنــا نفكــر بالمهــام المقبلــة .كيــف نبــرد القضبــان ،نخــادع الحـ ّـراس ،نرشــو المراقبين، ونحفــر األنفــاق كان لســان حالنــا يــر ّدد مــع الشــاعر :فــي كل ســرداب خبيئــة ،وفــي كل خبيئــة أفعــى. 166 ةّيبدألا ُصوصّنلا -الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ جوم َت َت َلألَ ُأ غات العالَ ِم ن ُ لُ ُ ٌ (رسول حمزاتوف) الكتــاب يشــبِه ســجادةًَ ،فأنــا َأحيكُهــا ِمــن ُخيـ ِ كان هــذا ِ ـوط ال ُّل َغـ ِـة اآلفاريــة م َتعــدِّ د ِة األلـ ِ إذا َ ـوانَ .وإذا َّ ُ َ َ ُ ُ ُ َ ّ َ ِ ِ ِ الخـ ِ ـروف َفأنــا َأخيـ ُ ِ كان ُيشــبِ ُه َفــرو ًة ِمــن ِجلـ ِـد َ المتينَـ ِـة. ـط الجلــدَ بِخيــوط ال ُّل َغــة اآلفار َّيــةَ ، ـال إ َّنـ ُه َلــم َيكــن فــي ال ُّلغـ ِـة اآلفار َّيـ ِـة فــي الماضــي ،الماضــي ال َبعيـ ِـد ِجــدًّ ا ِســوى َعــدَ ٍد َقليـ ٍ ُيقـ ُ ـل جــدًّ ا ِ ِ يــة ،والح ِ َلمــاتَ .فمفاهيــم كالحر ِ ِ ِ الخيــر َ يــاةَّ ، ــر عنهــا داقــةَ ،و الص ِمــن الك والشــجا َعةَ ،و َّ َ َ كان ُيع َّب ُ ُ ِّ ُ َ كلمـ ٍ كلمـ ٍـة واحــدَ ٍة َأو بِ ِ ِ ـات ُمتَشــابِ َه ٍة ِجــدًّ ا ِمــن َحيـ ُ ـث َلفظِهــا َومعناهــا. بِ َ لِي ُقـ ِ َطيع َأن أقـ َ ـرون ّ ـل اآلخـ َ ـت فــي ـول بِ ُل َغتــي ك َُّل مــا أريــدُ ُهَ ،ولسـ ُ إن لغـ َة َشــعبِنا َفقيــرةً .أ ّمــا َأنــا فأسـت ُ حاجـ ٍـة إلــى ُل َغـ ٍـة ُأخــرى َكــي ُأعبــر عــن َأفــكاري ومشـ ِ ـاعري.... َ َ َ ِّ َ ِ ِ الشـ ِ ـات ُّ ـذوب النُّجــو ُم ُك ُّلهــا فــي نَج ـ ٍم ُلغـ ُ الســماء .أنــا ال أو ُّد َأن َتـ َ ـعوب بِالنِّس ـ َبة لــي ،كالنُّجــو ِم فــي َّ ـف السـ ِ ِ ٍ ـك .لكـ ْن لِنَــدَ ِع النُّجــو َم َت َتـ َ ـمس كَفي َلـ ٌة بِذلـ َ ـماءَّ . ـي الشـ ُ ـألُ هـ َ كبيـ ٍـر واحــد َضخـ ٍم ُي َغ ّطــي نصـ َ َّ ـان نَجم ـ ٌة /و ْلي ُكــن لِـك ُِّل إنسـ ٍ األُخــرى ،و ْل َت ُكــن لِـك ُِّل إنسـ ٍ ـان ن َْج ُم ـ ُه. َ َ َ َ ِ ِ يولوج ّييـ َن ا ّلذيـ َن َيقولـ َ الج يوجــدُ ـون إ َّنـ ُه َقــد َ ـب نَجمــيُ -ل َغتــي (اآلفار َّيـ َة) األُ َّمَ .وأنــا ُأ َصــدِّ ُق ُ أنــا ُأحـ ُّ غيــر َذهــب كثيــر .إحــدى الن ِ ِ ِ الج َب ِ هــذه الدَّ عــوةَ: امــر ٍأة ُأخــرى ِّســاء َص َّبــت علــى الص ِ َ ٌ ــل َّ فــي َ رأس َ ٌ ـات م ِ ِ ِ ـم ...إلــى هــذا الحــدِّ تَكـ ُ رع َب ـ ًة فــي ـون ال َّلعنـ ُ ُ ـم بِهــا ُأ ُّم ُهـ ُ ِل َيحـ ِـر ِم ال ّل ـ ُه أوال َدك ال ُّل َغ ـ َة ا ّلتــي َتتَك َّلـ ُ ـات ،ي ِ ـدون لعنـ ٍ ـانِ ، ـال ،وح ّتــى بِـ ِ ـض األَحيـ ِ لكــن فــي ِ َبعـ ِ فقــدُ اإلنسـ ُ ـان ا ّلــذي ال َيح َتـ ِـر ُم ُل َغ َتـ ُه األ ُّم َ َ الجبـ ِ َ احتِرام ـه ،فــاألم الجبلي ـ ُة َلــن تَقــر َأ َأشــعار ابنِهــا إذا كا َنــت مكتوب ـ ًة بِ ُل َغـ ٍـة ِ فاســدَ ٍة. َ ُّ َ َّ َ ُ َ ذات يــو ٍم بِرســا ٍم ِ راسـ ِـةَ ،وهنـ َ داغ ْســتانِ ٍّي َ ـاك ـس َ التقيـ ُ ـت فــي باريـ َ كان َقــد غــا َد َر ال َب َلــدَ إلــى رومــا للدِّ َ ّ ِ ِ ِ ِ اغســتانِي ا ّلــذي اعتــا َد َقوانيـ َن ِ الجبـ ِ ـف ـب َعليـ ِـه أن َيأ َلـ َ ـال َيص ُعـ ُ َتـ َّ ـزو َج إيطال َّيـ ًة َو َلــم َيعــدْ إلــى َبلــده .الدّ ْ ُّ ِ ِ ِ الرحـ َ ـارةًَ ،و َيحـ ُّ المتأ ِّل َقـ ِـة َو َطنَـ ُه َ ـال فــي العواصـ ِم ُ ـط ِّ ـم فــي أرجــاء الدُّ نيــا تـ َ الجديــدَ .أخـ َـذ صاح ُبنــا َيهيـ ُ تــار ًة ُأخــرى .لكنَّـه َ ِ دت ْ الحنيـ َن ُم َج َّســدً ا َحـ َـلَ .و َأر ُ أن َأرى هــذا َ كان َيحمـ ُـل َحنينَـ ُه َو َشــو َق ُه َحي ُثمــا ارت َ ُ ـت إلــى الفنّـ ِ فــي األلـ ِ ـان أن ُي ِر َينــي َلوحاتِـ ِـه. ـوان َفط َل ْبـ ُ َحمـ ُـل هــذا االســم «الحنيـن إلــى الوطـ ِ ِ ـات ت ِ إحــدى ال ّلوحـ ِ وحـ ِـة إيطال َّيـ ٌة فــي ِز ٍّي ـن» ُرسـ َـم ْت علــى ال َّل َ َ ْ َ َ ُ 167 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ِ ِ ِ ِ ِ ـي ا ّلــذي َصنَ َعـ ُه ِح َرفِ ّيــو «غوتْســاتْلين» ـاري َقديـ ٍم .إنَّهــا عنــدَ النَّبـ ِع َ آفـ ٍّ ـي ،تَحمـ ُـل إ ْبري َقهــا الفضـ َّ الجبلـ ِّ ِ ِ ـع كَئي َبـ ًة َقر َيـ ٌة ِ الج َبـ ِ ـب ِجبـ ٌ آفار َّيـ ٌة ِمــن َح َجـ ٍـرَ ،و َفـ َ َ ـهورونَ ،وعلــى َسـ ِ ـال المشـ ـوق ال َقريــة تَنتَصـ ُ ـل تَق َبـ ُ ـفح َ َ ِ ِ ِ ـاب. َأك َثـ َـر اكتئا ًبــاَ ،و ُذرا الجبــال َي ُل ُّفهــا َّ الضبـ ُ ـفوح ِ ـوع ِ الجبـ ِ الجبـ ِ قـ َ ـال الفنّـ ُ ـال ،ت ُ ـرات ـال .حي ـ َن َيلـ ُّ َأخـ ُـذ َقطـ ٌ ـف َّ ـانَّ : ـاب ُسـ َ الضبـ ُ ـاب ُهــو ُدمـ ُ الضبـ ُ أيــت علــى َلوح ٍ ِ ِ ِ ــة ُأخــرى الص ُمضي َئــ ٌة فــي بــاب ُهــو أنــاَ .و َر ُ خــورَّ . َ الض ُ االنســياب علــى تَجاعيــد ُّ ِ خــور ِ ِ ــة ِ ــط علــى َعضاه ٍ ِ ِ طائ ًــرا َي ُح ُّ شــائك ٍَةُّ . غــر ُدَ ،و ِمــن الص َ ــج ْي َر ُة تَنمــو َبيــ َن ُّ الش َ العار َيــة .ال ّطائ ُــر ُي ِّ ّــان اهتِمامــي بِال َّلوح ِ يــت تُحــدِّ ُق ِ اك الب ِ ُشــب ِ ــح َي ُ فيــه َج َبل َّيــ ٌة َحزينَــ ٌةَ .وحيــ َن َرأى ال َفن ُ قــول: ــةَ ،أ َ وض َ َ َ ّ ٍ ٍ ِ ديم ٍة. وح ُة ا ْق َت َب ْستُها ِمن ُأ هذه ال َّل َسطورة آفار َّية َق َ َ سطور ٍة؟ أي ُأ ََّ ِ ِ اصطــادوا ِطائـ ًـرا َو َو َضعــو ُه فــي َق َفـ ٍ ـاراَ :و َطنــيَ ،و َطنــي، ْ ـصَ .أ َخـ َـذ ال ّطائـ ُـر ُيـ َـر ِّد ُد فــي َق َفصــهَ ،ليـ ًـا نَهـ ً َو َطنــيَ ،و َطنــيَ ،و َطنــيَ ،و َطني. ِ ِ ِ ِ ِ ِ «أي َو َطـ ٍ هكــذا أنــا تَما ًمــا َّ ـن ُهــو َو َطنُـ ُه؟ ـب ال ّطائـ ِـر فــي نَفســه َّ الســنوات ُأ َر ِّد ُدَ ..و َف َّكـ َـر صاحـ ُ كل هــذه َّ شــجار الجن ِ وأيــن هــو؟ ال بــدَّ أنَّــه ب َلــدٌ ِ رائــعِ ، َّــة َو ُط ِ يورهــا .ه ّيــا ــور ُهِ ،مــن َأ زاه َــر ٌة َأ َ ُ ِ َ ٌ ًَ ُ شــجار ُهَ ،و ُط ُي ُ ُ َف ُ ِ ـراح ُه َو َأرى أي ـ َن َيطيـ ُـرَ .و ُهــو َس ـ َيدُ ُّلني علــى ال َّطريـ ِـق إلــى هــذا ال َبلـ ِـد ال َعجيـ ِ ـح ـبَ .و َف َتـ َ ألطلـ ْـق َسـ َ ٍ ِ ِ الصخـ ِ ـم َحـ َّ ـور ضاهـ ٍـة كانـ ْ ـط علــى َع َ ـت تَنمــو َبيـ َن ُّ ال َق َفـ َ ـص فان َط َلـ َـق ال ّطائـ ُـر ُمبتَعــدً ا َع ْشـ َـر ُخطــواتُ ،ثـ َّ ِ ِ العاريـ ِـة ،فــي أحضـ ِ كان ُع ُّشـ ُهَ .و َأنْهــى الفنّـ ُ ضاهـ ِـة َ ـع إلــى ـان هــذه ال َع َ ـان كَال َمــه قائـ ًـا :أنــا َأ ْي ًضــا َأ َت َط َّلـ ُ ْ َِ و َطنــي ِمــن ُش ـب ِ اك َق َفصــي. ّ َ َ -ولِماذا ال تُريدُ َأن تَعو َد؟ ِ لــت آن َ المت ََو ِّقــدَ َ ،ف ْ ــح ُمت ِّ لبــي ّ هــل َــذاك ِمــن ــراَ .ل َقــد َح َم ُ ُ الش َّ الوقــت أص َب َ ــاب ُ أرض َو َطنــي َق َ َأخ ً َطيع َأن ُأعيــدَ إ َل ْيهــا َ ظامــي البالِ َيــ َة؟ اآلن ِع َأ ْســت ُ َ حي ـن ُعـ ُ ِ ب ال َفنّـ ِ ـت َعــن أقـ ِ ـار ِ ـانَ ،ولِدَ ْه َشــتي َت َب َّي ـ َن َّ أن ُأ َّم ـ ُه مــا زالــت علــى َقيـ ِـد ـس َبحثـ ُ ـدت مــن باريـ َ َ ِ ِ ِ ٍ الحيــاةَ .وبِ ُحــزن َأ ْصغــى ِ ـم ا ّلــذي َتـ َ ـرك َوطنَـ ُه أقار ُبـ ُه ا ّلذيـ َن اجتَمعــوا فــي ال َبيــت إلــى َحديثــي َعــن ابن ِهـ ُ أرضــا غري َبـ ًة .لكن َُّهــم ،كمــا َيبــدو ،كَأنَّمــا َغ َفــروا َلــه .كانــوا َمســروري َن َّ ـي واسـتَبدَ َل بِــه ً ألن ابن َُهــم َحـ ٌّ 168 ةّيبدألا ُصوصّنلا -الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ َمــع هــذاَ .و َف ْجــأ ًة َســأ َلتْني ُأ ُّمـ ُه: ِ َحدَّ ثتُما بِ اآلفار َّي ِة؟ -هل ت َ وسي َة ،وابن ُِك ال َفر ِ ِ ك َّل .تَحدَ ْثنا بِ ِواس َط ِة مت ِ نس َّي َة. َرج ٍم .ك ُ الر َّ َ ُنت أنا أ َت َك َّل ُم ّ ُ ـت األم وجههــا بِ َطرحـ ٍـة ســوداء كَمــا تَفعـ ُـل النِّســاء ِحيـن يســمعن بِمـ ِ َغ َّطـ ِ ـوت ابنِهـ َّنَ . المطـ ُـر َين ُقـ ُـر َ َ َ َ َ ُّ َ ْ َ كان َ ُ َ َ َ َجلــس فــي آفاريــا .وعلــى ال َّطــر ِ ـطح البيـ ِ ـت ،و ُكنّــا ن ِ ـسُ ،ر َّبمــا َ ف َ كان اب ـ ُن اآلخـ ِـر ،فــي باريـ َ ُ َ علــى َسـ ِ َ َ ـوت الم َطـ ِـر .وبعــدَ صمـ ٍ أيضــا إلــى صـ ِ ِ ـت َطويـ ٍ الضـ َّ داغسـ َ ـت أ ُّمـ ُه: ـل قا َلـ ْ ـال ُي ْصغــي ً ـتان ّ َ َ َ َ ِ ـن َبعيـ ٍـد .هــذا َلــم َيكـ ِ ـات ا ْبنــي ُمنـ ُـذ َزمـ ٍ ـئ يــا َرسـ ُ ـن ا ْبنــي .فا ْبنــي َلــم َي ُك ـ ْن ـولَ .ل َقــد مـ َ أنـ َـت ُمخطـ ٌ ِ ِ َطيع ْ (اآلفار َّي ـ ُة). أن َينســى ال ُّل َغ ـ َة ا ّلتــي َع َّلم ُتــه إ ّياهــا .أنــا أ ُّم ـ ُه ل َيس ـت َ 169 كتاب النصوص للصف احلادي عشر أُ ّمي * (مـارك تويـن) كانــت والدتــي فــي الثامنــة والثمانيــن مــن العمــر عندمــا توفيــت فــي أكتوبــر مــن عــام .1890وهــو عمــر يكشــف مــدى بأســها وقوتهــا ،ويكشــف عــن معركــة مــن أجــل الحيــاة خاضتهــا وأبلــت فيهــا بــا ًء حس ـنًا ،هــي التــي بلــغ جســمها عندمــا كانــت فــي األربعيــن حــدًّ ا مــن الرقــة والضعــف جعــل مــن حولهــا مــن النــاس يعتبــرون أنهــا قــد بلغــت أســوأ الحــاالت وأنهــا قــد تمــوت فــي أيــة لحظــة. عرفتهــا جيــدًّ ا فــي الخمــس والعشــرين ســنة األولــى مــن حياتــي ،ولكنــي لــم أكــن أراهــا بعــد ذلــك ً طويــا .وأنــا ال أنــوي الكتابــة عنهــا لمجــرد إال فــي أوقــات متباعــدة ،فقــد ّفرقــت بيننــا الحيــاة الكتابــة ،ولكنــي أحــب الحديــث عنهــا بالفعــل. ماالــذي يحــل بالصــور التــي يلتقطهــا ّ الذهــن لآلخريــن؟ مــن بيــن مالييــن الصــور ،تظــل صــورة والدتــي كأول وأقــرب صديقــة إلــى نفســي شــديدة الوضــوح ،صــورة تعــود إلــى زمــن بعيــد يمتــدّ ســب ًعا وأربعيــن ســنة .كانــت وقتهــا فــي األربعيــن ،وكنــت أنــا فــي الثامنــة .هــي تمســك بيــدي ،وكالنا جــاث علــى ركبتيــه بجــوار ســرير أخــي ،الــذي كان يكبرنــي بعاميــن ،وهــو ممــدد علــى ســريره ،قــد فــارق الحيــاة ،وعيناهــا تفيضــان بالدمــوع. كانــت والدتــي نحيلــة ضئيلــة الجســم ،ولكــن كان لهــا قلــب كبيــر ،قلــب يتســع ألحــزان الجميــع، ويتســع ألفراحهــم .الفــارق األكبــر الــذي وجدتــه بينهــا وبيــن بقيــة النــاس ممــن عرفــت هــو ّ أن اهتماماتهــم كانــت قويــة فقــط تجــاه أشــياء قليلــة ومحــدودة ،أمــا هــي فقــد ظــل يشــغلها أمــر العالــم بأســره بــكل مافيــه وبــكل مــن فيــه حتــى آخــر يــوم مــن أيــام حياتهــا .وطــوال تلــك الحيــاة التــي عاشــتها لــم يظهــر منهــا اهتمــام بأمــر أو شــخص إال وكان كامـ ًـا ،فهــي لــم تكــن لتهتــم بأمــر وتتــرك ـورا أخــرى ،أو تهتــم بشــخص وتهمــل اآلخريــن. أمـ ً كان اهتمامهــا بالبشــر والحيــوان صاد ًقــا ينبــع مــن داخلهــا ،ويحمــل الحــب والــود .وكانــت تجــد العــذر ألكثــر النــاس فظاظــة حتــى لــو تطلــب ذلــك أن تختلقــه اختال ًقــا ،فمحبــة اآلخريــن كانــت هــي القاعــدة التــي تنطلــق منهــا .لقــد جبلــت علــى أن تكــون صديقــة لــكل مــن حــرم الصداقــة. *) سيرة ذاتية ،ترجمة سعيد رضوان ،هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة.2014 ، 170 ةّيبدألا ُصوصّنلا -الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ ذات يــوم ،وبينمــا كانــت تســير فــي أحــد الشــوارع فــي ســان لويــس ،وقــع بصرهــا علــى أحــد ســائقي العربــات وهــو يضــرب حصانــه علــى رأســه بمقبــض ســوطه الثقيــل ،ففأجأتــه وأخــذت الســوط مــن يــده ،وانتزعــت منــه وعــدً ا بــأالّ يقســو علــى حصــان بعــد ذلــك ،وهــذا النــوع مــن اإلجــراءات فيمــا يتعلــق بالحيوانــات التــي تســاء معاملتهــا كان أمـ ًـرا مألو ًفــا لديهــا مــدى العمــر ،وكانــت بحســن دائمــا ،وأحيا ًنــا كانــت تفــوز بصداقــة الشــخص ذاتــه الــذي أســلوبها وطيــب نيتهــا تحقــق غايتهــا ً تتحــداه .كانــت تتبعهــا القطــط الشــريدة والضالــة والمؤذيــة إلــى البيــت ،فتســتقبلها .ذات مــرة عــام ألي منهــا ميــزة أو حســنة 1845وصــل عــدد القطــط فــي بيتنــا إلــى تســع عشــرة قطــة ،ولــم يكــن ّ واحــدة . لقــد كانــت تشــكل عب ًئــا ثقيـ ًـا علينــا وعلــى والدتــي كذلــك ،ولك ـ ّن وجودهــا كان صنيعــة الحــظ، وهــذا يكفــي ؛ فــكان يجــب أن تبقــى .ومــع كل هــذا فقــد كان وجودهــا أفضــل مــن عــدم وجودهــا، ـموحا لنــا أن نقتنــي فاألطفــال تلزمهــم حيوانــات فــي البيــت يالعبونهــا ويالطفونهــا ،إذ لــم يكــن مسـ ً ـورا أو حيوانــات ونضعهــا فــي أقفــاصّ ، ـس حتــى الفــأر. الن أمــي لــم تكــن لتســمح بــأن ُيح َبـ َ طيـ ً 171 كتاب النصوص للصف احلادي عشر الدراسة يف اجلامعة * (هيلني كيلر) ـتقر رأينــا أخيـ ًـرا علــى أنــه يحســن بــي أن أدرس عا ًمــا آخــر تحــت إشــراف المســتر كيــث قبــل اسـ ّ التحاقــي بالكليــة ،ولهــذا لــم يتح ّقــق حلمــي فــي ّ الذهــاب إلــى الجامعــة فعـ ًـا إال بحلــول خريــف مفعمــا باإلثــارة عــام ،1900ومازلــت طب ًعــا أذكــر يومــي األول فــي كل ّيــة رادكليــف؛ إذ كان يو ًمــا ً بالنســبة لــي ألننــي ظللــت أتط ّلــع إليــه علــى مــدى عــدّ ة ســنوات مــن عمــري. كانــت بداخلــي قـ ّـوة هائلــة تدفعنــي وتجعلنــي راغبــة فــي مواجهــة الصعــاب واالختبــارات التــي يواجههــا عــادة أولئــك القــادرون علــى الســمع والبصــر ،وقــد نصحنــي أصدقائــي بــأال أحــاول ذلــك ،بــل إنــه حتــى قلبــي الــذي بيــن ضلوعــي كان يحــاول فــي بعــض األحيــان إقناعــي بالتّخ ّلــي الملحــة .وكنــت أدرك تمــام اإلدراك أنّنــي فــي ســبيلي لمواجهــة أمــر ليس باليســير؛ الرغبــة ّ عــن تلــك ّ ـم عزمــت علــى قهــر ّ وترســخ فــي نفســي ّ الشــعور بأنّنــي قــادرة علــى التّع ّلــم الصعــاب، كل ّ ّ ومــن ثـ َّ والســمع؛ فـ ّ ـكل الفــارق بينــي بنفــس القــدر ا ّلــذي يمكــن أن يتع ّلــم بــه أي شــخص قــادر علــى الرؤيــة ّ وبينهــم ّ ـي تحصيــل المعرفــة بطريقــة مختلفــة ،وخامرنــي شــعور بأنّنــي أن ظروفــي كانــت تح ّتــم علـ ّ فــي الكل ّيــة يمكــن أن أصبــح وثيقــة الصلــة بالكثيــر مــن الفتيــات الالتــي يف ّكــرن ويناضلــن ،ويبديــن مشــاعر الحــب واألمــل مثلــي. أمامي..عالمــا عالمــا ينفتــح ً شــرعت فــي دراســتي بجــدّ وشــغف ،وكنــت فــي ذلــك الوقــت أرى ً أن باســتطاعتي تع ّلــم ّ مزده ًيــا بالجمــال ،وســن ًّيا بالضيــاء ،وشــعرت َّ كل شــيء ،اعتقــا ًدا منّــي بأ ّنــه ّ خليــق بــي فــي دنيــا العقــل والفكــر أن أكـ َ ـر،وأن ماتحفــل بــه تلــك كأي شــخص آخـ ـون حـ ّـرة طليقــة ّ الســعادة والتّعاســة ســوف تعيننــي الدّ نيــا مــن المشــاهد ّ المتنوعــة وال ّطرائــف المتباينــة ،وألــوان ّ تفهــم طبيعــة العالــم الحقيقــي المحيــط بي...بــل ّ إن الفصــول الدّ راســ ّية بــدت لــي جمي ًعــا علــى ّ مأهولــة بــأرواح العظمــاء والحكمــاء ،وبــدا لــي األســاتذة متســمون برجاحــة العقــل والحكمــة. لكننــي ســرعان مــا اكتشــفت ّ تصورتــه أحالمــي ،شــي ًئا أن الكل ّيــة ليســت هــي تما ًمــا ال ّطريــق ا ّلــذي ّ ثمــة أشــياء غيــر ط ّيبــة تكتنــف ّ فشــي ًئا مضيــت أكتشــف ّ الذهــاب إلــى الكل ّيــة؛ فعلــى ســبيل المثــال أن ّ ـدي قــدر كاف مــن الوقــت ـدي مايكفــي مــن الوقــت ...فأنــا قــد تعـ ّـودت علــى أن يتوافــر لـ ّ لــم يكــن لـ ّ *) قصة حياتي العجيبة ،ترجمة محمد وهدان. 172 ةّيبدألا ُصوصّنلا -الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ ألف ّكــر ،أو ألجلــس علــى انفــراد فــي المســاء وأحلــم ،أو ألهيــم مــع إحــدى القصائــد ا ّلتــي أفضلها.. لكننــي فــي الكل ّيــة لــم أكــن أجــد وق ًتــا لـ ّ ـكل هــذا! فالمــرء يذهــب إلــى الكل ّيــة ليتع ّلــم علــى مايبــدو ال ليف ّكــر ويتأ ّمــل ...والمــرء عندمــا يذهــب إلــى الجامعــة يتــرك وراءه الكتــب والخيــال ومتعــة االنفــراد بذاتــه .وقــد تعـ ّـودت فــي ذلــك الوقــت علــى إراحــة نفســي بفكــرة أنّنــي أقــوم بتحصيــل ال ّثــروات اآلن لكــي أســتخدمها مسـ ً الســعادة والبهجــة فــي الوقت ـتقبل...لكنّني فــي واقــع األمــر كنــت ّ أفضــل ّ الحاضــر علــى أ ّيــة ثــروات يمكــن أن أمتلكهــا فــي المســتقبل! األول فــي اللغتيــن الفرنســ ّية واأللمان ّيــة ،والتّاريــخ ،واإلنشــاء تم ّثلــت مــوا ّد الدّ راســة فــي العــام ّ اإلنجليــزي ،ومضيــت فــي ذلــك العــام أقــرأ الكثيــر مــن أعمــال المؤلفيــن اإلنجليــزي ،واألدب ّ ّ الفرنس ـ ّيين واأللمــان ،كمــا درســت فــي اســتعراض مجمــل الفتــرة التّاريخ ّيــة الممتــدة مــن ســقوط اإلنجليــزي درســت الرومانيــة إلــى القــرن ال ّثامــن عشــر ،وفــي إطــار مــا ّدة األدب ّ اإلمبراطور ّيــة ّ ّ الشــاعر «ميلتــون». الصعوبــات ا ّلتــي اعترضــت مســار دراســتي فــي كثيــرا مــا ســألني النّــاس كيــف أتغ ّلــب علــى ّ ً الكل ّيــة؟ ...وهاأنــذا أجيــب؛ فمــن النّاحيــة العمل ّيــة كنــت بال ّطبــع وحيــدة فــي الفصل ،وكان األســتاذ بعيــدً ا عنّــي ّ ـي عــن طريــق الهاتــف ،وكانــت المحاضــرات تترجــم كل البعــد كمــا لــو كان يتحــدّ ث إلـ ّ الشــخص ّية ّ ـم كانــت ّ الذاتيــة لألســتاذ تغيــب عنّــي لــي بالهجــاء علــى يــدي بأســرع مايمكــن ،ومــن ثـ َّ عــادة بحكــم عــدم تواصلــي معهــا؛ فالمحاضــرات كانــت تترجــم لــي بالطريقــة ا ّلتــي يمكننــي فهمهــا بهــا بســرعة بالغــة ،واألفــكار كانــت تتدافــع إلــى رأســي كمــا تتدافــع الــكالب حيــن تطــارد أرن ًبــا... فهــي فــي بعــض األحيــان التســتطيع مالحقتــه! لكــن لســت أعتقــد أنّنــي مــن هــذه النّاحيــة كنــت ـدو ّن المحاضــرات ،فحيــن يكــون العقــل مشـ ً أســوأ حـ ً ـغول ـال مــن ســائر الفتيــات الالتــي ك ـ ّن يـ ّ بعمليــة الرؤيــة ومالحقــة الكتابــة علــى الــورق بأســرع مايمكــن فــا أعتقــد ّ أن المــرء حينئــذ يكــون قــدرا أكبــر مــن االهتمــام بالموضــوع أو بالطريقــة ا ّلتــي يقــدّ م بهــا ،وأنــا بصفــة بوســعه أن يولــي ً خاصــة لــم يكــن بمقــدوري الكتابــة أثنــاء المحاضــرات ّ الســمع ! ألن يـ ّ ّ ـدي كانتــا مشــغولتين بعمل ّيــة ّ وعــادة كنــت أقــوم بكتابــة مــا يمكننــي تذ ّكــره مــن نصــوص المحاضــرات حيــن أعــود إلــى المنــزل، كمــا كنــت أقــوم بكتابــة حلــول التّماريــن ومواضيــع اإلنشــاء ،وإجابــات االختبــارات واالمتحانــات ممــا كان يتيــح لألســاتذة أن يكتشــفوا دون أدنــى صعوبــة أنّنــي ال أعــرف ســوى علــى آلتــي الكاتبــة ّ ـدي حــروف القليــل .وكنــت أســتخدم آلــة كاتبــة مــن نــوع يمكــن تغييــر نمــط حروفــه ،وكانــت لـ ّ 173 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ـزودة بالنبــرات الفرنس ـ ّية ،وبــدون يونان ّيــة وعالمــات ورمــوز رياض ّيــة ومجموعــة مــن الحــروف مـ ّ ـك أ ّنــه كان بمقــدوري ّ مثــل هــذه اآللــة الكاتبــة أشـ ّ الذهــاب إلــى الكل ّيــة أصـ ًـا! ولــم يكــن متوافـ ًـرا فــي طبعــات (برايــل) ســوى القليــل جــدًّ ا مــن الكتــب ا ّلتــي كنــت بحاجــة إليهــا ـم لــم يكــن يتسـنّى لــي معرفــة محتــوى الكتــب الباقيــة ّإل فــي مجــاالت الدّ راســة المختلفــة ،ومــن ثـ ّ الســبب ذاتــه كنــت بحاجــة إلــى وقــت بتهجيهــا لــي علــى يـ ّ عــن طريــق قيــام شــخص ّ ـدي؛ ولهــذا ّ ممــا تحتــاج إليــه زميالتــي األخريات.وفــي بعــض األحيــان كنــت أشــعر أكبــر فــي اســتذكار دروســي ّ بحــزن شــديد علــى حالــي حيــن أجــد نفســي مضطـ ّـرة إلنفــاق ســاعات طــوال فــي قــراءة عــدد قليــل بالضحــك والمــرح غيــر بعيــد عنّــي ،ومــع مــن الفصــول ،بينمــا كانــت الفتيــات األخريــات ينعمــن ّ أن ّ بالضحــك منهــا ألننــي كنــت أدرك ّ كل اإلدراك ّ كل دائمــا علــى تبديــد تعاســتي ّ ذلــك حرصــت َ الصعوبــات مايتع ّيــن امــرىء راغــب فــي تحصيــل المعرفــة الحقيقيــة البــدّ مــن أن تكــون لديــه مــن ّ عليــه مواجهتهــا وحــده ..فليــس هنــاك طريــق ســهل مع ّبــد إلــى المعرفــة ،بــل ال ّطريــق إليهــا وعــر ـي أن أتس ـ ّلقه بـ ّ ـدي مــن مقــدرة ،وبأفضــل طريقــة أســتطيعها .كنــت ـكل مــا لـ ّ منحــدر ،وينبغــي علـ ّ كثيـ ًـرا مــا أنزلــق عائــدة إلــى الــوراء ،وكنــت أســقط علــى األرض أوأتو ّقــف عــن التّقــدّ م ،وكنــت أتع ّثــر فجــأة فــي صعوبــات غيــر متوقعــة ،بــل وكنــت فــي بعــض األحيــان أنقلــب إلــى حــدّ ة المــزاج وســوء ال ّطبــع ،لكنّنــي فــي جميــع األحــوال كنــت مــا ألبــث أن أســتعيد ســكينتي وأتمالــك نفســي فأخــرج للســير لبعــض الوقــت ليتبــدّ د مابــي مــن اإلحبــاط بعــض ّ الشــيء وأشــعر بشــجاعتي ترتــدّ الرحيــب ...ولــم أكــن وحيــدة ـي وأســتر ّد شــغفي ودأبــي فأعــاود ّ الصعــود وأبــدأ فــي رؤيــة األفــق ّ إلـ ّ دائمــا فــي نوبــات النّضــال هــذه ،فاألصدقــاء ال ّطيبــون كانــوا إلــى جانبــي يعينونــي ،ويوفــرون لــي ً الكثيــر مــن الكتــب ا ّلتــي أحتــاج إليهــا مطبوعــة بطريقــة (برايــل) ،وكان اهتمامهــم بــي ورعايتهــم لــي ممــا كان بوســعهم أن يتصـ ّـوروا. ـي مــن العــون والتّشــجيع أكثــر ّ يســديان إلـ ّ وفــي العــام الماضــي -وهــو ثانــي أعوامــي فــي كل ّيــة «راد كليــف» -مضيــت أدرس اإلنشــاء اإلنجليــزي واألدب اإلنجليــزي والنّظــم الحكوم ّيــة فــي أمريــكا وأوروبــا ،وكذلــك قصائــد وأعمــال للســرور علــى قلبــي هــي دروس اإلنشــاء ،فهي فن ّيــة باللغــة الالتين ّيــة ،وكانــت أكثــر الــدّ روس إضفــاء ّ ّ دائمــا مثيــرة للغايــة ومخاطبــة للـ ّـذكاء ،وكان أســتاذ المــا ّدة جذابــة رائعــة ،وكانــت المحاضــرات ً ّ وتــذوق الطــاب علــى إدراك حريصــا علــى حفــز وهــو الســ ّيد (تشــارلز تاونســتد كوبالنــد)-ّ ً عذوبــة وروعــة األدب ،وكنّــا فــي حصــص األدب ننهــل مــن جمــال التّعبيــر وروعــة األســلوب 174 ةّيبدألا ُصوصّنلا -الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ لــدى كبــار الك ّتــاب ودونمــا أ ّيــة شــروح إضاف ّيــة الضــرورة لهــا ..فأنــت تقــرأ لتســتمتع بأفكارهــم ـامية،ثم تعــود إلــى منزلــك ّ والشــعور يخامــرك بأ ّنــك قــد رنــوت إلــى الكمــال ذاتــه. السـ ّ ّ وكان ذلــك العــام أســعد األعــوام بالنســبة لــي ألننــي توفــرت فيــه علــى دراســةمواد محببــة أثيــرة إلــى نفســي ،هــي االقتصــاد ،واألدب (اإلليزاييثــي) ،و(شكســبير) ا ّلــذي كان يلقــي علينــا دروســه البروفيســور (جــورج ل .ليتــردج) ،وتاريــخ الفلســفة ا ّلــذي كان يلقــي علينــا دروســه البروفيســور خاصــة ّ يتفهــم ألن المــرء يتع ّلــم منهــا كيــف ّ (جوزبــا رويــس) .ودروس الفلســفة ذات أهم ّيــة ّ األســاليب ا ّلتــي كان النّــاس يف ّكــرون بهــا فــي الماضــي ،وكيــف يتعاطــف معهــا ،وبعــد دراســتها يصبــح المــرء علــى ألفــة مــع أســاليب التّفكيــر ا ّلتــي كانــت قبــل ذلــك تبــدو غريبــة عليــه ،وليــس لهــا يبررهــا. مــا ّ ومــع ذلــك فالكل ّيــة ليســت المدينــة الفاضلــة للعقل كمــا كنت أتصـ ّـور من قبــل؛ ففيها ال يلتقــي المرء وجهــا لوجــه ،وال يستشــعر فيهــم لمســة الحياة..صحيــح أنّهــم موجــودون فــي بالعظمــاء والحكمــاء ً الكل ّيــة ،لكنّــه وجــود محنّــط يبــدون مــن خاللــه فــي حالــة جفــاف ومــوت ،ح ّتــى أ ّنــه يتع ّيــن علينــا فصــل ّ كل منهــم علــى حــدة وفحصــه بد ّقــة قبــل أن يتسـنّى لنــا التّأ ّكــد مــن ّ ـص أن ا ّلــذي أمامنــا هــو نـ ّ المتعمقيــن ينســون ّ لكاتــب عظيــم المجــرد تقليــد بــارع .ويبــدو لــي ّ أن أن الكثيــر مــن الدّ ارســين ّ ممــا تعتمــد متعتنــا الحقيق ّيــة باألعمــال األدب ّيــة العظيمــة تعتمــد علــى تعاطفنــا مــع الكاتــب أكثــر ّ علــى تفهمنــا لمــا يكتــبّ ، الصعــب علينــا أن نتذ ّكــر ّ الشــروح المع ّقــدة لهــؤالء الدّ ارســين وأن مــن ّ ا ّلتــي يســقطها العقــل عــادة كمــا يســقط غصــن ّ الشــجرة ثمــرة ناضجــة رطبــة ،ونحــن يمكننــا معرفــة ّ نموهــا دون أن نرتفــع إلــى مســتوى إدراك وتقديــر جمــال وروعــة كل شــيء عــن ّ الزهــرة وعمل ّيــة ّ الزهــرة حيــن نراهــا فــي فيــض مــن أشـ ّعة ّ ـرارا أســأل نفســي بصبــر تلــك ّ ـرارا وتكـ ً الشــمس .وكنــت مـ ً ـي االنكبــاب علــى تلــك ّ الشــروح والنّظر ّيــات؟» إنّهــا تح ّلــق فــي عقلــي هنــا نافــذ «لمــاذا يتع ّيــن علـ ّ وهنــاك كأنّهــا طيــور عميــاء تضــرب الهــواء بأجنحتهــا دون أن يكــون لهــا هــدف محــدّ د .ولســت الشــاملة بالكتــب ّ أقــول ذلــك علــى ســبيل االعتــراض علــى اإلحاطــة ّ الشــهيرة ا ّلتــي درســناها فمــا الشــروح النّقد ّيــة المســهبة ا ّلتــي ال تع ّلمنــا ســوى شــيء واحــدّ : أعتــرض عليــه فقــط هــو تلــك ّ أن هنــاك مــن اآلراء المختلفــة بقــدر ماهنــاك مــن بشــر ،ومــع ذلــك كان األمــر يختلــف كثيـ ًـرا حينمــا يقــوم أســتاذ قديــر (كالبروفيســور كيتــردج) بشــرح مايكتبــه هــؤالء الجهابــذة؛ فاألمــر يبــدو حينئــذ ّ ـخصا ضريـ ًـرا قــد ارتــدّ إليــه بصــره؛ ألنّنــا حيــن كان البروفيســور يلقــي علينــا محاضراتــه كنّــا وكأن شـ َ 175 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ّ وكأن (شكســبير) قــد عــاد بــإذن ال ّلــه إلــى الحيــاة! نشــعر ـي أن أتع ّلمــه، كانــت تجــيء علــي أوقــات أشــعر فيهــا بالغربــة فــي نســيان نصــف مــا كان ً مفروضــا علـ ّ إذ أعتقــد ّ أن مــن المســتحيل قــراءة أربعــة أو خمســة كتــب فــي يــوم واحــد ،وبلغــات مختلفــة وفــي موضوعــات مختلفــة دون أن أدرك الحكمــة الماثلــة وراءالقيــام بــل هــذه القــراءات؛ فالمــرء حيــن يقــرأ علــى عجلــة وفــي حالــة مــن العصب ّيــة واالرتبــاك دون أن يف ّكــر في شــيء آخــر غيــر االختبارات واالمتحانــات التّحرير ّيــة ،يصبــح ذهنــه مثقـ ًـا بقــدر ضخــم مــن المعلومــات ا ّلتــي التبــدو أكثــر مــن مجـ ّـرد حشــو الطائــل مــن ورائــه والفائــدة! وكان عقلــي فــي ذلــك الوقــت حافـ ًـا بحشــد هائــل مــن األشــياء المختلفــة إلــى حــدّ لــم أكــن معــه أملــك القــدرة علــى تنظيــم معلوماتــي والتّنســيق بينهــا ،وكنــت ك ّلمــا خطــوت نحــو «مملكــة العقــل» شــعرت كمــا لــو ّ أن األرواح ّ الشــريرة تطاردنــي وتتع ّقــب خطــاي. وكانــت االمتحانــات مــن دون شـ ّ فبالرغــم مــن ـك تم ّثــل الجانــب األصعــب مــن حياتــي الجامع ّيــة؛ ّ كونــي واجهتهــا لعددكبيــر مــن ،المـ ّـرات وتمكّنــت فــي ّ كل مـ ّـرة مــن قهرهــا ،فقــد كانــت تنهــض تهتــز نفســي وتخوننــي شــجاعتي .وأنــت حيــن تواجــه مــن جديــد وتتحدّ انــي بالوعيــد حتّــى ّ الســابقة لالمتحــان فــي حشــو ذهنــك بأكبــر قــدر ممكــن مــن الحقائــق امتحا ًنــا ،فإ ّنــك تقضــي األ ّيــام ّ الرغبــة فــي أن تصبــح أنــت ومامعــك مــن والتّواريــخ ...قــدر كبيــر للغايــة إلــى حــدّ تنتابــك معــه ّ الكتــب فــي قــرار مكيــن تحــت ســطح البحــر! وفــي نهايــة المطــاف تجــيء ســاعة الفــزع وتكــون محظو ًظــا ح ًّقــا حيــن تشــعر بنفســك مه ّي ًئــا لالمتحــان وبأ ّنــك قــادر علــى تذ ّكــر المعلومــات ا ّلتــي تحتــاج إليهــا فــي الوقــت نفســه ا ّلــذي تحتــاج إليهــا فيــه. وأكثــر مايثيــر الحنــق والغيــظ أن تبــدو ذاكرتــك وقــد نمــا لهــا جناحــان لتطيــر بهمــا فــي اللحظــة ذاتهــا ا ّلتــي تكــون فيهــا فــي أشــدّ الحاجــة إليهــا ،فالحقائــق ا ّلتــي تتع ّلمهــا وتســتذكرها بالجهــد الجهيــد غال ًبــا ماتقتــرف فــي ح ّقــك جريمــة الخيانــة حينمــا تهــرب منــك فــي الوقــت ا ّلــذي تكــون ماســة إليهــا. فيــه فــي حاجــة ّ قــد تجــد نفســك فــي االمتحــان أمــام ســؤال كالتّالــي :أكتــب مقـ ً ـس» وإنجازاته. ـال مختصـ ًـرا عــن َ «هـ ْ ـس) هــذا؟ وماهــي إنجازاتــه؟ ...وبرغــم المفاجــأة فاالســم ـس»؟ ومــن يكــون َ ياللعجــب َ (هـ ْ «هـ ْ يبــدو لــك مألو ًفــا بعــض ّ ألول وهلــة مــن يكــون ! فتأخــذ فــي البحــث الشــيء وإن كنــت لــم تــدرك ّ 176 ةّيبدألا ُصوصّنلا -الحّرلاو ِريّسلا ُبدأ والتّفتيــش فــي ّ كل الحقائــق التّاريخ ّيــة ا ّلتــي تعرفهــا ،ويصبــح األمــر أشــبه بالبحــث فــي سـ ّلة مليئــة بقصاصــات مــن القمــاش مــن أجــل الحصــول علــى قصاصــة صغيــرة مــن الحريــر تريدهــا .والشـ ّ ـك فــي أ ّنــك تكــون واث ًقــا فــي الوقــت ذاتــه مــن ّ أن المعلومــة موجــودة فــي مــكان مــا مــن الجهــة العلو ّيــة لذهنــك ،فأنــت قــد رأيتهــا هنــاك منــذ يــوم واحــد فقــط حيــن كنــت تبحــث عــن شــيء آخــر ...لكــن أيــن هــي اآلن؟ وتشــرع فيجــرد ّ كل مافــي ذهنــك مــن معلومــات صغيــرة :المعــارك ،الحــروب ،ال ّثــورات ،األنظمــة أن ّ مندهشــا للغايــة مــن ّ ً كل ـس»؟ وتجــد نفســك الحكوم ّيــة ..لكــن أيــن يوجــد ذلــك المدعــو « َهـ ْ األشــياء ا ّلتــي تعرفهــا ال وجــود لهــا علــى ورقــة األســئلة! ..وفــي نهايــة المطــاف ،وبدافع مــن اليأس، السـ ّلة وتق ّلــب ّ ـس» قاب ًعــا فــي أحــد األركان ومســتغر ًقا فــي الرجــل ّ «هـ ْ كل مابهــا لتجــد ذلــك ّ تتنــاول ّ ـاص دون أن تكــون لديــه أدنــى فكــرة عــن ذلــك القــدر الكبيــر مــن اإلزعــاج ا ّلــذي سـ ّببه تفكيــره الخـ ّ لك ! وفــي هــذا الوقــت بالـ ّـذات ينطلــق صــوت المراقــب ليخطــرك بـ ّ ـأن زمــن االمتحــان قــد انقضــى وحان موعــد تســليم ورقــة اإلجابــة ..وبـ ّ ـكل مشــاعر اليــأس واالشــمئزاز تتــرك ورقــة اإلجابــة وتعــود إلــى منزلــك ورأســك ملــيء بخطــط ثور ّيــة تهــدف إلــى القضــاء علــى حـ ّـق األســاتذة فــي وضــع أســئلة ال يقتنــع بهــا الممتحنــون! تخطــر ببالــي اآلن فكــرة ّ الســابقة ســوف يثيــر ضحــك النّاس أن ماقلتــه خــال ّ الصفحتيــن أو ال ّثــاث ّ ّ وبــكل د ّقــة ذلــك العالــم الحافــل باألفــكار منّــي ،لكــ ّن كلماتــي تلــك تصــف فــي حقيقــة األمــر المتزاحمــة والمتدافعــة فــي تســارع ،ا ّلــذي أعيــش فيــه وال أملــك تبديــل واقعــه ،وماقلتــه إنّمــا هــو بالفعــل أســلوبي فــي التّعبيــر عــن حقيقــة ّ أن أفــكاري عــن الكل ّيــة قــد تغ ّيــرت! فحيــن كان وجــودي ـص المســتقبل ،كان ذلــك الوجــود يبــدو لــي بكل ّيــة «راد كليــف» مجـ ّـرد أمــل يراودنــي وأمــر يخـ ّ ضر ًبــا مــن الخيــال كأ ّنــه حلــم ســاحر جميــل ..واآلن برغــم ّ أن التحاقــي بالكل ّيــة فقــد خصائصــه الرائعــة تلــك ،فقــد قــدّ ر لــي أن أتع ّلــم الكثيــر مــن األشــياء ا ّلتــي لــم يكــن مــن الميســور أن أعرفهــا ّ الصبــر» ال ّثميــن ا ّلــذي لــوال إقدامــي علــى تجربــة االلتحــاق بالجامعــة .ومــن تلــك المعــارف «علــم ّ الريــف؛ إذ يع ّلمنــا ضــرورة التّعامــل مــع التّعليــم علــى النّحــو نفســه الــذي نتعامــل بــه مــع نزهــة فــي ّ ـروى ّ وأل نمضــي علــى عجــل ،وأن نفتــح عقولنــا مــن أجــل تل ّقــي المؤ ّثــرات مــن ينبغــي لنــا أن نتـ ّ 177 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ّ كل نــوع ،فمثــل هــذه المعرفــة تثــري النّفــوس بفكــر عميــق ..وقــد قــال أحــد الحكمــاء «المعرفــة قـ ّـوة» أ ّمــا بالنســبة لــي فـ ّ ـإن المعرفــة «بهجــة وســعادة» أل ّنــك حيــن تكــون لديــك المعرفــة تصبــح ـي وماهــو زائــف ،وبيــن ماهــو ســا ٍم وماهــو وضيــع ،وحيــن ـادرا علــى التّمييــز بيــن ماهــو حقيقـ ّ قـ ً يكــون المــرء علــى درايــة بأفــكار ومآثــر النّــاس عبــر مختلــف عصــور التّاريــخ ومختلــف المواقــع الجغراف ّيــة فإ ّنــه يستشــعر التّعاطــف والقربــى نحــو اإلنســان علــى مـ ّـر القــرون ،وعلــى النّقيــض مــن بالصمــم تجــاه الحيــاة بأســرها حيــن يفقــد اإلحســاس بـ ّ ـأن هنــاك ذلــك يكــون المــرء قــد أصيــب ّ شــي ًئا ســام ًيا وراء ّ كل مايحــاول اإلنســان أن يفعلــه ويســعى إلــى تحقيقــه. 178 الرأي نصوص ّ ُ 179 كتاب النصوص للصف احلادي عشر 180 قاالت مل ا َ ُ 181 كتاب النصوص للصف احلادي عشر 182 يأّرلا ُصوصن -الا قَملا املقالة ُ المقالــة هــي قطعــة نثريــة ذات طــول معتــدل ،يتنــاول فيهــا الكاتــب بعــض القضايــا الخاصــة أو ـوص الـ ّـرأي؛ ألنهــا العامــة مــن وجهــة نظــره الخاصــة ،ولذلــك تصنّــف المقالــة علــى أنهــا مــن نصـ ُ فــي الغالــب تع ّبــر عــن رأي كاتبهــا فــي الموضــوع ا ّلــذي يتناولــه بالكتابــة. وعلــى الرغــم مــن ّ ـذورا موغلــة فــي القــدم فــي أن المقالــة نــوع حديــث مــن الكتابــة ،إال أن لهــا بـ ً اآلداب القديمــة؛ إذ يمكــن أن نلتمــس بــذور هــذا الفــن فــي األدب الصينــي القديــم فــي أقــوال الحكيــم (كونفوشــيوس) ،وفــي األدب اليونانــي فــي كتابــات (ســقراط) و(أفالطــون) و(أرســطو). أمــا فــي األدب العربــي القديــم فقــد ظهــرت بــذور المقالــة فــي األدب العربــي منــذ القــرن الثانــي للهجــرة فــي الرســائل األدبيــة ومــا تحويــه مــن موضوعــات مثــل اإلخوانيــات ومــا تتضمنــه مــن مناظــرات ومســامرات وموضوعــات أخــرى تفـ ّـرد بهــا الشــعر كالغــزل والمديــح والهجــاء والفخــر والوصــف رغــم األســلوب اإلنشــائي والصنعــة اللفظيــة .وتعتبــر رســالة «صفــة اإلمــام العــادل» للحســن البصــري التــي كتبهــا إلــى الخليفــة عمــر بــن عبــد العزيــز بطلــب منــه واص ًفــا فيهــا اإلمــام (الخليفــة) العــادل مثـ ًـا جيــدً ا علــى المقالــة األخالقيــة الوعظيــة. يقول الحسن البصري: ِ اإلمــام ا ْلعـ ِ ِِ ِ ـاد َل ِقـ ّـوا َم ك ُِّل َم ِائـ ِ ـاح ـلَ ،و َق ْصــدَ ك ُِّل َجائـ ٍـرَ ،و َصـ َ ـم يــا َأميـ َـر ا ْل ُم ْؤمنيـ َن َأ َّن ال ّلـ َه َج َعـ َـل ِ َ َ َ «ا ْع َلـ ْ اإلمــام ا ْلع ِ ِ ِ ٍ ادلَ -يــا َأ ِميـ َـر ك ُِّل َفاســدَ ،و ُقـ َّـو َة ك ُِّل َضعيــفَ ،ون ََص َفـ َة ك ُِّل َم ْظ ُلــومَ ،و َم ْفـ َـز َع ك ُِّل َم ْل ُهــوفَ .و ِ َ ُ َ ِ الشـ ِـف ِيق َع َلــى إِب ِلـ ِـهِ ، ا ْلم ْؤ ِمنِي ـن -كَالر ِ اعــي َّ ـب ا ْل َم ْر َعــىَ ،و َي ُذو ُد َهــا الرفيـ ِـق بِ َهــا ا َّلــذي َي ْر َتــا ُد َل َهــا َأ ْط َيـ َ ْ َ َّ َّ ُ ِ ِ ِ ِ َعـ ْن َم َراتـ ِع ا ْل َه َل َكــةَ ،و َي ْحم َيهــا َعـ ِ الحـ َّـر َوا ْل َقــر». السـ َباعَِ ،و ُيكن َُّهــا َعـ ْن َأ َذى َ ـن ِّ وتعتبــر (رســالة عبــد الحميــد الكاتــب) إلــى الك ّتــاب التــي تضــع قواعــد للكتابــة الديوانيــة وألخــاق الكاتــب قريبــة الشــبه بالمقالــة النقديــة الحديثــة .ورســالة (ســهل بــن هــارون) إلــى بنــي عمــه فــي مــدح البخــل وذم اإلســراف مثــال علــى المقالــة الفكاهيــة .ورســالة (الصحابــة) البــن المقفــع مقالــة فــي سياســة الدولــة وإدارتهــا .ورســائل (الجاحــظ) وكتبــه نمــوذج حــي علــى المقالــة فــي األدب القديــم .ورســائل (أبــي حيــان التوحيــدي) وفصــول مقابســاته ،وكتابــه (اإلمتــاع والمؤانســة) نموذج 183 كتاب النصوص للصف احلادي عشر للمقــاالت الفلســفية التأمليــة والهجائيــة. يقــول أبــو حيــان التوحيــدي فــي كتابــه اإلمتــاع والمؤانســة فــي حــوار بينــه وبيــن الوزيــر بــن ســعدان ِ ِ الر ُج َ حــول الوزيــر الصاحــب بــن عبــاد ومــا ُيقــال فــي ذمــهّ : ــر َثيــر ْ المحفــوظ ،حاض ُ ــل ك ُ «إن َّ ِ ِ الجـ ِ لم ـ ْن ُي ْلقيــه كأنَمــا ُهـ َـو ِش ـ ْع ٌر ِقيـ َـل ـوابَ ،فصيـ ُ َ ـم ُي ْعطيــه َ َفســه بش ـ ْع ٍر ُثـ ّ ـح اللســان . . .إ ّن ـ ُه َي ْمــدَ ُح ن َ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ـج مــن َع ْقـ ٍ وح ْمــق». اإلســرافُ ، ـل ُ وهـ َـو َمزيـ ٌ فيــه م ـ ْن ســواهَ ،ف ُهـ َـو ُمحـ ٌّ ـب لل َّثنــاء لدَ َر َجــة ْ كل هــذه األمثلــة محــاوالت يمكــن أن تــدرج تحــت أدب المقالــة .محــاوالت يمكــن أن تــدرج تحــت أدب المقالــة. أ ّمــا المقالــة فــي العصــر الحديــث فقــد ارتبطــت بظهــور الصحافــة ،ونشــأت فــي حضنهــا ،وقــد ذكــر محمــود نجــم للمقالــة أربعــة أطــوار ،هــي: الطــور األول :يضــم ُكتَّــاب الصحــف الرســمية ،مثــل رفاعــة رافــع الطهطــاوي ،وميخائيــل عبــد الســيد ،وعبــد ال ّلــه أبــو الســعود ،ومحمــد أنســي ،وتمتــدّ ح ّتــى الثــورة العرابية .وقــد نشــروا مقاالتهم فــي «الوقائــع المصريــة» و«وادي النيــل» و«الوطــن» و«روضــة األخبــار» و«مــرآة الشــرق» ،وتناولــوا المواضيــع السياســية ،وتميــز أســلوبهم بكثــرة اســتخدام المحســنات البديعيــة والزخــرف اللفظــي. الطــور الثانــي :تأثــر بنشــأة الحــزب الوطنــي األول ،وبــروح الثــورة ا ّلتــي ســبقت الحركــة ال ُعرابيــة، دورا كبيـ ًـرا فــي تطويــر المقالــة .مــن أبــرز وباألدبــاء الســوريين الذيــن اســتقروا فــي مصــر ،ولعبــوا ً ُك َّتــاب هــذا الطــور :أديــب إســحق ،وســليم النقــاش ،وســعيد البســتاني ،وعبــد ال ّلــه نديــم ،ومحمــد عبــده ،وإبراهيــم المويلحــي ،ومحمــد عثمــان جــال ،وعبــد الرحمــن الكواكبــي ،وبشــارة تقــا. ومــن أهــم الصحــف ا ّلتــي كتبــوا فيهــا نذكــر «األهــرام» و«مصــر» و«الفــاح» و«الحقــوق» ،وقــد تناولــت مقاالتهــم مواضيــع اجتماعيــة ،وقــد تحللــت مــن الصنعــة اللفظيــة. الطــور الثالــث :ظهــرت فــي هــذا الطــور مدرســة صحفيــة حديثــة ،نشــأت فــي عهــد االحتــال االنكليــزي لمصــر ،مــن أبــرز روادهــا :علــي يوســف ،ومصطفــى كامــل ،وعبــد العزيــز جاويــش، وولــي الديــن يكــن ،وســليم ســركيس ،ومحمــد رشــيد رضــا ،وخليــل مطــران ،وأحمــد لطفــي الســيد ،كمــا ظهــرت صحــف ناطقــة باســم أحــزاب سياســية ،فــكان الزعيــم مصطفــى كامــل الناطــق باســم الحــزب الوطنــي ينشــر مقاالتــه فــي جريــدة «اللــواء» ،وكان أحمــد لطفــي الســيد يمثــل حــزب 184 يأّرلا ُصوصن -الا قَملا األمــة ،وينشــر مقاالتــه السياســية والفكريــة فــي جريــدة «الجريــدة». الطــور الرابــع :المدرســة الحديثــة ا ّلتــي تبــدأ بالحــرب العالميــة األولــى وبأحــداث ثــورة 1919 المصريــة ،وقــد ظهــرت فــي هــذه الفتــرة صحــف تركــت أثرهــا فــي كتابــة المقالــة مثــل جريــدة «الســفور» لعبــد الحميــد حمــدي ،و«االســتقالل» لمحمــود عزمــي ،وقــد شــارك فــي تحريرهــا طــه حســين ،وجريــدة «السياســة» لمحمــد حســين هيــكل ،وكانــت ناطقــة باســم حــزب األحــرار الدســتوريين ،وجريــدة «البــاغ» لعبــد القــادر حمــزة ،وجريــدة «األســبوع» إلبراهيــم عبــد القــادر المازنــي ،وقــد تناولــت المقالــة فــي هــذا الطــور مواضيــع سياســية ،وتميــز أســلوبها بالوضــوح والدقــة. وواضــح ّ أن هــذه األطــوار تر ّكــز علــى تطــور المقالــة فــي مصــر ،وقــد أشــار محمــود نجــم نفســه إلــى ّ ـورا مــن المقالــة فــي مصــر. أن المقالــة الصحفيــة فــي لبنــان كانــت أســرع تطـ ً ومنــذ ذلــك الوقــت قطعــت المقالــة ،علــى اختــاف أنواعهــا ،شــو ًطا كبيـ ًـرا ،فصــار لــكل بلــد ُكتَّابــه، وتنوعــت موضوعــات المقالــة ،وقضاياهــا ،وتطــورت أســاليبها ،وصــارت المقالــة مــن أكثر أشــكال ّ ـارا. الكتابــة شــيو ًعا وانتشـ ً أن لكتابــة المقالــة أصـ ً ـك ّ وال شـ ّ ـول يلتــزم بهــا ال ُك ّتــاب ،منهــا :تحـ ّـري الدقــة فــي نقــل المعلومــات، والموضوعيــة فــي عــرض وجهــات النظــر ،والصــدق والعدالــة ،وعــدم التح ّيــز ،واللغــة الســليمة المشــرقة الواضحــة. كمــا ّ أن المقالــة قــد تتنـ ّـوع بحســب الغــرض مــن كتابتهــا ،فالمقالــة اإلقناعيــة ســتختلف بالتأكيــد عــن مقالــة ســردية يحكــي فيهــا الكاتــب عــن موقــف مـ ّـر بــه ليشــير ،بعــد ذلــك ،إلــى أمــر يــود أن يلفــت نظــر القــارئ إليــه؛ ففــي األولــى سيســتخدم الكاتــب األدلــة والحجــج لدعــم وجهــة نظــره التــي يــود أن يقنــع الكاتــب بهــا ،أمــا فــي الثانيــة فسيســتخدم البنــاء القصصــي ،وهكــذا. وعلــى الرغــم مــن التنـ ّـوع الالنهائــي لمضاميــن المقــاالت وطرائــق عرضهــا ،إال ّ أن األصالــة تعــدّ شــر ًطا أساس ـ ًّيا مــن شــروط المقالــة الناجحــة ،ونعنــي باألصالــة أن تعكــس المقالــة روح كاتبهــا، وفكــره ،فهــي ليســت حشــدً ا مــن المعلومــات ،وليســت نقـ ًـا حرف ًّيــا للوقائــع ،بــل هــي وجهــة نظــر خاصــة ،تســتحق أن تُقــرأ ،وقــد نالــت هــذا االســتحقاق مــن مصداقيــة كاتبهــا ،ونزاهتــه ،وثقافتــه. 185 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ِ الس َأ ِم االست رهان َّ ُ هتار ب ُ ُ سالمة موسى َنخـ ِـد ُع بِرؤيـ ِـة بعـ ِ ـض النّـ ِ ـان حالِهــم يقـ ُ رون ،ولسـ ُ ـون و َيسـتَهتِ َ ـاس َيلهـ َ كثيـ ًـرا مــا ن َ ُ «نعيش اليــو َم ألنَّنا ـول: ف إذا كنّــا سـنَحيا فــي ال َغـ ِـد» .وا ّلــذي يخدَ عنــا فــي هـ ِ ـؤالء النّـ ِ ـاس أنَّنــا نعتقــدُ أنَّهــم ســعدا ُء قــد ال نعـ ِـر ُ ُ أن نَحيــا فــي مســر ٍ أن األســلوب األم َثـ َـل لِلحيـ ِ ِ ـاة ُهــو ْ َقروا علــى َّ ات َ َ ّ ح ّلــوا مشــكل َة الوجــود ،واس ـت ّ ٍ ـوت .ولكنَّنــا عندمــا نتأ َّمـ ُـل حا َلهــم ونتحــدَّ ُ ث إليهــم نَجــدُ أنَّهــم ـرب ،وغــدً ا نَمـ ُ ُمتوال َيــة نــأك ُُل ونَشـ ُ ٍ ٍ ِ ـئموا الحيــا َة َوضاقــوا بهــا إ ْذ ال َي ِجـ َ وهــم ـدون أ َّيـ َة َدال َلــة َلهــاُ ، فــي َغمــرة مـ َن التَّشــاؤ ِم ُ والحــزنَ ،قــد َسـ ُ ات الرخيصـ ِـة ا ّلتــي تُســري َعنهــم تَفاه ـ َة هـ ِ ـزن َعمــدوا إلــى المســر ِ ِ ـذه َ ُ َّ َ السـ َـأ ُم ُ َ ّ َ ّ والحـ ُ َ ُك ّلمــا َشــم َل ُه ُم َّ الحيـ ِ ـاة ا ّلتــي يح ّيونَهــا ،واســتِهتارهم بِاألخـ ِ الشـ ِ ـراب أو ال َّطعــا ِم ،إنَّمــا يعــو ُد ُّ ـاق ،وإقبا َلهــم علــى ّ كل َ ِ ِ ـك إلــى ِ ِ ذلـ َ والسـ ُـم ِّو ،وإلــى أنفسـ ُـهم إلــى المقــا ِم ا ّلــذي ُيشــع ُر ُهم بِالكرا َمــة ُّ عجزهــم عــن أن َيرفعــوا َ إن ُخلــو الحيـ ِ أن يــؤدوا َعمـ ًـا أو يقومــوا بِنَشـ ٍ َع ِ ِ ـاط يجعـ ُـل لِحياتِهــم َداللـ ًةَّ . ـاة مـ َن الدَّ ال َلـ ِـة َّ َ جزهــم َعــن ْ ُ ّ ِ السـ َ ـش؟ ومتــى َسـ َ ـاب َيتَســا َء ُل :لِمــاذا أعيـ ُ ُهــو ا ّلــذي َيجعـ ُـل ّ ـواب الجـ َ ـم َي ِجــد َ الشـ َّ ـؤال ولـ ْ ـأل هــذا ُّ ِ ِ ِ ِ ِ ٍ ّ ـم َي ُعــدْ َي ِجــدُ ـب َ ـافي َفإ َّن ـ ُه عندئــذ َيس ـتَهت ُر ،بـ ْـل ُهــو َقــد َيرتَكـ ُ ـم األخالق َّي ـ َة ال َبش ـ َع َة أل َّن ـ ُه لـ ْ الجرائـ َ الشـ َ والشـ ِ ـرف ،وال نقـ ُ الدَّ ال َلـ َة فــي االســتقا َم ِة َّ ـول العظمـ َة والمجــدَ . ِ ِ ِ ِ ِ ـي ،نُش ـ ِّيدَ ،نــؤ ّد َي م ـ َن العمـ ِ ـل مــا نــرى كيـ َ ـئ ،نَبنـ َ ـف إذن نوجــدُ الدَّ الل ـ َة لحياتنــا؟ نوجدُ هــا بــأن نُنشـ َ ِ ِ ِ المسـ َ ـتقبل ُجــز ٌء ِمـ َن الحاضـ ِـر؛ َّ ـس َّ ألن هــذا العمـ َـل َسـ َي َّط ِر ُد نَتائ َجـ ُه تَنمــو أمــا َم أع ُيننــا فنَفـ َـر َح ونُحـ َّ أن ُ ِ ِ المســتق َب ِل .نَبنــي َأن ُف َســنا ،نَبنــي َشــخص َّيتَنا ،أو نَبنــي الســني َن القاد َم ـ َةْ ، أي فــي هــذا ُ فــي نمـ ِّـوه فــي ِّ ِ ـعرنا بِتَطو ِرنــا وارتِ ِ ِ ِ ِ قائنــا َو ِعندَ ِئـ ٍـذ ُّ َغ َيرنــا بِالتَّرب َيــة والتَّثقيــف .وتَجــري َعمل ّيـ ُة البِنــاء يو ًمــا بعــدَ يــو ٍم َفتُشـ ُ نَجــدُ الدَّ ال َلـ َة ،وهــي :مشـ ِ للشـ ِ ـباب .أنــا َأحيــا َلنَّنــي َأرتَقــيَ ،و َّ ـاع ُل ال َّطريـ ِـق َّ ألن لِنَفســي امتِــدا ًدا فــي َ َ َ ـاج إلــى َأن َأقـ َ ـوتَّ . إن ـول :لِنَــأك ُْل َونشـ َـر ْب َوغــدً ا نمـ ُ المس ـتَق َب ِل َيج َع ُلنــي َأتفــا َء ُل و َأفـ َـر ُح ،فــا َأحتـ ُ ُ ِ ِ ِ بالمس ـت ِ الحاضـ َـر ِة، ّفاهـ ِـة فــي حياتِنــا َقبلَ ،ومعنــى الت َ هــذه الكلمــات ا ّلتــي تَحمـ ُـل َمعنــى التَّشــاؤ ِم ُ ِ ومعنــى الركـ ِ واالنحـ ِ ـات ال ُيمكـ ُن أن تَخ ُطـ َـر بعقـ ِ ـل ّ ـاب ا ّلــذي َيجــدُ الدَّ ال َلــة ـود ـال ،هــذه الكلمـ ُ الشـ ِّ ُّ َ َ لِحياتِـ ِـه؛ أل َّن ـ ُه َيتَطـ َّـو ُر َو َيرتَقــيَ ،و ِل َّن ـ ُه َيبنــي َشــخص َّي َت ُه. و ِمـن األخطـ ِ ـاء ِ الفاد َحـ ِـة َظـ ُّن الكثيريـ َن ِمـ َن النّـ ِ الشـ ّب َ ـاس َّ أن ُّ المسـتَهتِري َن أك َثـ ُـر اســتِمتا ًعا بِحياتِ ِهــم، َ َ ان ُ *)جريدة البيان 15 :نوفمبر .2015 186 يأّرلا ُصوصن -الا قَملا ِ ِ ِ الشـب ِ ان الجا ّديـ َن. وا ْن كانــوا َأقـ َّـل انتفا ًعــا مـ َن ُّ ّ ِ نشـ ُـأ هــذا ِ الم ْس ـتَهتِ َر َيعيـ ُ الخــدا ِع أنَّنــا َنــرى ّ َو َم َ ـهوات الدُّ نيــا، ـع َشـ ـش فــي ال َّلهـ ِـوَ ،ي ْسـ َـه ُر َويتّبِـ ُ الشـ َّ ـاب ُ ِ ِ ـس فــي التَّدخيـ ِ ـب فــي ك َْسـ ٍ ـاج إلــى الــدَّ ِ رس ـبَ ،وال ُيـ َـؤ ّدي خد َم ـ ًة تَحتـ ُ الس ـك ِْرَ ،وال َيت َعـ ُ َو َين َغمـ ُ ـن أو ُّ الواجبـ ِ ِ ِ ـاز ٌئ بالمسـتَق َب ِل ،ال ُيبالــي بِ ِ ـك ِمــن ُهمــو ِم الدُّ نيــا هـ ِ ضاحـ ٌ ـات االجتِماع َّيـ ِـة أو وهــو والجهــدُ ، ُ ُ ـب ،يجهــدُ ويعــر ُق وي َف ِّكــر كَثيــرا ،وي ِ ـخصيَ .و َنــرى َأ َّن ّ ـي َّ حمـ ُـل أعبــا ًء الشـ ً ََ الشـ َّ ـاب الجــا َّد فــي تَعـ ٍ َ َ َ َ َ َ ُ ُ ِّ الرقـ ِّ ُّ ات الماديـ ِـة والروحيـ ِـة ،وهــو رزي ـن فــي حديثِــهِ، ـات ،ويض َط ِلــع بالمســؤولي ِ ِم ـن الهمــو ِم واالهتِمامـ ِ َ ُ َ ٌ ّ َّ َّ ّ َ َ ُ ُ َ ْ ِِ ِ ِ ِ ِ ِ ـار ُه فــي َط َلـ ِ ـب الـ ّـر ِز ِق أو تَرق َيـ ِـة َشــخص َّيتِه َيقتَصــدُ فــي كَلماتــه وابتســاماتهَ ،ينــا ُم لي َلــهَ ،ويســعى نَهـ َ بِالــدّ ِ رس. أن األو َل ســعيدٌ باســتِ ِ ِ ـن االثنيـ ِ ِ والمقار َنـ ُة بيـ َن هذيـ ِ ـقي بِجــدِّ ِه ،ولكـ َّن هــذا هتاره ،وال ّثانــي َشـ ٌّ ـن توه ُمنــا َّ َّ َ َ ِ ِ َخ َطـ ٌـأ فـ ِ ـاد ٌح؛ َّ ـتمتاعات ّ ـتمتاعات ّ ـاب ـتوى أعلــى مــن اسـ ألن اسـ الشـ ِّ ـاب الجــا ِّد ت َْســري علــى مسـ ً الشـ ِّ حيــن تَن َقطِــع اســتِ ِ ِ ِ متاعات المســتق َب ِل ،فــي ُ ُ الســني َن فــي ُ المســتَهت ِر ،كمــا أنَّهــا تَمتَــدُّ إلــى َع َشــرات ِّ ُ ـغ األَر َبعي ـ َن أو َ المس ـتَهتِ ِر َقبـ َـل َأن َيب ُلـ َ ّ الخمســي َن. الشـ ِّ ـاب ُ ـاة تَنتَظِــره فــي النِّصـ ِ إن المس ـتَهتِر يحيــا بِــا حيـ ٍ ـف ال ّثانــي ِمــن ُع ُمـ ِـر ِه ،فــي حيـ ِ ـن َيحيــا الجــا ُّد َحيا َت ـ ُه ُُ َ َ َ َّ ُ الخمســين بِــا اهتِمامـ ٍ ِ ِ ـاألو ُل ِ - ـف ِعنــدَ األَر َبعيـ َن أو َ ـات المسـتَهتِ ُر َ -ي ِقـ ُ َ ُك َّلهــا إلــى يــو ِم وفاتــه ،فـ َّ أي ُ ـب األَحيـ ِ روح َّيـ ٍـة أو َثقاف َّيـ ٍـة أو َفن َّيـ ٍـة أو اجتِماع َّيـ ٍـةَ ،وبِــا ِرســا َل ٍةَ ،وفــي َأغ َلـ ِ ـان بِــا ِص َّحـ ٍـة ،أ ّمــا ال ّثانــي ـط االرتِقـ ِ ِ العشــرين أو َق ِبلهــا بِروابِـ ِ ـط نفســه منـ ُـذ ِ — ِ ـاء َّ والخد َمـ ِـة ـخصي الشـ َ ِّ أي الجــا ُّد — فإ ّن ـ ُه ربـ َ َ ـاوز ِ طالعات ال َّثقافيـ ِـةَ ،فهــو شــاب ير ُقــص َقلبـه طربــا للحيـ ِ ِ االجتِماعيـ ِـة واالســتِ الم َئـ َة ـاة ح ّتــى لــو تَجـ َ ٌّ َ ُ ُ ُ َ ً َ َّ َّ ـن ِمــن ُعمـ ِـر ِه َقــد َتعــدَّ ِ ِ ِ ِ الســابِ ِع أو ال ّث ِامـ ِ دت اهتِماما ُتــه َ ُ م ـ َن ال ُع ُمـ ِـر .كثيـ ًـرا مــا أجــدُ َر ُجـ ًـا فــي ال َعقــد ّ أخـ َـذ ِ الجــدِّ َو َلــم َيسـتَهتِر ،فــي حيـ ِ أخـ َـذ حيا َتــه ُمنـ ُـذ شــبابِ ِه َم َ ـك اســتِمتاعا ُت ُه؛ أل َّنـ ُه َ َفتَوا َفـ َـرت َلـ ُه بِذلِـ َ ـن ـكادون َيب ُلغـ َ َ َّ أن أولئـ َ الســتي َن ِم ـ َن ال ُع ُمـ ِـر َح ّتــى ُي ِح ّســوا الحيـ َـر َة المس ـتَهتِري َن أ ّيــا َم َشــبابِ ِهم ال َيـ ـون ِّ ـك ُ ـاب اس ـتَمتِع بِ ِ َوح ّتــى يتَســاءلوا فــي َعجـ ٍ ـب :لِمــاذا ُهــم أحيــا ٌء؟ أ ُّيهــا ّ الجــدِّ الباقــي ،وال تَس ـتَمتِع الشـ ُّ الز ِائـ ِ ـل. بِال َّلهـ ِـو ّ 187 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ً صرعة نريدها عاد ًة ال ُ رمكي الد ُ ُّ بن حاسومٍ َّ عوض ُ ٍ ٍ بقاعــدة كَوني ٍ ٍ ــرَّ ، ثابتــة َّ َأو ُّد ْ ابــت الوحيــدَ فــي ــة أن أبــد َأ حديثــي وأن ال ّث َ ّ «أن ك َُّل شــيء َيتغ َّي ُ الخليقـ ِـة ســينتهي إلــى هـ ِ الحـ ِ ـدوث هـ َـو التَّغ ُّيـ ُـر» ،و َم ـ ْن َس ـ َب َر أحـ َ ـخ ُمنْـ ُـذ َبــدْ ِء َ ـداث التّاريـ ِ ـذه ُ ِ ِ ٍ ٍ ِ ـي َّ فمـ ْن ـار ُع مـ َ الحقيقــة مـ ْ ـع الوقــت تســار ًعا ُمرع ًبــاَ ، أن وتيــر َة التَّغ ُّيـ ِـر تَتسـ َ همــة وهـ َ ـع إضافــة ُم َّ ـود ِه ،وم ـن نــام علــى أمجـ ِ ـظ علــى وجـ ِ ـار ِع حا َفـ َ ـع ذلـ َ ـف ـاد الماضــي وتَو َّقـ َ تَك َّيـ َ ـف مـ ْ َ ْ َ ـك التَّسـ ُ للخ ْلـ ِ ٍ ِ عـ ِ ـار ا ّلــذي ال يعــو ُد َ ـف إطال ًقــا! ـن الحركــة أو تَحـ َّـر َك ولك ـ ْن َبوتيــرة أبطـ َـأ فا َت ـ ُه القطـ ُ يرجــح عــدَ د كبيــر ِم ـن العلمـ ِ ـاء َّ العهــدُ الســني َن ،وهـ َـو ْ الح َجـ َّ العصـ َـر َ أن ْ ٌ َ ٌ ُ ِّ ُ ـتمر ماليي ـ َن ِّ ـري اسـ َّ ِ ِ ِ ِ ـت فيــه َ ـي ا ّلــذي كانـ ْ العصـ ُـر البرونـ ُّ ـم َتــا ُه ْ ـتمر أل َفـ ْ ـزي ا ّلــذي اسـ َّ البشــر ّي ُة فــي ق َّمــة ُبدائ َّيتهــاُ ،ثـ َّ ِ ــط ،أمــا العصــر التّالــي وهــو الحديــدي ف َلــم ي ِ ٍ كم ِ كانــت ــف ســن ٍَة ،وهكــذا ــل األ ْل َ ْ ُ ُّ َ ْ ُ ســنَة ف َق ْ ّ الزم ـن فــي س ـع ِيها لحيـ ٍ َ ـاة أفضـ َـل. َ ْ البشــر َّي ُة تُســابِ ُق َّ َ ولئ ـن كانـ ِ ِ ـات النَّوع ّي ـ ُة َقـ ِـد اعتَمــدَ ْت فــي القدي ـ ِم علــى تجـ ِ ـار ِ ـح والخطــأ»، ـت النِّ ْقـ ُ «الصـ ِّ ب َّ ْ ـإن التَّع ُّلــم والقــراء َة ســاهما -الح ًقــا -فــي إحـ ِ المحـ ِ ـار واختــرا ِع ِ واكتشـ ِ ـاف النّـ ِ ـراث ،فـ َّ ـداث َ َ ِ وأضح ِ ِ ِ ٍ َق َف ٍ البش ِ أســلحة َ ــق ــم ــت هائلــة فــي ــزات ــر وأو َث َ ُ مســيرة المدن ّيــةَ ْ ، المعلومــات أع َظ َ َ دعائ ـ ِم بِنـ ِ ـاء المســتق َب ِل. ِ ِ ٍ لجامعــة كاليفورنيــا بيركلــي َّ ــهيرة ُ UC Berkeleyقــدِّ َر ْت فيهــا الش ــت دراســ ٌة رج ْ ق ْب َــل ُمــدَّ ة َخ َ بخمســة «إيكســابايت» ،وهــو مــا ي ِ ِ علومــات المنتَج ِ ِ عــاد ُل ســبع ًة ــة عــا َم 2002 الم ُ َ ُ َ ــم َ َح ْج ُ ِ الكونغــرس األميركي ِ ِ ُســخة إلكتروني ٍ ٍ ِ ــة .وق ْب َ ــل ْ َســتصغ َر أن ت مكتبــة ــة ِمــ ْن ــف ن وثالثيــ َن أ ْل َ ّ ّ الر ْقــم ال بــدَّ ِم ـن اإلشـ ِ أن عــدَ َد الكُتـ ِ ـارة إلــى َّ ـب فــي تلـ َ ـك المكتبـ ِـة يزيــدُ علــى ســبع َة عشـ َـر َ َّ َ ُ ِ ِ ِ ـون كتـ ٍ َّواصـ ِ كان ق ْبـ َـل َثــورة وسـ ِ الحج ـ ِم الكبيـ ِـر م ـ َن المعلومــات َ ِمليـ َ ـل ـاب ،ك ُُّل هــذا ـائل الت ُ ْ ِ ـت شــرك ُة هيولــت باكيــرد ـم قا َمـ ْ ـي كـــ «فيســبوك» و«تويتــر» و«يوتيــوب» وأمثالهــاُ .ثـ َّ االجتماعـ ِّ ِ ٍ أي ب ْعــدَ أرب ـ ِع إنتاجهــا عــا َم ْ ،2020 المتو َّق ـ ِع ُ HPبدراســة ُقــدِّ َر ْت فيهــا ْ ـم المعلومــات ُ حجـ ُ ســنوات ،ب ُقراب ِ ٍ ُ ــف «إيكســابايت»، ــة خمســي َن «زيتابايتــس»، الزيتابايتــس ُيســاوي أ ْل َ حيــث ّ َ حاسـ ٍ ـك بآلـ ٍـة ِ أن ت ِ بم ْقـ ِ ـدور َك هنــا ْ ُمسـ َ ـم الهائـ َـل! ف هــذا ـبة لتَعـ ِـر َ ْ الحجـ َ َ *) جريدة البيان 29 ،ديسمبر .2015 188 يأّرلا ُصوصن -الا قَملا ـاطة :ح ّتــى نَتي َّق ـن أ َّن ـه ال بــدَّ لنــا ِم ـن التَّحــر ِك بسـ ٍ ـذه األُمــور؟ ببسـ ٍ لمــاذا أذ ُكــر هـ ِ ـرعة عاليـ ٍـة َ َ ُ ُ َ َ ُّ ُ ُ ٍ ٍ ِ ِ ِ ٍ و« ُمتسـ ِ إن َأر ْدنــا ْ ـع ُمتغ ِّيــرات العا َلـ ِم مـ ْن علــو ٍم وت ْقن ّيــات ونَزعــاتْ ، أن نَبقــى ـارعة» للتَّوا ُفـ ِـق مـ ْ دومــا فــي السـ ِ ـباق ِض ْمـ َن ُد َو ِل الن ُّْخبـ ِـة ،كمــا تؤ ِّكــدُ ذلـ َ ـم الرشــيدةُ ،و َأ َحــدُ َأ َهـ ِّ ـك دو ًمــا قيادتُنــا َّ ِّ ً طارئــةٍ. ٍ ٍ ٍ ِ ِ كص ْرعــة ِ الســرعة تلـ َ ـك «القــراءةُ» كعــا َدة ثابتــة ال َ ُمحـ ِّـركات ُّ ـاءة ال ُقــدُ ِ ـط الدَّ ولـ ِـة كثيــرا لعــدَ ِم كفـ ِ ِ فم ـن ِ دون َش ـ ْع ٍ ب ن َِه ـ ٍم للتَّع ُّل ـ ِم الدّ ائ ـ ِم س ـتُعاني ُخ َطـ ُ رات ً َ ْ البشــري ِة للوفـ ِ ـداف المرسـ ِ وكبـ ِـر األهـ ِ وع َظـ ِم ال ُّطمـ ِ ِ ـاء بحجـ ِم التَّحــدي ِ ـومة ،وهــا نحـ ُن فــي ـوح َ ْ َ ّ ـات الدَّ ِ ـرة للحكومـ ِـة ومؤسسـ ِ رات الكثيـ ِ ـراءة ،ور ْغــم المبــاد ِ ـس ِمـن عــا ِم القـ ِ الشـ ِ َّ ولة، َ َ ُ َ ـهر الخامـ ِ ْ َّ ـوح ،ال َّلــوم هنــا علــى النّـ ِ ِ ـج ح ّتــى َ ـظ َّ الحـ َ ّإل َّ اآلن َأ َقـ ُّـل ِم ـ َن ال ُّطمـ ِ ـهم أن النّاتـ َ الم َ ـاس أن ُفسـ ْ ْ ُ أن ُ ـاج إليـ ِـه هـ َـو المبــا َدر ُة ّ ـس ـي نتحـ َّـر َك ،وليـ َ الذات ّي ـ ُة ،وليـ َ فمــا نحتـ ُ دائمــا ل َكـ ْ ـار «الــدّ ّز» ً ـس انتظـ َ ِ ِ بِدْ ًعــا ِم ـ َن ال َقـ ِ الموا َطنَ ـ َة الح َّق ـ َة تَسـ ِ ـول َّ ـاس َّوجــه واإلحسـ َ ـاح هــذا الت ُّ ـتلز ُم منّــا جمي ًعــا إنجـ َ أن ُ ـل ترجمـ ِـة رؤيـ ِـة القيـ ِ ـادة فــي هــذا الجانـ ِ ـب إلــى واقـ ٍع ُمعـ ٍ بـ«ح ْر َقـ ٍـة» فِعل ّيـ ٍـة ِمـ ْن َأ ْجـ ِ ـاش. ُ ُ ِ ِ ـك ا ّلتــي تُحـ ِ َّ تحضـ ِـر ،وتلـ َ ـاو ُل الم ِّ إن القــراء َة ركيــز ُة الع ْل ـ ِم ،وعليهــا تُراه ـ ُن شـ ُ ـعوب العا َل ـ ِم ُ ــة IPAقــدَّ ر ِ ّاشــرين الدَّ ولي ِ مــة الن ِ ــة لمن َّظ ِ ٍ ــة ،ففــي ِ الوصــول إلــى عا َلــ ِم الن ُّْخب ِ آخ ِ َ ت ّ َ َ َ ــر إحصائ ّي ُ اإلنفــاق الســنَوي علــى ِش ِ ِ ُتــب بمبلــ ِغ ٍ ــراء الك ِ ليــار يــورو تُم ِّث ُ الســ َّت َة مئــة وأربعــ َة َّ ــل ِّ عشــر م َ َ َ َّ ِ ِ َ اليابــان ،فرنســا ،بريطانيــا) نِســ َب ًة ِ %60مــ ْن الصيــ َن ،ألمانيــا، المتَّحــدةََّ ، بــار (الواليــات ُ الك َ ـات المتَّحـ ِ ـب فــي الواليـ ِ ـك اإلنفـ ِ ـغ صافــي العوائـ ِـد ل َبيـ ِع الكُتـ ِ ـاق ،وب َلـ َ ذلـ َ ـدة عــا َم 2013أكثـ َـر ُ ِ ِ ـار يــورو ،وبقيمـ ٍـة ســوق ّي ٍة تُقـ ِ ـارا. ـار ُب ســبع ًة وعشــري َن مليـ ً م ـ ْن تســع َة عشـ َـر مليـ َ ـاو ُز ثالثمئـ ٍـة وأربعـ َة ِ ِ آالف ُعنـ ٍ ـوان فــي السـ ِ ـب الجديــد ُة تُجـ ِ ـوق وفــي عــا ِم 2014كانــت الكُتـ ُ ّ ـرة ِ تصـ ْـل إلــى َعشـ ِ ـط ،بينمــا أعلــى دولـ ٍـة عربيـ ٍـة وهــي ِمصــر َلــم ِ آالف كتـ ٍ األميرك ّيـ ِـة ف َقـ ْ ـاب فــي ّ َ َ ْ ُ ْ ِ آخـ ِـر إحصائ ّيـ ٍـة لهــا! ال بــأس هنــا إِ ْن َلــم َن ُكـن نُنتِــج حجمــا مســاويا ِمـن المعرفـ ِـة فنحـن فــي مرحلـ ِـة بِنـ ِ ـاء ال ُقــدُ ِ رات، َ ُ ُ ً َ ْ ُ ً ْ ـات مختصـ ٌة بترجمــةِ ِ ـي للغا َيــة ،بـ ِ أن تَكـ َ ـم حال ًّيــا ْ وذلـ َ ـون لدينــا مؤسسـ ٌ ـك ْ َّ وضـ ٌ ّ المهـ ُّ ـل ُ ـع طبيعـ ٌّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ المعـ ِ ِ ـم. ـارف العالم ّيــة الحديثــة َلر ْفــد البلــد بآخـ ِـر مــا َّ توصـ َـل إليــه الع ْلـ ُ ـات ال تُسـ ِ ف والعلــوم وليــس ترجم ـ َة روايـ ٍ ـول المعـ ِ ـم ُن وال تُغنــي ِم ـ ْن جــو ٍع أو ك ُتـ ٍ َأقـ ُ ـب ـار َ َ َ 189 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ِ ذات موضوعـ ٍ ِ ف لمــاذا ت ِ اإلدارة َّ أن %90 ـت أصـ ًـا ،وقــدْ تع َّل ْمنــا فــي ـات ضباب ّيـ ٍـة ال تَعـ ِـر ُ ُرج َمـ ْ ـج ،وعليـ ِـه ِ ِ ِ ِ فمـ ْن َأ ْجـ ِ أن نكـ َ ـل ْ المن َتـ ِ ِمـ ْن نجـ ِ ـون أهـ ًـا أي مشــرو ٍع تجـ ٍّ ـاح ِّ ـاري َيعتمــدُ علــى َجــودة ُ ـن المســتقب ِل وأكْفيــاء لتحدّ يـ ِ ل ُطموحـ ِ ـات و َطـ ِ ـات ال َغـ ِـد وتق ُّلباتِـ ِـه ال ُبــدَّ ْ أن َي ِصـ َـل الفــر ُد منّــا إلــى َ َ ِ ِ ِ درجـ ٍـة ال تَقـ ُّـل ْ ـي ـي أو األلمانـ ِّ ـي أو اليابانـ ِّ ـم َتـ ِـز ْد علــى ُقــدرات ومعــارف نظيـ ِـره األميركـ ِّ إن َلـ ْ ٍ لتضييــق الهــو ِة المعرفي ِ جديــد َّ َقــع علــى ــة ،Knowledge Gapهنــا ُأعيــدُ ِمــ ْن أن المســؤول ّي َة ت ُ ّ ِ ُ َّ الفــر ِد ن ْف ِسـ ِـه فــي المقــا ِم األو ِل وهــو م ـن ي ِجــب عليـ ِـه ْ ِ ـادر بالتَّع ُّل ـ ِم الم ِ ـل كواجـ ٍ تواصـ ِ ـب َ َ ْ َ ُ َّ ُ أن ُيبـ َ ْ ِ أن يكـ َ ـي ق ْبـ َـل ْ ـون تطويـ ًـرا للـ ّـذات. وطنـ ٍّ ِ ِ كــم أتمنّــى ْ كبــار المســؤولي َن واألكاديم ّييــ َن واإلعالم ّييــ َن المجتمــ ِع ِمــ ْن ــدوات أن أرى ُق َ ْ مون فِعـ ًـا فــي بِنـ ِ كة فــي الفعاليــاتِ ـادات ،ال بالمشــار ِ ـذه العـ ِ ـاء هـ ِ والرياض ّييـ َن والفنّانيـ َنُ ،يسـ ِـه َ ّ َ ّ ِ ِ ِ ٍ ٍ ـاب بص َفــة دائمــة وتص ُّفحــه فــي أماكـ ِ ـل كتـ ٍ والخ َطـ ِ بحمـ ِ ُ ـوس العا ّمــةَ .دعونــي ـن الجلـ ُ ـب ولكـ ْن ْ ِ ٍ ـل كتـ ٍ حمـ ِ ف لذلـ َ ـض ـاب ،وال َأعـ ِـر ُ ـك ســب ًبا ،والب ْعـ ُ أقو ُلهــا بصراحــة :الكثيـ ُـر « َي َ خجـ ُـل» م ـ ْن ْ ٍ ِ بتســم وهــو ي ِ ي ِ ـك بِنَ ْظـ َـر ٍةْ ، «يعمـ ُـر ِم َ دواخ ـ ُه» وير ُم ُقـ َ مسـ ُ ـت كتا ًبــا، حم ْلـ َ َ ُ َ إن َ ـك ب َطـ َـرف شيشــة أو ِّ ُ ِ الصــدْ ِع ال َغ ِ كبيــر فــي َر ْأ ِ ِ ُ َ ِ و«تجميــل» َرســيخ ريــب بت لذلــك ب هــذا َّ ور ٌ ســيكون لل ُقــدوات َد ٌ ـادة القـ ِ عـ ِ ـراءة فــي األماكـ ِ ـن العا ّمـ ِـة. ِِ ـي للكتـ ِ حملي ـ َن بأكيـ ٍ ـاس ـاب ،وســيعو ُد غالب ّي ـ ُة ُر ّواده ُم َّ س ـ ُيخ َتت َُم غــدً ا معـ ِـر ُض أبوظبــي الدَّ ولـ ُّ ـب والم ِ ـب إلــى المنـ ِ ِ ـاب الكُتـ ِ مليئـ ٍـة بالكُتـ ِ ـي تكـ َ راجـعِ ،ك ُُّل مــا نتمنّــا ُه ّأل يكـ َ ـون ـون ذهـ ُ ـازل لكـ ْ َ قطع ـ َة ديكـ ٍ ـور ال أكثـ َـر ،ومــا نرجــو ُه أكثـ َـر ّأل نَنســى القــراء َة بمجـ َّـر ِد نهايـ ِـة هــذا العــا ِم .نح ـ ُن ِ ِ ِ ٍ ٍ ِِ ِ َترسـ ُ ـس أمـ ًـرا ـح ُجــز ًءا م ـ ْن حيــاة اإلنســان اليوم ّيــة ،وليـ َ ـخ لتُصبِـ َ نَناشــدُ بِنــا َء عــادات جديــدة ت َّ رة ُثــم تنتهــي بنهايتِهــا ،فم َطــر لمــر ٍة واحـ ٍ رة المبــاد ِ عار ًضــا َتــم لمســاي ِ ِ ـدة ال ُيخـ ِـر ُج حصــا ًدا كمــا َ َّ ُ َ ٌ َّ َّ ِ الحمـ ِـر ،وليســت كيف َّي ـ ُة بدايتِنــا للسـ ِ ـغ األهم ّيـ ِـة بـ ِ تقـ ُ ـباق أمـ ًـرا بالِـ َ ـم المهـ ُّ ـل ُ ِّ َ ـول حكم ـ ُة الهنــود ُ ْ السـ َ ـباق. ك َُّل األهم ّيـ ِـة هـ َـو كيـ َ ـف نُنهــي هــذا ِّ 190 يأّرلا ُصوصن -الا قَملا 1 مل َّ ف ثق ُ احللّاقُ ا ُ ياسر حارب ِ قبـ َـل سـ ٍ عمـ ٍ ـادف ذلـ َ ـك ـل إلــى مكتبـ ِـة ســنغافور َة الوطن ّيـ ِـة ،وصـ َ ـنوات عــدَّ ٍة ذه ْبـ ُ ْ ـت فــي زيــارة َ ـال سلســلةِ ِ ِ ـت بِنــا ُمراف َقتُنــا إلــى َأ َحــد َمحـ ِّ مناســب ٌة جميلـ ٌة اسـ ُـمها « ســنغافور ُة تقــر ُأ»َ .ذ َه َبـ ْ اليــو َم َ ٍ ِ ِ ٍ فوجدْ نــا مجموعـ ًة مـ ْن كبـ ِ ـم شــهيرةَ . ـم دخ ْلنــا َ السـ ِّن متح ِّلقيـ َن حـ ْـو َل طاولــة ،وأما َمهـ ْ ـار ِّ مطاعـ َ الحــوار فاتَّجهنــا إلــى مطعـ ٍم آخــر ِمـن السلسـ ِ ـون عنـه .انتهــى ِ ـلة ن ْف ِســها، َ ْ ـاب كانــوا يتحدَّ ثـ َ ُ كتـ ٌ َ َ ّ ُ ِ ٍ ِ ِ هم فــي الخـ ِ ـارج، وجدْ نــا أكثـ َـر م ـ ْن عشــري َن سـ َ وكانــت المفاجــأةُ؛ َ ـائق أجــرة َأو َقفــوا س ـ ّيارات ْ ـاعة ي ِ ٍ ناقشـ َ ـون كتا ًبــا! وج َلســوا لسـ ُ ِ وفــي ك ُِّل عــا ٍم ت ِ للقــراءة ،وتُحــدِّ ُد مجموعــ ًة ِمــ َن الك ِ ُتــب ا ّلتــي ُعلــ ُن المكتبــ ُة الوطن ّيــ ُة يو ًمــا بتوفيرهــا ب ُل ِ ب األربــعُِ .ثــم ت ِ ِ الشــ ْع ِ غــات َّ ــق المكتبــ ُة ّــاس بقراءتِهــا ،وتقــو ُم ُطل ُ ــح الن َ َنص ُ ت َ َّ ِ ٍ ِ ـع أند َيـ ِـة الكُتـ ِ ـب فــي المدينـ ِـة ووسـ ِ والمطاع ـ ِم ـائل اإلعــا ِم َحمــات تَرويج ّي ـ ًة ،بالتَّعــاون مـ ْ ـب ،والمشـ ِ ـاس علــى قـ ِ ـك الكُتـ ِ والمراكـ ِـز التِّجار ّيـ ِـة ،لتَشــجي ِع النّـ ِ والمحـ ِّ ـراءة تلـ َ ـاركة فــي ـال َ ِ ـم فــي ذلـ َ ـك اليــو ِم. مناقشــتها مـ َ ـع ُزمالئهـ ْ ِ ـات المتَّحـ ِ وفــي كثيـ ٍـر ِمـن الواليـ ِ ِ ـدة وبعـ ِ مناســب ٌة ســنو ّي ٌة اسـ ُـمها المــدُ ن األســترال ّية َ َ توجــدُ َ ـض ُ ـاب واحــدٌ » ،حيـ ُ ـار المكتب ـ ُة العا ّم ـ ُة فــي ك ُِّل مدينـ ٍـة كتا ًبــا واحــدً ا، «مدين ـ ٌة واحــدةٌ ،كتـ ٌ ـث تَختـ ُ ـركات الخاصـ ِـة والجمعيـ ِ ِ ـب والمؤسسـ ِ ـع َأند َيـ ِـة الكُتـ ِ ـات َّ ـات، والشـ ّ َّ وتُحــدِّ ُد يو ًمــا لتقــو َم جميـ ُ َّ ِِ بتَشــجي ِع مو َّظفيهــا وأعضائهــا علــى قـ ِ ـك الكتـ ِ ـراءة ذلـ َ المحــدَّ ِد .وقــدْ ـاب ومنا َقشــته فــي اليــو ِم ُ ـأل سـ ٌ َيسـ ُ ـاب واحــدٌ ف َقـ ْ ـدف ِم ـ ْن ذلـ َ ـك هـ َـو خ ْلـ ُـق هالـ ٍـة ِم ـ َن االهتمــا ِم الهـ ُ ـط؟ َ ـائل :ولمــاذا كتـ ٌ ـع بال ُفضـ ِ ـك الكتـ ِ ـول إلــى حــدِّ ِه األقصــى ،ف َيتسـ ُ ـاس ع ـ ْن ذلـ َ اختار ْت ـ ُه ـاب ،ولمــاذا ـاءل النّـ ُ تَد َفـ ُ َ اقتنائــه وقراء ِ ِ ٍ وغيــر َ ِ المكتبــ ُة ،ومــاذا ِ ِ ُ حيــث تــه. هم علــى فيــه، ذلــك مــ ْن تســاؤالت ت ِّ َ ُشــج ُع ْ ـاس ِم ـ ْن قائمـ ِـة كُتـ ٍ ـار كتـ ٍ ـط أكثـ ُـر إثــار ًة للنّـ ِ ـاب واحـ ٍـد ف َقـ ْ َو َجــدوا َّ ـب. أن اختيـ َ آل مكتــو ٍم مــع ِ ٍ ِ راشــد ِ الش ُ ــمو َّ مئــة شــخص ّي ٍة محمــدُ ابــ ُن ــع ْ الس ِّ ُ اليــو َم َيجتم ُ ــيخ َّ صاحــب ُّ ـل المبــاد ِ «خ ْلــو ِة المئـ ِـة» ليف ِّكــر معهــم بصـ ٍ ٍ ـوت عـ ٍ رات واألفـ ِ ـال ع ـ ْن أفضـ ِ ـكار َ إمارات ّيــة فــي َ َ ْ ُ َ ـان العــا ِم 2016عــام القـ ِ ـراءة ،بمناسـ ِ أن تُشــجع النّــاس علــى القـ ِ ـبة إعـ ِ ا ّلتــي ِمـ ْن شــأنِها ْ ـراءة. َ ِّ َ َ 191 كتاب النصوص للصف احلادي عشر رســالتي لــرو ِ ـي َّ اد َ أن مجـ َّـر َد التَّفكيـ ِـر فــي تَشــجي ِع الخ ْلـ َـو ِة ،وللحكومـ ِـة ،ولـك ُِّل ُ ّ المهتميـ َن ،هـ َ ّ ـدف المطلــوب نحتــاج إلــى االحتفــاءِ ِ النّـ ِ عمـ ٌـل نبيـ ٌـل؛ ولكــي نُح ِّقـ َـق الهـ َ ُ َ ـاس علــى القــراءة هـ َـو َ أكثــر الــدُّ و ِل العربي ِ ِ ِ ِ ِ ِ ــم َّ توفيــر ــة ِح ْر ًصــا علــى اإلمــارات ِمــ ْن أن بالكتــاب ّ َ ور ْغ َ والكاتــبَ . ِمنَصـ ٍ ـات لل ُك ّتـ ِ اآلن هـ َـو ْ ـوب َ ـاب والمث َّقفي ـ َنّ ،إل ّ ـف ـع الحكوم ـ ُة ثِ َق َلهــا خ ْلـ َ أن َ تضـ َ أن المطلـ َ ّ ـرة القـ ِ فِكـ ِ ـك ،ولنبــد ْأ بكتـ ٍ ـراءة ،فتُحــدِّ َد يو ًمــا ســنو ًّيا لدَ ْف ـ ِع المجتم ـ ِع إلــى ذلـ َ ـاب واحـ ٍـد ل ـك ُِّل والمكتبــات والمث َّقفيــن واألُد ِ بــاء ،ال لي ِ ِ ٍ فنشــج َع أنديــ َة الك ِ عقــدوا مهرجانًــا أو ُتــب إمــارة؛ َ َ َ ِّ ـك -بـ ْـل ليحتَفــوا بيــو ِم القـ ِ ٍ ـراءة فــي األسـ ِ ـم أهم ّيـ ِـة ذلـ َ ـواق َ مؤتمـ ًـرا فــي مــكان ُمغ َلـ ٍـق َ -ر ْغـ َ َ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ـاج إلــى ْ ـاب إلــى والمطــارات أن َيتحـ َّـو َل الكتـ ُ والمرافـ ِـق العا ّمــة .نحتـ ُ والمؤسســات ُ الحكوم ّيــة َ ّ ـث المجتم ـ ِع واإلعــا ِم ،ويقــدَّ م الكاتِــب المتميـ ُـز فــي المناسـ ِ حديـ ِ ـبات العا ّمـ ِـة تما ًمــا ِم ْث َلمــا ُ ُ ّ َ ُ َ ُ ُيقــدَّ ُم رجـ ُ السياسـ ِـة واإلعــا ِم. ـال ّ بالمناس ِ ِ ــبة ،يوجــدُ فــي ســنغافور َة نــادي ِك ٍ ّ ســبب ُهم عــ ْن تــاب للحلقيــ َن ،وعندمــا ســأ ْلت ْ َ الحلقي ـن علــى القـ ِ ـع النّـ ِ إن الحـ ّـا َق ِم ـ ْن أكثـ ِـر النّـ ِ ـراءة قيـ َـل لــي َّ تشــجي ِع ّ ـاس، ـاس حدي ًثــا مـ َ َ ِ ِ تكــون ثقافتُــ ُه عاليــ ًةُ ،ي ِ ُ بثقافــة المجتَمــعِ. االرتقــاء ســه ُم فــي وعندمــا 192 يأّرلا ُصوصن -الا قَملا 2 ملاذا ن ُ ِّ سنا؟ ف ُ ثق ُ أنف َ سالمة موسى ِ ـل المث َّقـ ِ الر ُجـ ِ ـاس علــى ْ ـف ْ أن َيتَما َلـ َ أن ـباب ا ّلتــي تَحمـ ُـل النّـ َ ـك ن ْف َسـ ُه وهـ َـو يشـ َـر ُح األسـ َ عسـ ُـر علــى َّ َي ُ ِ ـش ِ ـن ال َقـ َـذ ِر ِ ـم عـ ِ أو الت ََّو ُّحـ ِ يكونــوا مث َّقفي ـ َن؛ أل َّن ـ ُه فــي هــذا َّ أو ال َبهيم ّيـ ِـة، بمثا َبــة َم ـ ْن َي ْز ُج ُرهـ ْ الشـ ْـر ِح َ أو اإلنســان ّي ِة ِ ـم قيم ـ َة النَّظافـ ِـة ِ أن نقـ َ أو التَّمــدُّ ِن .فنَح ـ ُن هنــا فــي حاجـ ٍـة إلــى ْ ـول ّ ـاب ِّ للشـ ِّ ويوضـ ُ ـح َلهـ ْ والشـ ِ أن نقـ َ ـب ْ ـب عليـ ِـه ْ الم َ تخـ ِم بال َفــرا ِغ َّ ـول ل َغيـ ِـر ِه أن ُيث ِّقـ َ فســدَ ،و َي ِجـ ُ ـباب إ َّنـ ُه َي ِجـ ُ ـف َن ْف َسـ ُه ح ّتــى ال َي ُ ُ ِ ٍ ِ ِ ـاك مـ َن النّـ ِ وإن هنـ َ هم ُبقـ ً ـح ْ ـاج إلــى ثقافــةَّ ، َّ ـول َ بشــر ّي ًة؛ ـاس َمـ ْن َيصـ ُّ إن الحيــا َة النّاضجـ َة تحتـ ُ أن نُسـ ّـم َي ْ ـمات الحيـ ِ إ ْذ ليــس لهــم ِمـن ِسـ ِ ـم ُف ْجـ ٌـل أو َجرجيـ ٌـر ،وسـ َيب َق َ ـاة ِســوى النُّمـ ِّـو َ ون ن ْفسـ ًّيا الخ َلـ ِّ ْ ْ َ ـوي ،كأنَّهـ ْ ِ ِ ِ وإنســان ًّيا فــي عــداد ال ُبقـ ِ وأن الحيــا َة الخاويـ َة تُحــد ُ ـهمَّ ، ـول إلــى ْ ـص ث َسـ َـأ ًما ال نتخ َّلـ ُ أن ُيث ِّقفــوا أن ُف َسـ ْ ـات ِّ ِ ـث علــى االهتمامـ ِ ـط اآلفـ َ َبسـ ُ منـ ُه ّإل بال َّثقافـ ِـة ا ّلتــي تَب َعـ ُ ـاق. الذهن ّيــة وت ُ فحيــا ُة ال َفـ ْـر ِد قصيــر ٌة محــدو َدةٌ ،ق َّلمــا تزيــدُ علــى ســبعي َن أو ثمانيـ َن َسـنَ ًة .ولكـ َّن حيــا َة النَّو ِع َ ـري البشـ ِّ ِ ِ ـدر ُس الت َ ّاريخ طويلـ ٌة .ونحـ ُن حيـ َن َنــدْ ُر ُس إنّمــا نَن ُقـ ُـل حيــا َة النّــو ِع إلــى حيــاة ال َفـ ْـرد؛ ْ أي إنَّنــا عندَ مــا َنـ ُ ِ ـات الم ِ البشــري ،وال َّثقافـ َة القائمـ َة فــي عص ِرنــا ِمـن ال َّثقافـ ِ تعاق َبـ ِـة فــي ال ُعصـ ِ المغزى ـور الماضيــة ن َ َ ْ َ َّ ـم َ َفهـ ُ ُ ـات ال َّثقافـ ِـة هــي ْ ِ ـاة أكثــر ممــا نَفهمـه ِمـن حياتِنــا الخاصـ ِـة .وإحــدى غايـ ِ ِمـن الحيـ ِ ـب الحيــا َة أن ُنكْسـ َ َّ َ ُ ُ ْ َ َ َ ّ ـف عـن حيـ ِ ِ ـاة الحيـ ِ ِ ـوان، َ ـس أنّنــا ال نحيــا الحيــا َة ال َبيولوج َّيـ َة ا ّلتــي ال تَختلـ ُ ْ أي إنّنــا نُحـ ُّ َداللـ ًة و َمغـ ًـزىْ . الروح ّي ـ َة ا ّلتــي ُنـ ِ ـس لنــا ِم ـ ْن معـ ِ ف ِســوى مــا َيكْفــي للك َْسـ ِ ـادي ،بـ ْـل نعيـ ُ ـدر ُك ـار َ ـب المـ ِّ ليـ َ ـش الحيــا َة ّ لسـ ٍ منهــا أنّنــا ح ْل َقـ ٌة فــي ِس ِ ـلة طويلـ ٍـة ِمـ َن َ أغراضهــا وأهدا ُفهــا ،وبهــذا نَرتَقــي البشــر ّي ِة ا ّلتــي تَتم َّثـ ُـل فينــا ُ َ أن ِ ـتوى عـ ٍ ـب ْ ـال لــه َل ّذا ُتـ ُه األنيقـ ُة ،كمــا َّ نواج َههــا. ـاره الكبيــر َة ا ّلتــي َي ِجـ ُ إلــى ُمسـ ً أن لـ ُه أخطـ َ ـارس ِحر َفـ ًة .وفــي حـ ِ ـم َّ ـدود هــذا ال َفـ ِّن تخصصيـ َن ،نَعـ ِـر ُ ُ ف فنًّــا ونُمـ ِ ُ إن نظــا َم التَّعليـ ِم ُيحي ُلنــا إلــى ُم ِّ ُثـ َّ ـذه ِ وهـ ِ الح ْر َفـ ِـة نعيـ ُ َ َوس ـعٍ ،و ُت َك ِّبـ ُـر ـش المعيش ـ َة المحــدو َدةَ .فال َّثقاف ـ ُة هنــا تُحيـ ُـل هــذا التَّضييـ َـق إلــى ت ُّ ِ َّعصـ ِ ـب .فن َِجــدُ عندَ ئـ ٍـذ التَّســا ُم َح َ ـي ،والنَّ َظـ َـر ـري بــدَ ًل م ـ َن الت ُّ البشـ َّ ـب الق ْلـ َ ال َع ْقـ َـل ،وت َُر ِّحـ ُ ـب ال َقومـ ِّ ِ الض ِّي ِ العالــي بــدَ ًل ِمــ َن النَّ َظ ِ َّخص ِ ــر َس عقيــد ًة فاســد ًة بيــ َن ــق. ــر َّ وانتشــار الت ُّ ــص فــي أ ّيامنــا قــدْ َغ َ ُ َ أن المعـ ِ الجمهـ ِ ف -علو ًمــا وفنو ًنــا وآدا ًبــا -ال ُيمك ـ ُن ْ ـي َّ المتخصصي ـ َن، در َســها غيـ ُـر ـار َ ِّ أن َي ُ ـور ،هـ َ ـس علــى األديـ ِ ـس علــى ال َّطبيـ ِ ـب ْ ف التّاريـ َ ـب أن َيعـ ِـر َ ـخ ،وليـ َ ـار ،وأ َّن ـ ُه ليـ َ ك ٌُّل فــي ال َفـ ْـر ِع ا ّلــذي َيختـ ُ ِ ِ ـس علــى المهنـ ِـد ِ ـب ْ س ْ ْ ف ال َفلـ َ أن أن َيعـ ِـر َ ـاع .وهــذه عقيــد ٌة ُمخطئ ـ ٌةَ ،ي ِجـ ُ ـدر َس االجتمـ َ ـك ،وليـ َ أن َيـ ُ 193 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ـح ح ّتــى تُمحــى. تُكا َفـ َ ِ َّخصـ ِ ـس هنـ َ ـاك شـ ٌ والســدو َد، الر ُجـ َـل المث َّقـ َ ـف َير ُفـ ُ ـض ُ ـك فــي ضــرورة الت ُّ ليـ َ الحــدو َد ُّ ـص ،ولك ـ َّن َّ ـارف؛ أل َّنـه ي ِحــس أ َّنـه محتــاج إليهــا ،وأ َّنـه ينمــو باالغتـ ِ ويســتبيح لن ْف ِسـ ِـه جميــع المعـ ِ ـذاء بِهــا .بـ ْـل هـ َـو َُ ٌ ُ َ ُ ُ ُّ ُ ُ َ َ يتطــور بِهــا ،والتَّطــور حـ ٌّـق ،بـ ْـل واجــب علــى ك ُِّل إنســانٍ. ٌ ُّ ُ َ َّ ُ ـوت فــي ِس ـ ِّن فنح ـ ُن نث ِّقـ ُ ـي َنتَطـ َّـو َر ،فــا نَمـ َ ـي أذهانَنــا ،وكـ ْ ـي ُن َك ِّبـ َـر َشــخص َّيتَنا ،و ُنن َّمـ َ ـف أن ُف َســنا كـ ْ الســبعي َن ونح ـ ُن علــى حـ ٍ المدرسـ ِـة فــي ِس ـ ِّن العشــري َن ِ ـال َثقاف ّيـ ٍـة قـ ِـد اكتســبناها ِم ـ َن الجامعـ ِـة ِ أو أو َ َّ ٍ ِ ِ راســة ،ال َت ْفتـ ُـأ تُغ ِّي ُرنــا التَّغ ُّيـ َـر ِّ ـي؛ ـي والنَّ ْفسـ َّ الذ ْهنـ َّ الخامســة والعشــري َن .بـ ْـل َن َظـ ُّـل ُع ُم َرنــا ونَحـ ُن فــي د َ ِ ـع ِ أو ال َفـ ْـر ُد .بـ ْـل َّ الســعاد َة َّ ـاج إلــى الشــخص َّي َة تَحتـ ُ المجتمـ ُ إن َّ أل َّن ـ ُه م ـ ْن دون هــذا التَّغييـ ِـر ال َيتطـ َّـو ُر ُ ــو والت ِ ِ َ ــم أنــوا ِع وأســاس ك ُِّل َّطــو ِر. ذلــك َ ُ َّغييــر والت ُّ اإلحســاس بالن ُُّم ِّ ــم ا ّلــذي ُي َعــدُّ أع َظ َ هــو ال َف ْه ُ السـ ِ ـعادة. َّ ِ عص ُرنــا قــدْ َج َعـ َـل َخ َطـ َـر الحـ ِ َّ ـتغالل كبيـ ًـرا ِجدًّ ا، ـروب ،بـ ْـل َخ َطـ َـر االسـ ـي ا ّلــذي َيشـ َـهدُ ُه ْ إن التَّقــدُّ َم اآللـ َّ ِ ٍ الم ِ فــا ُيمكـ ُن ْ عرفـ ِـة َنيراُ ،يم ِّيـ ُـز بيـ َن َ أن َنتَّق َي ُهمــا ّإل إذا َجع ْلنــا ك َُّل فـ ْـرد فــي أنحــاء العا َلـ ِم ُمث َّق ًفــا ُمسـت ً ـذه االعتِبـ ِ رشــدَ ِة والدِّ عايـ ِـة المض ِّللـ ِـة .فــإذا أ ْلممنــا بجمي ـ ِع هـ ِ الم ِ ـارات أمكنَنــا فــي حـ ٍّـق وصـ ٍ ـدق ْ أن َ َ ْ ُ ُ الذاتــي هــو واجــب دينــي علــى ك ُِّل إنسـ ِ ـان لل َع ْيـ ِ نقـ َ الضمـ ُ ـول َّ الصالـ ِ ـح علــى إن التَّثقيـ َ ـان؛ أل َّنـ ُه َّ ـش ّ ٌ ـف ّ َّ َ ٌّ هــذا الكَوكـ ِ ـب. 194 يأّرلا ُصوصن -الا قَملا دار اإلنسا ُّ ِ ِناؤه ين َوب ُ االقت ُ * ِ ِ المحــاور الكُبــرى لِ ِع ْلــ ِم النَّ ْف ِ ويتكــو ُن اإليجابــي، ــس االقتــدار يشــك ُِّل َمفهــو ُم اإلنســاني َأ َحــدَ َّ ِّ ِّ ـان وسـ ِ ـات علــى مختَلـ ِ ـدد ِم ـن المقومـ ِ االقتــدار اإلنســاني ِم ـن َعـ ٍ ـص اإلنسـ ِ ـف ُص ُعـ ِـد َخصائـ ِ ـلوك ِه، َ ُ ِّ ُّ ْ ُ ُ ِ ِ ِ ِ ِ ـراب وال ُقصـ ِ ـض لحــاالت االض ِّطـ ِ ـور وال َع ْجـ ِـز ا ّلتــي الوج ـ َه النَّقيـ َ وإدارتــه لوجــوده .كمــا أ َّن ـ ُه ُيم ِّثـ ُـل َ ـدار إحــدى الغايـ ِ ِ ـي .ويش ـك ُِّل بنــا ُء االقتـ ِ ـات ال ُك ْبــرى لِ ِع ْل ـ ِم النَّ ْفـ ِ ـم النَّ ْفـ ِ ـس الم َرضـ ِّ ـس َ ـم بهــا ع ْلـ ُ اهتـ َّ اإليجابــي. ِّ الشـ ِ ـخص ِ ِ أو َّ الصفـ َة َأ ِو الحالـ َة ِمـ ْن َكـ ْـو ِن َّ ـيء قو ًّيــا، الشـ المفــرد ُة اإلنجليز َّيـ ُة ِّ :Human Strengths تعنــي ُ ِ بمعنــى ال ُقـ ِ ـدرة علــى التَّأثيـ ِـر ِ َّحمـ ِ ـب ـل .كمــا تعنــي َدرج ـ َة ُقـ َّـوة التَّأثيـ ِـر َأ ِو التَّركيـ ِـز .و ُك ُّلهــا ت َُصـ ُّ أو الت ُّ الالت ا ّلتــي نَسـ ِ ِ ـي .أ ّمــا َعرب ًّيــا ف َيـ ِـر ُد فــي قامـ ِ ـتخد ُمها فــي ِع ْل ـ ِم النَّ ْفـ ِ ـوس ( ُمحيـ ُ ـط فــي الــدَّ ـس اإليجابـ ِّ ـل اقتــدر بمعنــى جمعـه واســتوعبه و َأمسـ َ ِ المحيـ ِ أن (اقتــدار) ِمـ َن الفعـ ِ ـط) َّ ـي القـ َّـو ُة َُ َ َ َ ُ ـك بــه .والقــدر ُة هـ َ َ َ ُ ِ ِ ِ علــى َّ ـوي عليــه وتم َّكـ َن منـ ُه .وهــذا المعنــى الدَّ قيـ ُـق ـدر عليــه َأ ْي َقـ َ الشــيء والتَّم ُّكـ ُن منـ ُه ،ومنهــا اقتـ َ ِ المقــا ِم. ا ّلــذي نَســتخد ُم ُه فــي هــذا َ ف إلــى الحديـ ِ ِ ـرد بـ ً ِ ـاد صيغـ ِـة المفـ ِ ولقــدْ ِم ْلنــا إلــى اعتمـ ِ ـث ع ـ ْن الج ْم ـعِ؛ ألنَّنــا نهـ ِـد ُ َ ـدل م ـ ْن صيغــة َ ُ عمليـ ِـة بنـ ِ ـاء حالـ ٍـة كَيانيـ ٍـة لــدى اإلنسـ ِ ـودي» فــي ُمقابِ ِل ـان ُيمكـ ُن تلخيصهــا فــي تَعبيـ ِـر «التَّمكيـ ُن الوجـ ُّ ُ َّ َ َّ ـن ُف ِرضــا علــى اإلنسـ ِ ِ ـن ال َّل َذ ْيـ ِ الم ْز ِمنَ ْيـ ِ الم َر َض ْيـ ِ والهــدْ ِر ال َّل َذ ْيـ ِ ـان وأرغمــا ُه علــى القهـ ِـر َ ْ ـن ُ ـن يش ـكِّالن َ االنكفـ ِ ـاء إلــى حالـ ِـة ال َع ْجـ ِـز واالستســا ِم. ـدار ال ُك ِّلــي لإلنسـ ِ ـان قضي ـ ًة م ِلح ـ ًة ،إذا ُكنّــا نطمــح إلــى أخـ ِـذ مكانـ ٍـة ِ لقــدْ أمســى بنــا ُء االقتـ ِ وصناعـ ِـة ُ َّ ُ َّ َ ِّ ــد السياســي ِة واالقتِصادي ِ قانــون ال ُقــو ِة علــى جميــ ِع الصع ِ ٍ ٍ ُ ــة حكمــ ُه مصيــر ،فــي عالــ ٍم َّ َّ ُّ ُ َ َّ ّ راهــن َي ُ ِ ِ نبــع ك ُِّل ال ُقــوى األخــرى القــو ُة المعرف َّيــ ُة ا ّلتــي تُشــك ُِّل َم َ وال َعســكر َّية والتِّقن َّيــة ،و ُي ِّتو ُجهــا جمي ًعــا َّ َفرض ـه ِم ـن حـ ِ ـدودة ،وتحوالتِهــا المتسـ ِ ِ ِ رتكزهــا؛ فال َعو َلم ـ ُة بتَنا ُفس ـ َّيتِها ّ ـاالت اللمحـ و ُم َ ـارعة ،ومــا ت ُ ُ ْ ُّ ُ ٍ ـث المســتقب ُل يحمـ ُـل ِمـن المفاجـ ِ ٍ ـث ُّ عــد ِم تأ ُّكـ ٍـد ،حيـ ُ ـآت أكثـ َـر ِم ّمــا َ َ َ ُ كل شــيء َيتحـ َّـو ُل بِســر َعة ،وحيـ ُ ُ ِ ٍ ِ ِ قرار واالســتِ ِ ـن االســتِ ِ َيحمـ ُـل ِم ـ ْن يقيـ ِ مرار ،ومــا ُيس ـ ِّي ُر َّ ـم َي ُعــدْ فيهــا كل َعمل ّياتهــا م ـ ْن قانــون ُقـ َّـوة َلـ ْ ِ ـباب تَحديــدً ا ُّ مـ ٌ والمســتكيني َنَّ . وكل شـ ِ ـرائح مجتمعاتِنــا ُ -عمو ًمــا -بِحاجـ ٍـة إلــى ـكان ُّ الشـ ُ للضعفــاء ُ لط ِ ِ ِ نوير لِ ِّ *) ِم ْن ِ قراءات في ِع ْلمِ ال َّن ِ ُ باعة وال َّنش ِر ،لبنان. اإليجابي) ،مصطفى فس الحياة: طاقات (إطالق كتاب ٌ ّ حجازي ،2012 ،ال َّت ُ ِّ 195 كتاب النصوص للصف احلادي عشر وإطالقهــا وبنـ ِ ِ ـترداد نشـ ِ ِ ـاء االقتـ ِ ـي. ـاط طاقاتِهــا الح َّيـ ِـة اسـ ـدار ال ُك ّلـ ِّ للشــخصي ِة َعــدد ِمـن المقومـ ِ ـات يأتــي فــي َّأولهــا ال ّلياقـ ُة ِ ولالقتـ ِ ـي َّ الجســم َّي ُة ،تَليهــا الكَفــا َء ُة ِّ ٌ َ َّ ـدار ال ُك ّلـ ِّ ـف محـ ِ المتم ِّثل ـ ُة فــي االقتـ ِ ـول هــذا العمـ ِ ـخصي ا ّلــذي تَعـ ِـر ُض فصـ ُ ـدار َّ ـاور ِه، الشـ ـل مخ َت َلـ َ ِّ النَّفس ـ َّي ُة ُ المتان ـ َة النَّفس ـ َّي َة وال ُقــدر َة الصح ـ ُة النَّفس ـ َّي ُة النَّمائ َّي ـ ُة و ُم ِّ مضا ًفــا إليهــا ِّ المعروف ـ ُة ا ّلتــي تُو ِّفـ ُـر َ قوماتُهــا َ ِ ـات العو َلمـ ِـة المتزايـ ِ ـل مــع تَحديـ ِ علــى ِ االنفتـ ِ للحصانة ـدة ،ســوا ٌء َ ّ ـاح علــى العا َلـ ِم ،وال َّظ َفـ َـر فــي التَّعا ُمـ ِ َ ْ ُ ِ وأزماتِهــاَ ،أم المتـ ِ ـوض ِغمـ ِ ـدرات خـ ِ َحوالتِهــا و ُف َر ِصهــا َغيـ ِـر ـاك ُقـ ضــدَّ آفاتِهــا وضغوطاتِهــا َ ـار ت ُّ ْ الخــروج ِم ـن الحالـ ِـة ال ُّط َفيليـ ِـة والتَّبعيـ ِـة ،وإبـ ِ ـداء ال ُقـ ِ ِ ِ ـدرة األكبـ ِـر ِم ـ َن ال ّلياقـ ِـة َّ َّ ـب ُ َ َ المســبو َقة م ّمــا َيتَط َّلـ ُ َ التَّكيفيــةِ. ُّ َّ ـل السـ ِ ِ الضمـ َ ابت ـان ال ّث َ ـاحة فــي َعصـ ِـر ال َعولمـ ِـة ،كمــا أ َّن ُه يشـك ُِّل َّ ـي َمكانـ َة َبطـ ِ ّ المعرفـ ُّ ـدار َ و َيحتـ ُّـل االقتـ ُ ِ ـار المنا َفسـ ِـة؛ فقــدْ حـ َّـل االقتــدار المعرفــي محـ َّـل قـ َّـو ِة المـ ِ ـوض ِغمـ ِ األكيــدَ لخـ ِ األول َّيـ ِـة ـال والمــوارد َّ ُّ ُ ِ وغيرهــا ِمـن ال ُقــوى؛ إ ْذ إ َّنـه هــو ا َّلــذي يشـك ُِّل العنصــر الموجـه لهــا ،وصانِــع ِ ِ جميعهــا .إ َّنـ ُه فاعل َّيتِهــا َ ِّ َ ُ َ َ َ ِ َّراجـ ِع ِ ـوب ِ ـل للنُّضـ ِ ِ المتنامــي وغيـ ُـر القابـ ِ حصـ ُـل أو االنتِـ ـي ُي َّ أو الت ُ المعرفـ ُّ ـدار َ ـكاس .واالقتـ ُ ـدر ُ المصـ ُ َ ِ ِ ِ ِ الذات َّي ْيـ ِ والجهــد ّ ـن. الســماء ،وال ُهـ َـو َ الجــدارة ُ ـب ،بـ ْـل َيقــو ُم علــى َ يوهـ ُ و ُي َصنَّـ ُ ـع ،فــا هـ َـو َينـ ِـز ُل م ـ َن َّ ـال كمــا فــي التِّقنيـ ِ ِ ِ ـاة الم ِ ـال واألعمـ ِ عاصــر ِة ،فــي المـ ِ َّ ـات، ّ السـ ْب ِق فــي ُمخ َت َلــف َمناحــي َ إن َق َصـ َ َ الحيـ ُ ـب َّ ـدود والقيـ ِ يقــوم علــى ُقــو ِة المعرفـ ِـة ،أو مــا أســميناه االقتــدار المعرفــي ا َّلــذي يكمـن فــي كَسـ ِـر الحـ ِ ـود ُ َ ُ ُ َْ ُ ْ َّ َ َ َّ َ َ ُ ـج والممارسـ ِـة وامتِـ ِ ِ أمــام انطـ ِ ـاق األفـ ِ والم َنهـ ِ ـاك ـاو ِز التَّقليـ ِّ ـكار وتَجـ ُ ُ َ والمألــوف ،وفــي النَّ َظـ ِـر َ ـدي َ َ ٍ ِ ـاؤل واألمـ َـل الف ّعـ َ ـي والتَّفـ َ التِّقن ّيــات .وبال َّطبـ ِع فـ َّ مكونــات قاعد َّيـ ًة ـال تُشـك ُِّل م ًعــا ِّ ـإن التَّفكيـ َـر اإليجابـ َّ فــي ُممارسـ ِـة االقتِـ ِ ـي. المعرفـ ِّ ـدار َ للشــخصي ِة الجــدار ُة ِ ـواز ال ُع ِ ـبق علــى االقتِـ ِ ـي َّ بور ـاف إلــى مــا سـ َ ويضـ ُ المهن َّيـ ُة ا ّلتــي تُشـك ُِّل َجـ َ َّ َ ـدار ال ُك ّلـ ِّ ـال الجـ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ـودة والنَّوع َّيـ ِـة والتَّنا ُفـ ِ ـس. والمضمــون إلــى ال ُعضو َّيــة االجتماع َّيــة الكاملــة م ـ ْن خـ ِ َ األكيــد َ ـال بنـ ِ ـاء اقتِـ ِ ِ ِ ـباب أمــام تَحــدٍّ فِعلــي إلثبـ ِ ـات َجدارتـ ِـه ِم ـ ْن خـ ِ الشـ ِ ُ ـيكون جيـ ُـل َّ ـي .إنَّنــا وسـ ـداره المهنـ ِّ َ ٍّ َ َ ـدد بنـ ِ ِ ـاء الجـ ِ بصـ ِ والهـ ِ ـدرَ ،أ ْو حال ـ ُة ِرضاعـ ِـة المغانِـ ِم ـدارةَ ،أ ِي الحال ـ ُة النَّقيـ ُ ـض تَما ًمــا لحالــة ال َع ْجـ ِـز َ َ ـال التَّبعيـ ِـة للعصبيـ ِـة والعشـ ِ ِم ـ ْن ِخـ ِ ـيرة. َ َّ َّ الكفــاءة الكلي ِ ِ ــة الخامــس ِمــ َن االجتماعــي أو الكفــاء ُة االجتماع َّيــ ُة الركــ َن االقتــدار ويشــك ُِّل َّ َ ُّ ُ ِ َّ َتضمنُ ـ ُه ِم ـ ْن ـي ،وا َّلتــي أصبحـ ْ َ ـت -بمــا ت َّ للشــخص َّية ا َّلتــي ُيط َلـ ُـق عليهــا -أحيا ًنــا -الـ ُّـذكا ُء االجتماعـ ُّ 196 يأّرلا ُصوصن -الا قَملا ـاراتِ -م ـن المؤهـ ِ مهـ ٍ ـاح فيـ ِـه ،فــي َعصـ ِـر األسـ ِ ـات األساس ـ َّي ِة لِدخـ ِ ـول عا َل ـ ِم العمـ ِ ـل والنَّجـ ِ ـواق َ ُ ِّ إن مهـ ِ ـارات التَّفا ُعـ ِ المفتوحـ ِـة وتَبــا ُد ِل التَّفا ُعـ ِ ـلَّ . ـت ِم ـ ْن ـي ،ك ُّلهــا أصبحـ ْ َ ـل فــي َعصـ ِـر التَّنـ ُّـو ِع ال َّثقافـ ِّ َ ـدار فــي عصـ ِـر العولمـ ِـة ،عالميــا ومحليــا علــى حــدٍّ سـ ٍ ـواء؛ فقـ ِـد انتهــى َعصــر الع ْزلــةِ ِ ِ متط َّلبــات االقتـ َ ُ ُ ًّ ًّ َ ِ ِ والمجتمعــات َّ ِ ِ ُ غلقــة علــى ذاتِهــاَّ ، العولمــة َّعريــف ابــ ُن حيــث الت هــو ِمــ ْن الم ُ ــباب َ والش ُ الض ِّيقــة ُ ِ والل ِعــب األســاس فيهــا ،ولــذا فــا بــدَّ ِم ـن تَنميـ ِـة اقتِـ ِ ِ ّ ـي. ْ ُ ُ ُ ـداره االجتماعـ ِّ للشــخصي ِة بِرســوخِ الهويـ ِـة واالنتِمـ ِ ـاء؛ َف ـك ُُّل اقتـ ٍ ـات االقتِـ ِ ـي َّ ـدار وفاعل َّيـ ٍـة قومـ ُ ُ َّ َّ َكم ُل ُم ِّ ـدار الك ِّلـ ِّ وتُس ـت َ ِ ِ ـار ِ ِ يندَ رجـ ِ ِ ِ المشـ ِ والهو َّيـ ِـة ال َّل َذ ْيـ ِ ـن يتح َّقـ ُـق ُرسـ ُ كة فــي ـان بِ َّ الضــرورة ضمـ َن االنتمــاء ُ َ ـوخهما بالموا َطنَــة ُ ٍ ِ ِ ِ ِ ـي مــا نَصنَ ُعـ ُه بِحياتنــا و َم ِ َحمـ ِ صيرنــا ،ومــا نُقدِّ ُمـ ُه مـ ْن إنجــازات، الوطن َّيــةُ ، المســؤول َّية َ فالهو َّيـ ُة هـ َ ـل َ ت ُّ ـاد األجـ ِ وليــس مجــرد التَّغنــي بأمجـ ِ ـداد؛ فاألمــم الن ِ ّاه َض ـ ُة والرائــد ُة تُحــدِّ ُد ُهو َّيتهــا بمــا ت ِ ُنجـ ُـز ِم ـ ْن َ ُ َّ َ ّ ُ ـائلهِ. ـباب التَّقــدُّ ِم ووسـ ِ ِ ِ إبداعـ ٍ ـات ،ومــا تقدِّ ُم ـ ُه لإلنســان َّية م ـ ْن أسـ ِ أوجـ ِـه اقتـ ِ الحصان ـ ُة ُ ـدار َّ ـت ُم ِل َّح ـ ًة أكثـ َـر ِم ـ ْن الشــخص َّي ِة ،ولقــدْ أصبحـ ْ الخ ُلق َّي ـ ُة َأ َحــدَ َ َ ـم ُ وتُش ـك ُِّل َ أهـ ِّ ـت مضــى مــع مــا حم َل ْتـه العولمـ ُة ِمـن آفـ ٍ أي وقـ ٍ وأوجـ ٍـه ُمظلمـ ٍـة ،فالمناعـ ُة ُ الخ ُلق َّيـ ُة َ -وحدَ هــا- ـات ُ ْ ُ َ َ ْ ِّ ِ ِ ِ ِ أيضــا ال تقــو ُم َحصانــ ٌة ُخ ُلق َّيــ ٌة ّإل وهنــا ً الحقيق َّيــ َة مــ ْن هــذه اآلفــاتُ . هــي ا َّلتــي تُشــك ُِّل الحمايــ َة َ َ ـات واإلنجـ ِ رات واإلمكانـ ِ ـزاز بال ُقــدُ ِ ـدار واالعتِـ ِ علــى أوجـ ِـه االقتِـ ِ ات َمعناهــا ـازات ا ّلتــي تُعطــي الـ ّـذ َ ِ والح ْج ِ الح ْظ ِ والمنْــ ِع والتَّأثيــ ِم ا ّلتــي تُق ُّيــدُ ــر َ وقيمتَهــا ومكانَتهــا .وال تَقــو ُم علــى اإلفــراط فــي َ ــر َ َ واجــر والــر ِ ِ والز ِ ـح َمعرو ًفــا َّ واد َع ال تُشـك ُِّل َحصانـ ًة ُخ ُلق َّيـ ًة؛ أن التَّخويـ َ ـف َّ الح َّيـ َة ،ف َلقــدْ أص َبـ َ ال ّطاقــات َ َّ َ الذاتــي احتِــرام الـ ّـذ ِ ِ ِ إ ْذ إنَّهــا ُسـ َ ات َ ـرعان مــا تَتهــاوى أمــا َم تَحد ّيــات اإلغــراءاتَ ،بينَمــا ُيو ِّفـ ُـر التَّمكيـ ُن ّ ُّ ِ الحصا َنـ ِـة. قومــات َ ـم ُم ِّ َقديرهــا ،وهــذا أهـ ُّ وت َ ـدار تَزايـ ِـد ُضغـ ِ إلحاحــا بمقـ ِ ـح بنــا ُء االقتـ ِ ـوط ال َعو َلمـ ِـة وتَحدّ ياتِهــا ا َّلتــي تُهدِّ ُدنــا ـدار أكثـ َـر ً لقــدْ أص َبـ َ إن ك َُّل مقومـ ِ ـات االقتـ ِ َأ ْن ندخـ َـل فــي التَّبع َّيـ ِـةَّ . ـدرات تبنــى ِمـ ْن مشــاري ِع صناعـ ِـة ـي قـ ٌ ِّ ـاني هـ َ ـدار اإلنسـ ِّ ِ ِ الكيـ ِ وتعظيمنــا ل ُف َر ِصنــا. جهودنــا ـف علــى ـان ،وبالتّالــي فإنَّهــا تتو َّقـ ُ 197 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ِ أي ال ّن ِ عادة؟ الس اس أسع ُد؟ و َك َ حص ُ ُّ ل على َّ َ يف َت ُ * ـح أسـ َعدَ حـ ً ـت فيـ ِـه؟ أو لــو أ َّنـ َ ـالَ ،لــو أ َّنـ َ ـت ُمض َطـ ًّـرا إلــى ـك َلسـ َ ـع َذكا ًء ممــا أنـ َ ـك كُنـ َ ألمـ َ هـ ْـل تُصبِـ ُ ـت َ ف أي ّطبقـ ِ ـات النّـ ِ الجهــدَ ا ّلــذي ت ُ ْ أن تَبـ ُـذ َل فــي َع َم ِلـ َ ـاس أوفـ َـر َســعاد ًة ِمــن ِســواها؟ َبذ ُل ـ ُه؟ أتَعـ ِـر ُ ّ ـك ُ ـات بإجـ ِ ومــن العلمـ ِ ل َقــدْ عنِيــت نُخب ـ ٌة مــن علمـ ِ ـات الجامعـ ِ ـاء فــي كُبريـ ِ ـس واالجتِمــاعِِ ، ـاء النَّفـ ِ ـراء ُ ُ َ ُ َ َ ِ ـاث فــي السـ ِ أبحـ ٍ والمت َعـ ِـة ـعادة ِمــن َزوايــا ش ـتّى ،فانتَبِهــوا إلــى آراء وأحــكام َج َم َعـ ْ ـت بي ـ َن الفائــدَ ة ُ َّ ِ ـدوك إلــى الســعاد ِة ِمــن َطريـ ٍـق محــدَّ ِد المعالِـ ِمِ ، َطيعون أن ُيرشـ َ َ واضـ ِ ـح ـع أن َُّهــم ال َيسـت ّ َ وال ّطرا َفــة .و َمـ َ َ ُ ـك علــى االهتِـ ِ َطيعون أن ُيـ َـز ِّو َ َ ـداء إلــى تِلـ َ ـور ٍة ،تُعينُـ َ ـك المســالِ ِكَ ،غيـ َـر أن َُّهــم َيسـت دوك بِنصائـ َ ـح و َمشـ َ ّ ِ األز ِل. المنشــو َد ِة ُمنـ ُـذ َقدي ـ ِم َ الضا َلــة َ الســعا َد ُة فــي ال َع َمـ ِ َفهـ ِ ـون أسـ َعدَ حـ ً احـ ِـة؟ َهــل تَكـ ُ ـالَ ،لــو أ َّنـ َ ـك َلــم تَكـ ْن ُمضطـ ًّـرا إلــى الر َ ـل أو فــي ّ ـل َّ أن تَبـ ُـذ َل فــي َع ِ ـون أســعدَ حـ ً ـك َلــن تَكـ َ الجهــدَ ا ّلــذي ت ُ ْ ـح ،أ َّنـ َ ملـ َ ـت ِمــن َبذ ُل ـ ُه؟ ـالَ ،فقــد َث َبـ َ األرجـ ُ َ ـك ُ ِ ِ الدِّ راسـ ِ ـاس أ ْدنــى إلــى ْ ـي «جاتســون الدنديــس» َّ أن ـات ا ّلتــي ْ أن النّـ َ اض َط َلـ َ ـم االجتماعـ ُّ ـع بِهــا العالـ ُ ـل ،وانكبابــا عليـ ِـهِ .كمــا د ّلـ ِ أشــدَّ ِ انهمــاكًا فــي ال َع َمـ ِ َيكونــوا أهنَـ َـأ بـ ً ـال ِعندَ مــا َيكونـ َ ـون َ ـتقصاءات ـت اسـ ٌ ً عــون إلــى اليــو ِم ا ّلــذي يتــاح َلهــم ِ أن َيعت َِزلــوا ال َع َ فيــه ْ أولئــك ا ّلذيــ َن َيتَط َّل َ ُأخــرى َعلــى َّ َ مــل ،ال أن ُ ُ ـل ِعندَ مــا َتتَح َّقـ ُـق َلهــم هـ ِ ـون أن ُي ِح ّســوا بِ َخي َبـ ِـة األ َمـ ِ أيضــا علــى َّ يل َبثـ َ ـم ـذه األُمنِ َي ـ ُة .و َد َّلــت ً أن ُمع َظـ َ ضاي ُقهــم اإلخــاد إلــى الر ِ ِ الن ِ أكثــر ِم ّمــا ُيســعدُ ُهم .و َقــد قا َمــت ّ َ ُ احــةَ ، ــم ال َفــرا ُغ ،و ُي ِ ُ ُ ّــاس ُيضج ُر ُه ُ ِ ـان ومـ ٍ كل َزمـ ٍ أن أســعدَ النّـ ِ ـاس فــي ِّ األد َّل ـ ُة علــى َّ ـكان ُهــم أق ُّل ُهــم َفرا ًغــا. َ ـف الســعاد ُة باختـ ِ ِ ـس؟ ُّ ِ ـاف ِ نسـ ِ الجنـ ِ الرجـ ُ ـال أ ِم النِّســا ُء ؟ َقــد تَبــدو ـين أســعدُ ِّ : أي الج َ وهــل تَختلـ ُ َّ ـب النّفســانِي المعـ ِ ِ ـروف «دافيــد .هـــ .فينــك» م ِ ـات ال َّطبيـ ِ فاجئ ـ ًة ـج ا ّلتــي أس ـ َف َرت َعنهــا ِدراسـ ُ النَّتائـ ُ ُ ّ َ ِ أن النِّســاء أقــدَ ر ِم ـ َن الرجـ ِ َّعاسـ ِـة ِكلت ِ ِ ـك؛ ف َقــد َد َّلــت علــى َّ لـ َ َيهمــا. ـال َعلــى اسـ الســعا َدة والت َ ـتيعاب َّ ِّ ُ َ ناســب ِمــن مقو ِ ــظ م ِ حــوث َعلــى َّ ٌ ــت ُب َــت أســ َعدَ مــات َحياتِهــا كان ْ و َد ّل ْ ُ ِّ ٌ أن المــرأ َة إذا تَوا َف َــر َلهــا َح ٌّ ُ ِ ِ ـؤس والحـ ِ َّعاسـ ِـة وال ُبـ ِ الر ُجـ ِ ـزن ُ ـاس ،وأنَّهــا إذا أد َبـ َـرت َعنهــا الدُّ نيــا ت َ ـل بِمــا ال ُيقـ ُ َج ّشـ َـم َت مــن الت َ م ـ َن َّ أن لِلمـ ِ ـذه البحـ ِ َجشــمه الرجـ ُـل .وقــد أيــدَ ْت نتائــج هـ ِ ـت َّ ـرأة أضعـ َ ـات ُأخــرى أث َب َتـ ْ ـوث ِدراسـ ٌ َ َّ ـاف مــا َيت َّ ُ ُ َّ ُ ـياق وراء العواطِـ ِ ِ ِ ِ ِ االنسـ ِ الر ُجـ ِ ـف. ـل ،وأنَّهــا أم َيـ ُـل إلــى َ َ َمشــاع َر َأر ُّق مــن َمشــاع ِر َّ *) مجلة «ساينس دايجست» 198 يأّرلا ُصوصن -الا قَملا ِ ِ ِ كان ُمســتوى َذكائـ ِـه ُمرت َِف ًعــا َيكـ ُ أن َمـ ْن َ ـح َّ َولنَن ُظـ ِـر َ ـون بالســعا َدة؛ َفهــل َصحيـ ٌ اآلن إلــى َعال َقــة الـ َّـذكاء َّ يــره؟ اإلجابــ ُة هــي ال؛ ف َقــد أســ َفر ِ أســعدَ ِمــن َغ ِ حــوث علــى َّ ُ حيــح، الص ت ال ُب ُ كــس ُهــو َّ أن ال َع َ َ َ ُ ـات ا ّلتــي أشــر َفت َع َليهــا ِ َ ـوع جام َع ـ ُة «أوهايــو َوســيليان» َفالدِّ راسـ ُ وكان َطل َبتُهــا أن ُف ُســهم ُهــم َموضـ ُ َ ـات َذ ٍ كاء أعلــى ِم ـن المتَوسـ ِ أن ال َّط َلب ـ َة الحائزي ـن َعلــى درجـ ِ ـذه الدِّ راسـ ِ هـ ِ ـاتَ ،د َّلــت َعلــى َّ ـط أقـ َّـل َ َ َ َ ُ ِّ ٍ ـك َذهــب ِ ِ ِ ِ ِ َوسـ َط ٍة .وفــي تَعليـ ِ الباحثـ َ ـون ـل ذلـ َ َ َ ـم الحاصليـ َن علــى َد َرجــات َذكاء ُمت ِّ ســعا َد ًة مــن ُزمالئ ِهـ ُ ِ ِ صــات ،وأد ُّق تَقديــرا فــي و ِ إلــى َّ زن المنَ ِّغ ــف إحساســا بِمــا َيكتَنِ ُ أره ُ أن األذكيــا َء َ َ َ ــف َ ً الحيــا َة مــ َن ُ ً ـت بِهــا كُلي ـ ُة ال ِّطــب بِ ِ ـور ،وتَدبـ ِـر الع ِ واقـ ِ جام َعـ ِـة كاليفورنيــا ـات ُأخــرى قا َمـ ْ ـفت ِدراسـ ٌ ـب .وك ََشـ ْ ِّ َّ َ األمـ ِ َ ُّ أن َذوي الـ َّـذ ِ والخيبـ ِ ـف مــع المضايقـ ِ ِ ِ ـوق المتَوسـ ِ كاء َفـ ِ ـط َيكونـ َ َعــن َّ ـات َ ـات ـون أقـ َّـل اســتعدا ًدا لل َّت َك ُّيـ َ َ ُ َ ُ ِّ ِ ِ ِ ِ ِ الشـ ِ وشـتّى ألـ ِ ـوان َّ َ ـح ِمــن ـدائد ّ والضائقــات ا ّلتــي َيل َقونَهــا فــي ُمجريــات َحيات ِهــم ال َيوم َّيــةَ .وقــد اتَّضـ َ أن األذكيــاء أقـ ُّـل ِر ًضــى و َقنا َع ـ ًة بِحظوظِ ِهــم فــي الحيـ ِ ـذه الدِّ راسـ ِ هـ ِ ـات َّ ـاة ِمــن أولئـ َ ـك ا ّلذي ـ َن ُهــم َ َ ٍ ذلــك -إذا ُأصيبــوا باضطِ ِ حســبَ ،ب ْ َ رابــات ــل ُهــم -إضا َفــ ًة إلــى يــس هــذا َف ُ أ ْدنــى م ُنهــم َذكا ًء .و َل َ عاطفيــة أو بدنيــة كانــوا أب َطـ َـأ ِمــن هـ ِ ـؤالء ِشــفا ًء. ّ ّ ِ ـاك أمــور ال حصــر َلهــا ي ِ ـاس اإلنسـ ِ الســعا َد ِة وت ِ َأثيرهــا فــي إحسـ ِ هنـ َ بحـ َ مكـ ُن ْ ـان أن ُي َ ُ ـث فــي َعال َقتهــا بِ َّ ٌ َ َ ياض ِ ِ ِ ِ األمــر ِمــن َّفــاؤ ِل و َغ ِيرهــا .ولكــ ْن إذا َن َظرنــا إلــى ــة ،والت ُ الر َ بالرضــاَ ، مار َســة ِّ كالجمــال ،و ُم َ ّ ِ ِ ٍ ِ ِ ِ يــر َوســي َلة لل َّظ َف ِ ــم الدِّ راســات فــي هــذا َم الســعا َدة؟ َفــإِ َّن ُمع َظ َ ــر بِ َّ نظــوره الواســعِ ،وتَســا َءلنا مــا َخ ُ ـعادة إذا التَمس ـتَها بِالبحـ ِ ـبيل إلــى ال َّظ َفـ ِـر بِالسـ ِ الشـ ِ ـول :إ َّن ـ ُه ال َسـ َ ـأن تَقـ ُ َّ ـث َعنهــاَ ،وإنَّمــا َســبي ُلك إلــى َ َّ ن ِ ـل فــي ِجــدٍّ و َد ْأ ٍ ـك؛ بِــأن تُثابِـ َـر َعلــى ال َع َمـ ِ َيلهــا ُهــو ْ َلحـ ُـق بِـ َ بَ ،وال تَدَّ ِخــر ُوس ـ ًعا فــي أن تَج َع َلهــا ت َ ِ ـن مــا فــي مسـت ِ أداء ِ أحسـ ِ َطاع َكْ ، ـكْ ، وأن تَعيـ َ وأن تَرضــى بِمــا ُهــو فــي َيديـ َ ـش َحيا َتـ َ واجبـ َ ـك، ُ ـك َعلــى َ وأن ُتـ ِ ـكْ ، ـدر َك إدراكًا َعمي ًقــا أ َّنـ َ ـف َعلــى مــا فا َتـ َ الســعا َد ِة لِ َغيـ ِـر َك ،مــا َأسـ َ ـك ال تَسـت ُ َطيع تَحقيـ َـق َّ وال ت َ ـوت الهـ ِ ـك الصـ ِ أن تُصغــي إلــى مشـ ِ الســعا َد ِة َعلــى َو ِ الضئيـ ِ َلــم َت َتـ َ ـكَ ،و ْ جهـ َ ـل ـاد ِئ َّ ـورة ذلـ َ َّ َ َ َ ـألْ إشــرا َق ُة َّ ِِ ِ ـل ،المنب ِعـ ِ الضميـ َـرِ ، أو ِ ـيَ ، الوجـ َ أعماقـ َ ـدان ،أو ُّ وأل ـث ِمــن ـك ا ّلــذي ُيسـ ّـمى َّ الجميـ ِ ُ َ َ ـعور الباطنـ َّ الشـ َ ِ ِ ِ ِ ِ ـك إلــى األمـ ِ الروح َّيــة ا َّلتــي ِهــي أدا ُتـ َ روتـ َ ـور الماد َّيــةَ ،فتُلهيـ َ ف ك َُّل َه ِّمـ َ ـك تَصـ ِـر َ ـك َعــن تَنم َيــة َث َ ـك ُّ لتَحقيـ ِـق ُطمأنينَـ ِـة ِ الفكـ ِـر ،وسـ ِ وراحـ ِـة البـ ِ ـكون النَّفـ ِ ـال. ـس، َ ُ 199 كتاب النصوص للصف احلادي عشر املعنى السياسي يف العيد مصطفى صادق الرافعي مت ترشيح هذا النص من قبل الطالبة فاطمة عبدال ّله احمد عبدال ّله اليماحي ّ مدرسة املاسة للتعليم الثانوي للبنات يف الفجرية. فهمــا جديــدً ا ،نتلقاهــا بــه ونأخذهــا مــن مــا أشــد حاجتنــا نحــن -المســلمين -إلــى أن نفهــم أعيادنــا ً ناحيتــه ،فتجــيء أيا ًمــا ســعيدة عاملــة ،تنبــه فينــا أوصافهــا القويــة ،وتجــدد نفوســنا بمعانيهــا ،ال كمــا تجــيء اآلن كالحــة عاطلــة ممســوحة مــن المعنــى ،أكبــر عملهــا تجديــد الثيــاب ،وتحديــد الفــراغ، وزيــادة ابتســامة علــى النفــاق. فالعيــد إنمــا هــو المعنــى الــذي يكــون فــي اليــوم ال اليــوم نفســه ،وكمــا يفهــم النــاس هــذا المعنــى يتلقــون هــذا اليــوم؛ وكان العيــد فــي اإلســام هــو عيــد الفكــرة العابــدة ،فأصبــح عيــد الفكــرة العابثة؛ وكانــت عبــادة الفكــرة جمعهــا األمــة فــي إرادة واحــدة علــى حقيقــة عمليــة ،فأصبــح عبــث الفكــرة جمعهــا األمــة علــى تقليــد بغيــر حقيقــة؛ لــه مظهــر المنفعــة وليــس لــه معناهــا. ليــس العيــد إال إشــعار هــذه األمــة بــأن فيهــا قــوة تغييــر األيــام ،ال إشــعارها بــأن األيــام تتغيــر؛ وليــس العيــد لألمــة إال يو ًمــا تعــرض فيــه جمــال نظامهــا االجتماعــي ،فيكــون يــوم الشــعور الواحــد فــي نفــوس الجميــع ،والكلمــة الواحــدة فــي ألســنة الجميــع؛ يــوم الشــعور بالقــدرة علــى تغييــر األيــام، ال القــدرة علــى تغييــر الثيــاب. وليــس العيــد إال تعليــم األمــة كيــف تتســع روح الجــوار وتمتــد ،حتــى يرجــع البلــد العظيــم وكأنــه ألهلــه دار واحــدة يتحقــق فيهــا اإلخــاء بمعنــاه العملــي ،وتظهــر فضيلــة اإلخــاص مســتعلنة للجميــع ،و ُيهــدي النــاس بعضهــم إلــى بعــض هدايــا القلــوب المخلصــة المحبــة؛ وكأنمــا العيــد هــو إطــاق روح األســرة الواحــدة فــي األمــة كلهــا. وليــس العيــد إال إبــراز الكتلــة االجتماعيــة لألمــة متميــزة بطابعهــا الشــعبي ،مفصولــة مــن األجانــب، البســة مــن عمــل أيديهــا ،معلنــة بعيدهــا اســتقاللين فــي وجودهــا وصناعتهــا ،ظاهــرة بقوتيــن فــي إيمانها وطبيعتهــا ،مبتهجــة بفرحيــن فــي دورهــا وأســواقها؛ فــكأن العيــد يــوم يفــرح الشــعب كلــه بخصائصــه. 200 يأّرلا ُصوصن -الا قَملا وليــس العيــد إال التقــاء الكبــار والصغــار فــي معنــى الفــرح بالحيــاة الناجحــة المتقدمــة فــي طريقهــا، وتــرك الصغــار يلقــون درســهم الطبيعــي فــي حماســة الفــرح والبهجــة ،ويع ِّلمــون كبارهــم كيــف بصرونهــم كيــف ينبغــي أن توضــع المعانــي فــي بعــض األلفــاظ التــي َف َر َغـ ْ ـت عندهــم مــن معانيهــا ،و ُي ّ تعمــل الصفــات اإلنســانية فــي الجمــوع عمــل الحليــف لحليفــه ،ال عمــل المنابــذ لمنابــذه؛ فالعيــد يــوم تســلط العنصــر الحــي علــى نفســية الشــعب. وليــس العيــد إال تعليــم األمــة كيــف توجــه بقوتهــا حركــة الزمــن إلــى معنــى واحــد كلمــا شــاءت؛ فقــد وضــع لهــا الديــن هــذه القاعــدة لتُخـ ِّـرج عليهــا األمثلــة ،فتجعــل للوطــن عيــدً ا مال ًّيــا اقتصاد ًّيــا تبتســم فيــه الدراهــم بعضهــا إلــى بعــض ،وتختــرع للصناعــة عيدهــا ،وتوجــد للعلــم عيــده ،وتبتــدع للفــن مجا َلــي زينتــه. هــذه المعانــي السياســية القويــة هــي التــي مــن أجلهــا ُفــرض العيــد ميرا ًثــا دهر ًّيــا فــي اإلســام، ليســتخرج أهــل كل زمــن مــن معانــي زمنهــم فيضيفــوا إلــى المثــال أمثلــة ممــا يبدعــه نشــاط األمــة، ويحققــه خيالهــا ،وتقتضيــه مصالحهــا. 201 كتاب النصوص للصف احلادي عشر 202 حفي ُة الص ُ ّ األعمدة ّ 203 كتاب النصوص للصف احلادي عشر 204 يأّرلا ُصوصن -ةّيفحّصلا ُةدمعألا حفي الص الع ُّ ُ َ مود ّ ـارا ،ومقروئيــة؛ وذلــك ألنــه يجمــع يعــدّ العمــود ّ ـي مــن أكثــر أشــكال الكتابــة الصحفيــة انتشـ ً الصحفـ ّ بيــن قصــر المســاحة وواقعيــة القضايــا ا ّلتــي يتحــدث عنهــا ،ومالصقتهــا لمشــكالت المجتمــع، وقضايــا النــاس. حفــي مــن أهــم المصــادر ا ّلتــي تمنــح القــارئ فكــرة واســعة عــن طبيعــة الص ولذلــك فالعمــود ّ ّ المجتمــع ،وأهــم قضايــاه الحيو ّيــة ،فهــو يشــبه المــرآة فــي أنــه يعكــس مــا تمــور بــه الحيــاة فــي مجتمــع مــن المجتمعــات فــي فتــرة زمنيــة معينــة. الــرأي ،ينشــر بانتظــام فــي حفــي بأنــه نــوع خــاص مــن الص ُ ويمكــن تعريــف العمــود ّ نصــوص ّ ّ صحيفــة أو مجلــة فــي مــكان ثابــت ،وتحــت مســمى ثابــت ،وبمســاحة ثابتــة ال تتغيــر ،ويع ّبــر عــن فكــر كاتبــه ،وشــخصيته ،وتوجهاتــه ،ويكــون الهــدف منــه -فــي الغالــب -توعيــة القــراء ،أو مناقشــة فكــرة أو قضيــة يراهــا الكاتــب مهمــة. ـي أنــه ملتصــق بكاتبــهُ ،ي َسـ ّـمى باســمه فــي الغالــب ،ولذلــك ولعـ ّـل أكثــر مــا يتم ّيــز بــه العمــود ّ الصحفـ ّ تكتســب األعمــدة الصحفيــة مكانتهــا مــن مكانــة كاتبهــا ،ومــا اشــتهر بــه مــن فكــر َن ِّيـ ٍـر ،وموضوعيــة فــي عــرض القضايــا ومناقشــتها ،وامتــاك لناصيــة اللغــة وأســرارها .ولذلــك صــار مــن المتعــارف عليــه فــي عالــم الصحافــة والنشــر ّ ـي يع ّبــر عــن رأي كاتبــه ،وليــس شــر ًطا أن يع ّبــر أن العمــود ّ الصحفـ ّ عــن موقــف الصحيفــة. ولذلــك يعـ ّـرف بعضهــم العمــود الصحفــي بأنــه «حــوار شــخصي بيــن كاتـ ٍ ـب َو ُق ّرائــه ،يعبــر الكاتــب وصريحــا مــن خــال هــذا الحــوار عــن اتجاهاتــه النفســية ،ومكنوناتــه الداخليــة ،ويبــدو واقع ًّيــا ً وذات ًّيــا ،ويــروي ذكرياتــه وخبراتــه وتجاربــه ،ويقــدم نصائحــه» . حفــي بكاتبــه ،وانتظامــه فــي الظهــور فــي الصحيفــة أو المجلــة كل الص وبســبب ارتبــاط العمــود ّ ّ يــوم أو كل أســبوع فـ ّ ـإن نو ًعــا مــن عالقــة المــو ّدة والتقديــر تنشــأ بيــن الكاتــب وقرائــه ،خاصــة حيــن يحــرص الكاتــب علــى المصداقيــة فــي الطــرح ،والموضوعيــة فــي المعالجــة ،وأن يكــون عـ ً ـادل وحريصــا علــى أن ينقــل للقــراء خالصــة تجربتــه أو فكــره مــن دون تح ّيــز أو ميــل. وصاد ًقــا ،وأمينًــا ً 205 كتاب النصوص للصف احلادي عشر وأهــم ســمات العمــود الصحفــي أنــه يع ّبــر عــن فكــرة واحــدة مركــزة ،وأنــه ينقــل للقــارئ خالصــة تجربــة الكاتــب ،ومواقــف مـ ّـر بهــا انطال ًقــا إلــى الفكــرة التــي يــود الكاتــب أن يعبــر عنهــا ويقنــع القــارئ بهــا .وغال ًبــا مــا يســتعين الكاتــب فيــه باألقــوال والحكــم واألمثــال واالقتباســات. ويمكن تقسيم األعمدة الصفحية إلى نوعين كبيرين ،هما: 1.1األعمــدة المتخصصــة :وهــي التــي يقتصــر اهتمامهــا علــى مجــال واحــد فقــط ،كالمجــال السياســي ،أو االقتصــادي ،أو االجتماعــي ،أو الثقافــي ،أو الرياضــي ،أو الفنــي. 2.2األعمــدة العامــة :وهــي التــي يكتــب صاحبهــا فــي معظــم القضايــا ،وينـ ّـوع فــي الموضوعــات التــي يتناولهــا. أمــا مــن حيــث اللغة وأســلوب التنــاول فـ ّ ـإن األعمدة تتنـ ّـوع بتنـ ّـوع كتّابهــا ،فبعضهم يعتمد األســلوب الجــاد الرصيــن ،وبعضهــم يميــل إلــى األســلوب الســاخر ،وبعضهــم يميــل إلــى االفتتــاح باألســئلة، وبعضهــم يحبــذ البــدء باقتبــاس أو ذكــر موقــف شــخصي .وعلــى الرغــم مــن ّ أن بــاب االختــاف يفضــل أن تكــون لغــة الكتابــة لغــة بســيطة ،تعتمــد والتنـ ّـوع مفتــوح علــى مصراعيــه للك ّتــاب إال أ ّنــه ّ موجهــة -فــي الغالــب -لــكل شــرائح علــى الجمــل القصيــرة ،وتبتعــد عــن التعقيــد والتق ّعــر؛ ألنهــا ّ المجتمــع .ومــع ذلــك فـ ّ ـإن التمســك بأصــول الكتابــة ،والحــرص علــى التدقيــق والصحــة اللغويــة يعــدّ أمـ ًـرا يم ّيــز كاتبــا عــن كاتــب. ّ إن قــراءة األعمــدة الصحفيــة ومتابعتهــا عــن كثــب تزيــد مــن وعــي القــارئ ،وتكشــف لــه الكثيــر ممــا يحــدث فــي مجتمعــه ،وتجعلــه علــى علــم بمجريــات األمــور ،وتضعــه أمــام تنويعــات مــن وجهــات النظــر واألفــكار والتجارب. 206 يأّرلا ُصوصن -ةّيفحّصلا ُةدمعألا َصديقي الها ِتف! * عائشة سلطان ِ طاعـ ِم الفاخـ ِ ـون حو َل طاولـ ٍـة بأحـ ِـد الم ِ ُأ ِ ـت إلــى مجموعـ ٍـة ِمـ َن الرجـ ِ بالمدينة، ـرة نصـ ُ َ ـال َيتح َّلقـ َ ْ َ ِّ ِ ـال ،ي ِ ِ ِ ِ ٍ ِ بتسـ َ ـمون جمي ًعــا ّ هم، للشاشــات وليـ َ ـم عينَيــه فــي هاتفــه النَّ ّقـ ِ َ ـس لبعض ْ ُير ِّكـ ُـز ك ُُّل واحــد منهـ ْ ِ ـم ف َين ُظـ ُـر إليـ ِـه اآلخـ َ ضحـ ُ ويواصـ ُـل َض ِحـكًا طويـ ًـا ـم اهتما ًمــا، ـك َ َي َ عيرهـ ُ ـرون فجــأةً ،ال ُي ُ أحدُ هـ ْ ـول َأحدُ هــم ِلر ِ ٍ فاقـ ِـه «يــا ـف َيعـ ِـر ُ ف َس ـ َب َب ُهَ ،وحــدَ ُه الهاتِـ ُ ال َأ َحــدَ َيعـ ِـر ُ ف ،بي ـ َن وقــت وآخـ َـر يقـ ُ َ ْ (الموبايــات) دعونــا نتحــدَّ ث»َ ،يســتقبِ ُل ِرفا ُقــ ُه العبــار َة بِــا تأ ُّث ٍ ــر جماعــة َم َلــل ،اتركــوا ُ وي ِ ـع (الموبايـ ِ كملـ َ ـل)!! ـون مـ َ ُ ـات ا ّت َف ْقـن فيمــا بينَهـن -علــى مــا يظهــر -علــى قضـ ِ ـاء وقـ ٍ َأسـت َِمع إلــى مجموعـ ٍـة ِمـن ال َفتيـ ِ ـت َّ َ َ ُ َ ُ ٍ ِ ّ ِ بعضهــن فــي أح ِ لطيــف بص ِ ٍ حبــة ِ جــاتَ ، جميــات، ــر ٍح، المث َّل ــد َ َّ ُ بم َ دخ ْلــ َن َ محــات ب ْيــ ِع ُ ـات ،وتَفـ ِ أنيقـ ٍ الرفاه ّيـ ِـة ،ج َل ْس ـ َن فــي ُر ْكـ ٍ ـت أيديه ـ َّن اندسـ ْ ُ ـي ،ســري ًعا َّ ـن َقصـ ٍّ ـوح منه ـ َّن رائح ـ ُة َّ ت الحكايـ ُة ن ْفســها ،فــي عا َلـ ِم الهاتـ ِ ـف ،وبــد َأ ِ فــي حقائبِ ِهـن ِ ـف لك ُِّل الباذ َخـ ِـة وأخر ْجـ َن الهواتـ َ َّ ُ َ ِ ٍ الحميمـ ُة، منهـ َّن حكايتُهــا ،رفا ُقهــا ،صديقاتُهــا( ،جرو ّباتُهــا) ،و َعوال ُمهــا االفتراض ّيـ ُة َ واحــدة ُ ـاء لِقضـ ِ فلمــاذا يتَّفـ ُـق األصدقــاء علــى ال ِّلقـ ِ ـاء وقـ ٍ مات ِ ـك واحــد ٌة ِمـن مسـ َّل ِ واقعنــا ،وإ َذ ْن ِ تلـ َ ـت ُ ْ ُ ـتحو ُذ علــى الوقـ ِ ٍ ِ ِ ـم َيسـ ِ ـم طا َلمــا هنـ َ ـت ُك ِّلـ ِـه؟ ـاك صديـ ٌـق َ لطيــف ُ أهـ ُّ بصحبــة بعضهـ ْ ـت مجــرد حكايـ ٍـة عابـ ٍ ِ ِ ـت تَربِـ ُ ـرة، ِحكاي ـ ُة ال َعالقـ ِـة الغري َبـ ِـة ا ّلتــي أصبحـ ْ ليسـ ْ ُ َّ َ َ عظمنــا بهاتفــه َ ـط ُم َ ـار الهاتـ ِ ـت بســيط ًة أو تافهـ ًة كمــا ِ نعتقــدُ .إنَّهــا حكايـ ٌة جــا َّد ٌة وقــدْ ت َِصـ ُـل إلى اعتبـ ِ ـف صدي ًقا ليسـ ْ َ َ َضحكــوا! فحيـ َن ســأ ْل ُت َمجموعـ ًة ِمـ َن ريحــا ،ال ت َ ميمــا و ُم ً تفه ًمــا َ َحقيق ًّيــا بديـ ًـا ،صدي ًقــا ُم ِّ وح ً أو َّ ِ ِ ٍ ب وال ّطالبـ ِ ـخص ِ دورة تَدريب ّيـ ٍـة َعـ ِ ِ ال ُّطـ ّـا ِ ـن َّ ـم الحيــا ُة الشـ ـات فــي الشــيء ا ّلــذي ال ُيمكنُهـ ُ دونَــ ُه ِ َ ْــت أتمنّــى ْ الجــواب :عائلتــي ،أصدقائــيُ ،أ ّمــي، يكــون أن أو االســتغنا ُء عنــ ُه ،كن ُ ُ ـت َ ـواب هـ ُـو( :الموبايــل)!! لكـ ْن لمــاذا (الموبايــل)؟ جيرانــي ...،لكنَّنــي كمــا تو َّق ْعـ ُ كان الجـ ُ ـخص آخــر ،يعطينــي ك َُّل مــا أريــدُ وبسـ ٍ ِ قـ َ ـهولة ،ال أي شـ ٍ َ ُ فهمنــي أكثـ َـر م ـ ْن ِّ ـم :أل َّنــه َي ُ ـال َأ َحدُ هـ ْ ِ ُ البيان 02 ،فبراير 2016 صحيفة *) 207 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ٍ ُي ِ ـح و ُمفيــدٌ وغيـ ُـر ُمتط ِّلـ ٍ ـب والعائل ـ ُة الصديـ ُـق ُمتط ِّلـ ٌ ـبَّ ، ـأي شــيء ،إ َّن ـ ُه صديـ ٌـق ُمريـ ٌ لز ُمنــي بـ ِّ ـران ِعــبء!! بينَمــا (الموبايــل) ال يجع ُلنــي أحتــاج ألي شـ ٍ ـيء عندَ مــا يكـ ُ ـون ُ ِّ َ مســؤول ّي ٌة ،والجيـ ُ ْ ٌ معــي! ـك عالقـ ٌة بالعمـ ِـر ،فهـ ِ تســا َء ْل ُت ب ْعــدَ ْ ـار ـؤالء -أ ًّيــا ت ُكـ ْن ـم :هـ ْـل لذلـ َ َ ـم -صغـ ٌ أعمارهـ ْ ُ ُُ أن تر ْكتُهـ ْ ِ ِ ِ بِــا ت ِ ٍ هــم َلهــا؟ أ ْم َّ زهــو َ ــبب يعــو ُد إلــى انعــدا ِم الس َ َجربــة و َم ّ أن َّ ون بِالحيــاة وبطريقــة َن ْظ َرت ْ ِ ـوار وال ُّلغـ ِـة المشـ ِ ِ ِ الحـ ِ هم ،وبيـ َن ال ُّطـ ِ ـم، ـتركة َ ـاب و ُمع ِّلميهـ ْ المراهقيـ َن و ُأ َسـ ِـر ْ والحميمــة بيـ َن ُ ُ َ وبيـن البنـ ِ ِ ـات و ُأ َّمهاتهـ َّن وبيـ َن ُمع َظـ ِم النّـ ِ الركـ َ بعضــا؟ ّ ـون إلــى ـم ً َ إن ُّ جتمـ ِع بعضهـ ْ الم َ ـاس فــي ُ حايـ ٍ ٍ ـت بصحبـ ِـة الهاتـ ِ الصمـ ِ القات غيـ ِـر ُم ِ ٍ ـخاص ـدة و َمنقوصـ ٍـة ّأو ًل ،وإلى أشـ ـف يقو ُدنــا إلــى َع ُ َّ ـت فــي مواكَبـ ِـة ثـ ِ ـورة التِّقن َّيـ ِـة ،ولكنَّهــا ليسـ ْ متوحديـ َن ُيمكـ ُن اإليقـ ُ ِّ ُ ـم ثان ًيــا!! القض َّيـ ُة هنــا َ ـاع ِبهـ ْ فــي تَحــو ِل مفاهيــم َعميقـ ٍـة فــي العالقـ ِ ـات االجتماع ّيـ ِـة!! َ ُّ َ 208 يأّرلا ُصوصن -ةّيفحّصلا ُةدمعألا ِ ّ اإلمارات راء باب ُ الش ُ س َف ُ * ميساء غدير ِ ِ ِ أن النِّســب َة األكبــر ِمــن س ِ الش ِ ــم َّ اإلمــارات هــم ِمــ َن ّ وهــؤالء ــباب، دولــة ــكان ُ َ َ جمي ُعنــا نَع َل ُ المســتق َب ِل ا ّلذيـ َن ُيعـ َّـو ُل ِ َّ عليهــم فــي التَّنم َيـ ِـة والتَّطويـ ِـر ،وهـ َـو مــا َيســتدعي الشـ ُ ـباب هــم قــا َد ُة ُ ِ ِ ثمار األم َثــل ِ َحمـ ِ ـل المســؤول َّي ِة احتوا َء ُهــم َ فيهــم ،ل َيكونــوا قادريـ َن علــى ت ُّ وتوجيه ُهــم واالســت َ تِجــا َه أن ُف ِسـ ِـهم َو ُمجت ََم ِع ِهــم َو َو َطنِ ِهــم. ـيخ محمــدُ بـ ُن زايـ ٍـد ِ ُمنـ ُـذ يو َميـ ِ آل نهيـ َ ـمو َّ ـان ،مجمو َع ًة السـ ِّ ـن اسـتَق َب َل الفريـ ُـق ّأو ُل صاحـ ُ الشـ ُ ُ َّ ـب ُ والشــاب ِ الص ِ الش ِ ِمــ َن َّ يــن وكوريــا ات اإلمارات ّييــ َن ا ّلذيــ َن َأ َنهــوا زيــار ًة قامــوا بِهــا إلــى ّ ــباب ّ ّ َ ِ ِ ِ «ســفرا ُء شـ ِ الجنوب َّيـ ِـة ِضم ـ َن َبرن َامـ ِ ـي عهـ ِـد َ ـم برعا َيــة ديــوان ولـ ِّ ـباب اإلمــارات» ا ّلــذي ُين َّظـ ُ ـج ُ ـات والمهـ ِ ف إلــى تَطويـ ِـر اإلمكانـ ِ ـارات العلم ّيـ ِـة وال ّثقاف ّيـ ِـة والقياد َّيـ ِـة لل َّط َل َبـ ِـة أبوظبــيَ ،ويهـ ِـد ُ َ الجامع ّيي ـ َن. ِ ِ ـال هــذا االسـ ِ ـال ا ّلتــي قامــوا بِهــا خـ َ ـج واألعمـ َ ـباب ِخـ َ عـ َـر َض َّ ـال ـتقبال األنشـ َط َة وال َبرامـ َ الشـ ُ تنفيذهــا فــي أثنـ ِ ِ ِ يارتيـ ِ ـم ُ ـاء ّ والمشـ َ ـاريع ا ّلتــي َتـ َّ المعالـ ِم والجهــات ا ّلتــي زاروهــاَ ، ـم َ ـن ،و َأهـ َّ الز َ ِ ِ رحلتِهـ ِ ـج ا ّلتــي َخرجــوا بِهــا ،ونا َق َشـ ُـهم ُسـ ُـم ُّو ُه فــي ِّ كل مــا قدّ مــو ُهَ ،وأ ّكــدَ ـم العلم ّيــة والنّتائـ َ ُ ـارات» ا ّلــذي انطلـ َـق بتَوجيهـ ِ ـباب اإلمـ ِ ـات صاحـ ِ ـج «ســفرا ُء شـ ِ َلهــم َّ السـ ُـم ِّو َّ الشـ ِ ـيخ أن َبرنا َمـ َ ـب ُّ يوضــع ّإل لِدَ ِ ِ ِ ـن زايـ ٍـد ِ خليفـ َة بـ ِ ـان رئيـ ِ آل نهيـ َ عم ِهــم َوتَمكينِ ِهــم. ـم َ ْ ـس الدَّ و َلــة ،حف َظـ ُه ال ّلـ ُهَ ،لـ ْ ِ ــباب ،مدعــا ًة لل َف ِ ِ ِ اعتبــار ال َّطلب ِ تحم ِ اإلمــارات ُســفرا َء ّ ــل أبنــاء ــة الجامع ّييــ َن مــن َ خــر ول ُّ للش ِ َ ُ ِ ِ ُخ ِّط ُ الجامعــي عندمــا يجــدُ َّ ــم وت َ ــم لــه ــب المســؤول َّية م ًعــا ،فال ّطال ُ ــط و ُتنَ ِّظ ُ أن دو َلتَــ ُه ت َُص ِّم ُ ُّ َ ـعوب وثقافـ ٍ ِ ِ ِ رامــج ِ ِ ـع ُشـ ٍ هادفـ ًة ُي َم ِّثـ ُـل فيهــا َوطنَـ ُه فــي الخـ ِ ـات يتواصـ ُـل مــن خاللهــا مـ َ ـارجَ ،و َ َب َ ِ ـدر ُك أ َّن ـ ُه أو َلو َّي ـ ٌةَ ،ويـ ِ ُأخــرىُ ،يـ ِ المن َت َظـ َـر ِة ِمن ـ ُه ُمسـ ً ـتقبل، ـم المســؤول ّيات الكُبــرى ُ ـدر ُك حجـ َ ِ ِ ــه ومهاراتِ ِ عر َفتِ ِ وا ّلتــي تَســت ِ َطويــر َم ِ االنضبــاطَ ، دون المزيــد ِمــ َن َحقيــق ــه وت ب ِمنــ ُه ت َ َوج ُ َ َ ِ ِ البرامــج الدِّ راســ َّي ِة َوحدَ هــا. االعتمــاد علــى ِ ُ البيان 11 ،سبتمبر 2013 صحيفة *) 209 كتاب النصوص للصف احلادي عشر زايــد مــع س ِ ِ ٍ ــيخ محم ِ ِ ــد ِ ِ ُ ــم ِّو ّ الش ِ اإلمــارات ِمــ َن ــفراء بــن الفريــق ّأو ِل حديــث َ ُ َّ الس ُ صاحــب ُّ َجاو َز ُهــم إلــى ِ الشـ ِ َّ المن َْض ّميـ َن لِهــذا ال َبرنا َمـ ِ غير ِهــم ـبَ ،بـ ْـل ت َ ـج َف َحسـ ْ ـم َيتـ ُـر ْك أثـ ًـرا فــي ُ ـباب ،لـ ْ ـون مســؤولي ٍ ِ ِ ِم ـ َن ال ُّطـ ّـا ِ ات ِدبلوماس ـ َّي ًة بِ ِص َفـ ٍـة ّ ب وال ّطالبــات ا ّلذي ـ َن َو َجــدوا َأن ُف َسـ ُـهم َيت ََح َّملـ َ َ ٍ ـل دولـ ِـة اإلمـ ِ ـارات ِم ـ ْن ِخـ ِ غيـ ِـر َرســم ّي ٍة ،لِتَمثيـ ِ ـلوكات ،ومــا َي ْكت َِســبو َن ُه ـال مــا ُيبدو َن ـ ُه ِم ـ ْن ُسـ ف البــدَّ ِمـن البِنـ ِ ـازات والنّجاحـ ِ ـاء َعليهــا لِمواص َلـ ِـة مســير ِة اإلنجـ ِ ـاتَ ،و ِمــن ِخـ ِ ِمــن َمعـ ِ ـال ـار َ ُ َ َ َ َ ـات األحـ ِ لواق ـ ِع ومجريـ ِ قراءتِ ِهــم لِ ِ ـداث فيـ ِـه. َ ُ َ َ ـباب أدوار ال ي ِ ـرات ا ّلتــي يشــهدُ ها العا َلــم العربــي ّإل شـ ِ للشـ ِ ّ ـاهدٌ مك ـ ُن إغفا ُلهــاَ ،ومــا التَّغييـ ُ َ َ ٌ ُ َ ُّ ِ علــى فِ ِ الشـ ُ ـمو َّ ـيخ ُم َح َّمــدُ بـ ُن زايـ ٍـد كر ِهــم َوإرا َدت ِهــمُ ، السـ ِّ وهــو مــا دعــا ال َفريـ ُـق َّأو ُل صاحـ ُ ـب ُ ِ ِ ِ ـباب اإلمـ ِ ـارات» للتّم ُّعـ ِ ِ ِ ِ ِ «ســفرا ُء شـ ِ والمخاطِـ ِـر فيـ ِـه، ـن فيــه ،مــن خــال اســتقراء واقـ ِع المنْ َط َقــة َ َ ُ ِ ِ ـك ُك ِّلـ ِـه االســتفاد ُة ِمـن التَّحدّ يـ ِ واالعتـ ِ ـم مــن ذلِـ َ ـات َ َ ـامي ،واألهـ ُّ ـي واإلسـ ِّ ـزاز باالنتمــاء ال َعربـ ِّ ِ ِ فــي ِ ــل َعــن ِ دون َأ ْن نَغ َف َ واق ِعنــاَ ، ــدو ًة َح َســن ًة واجبِنــا َجمي ًعــا فــي اإلبقــاء علــى اإلمــارات ُق َ لِآلخري ـ َن. ِ ِ نَتمنّــى بِ ِ الف ِ َ عــل ْ دناهــم يكــون أن شــباب اإلمــارات ُســفرا َء لو َطن ِهــمَ ،وأن َيب َقــوا كَمــا َع ِه ُ ُ ِ ِ ِ ِ ِ ِ فالو َطـ ُن ُي َعـ ِّـو ُل ِ المسـتَق َب ِل، َحمليـ َن للمســؤول َّيةَ ، ـم الكَثيـ َـر ،لن َُّهــم عمــا ُد ُ عليهــم َو َينتَظـ ُـر م ُنهـ ُ ُمت ِّ ِ والحاضـ ُـر َيســعى لِتَمكينِ ِهــم. 210 يأّرلا ُصوصن -ةّيفحّصلا ُةدمعألا ِ ِ اإلنسان صف يوج ُعني ِن ُ * صالِ َحة ُعبيد صــف الــدِّ ِ ِ فء ونِ يوجعنــي نِ ِ «أيوج ُع َ دائمــا هــذا ُ ُ ــك ال َبــر ُد؟ َ ..أنــا ِ ُ َّــر ً الموقــف أك َثــر» ..أت ََذك ُ صــف َ ـاف األشـ ِ ـث علــى ِذكـ ِـر أنصـ ِ العراقــي (مظ َّفــر النَّــواب) ُك َّلمــا أتــى أي حديـ ٍ ـاع ِر ِ للشـ ِ ـت ّ ـياء ..تَما ًمــا ال َبيـ َ ُّ ّ ّ ُ ـاق ،وال تُصـ ِ ـاف ال ُع ّشـ ِّ ـادق ـب «ال تَجالِــس أنصـ َ (جبــران َخليــل ُجبــران) يــو َم ك َتـ َ ـي ُ كَمــا أت ََذ َّكـ ُـر ال ُّلبنانـ َّ ِ ِ ـف مـ ٍ ِ ٍ ِ الموهوبيـ َن ،ال تَعـ ْ ـوت، ـش نِصـ َ أنصـ َ ـف حيــاة ،وال ت َُمــت نصـ َ َ ـاف األصدقــاء ،ال تَقــر ْأ ألنصــاف َ ـف حلـ ٍم ،وال َتتَع َّلـ ْـق بِنصـ ِ ـف الحقي َقـ ِـة ،ال تَح َلـ ِ ـف فــي منتَصـ ِ ـف ـف َحـ ٍّـل ،وال ت َِقـ ْ ال تَخ َتـ ْـر نِصـ َ َ ـم نصـ َ ُ ْ ُ أ َمـ ٍ ـم ح َّتــى النِّهايـ ِـة». ـت.. ـت َح ّتــى النِّها َيـ ِـة ،وإذا تَك َّلمـ َ فاصمـ ْ ـل ،إذا َص َمـ َّ ـت َ ..فتَك َّلـ ْ ُ ــن ِ ِ ِ ثــون َع ِ لــت َ أولئــك ا ّلذيــ َن َيتَحدَّ َ َ القــرا َء ِة حــال ك ُِّل علــي ــح مــات بِشــدَّ ٍة ُك َّلمــا تَأ َّم ُ هــذه الك َِل ُ وتُل ُّ َّ ِ ـك ِ دون أن ِ باســتِ ٍ خرجـ َ مرار َ ـون بِمــا ُيعـ َّـو ُل َعليـ ِـه فِكر ًّيــا ِمــن تِلـ َ أجــدَ أنَّهــم فِع ـ ً ـراءات ،وأعنــي القـ ا َي ُ ِِ الكتـ ِ ـك التَّغييــر الواعــي ا َّلــذي يخـ ِـرج ِ بِـــ «فِكر ًّيــا» ُهنــا ُهــو ذلِـ َ ـح َبشــر ًّيا ِمــن ـاب مــن ُجمــوده ،ل ُيصبِـ َ َ ُ ُ ُ ـري ُهــو القـ ِ ِ عمـ ِ َلح ـ ٍم و َد ٍم ،ذلـ َ ـتيعاب واالســتِ ِ نتاج، ـل االسـ ـك ال َبشـ ُّ ـار ُئ ا ّلــذي َي ُمـ ُّـر بِمــا َيقــرأ علــى َم َ دون َّ ِ ِ ومــن َثــم محاو َلـ ُة التَّغييـ ِـر ا َّلتــي َتتَعــدّ ى ال َفــرد إلــى مــا حو َلـه ومــن حو َلـه ،ومـن ِ األو ِل الشــرط َّ ْ َ ُ َ َ ُ َ َّ ُ ال َيحــدُ ُ ث ال ّثانــي. طمئــ ٌّن ُمســتَكي ٌن ِلنَّــ ُه َي ِ َ ــق َثيــرا؟ أم ُهــو َمــن ُهــو ذلــك ال َق ِل ُ عــر ُ ُ القــارئ؟ َهــل ُهــو َش ٌ فك ً ــخص ُم َ عر َف ِ الم ِ ــة ال َّث ِ ــرا َء ِح ِ قيــل؟ مــل َ المهمــو ُم َج ّ َ ـف ِ إن أم َكنَنــا حصــره بِتعريـ ٍ واحـ ٍـد بي ـ َن حالتَيـ ِ ـن ..لكنَّنــي َقــد أقـ ُ ـول َّ ـم تَحديــدً ا ْ ـارئ، إن القـ َ َ ُُ ال أع َلـ ُ ِ ِ ُهــو ا ّلــذي َيقــر ُأ ل ُيريــدَ أن َيف َعـ َـل َشــي ًئا ،ليقـ َ ـس نِص ًفــا ،وذلــك بمــا ـج َشــي ًئا كامـ ًـا ،وليـ َ ـول َشــي ًئا ،ول ُينتـ َ قلـ ِـهِ ،مــن أسـ ٍ وأوراق وأحـ ٍ يتَوا َفـ ُـق مــع مــا تَرا َكــم فــي َقلبِـ ِـه و َع ِ ٍ ـداث وتَواريـ َ وجغرافيــاَ .و ُهــو ـماء ـخ ُ َ َ َ ِ ِ ِ ف َّ أيضــا ذلـ َ ـي أك َبـ ُـر مــن عا َل َمــي ـك ا ّلــذي َيعـ ِـر ُ ً أن المسـ َ ـم بِ ُك ّل َّيتــه ،هـ َ الرماد َّيـ َة ا ّلتــي تُغ ّطــي العا َلـ َ ـاح َة َّ والخ ِ ران الحيــا َة حو َلـه نَحــو المـ ِ ـن يصــو ِ الم ِ رائـ ِ ـوت َ ـب .وإذا َلــم َت ُقــد ُه تِلـ َ َّ عر َفـ ُة َ الشـ ِّـر والخيـ ِـر ال َّلذيـ ِ ُ ِّ ـك َ َ ُ َ َ ِ ِِ ِ ِ َّعصـ ِ والمعنَو َّيـ ِـة ،فإ َّن ـ ُه -علــى مــا أظ ـ ُّن- المــوت والتَّدميـ ِـر والت ُّ ـب بِ ـك ُِّل أشــكاله الماد َّيــة َ إلــى نَبــذ َ ـارئ ،نِصـ ِ ليــس أكثــر ِمــن نِصـ ِ ـف إنسـ ٍ ـف قـ ٍ ـان. َ َ ـاك قـ ٌ ِ ِ ـري وآخــر ال؟ لِمــاذا ت ِ ـح قار ًئــا؟ َهــل ُهنـ َ َهــل ُهنـ َ َجــدُ كَثيـ ًـرا ِم ـ َن ـارئ فطـ ٌّ ـاك بِدا َي ـ ٌة ُمع َّينَ ـ ٌة لتُصبِـ َ ُ 211 كتاب النصوص للصف احلادي عشر بار ِهــم ُقــراء مشــروعين اختيــار قوائــم ليبــدَ ؤوا بقراءتِهــا؟ وهــل هـ ِ ـون اآلخريـ َن باعتِ ِ ا ّلذيــن ُيطالِبـ َ ـذه َ َ َ َ َ َ ّ ً َ ِ ِ ِ َبس َ ــز فِ ً ــط ُح ِّف ُ ــم ت َ عــا؟ ..هــذه األســئ َل ُة و َغ ُيرهــا جــا َءت اإلنجليز ّيــ ُة «فيرجينينــا وولــف» لت ُ ال َقوائ ُ ـراءة والكتابـ ِـة ،أقتَطِـ ِ ـول القـ ِ ِعقدَ هــا لــي ،فــي مقـ ٍ ـال َطويـ ٍ ـل َحـ َ َطيع الوحيــدَ َة ا ّلتــي َيسـت ُ َّصيحـ َة َ ـع منـ ُه «الن َ ُ َ َ ِ ٍ ِ ـكْ ، ـخص َ حواسـ َ أن تَسـتَخد َم ـع أي نصيحــة ،أن تتَّبِـ َ َ آلخـ َـر َحـ ْـو َل القــراءة هــي ّأل يتّبــع َّ َأن ُيســد َيها َشـ ٌ َّ ـكْ ، َعق َلـ َ الخاصـ ِـة» .. َوصـ َـل إلــى اســتِنتاجاتِ َك َّ وأن َتت َّ ـخص فــي الوجـ ِ فاألفــكار ك َثيــرا مــا تُشــبِه البصمـ ِ ـود َق َل ُقـ ُه َوأســئ َل ُت ُه َو َم ِ ٍ ـات الجين َّيـ َة .لِـ ِّ خاو ُفـ ُه. ـكل َشـ ُ ُ َ َ ً ُ ِ ِ ِ ِ ِ إنَّهــاِ ، ـاع علــى األر ُفــف ،وال تُعـ َـر ُض فــي واجهــات َمحـ ِّ ـال ـكار ،ا ّلتــي تَقو ُدنــا للقــرا َءة ال تُبـ ُ أي األفـ ُ األزيـ ِ ِ ِ ـكان مــا َعميـ ٍـق بِ ِ ـاء ،إنَّهــا تَنبــع ِمــن مـ ٍ الم ِ ـك َحيـ ُ داخ ِلـ َ خمـ ٍـة ،أو ُ ُ عر َفـ ُة َك َعال َمــة اســتفها ٍم َض َ ـث تَبـ ُـر ُز َ َ ِ ـب النُّصـ ِ ِ ِ ٍ ـتمرار َك بِ َط َلـ ِ ـراراَ ، أوارق تَنتَظِـ ُـر ِمنـ َ َ دون ـج َر ٍة بِــا كشـ َ ـح مـ َن اآلخريـ َن مـ ً ـك ِر ًّيــا ُمسـتَم ًّرا ،واسـ ُ ْ الروح َّيـ ِـة األولــىَ ،يعنــي َعــد َم جدّ َّيتِـ َ المس ـت َِق َّل نَحـ َـو َمك َت َبتِـ َ أن تَس ـ ُل َك َطري َقـ َ ـك ُمنـ ُـذ البِدا َيـ ِـة، ـك ّ ـك ُ ٍ ِ ِ عرفـ ِ ـح َيج َع ُلـ َ أي َصيحــةَ ،و ُمتَحـ ِّـر ًرا مــن ّ أي ن َ ـك تَبــدَ ُأ بِال َبحــث َبعيــدً ا َعــن ّ ـي ُملـ ٍّ ـم َم ِ ٍّ َو َعــدَ ُم ُوجــود َهـ ٍّ ِ ِ مارســها َ ِ ٍ ٍ ِ ـكُ ،محــدِّ ًدا َلـ َ جاهـ َ رح َلتِ َك اآلخـ ُـر ت َ ـك مــا ُيناسـ ُب َك َومــا ال ُيناسـ ُب َك فــي َم َ ِوصا َيــة فكر َّيــة َقــد ُي ِ ُ هـ ِ ـذه. ِ ـاك قـ ِ َهــل ُهنـ َ ـب َعنـ ُه ُسـ ٌ ـتثنائي؟ ُ ..سـ ٌ ـؤال َ ـب أن ـؤال أكبـ ُـر منـ ُه َ ..هــل َي ِجـ ُ آخـ ُـر َقــدْ َيأتــي ل ُيجيـ َ ـار ٌئ اسـ ٌّ يتبــع أي َشـ ٍ ِ القـ ِ ـيء ِص َف ـ َة ِ المتَفـ ِّـر ِد والقـ ِ ـراءة َوحدَ هــا؟ ..كالقـ ِ ثنائي والقـ ِ ـار ِئ الن َِّه ـ ِم َ َ َ ُّ ـارئ ُ ـار ِئ االســت ِّ ـذات القـ ِ ِ ـط بـ ِ باآلخـ ِـر وال تَرتَبـ ُ ـات تَرتَبِـ ُ َ ف ـط وهــو مــا َقــد ُي َحـ ِّـو ُل َش ـ َغ َ و َغ ِيرهــا .إنَّهــا ِصفـ ٌ ـارئ فعـ ًـاُ ، ِ أن ِ ِ ِ ِ ٍ ِ ِ ظهـ َـرةَ ،فــي حيـ ِ ـن َّ القــرا َء َة هــي الم َ القــرا َءة األثيـ ِـر إلــى واج َهــة ُأخــرى م ـ َن األشــياء ا ّلتــي تَحتَمـ ُـل َ فِعـ ٌـل ذاتــي ِجــدًّ ا فــي أولِـ ِـه ،تَمامــا كَكونِـ ِـه َطبيعيــا وم ِ ـف اإلنسـ ِ ـان الت ِّائـ ِـه باشـ ًـرا ،لِكــي َيكت َِمـ َـل نِصـ ُ َّ ًّ ُ ً ٌّ ِ ِ ِ ِ والجاهـ ِ والمرتَبِــك والخائــف. ـل ُ 212 يأّرلا ُصوصن -ةّيفحّصلا ُةدمعألا ملجتمع َّي ُة املسؤول َّي ُة ا ُ َ * سامي قرقاش ـركات منـ ُـذ عــدَّ ِة سـ ٍ ِ ِ المجتمع َّيـ ِـة أو االجتِماع َّيـ ِـة َّ ـنوات ،وبــد َأ بالتَّطـ ُّـو ِر للشـ َظهـ َـر ُمصطلـ ُ ُ ـح المســؤول َّية ُ ِ ِ ِ ِ تَدريجيــا إلــى أن أصبـ ِ المعـ ِ ـار ُض َ ًّ قائمــا بذاتــه ُيــدَ َّر ُس فــي ال ُك ّليــات والمعاهــد ،وتُقــا ُم َلــه َ ـح ع ْل ًمــا ً ِ ِ ـع األ ّيــا ِم .وا َّط َلعنــا علــى اآلالف مــن ق َصـ ِ ـص النَّجـ ِ ـاح ـرات والنَّـ ُ والمؤتَمـ ُ ـدوات و َيك ُبـ ُـر َشــي ًئا فشــي ًئا مـ َ ُ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ المختَل َفــة أو مــن خــال الكتـ ِ المحافـ ِ والم َؤ َّلفــات. ـب ُ ـل ُ فــي هــذا ال َفـ ِّن َســوا ًء فــي َ ســة حكومي ٍ شــركة أو مؤس ٍ ٍ ف المســؤولي ُة المجتمعيــ ُة علــى أنَّهــا مــا يقدِّ مــه أي ك ٍ ــة أو َيــان: َّ ُ ُ ُ ُّ َّ َّ َّ ُ ــر ُ َ و ُت َع َّ ـال ،كدَ ع ـ ِم رو ِ ٍ ِ اد األعمـ ِ أي مجـ ٍ ـال ،أو َدمـ ِ ـج َذوي اإلعا َقـ ِـة ،أو االســتِدا َم ِة، ُ ّ خاصــة ،للمجت ََم ـ ِع فــي ِّ َّ ِ ِ أيضــا تَرشــيدَ ال ّط ِ أو تَنمي ِ ِ الش ِ ــة َّ عــم اقــة وإعــا َد َة ت َشــم ُل ً َ َدويــر النُّفايــات واســتخدا َمها ،و َد َ ــباب ،وت َ ـذه ال ُفــرو ِع أبدَ َعـ ِ ـت ك ُِّل َفــر ٍع ِمــن هـ ِ ِ ـت َّ كات فــي تَطويـ ِـر الشـ ِـر ُ األنشـ َط ِة ال َّثقاف َّيـ ِـة وال َفنّ َيـ ِـة و َغ ِيرهــا ،وتَحـ َ ِ ِ ٍ ُخرجهــا ِمــن بِدايتِهــا المت ِ َواض َعـ ِـة إلــى آفـ ٍ وتَطبيـ ِـق أفـ ٍ ـاق َ المجتمع َّيـ َة لت ِ َ ُ المســؤول َّي َة ُ ـكار ُمبت َكـ َـرة تَخــد ُم َ َرح َبـ ٍـة ال ُمتَناه َيـ ٍـة. ٍ ِ ِ ٍ ِ ِ المســؤولي ُة المجتَمعي ـ ُة مجـ ٌ ِ وسـ ُـأ َع ِّر ُج ُهنــا ـب و ُمن َفتـ ٌ ـع وخ ْصـ ٌ ـال واسـ ٌ ـح َعلــى أ َّيــة فكـ َـرة إبداع َّيــةَ ، َّ ُ َ َّ َ َ ـت َعليهــا .النّمــو َذج األو ُل ي ُخــص إحــدى َشــركاتِ ِ ِ ٍ المجتَمع َّيــة َو َقفـ ُ ُ َّ َ ُّ علــى نَمـ َ ـاذج ثال َثــة للمســؤول َّية ُ ٍ ـت بال َّت َبـ ُّـر ِع بِـ ٍ ـخص فقيـ ٍـر ال َيجــدُ مــا َينت َِع ُل ـ ُه فــي إحــدى ـزوج ِم ـ َن األحذ َيـ ِـة لشـ األحذ َيـ ِـة ا ّلتــي التَز َمـ ْ ِ بيعهــا أي ٍ ِ ـك عنــدَ ِ الــدُّ َو ِل ال َفقيـ َـر ِة ،وذلـ َ ـص َشـ ِـر َك ًة لِ َبيـ ِع زوج مــن أحذ َيتهــا .أ ّمــا النّمــو َذ ُج ال ّثانــي َف َي ُخـ ُّ َّ ٍ ِ ِ المالبِـ ِ أي من َتـ ٍ ـج ِمــن ُمنَتجاتِهــا ح ّتــى ـس ،و َقــد التَز َمــت مــن جانبِهــا بِزراعــة َعشـ ِـر َشــجرات عنــدَ بيـ ِع ِّ َ ِ ٍ ِ ِ ِ ـجار ا ّلتــي قامــت بزرا َعتهــا أكثــر مــن سـتّة مالييـ َن َشــجرة (ح ّتــى كتابــة هــذا المقـ ِ ـغ َعــدَ ُد األشـ ِ َبلـ َ ـال)، َ ِ ِ ٍ الزيــا َد َة فــي َعــدَ ِد األشـ ِ ـي ت ِ ـجار بِزيــا َد ِة ُظهـ ُـر ّ وقــد قامــت بوض ـ ِع حاس ـ َبة علــى َموقعهــا اإللكترونـ ِّ ف العا َلمي ِ صــار ِ ِ ِ ِ ِ ِ َجهيــز إحــدى َمويــل ت ــة بِت الم ّمــوذج بيعــات .وأ ّمــا الن الم َّ هــو قيــا ُم َ األخيــر َف َ ُ أحــد َ ُ َ ـات متحـ ِ قاعـ ِ ـف ماليزيــا لل ُفنـ ِ ـض ِمــن َفيـ ٍ ـض. ـون اإلســام َّي ِة ،وهــذا َغيـ ٌ ُ َ َيــن ،األولــى فــي ِمن َط َقتِنــا العربي ِ ــة ي ِ ِ ِ وهر َّيت ِ الح َظت ِ الح ُ ــة َيــن َج َ َ َّ ــظ ُم َ المجت ََمع َّي ُ والمتأ ِّم ُــل للمســؤول َّية ُ ُ ِ المجت ََمع َّيـ ِـة فــي المســؤول َّية ُ ـي َعــدَ ُم تَطـ ُّـو ِر َمفهــو ِم َ ـي ،أ ّمــا األولــىَ :فهـ َ المسـتَوى العا َلمـ ِّ وال ّثانيـ َة علــى ُ ِ ِ ِ ِ ـغ درج ـ َة ِ ِ ِ الكفا َيـ ِـة ،كذلـ َ المتَقــدِّ ِم ،فمــا من َط َقتنــا ل َيب ُلـ َ َ ـك َعــدَ ُم موا َك َبتــه لمــا ُهــو َعليــه اآلن فــي العا َل ـ ِم ُ *)بتصرف من لجنة التأليف ،جريدة البيان 14أكتوبر .2015 213 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ـرون مســؤوليتَهم المجتَمعيـ َة فــي ِ زال بعــض رؤسـ ِ ِ ِ ِ َ ـركات ُ ـاء َّ أداء وخ الشـ َّ ً َّ ُ ُ ُ صوصــا العائل َّيـ َة منهــاَ ،يحصـ َ َ ُ ُ ِ الـ َّـز ِ ِ ـك إلــى ِق ّلـ ِـة الوعــي َل ِ الواج َبـ ِـة َع َل ِيهــم َف َقــط ،ويرجــع ذلـ َ وبالرغـ ِم كاة ديهــم أو در ًءا للمســؤول َّيةّ . ِ ِ مــن ِع َظ ـ ِم َشـ ِ ِ وأهم َّيتِهــا ك َُركـ ٍ المجت ََم ـعِّ ،إل أركان اإلســا ِم، ـن ِمــن ـأن الـ َّـزكاة َ ـم فــي ُ الم ِهـ ِّ ودورهــا ُ ِ َّ المجتَمع َّيـ ِـة فيهــا ُي َعــدُّ خطـ ًـأ شــديدَ ُ ـور ِة ،لِمــا فيـ ِـه ِمــن تَحجي ـ ٍم وتَضيـ ٍـق الخطـ َ المســؤول َّية ُ أن َحصـ َـر َ ِ ِ لِمســؤول َّي ِة َّ المجتَم ـعِ. الشـ ِـركات تجــا َه ُ ِ ِ ِ ِ ِ ـي مــا نــرا ُه ِمــن بعـ ِ ـض َّ المســؤول َّي ِة الشــركات العا َلم َّيــة ،م َن اســتخدامها مبــدَ َأ َ المالحظـ ُة ال ّثان َيـ ُة َفهـ َ أ ّمــا ُ ــذر الر ِ ِ ِ ٍ المجتَمعي ِ مــاد فــي الع ِ رشــاة لِ َم ِ يــون ،أو أنّهــا َج َع َلتــ ُه ــة َك ُف ُ ســح أخطائهــا وت ُ ُ َ َّ َجاوزاتهــا ،أو ل َ ِّ َّ ِ ٍ ِ ِ ِ ِ ـركات تعمـ ُـل فــي مجـ ٍ ـي ُمتهالــك َخـ ِـر ٍ ـال النِّفــط ،أ َّدت ب .هنــاك مثـ ًـا شـ ٌ َ واج َهـ ًة َجميلـ ًة لواقـ ٍع داخلـ ٍّ ث بيئيـ ٍـة معروفـ ٍـة ومسـ ٍ أعما ُلهــا إلــى َكـ ِ المقابِـ ِ ـي تَحمـ ُـل لــوا َء ِحما َيـ ِـة البي َئـ ِـة ُ َّ ـل َفهـ َ ـج َلة عالم ًّيــا ،وبِ ُ ـوار َ َّ َ ـال تَوفيـ ِـر ال ّطا َقـ ِـة فــي مبانيهــا علــى سـ ِ ِ ِ والمحا َف َظـ ِـة َع َليهــا ِمــن ِخـ ِ أهم َيتِـ ِـه ـبيل المثــال ،وهـ َـو أمـ ٌـر علــى ّ َ ُ ِ ـركات مــن أضـ ٍ يبقــى ضئيـ ًـا جــدًّ ا مقابِـ َـل مــا أحد َثتـ ُه هــذه ّ ـت. الشـ ـرار ومــا زالـ ْ ُ الجيــل الجديــدَ مــن رو ِ ِ َ ورغــم ّ َفائــا ّ لــت ُمت ً األعمــال والقيادييــ َن اد بــأن كل مــا َ ســبق ،فأنــا ال ِز ُ ُ ّ َ ـركات العائليـ ِـة قــد نشـ َـأ فــي عصـ ٍـر بــر َز فيـ ِـه مفهــوم المســؤولي ِة المجتمعيــةِ ِ ِ ِ الشـ ِ ـباب مــن َو َر َثــة َّ َّ الشـ َّ َّ َّ ُ ُ َ أفضـ َـلِ ، ِ وم ّمــا ســاعَدَ علــى ذلِـ َ ـك ـح أكثـ َـر ـور ٍة َ ً وأص َبـ َ وضوحــا ،كمــا تشـ ّـر َب هــذا الجيـ ُـل مبادئَهــا بِصـ َ ِ ِ ٍ ٍ إطـ ُ المنا َفسـ ِـة، ـص بتحقيـ ِـق المســؤول ّية المجتمع ّيــة ،وتُذكــي َ ـاق جوائـ َـز مح ّل َّيــة وعا َلم َّيــة تَخ َتـ ُّ روح ُ ـي بالمســؤولي ِة المجتَمعيـ ِـة بِصـ ٍ ؤسس ـ َّي ٍة ُم َم َنه َجـ ٍـة .و َلنــا فــي صاحـ ِ ـب َّ وتُسـ ِـه ُم فــي نَشـ ِـر َ ـورة ُم َّ َ َّ ُ الوعـ ِ َ آل مكتــو ٍم -حف َظـه ال ّلـه -قــدو ٌة حسـنَ ٌة ،إذ بــد َأ ســموه منـ ُـذ سـ ٍ ٍ ِ حمـ ِـد بـ ِ ـمو ّ الشـ ِ ـنوات َ َ ُ ُ السـ ِّ ُ ُّ ُ ُ َ ـن راشــد َ ـيخ ُم َّ ُّ ـان وعشــرين مبــادر ًة تَخـ ِـدم َش ـتّى المجـ ِ ٍ ـاق مبــاد ٍ ـغ عَدَ دهــا ثمـ ٍ رات ُمجتَمع َّيـ ٍـة َ ـاالت َ وخير َّيــة َب َلـ َ ُ بإطـ ِ ُ َ َ ُ ََ ٍ ٍ ِ ٍ ِ ِ َعم ُ مديــرون و ُمو َّظ َ َ أهــداف تحقيــق ــل علــى إدارة َو ــس ؤسســات َلهــا َمجال ُ فــون ،وت َ فــي صــورة ُم َّ رامــج َزمنيـ ٍـة محــدّ ٍ ـل وب ِ ِ ِ ٍ ِ ٍ دة. َّ َ وغايــات واض َحــة َو ْفـ َـق خ َطــط عمـ ٍ َ ٍ ـف بِمــا ح َّقق ْتـه هـ ِ أن ســموه لــم يكتـ ِ ص على اســتِدا َمتِها ـذه المؤسسـ ُ ـات مــن إنجــازات ،بل َحـ َـر َ ُ و َنــرى ّ ُ ُ َّ ُ ّ ـال إطـ ِ ـن راشـ ٍـد ِ َطويرهــا ِمــن ِخـ ِ وت ِ محمـ ِـد بـ ِ إدار ٍة برئاسـ ِـة ـاق (مبـ آل مكتــو ٍم) تحـ َ ُ ـت مجلــس َ ـادرات ّ ـمو ِه َو ُعضو َّيـ ِـة أنجالِـ ِـه الكــرا ِم؛ لتكـ َ َنضــوي تَحتَهــا مؤسسـ ٍـة إنســان َّي ٍة مجتَمع َّيـ ٍـة قابِ َضـ ٍـة ت َ ُسـ ِّ ـون َّأو َل َّ ـات متَخصصـ ٍـة ،ال تَخـ ِـدم إمــار َة دبــي أو دو َلـ َة اإلمـ ِ ٍ ـض َخ ُيرهــا ـارات فقــط؛ بــل َيفيـ ُ مؤسسـ ُ ِّ َ ُ َ ُ ّ مجموعـ ُة َّ ٍ ٍ ٍ دون الن ِ َّظــر إلــى ٍ ِ عــرق أو ِج ٍ األرض َ حــدود نــس أو لــون أو ديــن أو وجهو ُدهــا علــى َشــتّى بقــا ِع ُ 214 يأّرلا ُصوصن -ةّيفحّصلا ُةدمعألا ٍ ٍ ِ ـك َ ِ ٍ ـمو ُه فــي ذلـ َ ـي علــى ُجغراف َّيــة ،وإنّمــا تُر ِّكـ ُـز علــى اإلنســان كإنســانُ ،م َقدِّ ًمــا سـ ُّ أرو َع مثــال َعملـ ٍّ ِ ِ ِ َّ ِ ـس أمـ ًـرا ِ ـم عار ًضــا أو َعشــوائ ًّيا ،إنّمــا هـ َـو َهـ ٌ المجتمعــات وأبنائهــا ليـ َ ـدف ســا ٍم َيتـ ُّ أن خد َم ـ َة وتَنم َي ـ َة ُ تَحقي ُق ـ ُه ِمــن خـ ِ ـوح َو َد ٍ ـال َعمـ ٍ أن يكـ َ ورجاؤنــا ْ ـي َطمـ ٍ ـاس علــى ـون (النّـ ُ ؤوب و ُمســتدا ٍمَ . ؤسسـ ٍّ ـل ُم َّ ِ ِ ديـ ِ المجتَمع َّي ـ َة. تحمل ِهــم مســؤول َّيت َُه ُم ُ ـن ُملوك ِهــم) فــي ُّ 215 كتاب النصوص للصف احلادي عشر قــل (ال) واس َت ِ متع ْ َشهد العبدويل ِ ـب الكلمـ ِ ـات ا ّلتــي قــد ت ِ ـع أنَّهــا ال تَتكـ َّـو ُن ِســوى ِمــن َحر َفيـ ِ مــن أصعـ ِ َلمـ ٌة ُواج ُهنــا فــي حياتنــا مـ َ ـن ،ك َ ـوت غيـ ِـر مســمو ٍع فــي ِ نَقو ُلهــا بأعلــى صـ ٍ ـاف ِمــن َقولِهــا َعالنِ َيـ ًة ،لِمــاذا َ ـوف الخـ ُ دواخلنــا ،ولكنَّنــا نخـ ُ َ َ ِ ِ ِ ِ مــن قـ ِ ـراف ورا َء َعواطفنــا لمجا َم َلــة اآلخريــن ،رافضيـ َن مــن الدّ اخـ ِ ـل ،ولسـ ُ ـان ـول ك َِل َمـ ِـة (ال) واالنجـ ُ حالِنــا َيقـ ُ ـول نَعــم؟ دون خسـ ِ ـف نَقـ ُ ـول (ال) ولك ـ ْن َ ـب ،فلنَس ـتَمتِع ونَح ـ ُن نُح ِّقـ ُـق ر َغباتِنــا َل ـم م ًعــا كيـ َ ـارة مــن نحـ ًّ َ لن َت َع َّلـ َ ـف إلــى عاتِقـ ِ ر َغبـ ِ ـات ِ ـت فــي ِغنًــى عن ـ ُهِ .عندمــا تَقــو ُم غيرنــا ،فكثــر ُة (نعــم) تُضيـ ُ ـك ِحمـ ًـا كًبيـ ًـرا أنـ َ َفســك بِشـ ٍ ـن نظيــر المجاملــة وحفا ًظــا علــى العالقـ ِ ـط ن ِ بربـ ِ ـيء ُمع َّيـ ٍ ـت بِذلـ َ ـح ـات وكَســبِها ،فأنـ َ ـك تف َتـ ُ َ ِ ـون (نَعــم) ا َّلتــي قلتَهــا َقــد ح َّلــت َمـ َ ـم ،و َقــد تَكـ ُ وري ـم َ وضـ ِـر ٍّ علــى نَف َســك أبـ َ ـكان أمـ ٍـر ُم ِهـ ٍّ ـواب جهنَّـ َ ـك الـــ (نعــم) قــدْ ال يسـ ِ ـل غيـ ِـر ًمسـ ًـمى ،فــي حيـ ِ أجـ ٍ ـن تَنفيـ ِـذ َك لِتلـ َ ـم ُن وال ُيغنــي مــن ُ َفت َُؤ ِّج َل ـ ُه إلــى َ جــوعٍ. قــول ك ِ ِ الخــاص َبعيــدً ا ِ ــك َطري َق َ َشــق َل َ تفتــح َ ّ عــن ــك َلمــة (ال) الشــجاع ُة فــي كثيــر ًة وت ُّ َّ ُ لــك آفا ًقــا َ ـذه الحيـ ِ ـيير َك فــي هـ ِ ـون قـ ِ التِّكـ ِ ـن وبعيــدً ا عــن تَسـ ِ والروتيـ ِ ـول كلمـ ِـة (ال) ْ ـم فنـ َ ـاةَ .ع َلينــا ْ وأن َ أن نتَع َّلـ َ ـرار ّ أساس ـي ِ ُوضــح ِ ِ ِ ِ ِ ِ ات َقـ ِ ـول ّ بالصــورة اإليجابِ َّيــة وال َبنّــا َءةَ .دعونــا فــي بِدا َيــة األمـ ِـر ن ِّ ُ ُنك َِّر َســها فــي َحياتنــا ّ ـذه النِّقـ ِ ـذه الكلمـ ِـة فــي هـ ِ هـ ِ الخمـ ِ ـاط َ ـس: َ ِ ِ ـال أســبو ٍع وإذا كُنـ َ ِ ـك لِك َِل َمـ ِـة (نَعــم) ِخـ َ َ 1د ّون َقو َلـ ََثرتِهــا ،إ َذن ـت مــن ُمدمنيهــا سـ َ ـتتفاج ُأ مــن ك َ ـك بِت ِ َغييرهــا حـ ً َع َليـ َ ـال. ـكَ ،فــا ُتعـ ِ ـم بالطرائــق واألســالِ ِ ـوز ُع فيهــا طا َق َتـ َ ـت َغ ُير ـط ُجـ َّـل ُجهـ ِـد َك لـــ (نعــم) أنـ َ يب ا ّلتــي ُتـ ِّ ْ 2اه َتـ َِّ ٍ َخسـ ُـر أه َلـ َ ـك لِكمـ ِـة (ال) َلــن تَج َع َلـ َ راض َعنهــا ،فقو ُلـ َ وأصدقــا َء َك و َمــن ُيح ّبون ََك. ـك ـك ت َ ِ ِ المطلوب. اإلنجاز الم ِه ِّم ،فاأل َق ِّل أهم َّي ًة ؛لِتُح ِّق َق َ 3رتِّب أولو ّيات َك وابدَ أ دائ ًما بِ ََ األه ِّمُ ،ث َّم ُ ِ ِ ِ ِ ِ ـراج فــي َقـ ِ ـول 4اعـ ِـر ْـب اإلحـ َ ف حــدو َد َك ج ّيــدً ا وابــدَ أ فــي َوضعهــا وتَحديدهــا م ـ َن اآلن ل َتتَجنَّـ َ (نَعــم). 216 يأّرلا ُصوصن -ةّيفحّصلا ُةدمعألا ِ أي و َليــس ات ِ ِ َ 5أ ِِّخــاذ ال َق ِ األو ُل عــط اآلخريــ َن َب َ أي َّ فالــر ُ الــر ِ َ َ عــض َّ ــرارَّ ، الصالح ّيــات فــي إبــداء َّ أنــت ال لِ ِ واألخيــر يعــو ُد َل َ غيــر َك. ــك َ ُ ـف ك َِلم ـ َة (ال) بِ ِكذ َبـ ٍـة عابـ َـر ٍة أو ُت َب ِّطنَهــا بأعـ ٍ ـذار ال وجــو َد لهــا ،فذلِـ َ ـك لِ َوحـ ِـد ِه واحـ َـذ ْر مــن أن ُت َغ ِّلـ َ ِ سيشـ ِ ـاو َل ِ ـيس هــي ا ّلتــي نُحـ ِ ـب وتَأنيـ ِ الذنـ ِ ـع ُر َك بِ َ جاهدَ يـ َن االبتعــا َد َعنهــا. ـب َّ الضميـ ِـر ،وهــذه األحاسـ ُ َ ُ ِ ـك ُفرص ـ ًة لِتغييـ ِـر حيثيـ ِ ـط لن ِ أعـ ِ ـات األمـ ِ الجوانِـ ِ َفسـ َ ـبَ ،فل َعـ َّـل «ال» هـ ِـذ ِه ـور والنَّظـ ِـر إليهــا مــن كا َّف ـ ًة َ َ ّ َ ِ ِ ـب األحيـ ِ ـكل األمـ ِ ـون فــي أغ َلـ ِ ـك بِـ ِّ ـطارةً ،ولكنَّهــا َقــد تَكـ ُ ـاح َسـ َعا َدتِ َكَ .فقبو ُلـ َ ـان ـور ليـ َ هــي مفتـ ُ ـس َشـ َ ـك فــي كَثيـ ٍـر ِم ـن األزمـ ِ لعنَـ ًة ِ توق ُعـ َ ـات. َ 217 كتاب النصوص للصف احلادي عشر 218 صوص ال ّن ُ املعلوماتي ُة ّ 219 كتاب النصوص للصف احلادي عشر 220 ةّيتامولعملا ُصوصّنلا املعلوماتي ُة صوص ال ّن ّ ُ ُت َعــدُّ معرفــة نــوع النــص المقــروء مــن أهــم اإلســتراتيجيات ا ّلتــي تســاعد القــارئ علــى فهــم النصــوص ،والتن ّبــه إلــى النقــاط الجوهريــة فيهــا ،والتعمــق فــي أفكارهــا ومضامينهــا؛ فقــراءة قصيــدة مــن ِّ الشــعر تختلــف عــن قــراءة قصــة ،وهــذه تختلــف عــن قــراءة نــص معلوماتــي ،فلــكل نــوع مــن ِ ـب ،وبســببها يقرؤهــا القراء. النصــوص الطريقــة ا ّلتــي تناســبه ،وتناســب الغايــات ا ّلتــي مــن أجلهــا كُتـ َ وتنو ًعــا فــي عصرنــا الحاضــر ،ومعظــم ويعــد النــص المعلوماتــي مــن أكثــر النصــوص انتشــارا ّ ً النــاس يعتمــدون عليــه فــي حياتهــم اليوميــة فــي أبســط األمــور وأكثرهــا تعقيــدً ا؛ فعلــى ســبيل المثــال ال الحصــر ،كلنــا نحتــاج أن نعــرف حالــة الطقــس ،أو مواعيــد الصــاة ،أو مواعيــد الرحــات فــي المطــارات للمســافرين ،أو موقــع مؤسســة مــا نــود أن نزورهــا ،فمثــل هــذه الجــداول والخرائــط نصوصــا معلوماتيــة ،فمــا النــص المعلوماتــي؟ ومــا الفــرق بينــه وبيــن ســائر النصــوص؟ تســمى ً ـص هدفــه أن ُيقــدّ م معلومــات للقــارئ بطريقــة مباشــرة وواضحــة، النــص المعلوماتــي :هــو أي نـ ٍّ تتصــف بالدقــة ،وتعتمــد علــى األدلــة العلميــة والحقائــق .وألن هــدف النــص المعلوماتي هــو تقديم المعلومــات فإنــك ســتجده فــي مجــاالت العلــوم والفنــون ك ّلهــا ،كالفيزيــاء ،والكيميــاء ،والطــب، والرياضــة ،والصحــة ،والبيئــة ،والجغرافيــا ،والتاريــخ ،واللغــة ،والرســم ،وتطويــر الــذات ،وغيرها. وهــذا ال يعنــي ّ أن النــص المعلوماتــي هــو النــوع الوحيــد الــذي يقــدم معلومــات للقــارئ ،ولك ـ ّن النــص المعلوماتــي ليــس لــه أي هــدف إال تقديــم المعلومــات ،بخــاف النصــوص األخــرى. ولكــي تتضــح الفــروق بيــن النــص المعلوماتــي وغيــره مــن النصــوص يحســن أن نتحــدث عــن التصنيــف العــام للنصــوص ،حيــث تنقســم إلــى نصــوص خيال ّيــة ( )Fictionونصــوص غيــر خيال ّيــة ()Non-Fiction 1.1النص الخيالي: هــذا المصطلــح هــو ترجمــة لكلمــة ( ،)Fictionوهــي مشــتقة مــن كلمــة التينيــة تعنــي « ُي َشــكَّل» أو « ُي َصنَّــع» ويشــير إلــى تأليــف أدبــي متخ ّيــل ومبتــدَ ع .وهــو مصطلــح يع ّبــر عــن الفــن القصصــي أن هنــاك مــن يــرى ّ بأشــكاله المختلفــة :الروايــة ،والروايــة القصيــرة ،والقصــة القصيــرة ،مــع ّ أن 221 كتاب النصوص للصف احلادي عشر مصطلــح ( )Fictionalيشــمل كل مــا هــو أدبــي ،أو كل األجنــاس األدبيــة مثــل الشــعر والدرامــا وألــوان الســرد إلــى جانــب الروايــة والقصــة. فهــذا العمــل هــو مــن خيــال الكاتــب ،حتــى لــو اعتمــد علــى وقائــع مــن الحيــاة ،أو مــن التاريــخ. وهدفــه فــي الغالــب اإلمتــاع والمشــاركة. 2.2النص غير الخيالي: هــو ترجمــة لمصطلــح ( )Non-Fictionباإلنجليزيــة ،بمعنــى أنــه خــال مــن الخيــال ،ويشــير إلــى كل النصــوص التــي تعتمــد علــى الحقائــق والوقائــع واألدلــة .وليــس للخيــال دور فيهــا ،وهدفهــا فــي الغالــب تقديــم معلومــات للقــارئ حــول موضــوع مــا .وتحــت النصــوص غيــر الخيال ّيــة تنــدرج أيضــا نصــوص ِ الســ ّير ،الذات ّيــة والغيريــة، النصــوص المعلوماتيــة بأشــكالها كا ّفــة ،كمــا تنــدرج ً والكتابــات الفلســفية والتاريخيــة والجغرافيــة ،وغيرهــا كثيــر. ويمكن توضيح هذا التقسيم في الشكل التالي: ولكــي نوضــح الفــرق بيــن النــص المعلوماتــي والنصــوص األخــرى التــي تنــدرج تحــت مســمى الســيرة «نــص غيــر خيالــي» يمكــن أن نعقــد هــذه المقارنــة البســيطة بيــن النــص المعلوماتــي ونصوص ّ األدبيــة مثـ ًـا ،فعلــى الرغــم مــن ّ أن كليهمــا يندرجــان تحت قســم النصوص غيــر الخيال ّيــة إال أن معظم الســيرة األدبيــة تبنــى بنــاء يشــبه بنــاء القصــة والروايــة ،فتعتمــد علــى الشــخصيات ،ووجــود نصــوص ّ إطــار زمانــي ومكانــي ،وأحــداث ،وتشــويق وغيرهــا .وتكتــب بأســلوب ســردي فــي الغالــب يشــبه أســلوب كتابــة القصــص .أمــا النصــوص المعلوماتيــة فتقتصــر فقــط علــى تقديــم المعلومات؛ فلــو أننا نصــا معلومات ًّيــا عــن الشــيخ زايــد بــن ســلطان -رحمــه ال ّلــه ،فإننــا ســنقتصر علــى ذكــر أردنــا أن نكتــب ًّ 222 ةّيتامولعملا ُصوصّنلا الحقائــق فقــط ،تاريــخ ومــكان ميــاده ،فتــرة حكمــه ،أخالقــه ،إنجازاتــه ،ســنة وفاتــه ،وهكــذا .ولكــن إذا أردنــا أن نكتــب عنــه ســيرة أدبيــة فإننــا ســنعنى بتقديــم صــورة دقيقــة عــن شــخصيته ،واهتماماتــه، وأفــكاره ،وكيــف كان يــرى العالــم ،وبعــض المواقــف المؤثــرة فــي حياتــه ،وبعــض الحكايــات التــي تعكــس حكمتــه ،وقربــه مــن شــعبه ،وحرصــه علــى توحيــد الكلمــة ..وهكــذا. ّ إن النــص المعلوماتــي غيــر معنــي مــن قريــب أو بعيــد بالتأثيــر فــي القــارئ تأثيـ ًـرا عاطف ًّيــا ،بــل هــو يصــب كل تركيــزه علــى المعلومــة ،والتحقــق مــن صحتهــا ،والحــرص علــى أن تصــل إلــى القــارئ مــن مصــادر موثوقــة ،وأن تقــدم لــه فــي شــكل واضــح وبســيط ،يســاعده علــى تم ّثلهــا وتنظيمهــا وتذكرهــا. وأكثــر مــا تجــد النصــوص المعلوماتيــة فــي المعاجــم ،والموســوعات ،واألطالــس ،وكتــب التعليــم، والكتــب المدرســية علــى اختالفهــا ،والخرائــط ،والمقــاالت العلميــة ا ّلتــي تنشــر فــي المجــات، كمــا نــرى فــي مجلــة (ناشــيونال جيوغرافيــك) علــى ســبيل المثــال. وأهــم مــا يم ّيــز النصــوص المعلوماتيــة اعتمادهــا علــى الحقائــق واألرقــام ،ونتائــج الدراســات العلميــة ،ولذلــك يعتمــد تقييــم النــص المعلوماتــي علــى الصحــة والدقــة فــي نقــل المعلومــات، والتوثيــق العلمــي ا ّلــذي يحيــل إلــى المصــادر ،وعلــى ِ الجــدّ ة والتحديــث ،فــا ينقــل النــص نتائــج دراســات قديمــة ،ويتــرك الحديثــة منهــا. ولكتابــة النصــوص المعلوماتيــة أصــول وطــرق معتمــدة ،فــا يجــوز للكاتــب أن يتصــدى لكتابــة نــص معلوماتــي مــن دون أن يلتــزم بهــذه األصــول التزا ًمــا تا ًّمــا .وقــد تطـ ّـورت طــرق كتابــة النصوص المعلوماتيــة فــي العصــر الحديــث ،وصــار المؤلفــون يعتمــدون علــى وســائل كثيــرة تســاعد القــارئ علــى فهــم المعلومــات ،وتنظيمهــا ،وحفظهــا ،وتذكرهــا ،كالجــداول ،والقوائــم ،واألشــكال والرســومات التوضيحيــة ،والصــور. ّ إن قــراءة النصــوص المعلوماتيــة تتطلــب مــن القــارئ االنتبــاه ،والتدقيــق ،وإعــادة تنظيــم المعلومات بمــا يناســب أغراضــه الخاصــة ،وهــي مــن أكثــر المهــارات أهميــة للطــاب ،خاصــة فــي المرحلــة الجامعيــة. 223 كتاب النصوص للصف احلادي عشر لغات العالَ ِم مرايا ال ّن ِ اس ُ * ِ ِ ِ ِ الضغـ ُ لالندمـ ِ يوجــدُ ِمنهــا فــي ـاج واالسـ ـوط العالم َّيـ ُة تُؤ ِّثـ ُـر ّ ـتيعاب تَأثيـ ًـرا حاسـ ًـما علــى ال ُّلغــات ا ّلتــي َ ـف ُل َغـ ٍـة ،تُعبــر ك ٌَّل ِمنهــا َعــن نَظــر ٍة َفريــدَ ٍة ِمــن ن ِ اآلن ِمــن َخمسـ ِـة ٍ العا َلـ ِم َ َوعهــا آالف إلــى ِعشــري َن َألـ َ َ ِّ ُ َ اآلن معــر ٌض لِ َخطـ ِـر ِ ِ ِ ِ ِ ٍ ِ ِ االنقـ ِ ـراض فــي للعا َلـ ِم َون ََمــط مــن َأنمــاط التَّفكيـ ِـر وال َّثقا َفــة؛ فكثيـ ٌـر مــن ال ّلغــات َ ُ َّ المنظـ ِ ـور. المســتق َب ِل َ ُ ِ ـون بِ ُل َغـ ٍـة مــا أو َل م ِّ ِ ـص عــدَ ِد األطفـ ِ ـي علــى َّ ـال ا ّلذيـ َن َيت َك َّلمـ َ ـير ُي َعــدُّ تَنا ُقـ ُ أن هــذه ال ُّل َغـ َة تَسـ ُ ؤشـ ٍـر علمـ ٍّ َّ ُ (بالهجـ ِ ؤشــر ال ّثانــي َفهــو مــا ي ِ ســيرا حثي ًثــا نَحــو ِ أن نُسـ ّـم َي ُه ِ ِ ـراض أو التَّهميـ ِ مكـ ُن ْ ـرة االنقـ ُ ُ َ َ ً َ الم ِّ ُ ـش ،أ ّمــا ُ ـت لِن ِ ـات ال ُّل َغويـ ِـة) ونَعنــي بِهــا اتِّخــا َذ ال ُّلغـ ِ داخـ َـل المجتَمعـ ِ الص ِام َتـ ِـة ِ َفســها ـات العالم َّيـ ِـة ا ّلتــي ح َّققـ ْ َّ َ ّ ُ ِ ب تَفــو ِق َأ ِ هلهــا ِعلم ًّيــا واقتِصاد ًّيــاَ ،بديـ ًـا عــن ال ّل َغـ ِـة األ ِّم فــي ُل َغـ ِـة ُوجــو ًدا شاس ـ ًعا فــي العا َل ـ ِم بِس ـ َب ِ ُّ ِ ِ ِ ِ ِ َّواصـ ِ التَّعا ُمـ ِ المجت ََم ـعِ. ـل َ ـيَ ،و ُل َغــة التَّعلي ـ ِمَ ،و َغ ِيرهــا مــن ســياقات الت ُ الحيو َّيــة فــي َحيــاة ُ ـل ال َيومـ ِّ ٍ ِ ِ ِ ـل الحيـ ِ لمـ ِ ـس ال َقــدْ ِر ِمـ َن انقـ ِ ـوار ِد علــى نَفـ ِ ـوان ـراض فصيلــة مــن َفصائـ ِ َ َ الوضـ ُ َوهــذا َ ـع ُيم ِّثـ ُـل اســتنزا ًفا ل َ أو النَّبـ ِ ـكل ُلغـ ٍـة ُين َطـ ُـق بِهــا فــي العا َلـ ِم تُع ِّبـ ُـر َعــن َطري َقـ ٍـة َفريــدَ ٍة لِلنّ َظـ ِـر إلــى الت ِ َّجر َبـ ِـة ِ ـات؛ فـ ُّ اإلنســان َّي ِة ـاك فِعـ ٌـل حركــي يعبــر َعــن ك ُِّل َخ ْلجـ ٍـة لِلعضـ ِ وإلــى العا َلـ ِم ن ِ َفسـ ِـه؛ َففــي ال ُّلغـ ِـة اليابان َّيـ ِـة َم َثـ ًـا هنـ َ ـات، َ َ َ ٌّ ُ ِّ ُ وك ُِّل حــدَ ٍ وكل فِعـ ٍ ـاني ،وفــي ال َعرب َّيـ ِـة َمثـ ًـا ُهنـ َ ث فــي ال َّطبي َعـ ِـةِّ ، ـاك مــا يزيــدُ علــى َخمســي َن ـل إنسـ ٍّ ــح واألزر ِق ِ يــن لِ عــض ال ُّل ِ ِ ــر ،ون ِ الغام ِ لم َط ِ ين ُمخت َِل َف ِ اســم ِ ِ ــأزر ِق الفاتِ ِ ــق، غــات َجــدُ فــي َب َ َ َ اســما ل َ ً ٍ ِ المفهــو ِم بِ ـرون َعــن ِمثـ ِ ـف ،ويع ّبـ َ ـات ِمثـ ُـل :أمــا َم َ كلمات وخلـ َ ـس فيهــا كلمـ ٌ َوبعـ ُ ـض ال ُّلغــات َليـ َ ـل هــذا َ ـات ،هــو تنــوع فــي ال ّثقافـ ِ إن هــذا التَّنــوع فــي ال ُّلغـ ِ ـل َشـ ٍ ـرب َو َشـ ٍ ـمال َو َجنـ ٍ ـرق َوغـ ٍ ِمثـ ِ ـوب َفقــطّ . ـات ُ ُّ ٌ ُّ َ ـوت لغـ ٍـة مـن ال ُّلغـ ِ ّجربـ َة اإلنســاني َة ِ ِ ِ ـات بالغنــى والتَّنـ ُّـوعِ .ولِــذا ُيشــبِه َمـ ُ َ َّ وطرائـ ِـق التَّفكيـ ِـر ،إ َّنـ ُه ُيمــدُّ الت ِ َ ـون والحيـ ِ ـال علــى الكـ ِ ِ ٍ الجمـ َ ُ ـاة .ولكـ َّن كثيـ ًـرا ِمــن أو تهميشــها اختفــا َء لــون مـ َن األلــوان ا ّلتــي تُضفــي َ ِ ٍ ِ ال ّلغـ ِ ـات اختَفــى َعلــى َمـ ِّـر التّاريـ ِ ـي ـخ ال َب َشـ ِّ المحا َف َظـ ُة علــى أ َّيــة ُل َغــة بِ َمرســو ٍم ُحكومـ ٍّ ـريَ ،وال ُيمكـ ُن ُ أو بِاالهتِمامـ ِ ـرار واختيـ ِ ـك فقــط بِقـ ِ ـات ال ُفلكُلور ّيـ ِـة ،وإنَّمــا يتح َّقـ ُـق ذلـ َ ـار المتك ِّلميـ َن بِهــا. وات لالتِّصـ ِ أن لِـك ُِّل ُل َغـ ٍـة اإلمكان َّيـ ُة لِتَكـ َ ـال ،كمــا َّ ـات ك ُّلهــا ُمتســاو َي ٌة ِمــن َحيـ ُ ـون ُل َغـ ًة ـث إنَّهــا أ َد ٌ وال ُّلغـ ُ ـف تَحقيـ ُـق هــذا األمـ ِـر علــى ال ُفـ َـر ِ ـاح َلهــا .و َقــد ســا َد اعتِقــا ٌد فــي الماضــي عا َلم َّيـ ًة ،ويتو َّقـ ُ ص ا ّلتــي تُتـ ُ *) مــن كتـ ِ العالميـ ِـة للثّقافـ ِـة وال ّتنميـ ِـة ّ العربيـ ُة) إشـ ُ ـس األعلــى (الطبعـ ُة ـري الخـ ّـا ِق ،تقريـ ُـر ال ّلجنـ ِـة ـاب ال ّتنــو ِع البشـ ِّ ـراف وتقديـ ُـم :جابــر عصفــور ،المجلـ ُ ّ ّ للثّقافــة ،1997 ،مصــر (بتصــرف وإضافــات) . 224 ةّيتامولعملا ُصوصّنلا ِ ِ ِ بِـ َّ ـوت ،ولكـ َّن هــذا التَّصـ ُّـو َر ـي تو َلــدُ وتَنمــو ،وت َْض َم ِحـ ُّـل وتَمـ ُ ـأن ال ُّلغــات تُشــبِ ُه الكائنــات َ الح َّيـ َة؛ فهـ َ ـات ا ّلتــي تَس ـت ِ وات ونَواتِــج للمجتَمعـ ِ ِ بالكامـ ِ غيـ ُـر َصحيـ ٍ َخد ُمها أو َتت ُْركُهــا، ـات ـح؛ فال ُّلغـ ُ ـي أ َد ٌ َ ُ ُ َ ـل هـ َ ـش فيهــا ،و َعلــى عالمـ ِ ِ ِ ِ ومصيــر ك ُِّل ال ُّلغـ ِ والسياسـ َّي ِة ا ّلتــي تَعيـ ُ ـات ـات َوقـ ٌ َ ـف علــى البي َئــة االجتماع َّيــة ّ ُ ِ ِ ـم بهــا. المجت ََمـ ُ والســيا َدة ا ّلتــي َيتَم َّتـ ُ ـع ا ّلــذي َيت َك َّلـ ُ ـع بهــا ُ ال ُقـ َّـوة ّ ٍ إن أهـ ِ ٍ والمكتو َب ـ ُة ،ولِذلِـ َ ـوي ـك ُيعــدُّ التَّنـ ُّـو ُع ال ُّل َغـ ُّ ـم سـ َـمة َثقاف َّيــة ِّ ـي ُل َغ ُت ـ ُه المنطو َق ـ ُة َ ألي ُمجتَم ـ ٍع هـ َ َّ َ َّ ِ ِ ـاد ِر البشــري ِة .واختِفــاء أيـ ِـة ُل َغـ ٍـة يعــدُّ إفقـ ِ مصــدَ را َثمينًــا ِمــن مصـ ِ ِ الم ِ عر َفـ ِـة َُ ُ ّ َ َّ ـارا ل َمخــزون اإلنســان َّية مــن َ ً َ ً َ ـات ال ِّطبيـ ِـة غيــر معرو َفــةٍ َجــدُ الكَثيــر ِمــن النَّباتـ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َوأدوات االتِّصــال داخـ َـل ال َّثقافــات وبينَهــا؛ َف َمثـ ًـا ن ّ َّ َ َ ـات هـ ِ كل منهــا اســما محــدَّ دا فــي ُلغـ ِ ِ الشـ ِ ـم التَّقليد َّيـ ِـة ،حيــث ُيعطــى ٌّ ّإل عنــدَ ُّ ـذه ً ً ـعوب فــي ثقافاتهـ ُ ِ ِ ِ ِ الم ِ الشـ ِ ـع ضيــا ِع ثقافاتِ ِهــم َو ُلغاتِ ِهــم َفـ َّ ُّ ـع واصهــا العالج َّيــة تَضيـ ُ عرفـ َة بهــذه النَّباتــات َو َخ ِّ ـعوب ،و َمـ َ ـإن َ ِ ِ ِ ِ كَذلِ َ صــف أســمائها َو َو َســجيل المهت َّميــ َن ِمــن ت ــكّ ،إل إذا تَمكَّــ َن َأ َحــدُ ال ُّل َغو ّييــ َن َأ ِو األشــخاص ُ ـون فــي جنـ ِ ّان األصل ّيـ َ السـك ُ ـوب أمريــكا َ ـواص ال ِّطب َّيـ َة واصهــا َقبـ َـل َضيــا ِع ال ُّل َغـ ِـةَ .و َقــدْ َعـ َـر َ الخـ َّ َخ ِّ ف ُّ ـات الكينــا َقبـ َـل اتِّصالِهــم بِاألوربيي ـن بِوقـ ٍ لِنبـ ِ ـلَ .وفــي َشـ ِ ـت طويـ ٍ ـراض ـمال أس ـتُراليا عولِ َجـ ْ ـت أمـ ٌ ّ َ َجب لِلعقاقيـ ِـر ال ِّطبيـ ِـة بِخلـ ِ ِ الجلـ ِـد الحــا َّد ِة وا ّلتــي َلــم تَس ـت ِ رحـ ِـة ِ ـط بعـ ِ ـض َسـ َ ـوائل ُمس ـتَخ َل َص ٍة ّ َّ مثـ ُـل ُق َ ّان األصلييـن ،و َقــد َفتــح نَجــاح هــذا ِ ـات أســماها أفــراد جماعـ ِ ِمــن نباتـ ٍ ـات السـك ِ العـ ِ ـاج وغيـ ِـره ِمـ َن ُ َ ّ َ َ ُ ُّ ـن النّباتـ ِ ـات التَّقليديـ ِـة المشــابِه ِة البــاب أمــام بحـ ٍ العالجـ ِ ِ ـات ال ِّطبيـ ِـة بِمســاعدَ ِة الس ـك ِ ـث واس ـ ٍع َعـ ِ ّان ّ َّ َ َ َ َ َّ ُّ ُ َعملونَها فــي ُل َغتِهــم ا ّلتــي هــي معر َض ـ ٌة ِ ـات ا ّلتــي يس ـت ِ ـل الكَلمـ ِ ِ األصل ّيي ـ َنَ ،وبِفضـ ِ ـراض. لالنقـ َ َ ُ َّ ُ ِ ـي ال ُّل َغ ـ ُة ا ّلتــي ال َيتَع ّل ُمهــا األَطفـ ُ ـم المجت ََم ـ ِع ا ّلــذي َي َت َك َّلـ ُ ـال فــي ُ المهــدَّ َد ُة عنــدَ ال ُّل َغو ّيي ـ َن هـ َ وال ُّل َغ ـ ُة َ ـذه ال ُّلغـ َة .وي ِ هـ ِ ـح ال ُّل َغـ ُة ُمهــدَّ َد ًة ألسـ ٍ يضــا ،مثـ ِ مكـ ُن ْ ـل تقســي ِم الجما َعـ ِـة ال ُّلغو َّيـ ِـة ـباب ُأخــرى َأ ً أن تُصبِـ َ ََ ـات ُأخــرىِ . َخدم ُل َغـ ًة أو لغـ ٍ ِ ٍ ِ ِ ومـ َن األسـ ِ ـباب القو َّيـ ِـة الواحــدة قسـ ًـرا ،أو وضعهــا فــي مجتَمعــات تَسـت ُ ـاس تَشــجيع اآلبـ ِ ـاء أبناءهم علــى اســتخدا ِم ُل ِ ا ّلتــي َقــد تُهــدِّ د وجــود ال ُّل َغـ ِـة وحضورهــا فــي حيـ ِ ـاة النّـ ِ غة َُ ُ َ ُ َ ُ َ َ ِ ٍ ٍ ـم اآلبــا ُء ـوراُ ،م ِّ فضليـ َن إ ّياهــا علــى ُل َغت ِهــمَ ،بـ ْـل و َقــد َيتك َّلـ ُ جما َعــة َثقاف ّيــة ُأخــرى َأقــوى وأكثـ َـر حضـ ً ِ ِ ِ ِ ِ َ ـرعان مــا َيتَخ ّلــى الجيـ ُـل ّ َتيج ـ ًة فض َلـ ِـةَ ،و ُسـ الم َّ ـاب َعــن ُل َغتــه ن َ الشـ ُ نفسـ ُـهم َمـ َ ـع األبنــاء بِهــذه ال ُّل َغــة ُ َأ ُ ِ ـس ـب واألبعــدُ .وليـ َ ـي األصعـ ُ لذلــك؛ َفتَصيـ ُـر ُلغـ ُة اآلخـ ِـر هــي األسـ َـه ُل واألقـ ُ ـرب ،وتصيـ ُـر ُلغتُهــم هـ َ ـن المجتَمعـ ِ ِ ِ لألمـ ِـر عالق ـ ٌة بال ُّلغـ ِـة وال بِ خصائصهــا ،وإنَّمــا األمـ ُـر مرتَبِـ ٌ ـات، ـط بِتَفـ ُّـوق األُ َم ـ ِم ،وتم ُّكـ ِ ُ َ ِ ِ والســي َط َر َة االقتِصاد َّيـ َة وال َّثقاف َّيـ َة. السـ َ ـي َّ ـبق والتَّقــدُّ َم العلمـ َّ وتَحقيقهــا َّ 225 كتاب النصوص للصف احلادي عشر للح ِ ات ِ ــوات ،واعتمــاد إســتراتيجي ٍ ــة اتِّخــا َذ ُخ ُط ٍ المجتمعــات ال ُّلغوي ِ ِ لقــد ب ِ فــاظ الكثيــر ِمــ َن ــدأت ّ َ ِّ َ ُ ـات األُخــرى األَقــوى واألَكثـ ِـر انتشــارا .ويعــدُّ اســتِخدام ال ُّل َغــةِ ـوط ال ُّلغـ ِ علــى ُل َغتِ ِهــم ،ومواجهـ ِـة ُضغـ ِ ً َُ َ َ َ ُ ـات صــارت تَسـت ِ ـض المجتَمعـ ِ ـوات وأك َث ِرهــا ِ الخطـ ِ األم َأحــدَ َأهــم هـ ِ فاعل َّيـ ًة؛ بــل َّ ـذه ُ َخد ُم ِص َفـ َة إن بعـ َ ُ َ ِّ ِّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ـي واحتــرا ِم الـ ّـذات كمــا لوحـ َ ـع لغــات الباســك ـظ َمـ َ ُصعو َبــة ُل َغتهــا وتَعقيدهــا ل َرف ـ ِع الكبريــاء القومـ ِّ مكـن لِسياسـ ٍـة ُلغويـ ٍـة مسـتَنير ٍة إبطــاء اختِفـ ِ ـاز .وي ِ ِ ِ ِ ِ ـاء ال ُّل َغـ ِـة أو إيقا َفـ ُه ُ الفنلند َّيــة والتُّرك َّيــة َو ُلغــات ال َقوقـ ِ َ ُ َ َ َّ ُ َ الحفـ ِ العلمــي ،وتوســي ِع مفهــو ِم ِ ـب ِ تَمامــا ،وال بــدَّ فــي هـ ِ ـذه الحا َلـ ِـة ِمـ َن التَّأكيـ ِـد علــى الجانِـ ِ ـاظ علــى ِّ َ ً ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ المعاج ـ ِم والنُّصـ ِ القديمــة ،واســتحضارهاَ ،وتَع ُّلمهــا َوحفظهــا. ـوص َ ال ُّلغــة ل َيشـ َـم َل التّركيـ َـز علــى َ كمــا يشــم ُل تَربيـ َة النَّـ ِ ِ الشـ ِ ـشء علــى االعتِـ ِ ـعور بِالنّقـ ِ صاحـ ِ ـزاز بِهــا و َعــد ِم ُّ ـب ال ُّل َغـ ِـة ـص تِجــا َه اآلخـ ِـر َ َ َ ِ ِ المت ََسـ ِّي ِد. المتَفـ ِّـوق ُ المســاوي ،ال ُ األقــوىَ ،بـ ْـل ُمعا َم َلتــه معاملـ َة النَّظيـ ِـر ُ إن ال ُّلغــ َة هــي المكَــو ُن الجوهــري فــي ال َثقا َف ِ َّ رنســي (جــان بــول يلســوف ال َف ــف ال َف ُ ــةَ ،وقــدْ َو َص َ َ َ ُّ َ ُ ِّ ُّ ِ َســم ُع بهــا وال َعيــ ُن ا ّلتــي نَــرى بِهــا. ســارتر) ال ُّلغــات بأنَّهــا األُ ُذ ُن ا ّلتــي ن َ 226 ةّيتامولعملا ُصوصّنلا ِ ضن َّ بيعة الط ُح ُ * ـيارة فــي ربــو ِع الصحـ ِ نطل ًقــا بالسـ ِ ـون م ِ الر ُجـ ِ ـإن (ديفيــد ســتراير) هـ َـو ِمثـ ُ ـراء ،فـ َّ ـل ا ّلــذي َّ ـال َّ ُ ّ عندمــا تكـ ُ ُ أن يتولــى قيــاد َة السـ ِ ـيارة؛ ذلـ َ ـك أ َّن ـ ُه َيتحاشــى تما ًمــا إجــرا َء ُمكالمـ ٍـة هاتف ّيـ ٍـةْ ،أو كتاب ـ َة ب فــي ْ َ َّ س ـتَر َغ ُ ّ ِ ـائل قصيـ ٍ ـرة علــى هاتفـ ِـه النَّ ّقـ ِ ـم النَّ ْفـ ِ رسـ َ ـص فــي ِع ْل ـ ِم تخصـ ٌ ـس هــذا ُم ِّ ـالْ ،أو تنـ ُ ـاو َل ال َّطعــا ِم .وعالـ ُ االنتبـ ِ ُنجـ ُـز عــدَّ َة مهـــام فــي ٍ ـاه ،وهـ َـو َيعلــم أنَّنــا عندمــا ن ِ ـإن أ ْد ِم َغتَنــا تميـ ُـل إلــى ارتـ ِ آن واحـ ٍـد فـ َّ ـكاب َ ٍّ ُ األخطـ ِ ـتعمال الهاتـ ِ ـون فــي حالـ ٍـة ِمـن مقاومـ ِـة التَّشـت ِ أن اسـ َ ُّت ،وقــدْ أظهـ َـر ْت ِدراسـ ُت ُه َّ ـاء؛ ألنَّهــا تكـ ُ ـف ْ ُ َ ِ ِ ِ ـروبات الكحول ّيـ ِـة. ـاو ُل المشـ الســائقي َن ب َقــدْ ِر مــا يفع ُل ـ ُه تنـ ُ النَّ ّقــال يوه ـ ُن أدا َء ُجـ ِّـل ّ ِ آالت ِ ــت ٍ يقــول (ســتراير)ِ َّ : حاســب ًة ال ت ِ ــلْ ، ف ال َك َل َ ُ لإلصابــة عرضــ ٌة َعــر ُ ليس ْ بــل إنَّهــا ُم َّ إن أ ْدم َغتَنــا َ ـهولة ،لكنَّنــا عندَ مــا نَتمهـ ُـل ،وننتهــي عمــا يش ـ َغ ُلنا ،ونغمــر أن ُفســنا فــي أجـ ِ باإلعيـ ِ ـاء بسـ ٍ ـواء ال َّطبيعـ ِـة ّ َ َّ ُ ُ َ ِ ـب ،بـ ْـل نكـ ُ الجميلـ ِـة ا ّلتــي تُحيـ ُ ـون قــدْ فحسـ ُ ـط بنــا ،فإنَّنــا ال نَشـ ُع ُر بأنَّنــا قــد اســت َعدْ نا عافيتَنــا ونشــا َطنا ْ حس ـنّا أدا َءنــا ِّ ـي كذلـ َ ـك. الذهنـ َّ َّ ِ ٍ ِ المخ ِّيميــ َن :إ ْذ َّ تحســ َن وهــذا َ ماعرضــ ُه (ســتراير) عمل ًّيــا َ هــم َّ إن أدا َء ْ مــع مجموعــة مــ َن ال َّطلبــة ُ ـك ِ ـدار %50فــي مهــام متع ِّل ِقـ ٍـة بحـ ِّـل المشـ ِ الت بطرائـ َـق إبداع َّيـ ٍـة ب ْعــدَ ثالثـ ِـة أ ّيــا ٍم ِم ـ َن التِّرحـ ِ بمقـ ِ ـال، َ ُ َ َّ ُ ِ لــون أمتِعتَهــم علــى ُظ ِ ِ ــم. ُ هوره ْ ــم َيحم َ َ ْ وه ْ ُّت وصــر ِ عوامــل التَّشــت ِ ــة إرادي ٍ بص َف ٍ ِ االنتبــاه ِ ف النَّ َظ ِ ِ ِ وتجاه ِ َّ ــر مســأل ٌة ــل ــة، تركيــز إن ال ُقــدر َة علــى ُ ّ َ ْ ـذه ال ُقـ ِ الت ،وإتمــا ِم المهــام ،لكـن الحيــا َة العصريـ َة تتط َّلــب أحيا ًنــا ِمـن هـ ِ ـك ِ حاســم ٌة لحـ ِّـل المشـ ِ ـدرة ْ ُ ّ َّ َ َ ِّ ُ ِ ف ح ّتــى يــؤ ّد َي المجهــو ُد المطـ َّـو ُل والمر َّكـ ُـز إلــى إرهـ ِ الذ ْهـ ِ ـاق ِّ ـك ،ومــا ْ ممــا نمتلـ ُ ـن، إن تُسـت ََنز ُ ُ ُ أكثـ َـر ّ ِ ِ ِ ِ ِ زاجنــا ،و َت ْقضــي ُح ِّسـ ُن م َ ـع معنو ّياتنــا ،وت َ ـم إنَّهــا تَر َفـ ُ و ُفقــدان الفعال ّيــة واإلجهــاد .ال َّطبيعـ ُة َّ تتعهدُ نــاُ ،ثـ َّ ـان ال َّطبيعـ ِـة يريحنــا ِمـن التَّو ُّتـ ِـر واإلجهـ ِ ـض الوقـ ِ نظريـ ُة اســتعاد ِة االنتبـ ِ ـت فــي أحضـ ِ ـأن قضــا َء ب ْعـ ِ ـاه بـ َّ ـاد َ ُ ُ َ ّ ِ ـاه الموجـ ِـه» ا ّلــذي يتط َّلبـه العمـ ُـل وحيــا ُة المـ ِ ـي النّاتِ َج ْيـ ِ ِّ ـدن. ُ ُ ـن عــن «االنتبـ ُ َّ ُ الذهنـ ِّ ــر ال َّطبيعي ِ ِ ــة العظيــم (فريدريــك لــو أومســتد) ِمــ ْن ِ المناظِ ِ فــوق َّ ُ ــر ُمهنــد ُس َ وفــي عــا ِم َ ،1865ن َظ َ ٍ ـرورة وجـ ِ وكان علــى قناعـ ٍـة بضـ ِ َ ـأن ُيحا َفـ َ «وادي يوســيميتي» َفـ َـرأى مكا ًنــا جديـ ًـرا بـ ْ طبيعة ـود ـظ عليـ ِـه، ٍ سخة العربي ُة،ص ،47 - 30بتصر ٍ *) َمج َّل ُة (ناشيونال جيوغرافيك) ،عدَ ُد يناير ،2016ال ُّن ُ بسيط. ف َّ ُّ 227 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ِ ٍ ـك يقـ ُ ـول« :إنّهــا َلحقيق ـ ٌة علم ّي ـ ٌة َّ ـب فــي ذلـ َ أن تأ ُّمـ َـل ـاس ،ف َك َتـ َ ـي َيســتمت َع بهــا النّـ ُ خضــرا َء جميلــة كـ ْ ِ صحـ ِـة الرجـ ِ الخلبـ ِـة بي ـ َن حيـ ٍ المناظـ ِـر ال ّطبيع ّيـ ِـة ّ وبخاصـ ٍـة ـال ونشــاطِ ِه ْم، ـن وآخـ َـرُ ...م َّ ستحس ـ ٌن ل َّ ِّ َ ِ ِ ِ َحسـ ِ ـن وظيفتِهــا». ل َّ ـم وت ُّ صحــة أذهان ِهـ ْ رتكـ ًـزا علــى ِ ـغ حينَهــا ،فمــا َز َعم ـه لــم ي ُك ـن م ِ الع ْل ـ ِم ،ب َقــدْ ِر مــا َ َ كان (أومســتد) ُيبالِـ ُ كان ُمســتنِدً ا إلــى َ ُ ْ َ ْ ُ ـخصي ،لك ـ َّن َحدْ َس ـ ُه َ ذاك َ كان ل ـ ُه تاريـ ٌ َحدْ ِسـ ِـه َّ اح الشـ ـخ طويـ ٌـل؛ فقــدْ ع َّبـ َـر (باراسيلســوس) الجـ ّـر ُ ِّ ـك الحــدْ ِ ِ ِ ِ ـبَّ : «إن ف ـ َّن س ن ْفســه عندمــا َك َتـ َ ـادس عشـ َـر ع ـ ْن ذلـ َ َ السـ َ السويسـ ُّ ـي فــي القـ ْـرن ّ ـري األلمانـ ُّ ّ ِ ِ ِ هــو مــ َن ال َّطبيعــة ،ال ال ّط ِ ــب ّ ِّ اإلنجليــزي (ويليــام ــاعر ُّ تعج َ بيــب» ،وفــي عــام َّ 1798 الشــفاء َ الش ُ يجلــس علــى ِضفـ ِ وردســميث) ،وهــو ِ ـف َّ أن «ال َع ْي ـ َن ا ّلتــي ت ُِقـ ُّـر بتأثيـ ِـر االنســجا ِم ـاف نهـ ِـر (واي) كيـ َ ُ َ ِ ِ ـاب آخـ َ ـاص ِمـ ْن ُح ّمــى العا َلـ ِم» ،كمــا َو ِر َ ـرون وجهـ َة النَّظـ ِـر ث ُك ّتـ ٌ الموجــود فــي ال َّطبيعــة تو ِّفـ ُـر الخـ َ ِ ِ ِ تل ـكَ ،وجن ًبــا إلــى َجنْـ ِ ـب (أومســتد) « ُمهنـ ِـد ِ ـاس المناظـ ِـر ال َّطبيع َّيــة» ،ف َقــدْ أوجــدَ هــؤالء األسـ َ س َ ِ هــات الوطني ِ ِ ِ ــة األولــى فــي العا َلــ ِم ،زاعميــ َن َّ أن تنز وحانــي الر الم َّ ّ للمطا َلبــة بإنشــاء ُ والعاطفــي ُ َّ َّ ّ ِ لل َّطبيعــة ُقـ ًـوى شــافي ًة. ِ ِ ِ ـم ت ُكـ ْن هنـ َ المستشــر َي ِة فمشــاك ُل ِّ الص َّحــة العا َّمة ُ ـاك أد َّلـ ٌة دامغـ ٌة حينَهــا ،أ ّمــا اليــو ُم فاألد َّلـ ُة موجــودةٌَ ، لـ ْ ـاب ،وظاهـ ِ ـرة ِق َصـ ِـر النَّ َظـ ِـر واســع ُة االنتشـ ِ ـل ال َبدانـ ِـة ،واالكتئـ ِ ِم ْثـ ِ ـار ،جمي ُعهــا ُمرتبِـ ٌ واضحــا ـط ارتبا ًطــا ً ِ ـاس فــي األماكـ ِ المغل َقـ ِـة. باألوقــات ا ّلتــي ُيمضيهــا النّـ ُ ـن ُ ِ العلمــاء علــى البح ِ َ ــث باهتمــا ٍم ُمتجــدِّ ٍد فــي وغيــر ُه ِمــ َن ــز ْت (ســتراير) تلــك األمــراض قــدْ ح َّف َ ُ ْ َ ـض التَّطــو ِ موضــو ِع تأثيـ ِـر ال َّطبيعـ ِـة فــي أد ِم َغتِنــا وأجسـ ِ وتأسيســا علــى بعـ ِ رات فــي مجا َلـ ِ ـي العلو ِم ـامنا، ُّ ْ ً وغامضــا ،وهـ ِ العصبيـ ِـة ِ ـس ،ف َقــدْ َبــدؤوا بقيـ ِ وع ْلـ ِم النَّ ْفـ ِ ـاس مــا َ ـات-ا ّلتي كان ســاب ًقا ُمقدَّ ًســا ـذه القياسـ ُ ً َ ّ ٍ ـواج الدِّ ماغيــةِ، ِ ِ ِ بمعــدَّ ِل َن ْبـ ِ ـض القلـ ِ ـب ،فاألمـ ِ ّ ـرورا ُ تَشـ َـم ُل ك َُّل شــيء ابتــدا ًء مـ ْن هرمونــات اإلجهــاد مـ ً ـض الوقـ ِ وانتهــاء بعالمـ ِ ـات البروتيـ ِ ـت فــي ال َّطبيعـ ِـة فـ َّ ـإن َ «شــي ًئا ـير إلــى أنَّنــا عندمــا نُمضــي بعـ َ ـن -تُشـ ُ ً ـج عـ ْن ذلـ َ ـك» علــى حــدِّ َقـ ْـو ِل (ســتراير). عظيمــا َين ُتـ ُ ً ِ ِ وقــدْ ح َّلـ َـل باحثـ َ ِ ـب فــي جامعـ ِـة (إكســتر) بانجلتــرا َّ الص َّحـ ِـة النَّ ْفسـ ّي ِة مؤخـ ًـرا بيانــات ِّ ـون مـ ْن كُل َّيــة ال ِّطـ ِّ ٍ ِ ـرة ِ لِع َشـ ِ ِ ِ َعملوا خرائـ َ ـط شــديد َة الدِّ َّقـ ِـة لِ َت َت ُّب ـ ِع المناطـ ِـق ا ّلتــي آالف شـ َ المــدن ،واس ـت َ ـخص م ـ ْن ُس ـكّان ُ ِ توصلــوا إلــى َّ ـي ْ أن عشــر َة َســن ًة ،وقــدْ َّ ْهم الدِّ راس ـ ُة علــى مــدى ثمانـ َ ســكنَها هــؤالء ا ّلذيــن شــم َلت ُ ِ ِ ِ ِ ـخاص ا ّلذيــن يعيشـ َ ـم، ـون فــي َمناطـ َـق أقـ َ األشـ َ ـرب للمســاحات الخضــراء كانــوا أقـ َّـل شــكوى مـ َن ال َغـ ِّ 228 ةّيتامولعملا ُصوصّنلا ِ ـج ليأخــذوا فــي االعتبـ ِ ـتويات الدَّ ْخـ ِ ـك بعــدَ تعديـ ِ وذلـ َ ـل النَّتائـ ِ ـل وال َّثقافـ ِـة والوظيفـ ِـة (وك ٌُّل منهــا ـار مسـ الص َّحـ ِـة). عامـ ٌـل مؤ ِّثـ ٌـر فــي ِّ فريــق ِمــن الباحثيــن الهولندييــن معــدَّ ٍ ِ الت أ َق َّ عشــر لظهــور خمســ َة ــل ٌ وفــي عــا ِم َ 2009وجــدَ َ َ َ ّ َ ُ ـرض القلـ ِ ـي -لــدى ـاب والقلـ َـق ومـ َ ً والصـ َ والربـ َـو ُّ والس ـك َّ مرضــا -تَشـ َـم ُل االكتئـ َ ـداع النِّصفـ َّ َّري َّ ـب ُّ ـاحات الخضـ ِ ِ ـن ِ ـم أكثـ َـر ِم ـ ْن كيلومتـ ٍـر واحـ ٍـد عـ ِ النّـ ِ ـراء. المسـ ـاس ا ّلذي ـ َن ال تَب ُعــدُ مناز ُلهـ ْ ـات الــوارد َة فــي اســتِبان ٍَة صحيـ ٍـة َشـ ِ ـث دولــي اإلجابـ ِ وفــي عــا ِم 2015جمــع فريـ ُـق بحـ ٍ ـم َل ْت واحــدً ا َّ ْ َ َ ٍّ ـات مــع خريطــةِ ـك اإلجابـ ِ ِ ِ ِ ِ ٍ ـخص م ـ ْن ُس ـكّان مدينــة تورنتــو الكند ّيــة ،فربطــوا تلـ َ ـف شـ وثالثي ـ َن ألـ َ َ ٍ ٍ ِ أن َمـ ْن يعيشـ َ وو َجــدوا َّ ـم عــد ًدا َنيَ - ـون فــي ُمر َّبعــات َسـكَن ّية ت َُضـ ُّ بمر َّبـ ٍع َسـك ٍّ المدينةُ -مر َّب ًعــا َسـكَن ًّيا ُ ــة ت ِ ــة واأليضي ِ ــرون ارتفا ًعــا فــي مســتوى صحتِهــم القلبي ِ ِ األشــجار كانــوا ُي ِ ظه َ ُعــاد ُل مــا أكبــر ِمــ َن ْ ّ ّ َّ ُ َ يشــهدُ ه المــرء عندمــا يحصـ ُـل علــى زيـ ِ ٍ ـادة َد ْخـ ٍ دوالر ،كمــا ُو ِجــدَ ْت عالق ـ ٌة ـف ـل بواق ـ ِع عشــري َن ألـ َ َ ُ َ َ ُ ُ المســاحاتِ ـب ِ ٍ ِ ِ ٍ ـش إلــى َجنْـ ِ بيـ َن ُمعــدَّ الت أدنــى للوف ّيــات ،وهرمونــات إجهــاد أ َقـ َّـل فــي الــدَّ ِم ،وال َعيـ ِ الخضـ ِ ـراء. ِ ـذه الدِّ راسـ ِ ـتخلص ِم ـن هـ ِ أن يسـ ِ ـاس َيش ـ ُع َ ـات َّ رون الشــي َء ا ّلــذي َيج َعـ ُـل النّـ َ ْ َ ـب علــى المــرء ْ َ و َيص ُعـ ُ ِ ٍ ِ ِ ِ ـي؟ َأ ْم َّ المتش ـ ِّع ِبة تُح ِّفـ ُـز علــى أن ب ْعـ َ ـض األلــوان واألشــكال ُ الســعادةَ :أ ُتــرا ُه الهــوا ُء النَّقـ ُّ بمزيــد م ـ َن َّ أن الموضــوع ببسـ ٍ القشـ ِ دة فــي ِ ُّل مــواد كيميائيـ ٍـة عصبيـ ٍـة محــدَّ ٍ ـرة ال َب َصر ّيـ ِـة أل ْد ِم َغتِنــا؟ َأ ْم َّ ـاطة هـ َـو َ ّ تَشـك ِ َ َّ ّ ُ ـون فــي أحيـ ٍ ِ ـاء أكثــر ُخضــر ًة يسـ ِ ـتعم َ ـاس ا ّلذيـ َن يعيشـ َ َّ الرياضـ ِـة َ َ أن النّـ َ مارســة ّ لم َ لون الحدائـ َـق العا َّمـ َة ُ َ عتقــدُ ه (ريتشــارد ميشــيل) وهــو اختصاصــي وبائيـ ٍ وكان هــذا مــا ي ِ ِ َ ـات ـم؟ ّ َ ُ َ ُّ غيرهـ ْ ممــا َيســتعم ُلها ُ أكثـ َـر ّ لــدى جامعـ ِـة (جالســكو) فــي اس ـكُتلنداّ ،أو َل األمـ ِـر. ـك بوجـ ِ ـود أسـ ٍ يقـ ُ ـباب ُأخــرى» ولكنَّـ ُه َأجــرى ب ْعــدَ ذلـ َ أشـ ُّ ـت ُ ـك دراسـ ًة كبيــر ًة أظهـ َـر ْت ـول« :لقــدْ كنـ ُ الت أقـ َّـل للوفيـ ِ معــدَّ ٍ ـات واألمـ ِ ـراض لــدى النّـ ِ ـاس ا ّلذيـ َن يعيشـ َ قربـ ٍـة ِمـ َن الحدائـ ِـق العا ّمـ ِـة ّ ـون علــى َم ُ ُ ِ ِ ِ ِ ويضيــف ميتشــيل« :ت ِ والمســاحات الخضــراء األُخــرى ،حتّــى ْ ُظه ُــر ــم يكونــوا َيســتعملونها، ُ إن َل ْ أكان هـ ِ ِ ِ ِ فضـ ًـا ع ـن ِدراسـ ِ ـات ِ للص َّحـ ِـة ســوا ٌء َ ـؤالء ِدراس ـتُنا ْ المجــدِّ دة ِّ ْ غيرنــا وجــو َد هــذه التّأثيــرات ُ ســون المشــي فــي ال َّط ِ بيعــة َأ ْم ال ُي ِ ّــاس ُي ِ ذلــك ،ف َقــدْ بــدا َّ َ َ أكبــر مارســو َن ُه» ،عــاو ًة علــى مار الن ُ أن َ َ أن وجــود المـ ِ ـاس األدنــى د ْخـ ًـا؛ ِ ـرء إلــى َجنْـ ِ ـت لــدى النّـ ِ ـف ميتشــيل َّ ـب ال َّطبيعـ ِـة إذ اكتَشـ َ المنافـ ِع كانـ ْ َ َ ٍ ِ ـي. الس ـ َّل ِم االجتماعـ ِّ المــدن َيرف ُع ـ ُه درجــات فــي ُّ فــي ُ 229 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ِ بخ ْفـ ِ ـرون هـ َـو َّ ـون آخـ َ مــا َيظنُّـ ُه ميتشــل وباحثـ َ أن الطبيع ـ َة َتؤ ِّثـ ُـر فينــا بالدَّ رجـ ِـة األولــى َ ـتويات ـض مسـ ـجر والع ْشـ ِ ِ ِ ِ ِ َ ـتطيعون رؤيـ َة َّ قار َنـ ًة ـاس ا ّلذيــن يسـ الشـ ِ ُ اإلجهــاد لدَ ينــا .وقــدْ أظهـ َـر النّـ ُ ـم ُ -م َ ـب مـ ْن نوافذهـ ْ ِ ِ ِ ِ َ أفضــل المستشــفيات وأدا ًء ــم فــي بمــ ْن َل أكبــر فــي اســتعادة عافيت ِه ْ ديهــم َمشــاهدُ رديئــ ٌةُ -ســرع ًة َ ْ َ ِ َنســجم هــذهِ ـف ،وت ِ ِ فــي المـ وســلوكًا أ َقـ َّـل ُعدوان ّي ـ ًة فــي األحيــاء ا ّلتــي َيك ُثـ ُـر فيهــا ال ُعنْـ ُ ُ ـدارس ،بـ ْـل ُ ـات الدِّ راسـ ِ النّتائــج مــع محصـ ِ ـات التَّجريب ّيـ ِـة للجهـ ِ ـات ك ٍُّل ِم ْن ـير قياسـ ُ المركـ ِّ ُ ْ ُ ِّ ـزي؛ إ ْذ تشـ ُ ـي َ ـاز ال َعصبـ ِّ ِ ِ ٍ ِ هرمونـ ِ ـس ون ْبـ ِ ـض القلـ ِ ـات اإلجهــاد والتَّن ُّفـ ِ ـب والتَّعـ ُّـر ِق إلــى َّ أن ُجرعــات قليل ـ ًة م ـ َن ال َّطبيعــة -بـ ْـل ـين ِ ـاس وتَحسـ ِ ـوس النّـ ِ وح ّتــى ُصـ َـو ٍر ِم ـ َن عا َل ـ ِم ال َّطبيعـ ِـة -لدَ يهــا ال ُقــدر ُة علــى تهدئـ ِـة نفـ ِ ـم. أدائهـ ْ ِ ِ ـت السـ َـو ْي ِد ،بدراسـ ِـة مجموعـ ٍـة ِمـ َن األشـ ـخاص كا َنـ ْ وقــدْ قا َمــت ال َّطبيبـ ُة (ماتيــا فــان دن بــوش) فــي ُّ جهـ ٍ قــدْ ك َّلفتْهــم بحـ ِّـل مسـ ٍ ِ ِ ـألة رياض ّيـ ٍـة ُم ِ ـدة ،فاكتش ـ َف ْت َّ ـم (ا ّلــذي أن تفـ ُ ْ َ ـاو َت ُمعــدَّ ل خ َفقــان قلوبِهـ ُ ٍ ِ ِ ِ ِ ـص عــاد ًة عنــدَ اإلجهــاد) َ ـس ْ عشــر َة بســرعة ،عندمــا كا َنـ ْ ـهم خمـ َ َين ُقـ ُ ـت تُجل ُسـ ْ كان يعــو ُد إلــى طبيعتــه ُ دقيقـ ًة فــي ُغرفـ ِـة للواقـ ِع االفتراضــي ،تَعـ ِـر ُض فيهــا صــورا ثالثيـ َة األبعـ ِ ـاد لِمشــاهدَ طبيع ّيـ ٍـة مصحوبـ ٍـة ّ ُ ًَ ِّ ـوس فــي ُغرفـ ٍـة عاديــةٍ. بتغريـ ِـد ال ُّطيـ ِ ـدل ِمـ َن الجلـ ِ ـور بـ ً ّ عشــر َة دقيقـ ًة فــي الغابـ ِـة ينتِــج تَغيـ ٍ ِ ِ ـخاص تكـ ُ ـت َّ ـس ْ ـون قابل ًة ـرات َلــدى األشـ وث َبـ َ ُ ُ ّ ـي لمــدَّ ة خمـ َ أن المشـ َ للقيـ ِ ـون يابان ّيـ َ ـاس ِمـ َن النّاحيـ ِـة الفســيولوج ّي ِة ،فل َقــدْ قــا َم باحثـ َ برئاسـ ِـة (يوشــيفومي ميازاكــي) فــي ـون َ ـال أربعـ ٍـة وثمانيـن شــخصا متطو ًعــا إلــى ســب ِع غابـ ٍ ِ جامعـ ِـة (تشــيبا) بإرسـ ِ مختلفـ ٍـة ل َي ّ تمشــوا فيهــا، ـات ً ُ ِّ َ ِ ِ ـون فــي مراكـ ِـز المـ ِ علــى حيـ ِ ـدن ،وقــدْ َ تمشـ َ تطوعي ـ َن َي َّ ـب كسـ ُ الم ِّ كان َم َ ُ ـن جعلــوا عــد ًدا ُمماثـ ًـا م ـ َن ُ ـم هبـ ٌ ـي فــي الغا َبـ ِـة هائـ ًـا؛ إ ْذ حــدَ َ ا ّلذي ـ َن اس ـت َ المشـ ِ ـي فــي ُمســتوى ـوط إجمالـ ٌّ ث عندَ هـ ْ َرخوا نتيج ـ َة َ ـوط بواقـ ِع %2فــي ض ْغـ ِ ـون اإلجهـ ِ ـط الــدَّ ِم ،وهبـ ٌ ـاد (الكورتيســول) بواقــع ،%16وهبـ ٌ ِهرمـ ُ ـوط بواقـ ِع أن أجســامنا تَســترخي فــي األجـ ِ %4فــي ن ْبـ ِ ـض القلـ ِ ـب ،و َيعتِقــدُ ميازاكــي َّ ـواء ال َّطبيع َّيـ ِـة ال َّلطيفـ ِـة؛ ألنَّنــا َ ـات ِ ـير المعلومـ ِ نشـ ْـأنا فيهــا فــي األصـ ِ بشـ ًـرا؛ ولــذا فـ َّ ـل بص َفتِنــا َ ُكنّــا قــدْ َ ذات ـإن حواســنا مه ّيــأ ٌة لتَفسـ ِ َ َّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ السـ ِ ـحاب علــى حــدِّ قولِـ ِـه. ِّ الصلــة بالنّباتــات والجــداول المائ ّيــة ،ال الحركــة المرور ّيــة وناطحــات َّ ــات ال َّطبيعي ِ أي خــاص بالمحمي ِ ِ للــر ِ ــرا َّ جــري َّ أن نســب َة المراهقيــ َن ــة ُأ وقــدْ َ ّ َ ّ ٌّ أظهــر اســت ٌ مؤخ ً طالع َّ َ ِ ِ األمريك ّييـ َن ا ّلذيـ َن ُيمضـ َ ـاوز %10تقري ًبــا ،كمــا ـم فــي الهــواء ال َّط ْلـ ِـق ك َُّل يــو ٍم ال تَتجـ ُ ـون ب ْعـ َ ـض وقتهـ ْ ِ َّ ممــا ُيمضو َن ـ ُه داخـ َـل أن األمريك ّيي ـ َن البالغي ـ َن ُيمضــون وق ًتــا أقـ َّـل خـ َ ـم والمبانــي عمو ًمــا ّ ـارج بيوتهـ ْ ِ ِ ِ ِ ِ ـاس ال ُيقــدِّ َ ـمَّ . ـم فــي الخـ ِ ـارج إن النّـ َ هم ْ رون مــدى تأثيـ ِـر وجودهـ ْ أي أقـ َّـل م ـ ْن %5م ـ ْن يومهـ ْ س ـ ّيارات ْ 230 ةّيتامولعملا ُصوصّنلا ِ الســعاد َة َتتَأ ّتــى ِمـ ْن أشــيا َء ُأخــرى ِم ْثـ ِ هم ،فنحـ ُن إجمـ ً ـال نُف ِّكـ ُـر َّ ـل التَّسـ ُّـو ِق أو أن َّ فــي مســتوى ســعادت ْ مشـ ِ ـاهدة التِّلفـ ِ ـاز. ُ ول ،تُشــجع الجهــات الحكومي ـ ُة علــى االرتمـ ِ ِ ـاء فــي أحضـ ِ ـض الــدُّ ِ وفــي بعـ ِ بوصفهــا ـان ال َّطبيعـ ِـة، ُ ّ ِّ ُ الت ِ سياسـ ًة للصحـ ِـة العامـ ِـة ،ففــي فنلنــدا مثـ ًـا -وهــي بــاد تعانــي معــدَّ ٍ مرتفعـ ًة لالكتِئـ ِ ـب ـاب -ط َلـ َ ٌ ِّ َّ َ َّ ِ ِ ـون تُمولهــم الحكوم ـ ُة إلــى ِ ـم مشـ ِ ِ ـم آالف األشـ هم ومســتويات اإلجهــاد لدَ يهـ ْ ـاعر ْ ـخاص تقييـ َ باحثـ َ ِّ ُ الزيـ ِ بعــدَ زيـ ِ ـارة ،فـ َّ ـج تلـ َ حضر ّيـ ٍـة ،وبنــا ًء علــى نتائـ ِ عهـ ِـد ـك ّ ـارة مناطـ َـق طبيع ّيـ ٍـة و ُأخــرى َ ـإن فريـ َـق َم َ ْ ِ ٍ وقــت فــي ال َّط ِ ٍ صــاد ِر ال َّطبيعي ِ ِ ِ بيعــة ال ِيق ُّ ســاعات فــي خمــس ــل عــن بقضــاء ــة يوصــي للم ّ فن َلنــدا َ الشـ ِ ـور ِع ْلـ ِم النَّ ْفـ ِ ـس (كاليفــي كوربيــا) َّ َّ ـراوح بيـ َن أربعيـ َن ـي مــدَّ ًة تَتـ ُ أن المشـ َ ـهر ،كمــا َيــرى بروفيسـ ُ ـرات فــي ِ ـرات ن ْفس ـي ٍة و تغييـ ٍ ـداث تغييـ ٍ وخمســين دقيق ـ ًة يبــدو كافيــا إلحـ ِ األرجـ ِ المـ ِ ـح ـزاج ،وعلــى َ ّ ً َ روب لل َّطبيعــةِ ِ تغييـ ٍ نحـ ِـو س ـتّة ُد ٍ ـرات فــي التَّركيـ ِـز ً ـور فــي تَصمي ـ ِم ْ أيضــا ،وقــدْ ســاعدَ هــذا البروفيسـ ُ ـاه وال َّت َف ُّكـ ِـر ،وتوجــدُ علــى هـ ِ ـي واالنتبـ ِ ِ ـذه الــدُّ ِ المشـ ِ روب ُيسـ ّـميها َ «دروب التَّقويــة» تُشـ ِّ َ ـج ُع علــى َ ـات ت ِ ـائل ِمثـ َـل «اجلـ ِ َحمـ ُـل رسـ َ ـس نبا ًتــا». الفتـ ٌ ـس ال ُقر ُفصــا َء والمـ ْ ِ ِ ِ منهــم فكثيــر الجنوب ّييــ َن، أكثــر شــ َغ ًفا بالت ور ّبمــا ال يوجــدُ َأ َحــدٌ َّطبيــب بال َّطبيعــة مــ َن الكور ّييــ َن َ ْ ٌ ُ ِ األجهــزة الر ْقمي ِ ِ ِ َ غوطــات الدِّ راســ ّي َة ّ ــق والض وإدمــان العمــل، ُيعانــي إجهــا َد وو ْف َ ــةُّ ، الشــديدةََ ، َّ َّ ـإن أكثــر ِمـن ِ %70مـن هـ ِ ـون َّ ـؤالء يقولـ َ ـم ْ أجر ْتـ ُه َشــرك ُة (سامســونج) فـ َّ َ ْ ـم تُصي ُبهـ ْ إن َوظائ َفهـ ْ اســتطال ٍع َ ٍ ِ باالكتئــاب؛ إ ْذ ت ِ ِ ســاعات طويلــ ًة ِمــ َن ال َع ِ مــل. ــب َشــته ُر بكَونهــا تتط َّل ُ وإلــى غابـ ِـة ســانيوم لالستشـ ِ ـفاء ِ الح َضر ّيـ َ الزائـ َ الواقعـ ِـة َشـ َ ـون ا ّلذيـ َن ـرق العاصمـ ِـة ســيؤول َي ِفــدُ ّ ـرون َ ـك الهــواء الم ِ ِ ٍ ٍ ِ ِ ِ نعـ ُ ـش، المكتســي ُة بــرداء زاه م ـ َن األوراق ُمتغ ِّيــرة األلــوان ،وكذلـ َ َ ُ ُ ـجار ُ ـم األشـ ُ اجتذ َبتْهـ ُ ـات َخشــبي ٍة فــي ُفسـ ٍ ـوق ِمنَصـ ٍ ـراج .كمــا ن ِ وسـ َ ـط األحـ ِ َجــدُ َمجموع ـ ًة ِم ـ َن ـراص ُ َ َّ ـم فـ َ ّ و َيتـ ُّ ـحة ْ بعضهـ ْ ِ الرجـ ِ ـم ُي ِ ده َ مارسـ َ ـال ُيمضـ َ المشـ ِ هم ـي االسـ ـون (اليوغــا) ،و َي َ الصبـ َ ـون َّ نون ســواعدَ ْ ـتجمامي ،ثـ َّ ِّ ـاح فــي َ ِّ ـار الجا َّفــةِ. ِ ٍ ِ ـون لوحــات م ـ َن األزهـ ِ الخزامــى ،و َيصنَعـ َ و ُيدَ ِّلكونهــا بزيــت ُ ـات مخصصـ ٍـة رســميا لالستشـ ِ ـاث غابـ ٍ و ُتعــدُّ غابـ ُة ســانيوم واحــد ًة ِمـن ثـ ِ ـفاء فــي كوريــا الجنوب ّيـ ِـة، ًّ َّ ْ َ ِ ِ ِ ـص أرب ـ ٍع وثالثي ـ َن غاب ـ ًة ُأخــرى لل َغـ َـر ِ ممــا المز َم ـ ِع تخصيـ ُ ض ن ْفســه فــي أفـ ِـق عــام ّ ،2017 وم ـ َن ُ ســتكون علــى مقر ٍ ــل الم ِ ُ يعنــي َّ بــة ِمــ ْن إحداهــا .وتُقــدِّ ُم جامعــ ُة (تشــونغبوك) ــدن الكبــرى َ ُ أن ُج َّ ُ ـات» إ ْذ تتو َّقــع دائــر ُة الغابـ ِ ـاج بالغابـ ِ َبرنا َم ًجــا دراس ـ ًّيا َينـ ُ ـات الكور ّيـ ِـة ْ ـال فيـ ِـه ال َّطلب ـ ُة شــهاد َة «عـ ٍ أن ُ 231 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ـف َخمسـ ِ ٍ ِ المقبلتَيـ ِ الســنت ِ ـمئة حـ ِ ـن. تُو ِّظـ َ َين ُ ـي فــي َّ ـارس غابــة ص ّحـ ٍّ َ ِ الغابــات الكوري ِ ِ ِ ِ َ فيمــا مضــى َ هــم ِمــ َن ــة) ُي (دائــرة كان ُعلمــا ُء ّ جــرون ُبحو ًثــا علــى َمحصــول غابات ْ يــوت ِ ِ ِ الخ ِ أيضــا ُي َق ِّط َ َ درســونَها بعــض الع ْطر ّيــ َة ِمــ ْن الز َ ــرون ُّ ــم ً شــب؛ أ ّمــا اليــو َم ُ أشــجارها و َي ُ فه ْ ـراض الربـ ِـو .وب َف ْض ِل السياسـ ِ ِ ِ ِ ِ ليكتِشــفوا ُقدرتَهــا علــى َخ ْفـ ِ ـات ـض ُمعــدَّ الت هرمونــات اإلجهاد ،وأعـ ِ َّ ْ ّ ـدة ف َقــدْ ازداد َعــدَ د ُزو ِار غابـ ِ الجديـ ِ ـون زائـ ٍـر عــام 2010إلــى 12.8مليـ ِ ـات كوريــا ِمـن 9.4مليـ ِ ـون ْ ُ ّ َ َ زائـ ٍـر عــا َم .2013 ِ ِ ِ ِ أي آثـ ٍ َّ وظائفـ َ ـك اإلدراك ّيـ ِـة ـار جانب ّيـ ٍـة ،و ُيمكنُـ ُه تحســي ُن ـاج ال َيحمـ ُـل َّ ـع ال َّطبيعــة هـ َـو عـ ٌ إن التَّفا ُعـ َـل مـ َ بيعــة ال َّ ِ لــة إنّنــا نَخــرج إلــى ال َّط ِ اإلطــاق ،وفــي المحص ِ تكاليــف مادي ٍ ِ ــم ــة علــى أي َ ُ ُ ُ ِّ ّ بِــا ِّ ألن الع ْل َ ِ ـأن لهــا تأثيـ ًـرا ُمع َّينًــا فينــا ،بـ ْـل بسـ ِ ُيخبِ ُرنــا بـ َّ ـاعر. ـبب مــا تُثيــر ُه فينــا م ـ ْن أحاسـ َ ـيس ومشـ َ 232 ةّيتامولعملا ُصوصّنلا بالستيك؟ كيف نحيا بِال َ َ * ِ ِ أتــاح البالســتيك فــي عــا ِم 1907 ــر ــم جديــدٌ فــي حياتِنــا؛ ف َقــدْ َ َ أشــر َق ْ انفتــح عا َل ٌ عص ُ عندمــا َ قاومـ ِـة للكَسـ ِـر إلــى ِق َطـ ِع اآلليـ ِ ـتيك صنْــع أشــياء كثيـ ٍ ِ ـرةِ ،مـ ْن أكـ ِ ـات الحرب ّيـ ِـة. ّ البالسـ ُ ُ َ ْ الم ِ َ ـواب األطفــال ُ َ ِ ِ ِِ ِ ـتيك بِ َشـ ٍ ِ فأقبـ َـل العا َلــم علــى البالسـ ِ ـان ال َّلتـ ِ وهمــا الص َفتـ ِ ـان َأدخ َلتانــا ـراهة لتَعــدُّ د اســتعماالته و َمتانَتــهُ ، َ ِّ ُ ِ ِ ِ ِ َ األزمــة ا ّلتــي نُعانــي منهــا حال ًّيــاَ . هنــاك ــت فــي فليس ْ حســناته إنَّــ ُه «يــدو ُم إلــى األ َبــد» َ قيــل فــي َ ـذه المــواد االصطناعيـ ِـة المع َّقـ ِ هضـ ِم هـ ِ ـدة ا ّلتــي تُشـ ِّك ُلها سالسـ ُـل طويلـ ٌة كائنـ ٌ ـات ح َّيـ ٌة قــادر ٌة علــى ْ ِّ ّ ُ أيضــا مشـ ِ ِ ِ ِ ِ ـكل ٌة كُبــرى؛ م ـ ْن َح َلقــات الكربــون ال تسـ ُ ـي ً ُ ـتطيع ال َّطبيع ـ ُة تفكيكَهــا ،لك ـ َّن هــذه الميــز َة هـ َ ــر أو فــي ال َّط ِ آالف الســنين ِمــن ِ البالســتيك فــي َم ْط َم ٍ دون ْ «الو ْح ُ ُ ــش» بيعــة ف َقــدْ َيبقــى أن َيتح َّل َــلَ . َ ِّ َ ْ ـب قاتـ ٍم ،ومــا ِز ْلنــا نسـ ِ ـتخدمها علــى نطـ ٍ ذات جانـ ٍ ـاق واسـ ٍع ماثِـ ٌـل بينَنــا .لدينــا مــا ّد ٌة عجائب ّيـ ٌة ،لكنّهــا ُ ُ دائمــا. ُمغ ِّيري ـ َن ال َبـ َّـر ْ والبحـ َـر تغييـ ًـرا ً ظلــم ِم ـن هـ ِ ِ ـت معروف ـ ًة علــى نِطـ ٍ ـاق واس ـ ٍع َ ـذه ولعـ َّـل حقائـ َـق كثيــر ًة أصبحـ ْ الم َ ْ اآلن تُؤ ِّكــدُ الجانـ َ َ ـب ُ ِ ِ ورا كبيـ ًـرا فــي الحـ ِ الر ْغ ـ ِم ِم ـ ْن َّ أن البالسـ َ ـرب العالم ّيـ ِـة ال ّثانيـ ِـة؛ ـتيك أ ّدى َد ً المــا َّدة العجائب ّيــة؛ ف َعلــى َّ ِ ِ ِ ٍ ِ المــوا ِّد ِ اداراتّ ،إل َّ أن العازلـ ِـة للـ ّـر الم ْركَبــات العســكر ّية إلــى َ ـم اســتعما ُل ُه فــي ك ُِّل شــيء م ـ َن َ إ ْذ َتـ َّ ـك الفتـ ِ ِ كات البِتـ ِ ـف ب ْعــدَ ْ وزارهــا؛ ففــي تلـ َ ـع األ ْمـ َـر اخ َت َلـ َ ـت شـ ِـر ُ ـرة َبنَـ ْ ـرول َمصانـ َ أن َو َض َعــت الحـ ْـر ُب َأ َ ب ،ولكـن ،بعــدَ انتهـ ِ ـتيك) اســتجاب ًة لِمتط َّلبـ ِ ـط الخــا ِم إلــى (بالسـ ٍ ـل النِّ ْفـ ِ ـاء الحـ ْـر ِ ـات الحـ ْـر ِ لتحويـ ِ ب، ْ ْ ُ ِ ِ ِ َجاوزهــا بابتـ ِ ـتعماالت ـكار أنــوا ٍع ال تُحصــى ِم ـ َن االسـ واجهـ ْ ـم ت ُ َ ـت صناع ـ ُة البالســتيك ُمشــكل ًة َتـ َّ ـدة لهـ ِ الجديـ ِ ـذه المــا َّد ِة. ِ ِ وأن حوا َلــي ثالثِمئـ ِـة ِمليـ ِ ِ كمــا َّ نحـ َـو ِ %8مـ ْن إنتـ ِ ـون ـيَ َّ ، ـاج البالســتيك َيســتهل ُك ْ أن إنتـ َ ْ ـاج النِّ ْفــط العا َلمـ ِّ ـون ُط ـن ِمنهــا تقريبــا فــي المحيطـ ِ ُط ـن ِم ـن البالسـ ِ ـتيك تُصنَّــع ســنويا ينتهــي ثماني ـ ُة ِمليـ ِ ـات حيـ ُ ـث ً ٍّ ًّ ُ ٍّ َ ُ ـاق المحيطـ ِ ِ آلالف الســنين ،وهــو موجــود فــي ك ُِّل مـ ٍ ـكان ِم ـ ْن أعمـ ِ ـع ْ ـات إلــى جليـ ِـد أن َيبقــى ٌ َ ِّ َ ُيتو َّقـ ُ ُ طامــر ي ِ ِ ال ُق ْطـ ِ مكـ ُن ْ ـك فـ َّ ـإن البالسـ َ ـمالي .باإلضافـ ِـة إلــى ذلـ َ ـب َّ ـح أن ت َْر َشـ َ ـتيك ا ّلــذي ُيد َفـ ُن فــي َم َ ُ الشـ ِّ ِ الجوف ّيـ ِـة. ـار ٌة تَتسـ َّـر ُب إلــى الميــاه َ من ـ ُه َمــوا ُّد كيميائ ّي ـ ٌة ضـ َّ مئة َنــو ٍع ِمـن األحيـ ِ ـاء البحريـ ِـة ابتَلعـ ْ ِ ـات عـن أكثــر ِمـن سـب ِع ِ ـع و َث َّمـ َة بيانـ ٌ ـت ق َط ًعــا بالســتيك ّي ًة ،و َيتو َّقـ ُ َ ّ َ ْ َ ْ ْ البيئة وال َّت ِ ِ نمية ،مارس-إبريل ( 2016بِ َت َصر ٍ ف) *) مج َّل ُة ُّ 233 كتاب النصوص للصف احلادي عشر لــول س ِ ِ ِ البالســتيك فــي أجســا ِم ِ %99مــ َن ال ُّط ِ العلمــا ُء ْ ــنة .2050 أن ُيع َث َــر علــى يــور البحر ّيــة بِ ُح ُ َ ِ نقــل ألنــوا ٍع غازي ٍ ِ ٍ َ يــدان ــة ِمــ َن وســائل ُّفايــات البالســتيك ّي ُة العائمــ ُة وتُشــك ُِّل الن األســماك والدّ ُ َ ِ ب القـ ِ ـب ممــا يتس ـبب فــي فوضــى بيئيـ ٍـة؛ ف َقــدْ ُعثِــر فــي جزيـ ٍ ـرة غـ ْـر ِ الجنوب ّيـ ِـة ـارة ال ُقطب ّيــة َ ّ وال َّطحالـ ِ ّ َ َّ ُ ّ َ ِ ٍ ِ الل َفقاري ِ علــى َع َش ِ خيلــة م ِ ــرة أنــوا ٍع ِمــ َن ّ الجليــد. ُفايــات بالســتيك ّي ٍة علــى لتصقــ ًة بن ــات الدَّ ّ ُ ِ خمسـ ِ ِ ـم ِئة بليـ ٍ ـون ِمـ َن األكيـ ِ ـات َّ ـتعم ُل ك َُّل سـن ٍَة حـ ْـو َل نحـ َـو وتُقــدِّ ُر اإلحصائ ّيـ ُ أن ْ ـاس البالســتيك ّية تُسـ َ ـدة .وأ َّنـه َتــم تصنيــع كميـ ٍـة ِمـن البالسـ ِ ـس فــي الدَّ قيقـ ِـة الواحـ ِ العا َلـ ِم ،أي أكثــر ِمـن مليـ ِ ـون كيـ ٍ ـتيك فــي َ ُ ّ َ ْ ْ ُ َّ ِ ِ ِ ـت ِصناع ُتـ ُه فــي ك ُِّل القـ ْـر ِن الماضــيَّ . وأن تمـ ْ الســنوات ال َعشـ ِـر األولــى مـ ْن هــذا القـ ْـرن تَزيــدُ علــى مــا َّ ّ ِ ِ ِ ـتعم ُل مـ َّـر ًة واحــد ًة ف َقـ ْ ـم ُيرمــى ل ُيش ـك َِّل عب ًئــا علــى ـطُ ،ثـ َّ ـم إنتاج ـ ُه ُيسـ َ %50م ـ َن البالســتيك ا ّلــذي َيتـ ُّ ِ ِ الســني َن. األرض ال يمكـ ُن التَّخ ُّلـ ُ ـص منـ ُه آلالف ِّ دون بالسـ ٍ أن تَصــور حياتِنــا ِم ـن ِ ـتيك يبــدو أمـ ًـرا ُمسـ ً ـم َّ ـتحيل ّإل أ ّنــه َيبقــى َهد ًفــا نبيـ ًـا َيســعى ْ ُّ َ ور ْغـ َ َ ِ ٍ ِ ِ ـاس حـ ْـو َل العا َلـ ِم؛ ف ُي ِ إليــه الكثيـ ُـر مـ َن النّـ ِ حاولـ َ ـون اســتخدا َم بدائـ َـل صديقــة للبيئــة ،أو َ ـررا أخـ َّ ـف ضـ ً طامــر .وهـ ِ أ الم ِ ِ ِ ِ ِ ِ ـض األفـ ِ ـكار ـذه بعـ ُ َ م ـ َن البالســتيك ،ل ُيخ ِّففــوا م ـ َن النُّفايــات البالســتيك ّية ا ّلتــي تَم ـ ُ َ آالف النُّبـ ِ َنضــم إلــى ِ ِ ـاء حـ ْـو َل العا َلـ ِم ِم َّمـ ْن ُي ِ ـون باسـ ٍ حاولـ َ بتطبيقهــا ْ ـتمرار حمايـ َة ـتطيع َ ا ّلتــي تَسـ ُ أن ت َّ َ بالحيــاة إلــى صورتِهــا ال َّطبيعي ِ ِ ِ ــة بعيــدً ا ِ ِ ِ الســا َّم ِة للتَّصنيــ ِع عــن األرض ،والعــود َة كوكــب ّ اآلثــار ّ واســتخدا ِم المــوا ِّد َغيـ ِـر ال َّطبيع ّيـ ِـة: ٍ ِ ِ تَجنَّـ ِ ـتيكي فسـتَرى تفح ْصـ َ ـت الجانـ َ السـ ِّيئ َة مـ َن البالســتيك :إذا َّ ـب األنـ َ ـفلي لوعــاء بالسـ ٍّ السـ َّ ـب ُّ ـواع َّ ِ ٍ ِ ـي: ر ْق ًمــا مـ ْن 1إلــى 7داخـ َـل ُمث َّلــث؛ وأســو ُأ أنــوا ِع البالســتيك هـ َ ِ ـتيك ســام ِجــدًّ ا ،يحتــوي علــى إضافـ ٍ الرصـ ِ ـات ِم ْثـ ِ الر ْق ُم :3هـ َـو بالسـ ٌ ـتعم ُل ـاص والفثــاالت ،و ُيسـ َ ـل َّ ٌّ َّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ الرقيقــة وبعـ ِ ـوداني و ُل َعـ ِ ـب السـ ِّ ـض القواريـ ِـر و َأوعيــة ُزبــدة الفــول ّ فــي األغلفــة البالســتيك ّية َّ ِ األطفال . العصبــي .ويوجــدُ فــي األ ْطبـ ِ ـي مــا َّد ٌة ســا َّم ٌة للدِّ مــا ِغ والجهـ ِ السـ ِ ـاق َّ ـاز َ ِّ ـترين وهـ َ الر ْق ُم:6يحتــوي علــى ّ ِ ِ ِ ِ وأدوات ال َّطعــا ِم البالســتيك ّية ا ّلتــي تُرمــى ب ْعــدَ االســتعمال ،و َأوعيــة ال َّطعــا ِم الجاهـ ِـز. ِ ـول ويوجــدُ فــي مع َظـ ِم بِطانـ ِ الر ْقم:7يحتــوي علــى ُثنائــي الفينـ ِ ـات ُع َلـ ِ المعدن ّيـ ِـة وقواريـ ِـر ـب ال َّطعــا ِم َّ ُ ُ ِ ِ ِ الرياض ّيــة ،و َأوعيــة العصائـ ِـر والكاتشـ ِ ـاب. المشــروبات ّ 234 ةّيتامولعملا ُصوصّنلا ِ استعم ِل األَوعي َة َغ َير البالستيك ّي ِة. ِ اسـ ِ ـتخد ْم كو ًبــا بالســتيك ًّيا أو ُزجاج ًّيــا ،وحـ ِ ـواب البالســتيك ّي َة ا ّلتــي تُرمــى ب ْعــدَ ـاو ْل ّأل تَســتعم َل األكـ َ ٍ ِ ـيُ . وخـ ْـذ معـ َ ـع وجب ـ َة غذائـ َ أكياســا ُيعــا ُد اســتخدا ُمها إلــى ـك االسـ ـتعمالَ ،ضـ ْ ً ـك فــي وعــاء ُزجاجـ ٍّ الب ّقالـ ِـة أو سـ ِ الخضـ ِ ـوق ُ ـار. احمـ ْـل قــارور َة ميـ ٍ ال تشــرب مياهــا معبــأةًِ : ـاه ُزجاج ّي ـ ًة يمك ـ ُن إعــاد ُة تعبئتِهــا ،بــدَ ًل ِم ـ َن القواريـ ِـر ً ُ َّ َ ْ ـأة ا ّلتــي تُسـ ِـفر ع ـن نُفايـ ٍ ـزة المعبـ ِ الجاهـ ِ ـات بالســتيك ّي ٍة ال ُيعــا ُد تدويـ ُـر ّإل القليـ َـل منهــا. ُ ْ ُ َّ كبيــرة ِمــن ِس ٍ ٍ ــة أكبــر :شــراء كمي ٍ تســو ْق بكمي ٍ أكبــر ِمــ َن ــلعة أو مــا َّد ٍة ــة ُ ْ ُ ّ ّ َّ ــر كميــ ًة َ تحتــاج إليهــا يو ِّف ُ َ ٍ ٍ ِ الم ِ الوقــو َد ا ّلــذي ت ِ َحر ُقــ ُه ســ ّيارت َ تجــر. ــر َ ُك فــي رحــات إضاف ّيــة إلــى َ التَّغليــف ،كمــا يو ِّف ُ ف عن ِش ِ بات المعب ِ العصائر والمر ِّط ِ ِ قوارير بالستيك ّي ٍة. أة في راء َّ تو َّق ْ ْ َ ــةِ . ــة فــي قواريــر ُزجاجي ٍ مشــروبات غازي ٍ ٍ ِ األفضــل ْ َشــر َب ومــ َن يمكــ ُن ِشــرا ُء ّ ّ أن تــأك َُل فواكــ َه وت َ َ ِ ـروبات الغازيـ ِـة المليئـ ِـة بالس ـك َِّر اإلضافــي ِ ـتغني عـ ِ بالص َّحـ ِـة. ـن المشـ عصائـ َـر َ المضـ ِّـر ِّ ّ ِّ ُ ُّ طازج ـ ًة ،وتَسـ َ ِ ـغ ِ مض ـ ِغ ِ فمنـ ُـذ الحـ ْـر ِ مضـ ُ ب العالم ّيـ ِـة تو َّقـ ْ العلكـ ِـة هـ َـو بمثابـ ِـة ْ العلكـ ِـةْ : ـف ع ـ ْن ْ مض ـ ِغ البالســتيك؛ ُ ِ ِ ِ ِ ِ ـف اسـ ُ المطـ ُ ـي ا ّلــذي ال ّثانيـ ِـة تو َّقـ َ ـاط ِّ الصناعـ ُّ ـي فــي ُصنـ ِع العلكــة واسـتُبد َل بــه َّ ـتعمال الم ّطــاط ال َّطبيعـ ِّ ـرذان المختبـ ِـر ،لكـن َلـ ِ ِ ـارب أنَّهــا تُسـبب نُمــوا ورميــا لــدى جـ ِ ـم ُ َ ُ ًّ َ َ ًّ ِّ ُ يحتــوي علــى مــوا َّد ب َّينــت التَّجـ ِ ُ ـم َيتـ َّ ْ ْ العلك ـ ُة بعــدَ ْ ِ أيضــا أي ـن ســتنتهي ِ ٍ ِ ـي غيـ ُـر الصناعـ ِـة ،و َف ِّكـ ْـر ً ْ َ ح ْظ ُرهــا نتيج ـ َة ض ْغــط م ـ َن ِّ مضغهــا ،فهـ َ قابلـ ٍـة للتَّح ُّلـ ِ ـي. ـل ال َبيولوجـ ِّ ـواب والمالعـ ِـق البالســتيكي ِة عنـ ِـد ِشـ ِ تنــاو ِل (اآليــس كريــم) فــي مخـ ٍ ـتعمال األكـ ِ ـروط :تجنَّـ ِ ـب اسـ َ ـراء ّ َ ِ ِ ٍ ِ اآليــس كريــم ،واخ َتـ ْـر -بــدَ ًل مـ ْن ذلـ َ ـك -تعبئتَهــا فــي مخــروط مـ َن البســكويت. ِ أجـ ِ ـل ْ ـإن مــا يمك ـ ُن ل ـك ُِّل واحـ ٍـد منّــا ْ وب ْعــدُ ،فـ َّ ـهم جمي ًعــا فــي حمايـ ِـة أن ُف ِســنا أن يفع َل ـ ُه م ـ ْن ْ أن نُسـ َ ِ ِ ـم مــا يمكـ ُن ْ وكوكبنِــا قــدْ يكـ ُ الو ْعـ ِ ـي بيـ َن ـون أكثـ َـر بكثيـ ٍـر مـ ْن ك ُِّل هــذا .ول َعـ َّـل َ أن نقــو َم بــه ،ن َْشـ ُـر َ أهـ َّ َّخـ َـذ خطــو ًة واحــد ًة أو خطـ ٍ وأن َنت ِ وز ِ ِ ف ِمـن أفـ ِ مالئنــاْ ، ـوات صغيــر ًة ـراد ُأسـ َـرتِنا وأصدقائنــا ُ َمـ ْن نَعـ ِـر ُ ْ ـن اســتخدا ِم هـ ِ ِ ـل ِمـ ِ نحـ َـو التَّقليـ ِ ـذه المــا َّد ِة ال َعجائب ّيـ ِـة ا ّلتــي «تــدو ُم إلــى األ َبـ ِـد». بســيط ًة لتغييـ ِـر حياتنــا ْ 235 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ِ الصح َّي ِة املشي ..آثا ٌر إيجاب َّيةٌ على احلالة ِّ ُ * الدكتور أكمل عبد احلكيم ُّ ـس البشــري حاليــا لوبـ ٍ ِ يتعـ َّـر ُض أفــرا ُد الجنـ ِ المعديـ ِـة ،يعتبـ ُـر مسـ ً ـؤول ع ـ ْن ـاء م ـ َن ًّ ِّ األمــراض غيـ ِـر ُ ـون وفـ ٍ ـن سـ ٍ ـات بيـن البشـ ِـرِ ، ـف الوفيـ ِ أكثــر مـن نِصـ ِ فمـ ْن بيـ ِ ـبعة وخمســي َن مليـ َ ـاة بشــر ّي ٍة ســنو ًّيا ،يعــو ُد َ َ َ ّ َ ْ ِ ِ ـون منهــا إلــى مـ ٍ ـت وثالثي ـ َن مليـ َ المعديــة ،وهـ َـو ـرض ْأو آخـ َـر م ـ َن األمـ ـبب فــي سـ ٍّ السـ ُ ـراض غيـ ِـر ُ َّ ِ ِ ِ ـل الوف ّيــات ،ومـ ْن بيـ ِ ٍ جمـ ِ مايعـ ُ ـن هــذه الوف ّيــات يكـ ُ ـخاص ـف تقري ًبــا بيـ َن أشـ ـون النِّصـ ُ ـادل %63مــن ُم َ ِ ِ توسـ ُ ممــا َيجعـ ُـل هــذا ـط ال ُع ُمـ ِـر المتو َّق ـ ِع حال ًّيــا لإلنســانّ ، الســبعي َن ،وهـ َـو ُم ِّ ـم يب ُلغــوا بعــدُ س ـ َّن َّ لـ ْ ـف بكونـ ِـه وفيـ ٍ ـف م ـن الوفيـ ِ ـات م َب ِّكــرةً. ـات يت َِّصـ ُ ّ ّ النِّصـ َ َ ٍ ِ عوامــل ُمعديــ ٌةِ ،م ُ ُ ثــل ب فيهــا هــي: ُ ُ األمــراض ا ّلتــي ال تَتســ َّب ُ المعديــة ببســاطةَ ، غيــر ُ واألمــراض ُ ِ ِ ِ ِ ِ الجراثيــ ِم ،والبكتيريــا ،والفيروســات ،والف ْطر ّيــات ،أو ِ غيرهــا مــ َن الكائنــات الح ّيــة ،كمــا أنّهــا ـخص إلــى آخــر ،وتتضم ـن هـ ِ أن ت ِ ال ي ِ ِ ٍ ـراض -علــى سـ ِ مك ـ ُن ْ ـبيل ـذه ال ّطائف ـ ُة م ـ َن األمـ َنتقـ َـل م ـ ْن شـ َّ ُ ُ َ ِ ِ المثـ ِ ِ ـراض ال َق ْلـ ِ المناعــة ّ ـب َّ والس ـكْت َة الدِّ ماغ ّي ـ َة، والشـ ـرايين ،وأمـ َ الح ْصـ ِـر -أمـ َ ـال ال َ الذات ّيــةَّ ، ـراض َ ِ ــرطان ّي ِة ،واألزمــ َة ُّ وأمــراض الكُلــى َّري، والعديــدَ ِمــ ْن أنــوا ِع َ الســك ِّ الشــ َعب ّي َة ،ودا َء ُّ الس َ األمــراض َّ والزهايمــر ،و َقتامــ َة عَدَ ِ الم ِ ســة ال َع ِ وغيرهــا. زمنَــ َة ،وهشاشــ َة العظــا ِمّ ، يــنَ ، َ ُ ـراض الم ِ أن هـ ِ ِ ـم َّ زمنَـ ِـةّ ،إل ـب األمـ ـذه ال ّطائفـ َة مـ َن األمـ ـراض ُيط َلـ ُـق عليهــا أحيا ًنــا -خطـ ًـأَ -لقـ ُ ِ ُ ورغـ َ ِ أن طـ َ َّ ـض الصفـ َة المحــدِّ َد َة لهــا ،وإنّمــا كَونُهــا ناتجـ ًة عـ ْن عوامـ َـل غيـ ِـر ُمعديـ ٍـة ،فبعـ ُ ـس ّ ـول فترتهــا ليـ َ ٍ المناعــة المكتس ِ ِ زمن ِ األمــراض الم ِ ــبة ِ ِ ِ مثــل َن ْق ِ َــةُ ، ســنوات ســتغر ُق أحيانًــا اإليــدز ،وا ّلــذي َي أو ــص ُ َ ِ ُ وسـ ٍ ـرض ُم ْعـ ٍـد. ـنوات ح ّتــى تظهـ َـر أعراض ـ ُه وعالما ُت ـ ُه ،هـ َـو مـ ٌ ُ أن األســباب واالضطرابـ ِ ـات الفســيولوج ّي َة ،تتنـ ّـو ُع وتتعــدّ ُد بيـ َن األنــوا ِع المختلفـ ِـة لألمـ ِ ـم َّ ـراض َ ورغـ َ ـاع ٍ ـرة ،مؤه َلـ ٍـة أو مسـ ِ ِ ٍ ِ المعديـ ِـة ،فإنّهــا تش ـت ُ دة علــى اإلصابـ ِـة، َرك غال ًبــا فــي وجــود عوامـ َـل خطـ ُ ِّ ُ غيـ ِـر ُ ِ والجنــسِ ، ِ ُ ُ ّعــر َض ــر، الخطــر عوامــل هــذه قــدْ أو الن َ َ َّــوع ،والتَّركيبــ َة الوراث ّيــ َة ،والت ُّ تشــمل ال ُع ُم َ والغـ ِ ـن ِ ِ للملوثـ ِ ـل التَّدخيـ ِ ـات البيئ ّيـ ِـة ،باإلضافـ ِـة إلــى بعـ ِ الصح ّيـ ِـةِ ،م ْثـ ِ ـذاء غيـ ِـر الســلوكات غيـ ِـر ِّ ِّ ـض ُّ ِ ِ ـي ِ ـي. أو َ ِّ الح َركـ ِّ ـي ،وق َّلــة النَّشــاط البدَ نـ ِّ الص ّحـ ِّ *) جريد ُة االت ِ عدد 17أكتوبر.2013 ّحاد اإلماراتي ِةُ ، َّ 236 ةّيتامولعملا ُصوصّنلا ِ أن العديــدَ مـ ْن عوامـ ِ وفــي ظِـ ِّـل حقيقـ ِـة َّ الخ َطـ ِـرُ ، ـل َ الصح َّيـ ِـة، وخ بالســلوكات غيـ ِـر ِّ ً المتع ِّلقـ َة ُّ صوصــا ُ ِم ـن الم ِ مكـ ِ ِ ـن َد ْر ُء َخ َط ِرهــاْ ،أو علــى األقـ ِّـل التَّقليـ ُـل م ـ ْن َو ْق ِعهــاَ ،ين ُظـ ُـر كثيـ َ ـراض ـرون لِغالب ّيـ ِـة األمـ َ ُ ـراض يمك ـن الوقاي ـ ُة ِمنهــا ،وللوفيـ ِ ٍ ِ ـات ّ ُ ـج عنْهــا م ـ ْن وف ّيــات ،علــى أنّهــا أمـ ٌ ُ المعديــة ،ومــا َين ُتـ ُ غيـ ِـر ُ ِ الممكـ ِ ـف َّ ـات َ أن تحقيـ َـق ـن تجنُّ ُبهــا إلــى حــدٍّ كبيـ ٍـر، والمؤسـ ُ النّاتجـ ِـة َعنهــا علــى أنّهــا وف ّيـ ٌ كان م ـ َن ُ ِ ِ ٍ ِ ِ ـاليب ـاج إلــى تَطبيـ ِـق أسـ َ ـب اســتثمارات ضخمـ ًة فــي األجهــزة الحديثــة ،واليحتـ ُ هــذه الوقايــة ال يتط َّلـ ُ ِ الجذعي ِ ِ ِ ِ طبي ٍ ِ ــة مع َّقــدَ ٍةِ ،م ْث ِ ــةْ ، اإلجــراءات بعــض بــل إلــى ــل الهندســة الوراث ّيــة أو زراعــة الخاليــا ِ ّ ّ ِ ـيطة ،وزهيـ ِ ـهلة ،والبسـ ِ والتَّدابيـ ِـر السـ ِ ِ ِّضاحــا جل ًّيــا م ـ ْن خـ ِ ـدة ال َّثمـ ِ ـال ـح هــذه الحقيق ـ ُة ات ً ـن ،و َتتَّضـ ُ َّ إجـ ٍ ِ ِ ٍ ـراء بسـ ٍ ـل بشـ ٍ مارسـ ًة ُمنت َظ َمـ ًة علــى التّقليـ ِ ـهل ،وغيـ ِـر ُمك ِْلــف ،م ْثـ ِ ـيط ،وسـ ٍ الم ْشـ ِ ـكل ـي ُم َ مارســة َ ـل ُم َ ـراض ِ ِ ِ ِ ملحـ ٍ ٍ وع َلـ ٍ ـوظ م ـ ْن عامـ ِ ـل َ ـل، ـج عن ـ ُه م ـ ْن أمـ ـي ،ومــا ينتـ ُ الخ َطـ ِـر المرتبــط بق ّلــة النّشــاط البدنـ ِّ ـن بريطان ّي َت ْيـ ِ ـن خير ّي َت ْيـ ِ ـدر حدي ًثــا ع ـ ْن جمع ّي َت ْيـ ِ تعمـ ُـل فــي ـن ،األولــى َ وهـ َـو مــا عــا َد ليؤ ِّكــدَ ُه تقريـ ٌـر صـ َ ِ ِ المشـ ِ ـرطان. السـ والمســانَد َة لمرضــى ّ ـم ُ ـي ،وال ّثاني ـ ُة تو ِّفـ ُـر الدَّ ْعـ َ مارســة َ جتم ـ ِع علــى ُم َ الم َ تشــجي ِع ُ ـرض» ( )Walking Worksأظهـ َـر َّ هــذا التّقريـ ُـر ا ّلــذي يحمـ ُـل عنـ َ أن ممارس ـ َة ـي يــؤ ّدي الغـ َ ـوان «المشـ ُ ِ اآلالف مـ َن البريطان ّييـ َنِ ، أو المالييـ ِ ـي يمكنُـ ُه ْ رياضـ ِـة المشـ ِ ـن َحـ ْـو َل العا َلـ ِم ،و ُي ْمكنُـ ُه أن ينقـ َـذ حيــا َة ث تغييــرا جذريــا وجوهريــا فــي حيـ ِ ـاة الكثيـ ِـر م ـ َن النّـ ِ أن ُي ْحـ ِـد َ ْ ـاس. ًّ ًّ ً ِ ٍ ِ ـراض ـي ،ال يقــي فقــط مـ ْن أمـ ـي ،ومــا َين ُتـ ُ ـي اليومـ ِّ ـج عنـ ُه مـ ْن زيــادة فــي حجـ ِم النّشــاط البدنـ ِّ فالمشـ ُ ِ ـرايينِ َّ ، والشـ ِ القلـ ِ والســكت َِة الدِّ ماغ َّيـ ِـة ،بـ ْـل ُي ْمكنُ ـ ُه ْ ـب َّ أن ُيح ِّقـ َـق فار ًقــا ملحو ًظــا كالذ ْبحــة َّ الصدر َّيــةَّ ، ِ ِ ِ ِ ٍ ِ َّري ،و َع َتـ ِـه َّ األمراض وكثير مـ َن الزهايمـ ِـر، الشـ ـيخوخة مـ ْن نــو ِع َّ السـك ِّ فــي الوقايــة مـ َن اإلصابــة بــداء ُّ الســرطان ّي ِة. ّ هـ ِ ـذه الفائــد ُة األخيــر ُة ِ ِ ـت قــدْ أ َّكدَ تْهــا َّ مؤخـ ًـرا دراس ـ ٌة أو الوقاي ـ ُة م ـ َن األمـالســرطان ّي ِة -كانـ ْ ـراض ّ ٍ ِ ِ ِ نتائجهــا َّ ســاعة المشــي لمــدّ ِة أن ــرت أظه ْ ُ للســرطان ،حيــ َن َ َ أجراهــا علمــا ُء الجمع ّيــة األمريك ّيــة ّ ِ ِ أن ُيح ِّقـ َـق قــدْ ًرا ملحو ًظــا مـ َن ِ ـرطان ال َّثـ ِ يوم ًّيــاُ ،يمكنُـ ُه ْ ـاو ْز َن الوقايـ ِـة ِضــدَّ َسـ ـدي للنِّســاء ال َّلواتــي تجـ َ ـف امـ ٍ ـح َشــم َل أكثــر مـن ثـ ٍ ِ ِ ـرأة ،تَب ّيـ َن َّ أن ـاث وســبعي َن ألـ َ َ ْ مسـ ٍ َ الخمســي َن مـ ْن أعمارهـ َّن ،فمـ ْن خــال ْ يمارسـن المشــي لمــدّ ِة ســب ِع سـ ٍ ِ ـرطان ال َّثـ ِ ـدي الت اإلصابـ ِـة بسـ ـت معــدّ ُ ـاعات أســبوع ًّيا ،كانـ ْ مـ ْن ُكـ َّن ِ ْ َ َ ُ بنســبة ،%14مقارنــ ًة بالن ِ ِ ِ ِ بينهــ َّن َّ ّســاء ّ ثــاث ســاعتين ْأو المشــي لمــدّ ِة يمارســ َن اللتــي كــ َّن أقــل َ ْ سـ ٍ ـاعات أســبوع ًّيا فقــط. 237 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ِ ـوال ِ وعلــى ِ المنـ ِ ـي ،تعـ ُ همـ ٌة و ُمثيــرةٌَّ ، المشـ ِ ـادل نفسـ ِـه ،أظهـ ْ أن ممارسـ َة رياضــة َ ـرت دراسـ ٌة ُأخــرى ُم ّ مة للوقايـ ِـة ِمـن الوفيـ ِ ـاءة والفعاليـ ِـة ،فعاليـ َة األدويـ ِـة والعقاقيـ ِـر ال ِّطبيـ ِـة المســتخدَ ِ فــي الكفـ ِ ـات النّاتجـ ِـة ّ َ َ ّ ّ َّ ُ أيضــا تزيــدُ فــي فعاليتِهــا وكفاءتِهاع ـن فعاليـ ِـة وكفـ ِ ِ ـراض ال َقلـ ِ ـاءة األدويـ ِـة وال َعقاقيـ ِـر ع ـ ْن أمـ ـب ،بـ ْـل ً ّ ْ ّ ِ ِ مة فــي الوقايـ ِـة م ـن الســكت َِة الدِّ ماغيـ ِـة ،وبِخـ ِ المســتخدَ ِ ـاف الفـ ِ ـع ـارق فــي الفعال ّيــة والكفــاءة ،تتم ّتـ ُ ّ َ َّ ُ والعقاقيــر ال ِّطبيــةِ ِ ِ ِ ِ ِ الم ِ واألعــراض الجانب ّيــة ،مقارنــ ًة باألدويــة شــي بانعــدا ِم المضا َعفــات ّ رياضــ ُة َ ا ّلتــي التخلــو م ـن مضا َعفـ ٍ ٍ ـراض جانب ّيـ ٍـة ،هــذا باإلضافـ ِـة إلــى َّ أن تلـ َ ـك األدوي ـ َة والعقاقيـ َـر ـات وأعـ ْ ـاول عـ ٍ أن الوقايـ َة مـن عـ ٍ ـدد مـ َن األمـ ِ ـب تنـ َ مرضــا أو آخـ َـر ،بمعنــى َّ ـدد تَسـ ُ ـتهدف غال ًبــا ً ـراض ،قــد َيتط ّلـ ُ ْ ـاالت المضا َعفـ ِ مـن العقاقيـ ِـر ،وهــو مايزيــدُ مـن احتمـ ِ ـات ،و ُيرهـ ُـق ميزان ّيـ َة المريـ ِ الرعايـ ِـة َ َ َ ـض ،ونظــا َم ِّ ِ ِ ِ ـي ،وا َّلــذي دائمــا ماتكـ ُ ِ بالمشـ ِ مجان ّيـ ًة. ـون تَكلف ُتـ ُه صفر ّيـ ًة ّ ِّ ً الصح َّيــة ُبر َّمتــه ،مقارنـ ًة َ َّمشــي أثــرا إيجابيــا علــى الحالـ ِـة النَّفسـي ِة ِّ ِ ـيِ ، أو الت ّ ألي مـ َن والذهن َّيــة ،اليمكـ ُن ٍّ َّ ًّ ً المشـ ُ وأخيـ ًـراَ ،يتـ ُـر ُك َ ـل ُسـ ُب ِل الوقايـ ِـة مـ َن األمـ ِ ـي ِضمـ َن أفضـ ِ العقاقيـ ِـر ْ المعديـ ِـة. ـراض غيـ ِـر ُ المشـ َ ممــا يجعـ ُـل َ أن َت ْب ُل َغـ ُهّ ، 238 ةّيتامولعملا ُصوصّنلا أتريدون حتسني مزاجكم؟ البستنة قد تكون احلل األنسب واألوفر باميال كسرواين فــي عالــم متســارع الوتيــرة وكثيــر الضغــوط ،غال ًبــا مــا نبحــث عــن طــرق جديــدة لالســترخاء والهــرب حتــى لــو لبضــع دقائــق مــن ضجيــج الخــارج .كثيــرة هــي الوســائل التــي باتــت متوفــرة لنــا، كالعالجــات البديلــة والتأمــل و(اليوغــا) وغيرهــا ...ولكــن ،هــل فكرتــم يو ًمــا بــأن مجــرد االهتمــام بنباتاتكــم المنزليــة أو العنايــة بالحديقــة ،أو االنخــراط بمجموعــة «البســتنة» لــه فوائــد علــى صحتكم العقليــة والنفســية والجســدية؟ تحــول إلــى بالفعــل مــا بــات ُيعــرف بـ«عــاج البســتنة» أو ( )Horticulture therapyباللغــة اإلنجليزيــة ّ نزعــة «عالجيــة» إذا صــح التعبيــر فــي مختلــف أنحــاء العالــم .وعلــى الرغــم مــن وجــود متخصصين فــي هــذا العــاج ،وجمعيــات ومؤسســات تقــدّ م هــذه الخدمــات ،فقــد تكــون «البســتنة» فــي متنــاول الجميــع .بضــع نباتــات ومرشــة ورفــش وأســمدة طبيعيــة و«يــد خضــراء» لتنمــو وت ُّزهــر وتتألــق حديقتــك ...ونفســيتك! ما هو «عالج البستنة»؟ أثبتــت الســنوات أن عــاج البســتنة ف ّعــال علــى صحــة اإلنســان العقليــة والنفســية ،وال ســيما ّ أن هــذه المنافــع تــم توثيقهــا منــذ العصــور القديمــة .ففــي القــرن التاســع عشــر ،كان (د .بنجاميــن راش)، المعــروف بـ«أبــي الطــب النفســي األمريكــي» ،أول مــن تحــدث عــن تأثيــر االهتمــام بالحديقــة علــى األفــراد الذيــن يعانــون مــن أمــراض نفســية .وفــي األربعينيــات والخمســينيات ،القــت هــذه الممارســة قبـ ً ـول كبيـ ًـرا فــي الرعايــة التأهيليــة لقدامــى الحــرب فــي المستشــفيات .واكتســب عــاج البســتنة المزيــد مــن المصداقيــة ،ودمــج الح ًقــا فــي مجموعة أوســع مــن التشــخيصات والعالجات. أقوال جاهزة: بضــع نباتــات ومرشــة ورفــش وأســمدة طبيعيــة و«يــد خضــراء» لتنمــو وتُزهــر وتتألــق حديقتــك... ونفســيتك! 239 كتاب النصوص للصف احلادي عشر ـم اللجــوء إلــى هــذا العــاج إلــى جانــب عالجــات أخــرى لمســاعدة الخاضعيــن لــه فــي اليــوم ،يتـ ّ تعلــم مهــارات جديــدة أو اســتعادة مهــارات فقدوهــا. وقامــت مؤسســات خاصــة عديــدة بهــذه الممارســات ،مثــل «مؤسســة عــاج البســتنة األمريكيــة»، فــي تحديــد أنــواع مختلفــة مــن هــذه العالجــات ،التــي تضــم جميعهــا مشــاركة «مريــض» فــي متــدرب. نشــاطات البســتنة ،التــي يو ّفرهــا معالــج ّ وهنــاك «البســتنة االجتماعيــة» التــي تش ـكّل نشــا ًطا ترفيه ًّيــا متعل ًقــا بالنباتــات والبســتنة ،مــن دون تحديــد أهــداف عالجيــة ،بــل التركيــز علــى التفاعــل االجتماعــي. أمــا «البســتنة المهنيــة» ،فهــي عنصــر أساســي مــن برنامــج «البســتنة العالجيــة» ،إذ تر ّكــز علــى توفيــر التدريــب الــذي يســمح لألفــراد بالعمــل فــي هــذا المجــال ،بشــكل فــردي أو ضمــن مؤسســة معينــة. ونجــد أنوا ًعــا مختلفــة مــن الحدائــق التــي تشـكّل ســاحة مالئمــة لعالجــات البســتنة .ويقــدّ م ّ كل منها منافــع محــددة .وتغــص «حدائــق الشــفاء» ( )Healing gardensبالنباتــات الخضــراء واألزهــار والمــاء وأشــكال طبيعيــة أخــرى ،تكــون -غال ًبــا -فــي المستشــفيات أو مراكــز الرعايــة الصحيــة األخــرى، لتتحــول إلــى مـ ٍ ـكان للخلــوة والراحــة .وتأتــي «حدائــق الشــفاء» بثالثــة أنــواع ،الحدائــق العالجيــة، ّ وحدائــق عــاج البســتنة ،والحدائــق اإلصالحيــة ،التــي تتداخــل جميعهــا بعضهــا ببعــض. التأثيرات اإليجابية... يــرى عالــم النفــس المتخصــص فــي علــم األعصــاب( ،د .ألبيــر مخيبــر) ،أن «عــاج البســتنة» شــبيه بأ ّيــة هوايــة تســاعدنا علــى «االنفصــال» عــن واقعنــا اليومــي ،وال تحمــل معهــا ضغــوط «األداء» الجيــد .وبالتالــي ،تمنــح منافــع إيجابيــة .ويقــول« :عــدا ابتعــاد أو انقطــاع عــن الواقــع ،يوفــر عــاج البســتنة فرصــة الحركــة والتماريــن التــي قــد تُحفــز األفــراد الذيــن ال يملكــون الدوافــع لممارســة الرياضــة مثـ ًـا ،أو معظــم األفــراد الذيــن يمضــون ســاعات طويلــة جالســين إلــى مقاعــد مكاتبهــم». أيضــا فــي تحســين الذاكــرة والقــدرات اإلدراكيــة ومهــارات اللغــة ،والتفاعــل يســاعد عــاج البســتنة ً مــع اآلخريــن ،إضافــة إلــى تقويــة العضــات وتحســين التنســيق والتــوازن ،والقــدرة علــى التحمــل. 240 ةّيتامولعملا ُصوصّنلا وبمــا أن البســتنة تحملكــم علــى التعامــل مــع النباتــات التــي تنمــو وتنضــج ثمارهــا وتتســاقط أوراقهــا وتذبــل ،فهــي قــد تســاعد كل مــن يعانــي مــن صدمــة خســارة شــخص عزيــز علــى التعامــل خصوصــا مــع الوضــع ،وتق ّبــل مجــرى الحيــاة .إضافــة إلــى أن رعايــة النباتــات ،تســاعد األفــراد - ً ـس المســؤولية. األطفــال -فــي تع ّلــم أهميــة رعايــة اآلخريــن ،واالهتمــام بالتفاصيــل وحـ ّ كمــا أنهــا تح ّفــز الحــواس الخمــس ،خال ًفــا لمعظــم النشــاطات الترفيهيــة األخــرى .فقــد أثبتــت الدراســات أنهــا ترفــع معــدالت «هرمونــات الســعادة» .كيــف ذلــك؟ التعــرض لمســاحات خضــراء يســاعد فــي تقليــص معــدالت (الكورتيــزول) ،أي هورمــون الضغــوط ،الــذي يتحكّــم بالمــزاج والذاكــرة والمناعــة. العودة إلى الطبيعة «الطبيعــة هــي أفضــل إطــار لعــاج الصدمــات» ،أو المشــاكل النفســية وضغــوط الحيــاة اليوميــة خصوصــا أن معظمنــا يمضــي ســاعات طويلــة محتجـ ًـزا داخــل جــدران المكتــب ،ومــن المتســارعة، ً دون أي حركــة تُذكــر. ظهــر «العــاج البيئــي» ( )Ecotherapyالــذي ُيعرفــه (د .مخيبــر) بأنــه «مجموعــة واســعة مــن البرامــج العالجيــة التــي تهــدف إلــى تحســين الرفاهيــة العقليــة والجســدية مــن خــال ممارســة النشــاطات الخارجيــة فــي الطبيعــة». وال يقتصــر العــاج البيئــي علــى عــاج البســتنة ،بــل يتضمــن باقــة واســعة مــن الممارســات، كالعــاج بمســاعدة الحيوانــات أو النشــاطات فــي البريــة ،أو العمــل علــى التوعيــة حــول أهميــة الطبيعــة ،أو حتــى كيفيــة التعامــل مــع «أســفنا وقلقنــا» حيــال مــا قــام بــه اإلنســان لكوكبنــا ،وكل التأثيــرات علــى البيئــة والمنــاخ. إال أن «عــاج البســتنة» قــد ال يكــون الحــل األنســب لــكل المشــاكل .يقــول (د .مخيبــر)« :ال يســعنا أن نضــع كل العالجــات البديلــة فــي ســلة واحــدة ،وال بــد أن نتجنــب الحكــم علــى فعاليــة وســيلة محــددة علــى مجموعــة واســعة مــن المشــاكل النفســية .فهــي قــد تســاعد فــي بعــض الحــاالت 241 كتاب النصوص للصف احلادي عشر وتفشــل فــي حــاالت أخــرى» .ويعطــي مثـ ً ـال علــى االضطرابــات الجســدية ،ويوضــح« :مضــادات (الهيســتامين) تســاعد الذيــن يعانــون مــن الحساســية لكنهــا لــن تفيــد إذا كنــت تعانــي مــن كســر فــي القــدم ،األمــر نفســه ينطبــق علــى علــم النفــس .فالبســتنة قــد تســاعد فــي تخفيــف القلــق ،ولكنهــا قــد تكــون غيــر فعالــة فــي اضطرابــات أخــرى». ويضيــف« :بشــكل عــام ،هــذه األنــواع مــن الممارســات ،إال فــي حــال كانــت مجــرد هوايــة لالســترخاء ،ال بــد أن تُســتكمل بالعالجــات .فهــذا النــوع مــن الممارســات الــذي يركّــز علــى االهتمــام سيســاعد علــى تخفيــف أعــراض القلــق أو االكتئــاب ،لكــن هنــاك حاجــة إلــى العــاج النفســي لتغييــر األنمــاط المعرفيــة والســلوكية التــي قــد تكــون الســبب وراء االضطرابــات الظاهرة». 242 ةّيتامولعملا ُصوصّنلا الروبوتات ..هل جتعل احلياة أسهل مدى خالد مت ترشيح هذا النص من الطالبتني عائشة راشد أحمد الظنحاين من مدرسة مربح للتعليم الثانوي، ّ وحفصة راشد أحمد الظنحاين من مدرسة االبتهاج للتعليم األساسي قــد يصبــح اإلنســان اآللــي الــذي يشــبه البشــر فــي مظهــره وســلوكه مشــهدً ا معتــا ًدا فــي المســتقبل القريــب ،مــا يثيــر تســاؤالت مهمــة حــول وضــع تلــك اآلالت وحقوقهــا ودورهــا فــي المجتمــع. حتــى نفهــم األمــور فــي ســياقها الطبيعــي ،ســأبدأ بالحديــث عــن زمــن أجدادنــا ،هــم كانــوا فــي عالــم ليــس فيــه حواســيب وال هواتــف وال كهربــاء وال ســيارات ،أي باختصــار ،ليســت فيــه أي مــن قصصــا حــول وصــول أول وســائل الراحــة التــي نعدّ هــا اليــوم مــن المســلمات .ولطالمــا ســمعنا ً مصباحــا كهربائ ًيــا فــي غرفــة ســيارة إلــى المدينــة ،وكيــف أن واحــدً ا فــي المنطقــة أصبــح يمتلــك ً المعيشــة ،وكان األطفــال الذيــن يســكنون فــي المنطقــة يتجمعــون عنــده لمشــاهدة هــذه األعجوبــة الحديثــة. ال يســتطيع شــباب الجيــل المعاصــر تخ ّيــل هــذا النــوع مــن المعيشــة ،لكــن الحقيقــة أن هــذا كان واقــع الحيــاة فــي البلــدان اإلســكندنافية قبــل بضعــة أجيــال فقــط ،وال أســتطيع أن أتخ ّيــل كيــف ـي اآلن هــو تصــور حيــاة أحفــادي ،أي كانــت جدتــي ســتتصور حياتــي اآلن .ومــا يبــدو عص ًّيــا علـ ّ بعــد جيليــن فقــط فــي المســتقبل .لكــن بنــا ًء علــى مــا أعرفــه اليــوم ،فإننــي علــى يقيــن مــن شــيء واحــد ،وهــو أنهــم سيعيشــون مــع (الروبوتــات) أو البشــر اآللييــن. نحــن نقتــرب كل يــوم مــن «عصــر اإلنســان اآللــي» ،وهــو واقــع اجتماعــي ســتلعب فيــه أنــواع مختلفــة مــن (الروبوتــات) ،وخاصــة اإلنســان اآللــي الشــبيه بالبشــر فــي المظهــر والتصرفــات، مهمــا فــي ســلوكنا وتفاعلنــا مــع اآلخريــن ومــع التقنيــات المحيطــة بنــا ،وهنــاك العديــد مــن دورا ً ً األســباب لهــذا األمــر. فــي األيــام األولــى (للروبوتــات) ،كان النــاس جميعهــم إليهــا كأدوات تُســتخدم بصــورة أساســية في خطــوط اإلنتــاج ومســتودعات التخزيــن ،لكــن تلــك النظــرة تغيــرت فــي الســنوات األخيــرة .فأصبح 243 كتاب النصوص للصف احلادي عشر مــن الســهل اآلن أن نعتبــر (الروبوتــات( «وســائط» ،ويتوقــع العديــد مــن العلمــاء والمفكريــن أن تصــل اإلمكانيــات المحتملــة لتقنيــات (الروبوتــات) إلــى كل نواحــي الحيــاة البشــرية .فــي «عصــر اإلنســان اآللــي الشــبيه بالبشــر» ســتبقى بعــض (الروبوتــات) مجــرد أدوات ،فيمــا ســيصبح بعضهــا اآلخــر شــركاء وربمــا أصدقــاء. مــاذا عــن الرجــل اآللــي فــي السياســة والمجتمــع؟ هــل نتوقــع بحلــول عــام 2045أن نــرى ً دول تحكمهــا وتديــر مؤسســاتها (الروبوتــات)..؟ توقــع تقريــر متخصــص أن تتحــول نبــوءات «الخيــال العلمــي» عــن عالــم يحــل فيــه اإلنســان اآللــي للسياســة وصناعــة القــرار محــل اإلنســان العــادي بحلــول عــام .2045 هــل يبــدو ذلــك قصــة مــن الخيــال العلمــي؟ ربمــا ،لكــن الحقيقــة أننــا نملــك اليــوم تقري ًبــا التقنيــات الالزمــة جميعهــا لتحويــل هــذه الســيناريوهات إلــى واقــع ،ومــا علينــا إال جمعهــا م ًعــا. البــد أن نعــرف ،أنــه تــم ابتــكار (روبوتــات) تســتطيع تتبــع تضاريــس األرض ،واختيــار طــرق بديلــة؛ بــل إن منهــا مــا يســتطيع حمــل اإلمــدادات مــن األســلحة والذخيــرة وتطهيــر األرض مــن األلغــام، واالضطــاع بأعمــال الحراســة؛ ومــا زال العمــل جار ًيــا علــى تطويرهــا ،لتصبــح قــادرة علــى اللمس مهماتهــا. يحســن أداءهــا ،ويزيدهــا ســرعة ومقــدرة فــي إنجــاز ّ والشــم والســمع والتــذوق ،وكل مــا ّ كمــا تطمــح الواليــات المتحــدة األميركيــة إلــى تطويــر (روبــوت) يحــارب فــي الخطــوط األماميــة، ويســتطيع تســلق الحواجــز ،ويســبح تحــت المــاء ،ويراقــب (الروبوتــات) العســكرية األخــرى. كمــا جنــدت (روبوتًــا) كــروي الشــكل يتدحــرج علــى األرض ،ويســتقر علــى ثــاث قوائــم ـدو، (تليســكوبية) ،ويخــرج رأســه مــن فتحــة فيــه ،مســتطل ًعا المــكان المحيــط الكتشــاف قــوات العـ ّ فتبــادر مستشــعرات الحــرارة والحركــة المــزود بهــا إلــى تجهيــز أســلحة فــي داخلــه ،وتصويبهــا مــن خــال فتحــة أخــرى نحــو األعــداء. وكذلــك ُطــورت (روبوتــات) لتالئــم الطبيعــة ،وتغــوص فــي المحيطــات ،لتدميــر األلغــام البحريــة. كمــا أن بعــض العلمــاء يحــاول تطويــر جنــدي علــى هيئــة (روبــوت) صغيــر جــدًّ ا ،يســتطيع الزحــف والوثــب والطيــران فــوق حقــول األلغــام وفــي الصحــراء وعلــى الشــواطئ ،ليتجســس علــى العــدو، 244 ةّيتامولعملا ُصوصّنلا ويزيــل األلغــام ،ويكتشــف األســلحة الكيماويــة. وقــد ُأنتــج (روبــوت) ميكروهوائــي بحجــم ذبابــة ،خصــص (البنتاغــون) لتطويــره مبلــغ 60مليــون دوالر .وتســتطيع هــذه الذبابــة حمــل مصـ ِّـورات لمراقبــة جنــود األعــداء أو اصطيادهــم وقتلهــم، بواســطة دس الســم فــي أعناقهــم. دورا فــي مجــال الحركــة والقيــادة ،وهــو يمكــن (للروبــوت) التحــدث بعــدة لغــات ،وأن يــؤدي ً ال يحتــاج إلــى توصيــل مباشــر بمصــدر تغذيــة خارجــي ،وإنمــا يعمــل ببطاريــة قابلــة للشــحن، ويكتشــف ذات ًيــا ضعفهــا فيطلــب إعــادة شــحنها ،أو يتجــه (الروبــوت) نفســه إلــى أقــرب مقبــس كهربائــي ،حيــث يتولــى شــحنها بنفســه .كمــا أمكــن إنتــاج روبــوت مــزود بخاليــا كهروضوئيــة تتغــذى بالطاقــة الكهربائيــة المســتمدة مــن الشــمس. رغــم كل هــذا االهتمــام والتوجهــات العالميــة المتزايــدة بتكنولوجيــا (الروبــوت) ،إال أننــا ال نجــد لهــا صــدى فــي عالمنــا العربــي ،فمــا زالــت تكنولوجيــا (الروبــوت) وتطوراتهــا وآفاقهــا الواعــدة غيــر مألوفــة فــي عالمنــا العربــي ،ومــا زلنــا نعانــي مــن القصــور الشــديد فــي األخــذ بمقومــات تطبيــق تكنولوجيــا (الروبــوت) ،كمــا أن الثقافــة (الروبوتيــة) فــي عالمنــا العربــي تــكاد تكــون معدومــة، ورغــم أن (الروبوتــات) لــم تعــد تدخــل ضمــن بــاب الخيــال العلمــي ،إال أن أفــكار بعضنــا فــي عالمنــا العربــي عنهــا ال تــزال أقــرب ألفــام وتصــورات الخيــال العلمــي. قبــل أن تغــزو الروبوتــات منازلنــا ،هنــاك ضــرورة عاجلــة إلعــداد أبنائنــا للثــورة (الروبوتيــة) الواعــدة ،مــن خــال التوســع فــي نشــر ثقافــة (الروبــوت) مــن خــال إدخــال علــوم (الروبــوت) والــذكاء الصناعــي فــي مدارســنا وجامعاتنــا ،وكذلــك التوســع فــي نشــر المراكــز والنــوادي العلمية، وذلــك لتأهيــل أبنائنــا للتعامــل مــع الروبوتــات ومتابعــة التطــورات الســريعة المتقدمــة فــي هــذا المجــال. ولكــن ربمــا فــي العصــر الــذي ســيعيش فيــه أطفالنــا وأحفادنــا ســيكون البشــر اآلليــون أكثــر مــن مجــرد آالت .وســنتعلم كيفيــة إدماجهــم فــي حياتنــا اليوميــة بالســهولة ذاتهــا التــي أصبحــت فيهــا الهواتــف الذكيــة والحواســيب جــز ًءا مــن حياتنــا العاديــة اليــوم. 245 كتاب النصوص للصف احلادي عشر صناعة املستقبل حازم الببالوي مت ترشيح هذا النص من الطالبتني عائشة راشد أحمد الظنحاين من مدرسة مربح للتعليم الثانوي، ّ وحفصة راشد أحمد الظنحاين من مدرسة االبتهاج للتعليم األساسي اختالف النظرة للمستقبل: كان موقــف اإلنســان مــن المســتقبل دائمــا بالــغ الغمــوض والحيــرة إذ تــراوح بيــن التفاؤل والتشــاؤم مــن ناحيــة وبيــن العجــز والقــدرة مــن ناحيــة أخــرى ومــع ذلــك فإنــه يبــدو أن أحــد مكتســبات العصر الحديــث هــو ثقــة اإلنســان فــي نفســه وفــي مســتقبله وأنــه بــدأ يعمــل مــن أجــل المســتقبل ويخطــط ـدرا محتو ًمــا أو كتا ًبــا مغل ًقــا بقــدر مــا هــو نتيجــة لإلعــداد والترتيب. لــه وهكــذا فالمســتقبل لــم يعــد قـ ً سبب اهتمام اإلنسان بالمستقبل: و اهتمــام اإلنســان بالمســتقبل راجــع فــي جــزء منــه إلــى زيــادة قــدرات اإلنســان وبالتالــي تأثيــره على بيئتــه ففــي الماضــي البعيــد وقــف اإلنســان عاجـ ًـزا أمــام قــوى الطبيعــة التــي شــكلت حياتــه وظروفــه ومــن هنــا فقــد كان التغييــر محــدو ًدا فهــو يخضــع لنامــوس طبيعــي قــل أن يتغيــر وبالتالــي فقــد تغيــر نمــط حياتــه علــى الظــروف الجويــة واختــاف الفصــول وطبيعــة البيئــة المحيطــة بــه والتــي قــل أن تتغيــر ّأل عندمــا تقــع الكــوارث الطبيعيــة مــن فيضانــات أو زالزل أو أعاصيــر أو امــراض وهكــذا. النظرة القديمة للمستقبل: فقــد كانــت نظــرة اإلنســان إلــى المســتقبل هــي نظــرة الخــوف والترقــب مــن أهــوال ومصائــب الطبيعــة أمــا مــا عــدا ذلــك فــإن العــادة والتقاليــد كفيلــة بترتيــب أمــور الحيــاة مــن الرعــي أو الصيــد أو فــي الزراعــة فمــع ركــود المجتمعــات وبــطء التغييــر لــم تقــم الحاجــة إلــى اإلعــداد للمســتقبل الــذي لــم يخــرج عــن اســتمرار وتكــرار للحاضــر والماضــي فالوقــت يمضــي والزمــن ال يتغيــر. الثورة الصناعية تغير النظرة للمستقبل: و مــع زيــادة قــدرة اإلنســان علــى التأثيــر فــي البيئــة خاصــة مــع الثــورة الصناعيــة لــم يعــد المســتقبل مجــرد تكــرار للماضــي فتعــدد وتنــوع وســائل اإلنتــاج واكتشــاف الجديــد مــن المناجــم أو المعــادن 246 ةّيتامولعملا ُصوصّنلا والتعــرف علــى بــاد جديــدة واتســاع قاعــدة التجــارة والمواصــات كل ذلــك فتــح بــاب التغييــر فاختلــف اليــوم عــن األمــس ولــم يعــد الغــد مجــرد صــورة لليــوم. ضرورة االهتمام بالمستقبل والتخطيط له: و االهتمــام بالمســتقبل هــو تعبيــر عــن إدراك قــوى التغييــر والتجديــد فمــا حاجتنــا إلــى اإلعــداد للمســتقبل إذا لــم تكــن هنــاك احتمــاالت للتغييــر وهكــذا بــدا النظــر إلــى المســتقبل نظــرة جديــدة مــع التغييــر المســتمر فــي ظــروف الحيــاة وقواعــد اإلنتــاج وحاجــات األفــراد والجماعــات. التغيير سر االهتمام بالمستقبل: فالوعــي بالمســتقبل واالهتمــام بــه هــو وليــد التغيــر المســتمر الناشــئ عــن الزيــادة المطــردة فــي ســيطرة اإلنســان علــى بيئتــه وهكــذا أدى تحــرر اإلنســان مــن ربقــة وعبوديــة الطبيعــة كمــا ســاعدت ســيطرته عليهــا وتســخيرها لــه إلــى فتــح آفــاق متعــددة للمســتقبل ممــا أوجــب االهتمــام بــه واإلعداد لــه. الوعــي بالمســتقبل كحقيقــة مســتقلة إنمــا هــو نتيجــة لالعتــراف بإمكانــات التغييــر فبــدون تغييــر ال للقصــة نفســها ال فــرق معنــى للمســتقبل وال قيمــة للتاريــخ وكل مــا هنــاك هــو صــور متكــررة ومعــادة ّ بيــن ماضــي وحاضــر ومســتقبل ســوى مــرور الوقــت. اإلنسان كائن ذو حضارة وتاريخ: و مــن هنــا كان اإلنســان ذا حضــارة وتاريــخ ألنــه اســتخدم الوقــت المتــاح فــي إجــراء الغييــرات والتجديــدات فــي ظــروف حياتــه ونشــاطه وللســبب نفســه لــم تعــرف مملكــة النحــل أو النمــل مثـ ًـا ً تطــو ًرا تاريخــا أو حضــارة ألنهــا رغــم تنظيمهــا االجتماعــي المتقــدم فإنهــا لــم تعــرف تغيــرا أو ّ ً ولنفــس الســبب فإنهــا ليســت فــي حاجــة إلــى اإلعــداد للمســتقبل أو صناعــة الحضــارة وهــذا شــأن الجماعــات. وتثيــر قضيــة صناعــة المســتقبل مشــكلة التخطيــط واإلعــداد للمســتقبل فــإذا كان مــن الصحيــح وهــو صحيــح -أننــا نختــار المســتقبل بأفعالنــا فإننــا فــي حاجــة دائمــة ومســتمرة للتخطيــطواإلعــداد للمســتقبل. 247 كتاب النصوص للصف احلادي عشر 248 249 ﻋﺮﺑﻲ ﻣﺮﻛﺰ اﺗﺼﺎل وزارة اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ www.moe.gov.ae اﻗﺘﺮاح -اﺳﺘﻔﺴﺎر -ﺷﻜﻮى ccc.moe@moe.gov.ae 04-2176855 80051115 ﻣﺮﻛﺰ اﺗﺼﺎل وزارة اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻗﺘﺮاح -اﺳﺘﻔﺴﺎر -ﺷﻜﻮى ccc.moe@moe.gov.ae 80051115 www.moe.gov.ae 04-2176855 ﻣﺮﻛﺰ اﺗﺼﺎل وزارة اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻗﺘﺮاح -اﺳﺘﻔﺴﺎر -ﺷﻜﻮى www.moe.gov.ae ccc.moe@moe.gov.ae 04-2176855 80051115 English Ministry of Education - Call Centre